رواية ملاذي الاخير للكاتبة نورا عبد العزيز

•• الفصـــــل الــرابـــع (4) بعنــــوان ” وعـــود كـاذبــــــة ” ••

“” ليس هناك شيء يسمي بالوعد الأبدى ، حتى كلمات العشق التى كنا نهمس بها .. تبعثرت مثل الغبار التى يغطي السماء مع أول سقوط مطر .. فهل يركد العشق ؟؟ .. أيجب محبة الألم ياقلبى ؟؟ …. “”

فتحت “نور” عيناها بتعب على صوت رنين هاتفها فوجدت الشمس أشرقت أشاعتها الذهبية وتسللت من خلال زجاج النوافذ .. وتتسرب لداخل شقتها تنيرها بأضاءتها الساطعة ، وجدت نفسها نائمة على الكرسي فى صالة الشقة بعد أن أنهكت عقلها فى تذكر الماضي فركت عيناها ب أناملها الصغيرة وهى تمسك الهاتف بيدها الأخري وتري إسم “حسن” يضي على شاشة هاتفها
فتجيب عليه بصوت شبه نائم :-
– الو

سمعت صوته الهادي بحنانه عبر الهاتف يقول مازحاً فهى يدرك حالتها الأن بعد أن ألتقت بحبيبها الغائب وصدمة أنها أصبحت قاتلة وصدمة حقيقة معرفتها بزواجه :-
– صباح الخير على عيونك يا سفنورتى

وقفت من مكانها بلا مبالاة مُتذمرة منه فقالت بصوت مبحوح وهى تقف متجهة إلى المطبخ :-
-صباح النور ياحسن

سألها بعفوية بينما يقود سيارته :-
– الجميل لسه نايم ولا ايه ؟؟ ده الظهر أذن

ردت عليه وهى تضع فيشة الغلاية الكهربائية لكي تغلى المياة لتحضر كوب من النسكافيه قائلة :-
– اه معلش نمت متأخرة

صمت لوهلة واحدة فهو يعلم بأنها تكذب ولن تنام منذ أمس .. وكيف تنام بعد أن أنتظرت سنوات أمل والأن تحول الأمل إلى ألم وخذل قلبها .. تنهد بهدوء ثم قال بنبرة عتاب :-
– برضو يانور قعدتى تفكري فى اللى حصل مش قولتلك بلاش هتتعبى

للحظة فقدت أعصابها وخرجت طاقتها التى تكمنها بداخلها منذ أمس مُتجسدة فى ألم وخوف وحيرة وأنكسار فمشاعر مُختلطة تهاجم قلبها فى أوان واحد فهتفت بأنفعال مُردفة :-
– حسن أنت مش حاسس أنا عملت أيه ،، أنا قتلت واحدة ياحسن قتلت واحدة و أبنها .. انت فاهم يعنى ايه تقتل يعنى أنا لازم أتسجن وأتعاقب.. وياريت ده كفاية لا .. ده عمر عمر ياحسن

بدأت تبكى بوجع وألم تعتصر قلبها بقوة فتستنفذ طاقته وهى تسقط على الأرض بأنكسار :-
– عمر أتجوز ياحسن .. أتجوز غيري .. حب غيرى ياحسن أنا هنا عايشة على أمل أنه هيرجع وهلاقيه ونرجع تاني وعايشة على ذكرياتنا وهو عايش مع واحدة تانية

سمع صوت بكاءها وشهقاتها تعلو فيلتزم الصمت ، يعلم بما يسير داخل قلبها .. كانت تعيش على وعد قطعه “عمر” لها حين تركها .. وعدها بعودته من أجلها والأن خان ذلك الوعد الذي قطعه لها من أجل مستقبلهما .. ظل يستمع لصوت بكاءها وحديثها صدمتين فوقت واحد وقلبها الصغير لا يتحمل تلك الصدمات … سألها بصوت هادي ملوحاً بخصال من الحنية والشفقة :-
– نور أنتى فى البيت صح

وضعت يديها الأثنين فوق فمها وهى تكتم صوت بكاءها وشهقاتها عنه فرغم ضعفها لا تريد أن تكون ضعيفة أمامه ثم أجابه بضعف أكتر تقاوم بكاءها :-
-اه

هتف بنبرة هادئة ملوحاً بخصال من الحنان قائلة:-
– طب أنا فى طريقي ليكي هنفطر سوا

  • ماشي مستنياك
    قالتها ثم أغلقت معاه الخط .. وقفت تغسل وجهها بالمياة الباردة وتجففه تمنت لو تستطيع غسل قلبها وجروحها بتلك المياة الباردة فتتلاشي جروحه بهدوء وأعدت كوب من النسكافيه لها ثم أمسكت مجها بأصابعها النحيلة ، ولجت للبلكونة ثم جلست على كرسي أرجوحي ناظرة للسماء لتغرق فى بحر ذكرياتها المؤلمة كانت أمس تلك الذكريات هى الجميلة التى تتمنى عودتها إلى الماضي لكي تعيشها مرة أخرى مع حبيبها والأن أصبحت ذكريات مؤلمة تمزق فى غشاء قلبها الرقيق وتسلب منه نبضاته وسعادته ..

........*

كانت تجلس مع أمها وهى تحاول أقنعها بالذهاب معها إلى فرح بنت أحدي الجيران لهم وهى ترفض الذهاب قائلة :-
– يانور قومى بقى هروح لوحدي يعنى

قالت “نور” بضيق و بضجر وتقلب فى الهاتف :-
– ياماما معاكي طنط حنين أنا مش عايزة اروح أفراح … بصدع من الدوشة وكل واحدة تقولى كبرتى وبقيتى عروسة وهنفرح بيكى أمتى .. هم مالهم هيفرحوا بيا أمتى .. ما كل واحدة تخليها فى حالها هى وولادها

تذمرت والدتها ثم زفرت بضيق قائلة :-
– الناس تقول أيه دول جيراننا ياحبيبتى

وقفت بنرفزة تقول بأغتياظ :-
– وبعدين بقي ياماما مش عايزة أروح مبحبش دوشة الأفراح والاحضان والبوسة وكبرتى وبقيتى عروسة

وقفت “زيزى” بعد فشل محاولاتها فى أقناع أبنتها العنيدة تماماً كوالدها المتوفي ثم أردفت وهى تدخل إلى غرفتها قائلة :-
– خلاص خليكي قاعدة لوحدك

دخلت “نور” إلى غرفتها بملل … وجلست على سريرها وهى تفتح الهاتف فوجدت رسالة منه ، ففتحتها ( ألبسي بسرعة .. مش عايز شغل البنات وعرايس المولد اللى بتعملوا ده ..ماما لبست وأنا هلبس وننزلكم على الله تتأخري هسيبك وأمشي)
غمرت السعادة قلبها .. فهو نجح فما فشلت أمها فيه .. ونبض قلبها بجنون من أجله فمجرد خروجها معاه وستبقي بجواره لساعات يكفي لأسعادها ركضت للخارج تبحث عن أمها وتناديها بحيوية وحماس قائلة :-
– ماما ..يازوزو ياماما

دخلت لغرفة أمها ووجدتها تجهز ملابسها فقالت بضيق :-
– عايزة أيه يانور ؟؟

قالت بغرور مُصطنع وهى تتكئ على الباب :-
– أنا جيت أقولك أن خمس دقائق وأكون جاهزة

رمقتها بشك من أمرها ثم قالت بأستغراب :-
– ما أنا بتحايل من بدري،، جتلك الفوقة دلوقتى .. هتأخرينا كدة .. خليكي

ضربت الأرض بقدمها مُتذمرة ثم قالت :-
– خلاص ياماما بقى خمس دقائق على طول والله بسرعة .. ده أنا هلبس قلبك كمان

  • ماشي بس لو اتأخرتى همشي مش هستناكي
    قالتها والدتها بينما ترمقها ببسمة خفيفة و ركضت إلى غرفتها وفتحت دولابها … أخرجت ملابس كثير تريد أن تتأنق اليوم لتأسر قلبه لها .. تريده أن يعترف بجمالها وفاتنتها. .. أرادت أن تجعله يكتفي بها ولا ينظر إلى أخري .. أن يكون لها وحدها ولا تشاركها به أخري حتى وإن كان ذلك بنظرة يختلسها إلى فتاة غيرها جميلة فى ذلك حفل الزفاف .. أرادت أن تسكن قلبه وعيناه وروحه أى تسكنه هو بأكمله

أنتهي عمر من تجهيزه ونزل مع أمه إلى شقتها …دق جرس الباب ،ففتحت له “زيزى” وقالت :-
– أتفضلوا

أجابها “عمر” وهو يختلس النظر للخلف باحثاً عنها بنظره :-
– نتفضل فين أحنا متأخرين ياطنط

  • ماهي نور لسه بتلبس .. أدخلوا
    قالت ذلك وهى ترحب بهم فيغضب “عمر” من ذلك فهو أخبرها بأن لا تتأخر .. أردف قائلاً :-
  • لسه كل ده الهانم ملبستش

ردت “حنين” وهى تنظر لـ “عمر” بضيق :-
-براحتها ياحبيبتى

خرجت “نور” من غرفتها خافضة رأسها على فستانها من الأسفل دون أن تنتبه لوجود “حنين” و “عمر” … تتفحص ملابسها وتمسك فستانها بأطراف أصابعها وتقول :-
– زوزو كدة حلو ولا أغيره وألبس الفستان النبيتى القصير ..

رفعت نظرها بأشراق ، صدمت حين رأته يجلس على الكرسي أمامها … وأتسعت عيناه على أخرهم بأنبهار من جمالها وفتانتها وهى ترتدي فستان موف غامق طويل بكم و بيه بعض الورود البيضاء من الجزء العلوى … شعرها الأسود الحرير مسدول على ظهرها …. وتضع على شفتيها ملامع شفايف …. وترسم عيناها الخضراء بكحل أسود …. خدودها تزينت بلون الدم من خجلها وأحراجها بوجوده
كانت طفلة لا تبلغ من العمر الــ ٦١ عام وتأنقت وكأنها أمراة ناضجة تريد أسر قلب حبيبها ،براءتها تحتل ملامح وجهها الصغير … عفويتها وروحها البريئة تظهر فى نظراتها وخجلها ، تقابلت عيونهما معاً فى نظرة تفضح ما يخفيه كلا منهما في أعماق قلبه للأخر .. نظرته أخبرتها بأنها فى عيناه أجمل طفلة وأرق أنثي والمرأة الوحيدة فى هذا العالم التى أستطاعت أن تثير رجولته من أجلها والتى جعلت قلبه ينبض لها وجعلها ملكة على عرش هذا القلب وحدها من تستطيع التحكم به والسيطرة عليه .. وحدها فى هذا الكون التى أثارت رغبته بها .. ، أما عن نظرتها هى فقط أكتفي بأرسال رسالة له .. رسالة مكونة من كلمتين ( ” أكتفي بك ”
أراد لسانها أن ينطق بما نطقت به عيناها ونبض به قلبها لكن يقطع تلك النظرة صوت “زيزى” تقول :-
– حلو يانور يلا خلينا نمشي هنتأخر

خرجوا معا ويغلقوا باب الشقة نزلت “نور” وهى تنظر للأرض بخجل وتمسك فى يدها هاتفها وتفرك أصابعها الصغيرة بتوتر وهى تشعر بنظراته التى يسرقها من حين لآخر عليها …
أوقف “عمر” تاكسي وجعلهم يركبوا فى المقعد الخلفي وهو بجوار السائق ينظر فى المرآة عليها يختلس النظر لها ، و”حنين” و “زيزى” يتحدثوا معاً فى أمور عام عن الحياة ، أما “نور” تنظر من نافذة التاكسي والنافذة مفتوحة يداعب الهواء وجهها وشعرها يتطاير مع نسماته الباردة

يتوقف التاكسي عند وصلهم … ينزل “عمر” ويفتح الباب الخلفي ، تنزل تلك الطفلة االصغيرة التى تعلقت ب وريده الرئيسي الذي اذا أنقطع سيتوقف قلبه ، تبتعد “نور” عن الباب قليلاً لكى تخلى المساحة لوالدته ووالدتها وهم ينزلوا ، يمر من جانبها شابين .. تشعر بيده تجذبها بقوة من ذراعها الايسر نحوه .. خرجت منها صرخة خفيفة من جذبه لها .. أردف بصوته القوى قائلاً :-
– أقفي هنا

نظرت له بصمت وأستمعت لما أمرها به
دخلت “حنين” و “زيزى” وهم خلفهما جذبها من ذراعها بغضب فسألته بألم من قبضته ومسكته لها قائلة :-
– ااه فى اية؟؟

فتحت عيناها بدهشة حين أخرج من جيبه منديل ورقي ويمسح لها شفتيها الكرزتين من الملامع بقوة وغضب وكأنه يريد قطع شفتيها فيده وأتلهمهم وكأنه يستئصالهم من وجهها… فهى مازالت طفلة لا تفهم بأنه رجل صارم يغار بجنون على محبوبته فصاحت به بانفعال :-
– ااااه براحة أنت بتوجعنى

قال بغضب وهو يمسح شفتيها بقوة بيد ويده الأخر تمسك ذراعها لكى يثبتها أمامه حتى لا تهرب منه قبل أن يكمل ما يفعل :-
-أياكِ تحطي القرف ده تانى أنتى فاهمة

زفرت بضيق وشفتيها أصبحت بلون الدم من قوته وقالت بصوت مبحوح وهى على وشك البكاء من قوته وكأنه لم ينتبه بأنها بشر وتتألم :-
– وأنت مالك أنت ملكش دعوة بيا تانى أنا مخاصمك أنت واجعتنى جامد

دفعت يديه الأثنين بعيد عنها ورحلت من أمامه وهى تضع يديها على شفتيها المتألمة منه ….

وتجلس بجانب أمها وهى تكتم دموعها حتى لا تسقط ويلوث كحلها وجهها ناظرة للأسفل بحزن …فهى تزينت من أجله تزينت لكى تسمع منه كلمة رقيقة من تلك الكلمات التى تسمعها فى التلفزيون والمسلسلات حين تتأنق البطلة وتتزين للبطل لكنها جهلت أمر أن عالم المسلسلات والبطل والبطلة ماهو إلا وهم كبير لا وجود له فى عالم الواقع ماهو إلا عالم خيال … والحلو فى الخيال..كل حاجه فيه ممكنة ومباحة مبيعرفش كلمة مستحيل مش موجودة فى قانونه .. مفهوش حدود و لا موانع .. الخيال عالم منفصل زى فضاء بتسبح فى الفضاء.. وعالم الفضاء ملوش بداية و لا نهاية بس له وجود عندنا..و بنكون دايماً عارفين تفكير كل الأشخاص و عارفين اللي جواهم بس لازم أحنا نكسر التوقعات كلها .. الخيال مفهوش ازاي حصل كدة ولا مينفعش غير بالطريقة دى لأنه أصلاً خيال.. الواقع مينفعش يكون خيال والخيال مينفعش يكون واقع وحقيقة ، لأن الحقيقة الوحيدة هى أن مينفعش المقارنه بينهم ليه بقى لا المقارنة بينهم زي المقارنه بين الهواء وكوباية المياه . لان الشبه الوحيد بينهم هو مجرد شبه بسيط ان الاتنين فيهم ذرات أكسجين .. لكن المقارنة بينهم مستحيلة مش بس عشان تفوات الحجم ما بينهم .. .
جلس بجانب أمه وهو يراقبها بصمت وبينه وبينها “زيزى” “حنين” ، يؤلمه قلبه من حزنها وخاصمها له كما هى طفلة فى تصرفاتها وأفعالها
تخاصمه لأنه يغار عليها ..
يغار عليها من عين أخري غير عيناه تراها فتغرم بها ..يغار عليها من شخص قد يراها ويطمع بها مثلما هو يطمع بها طمع لا حدود له الى مالا نهاية
.. يغار عليها من نفس حقودة تراها وتلتهمها بحقدها وتصاب هى بحقدها ..يغار عليها من عيناه تراها فتغرم بها وتتمناها أكثر من قلبه العاشق … يغار عليها من ملابس تلمس جسدها وهواء يداعب وجهها الصغير..يغار عليها من وسادة تحتضنها ليلآ فى منامها ..يغار عليها من أنفاس تدخل إلى رئتيها لتستنشقها بلطف ودلال لتعلق فى جسدها كما هى معلقة بروحه .
ظلت طوال الفرح وهى حزينة فهى لم تنال منه كلمة أعجاب أو اى شئ لم تنال غير قسوة ومعاملة قوية كرجولته ..
انتهى الفرح وعادت للبيت معهم وهى تتجاهله وغاضبة منه تستوقفها “زيزى” بصوتها قبل أن تصعد السلالم قائلة :-
– نور انا هروح أجيب حاجات من السوبر ماركت

لاحظت تعب وأرهاق جسد أمها فصباحاً فى عملها ولم تريح جسدها اليوم من العمل للمطبخ للفرح فقالت بهدوء :-
– خليكي ياماما هروح أنا

  • لا ياحبيبتى أطلعى أنتى الوقت اتأخر
    أجابتها معترضة فقال هو سريعآ :-
  • أطلعى ياطنط أنا هروح معاها

نظرت له بهدوء ثم قالت :-
– ماشي هتجيبي بيض ولبن ولنشون وفينو وتونة ولو عايزة حاجة ليكي هاتيها

  • ماشي
    قالت ثم أخذت الأموال منها وذهبت دون أن تنتظره يمشي خلفها يتأمل صمتها الطفولى وغضبها البرئ جلبت ما طلبته أمها وعادت إلى المنزل دون أن تحدثه صعدت السلالم لشقتها ،فتشعر بيده تمسك معصمها … أستدارت له ورمقته نظرة عتاب حزينة قائلة :-
    -نعم

قال بهمس نابع من قلب عاشق وصوت دافئ بحنان يمتص حزنها من ملامحها الفاتنة :-
– متزعليش يانور منى أنا والله مبحبش أزعلك بس …

نظرت له ببراءة وصمت لكى يكمل وهو ينظر لعيناها بحب يفيض من عيناه وقلبه ينبض بقوة فى تلك اللحظة ويخبره قلبه بأن ينطق لسانه بما يخفيه بداخله منذ أن أحتلت نور كيانه وقلبها.. بنبرة مرتبكة وهو يجمع شجاعته :-
– بس أنا بخاف عليكي

فسألته ببراءة طفولية ودلال وهى تميل رأسها إلى كتفها الايسر بدلال وعفوية:-
– من اية هو أنا هتخطف وبعدين بتخاف عليا مش تعمل كدة خليتنى وحشة هو أنا قعدت ساعة قدام المرايا عشان تبوظ كل حاجة فالأخر

أردف بشغف وقلبه ينبض بقوة قائلة :-
-بخاف عليكي من عيون الناس الحسودة ناس تشوفك تحسدك ومتصليش على النبي .. بخاف عليكي من عين تشوفك تحبك وتسرقك …

نظرت له بصمت وهى تستمع له ..يشعر بحرارة جسده تزداد ودقات قلبه تتسارع وكأنها تدخل مسابقة مع أحد على من يدق أسرع … أكمل بنرة هادئة تذيب قلبها الصغير وحنان :-
-بخاف عليكي من عين تشوفك تحبك وتسرقك منى يانور

لتجيب عليه بطفولية باسمة له :-
– هو أنا لعبة هيسرقوها …..

بتر حديثها بتلك الكلمة :-
– نور أنا بحبك

نظرت له بصدمة ، نطق بتلك الكلمة المكونة من أربعة حروف كلمة لا تعبر عن ما يحمله قلبه من مشاعر.. كلمة كل حرف بيها يملك محيطات وبحار من عشقه وحبه لها ولم تكفى … كلمة لم تستطيع أن تصف ما يشعر به ولا ديوان منها يستطيع أن يعبر عن حبه لها
خجلت منه وهى تحنى رأسها للأسفل بأرتباك وتوردت جبينتها بلون دمها من الخجل .. وهتفت بصوت شبه مسموع ضعيف قائلة :-
– أنت قولت اية

قال بمرح لكى يخفف من أرتباكها :-
– على فكرة طنط عارفة أنا استأذنتها قبل ما أقولك حاجة

  • أنا مش فاهمة حاجة
    أندهشت من حديثه وأجابته فنظرت له وهو يخرج من جيبه سلسلة على شكل قلب صغير وقال :-
  • ينفع ألبسهالك

سألته بذهول وهى تضع يديها على فمها قائلة :-
– دى عشانى

تبسم لها بسعادة ثم قال :-
– حوشت مصروفي الشهر اللى فات عشان أجبهالك مينفعش ترفضيها بقا

تبسمت له فى دلال فيدير جسدها ويعلق السلسلة فى عنقها النحيف ويقف خلفها أستدارت له وهي تمسك قلب السلسلة بأصابعها الناعمة وبنرة خاجلة أردفت قائلة :-
– شكراً

قال بمرح :-
-أوعى تقلعيها أنا تعبت فى ثمنها بسببها مجبتش شيكولاتة لحبيبتى طول الشهر

ضحكت برقتها وفتحت أحد الأكياس البلاستيكية وتخرج له شيكولاتة بأبتسامة مشرقة وقالت :-
– أتفضل دى لك

فسألها بعفوية بينما يداعب يدها بأنامله :-
– أديها لحبيبتى يعنى

أجابته عليه بخجل :-
– لا دى لك أنت

يأخذها منها بأبتسامة ويقول بجدية :-
– متزعليش منى يانور والله بغير عليكي من نفسي .. من هدومك اللى بتلمسك … ومن الهواء اللى بتتنفسيه .. بغير عليكي من طنط وهى بتشوفك وأنتى نائمة … بغير من صحابك اللى بيشوفوا ضحكتك .. بغير من كل حاجة ..بغير عليكى بطريقة ملهاش حدود ولا ليا سيطرة عليها .. نفسي أختطفك وأخبيكي فحضنى من الناس كلها

نكزته فى كتفه بغضب وقالت بتذمر طفولى :-
– أنت قليل الأدب

بعثر لها شعرها بيده ثم قال :-
– أنت دماغك راحت فين أنا مش هلمسك غير وأنتى حلالى ياهبلة مقدرش أغضب ربنا فى أكتر حاجة بطلبها منه

أبتسمت بأشراق وهى ترمقه بنظرة طفولية :-
– أنت بتطلبنى من ربنا

رد عليها بشغف ويتفحص كل إنش فى وجهها بنظره قائلاً :-
-ياااااااا يانور ده أنا مبطلبش منه حاجة غيرك لو كنتى خير يقربك ولو شر يهديكى ويصلح حالك ويقربك لى ويسكنك بيتك اللى شايلهولك

سألته بأستغراب قائلة :-
– بيتى .. شايلهولى .فين ..شكله ايه

يشير لها على صدره بأبتسامة ثم يقول بينما يغمز لها :-
– ده بيتك اللى مش هيسكنه غيرك طول ما أنا عايش بيتك اللى مستنياكي تكونى حلاله

..........*

تتساقط تلك الدموع من عيناها وهى تلمس سلسلتها المعلقة في عنقها منذ زمن مضى وصوت بكاءها يعلو ويعلو من شدة الوجع الذي ينهش فى قلبها العاشق الصغير وهو موجوع ممزق من كل شئ يحدث معاها ف حياتها البائسة ،يدق جرس الباب تقف وهى تمسح دموعها بأناملها متجهة نحو الباب ،تفتح وتجد “حسن” وهو يحمل أكياس بلاستيك
أردفت بصوت ضعيف شبه مسموع قائلة :-
-أدخل يا حسن

يدخل حسن وهو يتطلع لها وهى تعود للداخل بوجه حزين فيغلق هو باب الشقة و يردف :-
– اية ياست سنفورة أنتى كل ده عشان تتكرمي وتفتحي

تجيب عليه وهى تجلس على أقرب كرسي لها :-
– أقعد ياحسن

يجلس وهو ينظر لملامحها ف يردف بلهجة مؤاسية لها أملاً أن يهدى ولو قليلاً من نيران ألمها :-
-نور صدقينى أنا لو شاكك ١ ٪ أنك خبطيها بقصد أنا اللى هقدمك للنيابة بنفسي، بس أنا متأكد أنك متعملهاش يانور

سألته بحزن :-
– أنت ليه معايا ،، ليه لسه فى حياتى ،، ليه ما مشتيش زى ما الكل مشي ، ماما سبتنى لوحدي وماتت وهى عارفة أنى لوحدى هنا ، عمر وأتجوز وأنا هنا قاعدة فى قبر الأنتظار مستنية ،ليه أنت لسه معايا

يقترب على حافة الأريكة ويجلس على قدميه على الأرض أمامها وهو يحتوي يديها الصغيرتين بين كفيه بحنان ويضع سبابته أسفل ذقنها ويرفع رأسها له لتتقابل عيونهم
ويجيب على سؤالها بنرة هادئة مطمئنة ل قلبها الخائف :-
– عشان أحنا صحاب يانور مش صحاب يوم ولا سنة دول ٩سنين جامعة وشغل ، عشان الصداقة والعشرة اللى بينا تلزمنى ب ده .. الصاحب يانور مش كلمة صديق؟! اللى بتقوليها مش سهلة دى معناها أكبر ما تتخيلى ،، يعنى سند وظهر و قوة وقت الضعف …..وحاجات كتير

Hard times will always reveal true friends

تبتسم وسط حزنها ووجعها على وجود “حسن” فى حياتها رغم ترك الجميع لها ، رغم صدمتها بزمن مضى وهى فى ساحة الانتظار لحبيب هو تركها ورحل دون رحمة ب قلبها الذي يسكنه ويرفض أن يجعل غيره يسكنه

أردفت له ببسمة على شفتيها وعيونها ملوثة بدموعها قائلة :-
– أنا بحمد ربنا أنك فى حياتى ياحسن خليك جنبي متسبنيش لوحدي هنا زى ما كلهم سابونى ، خليك ماسك أيدي حتى لو أنا سبتها متسبهاش أنت

يبتسم لأبتسامتها ويجيب عليها بمرح :-
– أسيب أيه يابت حد يطول يمسك الأيدي الناعمة دى ، دى بلاستيك يانور صح

قهقهته علي مزاحه ببراءتها وعفويتها الرقيقة …

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

سأل فى المستشفى عنها وهو فى وهل صدمته بموت زوجته أجابه البعض بأنهم لم يروها تذهب أمس من المستشفي حتى أذن الفجر مع صديقها “حسن” والبعض أخبره بأنها ربما كانت تجري جراحة لأحدي المرضي لأنهم لم يراه ،يتجه نحو السلالم وهو شارد الذهن فكيف “ملك” أخبرته بأنها رأتها وهنا البعض يأكد بأنها لم ترحل يستوقفه صوت أنوثي تقول :-
– لوسمحت

نظر للخلف ورأي ممرضة فقال وهو يشير على نفسه :-
-أنا

أردفت بتردد وهى تقترب نحوه قائلة :-
– حضرتك كنت بتسأل عن دكتورة نور

أجاب عليها بلهفة وأمل عاد له لمعرفة الحقيقة :-
-اه أنتى شوفتيها

نظرت حولها بحذر ثم قالت هامسة له :-
– هى فعلاً خرجت فى التوقيت اللى أنت قولت عليه بس رجعت بعد نص ساعة أو أقل كمان مغمي عليها مع دكتور حسن زميلها

سألها بأستغراب ب صوت مسموع جدي :-
– نص ساعة أو أقل

أشارت إليه بنعم فقال شاكراً لها بينما عقل يبدأ رحلته فى التفكير :-
– شكراً

ذهب وهو يفكر أهذا الوقت كافي لقتل زوجته ظل يفكر ويفكر حتى عاد لشقته وهو شارد تمامآ يفكر بعمق بعد أن أكد له الضابط بأن القضية قفلت ضد مجهول وليس هناك أى شاهد أو دليل على القاتل وربما تكون حادثة سير ، جلس على الأريكة بهدوء وتعب من جسده المنهك طول الليل فى أجراءات الدفنة ثم عاد بظهره للخلف بتعب وهو يغمض عيونه بحيرة فيسمع رنين هاتفه و يخرجه من جيب بنطلونه يتطلع له بصمت وهو يضي ويرن بمنبه يذكره بأن اليوم عيد مولد حبيبته تلك الطفلة الصغيرة رأها أمس بعد فراق داما لأكثر من ١٢ عام ،، وضع هاتفه على الترابيزة بتكاسل ولا مبالاة عكس كل عام ينتظره بشغف وحماس ثم وقف بتعب وولج إلى غرفته ثم وقف بالمنتصف ينظر إلى صورتها المعلقة ف غرفته بمساحة الحائط بأكملها بشوق وحنين لها ويقترب نحوها مُشتاق ومُتألم ،، يردف أسمها من بين شفتيه بشوق ويحسس بأصابعه فوق وجهها على الحائط :-
– نور

تزور عيناه تلك الدمعة لتبقي أسيرة داخل جفنى عيناه يسألها وكأنها ستجيب عليه:-
– نور أنتى قتلتها ..ليه يانور ليه ..طب قوليلى أنك معملتيش كدة وأنا هصدقك أنتى وبس حتى لو العالم كله قال إنك عملتيها هصدقك أنتى يانور أنتى وبس

تتساقط الدموع وهى تشق مجراها على خديه ،يسند بذراعيه على الترابيزة الموجودة أمامه موضوع عليها صور لها ورسائل حب كتبتها له وهى صغيرة حين كانت معاه وملكه ، جلس على الأرض بضعف وهو يمسك صورتها بين يديه ويتأملها بأشتياق وحنين ،يجلب أجندته ويفتح صفحة جديدة وهو يمسك قلمه ودموعه تلوث تلك الصفحة لم يستطيع تحرك أصابعه من الأشتياق لها وهى تسكن أعماقه وتتشبث بعقله وتسير فى عروقه مع دماءه ….
فيترك قلمه وهو أثار جرح قلبه فجعله ينزف رغم أنه لم يتوقف طوال هذا الفراق ،، دق جرس الباب فمسح دموعه بأنامله وهو متجه نحو الباب يفتح ،وقف فى وهل صدمته للحظات وهو يراها أمامه بهدوءها المعتادة خائفة ومعها حسن وهو يمسك يديها لكى يطمئنها ………..

يتــــــــبــــع …………

error: