رواية وحدك حبيبتي
4 – طلقني
دلف ممدوح إلى حجرته راكلًا الباب خلفه بعنف.. لكنه لم يتلق استجابة من أحد .. فاتجه في خطوات ثابتة للداخل .. هذه الشيطانة تستحق القتل .. إن كانت تظن بأنها نجحت في توريطه فهي مخطئة .. سوف تدفع ثمن حماقتها و…..
وفجأة تسمر في مكانه وهو يحدق مأخوذًا في ليلى التي استلقت على كرسيوثير واستسلمت لسبات عميق
غمغم هامسًاوهو يقترب منها :
ـ يا إلهي .. كيف لرجل أن ينتقم من امرأة على هذا القدر من الجمال ؟
اقترب منها في بطء شديد وكأنه يخشى أن يفسد هذه اللوحة الرائعة قبل أن ينحني فوقها ويقبل شفتيها في شغف زاده اشتعالًاهاتان الشمسان اللتان أشرقتا فجأة من عينيها وانعكس ضوؤهما على عيني ممدوح فتألقتا ببريق رائع
تراجعت بوجهها للخلف حتى التصق بظهر الكرسي الذي تجلس فوقه وهي تتحاشى وجهه القريب جدًا منها قائلة بصوت مرتجف :
– من أنت ؟
ابتسم هامسًا :
– أنا من لا يستطيع غيره الدخول إلى هذه الغرفة .
ظلت تحدق في وجهه صامتةوهي تستعيد إدراكها تدريجيًا, ابتلعت ريقها بصعوبة .. لم تتوقع أبدًا أن يكون بهذه الوسـ…
قال وهو يلاحق نظراتها بأعمق منها :
– ألم تعرفيني بعد ؟ كل هذه الصور المعلقة على الجدار ، ألم تخبرك من أنا ؟
تابعت التحديق في عينيه دون أن تهتز أهدابها الطويلة .. الجرأة والثقة التي يتحدث بهما أخرساها لبعض الوقت فلم تعد تدري كيف ولا من أين تبدأ حديثها معه ..!
عاد يهمس في تسلية :
– يقولون أن هناك فرق كبير بين من يرى صورتي ومن يراني وجهًا لوجه , أتعرفين السبب ؟
أجابت فجأة كتلميذ نجيب :
– في عينيك وابتسامتك بريق لا يمكن لعدسات الكاميرا أن تلتقطه .
لعنتحماقتها عندما نهض ضاحكًا وكأنها ألقت في وجهه بقنبلة للضحك .. قال أخيرًا :
– رائع .. كنت قد بدأت أشك في كو…………
قطع عبارته وهو يتأملها في اهتمام قائلًا :
-ولكنك صغيرة ، محال أن تكوني دكتورة في الجامعة مهما بلغ تفوقك ..!
وكأن ما قاله عن عملها ولد فيها القوة والثقة التي افتقدتها منذ رؤيته ..
قالت في ثبات مفاجئ أصابه بالدهشة :
ـ لقد حصلت على الماجستير ولم أحصل على الدكتوراة بعد
أردفت وقد راق لها الإعجاب الذي يطل من عينيه قويًا :
– لكنني سوف أحصل عليها قريبًا …قريبًا جدًا
ألقى بسترته جانبًا وهو يعاود الاقتراب منها فنهضت مسرعة وابتعدت عن الكرسي بينما أطلق صفيرًا طويلًا وهو يتأمل قامتها الهيفاء مغمغمًا :
ـ طول وعرض .. تحتاج والدتي إلى تعلم المزيد من المفردات حتى تجيد الوصف
نظرت إليه في دهشة فأردف متيمًا :
– أنت فينوس
قالت في دلال زاده هيامًا :
– لهذا انتظرت كل هذا الوقت حتى تراني ، أليس كذلك ؟
قال وهو يتأملها في وقاحة :
– لو كنت أعلم هذا .. لتواجدت في هذه الغرفة منذ أربعة أيام مضت
قالت في دهشة :
– ولماذا أربعة أيام ؟
ابتسم قائلًا :
– لأننا لم ننته منها قبل ذلك .
بسط ذراعيه إليها قائلًا :
– اقتربي يا فينوس …
تجاهلته وازدادت دلالًا قائلة :
– أفضل أن تناديني ليلى .
ـ لماذا…؟ ألا تروق لك فينوس.. إلهة الجمال ذاته ؟!
رفعت رأسها في كبرياء قائلة :
– كل من يراني يفضل ليلى .
ضحك قائلًا :
– حسنًا يا ليلى هل تقابلنا من قبل ؟
قالت في لهجة امتزج فيها الغرور بالعتاب :
-سؤالك إهانة لي ..!
عاد يضحك من جديد قائلًا :
– معك الحق بالطبع ..
ثم أردف هامسًا وهو يقترب منها :
– اغفري لي حماقتي …
حاولت أن تبدو هادئة وأن تتصنع اللامبالاة .. مرت بخاطرها تلك القبلة التي باغتها بها أحد معجبيها منذ فترة .. كان ابنًا لصديق خالها .. معتادًا على زيارتهم .. واستغل يومها وجودها بمفردها وحاول التودد إليها حتى تقبل الزواج منه .. في مراهقتها أيضًا تعرضت لموقف مشابه وإن كان بإرادتها تلك المرة .. كانت تبادل زميلها بعضًا من إحساسه بها ..ربما تأثرت يومها بتجارب بعض صديقاتها وطيشهن .. لكنها لم تشعر أبدًا بتلك اللذة والانصهار الذي تحدثن عنه .. في المرتين لم تتعد مشاعرها التسلية والغضب ..
محاولاتها للصمود فشلت ما إن ضمها إليه وطبع على شفتيها قبلة طويلة كادت تفقدها صوابها .. هذا الوقح أخطر كثيرًا من كل توقعاتها .. حاولت إبعاده عنها دون جدوى فهمست لاهثة :
– أرجوك ليس هكذا
غمغم في وقاحة :
– علميني إذًا
هتفت مستنكرة :
– أنا أعلمك أنت ؟!
ـ ولمَ لا ..؟ ألست أستاذة بالجامعة ؟
ـ ما الذي تظنني أُدرسه ؟
ـ الدلال يا ليلى .. وماذا ستدرسين سوى الدلال ؟
ـ أنا أدرس القانون
ـ قانون الجاذبية ، أليس كذلك ؟
ـ أنت وقح جدًا .
زمجر محذرًا :
– حذارمن اللسان السليط ، فهو ما لا أحبه فى نسائي .
تخلصت منه بصعوبة قائلة :
– نساؤك !!
ابتسم في لامبالاة قائلًا :
-ظننتك تعلمين هذا !
ـ ما أعلمه هو أن لكل رجل ماض .. وليس عليه أن يجاهر به إن كان مخزيًا
ـ ذكاء هذا أم غرور ؟
أبعدتوجهها عنه فى كبرياء قائلة :
– مهما بلغت لا مبالاتك لا أحب أن تتحدث أمامي بهذه الطريقة
جلس على كرسي واضعًا ساقًا فوق الأخرى .. أخرج علبة سجائره وأشعل واحدة منها ..راح يحرقها في بطء متعمد .. دخان سيجارته عبأ الغرفة من حولها حتى كادت أن تختنق.. كان واضحًا أن هذه الفتاة لا تعرفه بعد كما يجب ..!
قال بعد فترة :
– ألا تحبين الصراحة ؟
سعلت بوجه محتقن قائلة :
– يبدو أنك لا تفرق بين الصراحة والوقاحة ..!
دهس بقايا سيجارته في المطفأة .. حاولت أن تبدو ثابتة عندما تحولت الحجرة إلى غابة فجأة وهو ينهض ليقترب منها في وحشية قائلًا :
– ربما لا أعلم بعد من أنتِ.. ولا لماذا قبلت الزواج بهذه الطريقة المهينة ؟ لكن في كل الأحوال مرحبًا بكِ في قفصي الذهبي يا ليلى
صاحت في غضب واستنكار :
– قفصك الذهبي .. وكأنك تتحدث عن إحدى سلالات القردة ..!!!
ابتسم في استفزاز قائلًا :
– هل غضبت ؟
حملقت فيه قائلة بضيق :
– يبدو أنك لم تعلم بعد من هي ليلى فاضل ..!
– ما أعلمه هو أنك تمتلكين من المكر والدهاء ما استطعت به أن تكوني زوجة لـ ممدوح سالم
صاحت به في انفعال :
– ممدوح سالم ….. ممدوح سالم هذا ما هو إلا همجيًا يطارد النساء .
شعرت فجأة بألم بالغ يعتصر ذراعها قبل أن تدرك أنه يقبض عليه بقسوة ويصرخ بها في صوت كالرعد قائلًا:
ـ يبدو أن هناك أشياء كثيرة ما زلت تجهلينها عني أيتها الجميلة , أولها أنني لا أسمح لامرأة أن تحدثني بهذه الطريقة ,وإن كانت في مثل جمالك، أما بالنسبة لمطاردة النساء فأنا لا أحتاج إليها …
أزاحها بعيدًا وهو يردف باشمئزاز :
-ولمَ المطاردة ؟ أنتن كالحشرات في كل مكان .
ذابت آلامها في خضم ما تشعر به من إهانة وصاحت به :
ـ الحشرات هن من يسعين خلفك أيها المتوحش .
نظر إليها في تهكم قائلًا :
– و ماذا تسمين ما فعلته أنتِ ؟
اتسعت عيناها وهي تنظر إليه فى ذهول .. لا تجد ما تجيب به وقاحته .. كيف تبدلت الأوضاع بهذه الطريقة ؟ هل كانوا جميعًا على حق ؟!
أردف بنفس اللهجة التهكمية المستفزة :
ـ لكنني لابد أن أشهد لك بالتفرد ، لقد اخترت أقصر الطرق وأنجحها.
– غرورك وحده هو ما يوهمك بهذا .
عاد ليجلس واضعًا ساقًا فوق الأخرى .. ناداها في لامبالاة :
– والآن هيا ، قومي بأولى واجباتك الزوجية واخلعي عني حذائي .
انفرجت شفتاها دون أن تتحرك من مكانها .
تأملها ساخرًا :
– هكذا إذًا ، الحلو دائمًا لا يكتمل ، هل أنتِ ضعيفة السمع ؟
هتفت فيانهيار :
– ما تطلبه يحتاج إلى خادمة وليس إلى زوجة
أجابها في تهكم :
– وما حاجتي إلى زوجة إذًا ؟
قالت غير مصدقة ما يحدث :
– هل تزوجت من أجل امرأة تخلع عنك حذاءك ؟
أجابها في لهجة باردة :
– في الحقيقة أنا لم أكن أريد الزواج ، لكن بما أنه قد حدث وتزوجت فما المانع من هذا ؟
قالت في محاولة للنيل منه :
– عجبًا كنت أظن أن النساء فقط هن من يجبرن على الزواج .
ابتسم قائلًا :
– إن شئتِ أن تطلقي على ما فعلته اسمًا.. فقولي تضحية لا إجبار
قالت في مزيج من السخرية والاستنكار :
– تضحية…..!
ضغط على كلماته قائلًا :
– اعلمي إنني تزوجتك تحت تهديد الأطباء ، بعد أن أجمع فريق منهم بأن حياة أبي مرهونة بموافقتي على الزواج منك .
قالت بصوت مختنق :
– ماذا تعني ؟
أجابها ساخرًا :
– هل حديثي مبهم إلى هذا الحد ؟
رفعت رأسها في كبرياء قائلة :
– لا تنكر أنك لو رأيتني من قبل لفعلت المستحيل للفوز بي .
لاحت ابتسامة على شفتيه وهو يتفحصها في وقاحة قائلًا :
– بل كنت سأفعل الأكثر من المستحيل للفوز بك يا فينوس
ما كادتتهدأ وتلملم أنفاسها التي شتتها ببرودته واستفزازه حتى تحول بريق النصر في عينيها إلى غضب جامح حين أردف :
ـ لكن ليس كزوجة .
أبعدتوجهها حتى لا يرى دموعها التيعجزت في السيطرة عليها.. لكنه لمحها فطأطأ بشفتيه ساخرًا :
ـ ما زال الوقت مبكرًا جدًا على هذه الدموع
استدارت إليه في ثورة صارخة :
– ومن قال أنني سأبقى معك ثانية أخرى ؟
– ومن قال غير ذلك ؟
هتفت بأنفاس لاهثة :
– طلقني
نظر إليها في ريبة قائلًا :
– هل أنت بلهاء ؟
– قل ما شئت عني لكنني لن أستمر في هذه المهزلة بعد الآن
اتجهت مسرعة لتغادر الغرفة فأمسك بها في عنف قائلًا :
ـ مهلًا يا حلوتي , الدخول في اللعبة شيء والخروج منها شيء آخر
صرخت وهي تحاول التخلص منه :
– اتركني اذهب
صاح غاضبًا :
– أيتها الغبية ماذا سيقول الناس عنكِ ؟
ـ لا يهمنيولو اتهموني جميعًا بالجنون
ـ لن يتوقف الأمر عند اتهامك بالجنون , هل نسيت أين نحن ؟ ستجلبين العار إلى أهلك جميعًا
ـ أعدك بأن أتزوج بمجرد انتهاء شهور العدة
ـ كفي عن هذا الجنون
صرخت وهي تحاول التخلص منه :
– اتركني أذهب ، اتركني وإلا فأنت لم تر شيئًا من جنوني بعد
صفعها بقوة قائلًا :
– ولا أريد أن أرى
******
شعرت ليلى بأنها تهوى وتهوى حتى استقرت أخيرًا في قاع الهاوية ، صرخات تصم أذنيها ، هناك من يهتف باسمها في لهفة وجزع لكنها لا ترى شيئًا ، الظلام الدامس يسود المكان ، هناك من يضرب رأسها بالمطرقة ، إنها تسمع صوت المطرقة وتشعر بآلام رهيبة لم تعد تحتملها ، حاولت الصراخ دون جدوى ، صوتها المختنق لا يساعدها ، عادت تصرخ وتصرخ حتى سمعت صوتها أخيرًا ، فتحت عينيها بصعوبة ، أنفاسها مضطربة ، رفعت يديها بحركة لا إرادية تتحسس وجهها ، تلفتت حولها في جزع ، لم يكنبالحجرة سواها ، طرقات عنيفة تهز باب غرفتها وصوت عرفت فيه صوت حماتها تهتف في لوعةوقلق .. لم تكن تحلم إذًا .. ليس كابوسًا ما عاشته منذ قليل ..
– ليلى…ليلى هل أنت بخير؟
جمعت شتاتها بصعوبة قائلة :
– نعم ….
حاولت النهوض من فراشها ، شعرت بآلام مبرحة ، هناك شيء لم تعهده من قبل ، شهقت فيذعر وغضب ، لم تعد هي ليلى عذراء الأمس ، لقد غدت زوجة لهذا القذر شاءت أم أبت …
******
جلست ليلى في حجرة كبيرة امتلأت عن آخرها بالنساء اللواتي أخذن يثرثرن بلا توقف حتى كاد الصداع أن يمزق رأسها إربًا ، زاد من ضيقها البخور الذي أحضرته حماتها خوفًا عليها من الحسد وهي تجلس بين هذه العيون النهمة ، رغبة واحدة امتلكت كل حواسها ، الهروب ، الهروب هو الشيء الوحيد الذي ربما يخلصها من هذا الكابوس ، ستهرب الآن وليكن ما يكون ، تسمرت العيون في ترقب وهي ترى العروس وقد نهضت فجاة واستعدت لشيء ما ، شعرت ليلى بحرج زادها ضيقًا فوق ضيقها ، كادت أن تطلق صرخات هيستيرية لولا دخول نادية إلى الحجرة وعلى شفتيها ابتسامة مرحة وما إن وقع بصرها على ليلى حتى تهللت قائلة :
– كيف حالك أيتها العروس الجميلة ؟
ألقت ليلى بنفسها بين ذراعي صديقتها التي تلقتها في جزع عندما لاحظت وجهها الشاحب وجسدها المرتعد ثم ما لبثت أن قالت بصوت حاولت أن تخفي ارتباكه :
– ليلى …معي هدية خاصة جدًا لك
جذبتها ليلى إلى غرفتها غير مبالية بهمسات النسوة ونظراتهن الفضولية وما إن دلفت إلى حجرتها وأغلقت الباب خلفها حتى أطلقت لدموعها العنان وسط دهشة نادية وصدمتها .
بعد مضى وقت ليس بالقليل نجحت محاولات نادية المستميتة في تهدئة صديقتها ، أخيرًا تمتمت ليلى بصوت مختنق :
– الوضع أسوأ كثيرًا مما ظننت ، هذا القذر لا يمكن تحمله ،الأمر فوق طاقتي يا نادية
ربتت نادية على كتفهابحنان قائلة :
– ماذا حدث ؟
ـ هذا الوقح يتلذذ بإهانتي وكأنه ينتقم مني..!
نظرت إليها نادية في جزع قائلة :
– هل اكتشف وجود حبوب منع الحمل ؟
هزت رأسها نفيًا .. فأردفت نادية في مزيد من القلق :
– هل أخبرته عن سبب زواجك منه ؟
صاحت ليلى بانفعال :
– ليس بعد ، لكننى سأخبره به حتى أحطم غروره فوق العادي
انتفضت نادية وهي تصرخ فيها محذرة :
– حذار أن تفعلي هذا ، الذي سيتحطم هو رأسك وليس غروره
تنهدت ليلىبضيق قائلة :
– هل تصدقين أنه أخبرني في لا مبالاة بأنه كان يفضل أن أكون عشيقته وليس زوجته ، وبأنه تزوجني فقط كي ينقذ والده من الموت ؟ هل تصدقين بوجود رجل يتحدث لعروسه بهذا الكم من الوقاحة في ليلتهما الأولى ؟
ابتسمت نادية في هدوء قائلة :
– تذكري أن السبب الذي تزوجته لأجله أكثر إهانة من هذا
أردفت ليلى في عناد :
– سأخبره عن سبب زواجي منه لأر……….
قاطعتها نادية بصوت مرتجف :
– إنه عنيف جدًا ، ربما قتلك أيتها الطائشة
سألتها ليلى ببعض الذعر :
– هل قتل أحدًا من قبل ؟
ـ كلا ، لكنه كاد أن يفعلها أكثر من مرة ..
هتفت ليلى في حدة :
– ولماذا لم يدخل السجن إذًا ؟
ـ بسبب نفوذ والده وثرائه بالطبع .. ألم نخبرك بكل هذا قبل الزواج ؟!
ـ وكيف يشاركه الحاج سالم ظلمًا كهذا ؟
ـ الحاج سالم يعشق ولده حد العبادة ، ويفتخر به كثيرًا رغم كل عيوبه
غمغمت ليلى في يأس :
– ومن سيساعدني للخلاص منه إذًا ؟
ضحكت نادية وهي تشير إلى صوره المعلقة على الجدران قائلة :
– ولماذا تريدين الخلاص منه ومعظم النساء يتمنين أن يصبحن مكانك ؟
نظرت إليها ليلى في عتاب فابتسمت في مكر قائلة :
– كل ما عليك هو طاعته وإظهار بعض التعاون وأنا على يقين من أنه يجيد معاملة الجميلات
أحنت ليلى وجهها وزفرت بضيق قائلة :
– إنه ليس في حاجة إلى تعاوني ، فهو يأخذ ما يريده مني دون الرجوع إليَّ ، إنه أكثر من رأيت وقاحة ولا مبالاة .. كل ما يفعله يشعرني بالجنون
قالت نادية في هدوء :
– لا تنسي كونك زوجته
– ليتني أستطيع النسيان ، ليت ما أنا فيه ليس إلا كابوسًا فأستيقظ منه
ربتت نادية على كتفها قائلة :
– لقد حذرناك جميعًا ولكنك قررت وحدك
انهارت قائلة :
– وهذا ما يزيد من عذابي ، لماذا لم يقتلني فؤاد ؟ لماذا تركني لهذا العقاب المرير ؟
******
في الردهة الواسعة بالطابق الأسفل ، جلس ممدوح بين والده ورفاقه يستقبلون سيلًا من الرجال المهنئين بدا وكأنه لن يتوقف أبدًا .. راح يستمع في صبر نافدوابتسامة صفراء إلى دعواتهم له بالفضيلة والهداية ، حانت منه التفاتة إلى رفاقه فوجدهم أكثر ضيقًا منه وهم يتطلعون إليه في لهفة وشوق لمعرفة ما حدث أمس بينه وبين هذه الغامضة التي تزوجها ، اقترب منه أشرف هامسًا :
– وماذا بعد ؟ هل سنبقى في جلسة التعذيب هذه للأبد ؟
تنهد ممدوح بضيق :
– ثق أنني أشعر بما تشعر به وربما أكثر
تابع أشرف بنفس النبرة الهامسة :
– جد لنا حلًا إذًا
ـ أخشى أن أسلب أبى فرحته
ـ امنحنا نحن أيضًا القليل من الشفقة
اتسعت ابتسامة ممدوح وقبل أن يعلق بشيء أقبل فؤاد لتقديم التهنئة ، نظر كلاهما للآخر في برود واضح بينما تقدم الحاج سالم إلى ضيفه يحتضنه في ترحاب وحفاوة .. سرى فيض من الهمس والهمهمة بين الحاضرين قطعه فؤاد حين اقترب من ممدوح مصافحًا فبادله ممدوح المصافحة ، وكذلك فعل رفاقه وكأن شيئًا لم يكن
لم يمض وقت طويل حتى نهض فؤاد مستعدًا للرحيل فهتف الحاج سالم مستنكرًا :
– بهذه السرعة ..! لن تنصرف قبل أن تشاركنا الغداء .
ابتسم فؤادبهدوء :
– كرمك لا يحتاج إلى برهان يا حاج سالم , لكنني أنتظر بعض التجار من سوهاج وأخشى أن يصلوا إلى المنزل ولا يجدونني هناك ، هل يمكنني رؤية العروس قبل أن أنصرف ؟
وقف ممدوح وسط دهشة والده ورفاقه ودهشة فؤاد نفسه قائلًا :
– ما دمت مصرًا على الرحيل ، سأرافقك لرؤية العروس إذًا
تدخل والده منزعجًا :
– أنا الذي سأرافقه
أجابه ممدوح في حزم :
– ابق أنت مع ضيوفك يا أبي ، هيا يا سيد فؤاد
تقدمه فؤاد إلى الدرج بينمااقترب منه والده وقال هامسًا :
– تذكر يا ولدي أنه في بيتك
ابتسم ممدوح :
– اطمئن لن أقتله
صعد ممدوح الدرج عدوًا كعادته ، لكنه توقف ما إن نظر خلفه وأدرك أن فؤاد لا يستطع مجاراته وقال مبتسمًا :
– تمتلك جسدًا ثقيلًا يا سيد فؤاد
ضغط فؤاد على كلماته :
– العمل لا يترك لي وقتًا للاعتناء بنفسى
قال ممدوح في لا مبالاة :
– هذا ليس عذرًا كافيًا ، إن لبدنك عليك حق
أجابه فؤاد في مكر :
– أخشى أنك لا تهتم سوى بهذه الحقوق
ضحك ممدوح ولم يعلق ، وصلا إلى الحجرة التي أعدت خصيصًا من أجل العروسين ، فتحها ممدوح وأشار لضيفه :
ـ تفضل ، سأرسل لاستدعاء ليلى حالًا
جلس فؤاد وتأمل ما حوله بإعجاب قائلًا :
– الحجرة رائعة ، أتمنى لكما التوفيق
قدم له ممدوح علبة سجائره :
– تفضل
لكن فؤاد رفضها متعللًا بأنه لا يدخن ، فابتسم ممدوح :
– تبدو فاضلًا أكثر من اللازم
نظر إليه فؤاد وابتسم مرغمًا بينما أشار ممدوح إليه بطبق من الفاكهة:
– لا أظن أن هذه من الممنوعات
تناول فؤاد منه تفاحة شاكرًا ثم ما لبث أن سأله ببعض الاهتمام :
– هل أخبرت ليلى بما حدث بيننا أمس ؟
أجابه ممدوحبوقاحة مقصودة :
– لم يكن هناك وقت
ساد الصمت بينهما حتى قطعه فؤاد:
– عذرًا، إن كنت قد أخذتك من ضيوفك
هتف ممدوح ممتنًا :
– لقد أنقذتني من هذه الجلسة المملة
أقبلت ليلى في تلك اللحظة وأسرعت ترتمي بين ذراعي فؤاد في لهفة وكأنها وجدت من ينقذها من براثن هذا الذئب ، تأملها فؤاد في قلق :
– ماذا بكِ ؟
قالت بصوت مرتبك :
– كنت أخشى أن لا تأتي
تمتم وهو يتفحصها بإمعان ليتأكد من كونها بخير :
– وكيف لا آتي ، ومن لي أغلى من ليلى ؟
تحجر الدمع في عينيها وهي تتعجب كيف لم تدرك ذلك من قبل ، لماذا لم تستمع إليه عندما نصحها بالابتعاد عن هذا المتوحش ؟ همس فؤاد باسمها في قلق ثم حول ناظريه إلى ممدوح وسأله بانفعال :
– ماذا فعلت بها ؟
أجابه ممدوح وهو يتطلع إلى ليلى التي تجاهلت النظر إليه منذ دخولها إلى الحجرة :
– وماذا تظنني قد فعلت بها وقد علمت أمس فقط أنها تحدت الجميع للزواج مني ؟
نظر إليه فؤاد في غضب لكنه لم يجد ما يقول.. عاد ينظر إلى ليلى في قلق وتساؤل فتصنعت ابتسامة قائلة :
ـ لا تقلق بشأني ، أنا بخير … ربما كنت مرهقة قليلًا لأنني لم أنم جيدًا
قال فؤاد في ريبة :
– سأسافر غدًا إلى سوهاج ، يمكنني تأجيل السفر أو حتى إلغائه إذا اقتضى الأمر
كتمت ليلى غيظها بصعوبة حين أمسك ممدوح بكتفيها وأدارها إليه قائلًا :
– اطمئن يا فؤاد ، يمكنني أنا الاعتناء بها جيدًا ، فالرجل لن يجد امرأة مثلها كل يوم ، هي أيضًا قد وجدت أخيرًا الرجل الذي يمكنه التعامل معها بالطريقة التي تفضلها ،أليس كذلك يا عروسي الجميلة ؟
حمدت ليلى الله على أن ظهرها في مواجهة أخيها حتى لا يراها عندما أغمضت عينيها وعضت على شفتيها حتى كادت تدميها .. اتسعت ابتسامة ممدوح وهو يجذبها إليه ويقبلها غير مبالٍ بوجود فؤاد الذي هز رأسه مستنكرًا ولكنه وقف عاجزًا لا يدري ماذا يفعل …. ؟
******
ما إن انفرد ممدوح برفاقه حتى تنفس عادل الصعداء قائلًا :
– يا إلهي لقد كدت أختنق
بادله أشرف سخطه :
– حتى السيجارة لم نستطع حرقها وهم ينظرون إلينا هذه النظرة الطفولية
ابتسم ممدوح :
– مهلًا يا رفاق ما زال الوقت مبكرًا على هذا الغضب ، هذه المسرحية سوف تستمر أسبوعًا على الأقل
صاح عادل مستنكرًا :
– أسبوعًا ، أسبوعًا نستيقظ قبل أن ننام لنجلس مع هؤلاء الجبابرة
أجابه ممدوح ساخطًا :
– إنها العادات والتقاليد في هذه القرية يا صديقي
قطع حديثهما كمال الذي قال متلهفًا :
– دعك من هذا الآن وحدثنا عن العروس
وقال أشرف في لهفة أعنف :
– من هي ، هل رأيناها من قبل ؟
أجابه ممدوح في اقتضاب زادهم شغفًا :
– كلا
ـ هل رأتك هي من قبل ؟
ـ لم ترني ولم أرها من قبل .
ـ هل هيعانس بالفعل ..؟ دكتورة بالجامعة كما تقول والدتك ؟
ـ لم تحصل سوى على الماجستير ولديها إصرار يدهشني للحصول على الدكتوراة
ـ ليست عجوزًا شمطاء إذًا ، هل هي جميلة ؟
ضغط ممدوح على حروفه قائلًا :
– فينوس
حدق ثلاثتهم فيه فتابع في شغف :
– ولديها من الغرور والعناد والجنون أيضًا ، ما يبعث على التحدي
صاح عادل في عدم تصديق :
– إن كانت حقًا باهرة الجمال كما تقول ، فلماذا قبلت الزواج بهذه الطريقة ،هل أغرتها سمعتك الحسنة في القرية ؟
ابتسم ممدوح :
– يبدو هذا
تمتم عادل ساخرًا :
– كيف هذا وسمعتك في القرية يخشاها الرجال قبل النساء ؟
ضاقت عينا ممدوح قائلًا :
– مغامرة صغيرة تجرب اللعب مع الكبار ، ولكم يسعدني أنها سقطت في أرضي
قال أشرف في تهكم :
– إنها مجنونة إذًا
ابتسم ممدوح :
– هذا ما أقرت به بعد الدرس الأول
هتف كمال مستنكرًا :
– لا تقل أنك عذبتها من الليلة الأولى ..!
قال ممدوح وهو يتأمله ساخرًا :
– لقد ضغطت عليها قليلًا ، بعد أن وجدت أن معلوماتها عني غير كافية
صرخ كمال بضيق :
-تبًا لك أيهاالمتوحش ..! يبدو لي أنها رقيقة جدًا
ـ أنت أبله ، فهى نمرة شرسة تحتاج لمن يروضها ، وسأفعل هذا بكل سرور
سأله أشرف في لهفة :
– هل هي عذراء ؟
ـ كانت حتى صباح اليوم أيها الأحمق
ابتسم عادل في شغف :
– حسنًا ، أخبرنا ما حدث بينكما من الألف إلى الياء
صاح ممدوح مستنكرًا :
– ماذا ؟
قال أشرف مندهشًا :
– ما بالك مصدومًا هكذا ..! لقد كنت تقص علينا ما يحدث بينك وبين الأخريات بأدق التفاصيل
ـ هذه المرأة زوجتي ، تحمل اسمي وربما غدًا تحمل طفلي أيضًا .
قال أشرف متفهمًا :
– حسنًا ، لكن حديثك عنها ملأنا شوقًا لرؤيتها .. أم أنك ترفض ذلك أيضًا
ابتسم ممدوح قائلًا :
– ليس لهذا الحد
كانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة عندما نهض ممدوح واستعد للذهاب ، فأمسك عادل بذراعه قائلًا :
ـ إلى أين ستذهب ؟
أجابه ممدوح وهو يتثاءب :
– سآوي للفراش
علق أشرف ساخرًا :
– لكنها ما زالت السادسة مساءً وليس صباحًاأيها الزعيم
ضحك عادل متسائلًا في خبث :
– قلت لي من سيروض الآخر ؟
انفجروا يضحكون جميعًا وبينهم ممدوح حتى سأله أشرف متصنعًا الخوف :
– هل الأستاذة تستخدم العصا ؟
عاد عادل يضحك :
– ربما تحرمه من درجات السلوك
وقال كمال :
– اتركوه يمضي إذًا حتى لا تتسببوا في رسوبه
تصنع أشرف الجدية :
– إن كان الأمر كذلك ، يجب أن ندعك تمضي فهو مستقبلك يا صديقي
ثم نظر إلى عادل وكمال في ذعر مصطنع وقال :
– يجب أن نحترس يا رفاق حتى لا نسقط في قبضة الأستاذات القرويات ، يبدو أن لهن سحر خاص
نظر عادل إلى ممدوح الذيوقف يراقبهم مبتسمًا وقال :
– معك حق يا أشرف ، انظروا ماذا فعلت إحداهن بالزعيم ؟
ضحك ممدوح في مرح :
– أيها الغجر ..! لم أذق للنوم طعمًا منذ أمس
قال أشرف في خبث :
– نحن نقدر موقفك
ضحك ممدوح :
– أنتم لا تطاقون ، خاصة وأنا في مثل هذه الحالة
ثم أردف وهو يفتح الباب :
– غدًا سنلتقي لآخذ ثأري
******
دلف ممدوح إلى حجرته وأغلق الباب بقدمه في عنف كعادته فاستيقظت ليلى مذعورة وأسرعت تغادر فراشها ، ما إن وقع بصره عليها حتى ابتسم قائلًا :
– هل كنت نائمة ؟
زفرت بضيق صامتة فتابع في مكر :
– لماذا لم تنتظري حتى أوقظك ؟
غمغمت ساخطة :
– لقد أيقظتني بالفعل بأسلوبك الهمجي هذا .
جذبها إليه هامسًا:
– أنتِ تفضلين طريقة أمس إذًا ؟
حاولت التخلص منه قائلة :
– بل أفضل أن تتركنيلأغسل وجهي
تأملها متهكمًا ، كانت ترتدي روبًا حريريًا أبيض اللون ، طويل الذيل والأكمام ، وقد لفته حولها بإحكام حتى لا يظهر منها شيء ، تركها فجأة فكادت تسقط أرضًا بينما قال في لا مبالاة :
– بدلي هذه الثياب ، فأنا لا أنوي الصلاة الآن
أسرعت هاربة من أمامه وهي تغمغم بسيل من السباب والشتائم لم يفهم منها شيئًا لكنه صاح فيها قائلًا :
ـ عشرة دقائق ، وربما نضطر لتغيير باب الحمام
التفتت إليه قائلة في بلاهة :
– لماذا ؟
أجابها في نبرة باردة :
-سوف أكسره
ظلت تحدق فيه بنفس البلاهة فأردف بصبر نافد :
– لاتتأخري يا……. دكتورة
أغلقت باب الحمام خلفها بعنف ، خطوات قليلة تفصل بينها وبين الجنون ، كل ما يفعله هذا الوغد يثير جنونها ، نظراته الوقحة ، لسانه الفظ ، لمساته العنيفة ، أسلوبه الهمجي ، والأدهى من ذلك كله ، تلك اللامبالاة التي ينتهجها ، أطلقت تنهيدة عميقة ورفعت عينيها إلى السماء تلتمس المعونة وترجو من الله أن يغفر لها هذا الذنب الذي ارتكبته في حق نفسها ويمنحها القدرة على التحمل والصمود حتى النهاية ، كادت تنفجر باكية حين سمعت صياحه بالخارج :
– هيا يا دكتورة ، لقد انتهت الدقائق العشرة
غمغمت ساخطة :
– اللعنة عليك وعلى هذه الدكتوراة التي ألقت بي في قبضتك
غسلت وجهها سريعًا وخرجت إليه في عبوس صارخة :
– ماذا تريد مني ؟
أجابها في نبرة هادئة وشبه ابتسامة تتراقص على شفتيه :
– ألا تجيدين التخمين ؟
تخضب وجهها خجلًا وهي تلملم روبها الحريري حولها بإحكام أكثر فأطلق ضحكة طويلة قبل أن يردف في لهجة زادتها خجلًا :
– لقد أخبرتني والدتي بأنك لم تتناولي طعامًا منذ أمس
ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة :
– لم تكن لي رغبة في تناول الطعام
قال في تهكم :
– أراهن أن لكِ رغبة الآن
صاحت ساخطة :
– لاتظن أنني كنت أنتظرك
قال وابتسامة تتلألأ على شفتيه :
– أتنكرين هذا ؟
أتسعت عيناها في استنكار :
– يالك من متعجرف !
شهقت في فزع حين أحاط خصرها بذراعه وهو يقودها إلى مائدة الطعام فضمها إليه وقبلها قائلًا :
ـ سأعلمك كيف تكفين عن الفزع كلما لمستك يا ليلى .
نزع روبها بقوة وألقى به جانبًا وهو يهمس :
– هكذا أفضل كثيرًا
قالت بصوت مختنق :
– أنا جائعة جدًا
أجابها في نبرة تملؤها الرغبة :
– أنا أيضًا جائع جدًا ، لكنك جعلت شهيتي تسلك طريقًا آخر
راح يلتهم شفتيها وعنقها في نهم ، حاولت التملص منه حتى فقدت القدرة على المقاومة وماتت شفتيها المرتعدة فلم تعد تشعر بهما تحت وطأة قبلاته العنيفة الشرهة ، بدأت الحجرة ترقص بها وجدرانها تقترب منها ، انطفأت الأنوار فجأة وتسارعت دقات قلبها في جنون وكأنها في سباق مع الزمن وعادت لتتوقف كلها دفعة واحدة وقد وصلت إلى نهايته .
حركت ليلى جفنيها في بطء ، الأنوار عادت إلى الحجرة من جديد ، وابتعدت الجدران عن بعضها البعض مرة أخرى ، رائحة العطر تملأ أنفاسها بينما انحنى ممدوح فوقها وراح يسألهابنبرة يشوبها القلق :
ـ ليلى … ليلى ..هل أنت بخير ؟
تنبهت إلى أنها ترقد على فراشها وهو يجلس على حافته ، ممسكًا بزجاجة من العطر فى إحدى يديه بينما يمسح شعرها بيده الأخرى ، لمساته أكثر نعومة هذه المرة .. عاد ليكرر سؤاله من جديد فهزت رأسها صامتة
تابع بقلق أعمق :
ـ هل أنت مريضة ؟
نظرت إليه في تساؤل فأردف :
– لقد انخفضت درجة حرارتك فجأة ، وأصبحت بشرتك بلون الثلج . هل تعرضت لمثل هذه الحالة من قبل ؟
تطلعت إليه ساخطة .. كيف تخبره عن طريقته العنيفة في تفتيح مشاعرها .. كم توقع منها أن تصمد وهو يضمها ويقبلها بتلك الوحشية ؟!
حاولت النهوض قائلة :
– اطمئن ، أنا لست مريضة .
ـ لماذا سقطت مغشيًا عليك إذًا ؟
ابتلعت ريقها صامته ، فابتسم بطريقة أربكتها :
– ألن تقولى شيئًا ؟
قالت بصوت مرتبك :
– أنت تعلم أنني لم أتناول طعامًا منذ أمس ، وربما كان هذا هو السبب
شدها إلى مائدة الطعام قائلًا في خبث :
– حسنًا ، ظننتك ستحاولين إيهامي بشيء آخر
– ماذا تعنى ؟
أجابها وهو يحدق في عينيها :
– يبدو أنني أكثر أهل الدنيا حظًا ، أو أنك ممثلة بدرجة امتياز..!
جلسا يتناولان طعامهما ، حاول إطعامها فنهرته :
– أظن أنني في سن يسمح لي بتناول طعاميدون مساعدة
عض على شفتيه :
– كاد صبري أن ينفد
– جيد
– كلا .. ليس جيد أبدًا
تجاهلت غضبه وراحت تتناول طعامها صامتة ، حانت منها التفاتة إليه ، فاتسعت عيناها وتوقفت عن تناول الطعام وهي تحدق فيه مستنكرة .. لم تصادف أحدًا من قبل يتناول طعامه بهذه الشراهةوالسرعة .. وكأنه سيلتهمها بعد قليل ..!
التفت إليها وغمغم ساخرًا :
ـ لماذا تنظرين إليَّ هكذا ، هل تتعلمين الأكل مني ؟
صاحت قائلة :
– مستحيل
ابتسم فأردفت مستنكرة :
– أنت تأكل كالأسد
أجابها في لا مبالاة :
– الأسد هو مثلي الأعلى دائمًا
توقف عن تناول الطعام.. فبرقت عيناها قائلة :
– هل أشعرتك بالخجل ؟
قال متهكمًا :
– الخجل …! هذه الكلمة خارج قاموسي
ـ أتعنيبأنك لا تخجل أبدًا ؟
ـ وماذا أترك للنساء إذًا ؟
ـ الخجل ليس من شيم النساء وحدهن … الخجل إحساس آدمي
تمتمت ساخطة :
– كونك تفتقده ، فهذا يعود لطبيعتك الوحشية
نظر إليها وضاقت عيناه محذرًا.. قالت وهي تنهض مسرعة :
– سأعد الشاى ، هل تريد كوبًا ؟
أمسك يدها قائلًا :
– أكملي طعامك أولًا
ـ لقد شبعت
– بهذه السرعة..! دعيني أطعمك أنا
جذبت يدها وابتعدت عنه ، وعندما انحنى للإمساك بها من جديد ، مال كرسيه فسقط أرضًا ، تشبث بمفرش المائدة فسقط فوقه بما عليه من طعام ، زفر في ضيق بالغ بينما أطلقت ليلى ضحكة مدوية أقل ما يقال عنها أنها خليعة حتى أن ممدوح نسى وضعه الحرج وظل يحدق بوجهها مصدومًافنهرته قائلة :
ـ لماذا تحدق فيَّبهذه الطريقة ؟
سألها في ريبة :
– أين تعلمت هذه الضحكة ؟
قالت مستفزة :
– هل تزعجك ضحكتي إلى هذا الحد ؟
قال فيلهجة تهكمية يملؤهاالشك :
– هذه الضحكة تذكرني بصديقة لي ، لكنها لا تعمل بالجامعة ، بل لم تدخلها أبدًا
ضغطت على أسنانها وهي تنظر إليه بغضب ، لكنه تابع بنفس اللهجة القاسية :
ـ ربما أحتاج إلى رؤية أوراقك يا ليلى
همت أن تعترض لكنه دفعها إلى الأريكة وهو يخلع عنه ملابسه التي تناثر فوقها الطعام ويلقي بها جانبًا قبل أن يحدق في عينيها :
– من أنتِ بالضبط ؟
قالت في عناد :
– لمَ لا تكتشف هذا بنفسك ؟
أمسك ذراعها بقوة آلمتها :
– كفي عن المراوغة ؟
صاحت ساخطة :
– اترك ذراعي
تركها في خشونة محذرًا :
– لا تجادليني
زفرت بضيق عندما جذب أحد الكراسي وجلس في مواجهتها .. صدره العاري وكأنه لمصارع محترف زادها قلقًا .. لم تتخيله هكذا عندما أخبروها بأنه يمتلك جسد الثيران ..!
أشعل سيجارة قبل أن يحدق في وجهها منتظرًا فصاحتبعصبية :
– أنا لا أطيق رائحة التبغ
ـ لا تستنشقيها إذًا
اتسعت عيناها وارتجفت شفتاها لتقول شيئًا لكنه قال بسرعة :
– أين تعلمت هذه الضحكة ؟
ظلا يحدقان كلاهما في الآخر فترة ليست بالقصيرة حتى قالت في استسلام :
– في منزل خالي
قال في تهكم :
– هل كانت زوجته راقصة ؟
اشتعلت غيظًا قائلة :
– ماذا ستفعل لو صفعتك ؟
تراقصت ابتسامة على شفتيه قائلًا :
-لا أعلم .. ولكننيأنصحك بأن لا تجربي
اتسعت ابتسامته الشرسة حين تفحصت عيناها عضلاته المفتولة في يأس قبل أن تهتفغاضبة :
ـ أي مبدأ هذا الذي تتعامل به ؟
ـ اطلقي عليه ما شئت
ـ أنت ديكتاتور
ـ أكملي
ـ وهمجي ومتوحش و ……
ـ أكملي قصتك وليس السباب
نفث دخان سيجارته في بطء قبل أن يردف:
– كم أمضيت في بيت خالك ؟
ـ عمري بأكمله
أطلقت تنهيدة طويلة وشردت بأفكارها بعيدًا قبل أن تقول :
– منذ كان عمري ثلاثة أيام أخذني معه إلى القاهرة ولم أعد إلى هذه القرية إلا منذ شهور قليلة
نظر إليها بصبر نافدفأردفت :
-كان خالي وقتها متزوجًا منذ عشرة أعوام ولم يرزق طفلًا .
قال بطريقته التهكمية البغيضة :
– وهل كانت والدتك تبيع الأطفال ؟
تتطاير الشرر من عينيها قائلة :
– أنت أكثر من رأيت وقاحة
تراجعت في فزع حين لوح بقبضته في وجهها محذرًا .. قال ساخرًا :
– وماذا تسمين ما فعلته والدتك ؟
ثم أردف في لهجة أشد سخرية :
– تضحية أم صدقة ….!
ـ أنت لا تفهم شيئًا
ـ الخطأ ليس في عقلي بل فى طريقة الشرح ، يبدو أنك أستاذة سيئة ، أراهن بأن طلابك لا يفهمون منك شيئًا
صاحت بعصبية :
– طلابي لا يتركون محاضرة لي ، وينصتون إلى بكل اهتمام وتركيز
ابتسم وهو يتأملها في وقاحة قائلًا :
– بدون عصبية ، أنا أصدقك في هذا
تجاهلت عبارته بصعوبة قائلة :
– لماذا أتيت باللوم على أمي وحدها وكأن الرجال معصومون من الخطأ ؟
حدق فيها لحظة قبل أن يقول فى هدوء :
– أم تترك طفلتها بعد ثلاثة أيام من ولادتها ، ماذا تريدينني أن أقول عنها ؟
ـ فعلت هذا لتنقذني من الموت
تمتم في مزيج من السخرية والدهشة :
ـ تنقذك من الموت ..!! لا ظني أن قومك .. هؤلاء العمالقة .. يتضورون جوعًا
زفرت في وجهه ساخطة قبل أن تنهض من مكانها وتبتعد عنه قليلًا.. ربما هربًا .. قبل أن تتابع قصتها بمرارة :
– لقد رزقت والدتي في بداية زواجها بأنثتين ، واحدة تلو الأخرى ، جن جنون والدي وكاد أن يتزوج من جديد بامرأةتنجب له الذكر ، ولكن لكون والدتي ابنة عمه ، قرر أن يمنحها فرصة أخيرة ..! وينتظر نتيجة الحمل الثالث ، ظلت والدتي المسكينة تدعو الله طوال فترة حملها الثالث حتى استجاب الله لها ورزقها بأخي فؤاد الذي أسعدهولكنه لم يكتفِ به.. بلاعتبرها البداية وأراد المزيد من الذكور، رغم صحة والدتي التي تدهورت..! حملت المسكينة بعد ولادة فؤاد بأقل من شهرين ، وجئت أنا إلى هذه الدنيا لأصدم الجميع ، لم أكن أنثى فحسب .. بل كنت ضعيفة جدًا حتى أجمع كل من رآنيبأنني لن أظل على قيد الحياة
ـ وماذا قال الأطباء ؟
أجابته في سخرية مريرة :
– أطباء !! ولماذا الأطباء لقد كنت أنثى وموتي خير من بقائي
تطلع إليها صامتًا فتابعت بنفس لهجتها المريرة :
-لست أعلم إن كان لحسن حظي أم لسوئه ، تصادف وجود خالي عبدالله في القرية وقتها ، ما أن رآني حتى قال لأبي معاتبًا :
– أرى أنك مقصر في واجبك نحو هذه الطفلة
أجابه والدي في لا مبالاة :
– وماذا سأفعل لها ؟ ستحتاج إلى معجزة للبقاء على قيد الحياة ، وإذا حدثت المعجزة فسوف تحتاج إلى عناية كبيرة من والدتها ، وكما ترى فؤاد ما زال صغيرًا ويحتاج إلى كل رعاية والدته واهتمامها
ـ إن كنت لا تريدها اعطني إياها .
ـ وماذا ستفعل بها ؟
ـ أنت تعلم أنني لم أرزق أطفالًا ، وسوف تسعد بها زوجتي
ـ لكنها لن تعيش طويلًا
ـ الأعمار بيد الله ، ومن ناحيتي سأبذل قصارى جهدي وأعرضها على أشهرالأطباء في القاهرة وربما تنجو من الموت ويكون لي فيها خيرًا .
وهكذا اصطحبني خالي معه إلى منزله بالقاهرة بعد أن أخذ تعهدًا من أبي أمام رجال العائلة جميعًا بعدم المطالبة بي مرة أخرى إذا ما بقيت على قيد الحياة
كان ممدوح ينصت إليها فى اهتمام وما إن انتهت من سرد قصتها حتى سألها قائلاً :
– ماذا كان يعمل خالك ؟
ـ كان موظفًابإحدى شركات السياحة
ابتسمت ثم أردفت في حنان قائلة :
– وما إن تيقن بأنني سأبقى على قيد الحياة حتى افتتح لنفسه مكتبًا صغيرًا للرحلات بالإضافة إلى وظيفته التي استقال منها فيما بعد .. حين ازدهرت أعماله وتحول المكتب الصغير إلى شركة سياحية كبرى
ابتسم ممدوح قائلًا :
– وماذا عن زوجة خالك ؟
ضغطت ليلى على كلماتها قائلة :
-كانت تعمل معلمة ، تعرف إليها خالي في إحدى الرحلات المدرسية وأعجبته أخلاقها فتزوجها ، كانت أمًا رائعة تعلمت منها كل شيء
تراقصت ابتسامة هازئة على شفتيه :
– كل شيء؟!
نظرت إليه بضيق ثم أشاحت بوجهها :
– لقد اعتاد خالي على إقامة الكثير من الحفلات بمنزله ، وفي إحداها كانت إحدى الراقصات تضحك هذه الضحكة فتدير رؤوس الرجال من أمثالك
ابتسم فى تهكم قائلًا :
– هل تهوين إغواء الرجال ؟
ضغطت على أسنانها قائلة :
– بل أهوى إذلال الرجال
ضحك قائلًا :
– أنت معقدة إذًا
نهض واحتضن وجهها الساخط ، ثم أردف في مكر :
– على أية حال هذا أفضل كثيرًا مما ذهبت إليه
أتسعت عيناها قائلة :
– ماذا ظننت ؟
ابتسم في لا مبالاة وهو يتأملها :
– لقد اخترت الطبيب المناسب يا ليلى ، فأنا الوحيد القادر على فك عقدك واحدة تلو الأخرى
صاحت في عصبية :
– كف عن غرور الرجال هذا ، اللعنة عليكم جميعًا
قال متهكمًا :
– جميعًا !! وماذا عن فؤاد أو خالك عبدالله ، وكلاهما دلالاك حتى أفسدا تربيتك
هتفت في لا مبالاة :
– فؤاد يحاول التحرر من الذنب الثقيل الذي يعانى منه كلما شعر بأنه السبب المباشر في نشأتي بعيدًا عن منزلي ، أما خالي عبدالله فلا أظن أن أمري كان ليشغله لو أنه رزق أطفالًا من زوجته
غمغم مستنكرًا :
– أيتها الجاحدة ، ماذا فعلت بوالدك ؟
أجابته في لا مبالاة :
-لقد توفى وأنا في التاسعة من عمري ، رحمه الله من انتقامي
ـ ممن جئت تنتقمين هنا ؟ وهل تركت خالك بعد هذا العمر كنوع من الانتقام أيضًا ؟
ـ لست جاحدة إلى هذا الحد
ـ لماذا عدت إذًا ؟ ولا تقولي عشقًا لهذه القرية
ـ كلا بالطبع ، لقد عدت إليها مرغمة بعد وفاة خالي رحمه الله ، لقد رأى رجال العائلة إنه من غير اللائق أن استمر فى الحياة مع امرأة غريبة عني !!
ـ ولماذا استسلمت لأمرهم ، أين كان لسانك السليط هذا ؟
صاحت في يأس :
– لقد ظللت أقاوم مع زوجة خالي لأكثر من عام كامل حتى أشفقت عليها بعد كثرة المضايقات التي تعرضت لها بسببي
ـ لماذا لم تتزوجي خلال هذه الفترة ؟
ـ لم أكن أفكر في الزواج أبدًا لولا هذه الفكرة المجنونة التي …..
توقفت عن الحديث عندما لاحظت أنه ينظر إليها في ترقب فتنبهت إلى حماقة ما سوف تقوله وتذكرت تحذيرات نادية لها فتمالكت نفسها قائلة :
– التي أوقعتني في قبضتك
تأملها في ريبة قائلًا :
– بما أنك قد وضعت الرجال جميعًا في قائمتك السوداء ، لماذا تزوجت من رأس القائمة ؟
نظرت إليه في تحد قائلة :
– ألم تفهم بعد ؟
ابتسم في طرب قائلًا :
– أريد أن أسمع من بين شفتيك الجميلتين ما الذي تنتظرينه مني بالضبط ؟
قالت في ثقة :
– سأجعلك تندم على ماضيك الأسود
ضحك قائلًا :
– أحقًا ؟ وكيف سيكون هذا ؟
شعرت ببعض الغضب من سخريته ولا مبالاته فصاحت به :
ـ أعدك بأن تركع طالبًا الصفح والغفران
هتف في تهكم قائلًا :
– ماذا ؟ أركع طالبًا الصفح والغفران ، من تظنين ذاتك ؟ إلهة أنت ولا أعلم ؟
أشاحت بوجهها في كبرياء :
– سنرى
أصابته ثقتها الزائدة ببعض الدهشة ، فقال محذرًا :
-من تصبح إلهتي سيكون قتلها أولى طقوسي ..!
قالت في لا مبالاة :
– وأنا لا يهمني الموت ، ما دمت سأحقق ما أريد
قال ساخرًا :
– إن كانت علاقتنا قد أصبحت شرعية في غفلة مني ، فهذا لا يعني شيئًا آخر
تجاهلت وقاحته قائلة في مكر :
– هذه العصبية التيتتحدث بها ، خير برهان على نجاحي
هز رأسه قائلًا :
– أيتها البلهاء … لم تولد بعد المرأة التي تتحدى ممدوح سالم
قالت ساخرة وقد راق لها توتره :
– ربما كنت نائمًا أو سكيرًا عندما ولدت هذه المرأة ، لكنها ولدت وأرغمتك على الزواج منها باعترافك أنت .. وها هيتقف أمامك الآن .. تناطحك رأسًا برأس ولن تدعك أيها الطاووس إلا وقد نزعت عنك ريشك هذا الذي تتباهي به
ضاقت عيناه وهو يتأملها في تهكم .. وما إن انتهت من حديثها حتى استمر يضحك طويلًا قبل أن يضرب كفًا بأخرى .. اقترب لينظر في عينيها :
ـ وسأمنحها الآن نصرًا آخر وأشاركها هذه المهزلة
رفعتوجهها في كبرياء ولم تعلق..فأردف في يقين المحترف الذي يبارز طفلًا صغيرًا :
– أعدك بأن يقتلك الشوق لي قبل أن تنتهي الأيام القليلة التي سأمضيها معك هنا .. ستنتظرين بصبر نافد وقلب يحترق شوقًا ..تلك العطلة الأسبوعية التي ترينني فيها .. وكأنك ولدت لهذه الأيام فقط
التوت شفتيها في تهكم بينما تابع بنفس النبرة الواثقة :
– ستزحفين راضية إلى قفص حريمي يا ليلى ، وتشعرين بزهو تتعجبين له ، لكونك الوحيدة التي حظيت بالزواج مني
همت أن تعترض لكنه حملها فجأة بين ذراعيه فصرخت قائلة :
– ماذا تفعل ؟
طرحها على الفراش قائلًا :
– سنبدأ التحدي
هتفت بصوت مرتجف :
-لمَ لا تتسم ببعض الرجولة وتتركني حتى أزحف إليك كما تدعي ؟
ضحك ساخرًا وهو يزداد اقترابًا منها قائلًا :
– رجولة !! أنا لا أرى في هذا أية رجولة ، بل حماقة لا تغتفر …