رواية ملاذي الاخير للكاتبة نورا عبد العزيز

رواية ملاذي الاخير للكاتبة نورا عبد العزيز

•• الفصـــل الأول (1) بعنــوان” سنـلتـقــي ” ••

” ربما سنلتقي مجدداً ، عندما سنكون أكبر قليلاً.
عقولنا أقل هيجانا، وسأكون مناسبا لك وستكون مناسبا لي ..

كانت كلمات أغنية ” بكتب أسمك يا حبيبي / المطربة المشهورة فيروز ” تدور فى كاسيت السيارة ؛ تستمع لهذه الكلمات وهى تقود سيارتها عائدة من عملها فى منتصف الليل بعد أن أنهيت نبطشيتها فى المستشفى ؛تستمع لهذه الأغنية بهدوء لتصفي
ذهنها بعد تعب وأرهاق يوم بأكمله وسط المرضي والعلميات الجراحية .. يقطع لحظتها هاتفها المحمول وهو يدق بأسمه “حسن” .. تلتقطه من جانبها وتجيب عليه بهدوء وصوتها الرقيقة
– حسن

سألها بحزم وجدية :-
– أنتى فين يانور بدور عليكي فى المستشفي كلها مش لاقيكي

أجابته وهى تقود سيارتها بتعب :-
– خلصت العملية وطيرت هموت وأنام ..كنت عايزنى فى حاجة

تتتنهدت بتذمر ثم قال :-
– سلامتك كنت عايز أوصلك بس عشان الليل والوقت متأخر متروحيش لوحدك

-ربنا يخليك ياحسن
تتحدث معه وهى تقود سيارتها البيضاء لتظهر لها سيارة نقل من العدم أمامها .. تفزع وتترك الهاتف من يدها بخوف وهى تمسك مقودة سيارتها ب كلتا يديها وتصرخ بفزع ؛ تلك لحظات الخوف التى تأتي إلينا فى لحظة ترعب قلبنا وتجعله ينقبض بقوة وتقشعر جسدنا من الخوف .. أكثر شعور قد يدمر شخص.. الخوف من فقد شئ تملكه .. الخوف الداخلى الذي نعيش به ..خوف كلمة مكونة من ثلاث حروف ولكنها تفعل الكثير والكثير بنا .
تتفادي السيارة بأعجوبة وهى تنظر للخلف عليها غير مصدقة أنها مازالت حية ولم تمت وتأخذ نفسها بصعوبة وبدأت تشعر ببرودة جسدها من الخوف ؛ تنظر للأمام لتكمل طريقها ، فتصطدم بفتاة تعبر الطريق خرجت منها صرخة قوية بخوف هى والفتاة لتصدمها بسيارتها ، توقف السيارة وهى ترتجف فى وهلة من صدمتها ، ولم تصدق أنها أصبحت قاتلة ونسيت أمر أن “حسن” على هاتفها أنقبض قلبه مع صراخها؛ تنزل بسرعة بقدمي مرتجف لا تستطيع حملها .. نظرت للفتاة على الأرض والدماء تسيل بغزارة من رأسها … تسند بيديها على سيارتها بخوف من ما فعلته أصبحت الآن قاتلة ، أرادت أن تنقذ روحها من الموت ، ولكن أخذت بروح أخري بريئة إليه بدلاً منها ،تنظر للفتاة وهى ترتجف ودموعها تتساقط كفيضان شق طريقه على خديها ولم يتوقف عن الهبوط من بين جفنيها ورموشها ،تنظر لها الفتاة “ملك” وهى تراها بصورة غير واضحة ترفع يديها الملوثة بدماءها لها تستنجد بها رغم أنها هى من فعلت بها ذلك ، تقترب “نور” منها بخوف وتجثو على ركبتيها بجانبها وهى تبكي بطريقة هستيرية كالطفل الصغير الذي أخطأ ويخشي العقاب .. سمعت صوتها الضعيف يخرج من بين شفتيها وهو يحمل نبرة ألمها ووجعها :-
– ارجوك … أنقذي أبنى….

وتغمض عيناها بتعب وهى مستلسمة تماماً لما حدث لها، لم تفهم “نور” جملتها أخذت تبحث حولها بأنظارها عن طفلها الذي تريدها أن تنقذه ولم تجده … عادت بنظرها لـ “ملك” مرة أخرى بخوف وهى تري مغمضة عيناها وجسدها أصبح كلوح من الثلج وبرودته تزداد … أمسكتها “نور” من أكتافها وبدأت تهزها بخوف وقال :-
– أبنك فين ..رد عليا ..ارجوك متموتيش .. أنا مقصدش والله ..رد عليا

ولم تشعر بشيء حولها غير سقوط جسدها هى الأخري على الارض بجانبها فاقدة الوعي من الخوف من ما فعلته بدون قصد ..
هرع “حسن” لسيارته وهو يضع هاتفه على أذنه .. يسمعها تنزل من سيارتها ولم يفهم ما حدث ولما صرخت ، يقود لطريق منزلها كما كانت تقود هى الأخري …
رأي سيارتها أمامه مفتوحة ، نزل بسرعة ويركض لسيارتها يبحث عنها ولم يجدها ،ينظر حوله .. يراها على الأرض وبجانبها فتاة يبدو وأنها قتلتها ليسرع لها ،يحمل رأسها بين ذراعيه يضمها لصدره بخوف عليها .
الخوف من فقد شئ قد يصيب القلب بما يكفي من ألم ..الخوف قد يقتل صاحبه ..قد تكون مريض ولا تعلم ولكنك تعش بحرية وسعادة وراحة البال لكن عندما تعلم بأنك مريض يمتلكك شئ ينهك من جسدك ما تبقي شئ أسمه خوف.. الخوف من مرضك قد يقتلك رغم أنك كنت تعش قبل أن تعلم أو بالمعنى الأدق قبل أن يزورك صديق اسمه خوف …

أخذها بين يديه وهرب بها بعد أن أمتلكه الخوف عليها من كارثة حدثت بسببها ،أتصل حسن بالأسعاف وأخبرهم عنوان الحادث بعد أن ذهب بها
أخذت الإسعاف “ملك” وذهبت للمستشفي … هرع الأطباء والممرضين لها وكان من بينهم “حسن” بعد أن أدخل “نور” إلى غرفة الطوارئ لكى يطمئن عليها يريد أن ينقذ تلك الفتاة من أجل صديقته الصغيرة ..
أتصلت المستشفي بزوج “ملك” ليأتي من أجلها ،فتحت عيناها بعد أن رأت ما حدث فى حلمها وجدت نفسها على سرير المرض ومعلق بأحدي كفيها كانولا طبية ومتصل بيها محلول.. خلعته بمهارة وتحاول الممرضة منعها ،هربت إلى غرفة “حسن” ، فأخبرتها الممرضة بأنه فى غرفة العمليات مع فتاة جاءت فى حادث ، أسرعت إلى هناك فى تلك اللحظة التى دخل بها المستشفي زوج “ملك” ….
جلست “نور” تنتظره فى مكتبها و مازالت ترتجف وأمامها شريط لما حدث يعاد مرة أخرى دخلت إليها ممرضة وقالت بهلع :-
– يادكتورة محتاجين دكتور قلب فى أوضة العمليات رقم ٢

لم تسمعها وهى شاردة الذهن لا تعلم ماذا سيحل بها ….. أعادت الممرضة ما قالته بصوت أعلى لتسمعها :-
– حاضر

ذهبت لكى تغير ملابسها للزى الرسمي للعمليات وتنظر إلى يديها وهما يرتجفان فكيف ستمسك مشرط بين أصابعها وتفتح صدر بتلك الرعشة و أرتجافها قد يقتل مريض أخر .. ذهبت للعمليات ووجدت “حسن” يخرج من غرفة العمليات ..يراها وينظر حوله بخوف وقال بصوت هامس لا يسمعه سواها :-
-انتى ايه اللى جابك هنا

تجيب عليه وهى ترتعش ونبرة صوتها تقلق قلبه علي صديقته الصغيرة فتسأله :-
– هى ماتت

وضع يديه على فمها ويأخذها ويذهب للخارج دفعته بغضب وقالت :-
– رد عليا ياحسن ماتت

نظر لها بأسف ثم قال بحزن :-
– لا بس على وشك

بدأت فى البكاء مُجدداً أقوى من السابق وهى تقول :-
– يعنى ايه يعنى أنا هتسجن ، حسن أنا مكنتش أقصده ده

أمتلك وجهها بين يديه ثم قال بحنان :-
– لا مش هتتسجنى أنا هحميكي هعمل المستحيل عشانك أنا معاكي وجانبك

أبعدته عنها ثم سألت بفضول وهى تجفف دموعها :-
– هى عندها ايه .. حالتها ايه

  • الخبطة فى الدماغة الجمجمة أنكسرت يعنى كدة كدة ميتة
    قالها بحزن وهدوء فأنهارت “نور” من البكاء ولم تستطيع قدمها أن تحملها أكثر من ذلك
    فسقطت على الأرض وهى تبكي بقوة وصوت شهقاتها يعلو فى المكان جثا ” حسن ” على ركبتيه ويضمها لصدره بحنان وهو يسمح على رأسها وقال :-
  • متخافيش يانور أنا معاكي وجانبك مش هسيبك

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••

دخل ” عمر ” إلى زوجته “ملك” غرفتها .. يري جسدها على سرير أبيض ومحاطة بالأجهزة الطبيبة وجهاز التنفس الصناعي ووجهها به بعض الجروح جلس بجانبها على الكرسي وهو يكاد يبكي بعد أن أخبره الطبيب بحالتها وموت الجنين أبنها الذي طلبت من “نور” أنقذه ولم تجده “نور ” … فيسمع صوتها الضعيف تقول بتلعثم :-
– شوفتها ..شوفتها ياعمر ..شوفتها قدامي

قال بوهلة من الأستغراب وهو يتسائل عن من تتحدث من التي رأتها :-
-مين اللى خبطتك ؟؟

هتفت بتعب وهى تأخذ نفسها بصعوبة وتنظر له بتعب وبتلعثم :-
– حبيبتك نور

.............

نعم هى نور فتاة شابة تبلغ من العمر ٢٨ عام .. تعمل طبيبة فى قسم القلب والصدر .. حب عمر الأول أحبته منذ ١٣ عام حين كانت بأول سنة لها فى الثانوية العامة .. وفرقهم الزمن والظروف لمدة ١٢ عام .. لم تلتقي به منذ أن رحل .. كانت تحلم بأن تكون طبيبة قلب بعد مرض جدتها وعجز أمها عن دفع تكاليف الجراحة والمستشفي .. وحققت ذلك الحلم بكل ما أتاها من قوة عزيمة وأصرار .. أصبحت ماهرة فى مجال القلب وتستطيع أجراء جراحة كاملة وحدها دون أن تكون جراح مساعد فى الفريق بل أصبحت قائدة الفريق الطبي داخل غرفة العمليات .. رفضت الزواج على أمل أن يعود حبها الأول عمر .. تصارع تقاليد مجتمع ولقب عانس من أجل قلبها .. ألتقت بصديقها حسن داخل كلية الطب ومنذ أول سنة لها بالكلية وأصبحت صديقته وأخته الصغري .. حسن شاب بنفس عمر نور طويل القامة وعريض الأكتاف، بشرته حنطية وشعره أسود وعيناها بنيتين … يعتبر هو سند نور الوحيد فى الحياة .. يتحمل مسئوليتها منذ أن التقوا فى الجامعة …
أنهوا دراستهم معاً وعملوا معاً حتى الأن .. توفي والدها منذ أن كانت فى الأبتدائية وتوفيت والدتها فى سنتها الثانية في الجامعة وأصبحت يتيمة الأب والأم وبقي حسن لها هو العائلة وليس الصديق فقط .. نور فتاة بشرتها متوسطة البياض وتملك جوز من العيون الخضراء وشعرها أسود كعتمة السماء ليلاً ناعم كالحرير .. نحيفة الجسد وقصيرة إلى حد ما ..

يتــــــــبـــع …………

error: