رواية ملاذي الاخير للكاتبة نورا عبد العزيز
•• الفصـــل الســـابــع ( 7 ) بعنـــــوان “خطــــأ لــن يغـتفـــر ” ••
“” الرحمة أقوى من الحب فالرحمة مزيج من الحب والعطف والتسامح والود ،كلنا قادرين نحب كلنا بنعرف نحب لكن القليل مننا اللى يقدر يسامح ويغفر مش كلنا عندنا الرحمة في قلبنا “”
رأها “عمر” وهى تسقط على الأرض فاقدة للوعي ، ركض لها بسرعة جنونية وجثي على ركبته وهو يرفع رأسها على ذراعه وينادى عليها :-
– نور . نور ردى عليا
لم تجيب عليه فذهبت إلى عالم آخر فأتصل بـ “حسن” وأخذوها للمستشفي ومنها إلى غرفة الطوارئ للفحص الطبي ، وقف فى الخارج مع “حسن ”
قال “حسن” بأستياء ونبرة حزينة :-
– كنت عارف أن هيحصلها حاجة ، كنت عارف أن قلبها أضعف من اللى باين ، وهى بتضحك عليا ومبتقولش لما بيوجعها كنت عارف
رد “عمر” عليه وقلبه يدق بقوة من الخوف قائلاً :-
– خير بأذن الله ، هتقوم وهتروح معانا
ضحك عليه بتهكم ثم أردف ساخراً من تهاونه بمرضها وهو يجلس على المقعد الحديدي :-
– أنت شايف الموضوع سهل ولا حالتها بسيطة أنت ….
بتر حديثه خروج الطبيب من غرفتها فأسرعا له
سأل “حسن” بهلع قائلاً :-
– طمنى يادكتور
رد عليه وهو ينظر لهما بحزن قائلاً :-
– أنتوا أزاى ساكتين على حالتها دى
أجابه “حسن” بحزن عميق وبنرة مجروحة تدل على عجزه عن أقناع تلك الطفلة المتمردة والعنيدة قائلاً :-
– هى رافضة العملية
تذمر الطبيب عليه غاضباً من سوء حالتها فقال :-
– يعنى عشان هى رافضة العملية تسبوها لما تموت ، الحالة كل لحظة بتمر عليها بتسوء أكثر ، لحد دلوقتى فى أيديكم أنها تعيش وتعمل العملية ، محدش عارف لو الحالة أتاخرت هتعيش ولا لا وهينفع لها عملية ولا هتكون خطر
أأردف “عمر” بسرعة وأصرار على هدفه وأجراء الجراحة لها :-
– هتعملها يادكتور أن شاء الله
- ماشي تقدروا تطمنوا عليها ، بس بلاش تعب وضغط عليها
قالها بهدوء ورحل ، دخلا لها معاً ووجدوها تجلس على السرير بهدوء مُبتسمة وشعرها مسدول على الجانبين يحيط وجهها تماماً كالقمر وهو يحيط سماءه وكأنها لم تصارع الموت
أبتسمت أكثر حين دخل “حسن” مُنادية عليه :- - حسن
تبسم أبتسامة مُزيفة يخفي خلفها حزنه وقلقه فقال بعفوية :-
– أيه ياسنفورة مورناش غيرك ولا أيه ، ضيعتى عليا حلقة التمثيلية التركي
قهقهت من الضحك عليه وعندما وصل أمامها ، جلست على ركبتها فوق السرير وعانقته بسعادة وهى تهمس فى أذنه بطفولية :-
– عمه سامحنى ياحسن
ضحك بصوت عالى عليها وعلى سعادتها كالطفل الذي أجتاز أول أختبار له فى المدرسة ، أربت على ظهرها بحنان
كا يقف بجوار الباب وهو يشعر بغيرة شديدة من قرب “حسن” منها ونيران الغيرة تنهك فى صدره ، يكتمها فى قلبه حتى يفوز هو الأخر بقلبها مرة أخرى وتغفر له ما حدث وما فعله
قال “حسن” وهو يبتعد عنها بأبتسامة وأشراق :-
– طب مش تفرحنى أنا كمان وتوافقى
جلست على السرير بهدوء وتغيرت ملامحها من السعادة إلى الضيق وهتفت مُردفة :-
– بردو .. كل ما أتكلم معاك معندكش غير العملية ، مش هعملها ياحسن وأقفل الموضوع ده بقا
سمعت صوته الرجولة وهو يقول بلهجة محذراً لها :-
– هتعمليها يانور
رمقته بنظرة غضب وأدارت رأسها له وهى تتجاهل حديثه وكأنه ليس موجود ، فأحياناً يكون العتاب فنظرة طويلة صامتة ، أو تصرف بتجاهل
قالت بضيق وهى تكز على أسنانها بقوة :-
– حسن عايزك فى كلمة لوحدينا
نظر “حسن” له وأشار له بأن يخرج ، خرج “عمر” وتركهم على أمل أن يقنعها “حسن” بأجراء جراحتها
جلس “حسن” على السرير أمامها وهو يسأل بفضول :-
– خير يانور
قالت له وهى ترفع نظرها له بحزن :-
– أيه اللى جابه ياحسن؟؟ ، أنا مليش علاقة بيه ، ليه كل ما روح حتة يطلعلى فيها ، أنا مش عايزة أشوفه ولا أعرفه
سألها “حسن” وهو يضع سبابته أسفل ذقنها ويثبت نظرها له :-
– أنتى ندمانة يانور أنك حبيته
نظرت له بضعف ودمعة زارت عيناها وأضعافها زاروا قلبها وقالت بلهجة واهنة :-
– أنا مش ندمانة أنى حبيته ولو الزمن رجع بيا هحبه وهختاره ، أنا ندمانة على العمر اللى فات فى إنتظار حاجة مش موجودة ، ندمانة على التضحيات
تبسم “حسن” لها وهو ينكزها فى ذراعها ويقول بدفء :-
– المهم أنك لسه بتحبيه وكل ده مجرد غضب منه مش كره
أبتسمت له بسخرية وهى تهتف قائلة :-
– الغضب و الألم هم أكثر المشاعر المختلطة يعنى غالباً تكون معتقد أن اللى قدامك غضبان منك ، لكن الحقيقة أنه بيكون موجوع منك بس مفيش فى أيده غير السكوت
نظر لها بحزن وصمت ثم أربت على يدها بحنان
••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كان يجلس على المقعد فى الأستراحة ، يفكر فى قلب حبيبته وكيف يقنعها بأجراء جراحتها فجاء له “حسن” وهو يقول :-
– يللا بينا
وقف وهو ينظر خلف “حسن” وقال :-
– هى مش هتروح معانا
أجابه بجدية وحزم :-
– لا هتخرج بكرة
- طب أنا هقعد معاها يمكن تحتاج حاجة
قالها وهو يتجه نحو غرفتها فمسك “حسن” ذراعه وهو يقول بصرام :- - مينفعش أنت بالذات ، يللا بينا
أخذه وذهبا من المستشفي ، تاركها خلفه مريضة بقلبها
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أشرقت الشمس الذهبية صباحاً وتغلغلت إلى غرفتها من خلال زجاج الغرفة ، دخلت عليها الممرضة لكى تعطيها العلاج ، وجدتها شاردة فى عالم أخر من أفكارها ولا تشعر بما يدور حولها ولا بدخول الممرضة وحديثها ، مرض التفكير ليس له علاج ، حتى لو أستطعت أن تنام ، ستحلم بما تفكر به ولا يتركك التفكير حتى فى منامك ..
أخذت علاجها من الممرضة وتبسمت لها الممرضة وهى تقول :-
– ألف هنا بالشفاء أن شاء الله
خرجت قابلها على باب الغرفة “منصور” وهو يدخل عليها مبتسماً ، بادلته الأبتسامة بعفوية وبراءة وعادت لنشاطها مُتجاهلة مرضها
قال وهو يجلس على الكرسي بجوار السرير :-
-أول ما عرفت أنك هنا ، قولت لازم أجي أشوفك
أبتسمت له وهى تقول :-
– تعبت نفسك أنا كويسة الحمد لله
سألها وهو يسند بيديه على عكازه :-
– الدكتور قالك العملية أمتي
تبسمت له وهى تتجاهل سؤاله :-
– هتأكلنى أيه النهاردة قبل ما أرجع القاهرة
قهقه من الضحك على تجاهلها لسؤاله وقال :-
– هأكلك سمك هو ده أكلنا بس نوع مختلف عن أمبارح .. بتحبي الجمبري والكابوريا
ضحكت ثم قالت بعفوية :-
– بحب الجمبري أنما الكابوريا مجربتهاش قبل كدة
- يبقي تجربيها عندنا
قالها بحنان فأبتسمت له فى دلال وهى توافقه الرأي :- - موافقة بس ينفع أجيب معايا زميل
قال برحب وهو مبتسماً :- فى واحدة تستأذن تجيب زميلها بيت أبوها ولا لا
شعرت بالسعادة فى قلبها وقالت بسعادة مشرقة وبراءة تفيض من العينين ملوحة بخصال من الحنان والدفء، وابتسامة تسلب القلب :-
– ماشي ، هنيجي على الغداء ونقضي اليوم عند حضرتك
دخل “حسن” عليهم ووجدها جالسة معه ومبتسمة بأشراق ، قال وهو يدخل :-
– أيه السعادة دى طب ما تضحكينى معاكي
قهقهت من الضحك عليه وقالت مُتمتمة :-
– لسه كنت فى سيرتك
أقترب نحوهم يشاكسها مُردفاً :-
– يارب تكون بالخير إلا أنا عارفك .. أزيك ياحاج
رد عليه “منصور ” وهو يقف لكى يرحل :-
– بخير ، عن أذنكم ، هستناكي
ذهب وأختفت معه أبتسامتها وعادت لصمتها فرغم أناقة الصمت وأدبه رغم قسوته وعنفه الذي يشعل نيران قلبك ، رغم ألمه المسجونة بنيران صدرك إلا أنه أحن بكثير من قلوب البعض ، فهى أختارت الصمت عن الكلام
سأل “حسن” وهو ينظر لها :-
-مالك شكلك تعبانة
ردت عليه وهى تفكر فى المستقبل وماذا يجب أن تفعل ؟ :-
– تعبانة دى مقصودة بيها القلب ولا أنا
فأجابها قائلاً :-
– القلب وأنتى واحد يانور روح واحدة وجسد واحد ، مالك بقا احكيلي…؟
رمقته بنظرها وصمتت لوهلة من الحزن ثم قالت :-
– عارف أنا جوايا حاجات كدة مش عارفة أحكيها ولا أقولها ،، حاجات مستخبية فى مكان ضلمة جوايا ،، بخاف أقعد لوحدى عشان نفسى متأخدنيش للمكان الضلمة ده ،، والاقى نفسي فمتاهة لا عارفة أعمل إيه ولا أمشي وأسيبها ،، خايفة أطلع لقدام وأخسر أكتر من اللى خسرته وخايفة أرجع لوراء وأندم على عمر بيفوت بيا وأنا فى مكان لوحدى ،، عايزة أفرح وأعيش بس جوايا حاجة بتقولى أنتى هتعيشي ليه ،، عايزة حد يكون جنبي وسندى ومش لاقية الحد ده ،، أهو أنا كدا ياحسن ، عايزة حد يستحملني ويهديني وياخدني واحدة واحدة ويطلعني من اللى أنا فيه انا مبقتش مستحملة اي خيبة في حد تاني ، أنا مش عارفة عايزة ايه أصلا ،، حاسس بيا ياحسن
قال لها وهو يمسك كفها بين يديه بحنان مبتسماً لها :-
– مفيش حد فى الدنيا دى كلها بيفهمك قدى يانور ولا يحس بيكى زي ، وعارف سبب اللى أنتى فيه ، بس أطمنى يانور أنا معاكي ومكمل بيكى ومش هسيبك
أبتسمت له بدلال وعفوية ، وضع يديه فوق رأسها وهو يمسح على شعرها بحنان وعطف
•••••••••••••••••••••••••••••••
غيرت ملابسها وخرجت من الحمام صباحاً ،، وجدت “حسن” يرتب لها شنطتها
سألها وهو يغلق سحاب الشنطة :-
– هنرجع القاهرة
أبتسمت وهى تتذكر منصور وقالت :-
– لا هنروح نقعد على البحر شوية
فتح باب الغرفة ودلف للداخل “عمر” وهو يحمل بوكيه ورد مبتسماً ، تذكرت حين أعطاها وردة لأول مرة ، ألم أنهكت قلبها من أشتياقها له ووجع أكبر من خيانته لها ، تحاول أن تبقي قوية تصارع حيرة قلبها وعقلها ، تريده بشدة وتحتاج إليه بجانبها فهذا الوقت وهى تخشي الموت ولكنها تتجه له ، بنفس اللحظة التى تريد أن تكرهه بها على ما فعله بقلبها ووعده الذى لم يوفي به ، دائما ً وهى على يقين بأن ليس هناك ظروف تقدر تخلي الواحد يخلف وعده ،، غير إن الوعد ده كان من البداية كدب..!
قال مبتسما ًوهو يقترب منها ويمد لها يديه بالورد :-
– حمدالله على سلامتك
نظرت للورد بحزن عميق ثم له وقالت بتجاهل :-
– يللا بينا ياحسن
مرت من جانبه بتجاهل وبرود يسيطر عليها بالكامل ، تخفي بركان الألم ونيران الوجع الذي تحرق صدرها وتحول قلبها إلى رماد ، أرادت أن تخفيهم عنه ..
نظر لها وهو يستدير بحزن شديد ثم توجه بنظره لـ “حسن” ، أبتسم “حسن” بحزن مؤاسياً له وخرج خلفها وهو يحمل شنطتها
قال “حسن” وهو يمشي بجانبها بهدوء :-
– ليه كدة يانور
سألته بنبرة جافة من المشاعر ، باردة القلب قائلة :-
– هو أيه اللى ليه كدة ،، مين اللىى عمل كدة أنا ولا هو ؟؟
قال وهو ينظر خلفه على “عمر” وهو يمشي خلفهم بحزن ويمسك بباقة الورد بيديه ويبدو عليه الوجع مثلها :-
– عمر .. أنتى لسه بتحبيه .. ليه سبتيه ومشيتى ؟؟
قالت وهى تنظر للأمام بقوة مزيفة وبرود مصطنع :-
– عشان لما تقرر تمشي متبصش تاني وراك عشان أنت ياما ماشي بإرادتك ، أو ياما مشيت بسبب حد مقدركش.ولا قدر حبك له وداس على قلبك ، ف الحالتين أوعى ترجع تاني أو تبص وراك وأنت ماشي عشان رجوعك هيكسرك ويذلك ، فاهم ياحسن
نظر لها وكأنها تخبره بأن لا يتطلع للخلف عليه ، خرجا من المستشفى وقاد “حسن” بها سيارته إلى “منصور”
سألها وهو يقود سيارته وينظر للأمام :-
– مجاوبتنيش يانور .. لما أنتى بتحبيه كل الحب ده ليه مش قادرة تسامحيه وتغفري
أجابته وهى تنظر من النافذة تدارى دموعها عنه :-
– عشان لما متقدرش تغفر ده مش معناه أن قلبك قاسي أو بيكره ، لكن معناه أن الوجع قعد ينهش فيك لحد مابقتش عارف تسامح حتى نفسك
شفق على قلبها ثم هتف بتردد :-
– بس عمر شكله بيقول لسه بيحبك تصرفاته كلها بتوحي بكدة
رمقته بنظرها وهى تمسح دموعها بأناملها وصمتت لوهلة من التفكير
وصلوا إلى البحر تحديداً لمنزل “منصور” ، دقت على الباب برفق ووجدته مفتوح ،دخلت ووجدته يصلي أبتسمت وجلست على السرير وبجانبها “حسن” منتظرينه ، أنهي صلاته ونظر إليها وهو يقول :-
-كدة أتاخرتى الأكل برد
قالت وهى تجثو على ركبتها وتجلس بجانبه على الأرض :-
– أسفة .. حرماً
- جمعاً بإذن الله
قالها بينما هى تسانده وهو يقف وقال :- - يللا عشان تقطعى السلطة ، وأنا والواد الحلو ده هنشوى السمك
قهقهت من الضحك وهى تقول :-
– بس كدة حاضر
- بس أعملى حساب ضيف تانى معانا
قالها باسماً فتبسمت له وهى تعتقد ذلك الضيف هو مساعده ، جلس “منصور” و”حسن” فوق الرمال على الشاطيء يشوى السمك ، وهى فى الداخل تقطع السلطة وخرجت لهم وهى تحمل طبق السلطة ، وقفت مكانها كالصانم وهى تراه يجلس معاهم وأختفت أبتسامتها ، سمعت صوت “منصور” وهو يقول :-
-تعالى أقعدى يللا
نظر “عمر” لها بأشتياق لرؤية أبتسامتها ، وقلبه ينبض بجنون لها وبأسمها ، تمنى لو كان يستطيع أن يأخذها ويذهب إلى حيث لا يستطيع أحد أيجادهم ، جلست بجانب “منصور” وهى تتحاشي النظر له تماماً ..
فقال وهو يتذمر على حسن :-
– يابني أنت أسمع الكلام ، الدخان كله جاي علينا
رد عليه “حسن” وهو يشوى السمك :-
– أستن بس ياحاج .. ده أنا هأكلك سمك عمرك ما كلته
زفر “منصور” بضيق منن وقال ساخراً :-
– ماهو فعلاً هيكون عمرى ما كلته ، كفاية بقا
- خلاص أهو أنا غلطان
تذمر “حسن” عليهم ثم وضع لكل منهم فى طبقه ،كان يأكل وهو يختلس النظر لها وكأنه يسرق ما ليس له ولا من حقه ، لاحظ “منصور” نظراته لها وهى صامتة منذ أن رأته ، أبتسم له وهو يقول قاصداً أحرجه :- - كل ياعمر ولا مش عجبك سمك الدكتور
رفع حاجبيه بضجر ثم قال بوجه عابث:-
– هو يقدر يقول مش عاجبه ده أنا أخد السمك ونور ونمشي
رفعت نظرها لــ “حسن” ورمقته بنظرة غاضبة ، قال مزاحاً لها وهو يبتسم :-
– أيوة هأخدك معايا
قهقه ” منصور” عليه والصمت يسود بينهم ، فقط النظرات المتبادلة رغم قسوتها وعتابها
جلس “منصور” مع “عمر” بعد أن أنهوا الطعام
فقال وهو ينظر على “نور” وهى تتمشي على البحر وتداعب مياة البحر قدميها :-
– هى دى اللى حكتلى عنها صح
نظر “عمر” للأرض بأحراج ويأس مع تنهيدة جريحة ثم قال :-
– اه هى ياعم منصور .. مليون حاجة جوايا ومش عارف أعمل فيهم حاجة
ربت “منصور” على قدمه بحنان وشفقة على حال هذا العاشق وحبيبته فى عداد الموت قائلاً :-
– ربنا يصبرك يابنى
أجابه “عمر” بينما هربت من عيناه دمعة وهى تشق طريقها إلى وجنته :-
– بعد السنين دى كلها ويوم ما ترجع يقولوا لي هتموت شوفت قدري
- يابنى أحنا بنختار كل حاجة فى حياتنا إلا حاجتين أتنين القدر والنصيب ، ودايما للقدر رأي تانى خالص غير أحلامنا وغير اللى بنتمناه
رد عليه بحزن عميق وهو يهلك فى نيران قلبه :-
– يعنى ده جزائى بعد كل السنين دى ، ده جزائى بعد طول الأنتظار ده ، بعد كل ده تموت قبل ما أفرحها ونحقق أحلامنا
أجابه بهدوء ووقار قائلاً :-
– يابنى هرجع أقولك زى كل مرة وزى ما الكتاب بيقول عُمرك متقِفوش إنتظاراً لأحد، ومتقضهوش ندماً على ما فات ، ومتزعلش على جميلٍ زرعته ومثمرش ، ومتعارضش أمرٍ كتبه ربنا لك إن يألمك .! ، أرضي يابنى بقدر ربنا وقول الحمد لله
قال وهو يجهش فى البكاء ويرفع نظره عليها بحزن وعجز :-
– بس أنا بحبها ، هى أمل بكرة ليا ، بسببها أنا لسه واقف على رجلى وماوقعتش ، عشان عارفة أنها مستنينى .. عشانها لسه عايش وبعافر فى الدنيا
رد عليه وهو يبتسم وينظر عليها هو الأخر وفى عيناه دمعة أسيرة جفنه :-
– عشان كدة بقولك قول للناس اللي بتحبهم إنك بتحبهم كل يوم .. كل ساعة .. كل دقيقة .. قولهم قد إيه هم مهمين بالنسبالك .. قد إيه ماتقدرش تعيش من غيرهم .. قبل ما يسيبوك ويزهقوا منك وينفضولك ، أو يأخدهم الخلق منك قبل ما تقول ، قولها يابنى
جهش فى البكاء بضعف وعجز …
••••••••••••••••••••••••••••••••••
تمشي “نور” على البحر وهى تنظر لقدميها وهم يداعبوا المياة الباردة ، تشعر به خلفها تنظر له
أبتسم حسن لها وهو يمشي بجوارها وهو يقول :-
– الجميل بيفكر فأيه ؟؟
ردت عليه وهى تنظر للبحر وتتنفس الصعداء :-
– مفيش .. قولى ياحسن أنت محبتش ليه لحد دلوقتى
ضحك علي سؤالها ليعلم بأنها تفكر فحبها ثم قال :-
– عايزة الصراحة
- اه أكيد
أجابته بهدوء ،، أبتسم بسعادة وفخر قائلاً :- - أول يوم شوفتك فيه فى الجامعة حبيتك ..
رمقته بنظرها لوهلة من الصدمة وهى تزدردت لعابها الجاف بصعوبة ، أبتسم وأكمل حديثه قائلاً :-
– بس لما عرفت أنك بتحبي ، قررت أوقف الحب ده بدل ما يجي يوم أتعلق بيكى وأقولك مشاعرى وترفضنى وأتجرح وأعيش فى مسلسل هندى .. بس لاقيت نفسي بحبك بجنون بس مش حبيبة وكدة لا أخت صديقة ، بنتى ميضرش ، الحب يانور عاملة زى الرصاصة بتصيب قلبك على غفلة لا بتعرفي تقاوميها ولا حتى بتعرفي تتفاديها ،الحُب بيجي كدة من غير أسباب لا بمال ولا بجمال ولا يُقاس بِعُمر .. هو قدر ، قدر وبس ،،الحب مش أننا نختار الجميل ولا الغني ولا صاحب مكانة مرموقة ،، الحب هو أنك تحب اللى ترتاح له وتحس أنه يدخل قلبك ومقدرش يخرج مهما حصل..!!
نظرت له بشغف لتلك الكلمات التى تذيب قلبها العاشق ، وتجعله أسيراً للحب مرة أخري ، أكمل حديثه بهدوء قائلاً :-
– كلمة بحبك اللى بنقولها دى مش سهلة ، دى كلمة معناها كتير وكتير لو كتبت فى ديوان شعر مش هيكفى عامل زى البحر وأمواجه ،، بعيد عن اللى بنشوفوا دلوقتى ،، دى كلمة متطلعش غير بمشاعر مقدسة جواكى ،، مينفعش تطلع غير من القلب عشان توصل للقلب
نظرت له بسعادة وهى تمسك بيديه كالطفل الصغير وتقول بمزح :-
– يا بخت أمها اللى هتأخدك ياواد
قهقه من الضحك عليها وهو يغلق قبضته على أصابعها الصغيرة ثم هتف مُتمتمًا :-
– هى بس تيجي وأنا أقولها كل شوية كلام حب ودلع
يعلم “حسن” بأن أبتسامتها خلفها الكثير والكثير تخفيه عنه …. فى بعض الأحيان يكون اتكاؤك على جدران هش ، وثقتك فى أختيار قلبك في غير محلها مخذولة ، والأشخاص الذي تريدهم بجوارك لا يأتون، والوجوه المبتسمة مجرد أقناع تخفي خلفها أرواح عابثة ، والمبتسمون مكسورون ، والضحكات المتتالية التي تسمعها ماهى سوء أنينٌ يمزق ضلوع بعض الصدور ، والدموع التي تراها تخفي خلف جدارها خذلات متتالية وأسهم مسمومة و مايكفي لغزوك بضعَ مرات ، وكل من حولك لا يريدون شي سوء خذلانك وكسرك .. فقط فى بعض الأحيان
أبتسمت بسعادة له وتميل برأسها إلى كتفها الأيمن بدلال قائلة :-
-حسن أنت مش هتنسنى صح ؟؟
تنهد بضجر من حديثها وما تلمح له ثم قال بضيق وهو ينظر لها :-
– لازمته أيه الكلام ده دلوقتي
توقفت امامه برفق ثم تشبثت بيده وقالت :-
– سؤال
مسح على شعرها بحنان ثم قال :-
– أنا عشان أنساكي لازم أنسي من عمرى ٨ سنين ، تفتكري ينفع أنسي ده كله
- ربنا يخليك ليا
قالتها مُبتسمة فأجابها بحزم :- - لو عايزة ربنا يخلينى ليكى ، وافقى تعملى العملية يانور
سألته بضيق وهي تترك يديه وتضم يديها لصدرها بهدوء :-
– ماشي هعمل العملية ، بس تقدر تقولى بعد ما أعملها وأعيش ، هعيش ليه ولمين ، هعيش عشان أكمل وجع ياحسن ، وعياط طول الليل مبيخلصش ، عشان لما أتعب بليل ملاقيش حد يدينى شوية مياة مانا لوحدى ، صدقنى لو فى سبب واحد أعيش عشانه أنا اللى هجي أقولك أعملى العملية
تركته ورحلت دون أن تنتظر رده أو تعطيه فرصة للجدال معاها ،، نظر لـ “عمر” بحزن وأشار له بلا وهو يخبره برفضها وأصرارها على موقفها
جلست فى سيارة “حسن” تنتظره وهى تفكر فى حديثه ، فتح عمر باب السيارة ويركب ويشغل محرك السيارة ، نظر له بدهشة وأعتدلت فى جلستها ثم قالت بأنفعال :-
– أيه ده .. أنت بتعمل ايه ؟؟
أجابها وهو يقود بها بلهجة مازحة قائلاً :-
– مش عيب تكونى فى أسكندرية ومتزوريش طنط حنين
صاحت به بأغتياظ وهى تضرب السيارة بقبضتها قائلة :-
– وأنت مالك أنت ، أتفضل وقف العربية
لم يجيب عليها ، أعادت جملتها مرة أخرى بأنفعال سافر :-
– بقولك وقف العربية
ألتزام الصمت وهو يثير بصمته غضبها ، أعتدلت فى جلست بغضب شديد وهى تنظر للنافذة ، أخذها إلى شقة “حنين” ودق الجرس ،، هتفت هامسة وهى تقف خلفه قائلة :-
– ممكن منطولش عشان عايزة أرجع القاهرة النهاردة
أشار إليها بنعم وغمغم :-
– حاضر
فتحت “حنين” الباب مبتسمة وقالت :-
– أتفضلى يانور
دخلت خلفه وعانقت والدته بهدوء وخجل ودخلوا معا للصالون فسألتها عن حالها :-
– عاملة ايه يانور واحشتينى
تبسمت لها بتكلف وقالت :-
– بخير وحضرتك أكتر
نظرت له بسعادة أثناء حديثها :-
– عمر قالى أنك بقيت دكتورة قد الدنيا
- اه الحمد لله
أجابتها على قد السؤال فقط فنظرت “حنين” لها بأستغراب من لهجتها وبرودها ثم لـ “عمر” وقالت :- - هجبلك عصير
أجابتها “نور” بسرعة وهى تقول :-
– لالا مفيش داعى لتعب حضرتك ، أنا جيت أسلم وأمشي على طول عشان مسافرة
ووقفت من كرسيها ، قالت “حنين” لها :-
– لا أزاى عيب متحصلش والله
- معلش ياطنط مرة تانية وكمان فى ناس مستنينى
أصرت على رحليها فنظرت “حنين” لأبنها وأشار لها بنعم ، قالت :-
-ماشي براحتك ياحبيبتى مش هغصب عليكى
صافحتها “نور” بجفاف معاملة وخرجت ، جلست “حنين” على كرسيها بدهشة من تلك الطفلة ومعاملتها وكيف تغيرت ، وتذكرت حديث “عمر” عنها بأنها أصبحت حادة كالسكين تجرح كل من يقترب منها ، ولا تسمح لأحد بدخول حياتها فحدثت نفسها قائلة :-
– تغيرتي كثيراً ياعريزتى .. ٱصبحتي صاحبة ٱسوء رد فعل حقاً .. لا تسامحين من ظلمك ٱبداً .. ٱغلقتي ٱبواب الرحمة فى قلبك وأغلقتي غرفة علاقاتك بمائة قفل وترباس ، لا تسمحين لإحد بالدخول في حياتك ، تريديها فارغة بدون أحد .. لقد نضجتي جداً ياطفلتى .. أصبحتى إمرأة فى هيئة طفلة صغيرة
••••••••••••••••••••••••••••••••••••
نزلت “نور” من العمارة ووقفت وهى تفتح كفها له وتحدثه بأنفعال قائلة :-
– ممكن المفتاح
أجابها بقلق عليها من أن تصدم شخص آخر قائلاً :-
– أنا هوصلك ، أنتى تعبانة مش هتعرفي تسوقي
رمقته بنظرة غليظة وقالت بلهجة حادة له :-
– حاجة متخصكش
وأخدت منه المفاتيح بالقوة وهى تقول بنبرة محذرة له :-
– وياريت مشوفكش تانى ، لأن مفيش أى حد تربطنا ببعض ، أنت صفحة فى حياتى قطعتها يوم لما سيبتنى ومشيتى ومش عايزة أفتكرها ولا أرجعها ، أنا مش عايزك فى حياتى ياعمر
تطلع لها بنظره بألم تمزق صدره وخنجر حديثها يغرس فى أعماق قلبه بقوة وقال :-
– بس…
قطعت حديثه بغضب حينما اردفت :-
– لو سمحت لو لسه باقي بينا حاجة واحدة ، ياريت متخلينيش أشوفك تانى ، لو باقيلك شوية أحترام جوايا بلاش تمحيهم
وذهبت من أمامه وركبت السيارة ، أجهشت فى البكاء بكثرة رأها من خلف زجاج السيارة وهى تبكي ثم أنطلقت بالسيارة بدموعها تترك أسر جفنها وتنال حريتها مُنهمرة على وجنتيها بحرارتهم وقلبه متألم صارخاً من شدة الوجع فهتف صوت عقلها قائلاً :- ..
– أثناء دراستى كنت عندما أخطاء أمزج الورقة بأكملها حتى لا تتلوث ورقتى وهذا ما فعلته معك حين أخطأت معي ولوثت ورقتي معاك ، لم أشطبها أو أمحيها بل مزقت ورقتك معي بقلب أنثي بارد لم تعتاد على تلوث ورقتها
فقد كان يجب أن تحذر من مثاليتي ،فكان عليك الحذر من خطأ أرتبكه فكان خطأ لن يغتفر
وإمرأة مثلي لم تتعايش مع الأخطاء فى كتابها الدراسي أو كتابها الحياتى ،حتى لو كلفها ثمن دفتراً جديد ، فقد كنتُ ومازالتُ أنا إمرأة لا تملك سوء كبرياءها وليس غروراً يا عزيزى .. فقط كبرياء أنثى ….
أتصلت بـ “حسن” وهى تقود سيارته متجهة إلى الفندق وهى تبكي بقوة ودموعها تشوش الرؤية عليها فسمعت صوته يأتى عبر الهاتف :-
– أيوة يانور
قالت وهى تكتم صوت بكاءها بلهجة واهنة وتلعثم سافر فى صوتها :-
– حسن أنا راجعة القاهرة
وقف بهلع وخوف عليها قائلاً :-
– أزاى دلوقتى ، طب أستنى الصبح هنرجع كلنا
قالت وهى تصل للفندق وتترجل من سيارته :-
– مفيش الصبح ، دلوقتى ياحسن ، عربيتك فى الجراج وهتلاقي المفتاح فى الأمانات فى الفندق
أغلقت معه وركبت سيارتها وأنطلقت إلى القاهرة وهى تحاول أن تترك خلفها فى هذه المدينة حزنها ووجعها ، أرادت أن تترك بها كل ألم قلبها ، تمنت لو أستطاعت حذف حبه من قلبها ، وماضيهم من ذكرياتها ، تمنت لو كان حبه كالطفل فى رحمها لكانت أجهضته وتخلصت منه ، كل ما يحتاجه قلب مجروح وروح منكسرة هو دواء واحد يسمي الحذف ليتخلص من لعنة سحره على قلبها وأسره لها حتى لا تستطيع الخروج من معقتله ..تحتاج إلى حبة شجاعة تغفلها لوهلة واحدة لكى تستطيع تخطيه وحذفه من حياتها وقلبها وتنال حريتها …
يتـــــبــع ………