رواية وحدك حبيبتي

محتويات المقالة

 

3ـ الصفعة

 

 

 

تنفست ليلى الصعداء بعد زيارة الحاج سالم لمنزلهم أمس ، كان بصحبته عددًا من الرجال من بينهم ولده ممدوح الذي لم تره حتى هذه اللحظة ، إنها الزيارة التي انتظرتها منذ ما يقرب من الثلاثة أشهر ، كادت فيها أن تجن وهي ترى نظرات الريبة والشك في عيون زملائها وتعليقاتهم اللاذعة أحيانًا .  وإن كانوا جميعًا وبينهم فؤاد قد أجمعوا على أن الله أنقذها من هذه الزيجة ، إلا أنها شعرت بإحباط شديد واستنكار لم تشعر بمثله من قبل ..

كيف يرفضها رجل حتى وإن لم يرها ..؟   يا لها من مهانة لن يعادلها أي مكسب آخر ! فهي ليلى التي اعتادت أن يسقط أعتى الرجال وأقساهم تحت أقدامها متيمون ، أيعقل أن يرفضها منحل مثله !!

 

راحت تترقب التاسع من مارس بصبر نافد ،اليوم الذي حددوه موعدًا  لزفافها وذلك الوغد ، أولى أيام تجربتها العظيمة ، وانتصارها الكبير ، سيركع هذا الـ ممدوح تحت قدميها ما إن يراها ، هذا الذي تحدثوا عنه وكأن لا رجال غيره ، هذا الذي جعلوا منه أسطورة وحذروها طويلًا  كي لا تقترب منه ، ستريهم جميعًا من هي ليلى فاضل …

الوحيد الذي تشعر بالأسى من أجله هو فؤاد ، فؤاد الذي اضطر للموافقة على هذه الزيجة مرغمًا

لم ترغمه الأعمال الكبيرة التي هو بصددها مع الحاج سالم ، ولم يرغمه ضغط كبار البلدة وزعمائها ، بل هي من أرغمته على الموافقة ، أرغمته عندما أبلغته في وقاحة بأنها فى حال استمر رفضه ، ستذهب بنفسها إلى منزل الحاج سالم لتخبره بموافقتها على الزواج من ولده ، لقد جن جنونه وصفعها للمرة الأولى في حياته وحياتها هي أيضًا ، لكنه في النهاية وأمام إصرارها العجيب ، الذي لم يستطع تفسيره ، لم يجد بدًا من الاستسلام خوفًا عليها من الفضيحة

وافق وهو يغمغم في أسى :

ـ  كنت أتمنى أن أقتلك يا ليلى ، ولكن يكفيك عقابًا ما ينتظرك على يد ذلكالمجرم

 

******

 

جلست بثوبها الأبيض وعلى شفتيها ابتسامة واسعة تخفي بها ما يعتمل في أعماقها من قلق لا حد له ،ها هي اللحظة التي انتظرتها طويلًا ، إنها بالفعل ليلة العمر ، ستضع فيها الحروف الأولى لرسالتها ومستقبلها اللامع بإذن الله ، لا يهمها هذه الطريقة البدائية التي تزوجت بها ، ولا هذا العريس الذي لم تره أو يحاول رؤيتها حتى الآن ، ولا كل هؤلاء النساء اللواتي يحدقن فيها بلا توقف منذ جلست على هذه الأريكة ، ظلت الابتسامة على شفتيها ولكل الوجوه ، الحاسدة والشامتة وحتى تلك التي تعض شفتيها حسرة على شبابها وجمالها الذي لن يصونهالفاسق أبدًا

تعالت الزغاريد فجأة لتزف العروس إلى عريسها ، رعشة عنيفة بدأت تسري في جسدها بلا توقف ، فابتسمت نادية التي تحتضن كفها قائلة :

– هل أنت خائفة ؟

ـ ليس بالضبط

ـ يا إلهي .. ألا تعترفين بضعفك ولو مرة واحدة ؟!

ـ صدقيني يا نادية فهو ليس خوفًا بالمعنى التقليدي ، إنه نوع من القلق والرهبة للموقف الجديد الذي أمسيت فيه .. هناك أشياء كثيرة لم أفكر فيها سوى الآن

ـ اسمعيني جيدًا يا ليلى ، رغم كل اعتراضاتنا السابقة على هذه الزيجة ، غير أنها قد حدثت بالفعل وأصبحت واقعًا لا مفر منه ، أنت الآن زوجته شرعًا ، نصيحتي لكِ أن تنسي أمر هذه الرسالة ولا تفكري سوى في إنجاح الزواج من أجل حياتك وسعادتك

نظرت إليها ليلى وهتفت مستنكرة :

– ما هذا الذي تقولينه ، هل جننت ؟ لو أردت زواجًا حقيقيًا ،  لما فكرت لحظة واحدة في هذا المنحل ، يكفي أن تعلمي بأن فؤاد يرفض الحديث معي ، بل امتنع عن رؤيتي منذ حددوا موعد الزفاف وحتى هذه اللحظة

حاولت التحكم في انفعالاتها وأردفت :

– لقد رفض أن يسلمني إليه الليلة ، بل رفض أن يراني قائلًا بأنه كان الأهون عليه أن يراني أزف إلى قبري على أن يراني أزف إلى هذا الفاسد

ربتت نادية على يدها قائلة :

– لا تحزني ، إن شاء الله سيخلف توقعاتنا جميعًا ، بمن فينا فؤاد ، وسوف يهدي هذا الرجل على يديك ، لتكوني أوفرنا حظًا وأكثرنا سعادة

غمغمت ليلى فى مزيد من الأمل :

– كم أتمنى هذا ، لتنجح تجربتي وأحصل على الدكتوراة  بتقدير امتياز

نهرتها نادية ساخطة :

– أهذا كل ما يشغلك ؟

ـ ولن يشغلني أكثر من هذا

غمغمت نادية حالمة :

– رأيك هذا سيتبدل حتمًا ما إن يقع بصرك عليه ، فهذا الرجل فارس بحق

ضحكت ليلى قائلة :

-وكأنك متيمة به ..!

 

ابتسمت نادية ولم تعلق في نفس اللحظة التي اقتربت منها حماتها لتقودها مبتسمة إلى إحدى الحجرات التي أعدت خصيصًا من أجلها وممدوح ، تعالت الزغاريد والهتافات والأغنيات الشعبية التي لم تفهم ليلى من بعضها شيئًا ، لم تنجح  ابتسامة نادية المشجعة في التخفيف من حدة التوتر الذي تشعر به ، ولا في الحد من سرعة نبضاتها ودقات قلبها العنيفة ، توقفن أخيرًا أمام إحدى البوابات الشبيهة بتلك التي للمداخل الأسطورية  التي قرأت عنها وأحبتها كثيرًا في طفولتها وصباها

ابتسمت حماتها وهي تفتح أمامها باب الحجرة قائلة :

ـ أدخلي بقدمك اليمنى يا ليلى

ضحكت ليلى بعصبية وهي تلبي ما طلبته منها ، أخيرًا تفرق الحضور وبقيت ليلى وحدها مع حماتها التي راحت تقودها في الغرفة الواسعة ومرافقها في زهو تستحقه بالفعل ، لقد كانت الحجرة بكل ما تحتويه من غرفة للنوم وأخرى للجلوس بالإضافة أيضًا لهذه المنضدة الصغيرة والكراسي المحيطة بها متناسقة تمامًا ، حتى أن ليلى شعرت بأنها انتقلت فجأة من القرية بكل بدائيتها إلى المدينة وحداثتها ، فلم تتردد عندما سألتها حماتها عن رأيها فيما حولها بل هتفت بسرعة :

– رائعة

جذبتها المرأة في سعادة قائلة :

– تعالي لتري بقية المرافق

كانت هذه المرافق عبارة عن حمام فسيح تناسقت ألوانه جميعها في تناغم تام ، يقابله في الجهة الأخرى مطبخ يبدو صغير جدًا بالنسبة للغرفة والحمام ، فعلقت المرأة مبتسمة لدهشة ليلى :

ـ هذا المطبخ للوجبات السريعة فقط ، أو لإعداد المشروبات في الأوقات التي لا تريدين فيها أن يزعجك أحد

تجاهلت ليلى المكر الذي يطل من عبارتها قائلة :

– هل أتيتم بـ مهندس للديكور ؟

أجابتها المرأة في حماسة :

ـ أشرف صديق ممدوح الألصق من الأخ ، فهو يعمل مهندسًا للديكور في الإسكندرية ، لقد رتب كل شيء ، بل ذهب بنفسه مع ممدوح لشراء الأثاث والمفروشات من أكبر المعارض بالقاهرة

غمغمت ليلى بصوت منخفض :

– حمدًا لله أن له أصدقاء من الرجال

– أتقولين شيئًا يا ليلى ؟

ابتسمت ليلى في توتر قائلة :

ـ أصوات الفرق الموسيقية صاخبة جدًا ، هل ستبقى لوقت متأخر ؟

ـ حتى الصباح فقط ، كان الحاج يريدها أن تستمر سبعة أيام بكاملها لولا أن ممدوح رفض ذلك

 

جلست ليلى على حافة الفراش تستمع بصبر نافد إلى حماتها وهي تقدم لها بعض النصائح والإرشادات لتساعدها على تحقيق السعادة الزوجية كما زعمت :

ـ اسمعيني جيدًا ياابنتى ، إن أردت أن تكوني سعيدة مع زوجك ، عليك أولًا أن تنسي كل ما سمعته عنه ، لكل رجل ماض ، فلا تدعي هذا الماضي يؤثر على المستقبل

همست ليلى :

– تأكدي من أنني سأبذل كل جهدي لإنجاح هذه التجربة ، أقصد هذا الزواج

ـ دعيه يجد عندك يا ليلى مالا يستطيع إيجاده عند أية امرأة غيرك ، عندي إحساس قوي بأنه سيحبك من الليلة الأولى ، وأنت أيضًا كذلك

ضحكت في بلاهة وأردفت :

-أصدقاؤه يطلقون عليه ساحر النساء

نظرت ليلى إلى المرأة في امتعاض وهي تجاهد كي تتجنب النظر إلى الجدار الذيصفت فوقه عشرات الصور لـ ممدوح فيلقطات مختلفة ، وكلما وقعت أنظارها على إحداها مرغمة تذكرت قول نادية لها .. نصفك الآخر يا ليلى

تابعت المرأة حديثها قائلة :

– ممدوح عطوف جدًا وطيب القلب ، لكنه في ثورته لا يستطيع أحد أن يوقفه ، ممدوح لا يحب أن يستفزه أحد ، لا تثيريه يا ليلى حتى لا يغضب عليكِ ، بل كوني وديعة ومطيعة له بقدر استطاعتك

ابتسمت ليلى ساخرة ، لمَ لا تقول هذه المرأة بأن هذا الأبله يريد أن يعيد عصر الحريم مجددًا؟  من يظن ذاته ، شهريار أم هارون الرشيد ؟! وهذه المرأة الحمقاء التي جاءت لتقدم لها النصيحة ، ألم تقدم له كل ماتحدثت عنه وربما أكثر ، وبرغم كل ذلك فقد انحرف ، بل لأجل كل ذلك انحرف ؟!ربما لو كانت أكثر حزمًاوصرامة معه .. لكان هو أفضل حالًا

ـ ليلى ، لمَ لاتقولين شيئًا ؟

ـ أنا أستمع إليكِ

فجأة تحولت نبرة المرأة إلى الاستعطاف قائلة :

– من أجلي يا ليلى ، كوني صبورة على ممدوح وتحمليه بصدر رحب ، إذا حصلت على قلبه ستكونين أسعد امرأة في العالم

تأملتها ليلى في إشفاق ، كان واضحًا بأنها تعشق وحيدها جدًا ، وكل همها إسعاده مهما بلغت التضحيات .. ولكن ماذا عن الطرف الآخر .. ليس هناك من يتحمل للأبد ؟

غمغمت ليلى وهي تربت على يدها مبتسمة :

ـ اطمئني يا خالتي ، تأكدي أنني سأبذل قصارى جهدي

ثم أردفت وهيتتذكر رسالتها العلمية والدكتوراة :

ـ هذا الأمر يهمني ربما أكثرمنكِ ، كل ما أحتاج إليه هو دعواتك لي بالتوفيق

رفعت المرأة عينيها إلى السماء في دعاء صامت قبل أن تنهض قائلة :

ـ سأتركك الآن يا ليلى ، لابد أن الجميع يسألون عن أم العريس

ما إن وصلت لباب الغرفة حتى استدارت إليها من جديد وأطلقت زغرودة طويلة .. قالت بعدها وهي ترفع عينيها للسماء في تمني :

  • وفقك الله يا ابنتى ومنحك الذرية الصالحة

 

ذهبت المرأة وتركت صدى أمنيتها يتردد في مسامعها .. ذرية صالحة .. أطفال .. من هذا الهمجي ؟!

وماذا لو لم تنجح في تقويم انحرافه ؟  صموده حتى الآن وعدم اهتمامه بمعرفة أي شيء عنها .. زادا من إحساسها بأن تجربتها معه لن تكون بالسهولة التي تتخيلها

من الجيد أنها أحضرت معها حبوب منع الحمل .. فهي وإن كانت قد غامرت بنفسها بالدخول في تجربة لا تعرف نهايتها ،ليست مستعدة لتحميل طفلها جينات رجل فاسد مثله .. قد تضطر لطلب الطلاق منه عاجلًا أو آجلًا .. حين تعلقت بهذه التجربة لم تفكر في استمرارية البقاء فيها للأبد .. لذا عليها أن لا تتسرع وتنجب طفلًا تتركه للمجهول

 

راحت تتأمل ماحولها قبل أن تحدث نفسها :

ـ يمكنني الآن بسهولة أن أعدد أسبابًا قوية لانحراف هذا المجرم ، أولها هذا الثراء الفاحش الذي يطل من كل شيء حولها ، ثم التدليل المفرط من قبل والدته ، فحديث هذه المرأة البلهاء لها يحمل الكثير من المعززات الخفية التي تدعم انحرافه بلا شك ………..

تلفتت حولها وكأنها تخشى وجود من يراقبها قبل أن تتجه لتلبية هذه الرغبة الملحة التي تدفعها دفعًاللنظر نحو الجدار , كان الركن الوحيد الذي افتقد إلى البساطة وهو يزخر بكل هذه الصور له ، غمغمت في انبهار لم تستطع أن تنكره :

” ربما في مقوماته الشخصية ، سببًا آخر قوي لانحرافه ”

راحت تنقل عينيها من صورة إلى أخرى وهي تحدث نفسها بلا وعي ، كم يبدو وسيمًا في هذه الصورة ، وفي هذه الصورة يبدو خفيف الظل ، وهذه تعلن عن لياقة جسدية عالية ، وهذه ……..

 

هزت رأسها فجأة بعنف وهتفت ساخطة ، ما هذا الذي أقوله ؟! لم يكن ينقصه سوى أن يصوروه نائمًا ، هذه الصور إن كانت تعبر عن شيء فهو الغرور ، الغرور المفرط والثقة الزائدة التي يجب أن تبدأ بتخليصه منها إن أرادت لتجربتها النجاح ..!

اتجهت للمرآة وكأنها تبحثفي نفسها عن يقين .. عن ثقة تفتقدها أخبرتها نادية بأنهاستفقدها ما إن تراه .. لكن نادية حمقاء بلا شك ، ربما لم تعرفها جيدًا بعد ، فصداقتهما ما زالت في عامها الأول ……..

 

طرقات خفيفة على باب الحجرة جعلتها ترتعد ، أيعقل أن يكون هو ؟  من المحال أن يكون بهذه اللياقة والتهذيب بعد كل ما سمعته عنه .. هل بالغوا في وصف همجيته ؟!  اتجهت بخطوات جاهدت لتبدو ثابتة لتفتح باب الحجرة في ترقب ……

طالعتها فتاة في حوالى السادسة عشر من عمرها على الأكثر ، تحمل بين يديها صينية طعام تصلح لإطعام عائلة كبيرة وليس فردين فقط ، ما إن رأتها الفتاة حتى اتسعت ابتسامتها وهي تهلل :

ـ يا إلهى أنتِ جميلة جدًا يا سيدتي وسيدي ممدوح يعشق النساء الجميلات

ابتسمت ليلى في مرارة وهي تفسح لها الطريق قائلة :

– ربما هن من يعشقنه يا …… ما اسمك ؟

أجابتها الفتاة في سعادة :

– خادمتك سعدية ، يسعدني أن ألبي كل ما تطلبينه مني ، فأنت عروس الغالي التي انتظرناها طويلًا

ـ يبدو أنك تحبين سيدك ممدوح جدًا يا سعدية

ـ طبعًا ، كل من يعرفه عن قرب يحبه مثلي وأكثر ، فوجهه كالبدر ، وخفيف الظل ، متواضع القلب وكريم في عطائه جدًا و …….

قاطعها صوت والدته تناديها من الخارج ، فصاحت الفتاة بصوت أعلى :

ـ حسنًا يا سيدتي ..أنا قادمة

أسرعت إلى باب الحجرة على عجل ، وما إن تخطت عتبته حتى عادت إلى ليلى قائلة :

ـ عذرًا يا سيدتي ، أتريدين شيئًا قبل أن أنصرف ؟

ابتسمت ليلى قائلة :

– أشكرك يا سعدية ، عندما أريد شيئًا لن أطلبه سوى منكِ

ـ سأكون سعيدة جدًا

 

انصرفت الفتاة عدوًا بينما ليلى تراقبها في رثاء ، ما هي إلا نموذجًا آخر من نماذج اضطهاد الأنثى التي لا تنتهي ، خاصة في هذه القرية اللعينة ، فربما هي هكذا أسعد حالًا مما لو كانت قد سجنت في بيت أحد القرويين لتعمل فيه خادمة بلا أجر،  وتنجب له أبناء واحدًا تلو الآخر

اقتربت عقارب الساعة من العاشرة مساءً ، كان ينبغي أن تكون فى فراشها الآن ، تنهدت بعمق ، ألقتنفسها فوق أحد المقاعد الوثيرة وتركت لأفكارها العنان مجددًا ، كم تشتاق لمواجهة هذا المجرم بقدر ما تقلق منها ..!

أصابها الملل وهيتنظر إلى الساعة في ترقب .. ها هي قد اقتربت من العاشرة والنصف ، لماذا يمضي الوقت بطيئًا هكذا ؟ انشغلت بعد الدقائق حتى بلغت الحادية عشر ..

هتفت ساخطة :

” محال أن يكون هذا الوغد من لحم ودم كبقية البشر ، كيف لم يحرقه الشوق لرؤيتها كل هذا الوقت ؟   مضى أكثر من شهر ونصف منذ زيارته لمنزلها مع والده لتحديد موعدًا للزفاف ، لم يحاول بعدها زيارتهم ولو مرة واحدة ..!  ترى ما هي أفكاره عن شريكة حياته ، هل تزوجها بالفعل مرغمًا كما يقال ؟”

هل هو حقًا من أرسل كل هذه الهدايا التي قدمتها والدته لها وزعمت بأنها منه ؟أم أن المرأة قد اختلقت هذه الأكذوبة لتقرب المسافات بينهما ؟  كل ما يفعله حتى الآن يرجح الاحتمال الأخير

اقتربت عقارب الساعة من الثانية عشر ، كادت تجن وهي تغمغم :

” يا له من تافه ،  مستهتر ، لا يقيم وزنًا لأي شيء ….. ”

هل تسرعت بقبولها هذه الزيجة ؟ هل كانوا جميعًا على حق ؟ هل أي رجل آخر كان أفضل من هذا الممدوح الذي لم يعبأ بها ؟

عضت على شفتيها وهي تكاد تبكي غيظًا .. سيكون انتقامها منه شديدًا بالتأكيد .. فهو يستحق القتل

 

******

 

انعكس الوضع مع ممدوح تمامًا.. جلس بين رفاقه يضحكون في مرح ولا مبالاة ، وكأنه لم يكن حزينًا بائسًا حتى أسبوع واحد مضى ، رفاقه قد اكتملوا بعد وصول عادل وكمال من الإسكندرية ، بينما بقى معه أشرف طيلة الفترة الماضية حيث لم يستطع تركه وحيدًا وهو على حافة الجنون .. ظل حائرًا بين خيارين كلاهما أكثر مرارة من الآخر ، إما أن يقتل والده أو يقتل نفسه ..!

أخيرًا وبوحي من أشرف قرر أن يضحي ولو مرة واحدة من أجل والده الذي ضحى من أجله مرارًا ،  خاصة وأن هذا الأخير قد وافق على شروطه كاملة ، بالرغم من أن معظمها فوق أن يقبله عقل ، حتى ممدوح نفسه شعر بالدهشة لكون والده وافق عليها ..!  سعادة والده بموافقته على الزواج من العروس التي اختارها له كانت كفيلة بتذليل كل العوائق التي ابتدعها للهروب من هذه الزيجة

قال ممدوح موجهًا حديثه إلى كمال وعادل :

– هذه البلهاء نجوى .. ألم تخبروها كيف تمت هذه الزيجة ؟

ـ  أخبرناها بكل ما قاله أشرف عن ظروف والدك

غمغم أشرف :

– أنا أيضًا اتصلت بها هاتفيًا وأخبرتها بحالتك النفسية السيئة التي منعتك من التحدث إليها

زفر ممدوح ساخطًا :

– ولماذا لم تأت إذًا ؟

هز كمال رأسه في أسى :

-تركناها حزينة جدًا ، لا أظنها ستأتي الليلة ، أخبرتني محبطة بأنها لا تستطيع أن تراك عريسًا لغيرها

ـ كان يجب أن تأتي ، لقد حدثت أبي عن حتمية وجودها بالقرب منيووافق على ذلك

أجابه كمال قائلًا :

-اعذرها يا ممدوح ، كانت تأمل أن تتزوجها

هتف ممدوح في مزيج من القسوة والاستنكار :

– ماذا ؟  أتزوجها ! أتزوج امرأة أمضيت معها خمس سنوات !

هتف كمال غاضبًا :

– ولمَ لا ؟  أنت تعلم أنها تحبك ، وأنها على استعداد تام للتضحية بكل شيءلأجلك ، ألم تضحي من قبل بزوج ثري هائمًا بها لتكون معك ؟!

ـ هل تسمي تركها لهذا الكهل الذي امتص شبابها يومًا بعد الآخرتضحية ؟   ثم أنني أخبرتها منذ البداية بأنني لن أتزوج .. ووافقتعلى ذلك

عاد كمال يلومه في عناد :

– لكنك تزوجت الآن ، كان يجب أن تكون هي العروس

نظر إليه ممدوح ساخرًا :

– تكون هي العروس !! بالله كفى بلاهة ، أيها العاطفي ما تكتبه على الورق شيء وما يحدث في الواقع شيء آخر مختلف تمامًا

تلفت كمال حوله ليستغيث برفاقه :

– لماذا تصمتان هكذا ؟  لماذا لا تقولان شيئًا لهذا المتحجر الظالم ؟

أجابه عادلبهدوء :

– وماذا تريدنا أن نقول له ؟

صاح كمال مستنكرًا :

– أيعني هذا أنك تؤيده الرأي ؟  وأنت يا أشرف ، لا تقل أنت أيضًا …………

قاطعه أشرف :

– قل لي أولًا أيها الرومانسي ، لماذا نتزوج ؟

حدق فيه كمال طويلًا قبل أن يغمغم :

ـ  نتزوج حتى نستقر ، ننجب أطفالًا ، نجد امرأة نبكي بين ذراعيها ………

قاطعه ممدوح ساخرًا :

– امرأة نبكي بين ذراعيها ، أهذا مطلع قصيدة جديدة لك ؟

قابل تعليقه عاصفة من الضحك قبل أن يقول عادل :

– وكأننا لا نجد الآن من نبكي بين ذراعيها أيها الأحمق

عاد ممدوح ليعلق ساخرًا :

-وما حاجتنا إلى البكاء ما دمنا لم نتزوج بعد !

تأملهم كمال ساخطًا عندما عادوا للضحك من جديد ، فربت أشرف على كتفه :

ـ اسمع واعقل أيها الرومانسي ، نحن لا نتزوج إلا من أجل الأطفال

نظر إليه كمال في ألم أقرب إلى البلاهة ، فتنهد أشرف قبل أن يردف :

ـ لهذا يجب أن تكون الأم مدرسة كما قال زميلك أحمد شوقي

غمغم عادل متهكمًا :

– زميلك …!  وأين هذا البائس المغمور من أحمد شوقى بك العظيم ؟

عادوا للضحك من جديد فصاح كمال في انفعال :

  • أولًا .. ليس أحمد شوقي هو من قال ذلك أيها الجهلاء .. بل حافظ ابراهيم رحمه الله
  • لا بأس .. المهم أنها مدرسة وحسب

ـ يا لكم من قساة ، متحجري القلوب ، تأكلون المرأة لحمًا وتلقون بها عظامًا

علق عادل ضاحكًا :

– حمدًا لله أننا نترك عظامًا ،  فهن لا يتركن شيئًا

حدجه كمال بنظرة مستنكرة قبل أن يلتفت إلى ممدوح :

ـ  وأنت هل زوجتك مدرسة بالفعل ؟

ضحك ممدوح في طرب :

– زوجتي جامعة

أشرف بصوت مختنق من الضحك :

ـ رائع ، اطلب منها أن تصدر لنا زميلاتها لنكون جامعة خاصة

عاد كمال يسأل ممدوحبدهشة :

– عجبًا ، تبدو راضيًا عن هذه الزيجة ؟

أجابه ممدوح في شيء من الجدية :

– يمكنك أن تقول أنني استسلمت للأمر الواقع ، ربما لست في حاجة إلى امرأة ، لكننيحتمًا في حاجة إلى طفل أو أكثر ،  حتى وإن لم أكن أشعر بهذا في الوقت الحالي

أطلق تنهيدة طويلة قبل أن يكمل ساخطًا :

– هذا الطفل أيضًا سيشبع رغبة والدي الملحة ، سيجد شيئًا يشغله عني فيتركني وشأني ، أحيا حياتي كما أريد

ـ وهذه المسكينة التي تزوجتك ، هل لاحظت أنك لم تذكرها في مخططك حتى الآن !

أجابه ممدوح في مزيج من الغطرسة والسخط :

– هذه المصيبة يكفيها جدًا أن تكون زوجتي

هز كمال رأسه وابتسم في مرارة :

– هل تحدثت معها ؟

أجابه في لامبالاة :

– أنا لم أرها حتى الآن

هتف كمال مستنكرًا :

– ماذا ؟!

ـ رؤيتها لن تغير في الأمر شيئًا ، كل ما يهمني كونها مثقفة وتستطيع أن تربي أطفالي تربية حسنة

ـ أهذا كل ما يهمك في شريكة حياتك ؟

صاح به ممدوح :

–  شريكة حياتي !! ، كف عن ترديد هذه المصطلحات التي لا ملجأ لها سوى خيالك المريض

زفر بضيق وأردف ساخطًا :

– فهن لا يشاركننا حياتنا بل يسلبنها منا

تنهد كمال بضيق مماثل وعاد يسأله :

– أنت تعتقد أن نجوى لا تستطيع تربية طفل جيد إذًا  ؟

نظر ممدوح إليه وأجابه في قسوة :

–  نجوى لن تنجب لي طفلًا.. أبدًا

هتف كمال في بلاهة :

– هل قال الأطباء هذا ؟

ضحك أشرف وعادل بعمق ،  بينما ابتسم ممدوح بمرارة قبل أن يقترب من كمال ويمسك به من ياقة قميصه قائلًا :

– سأقولها لك صراحة أيها الغبي ، لا خيرفي طفل يناديه الناس بابن الساقطة ، هل فهمت أم تريد مزيدًا من الإيضاح  ؟

جذب كمال ياقة قميصه من يد ممدوح قائلًا فى خجل :

– كلا ، لا مزيد من الإيضاح لقد فهمت

هز ممدوح رأسه وهو يحدق في كمال مستنكرًا :

– كيف انضم هذا الأبله إلى رفقتنا ..؟!  لولا ثقتي فيكما لقلت أن بيننا مرتشي

عادوا يضحكون من جديد حتى غمغم عادل :

-لكم أخشى أن تكون عروسك ليست جميلة ؟!

ابتسم ممدوح قائلًا :

– والدتي لا تكف لحظة واحدة عن مدح مفاتنها

ثم أردف وهو يغمز لأشرف :

– طول وعرض

ضحك أشرف بينما حدق عادل فيهما ببلاهة ، فعاد ممدوح يتابع في لا مبالاة :

ـ لم يعد الأمر يعنيني كثيرًا ، حتى لو كانت دميمة ، فقد قررت أن أريح أبي وأمي ولو مرة واحدة في حياتي ،  لكنها ستكون الأخيرة بلا شك

ثم أردف وهو يبتسم في مكر :

– على أية حال يمكننا أن نبحث عن الوجه الحسن خارج منزل الزوجية

ابتسم كمال في استنكار :

– لعنة الله عليك يا ممدوح ، هل تفكر في خيانة زوجتك في ليلة عرسها ؟!

ضحك ممدوح :

– لعنة الله على المعتوهين أمثالك ، وهل كنت تظن بأنني سأكتفي بامرأة واحدة ، ولو رقصت لي على شعر رأسها

مسح كمال بيديه على شعره كالنساء ، قبل أن يرفعهما إلى السماء قائلًا :

ـ يا الله ، يا قادر ، اجعل ممدوح يهيم عشقًا بهذه العروس ، ولا يرى في الكون امرأة سواها

ضاقت عينا ممدوح مستنكرًا بينما قال أشرف وهو ينظر إلى ممدوح محذرًا :

ـ احترس يا صديقي ، فالحمقى أمثاله هم أقربنا إلى الله

قال ممدوح ساخرًا :

ـ من جهة الحماقة فهو أحمق بالفعل ، لو لم يكن كذلك لما جاهر بدعوة كهذه ، وهو يعلم مسبقًا بأنها لن تستجاب

هم كمال أن يعترض لولا رؤيته للحاج سالم الذي اقترب منهم مبتسمًا ووضع يده على كتف ولده قائلًا :

ـ ألم يحن الوقت بعد للصعود إلى عروسك ؟

ـ أبي لقد نفذت ما تريد ، فاتركني أنعم بما تبقى من حريتي

ـ إنها الثالثة صباحًا يا ولدي ، قولوا له شيئًا يا شباب !

نهض أصدقاءه في مرح وهتف عادل :

ـ لا تحمل همًا يا عمي ، سنحمله إلى عروسه في الحال ، كنا في شوق لهذه اللحظة أكثر منك

ضحك ممدوح مرغمًا عندما التفوا حوله يحاولون حمله مهللين ، انتهرهم قائلًا :

ـ كفى أيها الجبناء ، يومًا ما ستقعون في الفخ

ما إن نهض ممدوح عن كرسيه ، حتى انطلقت الأعيرة النارية تملأ الأفق وكأنها زغاريد النساء ، في طريقهم اقترب منهم عدد من الرجال طوال القامة فغمغم عادل قائلًا :

ـ من هؤلاء يا ممدوح ؟

أجابه ممدوح الذي توقف عن السير بناء على رغبة والده :

ـ لست أدري ، وكأنه غزو العمالقة

صافحهم ممدوح الواحد تلو الآخر دون أن تسنح له الفرصة لسؤال والده عن هويتهم ، شدد أخرهم من قبضته على يد ممدوح وهو ينظر إليه في عداء لم يستطع تفسيره قبل أن يضغط على كلماته القليلة قائلًا :

– أعتنِ بـ ليلى

أجابه ممدوح دون تفكير :

– من هي ليلى ؟

اتسعت عينا الرجل وهو يحدق فيه غاضبًا قبل أن يلتفت إلى والده :

ـ ولدك حتى الآن لا يعرف من هي ليلى يا حاج سالم ، ألم تخبره بعد ؟!

أجابه الرجل في ارتباك حاول أن يخفيه :

– كيف هذا ، أيعقل أن لا يعرف اسم عروسه ؟  لكنه ربما أثقل في الخمرقليلًا

ثم أردف وهو ينظر إلى ممدوح  :

– أليس كذلك يا ممدوح  ؟

أجابه ممدوح في لا مبالاة وهو يحدق في عينى فؤاد بعداء متبادل :

ـ أليست أسماء النساء عورة في هذه القرية ؟

هتف فؤاد غاضبًا :

– العورة ليست في اسم أختي بل في ……

قاطعه الحاج سالم :

– بالله كفى يا فؤاد ، لا تدع الشيطان يدخل بينكما من الليلة الأولى

تابع فؤاد بغضب لم ينجح في السيطرة عليه وهو ينظر إلى اللامبالاة في عيني ممدوح  :

ـ سأصمت لأجلك فقط ، لكنها لم تكن له أبدًا يا حاج سالم

علق ممدوح ساخرًا :

– معك كل الحق في هذا ، رجل مثلي ، عرف نساء بعدد شعر رأسه ، من الظلم أن ينتهي به الحال إلى عانس مثلها

احتقن وجه فؤاد ، ورفع يده ليصفع وجه ممدوح ، لكن الأخير أمسك بها في قوة ودفعه حتى كاد يسقطه أرضًا لولا الجموع المحيطة بهما .. وبرغم هذا لم يكتف بل الذي خلع سترته وهو يتجه نحوه قائلًا :

ـ أنت تحاول صفعي؟!   سألقنك درسًا لن تنساه ما حييت

جاهد رفاقه ووالده لمنعه بصعوبة ، وكذلك أمسك آخرون بـ فؤاد ، وكلاهما يبدي مقاومة مستميتة ، ويتصيد الفرصة لقتل الآخر

وجه الحاج سالم حديثه إلى فؤاد :

– الحق عندي يا ولدي ، يبدو أن الخمر أفقده عقله

صرخ فيه ممدوح :

– كفى يا أبي ، لا تجبرني على قتله

التفت والده إليه وأمسك كتفيه بعنف قائلًا :

– كفاك أنت ، لا تحول فرحتنا إلى مجزرة ، وما أدراك بتقاليد القرية وعاداتها ، الرجل لم يخطئ ، فهو يدافع عن كرامة أخته التي أصبحت زوجتك الآن أيها المتهور

هز فؤاد رأسه في أسى قائلًا :

– لو لم يكن القران قد عقد لأخذتها وذهبت

نظر إليه ممدوح في تهكم قائلًا :

– لا داعي لأسفك هذا ، يمكنني أن أطلقها لك إن شئت

نظر إليه فؤاد في تحد :

– كن رجلًا وافعلها

أجابه ممدوح دون تفكير :

– أختك  طا……….

أسرع والده بوضع يده على فمه بقوة وهويهمس في صوت خشى أن يسمعه غيره  :

ـ لا ترغمني على فعل شيء لم أفعله معك وأنت طفل صغير ، لا تجعلني أصفعك أمام الجميع

غمغم ممدوح في جنون :

– ماذا ؟  هل بلغ الأمر هذا الحد ؟!

جذبه رفاقه في قوة لم يستسلم لها إلا بعدما رأى الوهن الذي طل من عينى والده ممزوجًا بالتوسل والتهديد

 

******

 

ما إن وقع بصر والدة ممدوح عليه حتى لطمت صدرها في جزع قائلة :

ـ ماذا بك يا ولدي ؟  ماذا حدث ؟

غمغم أشرف :

– لا شيء

أسرعت المرأة تحتضن ابنها قبل أن تهتف مستنكرة :

– كيف هذا ووجهه يشتعل نارًا ؟

غمغم عادل :

– مشاجرة كلامية بسيطة بينه وبين هذا المدعو فؤاد

صاحت المرأة في ضيق :

– فؤاد مرة أخرى ، ألم يكفه ما فعله بـ ليلى ؟

التفتوا إليها فى فضول ، فأردفت قائلة :

ـ هذا الرجل منذ البداية يضع العراقيل لمنع إتمام الزواج ، لكن حمدًا لله الذي كان له بالمرصاد

غمغم ممدوح في ضجر :

– ليس لي الآن سوى أمنية واحدة ، أن أصعد وألقي بها إليه من النافذة

صاحت المرأة مستنكرة :

– أهذا جزاؤها بعد كل ما عانته للزواج بك ؟  لقد بلغ مسامعي أنها حاربت من أجلك

هتف في تهكم :

– ولمَ لا ، فتيات هذه القرية اللعينة ، ما أن يبلغن الثانية عشر ، حتى يغدو لا هم لهن سوى الزواج  ، فما بالك بامرأة تتعلق بالمحطة الأخيرة

ـ ومن قال أن ليلى من هذه القرية ؟

سألها ممدوح في قلق :

– من أين هي إذًا ؟

ـ ليلى جاءت إلى القرية منذ شهور قليلة فقط ، تربت في مدينة كبيرة ، ربما القاهرة ، أو ربما الإسكندرية حيث تعمل أنت ، ومنذ وصولها يتهافت الرجال للزواج منها ، لقد تقدم لخطبتها أطباء ومهندسون كثر ، لكنها لم ترض سواك ، غير مبالية بكل ما سمعته عنك

راحوا يحدقون في بعضهم البعض ، بينما تابعت المرأة الثرثرة :

ـ لقد كاد أن يقتلها فؤاد هذا ، رغم كل ما قدمه والدك من أجل إرضاءه ، حتى أنه جعله شريكًا له في صفقة القطن الأخيرة ، دون جدوى

حدق فيها ممدوح قائلًا :

– هل يعقل أن هذه الجامعية الجميلة ، التي يتهافت رجال القرية وشبابها للزواج منها رفضت كل هذا للزواج من رجل لا تعرفه ..؟هل تحدت هؤلاء العمالقة من أجلي دون أن تراني..؟!

ثم ضاقت عيناه في تفكير عميق مردفًا:

– ليس لهذا سوى تفسير واحد !!

أجابت والدته بسرعة :

-لأنك محظوظ بالطبع

غمغم في تهكم :

– محظوظ !  بالله ابحثي لي عن صفة أخرى

 

حدقت العيون في وجهه وأجمعت كلها على تفسير واحد ” لابد أنهم يعرفون هذه المرأة وتعرفهم ، وأنها تبعته من الإسكندرية إلى هنا لكي ترغمه على الزواج منها بالتأثير على والده ، وإيهامهم جميعًا بأنها قروية لا حول لها ولا قوة .. ربما كان يجب أن يلقى ممدوح عليها ولو نظرة واحدة قبل أن يتورط فى الأمر….

ساد الصمت والوجوم طويلًا ، أخيرًا تصنع أشرف ابتسامة قائلًا :

– أين الشربات يا خالتي..؟  فنحن  لم نره بعد !

ابتسمت المرأة قائلة :

– حالًا ، حالًا سأعود اليكم بالشربات المثلج

وما إن ابتعدت المرأة حتى أسرع كمال يحدق في ممدوح قائلًا :

– فهمت شيئًا لكنني لا أستطيع أن أصدقه

بادلوه تحديقه في صمت فأردف قائلًا :

– هل سقط الزعيم في شباك امرأة لعوب ؟

غمغم ممدوح في سخرية مريرة :

– ما دمت أنت بالذات فهمت هذا ، فلابد أنه قد حدث بالفعل

ضرب كمال كفًا بأخرى قبل أن ينفجر ضاحكًا في هيستيريا ، فراح ممدوح يقذفه بالوسائد كلها دون جدوى ، أقبلت والدته بالشربات والتفتت في دهشة إلى كمال قائلة :

– ماذا حدث له ؟

انفجر ثلاثتهم يضحكون مرغمين فنظرت إليهم المرأة في حيرة قائلة :

ـ الضحك أفضل من البكاء على أية حال ، لقد أحضرت لكم الشربات المثلج

هتف كمال في صوت مختنق من الضحك :

– لن يجدي يا خالتي ، صدقيني لن يجدي ، فنارهم لن تهدأ ولو ذهبت بهم إلى القطب الشمالي

 

ظل ثلاثتهم يحدقون به في غيظ ، قبل أن يلتفتوا إلى ممدوح الذي أطلق تنهيدة طويلة أسرع بعدها يرتقي السلم عدوًا

غمغم أشرف :

– لم أكن أتخيل أبدًا أن ينتهي الأمر بهذه الصفعة القوية !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

error: