رواية ملاذي الاخير للكاتبة نورا عبد العزيز
•• الفصــــل الثـــالـــث (3) بعنــوان ” عـودة للمــاضي “••
“” وإلـى أيـن ذهـب عشقنــا بطهـارتـه “”
كانت جالسة تذاكر فى كتبها بملل وتعانق بأصابعها قلم رصاص تشخبط به على الورق ناظرة من لحظة لأخرى على هاتفها فهو عرض رسالتها ولم يجيب عليها بأي شيء ولا كلمة ولا رمز ولا ايموشن لا شئ ،، أغلقت كتابها بغضب وتركت القلم من يدها بعنف ثم ذهبت نحو سربرها وألقت بجسدها فوقه ومن ثم بدأت فى البكاء
يأتى صوت من داخلها نابع من عقلها الذي ينتقد كل شئ يحدثها بقسوة ويلومها :-
– مكنش ينفع تعملى كده تاخدي رقمه وتبعتيله ده مجرد جار
فيأتى صوت ضعيف من قلبها معارض ذلك الصوت القاسي مُدافع :-
– بس مكنش ينفع أزعقله أو حتى أعلى صوتى عليا
فيجيب عليه عقلها بقسوة :-
-ومكنش ينفع هو يزعق هو يخصه ايه اتأخرتي ولا لا
ويتحدث قلبها بحنان :-
-أكيد كان قلقان عليا
ليختفي صوت عقلها وقلبها وهى تبعثر شعرها بيديها الاثنين بضيق من هذان الصوتان وهذا الصراع التى تعيش به منء الصبح … فيستوقفها رنين هاتفها فمسحت دموعها بأناملها وتسرع لمكتبها وتلتقطت الهاتف من عليه متسحة دموعها تريد أن تتوقف عن البكاء … تجد منه رسالة تفتحها وتقرأها (أنا على باب البيت أفتحي)
ركضت للخارج بسرعة البرق وتفتح له .
كان واقف مَتكى علىةالحائط بظهره فيراها وهى تفتح له وعيناها منتفخة من البكاء وأنفها حمراء كالدم
مُرتدية بيجامتها وشعرها الاسود مسدول على ظهرها وأكتافها بنعومته ويحيط وجهها النحيف ليبدو كالقمر وسط سماءه العتمة ،تنظر له بوجه طفولى وهى تميل رأسها ناحية كتفها الأيسر بدلال وبصوت رقيق ناعم يثير فضوله ويتشبث فقلبه قالت :-
– نعم
أقترب منها بهدوء شديد وهو ينظر لعيناها الخضراء وتلك اللمعة الجاذبة له التى تستحوذ على عيناها ،تنظر له بهدوء تام وهو يقترب منها بحنان … فتشعر بيديه تمتلك وجهها بين كفيه الباردين ويقول ب صوته الرجولى الهادئ :-
-متعيطيش تاني
يمسح دموعها بأنامله بحنان ثم يهتل مُجدداً:-
– ورينى كده ضحكتك
أبتسمت له بدلال أبتسامة طفولية تتسرب لقلبه لتعلق به مادام على قيد الحياة وينبض وأردفت قائلة :-
– تعال ادخل
فسألها بشك من هدوء أمها فعادتها تخرج خلف طفلتها دوما :-
– طنط زيزى موجودة ؟؟
أجابته بطفولية مُبتسمة له :-
– لا راحت عند تيتا المستشفي بس زمانها جاية
أبتعد عنها بهدوء ثم قال بجدية :-
– يبقي مينفعش مادام طنط مش موجودة
نظرت له بخجل وأحراج وقالت بهدوء :-
– بس أنا كنت عايزك تذاكرلى تاريخ عشان مش عارفة أذاكره خالص لوحدى وعندى أمتحان الشهر فى المدرسة بكرة
بعثر شعرها بمرح ثم قال :-
– لما طنط تيجي أبقي رني عليا أنزلك
- ماشي هذاكر أنجليزى على ما تيجي
قالتها بأستسلام لرغبته فأبتسم لها بخفة وقال :- - ذاكري كويسة يادكتورة
أعطته أبتسامة ساحرة تظهر غمازاتها له بوجه طفولى وبراءة فى ملامحها لم يراها من قبل فى وجه فتاة وقالت بسعادة على تشجيعه لها وتلقيبه لها بدكتورة :-
– حاضر
رمقها بهدوء ثم هتف بحزم قائلاً :-
– أدخلى يالا وأقفلى الباب كويس ومتفتحيش لحد
- طب أطلع الأول
قالتها باسمة له فعقد حاجبيه بحدة وقسوة ثم أعاد جملته :- - أدخلى وأقفلى الباب
نظرت له بخوف من نظرته الحادة لها وكأنه يأمرها وقالت :-
– حاضر
دلفت للداخل وقبل أن تغلق الباب يستوقفها وهو يضع يده حاجز على الباب .. قالت برقة وهدوء :-
-نعم
أخرج لها شيكولاتة من جيب بنطلونه وقال :-
– خدي كلى دى عشان متزعليش
أبتسمت بفرحة كالطفل الذي حصل على جائزة بعد امتحانه وهتفت قائلة :-
– دي عشانى
بعثر لها شعرها بلطف وقال :-
– أنا عندي كان نور
أخذتها منه مبتسمة وأغلقت الباب كما طلب منها ، يرن هاتفها لتركض إلى غرفتها وتجد رسالة منه وتفتحها وتجد ( أسمعي دى وأنتى بتذاكري ..) ومع رسالته رابط أغنية “مقدرش أنا لعمرو دياب ”
بحثت عن الهاند فري وتضعها فى الهاتف وتجلس فوق سريرها وهى تستمع للأغنية وأبتسامة مرسومة على شفتيها وقلبها ينبض مع كل كلمة فالأغنية ، ظلت تكرر الأغنية حتى عادت أمها من الخارج ولم تذاكر شئ
دخلت عليها “زيزى” وتراها كما هى .. تستمع إلى الأغنية فسألتها :-
– الجميل ماله ؟؟
لم تجيب عليها ، أقتربت “زيزى” وخلعت لها الهاند فري ففزعت من مكانها قائلة :-
– ماما
هتفت “زيزى” بهدوء وهى تضع يدها أمام صدرها قائلة:-
– باقي لى ساعة بنادي والهانم هنا بتسمع أغانى ومبتذاكرش
تنحنح بإحراج ثم قالت :-
– أسفة مسمعتكش يازوزو ، طمنى تيتا عاملة أيه ؟؟
أتجهت نحو مكتبها ثم قالت :-
– كويسة الحمد لله
فسألتها “نور” وهى تقف خلفها :-
– أتحسنت يعنى ؟؟
أستدارت لكى تخرج وهى تجيبها :-
– زى ماهي يانور بس نحمد الله على كل حال
هتفت بهدوء شديد قائلة :-
– ماشي ( تعض على شفتيها السفلى باحراج ) ماما
نظرت لها “زيزى” وهى تقف على الباب فقالت:-
– نعم
- ممكن عمر ينزل يذاكرلي تاريخ
قالتها برجاء فنظرت “زيزى” لها وقالت:- - أشمعنا يعنى
تنحنحت بإحراج وهى تمسك الكتاب وتقول:-
– أصل مش عارفة أذاكره خالص
- ممكن بس تقعدوه فى الصالون قدامي
أشارت إليها بنعم بينما قالت حديثها ،، قفزت فوق السرير بسعادة وهى تقول :- حاضر شكرا يازوزو
وتقبل خد زيزى بسعادة ثم قالت :-
-ممكن أسألك سؤال
تنهدت بملل من كثرة حديث طفلتها الصغيرة :-
– أسالى يانور
فسألتها بهدوء وهى تقف بجوارها :-
– هو ليه مينفعش أن عمر يقعد يذاكرلي هنا على المكتب يعنى ؟؟
أجابت عليها بحنان وهدوء شديد لكى تفهم أبنتها التى مازالت لا تفهم كل شئ فى الحياة :-
– عشان مينفعش يانور أن ولد يقعد مع بنت لوحدهم فى مكان مقفول ، حرام ياحبيبتى
تبسمت بسعادة لذلك هو رفض أن يدخل لبيتها دون أن وجود أمها ،خرجت “زيزى” وأتصلت “نور” به لتسمع صوته عبر هاتفها :-
– ايه يانور
هتفت برقتها لتلمس رقتها وهدوءها قلبه مباشرة قائلة :-
– ماما جت
فسألها يشاكسها :-
– أنتى كلتى الشيكولاتة وعايزة تانى ولا ايه ؟؟
لتتذمر عليه بطفولية :-
– لا والله لسه مكلتهاش
- ياسلام أنتى تأكليها وأجبلك علبة كاملة
قال حديثه بينما يرتدى تيشرته فتبسمت عليه بخجل ثم قالت :- - شكرا ، هتذاكرلي أمتى ؟؟
قهقه من الضحك بصوت لتسمعه ويردف قائلاً :-
– ااااه أنتى متصلة لمصلحتك
غضبت من جملته فقالت بانفعال:-
– مش أنت قولتلى كده
ضحك على أنفعالها ثم قال بعفوية :-
– طيب خلاص هصلى العشاء وأنزلك
تبسمت ثم أردفت بمرح :-
– أوكي أدعيلى معاك متنساش
- حاضر
قالها ثم أغلق معاها الخط وأبتسم بحب عليها فهى لا تعلم بأنها دعوته التى لم ينتهي منها أبداً فى صلاته وأنها طلبه الأول والأخير من ربه .. حدث قلبه عنها وعن جمالها ورقتها.. سأله بماذا يحب بها فقال قلبه بنبرة عاشقة :-
فأنا أحبك بطفولتك ،شقاوتك ، عيناكي، ضحكتك، أبتسامتك ، رائحتك ، مشيتك، رقتك، هدوءك وحنونك ولأنى أحبك ..
سأحافظ على نفسي لأجلك ، سأصلي لأجلنا ، سأحدث الله عنك ، سأدعو الله أن يجعلك خيرا لي
سأذكرك بدعائى كل ليلة وسأتلو آيات القرآن وأهب ثوابها لأجلك ،حينما أشتاق أليكي سأخذ بسجادة صلاتي وفي سجدة طويلة أطلبك وأتمناك من الله وبكل دعوة سأذكركى ولن أنسي أبدا ، سأصلى أستخارتى لله ليجعلكي خيراً لى وسأظل أطلبك من الله حتى تستجب دعواتى ، ومع كل صباح سأحميكي بآيات الله ” ومن شر حاسد إذا حسد ” … فقط لأني أحبك
دق جرس الباب فتركض لكى تفتح له بسعادة وتجد أمها فتحت له فقال :-
– سلام عليكم ، أزيك ياطنط
أجابته وهى تدخله برحب :-
– بخير يا حبيبي أتفضل
سألها بأدب وهو يقف مكانه :-
– نور موجودة
وقبل أن تجيب عليه يراها تقف هناك وترسم له البسمة التى يعشقها ليبتسم لها بخفة ،، قالت “زيزى” وهى تغلق الباب :-
– اتفضل ياعمر نور فى الصالون
أغلقت الباب وأستدارت فرأتها تقف هناك فقالت :-
– أهي واقفة هناك
تزينت بأبتسامة مشرقة وتفيض من عيناها فرحتها و رقة تذيب قلبه ثم هتفت مُستأذنة والدتها :-
– عن أذنك ياماما
- أتفضلوا ياحبايبي
قالتها بينما تجلس على الأريكة ،، يدخلوا للصالون و بحركة لا إرادية غير مقصودة تكاد “نور” تغلق الباب ليستوقفها صوته القوي يقول :- - يابت سيبي الباب
تذكرت حديث أمها وتركته مفتوح ثم ذهبت تجلس بجانبه على الأريكة وتنظر إليه فيهمس لها بهدوء وهو يرسم أبتسامته :-
– كلتى الشيكولاتة
- لسه يا عمر
قالتها بتذمر عليه فهتف بمرح وهو يمزح معاها ليشاكسها :- - كويس كنت عايز منها حتة بقى
أثار غضبها الطفولى فقالت له بضيق :-
– نعم أنت جيبها وأنت باصصلى فيها
نظر نحوها يتأمل ملامحها عندما تغضب وتعقد حاجبيها ليشبه رقم ٨٨ وأردف قائلاً :-
– كل ده عشان بقولك عايز حتة
أخرجتها “نور” من جيبها بغضب لتعطيها له بعنف وتقول :-
– أتفضل اهي كُلها كلها مش حتة بس
قهقه من الضحك عليها .. حاول أن يسيطر على ضحكاتهم ولكن لا يستطيع فقال وهو يفتح كتابها :-
– شكلك حلو اوي وأنتى متعصبة أول مرة أشوف عصبية بالرقة دى
خجلت من حديثه ونظرت للأسفل فتتورد خدودها وزادت حرارة جسدها بكلمة منه تسيطر على قلبها وتجعله ينبض بقوة .. قال وهو يرفع نظره إليها :-
-من نعم ربنا عليكي يانور أنك بيضة ما شاء الله يعنى ،بيبان عليكي
نظرت له بأحراج وسألته بأستغراب من حديثه :-
– قصدك ايه ، هو ايه اللي بيبان عليا
- الفراولة دي
قالها وهو يشير بسبابته على وجنتها فترفع يديها الأثنين بخجل وتضع شعرها المنسدل ليحيط وجهها خلف أذنها وتفتح كشكولها ، يشرح لها كيف تذاكر وتحفظ المعلومات بطريقة بسيطة ، تجلس “زيزى” بالخارج تراقبهما أمامها وهى تتأمل طفلتها الصغيرة وهى تذاكر بجهد كبير لتحقق حلمها وحلم والدتها وتصبح طبيبة لتعالج المرضي .
فى صباح اليوم التالى ..تستيقظ نور صباحآ على صوت “زيزى ” وهى تقظها :-
– يلا يانونو هتتأخري على المدرسة
تذمرت بصوت نائم وهى تسحب الغطاء لكى تضعه فوق رأسها قائلة:-
– خمس دقائق يازوزو
-يلا يابت هتتأخري قومي
بعدت الغطاء عنها بتذمر وفحين تردف بهذا وهى تبعثر شعرها بضجر :-
-الواحد ميعرفش ينام فالبيت ده أبداً
اتجهت نحو الباب وهى تقول :-
– بطلى مناقرة بقي وقومي يابت
تتجهز للمدرسة وترتدي زى مدرستها ثم تصفف شعرها على شكل ضفيرة وتضع كتبها فى شنطتها وترتدي حذاءها الرياضي وتخرج ،، فتقول امها :-
-مش هتفطري
- هتأخر كدة
قالتها وهى تخرج وتغلق الباب لتسمع صوته من الأعلى يقول :- - الجميل رايح المدرسة متأخر ليه
رفعت رأسها ورأته ينزل على درجات السلم يرتدي بنطلون جينز وقميص ازرق خاص بمدرسته فقالت له بذهول :-
-ايه ده أنت رايح المدرسة
وصل أمامها وهو يقول :-
– شوفتى تكرمت وتنازلت وتواضعت وقولت أروح
قهقهت من الضحك عليه وعلى طريقة حديثه وقالت :-
– ايه التواضع ده كله
تأمل ضحكتها وقلبه ينبض لتلك الطفلة الصغيرة ثم قال بتلقائية :-
– اللهم صلي على النبي ، يارب اللي يشوفك وميصليش على النبي يعمي
قالت وهى تبتسم له بخجل :-
– شكراً
فقال مُحذراً لها من أن يرى أحد غيره ضحكتها :-
– أياك يابت أنتى تضحكي برا البيت ، أحنا معندناش بنات تضحك برا البيت
تشبثت بحقيبتها بينما تقول باسمة :-
– أوكي باي باي بقي هتأخر
خرجوا من العمارة معا فقال مُودعها :-
– ماشي لا إله إلا الله
- محمدآ رسول الله
فأجابته هى الآخري قم ذهبت بطريق مدرستها وهو الآخر …….
يتــــــبــــع ……..