رواية ملاذي الاخير للكاتبة نورا عبد العزيز
••الفصـــل الخــامس (5) بعنـــوان “علــى وشــــك المـــوت “••
رمقهما بنظره بصمت وقلبه ينقض بقوة لأشتياقه وأغتياظه منها مشاعر مختلطة سيطرت عليه بتلك اللحظة حينما نظر لعيناها ..
أردف “حسن” بلهجة جدية :-
– ممكن نتكلم شوية
أجابه عليه بضيق وهو يكز على أسنانه غير مصدق بأنه يراها وفى يد أخر تتشبث بأيادى أخري غيره قائلاً :-
– أتفضلوا
دلفوا للصالون ثم جلسوا معاً وكان الصمت سيد المكان فقط نظرات متطايرة بينهم هى تتأمله بأشتياق وحنين ممزوجة بنظرة عتاب لما فعله بقلبها أما هو ينظر لها بغضب مكتوم ممزوج بحنين الأشتياق لها مشاعر مختلطة بداخله ،، أردف “حسن” قائلاً :-
– طبعا أولا البقاء لله
أجابه بضعفوهو ينظر لها :-
– ونعم بالله
كاد “حسن” أن يتحدث ولكن يستوقفه صوتها المنبوح بنبرة خائفة يظهر بها ضعفها و خوفها قائلة :-
– أنا أسفة
نظر “حسن” لها بدهشة فهو جاء بها بعد أن أخبرته بأنها لم تتحدث فما حدث أخبرته أنها أشتاقت له وتريد رؤيته فقط
أجاب عليها بغضب بينما يغلق قبضته يسيطر على غضبه :-
– أسفة على أية ، على أنك قتلتيها
لتبدأ فى البكاء بطريقة هستيرية وبدأ قلبها فى نزع قناع القوة الذي تحلت به ثم هتفت قائلة وهى ترتجف :-
– والله ما كنت أقصد ولا شوفتها معرفش طلعتلى منين
وقف صارخاً بها بعصبية وغضب :-
– أنتى .. ليه ليه عملتى كدة أنتى فاكرة أنى ممكن أصدقك مشفوتهاش ليه كانت شفاف قدامك
جهشت فى البكاء بخوف من عصبيته .. فأجاب “حسن” عليه بأنفعال :-
– براحة يا أستاذ عمر نور مقصدتش اللى حصل دى حادثة ممكن أى حد يتعرض ليها
- مقصدتش المفروض هى اللى تموت مش ملك هى اللى تموت
قالها صارخاً بها بدون وعى بأنه يتمنى الموت لحبيبته بنفسه فأجابت عليه بضعف وهى ترفع نظرها له غير مصدقة بأنه حقاً تمنى موتها ويريده .. هى لا تريد سواه وهو يتمنى موتها .. أي قلب يملك هو يقسي عليها فى حين هى تشتاق له وتريده :- - حاضر هموت حاضر
هتف “حسن” بغضب وفزع عليها من تلك الكلمات التى قد تصيب قلب “عمر” بالموت إذا حدثت حقاً :-
– بعد الشر عليكى، أنت بتقول أيه راعي كلامك وأننا فى بيتك
صاح بها بأغتياظ منها بدون إرادته :-
– أنا هسجنك يانور هسجنك
فاض “حسن” من صياحه وانفعاله عليها الذي يجرح قلبها أكثر فقال بتحدي :-
– اللى تعرف تعمله أعمله قومي يانور
وقفت معه وهى تبكي بشدة وترتجف ثم رمقته بنظرة خذلان وعتاب ممزوج بوجع لن تستطيع تحمله وتحركت مع “حسن” مُتجهة نحو الباب وهو ينظر عليها وهى ترحل قلبها يؤلمها وكأنه حقاً توقف عن النبض بعد أن تمنى حبيبه له الموت ، فلم تشعر بذاتها وقدمها سوى وهى تسقط بجسدها على الأرض مغمى عليها فيفزع حسن وينحنى لها بينما ينقبض ذلك القلب العاشق لها ويسرع لها ويردف “حسن” بذعر :-
– نور نور ردى عليا ..نور متخافيش والله محدش هيأذيكي طول ما أنا عايش
نادي عليها بلهفة قلب غارق في عشقها تسكنه منذ زمن وأمتلئ ب حبها حتى أمتلكته :-
– نور نور خلاص مش هسجنك والله يانور
حملها “حسن” على ذراعيه وركض بها للخارج وهو معاهم ،وصل بها للمستشفي فتستقبله الممرضة بسرير متحرك يضع جسدها عليه و”عمر” يمسك يديها بخوف يعلم أن تلك الطفلة لم تتحمل المرض كعادتها منذ صغارها ،
توقفه الممرضة بالخارج يقف ينتظر بصبر قابل على النافذ فهو ينتظرها منذ عمر طويل مر بيه للحظة شعر بأنه يكاد يفقدها هى الأخري وبعد ساعة خرج “حسن” من غرفتها
ليسرع له بلهفة وخوف عليها يسأله عنها :-
– حصل ايه نور مالها
أشار “حسن” للممرضة بأن تذهب وأردف بهدوء قائلاً :-
– ممكن نتكلم شوية فى مكتبي
أجابه بهدوء وشك من الأمر قائلاً :-
– ماشي
ذهب مع “حسن” للمكتب وجلس معه فسأله :-
– ها فى ايه
صمت لوهلة واحدة وأزدرد لعابه ثم ألقي بقنبلة مُميتة فى وجه حينما قال :-
– بأختصار نور عندها تشوه فى القلب
نظر له بصمت وهو فوهل صدمته فشعر بخنجر طعن في قلبه حتى أعماقه فهو من تمنى لها الموت منذ لحظات والآن هى تريد ذلك الموت وتسير فى طريقه وحده .. قلبه لعن لسانه الذي تمنى الموت لمحبوبته فقال بتلعثم :-
– أنت قولت ايه
أردف “حسن” بهدوء بينما يخرج من أحد الأدراج ملف قائلاً :-
– نور عندها القلب، ومحتاجة لجراحة بس هى رافضة
فسأله بأستغراب من رفضها :-
– ليه
تنهد بضيق ثم قال :-
-نور دكتورة قلب فتحت قلوب كتير وعارفة هيحصل ايه فى قلبها الخوف مسيطر عليها .. عارفة كويس أووى أن عشان نصنع الشريان الاورطي هنوقف جهاز القلب الرئوى عن ضخ الدم مؤقت ولازم عشان نخرج بيها حية من العمليات نحافظ على درجة حرارة جسمها فى نطاق معين ونصنع الشريان فى مدة ٤٥ دقيقة وإلا القلب هيوقف تماماً
فصاح به بغضب وعصبية وهو يقف قائلاً :-
– وسيبها لما تموت وتعملها العملية ، فين طنط زيزي أنا لازم أكلمها
- الله يرحمها
قالها “حسن” فوضع يديه على وجهه بضيق ثم يبعدها بزفر وقال :-
-أنا عايز أشوف نور
وقف “حسن” من مقعده وقال بترجي :-
– أنا ليا طلب عندك رجاء بلاش موضوع الحادثة نور حالتها الصحية مدهورة من غير حاجة أي ضغط ممكن يأثر بالسلب على قلبها أنت شوفت بنفسك مجرد أنك قولت هتسجنها حصل ايه رجاء
فأجاب عليه بخوف من فقدانها :-
– متقلقش
خرج من مكتب “حسن” متجه نحو غرفتها مباشرة ودخل فيراها وهى نائمة على فراش المرض ومعلق فى كفها الصغير كانولا محلول طبي ،جلس على المقعد بتعب بجانبها أمس ودع زوجته ورحلت والأن دور حبيبته ،يتأملها وهى نائمة كالملاك الصغير وشعرها مسدول بجانبها على الوسادة ثم ينحنى للأمام بهدوء وهو يمسك يدها بيديه الباردة ،مازالت يدها دافئة كعادتها تذيب برودة يديه ويري سلسلتها معلقة فى عنقها فقرب يديه ويمسكها بحنان ،تخرج من بين شفتيه بسمة ضعيفة
يتذكر حين أخبرته لأول مرة أنها تحبه ….
..........*
تخرج “نور” مع أصدقائها من سنتر تعليمي بعد أن أنهت درسها فتراه يقف هناك يسند ظهره على أحدي السيارات المصفوفة على جوانب الشارع فتستأذن من صديقاتها وتتجه نحوه ، يبتسم لها وهو يعتدل فى وقفته حتى تصل أمامه
أردفت بسعادة قائلة :-
– بتعمل ايه هنا
يجيب عليها وهو ينظر لها بحب :-
– أصل طنط زيزي مشغولة فقولت أتكرم وأجي أخدك أنا
نظرت له بتذمر وضيق طفولي :-
– تتكرم وتعبت نفسك ليه أنا أعرف أروح لوحدي
تركه وذهبت غاضبة منه ليركض خلفها وهو يبتسم على طفولتها الراقية وعفويتها التى يعشقها من تلك الأميرة المدللة على قلبه ..
أسرع خلفها ليلحق بها وهى تمشي بغضب كاتمة غضبها منه فتشعر بيده تحتضن كفها الصغير ،فنظرت على يديهم المتشابكة وتبسمت بدلال بينما قلبها يدق بسرعة جنونية له ثم ترفع نظرها له فتستقبل تلك النظرة العاشقة صادرة من عيناه كالسهم يعرف طريقه لقلبها
أردف بهدوء وهو ينظر للأمام قائلاً :-
– أنا عارف أنك مبتعرفيش تروحي لوحدك
تجيب بتأكيد وأصرار طفولى ملحوظ :-
– بعرف والله
أجاب عليها بغضب مُتذمراً :-
– أبقي قولى للأستاذ يغير المعاد ده الوقت متأخر
قالت برفق وهدوء :-
– ماما بتجي تأخدنى
رمقها بنظرة حادة ثم قال :-
– سمعتى
- حاضر
قالتها بينما تنظر للأسفل بحزن من عصبيته عليها ،توقف عن المشي ثم أخرج وردة حمراء من جيبه وقدمها له
فأبتسمت أبتسامة جميلة كأول ورقة شجرة تتساقط فى فصل الخريف وقالت بذهول وسعادة تسكن عيناها :- - دى عشانى
هتف بحنان وهو ينظر بعيناها قائلاً :-
– اه عجبتنى وأنا جاي جبتهالك
أردفت بخجل وهى تأخذها منه :-
– شكرآ
- ده اللى قدرك ربنا عليه
قالها بأستياء فصمتت وهى تنظر للوردة ويديهم المتشابكة وتلك الأبتسامة لم تفارق شفتيها ، وقف وهو يمسك يدها بحب وينظر على الطريق لكى يعبر بها من خلال السيارات وكاد أن يعبر بها ، وأستوقفه صوتها الرقيق بدفئه وتلك اللهجة المليئة بالحب والحنان حينما قالت بدلالية :- - أنا بحبك
نظر لها بدهشة وهى تتحاشي النظر لعيونه بخجل وتوردت وجنتيها بلون الدم وحرارة جسدها تزداد
أردف بهدوء مُبتسماً لها :-
– تانى
أردفت بصوت شبه مسموع من خجلها وأرتباكها من ما نطق لسانها به قائلة :-
– ممكن تروحنى
قهقه من الضحك على خجلها وقال :-
– هههههه ما أحنا مروحين أهو يافراولتى
عبر الطريق بها وهو يبتسم عليها وقلبه يدق لها
...........
سقطت تلك الدمعة منه وهو ينظر عليها بينما هى نائمة على سرير المرض ويملك يدها بين يديه بحنان ، دخل “حسن” عليه الغرفة يراه وهو يمسح دمعته الهاربة منه فقال بهدوء :-
– أجمد أومال عشانها قبل ما يكون عشانك
سأله وهو ينظر عليها :-
– هى لو عملت العملية هتخف صح
أشار إليه بنعم ثم قال :-
– اه بس مين يقنعها
مسح على رأسها بحنان ثم قال بصوت مبحوح :-
– أنا
- ياريت يبقى كتر خيرك
قالها ببسمة ولم يبعد نظره عنهما فأى قدر هذا فرقهم ١٢ عام والأن يجمعهما بطريقة مؤلمة ومستقبل مهدد بالدمار .. ألم يكتفي القدر من عذاب قلوبهم طوال هذه السنوات الماضية..
فقال “حسن” وهو يمد يديه إلى “عمر” بهاتفها :-
-تلفونها
تركه له على الكمودينو ثم خرج “حسن” ويتركه يمسك هاتفها ويحاول مرة وأخري ففتح كلمة السر ولم يستطيع ويضعه بجانبه ويتذكر تاريخ عيد ميلاده فحاول يفتح الهاتف مُجدداً ويكتب تاريخ مولده وفتح ،منذ صغرها وهى لم تغير كلمة السر ، ظل يقلب فى هاتفها وصورها وأبتسامتها وجمال ملامحها ، يبتسم بخفة عليها فليس من السهل أن ينساها فكل شئ بيها لم يخضع للنسيان ضحكتها وعيناها ، شفتياها ورقتها وحركاتها ومشيتها ، نظراتها له كل شئ بها لم يقبل الخضوع للنسيان يقاومه بكل ما اتوه من قوة ، فهي أنثي أستثنائية وكل شئ أستثنائي لا يمحو بسهولة
فتحت “نور” عيونها بتعب فى منتصف الليل وهى تسمع تلك الأغنية ( بكتب اسمك ياحبيبي – فيروز ) تسمعها وسط هدوء الغرفة ، تنظر حولها تراه يقف هناك أمام النافذة ينظر من خلف الزجاج على الشارع ويضم يديه لصدره لم يتغير كثيرآ عن الماضي ، أصبح رجولي أكثر ظهرت لحيته القصيرة
يسمع صوتها وهي تمطى جسدها بكسل وتعب ، يدير جسده لها لكى تتقابل عيناهما فى صمت وبداخل كلا منهما مشاعر مختلطة ، هو يصارع قلبه الذي يضعف لحبه وخوفه علي حبيبته من مرضها وعقله الذي يراها قاتلة لزوجته رغم كونها حبيبته ، وهى تصارع عقلها الذي يرفض كونه تزوج غيرها وهى هنا تنتظره وقلبها المشتاق له رغم مرضه وأنتهاكه من ألم الأشتياق والحنين له .
أقترب منها وهو يتأمل صمتها ثم سحب الكرسي للخلف وجلس عليه وهو يردف لها بهدوء تام :-
– حمد الله على سلامتك
رمقته بنظرة حادة ثم قالت بنبرة جافة :-
– الله يسلمك أنت بتعمل ايه هنا
هتف بهدوء وهو يمسك يدها بين كفيه قائلاً :-
– عايزنى أسيبك وأنتى تعبانة
جذبت يدها بقسوة من قبضته وقالت :-
– ده على أساس أنه يهمك
نظر ليده الفارغة بعد أن جذبت يدها منها وقال بسخرية :-
– أومال يانور ده أحنا بينا عشرة
نظرت له بصمت وقلبها يؤلمها أهذا كل ما بينهم مجرد عشرة وأين ذهب حبهم ؟؟ اهو تناسي حبها مع زواجه لغيرها فألتزمت الصمت فسألها :-
– مالك
أجابته وهى تدير رأسها للجهة الآخري بتهكم من حديثه :-
– مفيش شكراً لتعبك وأسفة أنى عطلتك
شعرت بدمعة تلوث عيناها فحاولت الهروب من أمام قبل أن يري دموعها مُجدداً حيث كادت أن تنزع الكانولا المعلق ب يدها ، نظرت له بدهشة حين مسك يدها لكى يمنعها من أنتزاعه قائلاً :-
– بتعملى ايه
قالت بنبرة قاسية جادة :-
– ممكن تسيب أيدي
فصاح بها بحدة وقسوة ناظراً لها بتحذير :-
– نور
أجابته بتحدي وقسوة :-
– نعم
سألها بحنان. ممزوج بشفقة عليها :-
– أنتى لسه عنيدة زى ما أنتي
أردفت بضجر وضيق منه قائلة :-
– اه ممكن تسيب أيدي بقي
ولجت الممرضة عليهما بعد أن استأذنت ثم قالت لها :-
– ممكن تناديلى دكتور حسن
أشارت إليها بنعم بينما تقول :-
– حاضر ، بس ده معاد الدواء
رمقتها بنظر حادة فخرجت الممرضة وأرسلت حسن لها ثم قال بمرح :-
– القمر نور المستشفي ، كده نايمة من الصبح
قالت بضيق وهى تنظر له :-
– حسن ممكن أتكلم معاك شوية
نظر لـ “عمر” بصمت ويشير لها بنعم فقال :-
– ممكن تسيبنا لوحدنا شوية
هتف “عمر” عليها بأحراج :-
– حاضر
رمقها بنظره ثم خرج من الغرفة ، تطلع حسن لها وهو يحاول أن يفهم صمتها من تعابير وجهها فسألته ببرود شديد قائلة :-
– هو عرف أنا عارفة ، بس عرف لحد فين ياحسن
تنحنح بأرتباك منها ثم قال :-
– كل حاجة
- قولتله ليه عشان يشفق عليا يا حسن و ميسجنيش
قالتها بأغتياظ منه ،، فقال بحنان :- - لا يانور عشان أنتى عيشتي تدوري عليه ، عشان بتحبه
صرخت بيه بغضب وألم قائلة :-
– هو مبيحبنيش ياحسن مبيحبنيش ، أنت كده بتجبره عليا ، أنت فاكر أنى ممكن أقبل به فى حياتى بعد ما أتجوز غيري ، أنا عندي كرامة وقلب بيحس ، لا يمكن أقبل بواحد خرج من حياتى ، اللى يخرج من حياتى ميرجعهاش غير بأذني ، أنا مش لعبة عنده يرميها وقت ما يحب ويرجع لها وقت ما يحب
سمعت صوته الدافيء بنبرة حزينة مؤلمة بعد أن دخل على صوتها وصراخها يقول :-
– لا يانور أنتي مش لعبة
نزعت الكانولا من كفها بغضب ومهارة ثم أتجهت نحو الباب فمسكها من معصمها وتقابلت عينهما بنظرة عتاب وغضب ونزعت ذراعها منه ثم خرجت من الغرفة غاضبة منه ومن “حسن” صديقها وسندها فى هذه الحياة ..
أقترب “حسن ” منه وقال بعجز :-
– نور صعبة ياعمر و ده سبب من الأسباب اللى مخلينى مش عارف أقنعها بالعملية
نظر له بحزن وقلب موجوع خائف من الغد عليها وقال :-
– بس ربنا بيبعت الداء ومعه الدواء ومقالش اللى يتعب يموت مادام فى دواء وعلاج
أربت على كتفه بحنان وقال :-
– نور عنيدة وعصبية عموماً وبالأخص فى الموضوع ده
صاح بأنفعال به قائلاً :-
– أنا هقنعها حتى لو أضطرت أدخلها أوضة العلميات غصب
أشار “حسن” له بلا وقال بأسف :-
– باللى حصل دلوقتى تدخلك فى الموضوع هيصعبه مش هيحله
تركه “عمر” وخرج وهو لديه هدف واحد وأصرار قوية وهو أن ينقذ حبيبته من الموت
و أن كانت هى عنيدة ومتمردة فهو أعند منها مادام لديه هدف ، وأصراره وثقته بربه أولاً ثم بنفسه ، هى تتمسك بعنادها وكبرياءها وهو لا يعرف طريق الخسارة والتنازل عن هدفه ..
دخلت “نور” مكتبها وجلست على كرسيها عائدة برأسها بألم قلبها إلى الخلف لكى تستريح قليلاً وهى تفكر فى حاضرها ومستقبلها تشعر بأختناق داخل صدرها بين ضلوعها من كثرة التفكير تقف وهى ترتدي البلطو الأبيض وتخرج لكى تمر على المرضي هاربة من تفكيرها قد ينشغل عقلها عن التفكير ولكن قلبها لا
دخلت غرفة مريضة سيدة فالسبعينات من عمرها “لطيفة” فقالت باسمة رغم مرضها :-
– أزيك يابنتى
أجابتها بسعادة مزيفة :-
– بخير وحضرتك
أجابتها بصعوبة فى تنفسها :-
– نحمد الله على كل حال
أجابت “نور” عليها وهى تقيس نبضها :-
– ربنا يشفيكي أن شاء الله
سألتها بينما ترمقها بنظرها :-
– هى العملية أتحددت ولا لسه
أربتت “نور” على يدها برفق وقالت باسمة :-
– هسأل فى الأستعلامات وأقولك
لاحظت ” لطيفة ” حزنها الظاهر فى ملامحها المنهكة فى أرهاقها الملحوظ فسألتها :-
– مالك يابنتى
هتفت بتهكم قائلة :-
– سلامتك انا كويسة
حاولت “لطيفة ” الجلوس فساعدتها وقالت لها :-
– شكلك مهمومة أوي
جلست “نور” بجوارها ثم قالت :-
– الهم مكتوب علينا من وأحنا فى اللفة
ضضحكت “لطيفة” بخفوت ثم قالت:-
– كلنا يابنتى حياتنا صعبة ومليانة مشاكل وهم .. بس الفرق أنك بتلاقي واحد بسب ويسخط لدنيا وواحد تانى بيقول الحمد لله بكرة تفرج وربنا قال “سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ العُسْرٍ يُسْرًا ”
تبسمت لها بهدوء ثم قالت :-
– عارفة أنا بحب أتكلم معاكي أوووى وبحب نصحيتك بترياح قلبي وبتشيل من عليه الغمام والغبار ، بتدينى أملآ فى بكرة رغم أن بكرة نفسه مش مضمون
جلست تحكي لها عن ظهور “عمر” فى حياتها مرة أخرى
.............
أستيقظت “نور” صباحاً على صوت أمها تناديها فخرجت من غرفتها وهى تمطي جسدها بكسل وتذمر طفولي ، ووجدت “حنين” تجلس مع أمها فقالت :-
– صباح الخير
نظرت “زيزى” لها ثم قالت باسمة :-
– صباح النور ياحبيبتى .. تعالى سلمي على طنط حنين
جلست بجوارها ثم قالت بسعادة :-
– أزيك ياطنط أومال عمر فين
نظرت “حنين” للأرض بحزن وقلق على أبنها الذي خرج ولا تعلم أين ذهب وهتفت مُتمتمة :-
– خرج يانور متعصب معرفش راح فين
سألتها بأستغراب وهى تفيق جيداً من نومها :-
– متعصب ليه على الصبح
فأردفت “زيزى” بضيق قائلة :-
– أصل طنط حنين وعمر هيمشوا
نظرت لهما بدهشة وصدمة وسألت بهدوء وهى لا تفهم شيء قائلة :-
-يمشوا فين
همهمت “حنين” لها بضيق قائلة :-
– خال عمر رجع من السفر وهيرجعوا أسكندرية
وقفت من مكانها بصدمة وقعت على قلبها الصغير أوقفت نبضه وصاحت بهما :-
– هيرجعوا فين !!
ركضت إلى غرفتها وهى تبكي تبحث عن هاتفها لكى تتحدث معه وهى تبكي تتصل مرة وآخري ولم يجيب عليها ، أرسلت له رسالة ( عمر أنت فين ؟؟ عمر أنت هتمشي وتسبني بجد؟؟ عمر أرجوك رد عليا ؟؟)
لم يجيب عليها ولا يرسل لها أي شئ ، ظلت تنتظره أن يعود للمنزل وهى تبكي بصمت
يعود عمر للمنزل مساءاً وهو غاضباً رافض الرحيل بعيداً عن حبيبته الصغيرة فرأها تنتظره على باب شقتها وعيناها حمراء من شدة البكاء ودموعها تذرف بصمت ،، عاقدة ذراعيها أمام صدرها ومُتكية على الباب مُرتجفة .. أردف بضيق وغيرة قائلاً :-
– واقفة كدة ليه يانور واللى طالع ونازل يتفرج عليكى
همهمت بصوت باكي وهى تنظر لعيونه :-
– عمر أنت هتمشي وتسبني
خرجت منه تنهيدة قوية من بين صدره تحمل ألمه ثم قال بصوت مبحوح :-
– غصب عني يانور
أطلاق ذراعيها للأسفل بذهول وأتسعت عيناها على مصراعيها وقال بصدمة :-
– يعنى هتمشي
أقترب خطوة منها ثم أخذ يدها بحنان بين كفيه ونظر لعيناها بحب :-
– هرجعلك تانى يانور أنا مضطر بس عشان أمي وعلاجها فى أسكندرية ، بس هرجعلك وعد ياحبيبتى
نظرت لعينيوه جهشت فى البكاء ثم قالت بتلعثم وسط صوت شهقاتها :-
– عمر أنا والله بحبك مقدرش أعيش من غيرك متسبنيش
أربت على يدها بين كفه وهو يمسح دموعها بسبابته وهو يتحاشي النظر لعيناها من ألمه :-
– مش هسيبك يانور هرجعلك أنتى روحي اللى لو غابت عنى أموت هرجع والله
أردفت بصوت باكية ودموعها تسيل مرة أخري بقوة كالفيضان وهى تشق طريقها إلى خديها قائلة :-
– وأنا هستناك ياعمر والله هستناك لأخر يوم فى عمري
كان ذلك أخر لقاء لهم فقد تعمد الهروب منها ومن دموعها حين ذهبت لمدرستها ، لم تراه منذ ذلك الوقت حتى الآن وهى تبقي على وعدها له فالأنتظار أضاعت سنوات فى الأنتظار حتى أصبحت تشعر بمرور الوقت أضعاف مضاعفة من معدله الأساسي
شعرت بيد “لطيفة” على رأسها فوق شعرها تمسح على رأسها بحنان وتقول :-
– متزعليش يابنتى أنتى متعرفيش الخير فين ولا هيجي منين ..متعرفيش بكرة هيحصل أية
هتفت بصوت مبحوح وهى تضع يدها فوق قلبها قائلة :-
– عارفة اية اللى صعب بجد ، أن بعد كل ده أنا لسه بحبه ولسه فى قلب هنا عاشق له وبيشتاق له بوجع وصمت
تبسمت لها بلطف ثم قالت :-
– اللى بيحب مبيكرهش يابنتى ، وخصوصا لو اللى بيحب زيك كده بيحب بجد بعمق من جوا قلبه بيحب بالقوي .. قلب قدر يحارب كلام الناس بسبب تأخيرك فى الجواز… قلب قد يصارع الزمن وأنتظر السنين دى كلها وهو مش واثق أن اللى بيحبه هيرجع أو لا
دق الباب فمسحت “نور” دموعها بأناملها وهى تأذن بالدخول فولجت أحدي الممرضات وقالت :-
– دكتور حسن عايز حضرتك
- ماشي .. عن أذنك
وقفت معاها وخرجت مع الممرضة ثم دلفت إلى مكتبه وقالت :- - طلبتنى
هتف بينما ينظر فى أحدي الإشاعات قائلة :-
– اه دى أشعة مريضة دخلت المستشفى من أمبارح
أخذت منه الأشعة وذهبت إلى غرفة المريضة وترسم بسمة مزيفة لمرضاها لكى تخفف من ألمهم و تعطيها الممرضة تحاليل وأشعة المريضة
نظرت بدقة فى الأشعة وهى تري شريان مسدود فى القلب هتفت بنبرة هادئة قائلة :-
– عندها شريان مسدود فى القلب محتاجه تغيره بس مينفعش دلوقتى عشان حامل فى نص السابع
أقترب منها وضعت السماعة الطبية فوق صدرها وتغمض عيونها وتسمع دقات قلبها فأمرتهم بأجراء أشعة جديد فى الوقت الحالى وبعد قليل جاءت الممرضة لها بالأشعة وتراها فهى كانت تعلم بأن ذلك الشريان المسدود بدأ ينزف بداخل القلب ..
أردفت “نور” بأستعجال يدل على خطورة الحالة وهى تقف من كرسيها قائلة :- خليهم يجهزوا اوضة العمليات
ردت عليها الممرضة بقصد تذكرها بحمل المريضة :-
– أيوة بس
بترت حديثها عندما رمقتها “نور” بحده وهى تهتف بقسوة الى حد ما تشير إلى خطورة الموقف وقد تفقد المريضة والجنين وهى تقول :-
– سمعتِ أنا قولت ايه
أجابتها الممرضة وهى تنظر للأرض بأحراج :-
– حاضر
ذهبت نحو غرفة العمليات بعد أن غيرت ملابسها للزى الرسمي للجراحات، يوقفها صوت زوج المريضة وهو يقول لها بخوف وقلق على زوجته وأطفاله :-
– لو سمحتى خلى بالك منها ومن ولادى
أشارت له بالموافقة مع أبتسامة صافية من أجل أن تطمئنه قليل وتزيح القليل من خوفه عنه ولم تكن لم بأن هناك من يراقبها و يراها “عمر ” وهى تدخل إلى غرفة العمليات مع ممرض وجراح مساعد أخر ، أبتسم بفخر بطفلته ولما وصلت له ،، وقف يتأملها وهى تدخل للعمليات بثقه وتربط رابطة شعرها وعليه طاقية طبية تخفيه وتقف تعقم يديها وتدخل للعمليات ، تساعدها الممرضة فى أرتدى الروب الازرق مفتوح من الخلف فوق ملابسها ،تلف وهى تعطيهم ظهرها وترفع يديها قليلاً للأعلى ،تربط رابطه لها وتجعلها ترتدى الجوندى الابيض وتذهب لتقف مكانها المحدد لتبدأ أجراء الجراحة ، أردف لها دكتور التخدير قائلاً :-
– حضرتك تقدري تبدأى
مدت يدها وهى تفتح كفها للممرضة الواقفة بجانبها وتقول :-
– مشرط
تعطيه لها وتبدا بشق الصدر دون خروج دماء بمهارة، يقف “عمر” بجانب حسن فى الخارج ينظروا عليها من خلف الزجاج
أردف حسن وهو يربت على كتفه وهو يأكد له بأنه فى مهمة صعبة ولن تستسلم هذه الطبيبة لمرضها ورغم كونها طبيبة ولكنها لا تستطيع علاج نفسها :-
– عرفت ليه رافضة العملية لأنها أكتر حد عارف بيحصل أيه فى عملية زى دى
نظر إلى “حسن” ثم يعود بنظره لها وهو يفكر فما قادم له ويجب أقنعها ويعالجها لتبقي على قيد الحياة معه ويحققوا أحلامهم معاً التى طالما تمنوها سوا
أنهت جراحتها بعد ساعات طويلة وتبدأ تخيط الحقل المفتوح فى القلب وتصدم بتوقف القلب منها تنظر بصدمة وهى ترفع نظرها إلى دكتور التخدير ، ليهتف لها بقلق وهو ينظر على جهاز القلب قائلاً :-
-المؤشرات الحيوية قلت ودرجة الحرارة 34,8
أردفت نور بهدوء وهي تترك حامل الأبرة من يديها قائلة :-
– جهاز صدمات القلب ، أشحني 50 جول
وتصعق القلب بهدوء وهى تحاول أن تسيطر على توترها ولم ينبض
أعادت جملتها مرة أخرى وهى تمسك جهاز صدمات القلب :-
– مرة كمان
صعقت القلب مرة اخرى وهى تتذكر جملة زوج هذه المريضة وهو يوصيها على زوجته وأطفاله .. يبدأ ينبض مرة اخرى لتعود المؤشرات الحيوية ل طبيعتها..
هتفت “نور” وهى تكمل خياطه لتنهى جراحتها بمهارة قائلة :-
– أطلب دكتور نساء وتوليد
أتصل الممرض وطلب دكتور نساء وتوليد كما أمرت
أردفت له بنرة محذرة وهى تعقد السلك وتنتهى من قفل الحقل :-
-أمسك كويس
أجابها الجراح المساعد بتريكز وهو ينظر للحقل بين يديه :-
-تمام
قصت سلك الخياطة وتنظف الصدر بالشاش الطبي من الدماء وتنهى جراحتها بمهارة فائقة وتترك الجميع لأستكمال عملية الولادة وتخرج بتعب وهى تميل رأسها يمين ويسار وتخلع الجوندى الطبي من كفيها فتراه يقف مع “حسن” ، أغمضت عيناها بضيق وخرجت لكى تطمئن زوج المريضة وترحل من المستشفى تاركاه خلفها وتستقل سيارة التاكسي ، فبعد ما حدث تركت القيادة للأبد حتى لا تقتل أحد مرة أخرى، وعادت إلى منزلها …
يتــــــــــبـــع ….