رواية ملاذي الاخير للكاتبة نورا عبد العزيز

•• الفصـــــل العـــــاشـــر ( 10 ) بعنــــــــوان “اليـــوم المُنتـظـــر ” ••

••• رغبتي فيكِ كانت حقيقية جدا نابعة من أعماق قلبي ، لم أكن حينها تحت تأثير كلمات أغنية مكتوبة ، وضجيج موسيقي حب، او نظرة من عيناكِ تذيب جليد القلب وما حوله أو ما شابه ، كُنت أدرك وأعي بأني أريدك بكل ما لدي من قوة ، أرغب بقلبك ، بطريقة أعمق مما أظن وتظن ، طريقة كتبها الله لينا ولن يمنعها العالم بأكمله ، فقط أريدك ! •••

أستيقظت “تالا” صباحاً على صوت رنين هاتفها .. ألتقطته وفتح الخط وهى نائمة .. جاءها صوته من بعيد يقول :-
– أنتى لسه نايمة ياتالا

وضعت الهاتف على أذنها وهى تقول بصوت شبه نائم وتتثاءب :-
– لا صحيت أهو

هتف “حسن” بتذمر سافر قائلاً :-
– صحيت أهو أيه .. أنتى بتنامى فى التلفون .. قومي كدة وأصحي معايا

نطقت أسمه لأول مرة في حياتها بضيق وهى تجلس على السرير :-
– أيه ياحسن .. أدينى صحيت أهو

أبتسم على طريقة نطقها لأسمه ودق قلبه بجنون من أجلها ومن أجل صوتها العاذب وقال :-
– هو أنا أسمي حلو كدة

خجلت منه وصمتت وهى تكتم صوت ضحكتها الهادئة .. أكمل حديثه بشغف :-
– خلاص يا قوطتى متكسفيش أنا زى جوزك بردو

صاحت به بدلال وهى تفرك أصابعها قائلة :-
– أنت هتجبلى مصيبة هو أنا أتجوزتك ولا حتى شوفت منك دبلة خطوبة

أبتسم لها ضاحكاً وقال بعفوية :-
– قريب ياحبيبتى أجيب دبلتين مش دبلة واحدة

تذمرت عليه وسألته بأقتضاب :-
– أنت متصل ليه ياحسن ؟؟

قال وهو يشاكسها كما تفعل بيه دائماً :-
-الله هو عجبك الأسم ولا ايه

ضغطت على أسنانها بقوة وضيق وهى تقول :-
– عايز ايه

  • بصبح عليك ياقلبي قبل ما تروح الشغل
    قالها بدلال ،، خجلت من مغازلته لها وقالت برقة تذيب قلبه وتفرط كيانه وتهزه بأكمله وكأنها تعاقبه على مشاكسها بسهم رقتها وهو يصيب قلبه :-
  • ماشي صباح الخير ياحسن

جملتها ورقتها أذبه قلبه العاشق ، وسرقوا منه وقاره وهيبته.. أسرت قلبه وقيدته بقيد دلالتها ، قال بشغف وعشق يفيض من نبرة صوته الدافئ :-
– صباح النور ياتالا

نظرت لساعة الحائط ثم أردفت بأستعجال :-
– هروح أجهز بقا وأكلمك وأنا نازلة

أجابها بعفوية :-
– ماشي .. خلى بالك من نفسك

أبتعدت الهاتف عن أذنها .. أعتقدت بأن “حسن” أغلق الخط..ولم تشعر بنفسها من السعادة غير وهى تقبل الهاتف بجنون .. سمع “حسن” مداعبتها للهاتف وتلك القبلات ولم يعقب أو يتحدث حتى لا يحرجها ولكنه علم بأنها تبادله نفس المشاعر والحب ، أغلق الهاتف وعاد إلى عمله فى المستشفي

••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

وصلت “نور” إلى الإسكندرية مع “عمر” أثناء أذن الظهر فقال بهدوء وهو ينزل من سيارتها من مقعد القيادة ويفتح الباب الأخر لها لتنزل من السيارة :-
– مش هنبات هنروح النهاردة

  • عارفة ياعمر
    قالت بتردد وقلق ،،مسك يدها فى يده وكأنه والدها وبالفعل هى طفلته الأولى التى لن ينجنبها .. عبر بها الطريق كعادته وأتجهوا إلى الشاطئ فقالت بخفوت :-
  • تفتكر عمه منصور ممكن يزعل لو عرف أننا هنتجوز

أبتسم لها بعفوية وقال بأرتياح :-
– عم منصور يانور عارف حكايتى معاكى

نظرت بدهشة له وسألت بفضول :-
– ولسه بيحبك

أنقر بأصبعه على أنفها يداعبها وقال :-
– وميحبنيش ليه

قوست شفتيها بحزن وهمهمت بأستياء :-
– عشان بنته

  • ده مالهوش علاقة بده
    أجابها بحنان ،،وصلوا إلى منزل “منصور” ودق “عمر” على الباب بهدوء وبعد لحظات فتح “منصور” الباب وأرتسمت على شفتيه البسمة فور رؤيته لها .. هى من قتلت طفلته ولكنه أحبها وخسر لصالح شخص لا يجب أن يكون له صلة به ..اقتربت له بسعادة وعانقته ليطوقها بذراعه بحنان وهو يقول :-
  • متأخرتيش كتير

  • مانا قولتلك أنى هرجع تانى عشانك
    قالتها وهى تطوقه بكلا ذراعيها أبتعدت عنه ورحب بـ “عمر” وأدخلهم ، جلس معه ووقفت هى تحضر لها شاي بالحليب وبعض الفطائر الموجود فى المنزل ، أخبره “عمر” سراً دون أن تسمعه بأنها جاءت من أجل أن تخبره بأنها ستجري جراحتها وأنها ليست بجراحة سهلة .. نظر “منصور” عليها وهى تسكب الحليب فى المجات وتبتسم وحزن عليها… وفهم ما لا يفهمه عمر بأنها لم تأتى لكى تخبره بذلك بل جاءت لتودعه وداعها الأخير ،، أقتربت منهم وجلست بجوارهم وقدمت لكل منهم المج الخاص به وسألته بهدوء :-

  • عامل ايه ياعمه منصور

أجابها بحنان وهو يأخذ منها المج مُبتسمًا :-
– بخير يابنتى وأنتي عاملة ايه طمنينى عليكى

ابتسمت حتى لا تحزنه أو تقلقه عليها وقالت بخفوت :-
– هعمل عملية ولو ربنا أراد بأذن واحد أحد هخف وأجيلك أول زيارة

مسح على رأسها بحنان ثم قال بلطف ليقلل من خوفها :-
– هتخفي يابنتى وهسلمك للعريس ده فى الكوشة بفستانك الأبيض بأيدي

نظرت لـ “عمر” بسعادة مزيفة وقلبها بداخلها يتسائل هل سيتحقق هذا الحلم لها ؟؟ هل سترتدي ذلك الفستان الأبيض من أجله كما تمنت دائماً ؟؟ هل سيفعل كما أخبرها منذ زمن بعيد ويأخذها من يديها ويختاروا فستانها معاً وتعيش تلك اللحظة مع حبيبها ؟؟ أما سيدفن حبهم معاها فى قبر صغير مع جسدها ؟؟
بادلها “عمر” الأبتسامة وهو يري كل تلك الأسئلة في عيناها فلا أحد سيفهمها ويشعر بها غير قلب ينبض لها وخلق من أجلها ،، فرسمت بسمة مزيفة تخفي خلفها الكثير وقالت :-
– أنا هجيلك تانى أول ما أخرج من العملية

أشار على “عمر” وهو يقول :-
– لازم تيجوا أومال الراجل ده هيطلبك من مين غيرى

عانقته بسعادة كبيرة على تلك المكانة التى نالتها وأصبحت أبنته وبعد ساعتين من الحديث معه ..وقف “عمر” وهو يشير لها ويقول :-
-عن أذنك ياعم منصور

وقف وهو يتكيء على عكازه ويقول :-
– ما أنتوا قاعدين شوية

نظر لها ثم له وقال بحزم :-
– مينفعش نور لازم تكون فى المستشفى بكرة .. وهنرجع النهاردة

أجابه بحنان وهو ينظر على تلك الفتاة :-
– ماشي أبقي كلمنى على تلفون ملك وطمنى على العملية

قالت “نور” بهدوء وهى تنظر له :-
– عمر أستنانى برا شوية

نظر لها ثم لـ “منصور” وخرج .. سألته بهدوء :-
– حضرتك مسامحنى صح

وضع يده المليئة بالتجاعيد ويبدو عليها كبر سنه فوق رأسها بحنان يطمئن قلبها الخائف من القادم ومسح على شعرها بمودة وقال :-
– مسامحك يابنتى وقلبي وربي راضين عنك

سألته بحيرة أكبر :-
– من قلبك صح

أبتسم لها وقال هامسًا لها :-
– من قلبي .. أقولك سر أنا هجيلك يوم العملية

أبتسمت له وعانقته عناق الوداع ثم غادرت مع “عمر” ظلت ماسكة بيده وهم يتمشوا على الشاطئ ومياة البحر تداعب قدمهم بتناغم ، أستغرب من سؤالها له حين سألته :-
– عمر بتحبنى أكتر كحلم ولا كحقيقة ؟؟

هتف بحنان بينما ينظر لعيناها :-
– بحبك حلم متقدرش تنافسه أى حقيقة فى الكون ولا تهزمه ، وبحبك حقيقة ميجريهاش اى حلم ولا تختفي لما أصحي من نوم

توقفت عن المشي ووقفت أمامه وهى تنظر لعيونه ببراءة وحب يفيض منهما وشغف وهى مازالت تمسك بيديه وقالت :-
– سأختارك دائما لقلبي ..
وحين تنطفئ .. و أري النور مع غيرك سأختار عُتمتك

رد عليها مبتسماً قائلاً :-
– دى أول رسالة حب تكتبهالى من ١٢ سنة بخط أيدك فى جواب صغير وعليه البرفان بتاعك

أقتربت خطوة منه لتثبت نظرها على عيناه فقط وقالت بدلال يصيب قلبه المجنون بها وعفويتها تأسره هو و قلبه لها عبداً فى سجون قلبها حتى لا ينال حريته بعيداً عنها :-
– ولو الزمن رجع تانى هختارك تانى ياعمر ، فى كل مرة الزمن هيخيرنى هختارك

قال هو يمسك يدها الأخري برفقة وهو ينظر داخل عالم عيناها التى تسحره لهما :-
– أنا الذي خاض حروبا ومصارع دموية مع ذاته ، وفى كل حرب تهزمني الهدنة ، حتى ألتقيت بيكي ياهدنتى فتعالي يا سلامي ، يا هدنتي إهزميني وأسري قلبي عبداً لكي فى شباك قلبك أنتى هى الحرية والسلام لقلبي

قهقت من الضحك وهى ترفع نظرها للسماء ولا تستطيع أن تسيطر على ضحكاتها وهو يقلدها وقالت :-
– دى أول رسالة بعتها لى بعد فراق ١٢ سنة

نظر لعيناها وهو يربت على يدها بحنان وقال بخفوت :-
– بعد عذاب سنين وحروب مع الزمن وقساوة الدنيا من حقي أنال السلام والحرية

سألته بدلال وهى تميل برأسها إلى كتفها الأيمن ويميل شعرها معها لتبدو كطفلة :-
– ليه دائماً لما بتبعتلى رسالة حتى لو بتسألنى أنتى فين .. بتكتب (انتي) بالياء بدلا من(أنتِ) بالكسرة ؟؟ بكتب الرسالة كلها لفة عربية فصحى وتجي عند انتى وتشيل الكسرة

أنحنى قليلاً ووضع قبلة رقيقة فى قلب كفيها بحب ورفع رأسه لها وهو يقول :-
– يعز عليا كسركِ ياقلبي حتى في اللغة العربية

لم تستطيع أن تجيب عليه من جمال حديثه ورقته ، سيطر عليها بكل ما اتوه من قوة وشجاعة بتلك القبلة التى نالتها لأول مرة منه وهذه الكلمات الدلالية التى أنهكت قلبها فى حبه وجعلته يتشبث به أكثر وأكثر من جديد .. فى كل لحظة تمر وكل دقيقة تمضي عليهم معاً يوقعها فى شباكه من جديد ويجدد حبهم مرة أخرى ويزيد تشبثهم بالبعض

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••

خرجت “تالا” من المدرسة بعد أن أنهت عملها فى الفترة مسائية مع صديقاتها ووجدت “حسن” يقف بسيارته أمام بوابة المدرسة أعتذرت منهن وذهبت إليه وركبت بجواره ، رأته حزين مهموم يبدو وكأن أحدهم سلب منه روحه بالقوة وقتله ، سألت بأستغراب وتعجب من حالته :-
– مالك ياحسن ؟؟

أسند رأسه على ظهر مقعده بعجز قائلاً :-
– نور

سألته بفضول وأستغراب :-
– مالها مش هى فى أسكندرية مع عمر

تنهد بأقتضاب وقال بضيق :-
– عارف مش دى المشكلة

نكزته فى ذراعه بأستنفاذ وسألته :-
– أومال ايه قلقتنى ؟؟

أجابها بأرهاق شديد وخوف :-
– هتعمل العملية كمان يوم وهتدخل المستشفى بكرة

ضربته فى صدره بأغتياظ وقالت بتذمر :-
– طب ما أحنا كلنا عارفين ده .. حرام عليكى خضتنى

  • نور هتعمل عملية صعبة جداً ونسبة نجاحها فى حالة نور ٥٠٪
    أجابها بتلك القنبلة فصعقت بتلك الصاعقة النارية القتالية التي ألقاها عليها وقالت بأمل وثق باللًه :-
  • بص لنص الكوباية المليان يا حسن .. فى ٥٠٪ زيهم نجاح

نظرت له بضيق ثم للأمام وصمتت ..
قاد بها السيارة إلى بيت “نور” لكى يوصلها ويذهب للمستشفي يستلم نبطشية الليل بدل من زميل له من أجل أن يجهز لها كل شئ حتى تأتى غدا للمستشفي ولكن هذه المرة ليست بطبيبة بل بمريضة …

••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

وصلت القاهرة فى منتصف الليل أوصلها “عمر” وأخذ سيارتها معه إلى بيته .. صعدت إلى شقتها ودخلت وجدت “تالا” تجلس فى الصالون تبكي وصوت شهقاتها تملئ المكان .. دمرت كله ما فعله “عمر” بها من أجل أن يزيل القليل من خوفها .. عادت بهذا البكاء إلى نقطة الصفر من جديد ، تنفست الصعاد بهدوء تام وأخرجت تنهيدة قوية من بين رئتيها وهى تجلس بجوارها وتقول :-
– بتعيطي ليه ياتالا

تعلم بأنها تبكي من أجلها وخوفاً من فراقها أو فقدها فأجابتها “تالا” بكذبة صغيرة وهى تقول :-
– بابا مش موافق على حسن يانور

رمقتها “نور” نظرة حادة بسبب كذبها وهى تخدعها بها وقالت :-
– متقلقيش هيوافق لو دى المشكلة اللى معيطكي إنما لو اللى معيطك أنا فياريت تبطلى عياط عشان أنا بضحك على نفسى بالعافية ممكن

وكادت أن تقف ، مسكت “تالا” معصمها لكى تعود إلى مجلسها مرة أخرى .. نظرت “نور” لها بتعب من السفر وصدمت حين عانقتها “تالا” بقوة وهى تزيد فى البكاء وتقول :-
– نور أنا بحبك والله أنتى لازم يكون عندك إرادة وإصرار

أربتت على ظهرها بحنان وقالت :-
– وأنا كمان بحبك ياتالا

أستيقظت صباحاً على صوت دقات الباب ، لفت حجابها البسيط وهى تعلم بأنه “حسن” صديق هذه الطفلة أو حبيبها “عمر” وفتحت وجدت “عمر” وولدته “حنين” فقال :-
– أزيك ياتالا .. والدتى

أجابته وهى تصافح والدته :-
– بخير .. أهلا وسهلا ياطنط أتفضلوا

سأل “عمر” وهو يدخل ويغلق الباب بهدوء :-
– نور صحيت

نظرت له بحزن عميق وقالت :-
– نور منامتش … طول الليل نور أوضتها منور

  • طب أدخلى قوليلها أنى جت
    قالها بخفوت وهدوء فدخلت ودقت الباب ثم دلفت للغرفة ورأتها تقف أمامها نافذة الغرفة وتعقد يديها أمام صدرها وشاردة تماماً لا تشعر بما يدور حولها فى هذا العالم وعلى هذه الأرض ولا تشعر بدخول تالا .. أربتت “تالا” على كتفها بهدوء فزعت “نور” وهى تقول :-
  • خضيتنى ياتالا

أبتسمت لها تخفي حزنها وخوفها وقالت :-
– ما أنا خبطت وناديت مردتيش .. عمر برا

أشارت إليه بنعم وخرجت معاها وهى ترتدى فستان أبيض به بعض الفراشات الملونة طويل وبكم واسع وبه رابطة حول خصرها وشعرها مسدول على ظهرها وترفعه للأعلى من الجانبين وقالت :-
– صباح الخير

وقف “عمر” وهو يقترب منها ويصافحها قائلة :-
– صباح النور .. شكلك بيقول أنك منمتيش

غمغمت بقلق شديد قائلة :-
– غصب عنى دلوقتى أروح لحسن وهينتقم منى وينيمى بالغصب …. أزاى حضرتك ياطنط

  • بخير ياحبيبتى
    أجابتها بحنان وهى تنظر نظرات الشفقة والخوف فى ملامحهم جمعيًا فقالت “تالا” بهدوء :-
  • أنا هلبس بسرعة أهو

دخلت للغرفة .. همس “عمر” بصوت منخفض قائلاً :-
– منمتيش ليه

نظرت له بضعف وقالت بلهجة واهنة :-
– بفكر ياعمر قلقانة وخايفة

أربت على كفها بحنان يطمئنها وقال :-
– أنا معاكي يانور مش هسيبك غير فى العمليات وهتصحي تلاقينى جنبك

قالت “حنين” وهى تتجه للمطبخ :-
– أنا هحضرلك الفطار تفطري قبل ما ننزل

أجابتها بهدوء وهى تجلس على الأريكة :-
– ربنا يخليكي ياطنط أنا صايمة عشان التحاليل ورسم القلب يللا يا تاااالا

خرجت “تالا” بأستعجال وهى تتحدث مع “حسن” فى الهاتف :-
– ياحسن نازلين أهو … سلام

أغلقت معه وأكملت حديثها لهم :-
– حسن أستلام النبطشية ومستنينا

تذمرت عليه بأغتياظ من تصرفاته وغمغمت قائلة :-
– حسن ده مجنون قاعد نبطشيتين وراء بعض كدة يتعب

عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بتذمر :-
– قولتله ياختى ومسمعش الكلام لما تروحيله كلميه

خرجوا من الشقة معاً وعمر يحمل شنطتها بيد وبالأخري تمسك بيه بخوف .. يشعر برعشة يدها وبرودة جسدها فى يده .. وصلوا للمستشفي ودخلوا وجدت “حسن” يقف مع الممرضين فى الأستقبال ويحتس قهوته لكى يخفي تأثير النوم والتعب والتخلص من إرهاقه قليلاً ، رأها وأتجه نحوها ..
قال بمرح وهو يرتشف القليل من قهوته :-
– الله لذيذة أوى القهوة دى …معاكم واحدة صايمة

عضت شفتيها بأغتياظ منه وهو يعاندها فقالت بأشتياط :-
– هضربك ياحسن .. هطلع كله فيك

قالت “تالا” وهو تنظر له بشر وخبث :-
– تعملها دى منامتش من أمبارح

  • وماله دلوقتى أنايمها لكم لحد بكرة .. أدخلوا أستنوا فى أوضة ٣٠٥ هنعمل شوية فحوصات كدة ونجيلكم
    قالها بعفوية وهو يأخذها ،، دخلت “تالا” و “حنين” للغرفة… وذهبت مع “حسن” و “عمر” لتجرى الفحوصات اللازمة للجراحة وعادت إلى غرفتها بعد ساعتين معهم ، غيرت ملابسها فى الحمام لبيجامة قطن بنص كم وجلست فى السرير .. جاء “حسن” لها مبتسماً وقال :-
  • أزيك ياسنفورتى والله منورنا

رفعت حاجبها له وهى غاضبة منه وتعلم لما جاء ويخفي يدها الأثنين خلف ظهره فسألته بشك :-
– عايز أية ياحسن

أخرج من جيب البلطو الأبيض كانولا طبية وقال :-
– أدينى أيدك الناعمة دى

تذمرت عليه وهى تخفي يديها الأثنين خلف ظهرها وقالت :-
– ياحسن كفاية كدة أنتوا لسه واخدين دم

  • اللى بتعملى فى خلق الله .. أدينى أيدك
    أبتسمت بمكر فى وجهها فأعطته يديها بغضب ووضع الكانولا بها وقال :-
  • أنتوا بخلاء ولا ايه فطروا البت .. دى هتصوم بليل تانى

أقترب وأخرج من جيبه حقنة وأعطاها لها فى الكانولا وأغلقها مرة أخرى وقال :-
– مش عايزين دوش عشان تنام شوية .. نامى بقا وأرتاحي

ضحكت بخفوت وقالت بأستسلام :-
– أنا قولت لهم حسن هينامنى غصب

أخفض الأضاءة لها وقال بهدوء :-
– هجيلك تانى

ذهب وتاركها تغرق فى نومها من المخدر وتأثير الحقنة عليها لكى يريح قلبها ولا تجهده بالخوف من التفكير ..

••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

وقف “عمر” مع “حسن” فى الأستقبال ليمضي الأقرار بالموافقة على الجراحة .. مسك القلم بيد مرتجفة بعد أن أخبره “حسن” بمدى خطورة جراحتها… شعر بأنه يأخذها إلى الموت بيديه أغمض عيناه بعجز ، شعر بيد “حسن” على كتفه فتح عيناه ونظر له بضعف وألم وتوكل على الله ويتركها أمانة لديه بين رحمة خالقها ومضي الأقرار ،، ذهب لكى يحضر الغدا لها من خارج المستشفي وعاد وجد أمه تصلى العصر و “تالا” ترتب أغراض “نور” وهى مازالت نائمة ،، أعطى الغدا لــ “تالا” وقالت :-
– المستشفى بعتت غدا ليها

  • ده عشانها بتحبه وعشانكم أنتوا مأكلتوش حاجة من الصبح
    قالها وهو ينظر على وجهها وهى نائمة فجلس بجوارها على الكرسي ولمس أصابعها بأنامله .. سمع صوتها الرقيق بهدوء وهى تنادي عليه. :-
  • عمر

أبتسم لها وأمسك يدها الصغيرة بين كفيه وهو يقول بحب :-
– أنا هنا يانور

فتحت عيناها ومبتسمة بأشراق له وقالت :-
– أنا عارفة أنك هنا ياعمر

مسح على رأسها بحنان وهو يقول بحنان هامسًا لها :-
– عشان قولتلك أنك هتصحي تلاقينى جنبك

أبتسمت له بدلال وقالت بنبرة ناعمة :-
– عشان دى لمسة أيدك ياعمر اللى عمرى ما أغلط فيها

أنحنى قليلاً نحوها وقال بعفوية يربت على يدها :-
– اممم عارفة أنا جبتلك أيه

قالت بسعادة وفضول شديد كطفلة صغيرة :-
– جبتلى أيه ؟؟

جعلها تجلس على السرير وأحضر لها ترابيزة الطعام صاحبة العجلات من الأسفل … بدأت فى الأكل معه على السرير و”تالا” و”حنين” يجلسوا معا على المقاعد ويأكلوا .. دخل “حسن” عليهم وقال :-
– بتأكلوا من غيري

نظرت له وهى تزدرد لقمتها وقالت :-
– حسن أنا عايزة قهوة

جلس أمامها على السرير وهو يأكل معاها بينما يقول :-
– قهوة أيه أحنا عايزين ننيمك وأنتى تقولى قهوة

سألت “تالا” وهى تأكل :-
– ايه سر حبك للقهوة ده يانور ؟؟

  • يابنتى الاستاذ محمد درويش قال ( القهوة هى المرأة والمرأة هى الحب والحب هو المرأة وكلاهما كافيين الحياة ولذة الوجود )
    أجابتها وهى تتوقف عن تناول الطعام فقال “حسن” وهو يأكل من أكلها هى و”عمر” :-
  • بتقولى حكم يابت يانور

ضربته على يده بتذمر وغضب وقالت بأقتضاب :-
– بتأكل أكل المريضة بتاعتك .. فين مدير المخروبة دى .. أنا لازم أشتكيك لازم يرفدك

ردت عليها بتذمر وهى تقف بضيق :-
– حرام عليكى يانور هترفديه وأحنا هنتجوز

تبسمت عليها وقالت بغرور مصطنع :-
– عشان خاطرك ياتالا بس‏

  • أيه يعنى تالا لا أشتكينى والنبي يانور …
    قالها بتنمر عليها فصرخت به بتذمر طفولى وكأنها تخرج ما بداخلها من خوف فى مشاكستها له :-
  • ايه ده أنت بتزعقلي كدة ليه .. شايف ياعمر بيزعقلى أزاى قدامك

  • كملى أكلك ياحبيبتي وأنا هقوم أموتهولك
    قالها وهو يطعهم وينظر بشر لـ “حسن” ضحكت بسعادة وهى لا تستطيع أن تسيطر علي ضحكاتها ، كوالد رضي طفلته الصغيرة بكلمة تريدها
    كاد “عمر” أن يغضب عليه وأستوقفه صوت ضحكاتها التى تحولت إلى بكاء قوى فهى لا تستطيع أن تخفي خوفها اكثر من ذلك ، أقترب “عمر” وجلس بجوارها بحنان وقال بلهجة هامسة للقلب :-
    -ايه يانور عيني بتعيطي ليه ؟؟

أجابته وسط بكاءها بضعف وخوف :-
– عمر أنا خايفة أووى … أنا مش عايزة أعمل العملية

جفف دموعها بأنامله وقال بحنان يطمئن قلبها :-
– أحنا قولنا أيه

همهمت بصوت مبحوح يكاد يخرج من بين شفتيها قائلة :-
– ياعمر أنا ممكن مشوفكش تانى .. ممكن أموت جوا فى العمليات

  • ألف بعد الشر عليكى يانور عيني
    قالها وهو يحتوي وجهها بين يديه ،، جلس “حسن” أمامها وهو يمسك يديها بيديه الباردة … أردف قائلاً :-
  • نور صديقنى أنتى هترجعي لعمر .. مش أنتى بتحبه وعايزة تعيش معه

نظرت لـ “عمر” ولمعت عيناها بحبها وقالت :-
– اه بحبه

أبتسم لها وهو مازال يمسك يدها ويردف هاتفًا :-
– وأنا بحبك يانور عيني

قال “حسن” بأصرار يشجعها ويقويها مُتخلص من جزء من القلق بداخلها مُردفاً :-
– يبقي لازم يكون عندك إصرار وعزيمة فى الحياة وتتماسكى بيها عشانه .. ولو جالك الموت فى العلمية حاربيه يانور بقوة حبك لعمر … حاربي الموت وأمسكي فى الدنيا متسبيش الموت يغلبك يانور

أومأت له برأسها فجفف دموعها بحنان وقال بأمل :-
– متفكرش فى العملية فكرى هتعملى ايه لما تخرجي

  • حاضر
    قالها ثم تركها وخرج معه “تالا” … جلس “عمر” يمازحها ويضحك معاها .. نظرت له بصمت وهو يضحك تتأمل تلك البسمة المرسومة على وجهه .. ومر أمامها شريط مفصل من أول لقاء لهم منذ ١٣ عام حتى الآن .. نظر لها وسألها :-
  • بتبصيلى كدة ليه ؟؟

أبتسمت بسعادة له وقالت ببراءة :-
– تعرف أن مالناش صور مع بعض خالص

أجابها وهو مُبتسمًا لها :-
– اه هعملك حتة ألبوم صور فى فرحنا

نكزته فى ذراعه وقالت بأغتياظ من سوء فهمه :-
– هات تلفونك ياعمر هنصور كتير سوا .. عشان لما أخرج من العمليات أتفرج عليهم وأقول إن لحظة الخوف عدت

أبتسم وهو ينظر لها وهى لا تعلم بأنه يفهمها أكثر من نفسها قبل أن تتحدث فهى تريد أن تترك له ذكرى منها بصورهم معاً .. وحين تغادر روحها جسدها غدا يستطيع أن يراها من خلال تلك الصور .. ولكنه أستسلام لرغباتها .. تصوروا كثير معاً وأخرهم كانت صورة مزدوجة الاولى هى تضع قبلة على خده والثانية هو يضع قبلة على جبينتها بلطف ….

جاء “حسن” لها ومعه زى العمليات ووجدها تشاكس “عمر” وتضحك على تلك الصور بسعادة … أردف قائلاً :-
– نور .. متأكلش تانى صومي

أستدارت برأسها له ورأت زى العمليات فى يديه قالت بهدوء وأبتسامتها تتلاشي :-
– حاضر .. ده عشانى

أعطاه لـ “عمر” ويهتف بهدوء قائلاً :-
– اه .. متلبسهوش غير لما أجيلك الصبح

  • حاضر
    قالتها بلهجة ضغيفة واهنة ،، خرج “حسن” وتاركها فهو لا يستطيع أن يقاوم دموعه أمامها لذلك يهرب منها دائما ً ، يحسد “عمر” على صلابة قلبه أمامها ولكنه يجب أن يكون هكذا من أجل حبه حتى لا تضعف هى ،، علم بأنها بالفعل لم تستطيع إجراء الجراحة بدون وجود “عمر” بجوارها يساندها …

أخرج “عمر” من جيبه شيكولاتة وأعطاها لها فقالت بطفولية :-
– شيكولاتة

بعثر شعرها بحنان وقال مازحاً لها بلهجة عفوية:-
– شايلها عشان تأكليها قبل ما تصومى .. كليها ونامي شوية
جعلها عمر تنام بضع ساعات .. جاء الممرض صباحاً واخبرها بأن تتجهز للجراحة

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

تجلس “نور” صباحاً فى غرفتها فى المستشفى فوق السرير تمسك فى يديه بخوف وهى ترتدى ملابس العملية ، يشعر بيديها ترتجف فى يديه فهتف “عمر” وهو يضغط ب قبضته على يديها :-
-متخافيش يانور انا معاكي

دخلت الممرضة إلى غرفتها بالسرير المتحرك من أجل أخذها منه فبدأت تبكي بخوف وقالت بهلع وخوف :-
– لاااااا عمر تعال معايا متسبنيش

دخل “حسن” عليهم وهو يرتدي زى العمليات ، رأها وهى تبكي وتتشبث بـــ “عمر” ، أردف بهدوء قائلاً :-
– متخافيش يانور انا داخل معاكي

قالت وهى تمسك فى ذراع “عمر” بقوة :-
– خلى عمر يجي معايا

ردت “تالا” عليها وهى تربت على كتفها هاتفة :-
– مينفعش يانور انتى دكتورة وعارفة أن محدش بيدخل العمليات

تذمرت عليهم وهى ترفض دخول العمليات بدونه ، قالت “حنين” بهدوء مطمئنة لها :-
– خلاص ياحسن حاول تدخله معاها

أشار “حسن” للممرضة بالموافقة وهو يقول :-
– خلاص ماشي

جلست على السرير المتحرك وهى تتشبث بيديه وأخذوها إلى غرفة العمليات، تدخل لغرفة العمليات وهى ترتجف
همس “عمر” فى اذنها بحنان وصوت دافئ يطمئن قلبها :-
– متخافيش يانور أنا هستناكي

قالت بخوف ووجه شاحب اللون :-
– عمر متمشيش

أبتسم لها وهو يضع يده على رأسها بحنان وينظر لعيناها ، أردف قائلاً :-
– مش هتحرك هتخرج تلاقينى جنبك .. أوعى تسيبنى يانور .. أرجعيلى أنا هستناكي

نامت على السرير داخل غرفة العمليات وتضع الغطاء على جسدها وهى تمسك فى يده بقوة ونظرها عليه وتنادي عليه :-
– عمر

أجابها وهو يتمالك أعصابه ويسيطر على دموعه حتى لا تسقط أمامها :-
– نعم

أقترب منها دكتور التخدير وأعطها حقنة البنج فى الكانولا المعلق في كفها ، قالت وهى بدأت تشعر بدوران من البنج وتأثيره :-
– بحبك

أغمضت عيناها بأستسلام للنوم ،يجثي على ركبته بجوارها ويقبل كف يدها الماسكة بيده وتسقط دموعه المحبوسة فى عيونه منذ أمس ، شعر بيد حسن على كتفه وهو يقول :-
– يلا ياعمر عشان نبدأ

همس بخوف من أن يفقدها فى هذه الغرفة ولا تعود له :-
-وانا بحبك

أبعد يدها عنه ويتركها فى هذه الغرفة المخيفة وحدها، ويخرج ينتظر فى الخارج وهو يبكي ، بجواره أمه و”تالا” وأتى “منصور” ، يجلس يشاهد صورهم معاً وتتساقط دموعه فحين تركها ترك معاها صلابته وقوته وأصبح هش ضعيف بدونها … والوقت يمر عليه ببطئ ينهش القلق فى قلبه كلما فتح الباب يفزع ويقف ولا يجدها ويعود إلى مجلسه بخيبة أمل
مر ٤ ساعات وهى بالداخل ويزيد القلق فى قلبه وهو يجلس ويتذكر كل شئ منذ أن رآها لأول مرة منذ ١٢ عام حتى أن تركها فى غرفة العمليات .. تذكر أبتسامتها ومشاكستها.. شقاوتها وروحها الخفيف .. دلالتها وبراءتها .. تذكر بكاءها …

يتـــــــبــــع ……

error: