رواية وحدك حبيبتي

محتويات المقالة

9ـ لا أريد قيسًا سواك

 

 

 

نامت ليلى نومًا متقطعًا وهي تراه كلما أغمضت عينيها ، استيقظت متلهفة تترقب وجوده في أية لحظة ،  لكنه لم يأتِ ، نسى وعده لها كما نسى كل الوعود السابقة ، لكم تبغضه ..! لم تشعر بالإهانة إلا عندما تتعامل معه ، من يصدق ما يفعله بها ؟  ماذا سيحدث لو علم فؤاد بما آل إليه أمرها ؟ ماالذي سيقوله دكتور عبد الرحمن أو أي زميل آخر تصل مسامعه أخبارها المخجلة ؟ منذ متى وهي لا تجيد التحكم بانفعالاتها إلى هذا الحد ؟

كانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة مساء عندما دلف إلى الحجرة وحدق في وجهها العابس قائلًا :

– ألم تستعدي بعد ؟

قالت كمن استيقظ من غفوة طويلة :

– ظننتك نسيت ما وعدتني به

ابتسم قائلًا :

– كنت أتمنى .. لكنني لم أستطع

نظرت إليه في مزيج من السعادة والاستنكار فاتسعت ابتسامته قائلًا :

– أين تريدين الذهاب ؟

أجابته فيحماس :

– الملاهي بالطبع

بدل ملابسه سريعًا واتجه إلى الباب قائلًا :

– سأنتظرك بالسيارة ، لا تتأخري

لم تستغرق وقتًا حتى أسرعت تغادر المنزل .. تراقبها عينان ناريتان من خلف إحدى النوافذ .. ابتعدت قليلًافاستدارت نجوى إلى سميرة وهي تهتف في ثورة وضيق :

– انظري إلى هذه القروية ، انظري ماذا ترتدي؟!

ـ ما الذي ترتديه ؟

ابتعدت نجوى عن النافذة لتترك لـ سميرة فرصة المشاهدة .. فصاحت الأخيرة مستنكرة :

ـ ما هذا ؟! جينز وتي شيرت ..!

التفتت إلى نجوى وابتسمت قائلة :

– اطمئني .. سيقتلها ممدوح ما إن يراها

زفرت نجوى وهي تكاد تنفجر غيظًا :

– ليته يفعل..!  هذه اللعينة تثير جنوني

 

صعدت ليلى إلى السيارة وهي تبتسم قائلة :

– هل تأخرت عليك ؟

أجابها دون أن يلتفت إليها :

– كلا

نظرت إليه وهمت أن تعترض على شيء ما ، لكنها فضلت الصمت الذي ساد بينهما طويلًا حتى شعرتبالضجر فهتفت ساخطة :

– تبدو وكأنك مرغمًا على هذه النزهة

أجابها في نبرة واثقة :

– لا يستطيع أحد أن يرغمني على فعل شيء لا أريده

– لماذا تصمت إذًا ؟

– أنا فقط منتبه للطريق أمامي

توقف أخيرًا أمام أحد الملاهي الكبيرة واستدار إليها قائلًا :

– هيا لقد وصـ …..

قطع عبارته فجأة واتسعت عيناه في صدمة قائلًا :

– ما هذا ؟

قبل أن تعلق بشيء كان قد استدار عائدًا بالسيارة وكأن حية قد لدغته ، سألته في دهشة :

ـ ما الذي يزعجك إلى هذا الحد ؟

قال ثائرًا :

– ألم تكفيعن استفزازي يا ليلى ..؟  ما هذا الذي ترتدينه ؟ وما هذه التسريحة البلهاء ؟ ألم ترى نجوى حين تخرج معي فى نزهة ؟

صاحت غاضبة :

– لا تشبهنيبتلك الساقطة

تابعبقسوة :

– معك حق هذه المرة ، فهي امرأة ، أما أنتِ .. فى هذا الجينز .. وهذا الذيل حصان .. تجعليننى أشعر وكأنني خطفتك من إحدى المدارس

ضرب كفًا بأخرى وزفر فى ضيق مردفًا :

– ماذا سيقول كل من يراكِ معي ؟

هتفت بصبر نافد :

– ليس الخطأ فيملابسي أنا ، بل في ملابسك أنت

سألها متهكمًا :

– ملابسي أنا ..؟!

حدق في وجهها ثم أردف غاضبًا :

– هل الخطأ في سترتي أم حذائي ، أو ربما كان في ربطة العنق .. أو في العطر الذي أضعه ؟

زفرت بضيق :

– ما قصدته هو أن ملابسك لا تلائم المكان الذي سنذهب إليه

تابع تحديقه فيها قائلًا :

– هل ذهبت إلى الملاهي الليلية من قبل ؟  هل رأيت الرجال والنساء يقفزون بالجينز فوق حلبة الرقص ؟ هل …….

قاطعته في حدة :

-مهلًا ..ومن قال أنني أريد الذهاب إلى الملاهي الليلية ؟

ضغط كتفهابعنف صارخًا :

– أما زال لديكِ شك في أن إثارتي ليست لصالحك ؟ ألم تخبريني منذ قليل عن رغبتك في الذهاب إلى الملاهى ؟

تراقصت ابتسامة على شفتيها قائلة :

– بلى ، لكنني لم أقصد الملاهي الليلية

ضاقت عيناه وهو يحدق فيه :

– أية ملاهي تقصدين إذًا ؟

ثم أردف وهو يشير بإصبعه محذرًا :

– لا تقولي …….

لم تستطع ليلى أن تتحكم في انفعالاتها المرحة وهي ترى الجنون المتجسد فوق ملامحه ، انفجرت ضاحكة ، عجزت عن النطق واكتفت بهز رأسها موافقة بينما استمر هو يحدق فيها مصدومًاقبل أن يضحكبعصبية قائلًا :

– قلت لي كم عمرك ؟

ـ سأكمل السادسة والعشرين قريبًا

قال ساخرًا :

– احذفي عشرة سنوات إذًا ، أو ربما الأفضل أن تحذفي عشرين ، فهذه الرغبة لا تداعب سوى الأطفال

صاحت غاضبة :

– عد بي إلى المنزل ما دامت رغبتي تضجرك لهذا الحد

ما كادت تنهى عبارتها حتى أدار محرك السيارة وانطلق بها مسرعًا ، حولت وجهها إلى نافذة السيارة حتى لا يرىالكم الهائل الذي انتابها من الغضب والألم ، هل كان ينتظر قولها هذا ليتخلص من صحبتها ؟  ليس من حقه أن يغتال فرحتها بهذا الشكل .. فرحتها ..؟!  ولماذا تفرح وهي بصحبة وقح مثله ؟!

ولماذا لا تفرح ..؟  فرحها شعور طبيعي ، لابد أن تفرح لكونها ستذهب في نزهة بعد أن بقيت حبيسة المنزل كل هذا الوقت ، كما أن وجودها معه خارج جدران المنزل سيتيح لها الفرصة لملاحظة سلوكه بشكل أفضل ، لهذه الأسباب فقط ربما كانت سعيدة ، لا لشيء آخر ، فهو ….

استدارت تنظر إليه عندما توقف أمام أحد المراكز الكبيرة لبيع الملابس الجاهزة ، قال وهو يغادر السيارة

ـ ابقي هنا حتى أعود

انتظرته في لهفة ، وقد خمنت ما سيفعله ، عاد بعد وقت قصيريرتدي بنطلونًا من الجينز ، وتي شيرت أبيض اللون .. تبرز عضلاته المفتولة من كمه القصير ، ممسكًا في يده بسترته التي غلفها بكيس بلاستيكيكبير ..

هل لاحظ أنه يرتدينفس الألوان التي ترتديها ..؟!  هل فعل ذلك عن عمد ؟!

ألقى عليها نظرة سريعة قبل أن يتابع القيادة من جديد فهمست :

ـ أتعلم أنك الآن تبدو أكثر وسامة ؟

نظر إليها في تهكم قائلًا :

– أحقًا ؟

أجابته بسعادة :

– حقًا

التفت إليها وضاقت عيناه ثم ابتسم مرغمًا وهز رأسه قائلًا :

– سأرى إلى أين ننتهي أيتها الطفلة ..!

ترجلا من السيارة أمام إحدى الملاهي الكبيرة ، كان الزحام شديد جدًا ، فغمغم ممدوح ساخطًا :

ـ يبدو أن الحمقى أمثالك كثيرون

ارتعدت .. وانتفض كفها الصغير حين أمسك به ليغرقه في قبضته الكبيرة .. لم يخف عليها ابتعاده عنها مؤخرًا .. لم يحاول لمسها منذ كاد أن يقتلها لكمًا وصفعًا .. ليس من المعقول أن يكون خائف منها ..!  ولكن ليس من المعقول أيضًا .. أن يكون هو الغاضب بعد كل ما فعله بها ..!

شعر بارتباكها ورعدتها .. فالتفت إليها وهتف متهكمًا :

ـ من أجل الزحام فقط

تستطيع الآن أن تقسم بأنها لم تشعر بمثل هذه السعادة من قبل ، ربما يعود هذا لما أبداه من رضا وهو يتنقل معها من لعبة لأخرى ، وربما لتلك الرجولة المفرطة التي يحيطها بها من حين لآخر وتجعل الأخريات ينظرن إليها في غيرة وحسد ، كل ما حولها يتلألأ ببريق رائع ، حتى المصابيح الكهربائية التي تملأ  الملاهى غدت نجومًا في سماء حملها إليها ……

أفاقت من شرودها على صوته وهو يشير إلى أحد التجمعات الكبيرة :

ـ ما رأيك هل تريدين مشاهدة الرقص الشرقي ؟

صاحت بسرعة :

– كلا

ابتسمفأردفت وهيتنظر إليه في مكر :

– إلا إذا كان هناك صديقة لك تود رؤيتها

اتسعت ابتسامته قائلًا :

– كلا ، فأنا لم آت إلى هنا منذ أكثر من عشرين عامًا على الأقل ، لم أكن في سن تسمح بإغوائى حينها

سارا معًا وسط الزحام الذي ما عاد يعنيهما كثيرًا ، همست فجأة بصوت بلغ مسامعه بصعوبة:

– ممدوح أريد أن أطلب منك شيئًا

اقترب بأذنه منها فتابعت في تردد :

–  أنا … أنا جائعة جدًا

قال في تهكم :

– ظننتك ستطلبين مني أن أقبلك

تخضب وجهها احمرارًا وهي تهمس في خجل :

– ممدوح ..!

– آسف يا طفلتي العزيزة إن كنت قد خدشت براءتك

تأملته ساخطة .. فابتسم قائلًا :

-لا بأس ، هيا بنا

ـ إلى أين ؟

ـ سنذهب لتناول الطعام في أي مكان قريب

ـ كلا ، أنا …..

ـ لا تخافي ، سأعود بكِ إلى هنا ثانية

أشارت إلى أحد الباعة الجائلين قائلة :

– أريد فطيرة بالسكر

همس مستنكرًا :

– ليلى …!

ـ جربها وأنا على يقين من أنها ستعجبك

هز رأسه في عدم أقتناع لكنه ما لبث أن تنهد في استسلام قائلًا :

– حسنًا ، كم فطيرة تريدين ؟

ابتسمت قائلة :

– واحدة تكفي

ابتسم قائلًا في لهجة ذات مغزى :

– لا ظني أن واحدة تكفي أبدًا

اتجه إلى البائع واشترى لها ما طلبته ، تناولا وجبتهما سيرًا ، حتى وصلا إلى مقهى صغير فجذبها إليه قائلًا :

– تعالي لنشرب شيئًا بعد هذه الوجبة الدسمة

أشارت إلى صف لا نهاية له قائلة :

– ما رأيك في قرطاس من الآيس كريم ؟

هم بالاعتراض لكنه عاد ليشير بيده قائلًا :

– آيس كريم ، هكذا تكتمل الصورة ، طفلة وأرجوحة وقرطاس من الآيس كريم

ضحكت قائلة :

– نسيت فطيرة السكر والصبي المجاور

بادلها الضحك قائلًا :

-لا تتحركي من هنا حتى أعود ،  فالزحام شديد وسأجد صعوبة في العثور عليكِ

 

تنهدت بعمق وهي تتأمله مبتعدًا ، إنه أطول الموجودين قامة ، وأكثرهم رشاقة ووسامة ، الرجل الوحيد الذي شعرت بقربه بكل هذه السعادة وكأنها لم تقابل رجالًا من قبل كما أخبرها ،الوحيد الذي تخلت معه عن تمردها لكونها خلقت امرأة ، تمنت مرارًا لو أنها خلقت رجلًا ، لماذا الآن تعتز بل وتتلذذ أيضًا بكونها امرأة ، تعشق ضعفها وهي تذوب بين نظراته وابتسامته ؟! هزت رأسها بعنف لتطرد منها أفكارًالا تريد أن تصدقها ، إنه ليس أكثر من تجربة لهدف أسمى ، لقد ارتبطت به لتصعد إلى مكانة أعلى ، لا لتهبط إلى الهاوية وتصبح واحدة من غانياته كما حذروها جميعًا، تنهدت بعمق وأغمضت عينيها تحملها موجة من الحيرة ، عادت لتفتحهما عن أخرهما وهي تحدق فيالرجل ذو الوجه البشع الذي أخذ يتفرس فيهابابتسامة كريهة تكشف عن أسنان أمامية شبيهة بتلك التي للفأر ، أما بقيتها فقد تحطم بعضها واستبدل البعض الآخر بأسنان ذهبية وفضية بدت وكأنها نثرت في فمه الواسع بلا انتظام

ابتلعت ريقها قائلة بصعوبة :

– أتريد شيئًا ؟

ظل يتأملها بنظرات أفزعتها وكأنه لم يسمع ما قالته ، استدار أخيرًا وقال موجهًا حديثه إلى عملاقين آخرين لا يختلفا عنه سوى في قصر القامة ، فقد كانا يمتلكان ذات الجسد الضخم والرأس الأصلع الصغير :

ـ ما رأيكم في هذه الجميلة ؟

بادله الرجلين ابتسامته الكريهة وقال أحدهما :

– يبدو أننا سنمضي ليلة رائعة أيها الزعيم

تلفتت ليلى حولها بحثًا عمن يساعدها ، ولدهشتها وجدت الناس يهرولون وكأنهم لا يرون شيئًا ، تحول الزحام الشديد فجأة إلى ما يشبه الصحراء ،  ذهبت أفكارها إلى ممدوح فوجدت نفسها تهرول بلا وعي ،  بينما أسرع ثلاثتهم خلفها في إصرار الوحوش الجائعة ، شهقت بذعر عندما جذبها أحد القائمين على الألعاب إلى مكان خفي خلف لعبته هامسًا :

– ابقي هنا

انتظرت بأنفاس لاهثة وقلب يكاد يتوقف عن النبض حتى عاد الرجل أخيرًا والقلق يملأ قسماتهوهو يتلفت حوله قائلًا :

ـ لقد ابتعدوا الآن ، لكنهم ما زالوا يبحثون عنكِ ، ولا أظنهم سيتوقفون عن ذلك ، عليك مغادرة هذا المكان حالًا

أجابته في ذعر :

– لقد أتيت بصحبة زوجي

قال الرجل بسرعة :

– ابحثي عنه وأسرعا بالفرار من هنا

ثم أردف محذرًا :

– إذا سقطما فيقبضته لن يساعدكما أحد

عاد ممدوح بعد عناء بالآيس كريم الذي طلبته منه ، جن جنونه عندما لم يجدها ، كاد أن يلقي به أرضًا لولا أنه لمحها تتجه إليه عدوًا ، فتح فمه ساخطًا ليقول شيئًا لكنها ابتدرته قائلة :

– أريد العودة إلى المنزل

سألها بدهشة :

– ماذا حدث ؟ لم يكن هذا رأيك منذ قليل ؟

أجابته بصوت مرتبك :

– أشعر بصداع رهيب لا يمكنني تحمله

قال ساخرًا :

– صداع أم مغص؟!

تحجر الدمع بعينيها وهي تهمس بصوت مختنق :

– ممدوح أرجوك .. عُد بي إلى المنزل ولا تسألني لماذا

تأملها مليًا ثم قال في نبرة هادئة :

– ألن تتناولي الآيس كريم أولًا؟  لقد انتظرت في صف لا نهاية له حتى حصلت عليه

تناولت قطعتها بيد مرتعدة ، وهي تتلفت حولها في ذعر بينما عينا ممدوح لا تفارقان وجهها في محاولة لمعرفة ما لا تريد الإفصاح به ، ما كاد الآيس كريم يمس شفتيها حتى لمحت رأسًا أصلع فسقط من يدها أرضًا وهي تهرول إلى المقهى القريبتاركة ممدوح يتلفت حوله في جنون قبل أنيتبعها إلى الركن المظلم الذي قبعت فيه ، دفنت وجهها بين كفيهاوما كاد يلمسها برفق حتى انتفضت مذعورة وانهمرت دموعها كالمطر ، قربها منه وضمها إليه صامتًا، راح يمسح شعرها بحنان لم تعهده فيه كثيرًا حتى هدأت أنفاسها ، رفعت وجهها إليه وتلاقت عيونهما فهمس :

– هل أنت أفضل الآن ؟

هزت رأسها صامتة وابتعدت عنه قليلًا، يداه ما زالت تحتضن يديها وتغمرهما بدفء كانت في أمس الحاجة إليه .. قال بعد فترة من الصمت :

– هل أخبرتني الآن عما يسبب لك كل هذا الذعر ؟

هزت رأسها قائلة :

– لا شيء

تنهد بصبر نافد وهو يضغط على حروفه قائلًا :

– ثقي أنني أستطيع حمايتك يا ليلى

تأملته طويلًا ، ليقل ما يشاء فهو لم ير هؤلاء العمالقة بعد ، ولكم تتمنى أن لا يراهم أبدًا لأنها على يقين من أن جنونه وتهوره وعجرفته التي لا حد لها ستدفعه إلى المواجهة ، وبعدها .. ربما تخسره للأبد ، لقد طلبت من الله مرارًا أن يوقعه في قبضة من لا يرحم حتى تنتقم لنفسها منه ، لكنها لم تعد تريد ذلك ، لا تريده أبدًا

فوجئت به يقبل يديها بنعومة هامسًا :

– ليلى .. أين أنتِ ؟

تنهدت بمرارة قائلة :

– للأسف ، ما زلت هنا ، دعنا نذهب

نظر إليها فيمزيج من العتاب والغضب :

– ما زلتِ لا تثقين بي

 

مشت معه خطواتها تسابق خطواته .. تنظر حولها في كل الاتجاهات ، تلاقت عيناها الفزعة بعينيه الثائرة فأسرعت تبعدهما في توتر .. عض على شفتيه حتى كادتا أن تنزفا ، كانت تنظر خلفها بينما تسرع الخطى بصبر نافد لتتخلص من الأمتار القليلة التي تفصل بينها وبين بوابة الخروج ، شهقت فزعًا ويأسًاعندما استدارت فجأة تحدق في الوجه الذي زادته قبحًا ابتسامته الكريهة وهو يهتف بصوت أكثر من قوامه غلظة :

 

ـ تأخرتي يا جميلتي ، انتظرناك طويلًا لكننا لم نفقد الأمل

في عيني ممدوح لمحت كل مخاوفها فهتفت وهي تتعلق به في توسل :

-ممدوح ، ليس من الشجاعة أن تدخل في معركة تعلم مسبقًا أنها خاسرة

أجابها في تهكم :

– ربما الشجاعة هيأن أقدمك هدية لهم ..!

أيقنت أنها لن تستطيع إقناعه مهما قالت له .. فوجهت حديثها إلى العملاق قائلة :

– سأذهب معكم بعد أن تتركه يمضي

ابتسم الرجل بشراسة قائلًا :

ـ حسنًا ، يمكنه أن يذهب الآن ، لقد انتهت مهمته على أية حال

انكمشت ليلى في رعبعندما اقترب منها ومد يده ليجذبها نحوه ، لكن قبضة ممدوح كانت أقرب إليه فسقطت على فكه كالصاعقة وهو يصرخ فيه غاضبًا :

– ابتعد عنها أيها الخرتيت

استعاد العملاق توازنه سريعًا ، وراح يقترب من ممدوح والشرر يتطاير من عينيه صارخًا في لهجة بثت الرعب في قلب ليلى :

– سأحطم عنقك أيها الو….

وقبل أن يكمل عبارته كان ممدوح قد انهال عليه بسيل من اللكمات العنيفة أفقدته ما تبقى فيفمه من أسنان دفعة واحدة ، التفت الجموع حولهما ينظرون إلى ممدوح بإعجاب ، أما ليلى فراحت تحدق في ممدوح شاردة ، استطاعت أخيرًا أن تكشف عن وجه ذلك الفارس الملثم الذيلطالما داعب أحلامها في اليقظة والمنام وبحثت عنه طويلًا فلم تجده حتى ظنت أن لا وجود له ، إنه هو من تحب ، لن تنكر ذلك بعد الآن

أفاقت من شرودها حين أمسك بها أحد العملاقين الآخرين بطريقة مقززة فصرخت تستنجد بـ ممدوح ، ما كاد يستدير إليها حتى انتهز العملاق الذي يصارعه الفرصة ليهوى بقبضته على فكهويمزق شفتيه ، تجاهل ممدوح الألم وتوجه لينقذ ليلى لكن العملاق عاد ليركله بعنف في ساقه المصابة ، حاول ممدوح تحمل آلامه صامتًا فـ صرخت ليلى :

– ساقه مصابة أيها المتوحش

نظر إليها ممدوح في غضب لم تفهمه إلا عندما عاود العملاق ركلاته العنيفة على الساق المصابة حتى سقط أرضًا وصرخ في ألم شاركته فيه ليلى التي هتفت باسمه في لوعة جعلت العملاق يستدير إليها قائلًا :

– ما الذي يروقك في هذا الوغد حتى تضحين بنفسك من أجله ؟

انهمرت دموعها وهي تتطلعإلى وجه ممدوح الذي تصبب عرقًا وبدا وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة ، عاد العملاق يصرخ في هستيريا وهو ينظر إلى ممدوح متشفيًا :

– عينيه الجميلتين أم لسانه الوقح ، قولي يا جميلتي وسأسمح لك بالاحتفاظ به

أقترب من ممدوح وهو يزمجر في وحشية :

– أنا أفضل أن أقتلع عينيه .. وسأمنحهما لك هدية

صرخت ليلىوراحت تتشبث بملابسه يائسة ليبتعد عنه ولكنه أزاحها بعيدًا كريشة في مهب الريح .. تراجع المحيطون بهما ذعرًا دون أن يجرؤ أحد منهم على التدخل بينما انحنى العملاق لينفذ فعلته البشعة ، لكنه ما كاد يفعل حتى اصطدمت رأسه بضربة قوية سددها له ممدوح بساقه السليمة ، ضربة جمع فيها كل ما يعتمل في نفسه من ألم وغضب .. وخوف على ليلى ربما أكثر من خوفه على عينيه الذي هدده باقتلاعهما.. ضربته كانت كالجبل الذي انهار فوق رأس العملاق ، فسقط مصدرًا صوتًا عنيفًا وكأنه قنبلةوانفجرت ، استيقظ على إثرهاالحشد المحيط بهما ، أسرع الرجال في صحوة استغرقت زمنًالتحدث ، فانقضوا على العملاقين الآخرين الذين حاولا الهرب دون جدوى ، أوسعوهما ضربًا ثم قيدوهما بالحبال انتظارًا لوصول الشرطة

اندفعت ليلى نحو ممدوح  تحتضنه قائلة :

– ممدوح .. حبيبي.. كنت رائعًا.. من علمك كل هذا ؟

غمغم قبل أن يفقد الوعي :

– صحبة النساء

 

فتح عينيه ببطء ليجد نفسه فوق فرش لأحد العاملين بالملهى ، محاطًا بعشرات الرجال والنساء ، ابتسم أحد الرجال الذيفهم ممدوح من مظهره أنه الطبيب قائلًا :

– حمداًلله على سلامتك أيها البطل ، لقد حقنتك ببعض المسكنات ، لكنك يجب أن تعرض نفسك على المتخصص مرة أخرى

انصرف بعدها تاركًا ممدوح وسط عشرات المراهقات ، اللواتي تسابقن لخدمته و ليلى على رأسهن ، يقدمن له الشراب المثلج والساخن ، ويجففن له العرق المتصبب على وجهه، ويهمسن في أذنيه بسيل من عبارات الإعجاب والغزل ، حاولت ليلى التخلص منهن دون جدوى حتى هتفت إحداهن ساخطة :

– صديقتك تغار عليك بشكل لا يطاق

بادلتها ليلى سخطها قائلة :

– أنا زوجته ولست صديقته

همس ممدوح في أذنها مبتسمًا :

– أرجو أن تتذكري هذا حين نعود للمنزل

تجاهلت عبارته قائلة :

– هؤلاء هن حشراتك إذًا

ابتسم قائلًا :

– حشرات صغيرات لم تنضج بعد

زفرت بصبر نافد قائلة :

– هل نستطيع الذهاب الآن ؟

أجابها وهو يحاول النهوض :

– أظن هذا

 

مشت بجواره مزهوة ، جعله المحيطون به بطلًا بعد أن خلصهم من هؤلاء السفاحين الذين حولوا الملاهي إلى مدينة للرعب وهم يهاجمونها من وقت لآخر للسطو على الرجال أو خطف النساء كما فعلوا الليلة..ولم يجرؤ أحد على الشهادة ضدهم ، سواء من العاملين بالملاهي أو مرتاديها خوفًا من بطشهم ، عرض عليه بعض الرجال توصيله إلى منزله لكنه رفض هذا زاعمًا أنه أصبح بخير …

ما كاد ممدوح يضع ساقه في السيارة حتى وجد إحدى الفتيات العاملات بالسيرك وقد أقبلت نحوه تحمل عقدًا من الفل ووقفت على بعد أمتار قليلة تهتف باسمه هائمة ، غادر السيارة متجهًا إليها فوضعت العقد حول عنقه ثم ما لبثت أن قبلته في مزيج من الشوق والخجل فبادلها قبلتها وهو يهمس مبتسمًا :

ـ أشكرك

اتجه عائدًا إلى السيارة فلحقت به وعادت تتهامس معهمرة أخرى غير عابئة بوجود ليلى التي احترق وجهها غضبًاوغيرة :

ـ ستأتي مرة أخرى للاطمئنان علينا ، أليس كذلك ؟

ـ يسعدني هذا يا جميلتي

*****

 

ساد الصمت بينهما طويلًا ، رفع بصره عن الطريق قليلا لينظر إليها فوجدها تحدق في وجهه شاردة ..ابتسم في تهكم قائلًا :

– هل أبدو أكثر وسامة الآن ، وهذه الضمادات تزين وجهي؟!

أحنت وجهها ولم تعلق فأردف فينبرة لا تخلو من الغضب :

ـ هل تلذذت بمشاهدتي وأنا أصرخ كالنساء ؟

هتفت مستنكرة :

– ألم تلحظ أنني حاولت أن أجنبك كل هذا منذ البداية ؟

أجابها ساخطًا :

– لأنك بلهاء ، لا تثقين بيًّ البتة

زفرت بضيق بينما تابع :

– كيف تخيلت أنني يمكن أن أخرج مع امرأة لا أستطيع حمايتها ؟!

تنهدت بعمق وهي تلتهم قسماته ، خيل إليه أنها لا تصدقه فهتف غاضبًا :

ـ اعلمي أنه لولا إصابتي لقتلت ثلاثتهم

ظلت تتأمله صامتة ، فهتف يعاتبها مرة أخرى

– لو أخبرتني بالأمر منذ البداية ، لاتخذت بعض الحذر ، ما كنت فوجئت بهم كما حدث

هتفت أعماقها في توسل :

– بالله كفاك واصمت ، لن أستطيع أن أحبك أكثر من هذا

ساد الصمت بينهما من جديد حتى قطعته وهي تحاول أن تخفي انفعالاتها قائلة :

– هل أعجبتك ؟

سألها في نظرة سريعة :

– من هي ؟

ـ لا تتصنع الجهل

ـ أتنكرين أنهن كن كثيرات ؟

ـ تلك التي قبلتها متجاهلًا وجودي

ـ فتاة السيرك .. أتسمين هذه قبلة ؟

ـ وماذا تسميها أنت إذًا ؟

ـ رد فعل ، فتاة قبلتني ، ماذا كنت تريدينني أن أفعل معها ، هل أصفعها ؟

ـ كلا ، تقبلها ..!

ـ وهذا ما فعلته ، فلماذا أنتِ غاضبة ؟

هتفت مستنكرة :

– أنتِ لا تطاق

ضحك ولم يعلق وساد الصمت من جديد وعادت تقطعه أيضًا قائلة :

– هل هي أجمل مني ؟

أجابها دون أن ينظر إليها :

– أنت أجمل امرأة رأيتها في حياتي

تهلل وجهها قائلة :

– أحقًا يا ممدوح ؟

ـ نعم

ـ لماذا لا تكتفي بي إذًا ؟

ـ ماذا ؟

ـ لماذا تنظر للأخريات مادمت تراني الأجمل ؟

ـ اسمعيني يا ليلى ، وحاولي أن تتفهمي الأمر ،أخبرتك من قبل أن الأسد هو حيواني المفضل ، لكنني لن أذهب إلى حديقة الحيوان لأمضي الوقت كله أمام قفصه أتغزل في مفاتنه وحده

صاحت غاضبة :

– مع احترامي لعشقك الشديد للأسد لكنني لا أرضى أن تشبهني به

ابتسم قائلًا :

-حسنًا ما رأيك في التفاح يا تفاحتي ؟

صاحت بصبر نافد :

– التفاح شيء والنساء شيء آخر !

ضحك قائلًا :

– أنتن أشهى بالطبع

عادت تكرر في مرارة :

– أنت لا تطاق ، أنت حقًا لا تطاق

تأملها ضاحكًا :

– أنتِ تتصرفين كالمراهقات يا ليلى

ـ المراهقات ..!  منذ قليل كنت تراني طفلة والآن تراني مراهقة ، وماذا بعد ؟

همس في وقاحة :

– أتمنى أن تبلغي مرحلة النضج حين نصل للمنزل

أبعدت وجهها عنه في ضيق لكنها وجدت نفسها تستدير نحوه مجددًا وفي حركة لا شعورية ، امتدت يدها إلى عقد الفل الذي يحيط عنقه وكأنه ذراعي تلك الفتاة الوقحة ، انتزعته في قوة لتلقي به من نافذة السيارة ..

جن جنونه وكاد أن يصفعها فصاحت غاضبة :

– ألم تقل من قبل أنك لا تحب القيود ، أم أن قيدها له ملمس آخر؟

صاح ثائرًا وهو يعض على شفتيه :

– لتذهبن جميعكن إلى الجحيم ، لقد كدت تتسببين في كارثة ، ألم تلاحظي تلك المقطورة التي كدت أن أصطدم بها ؟

شعرت بالخجل من سلوكها الذي لامبرر له سوى حماقتها ، فانهارت باكية وزاد من نحيبها كونه لم يلتفت إليها ، ولم يحاول أن يهدئ من روعها ، كيف أمكنها أن تتخيل منذ قليل أن هذا المتحجر هو فارسها الذيلطالما انتظرته ؟  ألكونه وسيمًا وشجاعًا وأنيقًا والشهد يقطر من شفتيه حتى عندما يسخر منها و…….؟!

عادت تنتحب بصوت أعلى فالتفت إليها في دهشة ثم زفر بضيق قائلًا :

ـ كفى ، لستُ في حاجة إلى المزيد من التوتر

 

وصلا إلى المنزل ، وما إن التفتت إليه حتى شعرت بالقلق ، كان وجهه متألم يتصبب عرقًا، قال بصوت واهن :

– هيا لقد وصلنا

– ماذا بك ؟

أجابها وهو يعض على شفتيه ألمًا :

– يبدو أن مفعول المسكن قد ذهب

ـ استند إليَّ حتى نصل إلى غرفتنا

 

وصل إلى مسامعهما صوت ارتطام عنيف لم يستطيعا تحديد هويته ، صرخت نجوى في ثورة وغضب لم تستطع التحكم فيهما :

– انظري .. انظري ماذا فعلت به هذه القروية .. انظرى ماذا يرتدي ؟ انظري كيف يحيطها بذراعه مشتاقًا وكأنه لم يمض معها كل هذا الوقت حتى الثالثة صباحًا ، سأجن يا سميرة ، سأجن …

احتضنتها سميرة في حيرة، غمغمت أخيرًا وهي تتصنع ابتسامة :

ـ لمَ كل هذا القلق ؟ فهي ليست المرة الأولى التي يذهب فيها مع أخرى للنزهة ، غدًا سيعود إليكِ من جديد

حاولت نجوى التحكم في دموعها المنهمرة وقالت بصوت مختنق :

– هذه المرة ينتابني خوف رهيب ، أشعر أن ممدوح تغير، مهما حاولت أن أنكر هذا ، لكنه تغير ، أخشى أن أفقده للأبد ، إن لم أكن قد فقدته بالفعل

– أنتِ تبالغين كثيرًا .. لو أنه يهتم بها كما تقولين ما كان تركها وأمضى كل الوقت معنا منذ مجيئنا إلى هنا .. ألم تلاحظي هذا ..؟

غمغمت من بين دموعها :

– حتى وأنا بين ذراعيه أشعر به غريبًا وبعيدًا عني .. أصبح دائم الشرود وكأنه في عالم آخر .. كان ينسى الأخريات ما أن يتركهن .. لم يكن أبدًا بهذا الفتور نحوي

 

*****

 

تحسست ليلى جبهة ممدوح التي ذهب لونها وهتهفت في هلع  :

– سأستدعي الطبيب حالًا

أشار محذرًا :

– ليس دكتور قيس يا ليلى

استدارت إليه وغمغمت في دهشة :

– من هو دكتور قيس هذا ؟

ثم ما لبثت أن ابتسمت حين أدركت ما يعنيه وهي تغمغم بصوت لم يصل إلى مسامعه :

ـ أنا لا أريد قيسًا سواك أيها المتوحش

حاولت الوصول إلى الطبيب عن طريق الهاتف دون جدوى ، عادت تنظر إلى ممدوح في قلق ، كان يعض على شفتيه صامتًا رغم الألم الهائل الذي يصرخ فوق ملامحه ، وكأنه يخشى أن يتأوه فتشمت به ، هذا المعتوه ..!

لا يدري أنها تتألم لآلامه ربما أكثر منه

هل تذهب لتوقظ والدته ؟ لكن ماذا ستفعل هذه الأخيرة سوى النحيب والبكاء ، برقت عيناها وأسرعت تهبط الدرج حتى وصلت إلى الغرفة التي يقطنها رفاقه وطرقت بابها فيتردد ، دلفت إلى الغرفة في بطء وخجل بعد أن وصل إلى مسامعها صوت يدعوها للدخول ، هب أشرف واقفًا ما إن رآها وكذلك فعل عادل ، أما كمال فلم يشعر بوجودها وقد استغرق في سبات عميق

سألها أشرف في قلق :

– ليلى ..! ماذا حدث ؟

قبل أن تنتهي من سرد ما حدث ، كانا قد بدلا ثيابهما غيرعابئين بوجودها في الغرفة ، قال عادل وهو يتجه للباب :

– سأذهب أنا لاستدعاء الطبيب ، وابق أنت يا أشرف مع ليلى ربما احتاج ممدوح شيئًا

*****

ما كاد ممدوح يبصر ساقه وقد كساها الجبس من جديد حتى صرخ ساخطًا :

– كلا ، ليس مرة أخرى

ابتسمت ليلى للتخفيف عنه قائلة :

– عشرة أيام فقط ، وسوف ينزعه الطبيب

أمسك فجأة بذراعها :

– من الذي قام بوضع الجبس فوق ساقي ؟

صمتت في حيرة فازداد ضغطًا على ذراعها قائلًا :

– دكتور قيس .. أليس كذلك ؟

هتفت في بلاهة :

– اسمه الدكتور مسعود

صرخ في عصبية :

ـ فليذهب إلى الجحيم ، هل انتهزتما فرصة غيبوبتي لتمضيا الوقت معًا في غرفة نومي

تأوهت في ألم قائلة :

– يبدو أنك ما زلت تهذى

استمر في الضغط على ذراعها غير مبال بآلامها :

– لا تظني أن وجودي في الفراش سيتيح لك الفرصة لفعل ما يحلو لك يا ليلى ، يمكنني قتلك دون أن أتحرك من مكاني هذا

طرقات على باب الحجرة أوقفت صراخه فدفعها فيضيق ، دلف أشرف إلى الحجرة وقال مبتسمًا :

ـ كيف حالك الآن أيها الزعيم ؟

أجابه ممدوح ساخطًا :

– لست أدري أية كارثة تلك التي حلت بي..!

ضحك أشرف قائلًا :

-أخبرت الطبيببأنك ستثور حتمًا ما إن تستيقظ من غيبوبتك

سأله ممدوح في لهفة :

– هل كنتَ معي أثناء غيبوبتي ؟

ـ وهل كنتَ تتوقع غير هذا ؟  فعلت ليلى الصواب عندما لجأت إلينا

قال ممدوح وهو ينظر إلى ليلى :

– ألم تجد سوى هذا الطبيب لتأتي به ؟

ابتسم أشرف وهو ينظر إلى ليلى بدوره :

– يبدو أنه الوحيد المقيم في مركز الصحة

بادلته ليلى نظراته غاضبة ، ازدادت ضيقًا وغضبًا عندما دلف إلى الحجرة عادل وكمال وبصحبتهما نجوى وسميرة ، تأملت نجوى ما حولها حاقدة وما لبثت أن أسرعتلترتمي بين ذراعي ممدوح وهي تهتف متصنعة الجزع :

– ممدوح حبيبي .. ماذا حدث لك ؟

ابتسم في لا مبالاة قائلًا :

– مشاجرة بسيطة

ابتسمت في مكر قائلة :

– كان ينبغي عليك أن تستمع إلى نصيحتي ،  ولا تخرج بمفردك وأنت ما زلت في مرحلة النقاهة

قال كمال في حماسة :

– تقول ليلى أنك أديت عرضًا رائعًا ، هزمت فيه ثلاثة عمالقة

ضاقت عينا ممدوح قائلًا :

– لقد ضربت واحدًا فقط  ،  أعاقتني إصابتي من فعل المزيد

نظرت إليه نجوى قائلة :

– إلى أي الملاهي ذهبتما ؟

ابتسم ممدوح وهو ينظر إلى ليلى :

– ملاهي لم تخطر ببالك مطلقًا

نظرت نجوى إليه في تساؤل فاتسعت ابتسامته قائلًا :

– ما رأيك في الأرجوحات ؟

شهقت نجوى مستنكرة :

– ماذا .. هل أنت جاد ؟

نظر رفاقه إلى ليلى ضاحكين مما جعلها تشعر بالحرج الشديد فصاحت غاضبة :

ـ لا تنكر أنك كنت مستمتعًا بكل لحظة هناك حتى حدث ما حدث

همت بمغادرة الغرفة فأمسك بها أشرف قائلًا :

ـ ليلى نحن نمزح معك ، إن كنت غاضبة من وجودنا يمكننا نحن أن ننصرف

تنهدت بضيق وهي تنظر إلى نجوى قائلة :

– لست أنت من يضايقني على أية حال

نظر إليها أشرف وابتسم صامتًا بينما صاح عادل :

– ليلى .. عندما تفكران في الذهاب إلى هناك مرة أخرى سأكون في المقدمة .. فهو تغيير نحتاجه جميعًا

هتف كمال مشجعًا :

– عندما يشفى الزعيم لابد أن نذهب إلى هناك

ابتسمت ليلى راضية ، في حين صاحت نجوى مستنكرة :

– يمكنكم أنتم الذهاب ، أما أنا وممدوح فدعونا نذهب إلى أماكن أكثر تحضرًاورقيًا، يكفي ما أصابهفي تلك المناطق الغوغائية

أجابتها ليلى في حدة :

– ممدوح في غاية الشوق للذهاب إلى هناك ليقتل العملاق الذي حاول تقبيلي

ابتسمت نجوى في لا مبالاة قائلة :

-عجبًا.. مع أن مظهرك يومها لم يكن على أي قدر من الإغراء

 

 

 

error: