رواية وحدك حبيبتي
7ـ الغريمة
ما إن دلف ممدوح إلى الغرفة التي يقيم بها رفاقه حتى ابتدرهم في مرح :
– لماذا تأخر……
قطع عبارته فجأة عندما وقع بصره على نجوى التي جلست على حافة الفراش تحدق في وجهه وعيناها يتطاير منهما الشرر، ابتسم قائلًا :
– حمدًا لله على سلامتك
قالت بعد تنهيدة طويلة :
– عجبًا ، لا تبدو مهمومًا ولا حزينًا..!
اقترب منها قائلًا :
– أهذه هى أمنيتك لي بعد تلك الغيبة الطويلة ؟
تجاهلت ما قاله صارخة في غضب وغيرة لم تستطع إخفاءهما :
– يبدو أن هذه القروية تروق لك
– لن أغضب من تجاهلك واستقبالك البارد ، فأنا أشعر بما تعانين
صاحت به في لوعة :
– تشعر…. أي مشاعر هذه التي تتحدث عنها ؟
صاح بصبر نافد :
– نجوى ، تعلمين أنني لن أحتمل طويلًا
صرختبغضب :
– لا تحتمل مني مجرد كلمات بينما تطالبنيبتحمل أفعالك التي لا تطاق
بادلها غضبها :
– تعلمين جيدًا كيف تمت هذه الزيجة .. فلمَ الثورة ؟
انهارت قائلة :
– الآن وقد رأيتك ، أعلم جيدًا أنك خدعتني ، كذبت عليَّ لكي تمتص غضـ…
قاطعها في ثورة مماثلة :
– كذبت عليكِ..! تعرفين جيدًا أنني لا أكذب أبدًا ، لأنني لا أخاف أحدًا .
تدخلت سميرة :
– مهلًا يا نجوى لم نأت إلى هنا للعراك
لاحظ ممدوح وجودها للمرة الأولى فابتسم قائلًا :
– مرحبًا سميرة ، كيف حالك ؟
ابتسمت في مكر قائلة :
– بخير ويبدو أنك أنت أيضًا بخير
زفر بضيق :
– ما بالكما أنتما الاثنتان ؟ كيف كنتما تتوقعان رؤيتي ؟ أمزق ملابسي وأضفر لحيتي في أسبوع واحد ؟
تنهدت نجوى بضيق وعيناها لا تفارقان وجهه بينما أردفت سميرة :
ـ ليس بالضبط ، لكنك تبدو وكأنك أتيت من الجنة
قال فى تهكم :
– عفوًا إن كنت لا أجيد البكاء .
سميرة هي الأخت الصغرى لأشرف ، و لكونها الفتاة الوحيدة بين شقيقين فقد نالت من التدليل ما يكفي ويفيض حتى أنها تزوجت في سن مبكرة جدًا من شاب تافه لا يعبأ سوى بثروة والدها .. لكنها أصرت على الزواج منه رغم أنف الجميع ،هددت بالتخلص من حياتها ما لم يرضخوا لمطلبها ويقبلوا به زوجًا ، بل أنها تناولت بالفعل بعض الأقراص التي كادت أن تقتلها لولا أنهم سارعوا بإسعافها ، وما إن تعافت حتى استسلمت الأسرة لإرادتها خوفًا من أن تكرر فعلتها مرة أخرى ، ولكن زواجها لم يستمر طويلًا ، فبعد أقل من ثلاثة أشهر ظهرت النوايا السيئة لزوجها فعادت إلى أهلها تبكي كعادتها كلما أرادت شيئًا ، تدخلت الأسرة للتفاوض مع هذا الوغد حتى استطاعت بصعوبة أن تطلقها منه . استجابت بعد فترة لضغوط والديها ووافقت على الزواج من شاب ثريتجمع بين والده ووالدها أعمال مشتركة ، لكنها طلقت أيضًا للمرة الثانية بعد فترة وجيزة ، فيبدو أن زوجها لم يحتمل فرط دلالها وعدم إحساسها بالمسؤولية
توطدت علاقة سميرة بـ نجوى عندما كان أشرف يرسم لوحة زيتية لهذه الأخيرة ، كانت وقتها في قمة جمالها ونضارتها مما جعل أشرف يستغرق أكثر من خمسة أشهر للانتهاء من اللوحة ، حاول خلالها إغواء نجوى وإسقاطها في شباكه بشتى الطرق من دون جدوى حتى اقتنع أخيرًا بحتمية كونها زوجة ملتزمة لا ترغب في خيانة زوجها بالرغم من سنوات عمره التي تخطت الستين . وما إن رأى عادل الصورة التي رسمها أشرف لـ نجوى حتى جن جنونه بها وصمم هو أيضًاعلى الوصول إليها بأي ثمن ، لكنه فشل كما فشل أشرف من قبل ، فزاد ذلك من قناعتهما بحتمية وفائها لزوجها الكهل
وعندما علم ممدوح بالأمر سخر من يقينهما وقرر أن يدخل بنفسه هذه التجربة قائلًا :
ـ من الواضح دون أن أرى هذه الجميلة التي تحكيان عنها أنها تزوجت هذا الكهل من أجل ماله ، ومن باعت نفسها مرة ، فما أيسر أن تبيعها مرة أخرى .
في أحد النوادي الرياضية حيث يجلسون قرر أن يبدأ مغامرته فجذب رفاقه إلى مائدة قريبة منها ، وهتف بصوت يصل إلى مسامعها :
– إنها أجمل كثيرًا من الصورة التي رسمتها لها يا أشرف ، يبدو أنك كنت طالبًا فاشلًا .
اكتفت يومها برفع عينيها عن المجلة التي تقرأها لتلقي عليه نظرة عابرة ، بينما ابتسمت لأشرف ابتسامة ناعمة عادت بعدها إلى النظر فيمجلتها وكأن شيئًا لم يكن ..
هتف ممدوح في طرب :
ـ عذرك أيها الأحمق أن هذا الجمال لا يبدعه إلا الله وحده .
وحين تمادى ممدوح في مغازلتها ، تركت النادي وذهبت مما أثار استهزاء أشرف وعادل ، لكنه قال فيثقة :
– هذه المرأة لي .
كان ممدوح قد اعتاد بما له من وسامة وجاذبية أن يحصل على ما يريده دائمًا ، النساء والفتيات اللواتي يتهافتن عليه ، رغم علمهن بكونهن لسن أكثر من نزوة عابرة ومغامرة مؤقتة في حياته ، زدن من غروره وثقته بنفسه إلى حد بعيد . وعلمت نجوى بذلك فلم تستسلم له بسهولة وكلما ازدادت دلالًا كلما ازداد هو رغبة فيها وإصرارًا على النيل منها ، استمر الأمر طويلًا حتى شعر رفيقاه بالضجر وأخبرا ممدوح بأن لا لوم عليه إذا تركها وبحث عن أخرى .. خاصة وأن الشيء نفسه قد حدث معهما .. لكنه عاد وأقسم على النيل منها ، فهو لن يسمح لامرأة أن تهزمه مهما بلغ فرط جمالها ودلالها . وبالفعل لم يمض وقت طويل بعد هذا القسم حتى سقطت نجوى في عشقه كالبلهاء وهامت به حد الجنون ، فلم تعد تطيق زوجها الكهل الذي لاحظ نفورها منه فأخذ يضيق الخناق حولها حتى قررت أن تطلب الطلاق ، وشجعها ممدوح على ذلك ووعدها بأنه لن يبخل عليها أبدًا فهو ثريجدًا ويستطيع أن ينفق عليها بسخاء أضعاف ما ينفقه هذا الكهل ، فما المبرر لهذه الزيجة الكريهة التي تحصي عليهما أنفاسهما ؟
منذ ذلك الحين ونجوى تلازمه كظله في معظم الحفلات والمناسبات التي يظهر فيها ، وأطلق عليه رفاقه لقب الزعيم الذي لا يقهر ، وهو إمعانًا في إظهار سطوته عليها وتمكنه منها كان يدلي لهما بأدق التفاصيل التي تحدث بينهما حتى في الفراش .. لكنه كان يرفض رفضًا باتًا أن يشاركه فيها أحد مثلما يحدث مع الأخريات .
لم يمض وقت طويل حتى ضاقت نجوى بعلاقات ممدوح النسائية المتعددة فثارت واعترضت .. تارة بالتهديد وتارة بالدلال حتى أيقنت أخيرًا بأنه لن يكتفي بها مهما بذلت من أجله ، لقد أخبرها منذ البداية أنه لن يتزوج أبدًا ، لكنها أطاعته أملًا في أن يأتي اليوم الذي لا يستطيع فيه الاستغناء عنها فيتزوجها صاغرًا . قررت يومًاأن تهجره حتى ينصلح حاله ، بل تمادت في دلالها وطلبت منه أن يتزوجها وإلا فهي لن تعود إليه أبدًا ، وشعرت بخيبة الأمل القوية حين تجاهلها وهو على يقين من أنها سوف تعود إليه فهو يعلم بمدى عشقها الشديد له ، وإن كان عنادها الآن يمنعها من العودة إليه ، فعشقها له سيرغمها على ذلك عاجلًا أم آجلًا .
حضرت نجوى الحفل الذي أقامته سميرة بمناسبة عيد ميلادها بدعوة منها ، حاولت الرفض لكن رغبتها القوية في رؤية ممدوح أرغمتها على القبول ، فهو سوف يسعى إلى عودتها إليه بلا شك ، محال أن يكون قد نجح في نسيانها بتلك السهولة ، ربما لم يعشقها بعد لكنه يكن لها إعجابًا شديدًا ، يمكنها أن تجزم بهذا ..! ارتدت أحلى ما عندها وتزينت بأبهى المساحيق والحلي ، جذبت كل العيون إليها بينما تعلقت عيناها بالباب تنتظر حضوره حتى ظهر أخيرًا بأناقته البالغة وابتسامته الساحرة ، وتلك الأخرى التي تتأبط ذراعه هائمة ، نظرت إليه في عتاب لكنه أبعدوجهه عنها وكأنه لا يعرفها ، سقط الكأس من يدها وتحجر الدمع في عينيها ، استدار إليها الجميع يحاولون التخفيف عنها وبقى هو جالسًا على الأريكة يدخن سيجارة ويتحدث إلى رفيقته وكأن الأمر لا يعنيه .. شعرت سميرة بشفقة بالغة على نجوى وعاد قول أشرف يطن في أذنيها ” ممدوح يبدل النساء كما يبدل أحذيته ” حمدت الله على تلك الصداقة التي تربطه بأشرف والتي منعته من الاستجابة لتوددها إليه ذات يوم .. أسرعت تلحق بـ نجوى عندما اتجهت إلى إحدى الغرف الجانبية وانفجرت تبكي في هستيريا . عادت إلى أخيها تستنجد به وتطلب منه التدخل والتحدث إلى هذا المستبد الذي فاقت قسوته الحد ، نجوى لا تستحق منه ذلك بعد كل ما فعلته من أجله .. عاد إليهما أشرف بعد قليل بصحبة ممدوح ، ما إن تنبهت نجوى إلى وجوده حتى ازداد نحيبها وتفاقمت لوعتها في حين ابتسم هو قائلًا :
– إذا كان وجودي يضايقك إلى هذا الحد يمكنني الذهاب
ازدادت نجوى نحيبًا بينما لكمته سميرة في عتاب قائلة :
– كف عن سخافتك يا ممدوح
ثم أردفت وهي تدفعه نحو نجوى :
– هيا قدم فروض الولاء والطاعة
اقترب ممدوح من نجوىفأشاحت بوجهها بعيدًا تحاول أن تخفي دموعها ، ضمها إليه وطبع على شفتيها قبلة طويلة حتى تنحنح أشرف :
– كفى أيها الزعيم ، سميرة ما زالت في الغرفة .
ابتسم الأخير وهو يلف خصر نجوى بذراعه قائلًا في تهكم :
– يا إلهي ، لقد نسيت أن أختك بكرًا
هتفت سميرة في استنكار :
– يا لك من وقح يا ممدوح
ثم التفتت إلى نجوى وأردفت :
– أهذا من كنت تذرفين الدمع من أجله ؟
ضحك الجميع حتى نجوى التي التفت إليها ممدوح هامسًا :
– سأذهب نصف ساعة على الأكثر ثم أعود كي نكمل السهرة معًا
تعلقت بذراعه قائلة :
– أين ستذهب ؟
– لن أهرب منكِ ، سأتخلص من رفقتيوأعود إليكِ
هتفت في غيرة لم تستطع إخفاءها :
– من هي هذه المرأة ؟
ـ إنها سكرتيرة جديدة تعمل لدي في المكتب
نظرت إليه والشرر يتطاير من عينيها .. فأردف في مكر :
-فتاة موهوبة جدًا وتعمل على إرضائي بكل السبل
لكمته ساخطة :
– أنت لا تضيع وقتك أبدًا
ابتسم ساخرًا :
– لا أحب أن أكون وحيدًا.. خاصة في المناسبات .
******
تنبهت ليلى من شرودها وأسرعت تجفف عبراتها المنهمرة عندما دلف ممدوح إلى الحجرة ونظر إليها في تساؤل فأمسكت برأسها قائلة :
– لدي مغص شديد
قال ضاحكًا :
– كنت أظن أن المغص يصيب البطن لا الرأس ، أم أنه نوع جديد من المغص ؟
أشاحت بوجهها قائلة :
-أقصد الصداع
تفحصها في ريبة :
– مغص أم صداع ؟
ـ الاثنين معًا ، أرجوك اتركني وحدي
تنهد بعمق وقد أدرك تقريبًا ما يصيبها لكنه لم يقل شيئًا ، اتجه إلى خزانة ملابسه وأخرج منها سترة أنيقة للسهرة فهتفت في انفعال :
– أين ستذهب ؟
قال دون أن ينظر إليها :
– ليلى .. هناك بعض الأسئلة التي لا أحب أن أسمعها ، على رأسها هذا السؤال
اتسعت عيناها فيصدمة ، كيف استطاع أن يخدعها برومانسيته الزائفة ورقته المصطنعة طيلة الأيام الثلاثة الماضية ، ماذا حدث لها ؟ هل ذهب عقلها لتصدق مستبد مثله ؟ ما هذا الضعف الذي يسري بأوصالها ويخدر مشاعرها ويسلبها القدرة على رد إهانته ..؟!
انتهى من ارتداء ملابسه وراح يصفف شعره بعناية زادتها غضبًا، جلست تتأمله صامتة ، عطره الثمين كاد أن يخنقها ، حتى الدبوس الصغير في رابطة العنق لم يهمله ، فكيف أهمل مشاعرها بهذا الشكل ؟
قالت أخيرًا بصوت حاولت أن تجعله ساخرًا بقدر استطاعتها ، لكنه خرج مختنقًا رغمًا عنها، تطل الغيرة واضحة مع كل حروفه :
– هل أنت ذاهب إلى حفل زفاف ؟
قال دون أن ينظر إليها :
– ألست عريسًا بالفعل ؟
أجابته وهي تحاول أن تتحكم في انفعالاتها الثائرة :
– عجبًالكونك تتذكر هذا وتنسى كوني العروس ؟
التفت إليها ووقف يتأملها قليلًا قبل أن يقول فى نبرة بدت حانية بعض الشيء :
– هل تريدين المجيء معي ؟
تطلعتإليه بعينين أنهكهما الدمع قائلة :
– هل سنذهب بمفردنا ؟
زفر بضيق :
– يبدو أن أسئلتك لن تنتهي يا ليلى ، هل ستأتين معي أم لا ؟
لم تكن في حاجة إلى إجابة لسؤالها الأبله ، كانت على يقين من أنه سيخرج للنزهة برفقة هذه المرأة ، فلماذا يحتاج إليها إذًا ؟ هل يريدها أن تتعامل مع وجود هذه الساقطة في حياته كأمر حتمي ؟ أهو فى حاجة إلى المزيد من الغطرسة ليجمع بين زوجته وعشيقته على نفس المائدة ؟ وبعد أسبوع واحد من الزواج ..؟!
استيقظت من شرودها حين نهرها :
– ليلى ، لماذا سكتِ ؟ هل ستأتين معي أم لا ؟
هزت رأسها بعصبية :
– لا أستطيع ….. لا أستطيع
أربكتها عيناه عندما تسمرت على وجهها فتابعت :
– أخبرتك أنني متعبة
غمغم فى تهكم :
– نعم ، لديك صداع في بطنك و مغص في رأسك
قال وهو يستعد للمغادرة :
– سأضطر للذهاب وحدي إذًا
هتفت دون وعي :
– لا أظن هذا ، معك من الصحبة ما يكفي
نظر إليها وقد أيقن سر تحولها وثورتها ..أخبرتها سعدية إذًا ..
اتجه إلى الباب قائلًا في قسوة :
-أخلدي للنوم يا ليلى ولا تنتظرين عودتي ، فربما أتأخر لوقت طويل
لكنه ما كاد يصل إلى الباب حتى وجدها ترتمي بين ذراعيه وهي تنتحب قائلة :
– كلا ، ابق معي ، ليس عدلًا أن تذهب وتتركني هنا مريضة
ضمها إليه وقبل رأسها في حنان لم يستمر طويلًا.. بلعاد ليقول في قسوة من جديد:
– يمكن في هذه الحالة أن تكون سعدية أكثر نفعًا مني
أسرع يغادر الغرفة ربما هربًا من دموعها التي انهمرت وهي تحدقبوجهه غيرمصدقة هذا الكم من قسوة ليس لها ما يبررها ..!
ما إن أغلق الباب خلفه حتى كاد الصداع يفتت رأسها ، والمغص ينهش أحشائها بالفعل وكأنها كانت تتنبأ بالمرض فأطلقت لجنونها العنان وراحت تنتحب في هستيريا مضاعفة ، ماذا حدث لها ؟ لمَ كل هذا الألم الذي تشعر به ؟ لمَ الغضب ؟ لمَ الغيرة ؟! كان زواجها منه وسيلة وليس غاية ، تجربة وخطوة في طريق مستقبلها ليس إلا ، كان تعلم بأنه ليس أكثر من منحل فاسد ، تركها تجن وذهب ليتنزه مع أخرى وربما يعود بصحبة امرأة ثالثة
هتفت في لوعة
– كلا …. كلا ، ليس هذا الرجل يا قلبي، ليس هذا الرجل
******
همست نجوى وهي تميل على ذراع ممدوح بدلال :
– حبيبي ..ماذا بك ؟
تصنع ابتسامة :
– هل تريدين الرقص ؟
أومأت برأسها في سعادة ونهضت لتراقصه ، لكنها لاحظت شروده من جديد فعادت تهمس :
ـ ممدوح … يبدو أننيحسدتك هذا الصباح ، تبدو مهموم جدًا
– أليس هذا ما ترغبين به ؟
صاحت مستنكرة :
– ليس وأنت معي
عاد لصمته من جديد فثارت غاضبة :
– يبدو أنك لم تعد تشتاق إليَّ ، فأنت حتى لم تقبلني منذ وصولي
ضحك وهو يقربها منه :
– أهذا ما يغضبك ؟
أجابته في مرارة :
– لم أعتد هذا التبلد منك نحوي
طبع على شفتيها قبلة طويلة :
– أما زلت غاضبة ؟
ضحكت قائلة :
– قليلًا
عاد يقبلها من جديد هامسًا :
– دعينا نمتص هذا القليل إذًا
ضحكت بعد فترة قائلة :
– كفى ، لقد انتقلت مساحيقي إلى وجهك
عادا إلى المائدة حيث يجلس كمال ولحق بهما أشرف بعد قليل ، بينما استمر عادل يراقص سميرة في وصلة أخرى .. استأذنتهم نجوىللذهاب إلى دورة المياه لإصلاح أصباغها فمال أشرف على ممدوح :
ـ أحذر يا زعيم ، فأنت الآن رجل متزوج
ابتسم ممدوح في لامبالاة :
– وزوجتي تعلم ما أفعله وتزوجتني راضية
ـ هذا لا يعني أنها لن تغضب إذا علمت بأمر هذه القبلات الساخنة
أخذه الحديث عن ليلى إليها وعجز هذه المرة في التحرر من هذا الشعور الذي يملأه حنينًا إليها ، ويدفعه دفعًا إلى البقاء حيث تكون .. فوجد نفسه يهتف بلا وعي :
– أشرف ، عندما تعود نجوى من الحمام ، أرجو أن تطلب منا الرحيل متعللًا بأي شيء
صاح أشرف مستنكرًا :
– محال ، ربما تقتلني نجوى
ثم حدق فيه وسأله في مكر :
– يبدو أنها جميلة بالفعل ، مضى أسبوع كامل ولم يصبك السأم منها..!
تنهد ممدوح :
– ليس الأمر هكذا ، لقد تركتها مريضة
قبل أن يعلق أشرف على ما قاله ، عادت نجوى إلى المائدة وهتفتمبتسمة :
– هل تأخرت عليكم ؟
بادلها ممدوح الابتسام صامتًا ، ثم عاد ينظر إلى أشرف ويحثه على فعل ما طلبه منه ولكن الأخير هز رأسه في رفض قاطع ، مما دفع كمال للتدخل في محاولة لتقديم المعونة فقال وهو يتثاءب :
ـ أشعر برغبة ملحة في النعاس ، دعونا نعود إلى المنز…..
وقبل أن يكمل جملته انفجرت فيه نجوى قائلة :
– عد بمفردك إن شئت
بدت الصدمة واضحة على وجه كمال كمن تلقى ” دوشًا” باردًا.. ابتسم أشرف وهو ينظر إلى ممدوح الذي ابتسم مرغمًا ، نظر كمال إلى نجوى عابسًا :
– لماذا هذه الثورة ؟
نظرت إليه في ثورة أشد قائلة :
– ما يجري في عروقك ليس ماءً فحسب ، بل ماءً مثلجًا أيضًا
تصاعدت الدماء إلى وجه كمال قائلًا :
– نجوى هذا يكفي
التصقت بـ ممدوح قائلة :
– أتعلم منذ متى لم أر ممدوح ؟ منذ أكثر من شهرين ، لو كنت تشعر بمقدار شوقي إليه لما تفوهت بمثل هذه الحماقات وطلبت منا الرحيل وسهرتنا لم تبدأ بعد .
قال كمال محاولاً الدفاع عن نفسه :
– اعذريني يا نجوى ، ما قلت ذلك إلا شفقة على زوجته المريضة
ضاقت عينا ممدوح وهو ينظر إلى كمال في ثورة مكبوتة .. بينما التفتت إليه نجوى في حدة قائلة :
ـ أحقًا ما يقوله ؟
أجابها باقتضاب :
– نعم
صاحت بضيق :
– أهذا ما يجعلك مهمومًا هكذا ؟
تنهد وهو يخرج علبة سجائره صامتًا ، فعادت تسأله من جديد :
– مما تشكو جلالتها ؟
أشاح بوجهه ساخطًا فأردفت في عصبية :
– هل شارفت على الموت ؟ لماذا الضيق إذًا ؟ أليس هذا ما نريده ؟
قال محذرًا :
– نجوى … يكفي هذا
لكنها لم تصمت بل تجرعت كأسها دفعة واحدة وصاحت في مزيد منالانفعال :
– ألم تستطع تحملك أكثر من هذا ؟ أسبوعًا واحدًا فقط .. كم سنة تحملتها أنا…. ولم ألمس خلالها حنانك هذا الذي تولد فجأة !!
زفر ممدوح بضيق ثم هتفمحذرًا :
– كاد جنونك أن ينتقل إليَّ يا نجوى .. أخفضي صوتك
انهارت باكية وهي تغمغم في لوعة :
– الجنون هو ما فعلته من أجلك ، لقد ضحيت بكل شيء لمن لا يستحق
قال ساخطًا:
– لقد سأمت حديثك عن التضحية ، تعلمين جيدًا أنك لم تخسري شيئًايذكر ، إن كنت تريدين الزواج من كهل ثري ، أخبريني بذلك ، وغدًا سوف أحضر لك زوجًا أكثر ثراءً من هذا الذي ضحيتِ به لأجلي
تدخل عادل الذيأتى مسرعًا بصحبة سميرة :
– ماذا حدث ؟ صراخكما وصل إلينا رغم الموسيقى الصاخبة
تنهد أشرف :
– لاشيء يستحق كل هذا
أخذت نجوى تنتحب بصوت مرتفع جذب إليهم أنظار رواد الملهى ، فاقترب منها أشرف :
ـ هيا يا نجوى لنعود إلى المنزل
أزاحته في عنف :
– كلا ، لن أذهب معكم .. سأعود إلى الإسكندرية
همس عادل :
– حسنًا تعالي الآن معنا ، وغدًا سأوصلك بنفسي إلى الإسكندرية
صرخت فيه :
– كلا ، سأسافر الآن ، وبمفردي ، اتركوني وشأني
التفتت سميرة إلى ممدوح الذي جلس يدخن سيجارته صامتًا وصرخت مستنكرة :
– ألن تفعل شيئًا ؟
القى بالسيجارة أرضًا وراح يسحقها بقدمه قبل أن يتوجه إلى نجوىبصبر نافد :
– هيا بنا يا نجوى
صرخت فيه :
– ماذا تريد مني ؟ اذهب إلى هذه القروية التي سلبتك عقلك في أسبوع واحد
جذب ذراعها وهو يضغط على أسنانه محذرًا ، لكنها أزاحته بحدة صارخة :
– ابتعد عني ، لا أريد أن ….
صرخت عندما صفعها بقوة قبل أن يجذبها خارج الملهى غير مبالٍ بصيحات الاستنكار التي أطلقها رواده بينما راحت سميرة تلكمه في ضيق صارخة :
– أهذا ما استطعت فعله ؟ هل جننت ؟
استدار إليها بعينين ناريتين ، فالتصقت بأشرف في فزع قائلة :
– لن أركب معه في سيارته
ابتسم أشرف قائلًا :
– يبدو أن العنف هو الدواء الأمثل للنساء جميعًا
*****
لم يستطع ممدوح أن يحتفظ بصلابته أكثر وهو ينظر إلى ليلى التي استغرقت في نوم مضطرب ، تنتابها موجات من التشنج تفصح عما تعانيه من ألم ، استيقظت عندما مست أصابعه وجنتها لتمسح عبرات انسابت دون وعى منها ، جلست في فراشها وتعلقت حواسها بوجهه وهو يبتسم في حنان هامسًا :
– أما زلت تعانين من الصداع والمغص ؟
عادت دموعها تنهمر من جديد وهي تتعلق به هامسة :
– هل عدت من أجلي ؟ قل أنك لم تستطع أن تتركني وحدي
أخرج منديله ليعاود تجفيف دموعها هامسًا:
– بالله عليك ، كفى دموعًا
تسمرت عيناها على المنديل :
– ما هذا ؟
القى على منديله نظرة عابرة ثم ما لبث أن نهض في لا مبالاة :
– أحمر شفاه
التفتت إليه مستنكرة، لكنه راح يبدل ملابسه وكأن شيئًا لم يكن فاتجهت إليه تحمل المنديل الذي تركه لها :
– لمن ؟
ـ ربما لكِ
– كلا … أنا لا أضع هذا اللون الفاضح
زفر بضيق :
– ربما لـ نجوى إذًا .
ـ من هي نجوى ؟
عاد يزفر بضيق :
– صديقة لي ، هل انتهى التحقيق أم أن هناك المزيد ؟
صاحت متجاهلة غضبه :
– هل تبادل القبلات من عاداتك أنت وأصدقائك ؟
استكمل تبديل ثيابه وكأنه لم يسمعها ، لكنها عادت تكرر سؤالها في ثورة حتى التفت إليها وأمسك كتفيها بعنف صارخًا فيها :
– نعم يا ليلى ، نتبادل القبلات والهمسات والأحضان الدافئة ، نفعل كل ما تستطيعين تخيله وكل ما لا تستطيعين تخيله أيضًا ، هل انتهينا ؟
صاحت به في غضب :
– غدًا قدمنى إلى أصدقائك إذًا
ضاقت عيناه وهو يحدق فيها فتابعت غير مبالية بالعواقب :
– ربما يروق لي أحدهم
صفعها بقوة:
– يبدو أن الصداع قد وصل إلى عقلك
ثم أردف وهو يدفعها إلى الفراش فيمزيد من القسوة :
– عودي للنوم يا ليلى … عودي للنوم قبل أن أقتلك