البارون .. “عندما يصبح واقعك هو جحيمك”
الجزء الرابع
… خرجت من المصعد خلف حسن لأجد نفسى امام حائط سد من الامام وجهة اليمين، فلا يسعك سوى التقدم بعض خطوات نحو اليسار لتخرج من ذلك الممر الضيق نحو الممر الرئيسي والذى لم يتواجد به سوى غرفتان متقابلتين ولا شئ أكثر !! .. لا مخرج للطوارئ، ولا منفذ للسلالم، لا شئ بهذا الطابق سوى هاتان الغرفتان وهذا الحائط الذى يسد الطريق عن باقية الطابق وكاميرات المراقبة المتواجدة بالأركان ؛ وقف حسن بجوار باب الغرفة المتواجدة الى اليسار وهو صامت، تقدمت نحوه فقام بتمرير بطاقة اليكترونية بجوار الباب ففتح تجويف صغير بالحائط فنظرت اين مرر البطاقة فوجدت شاشة مسح إليكترونى بذلك التجويف بجوار الباب قام حسن بضغط بعض الازارار عليها قليلا فأبتسمت قائلا
- ايه شغل المخابرات ده …
… لم يبدى حسن أى ردة فعل على ما أقول بل أنه ابتعد عن تلك الشاشة قليلا وهو يقاطع حديثي قائلا
- من فضلك يا دكتور حط أيدك على الشاشة عشان تسجل بصمتك
… نظرت له متعجب قليلا ولكننى أردت الأنتهاء من ذلك الأمر فعلى ما يبدوا أنه شخص عدونى لا يحب الحديث أو المزاح فوضعت يدى بمنتصف الشاشة لأجدها تقرأ بصمات أصابعى قبل أن يكتب عليها باللغة الأنجليزية “تم التعرف على البصمة” وانفتح الباب تلقائيا .. مد حسن يده نحوى ليعطينى تلك البطاقة الأليكترونية قائلا
- اتفضل يا دكتور .. واهلا بوجودك معنا
… أعطانى حسن البطاقة و قال جملته ثم انصرف من فوره ليستقل المصعد هبوطا دون أن ينتظر اى رد منى ؛ أمتعض وجهى قليلا وأحسست ببعض الحنق على ذلك الشخص المريب فى هيئته وتصرفاته، ولكنى قررت عدم المبالاة به ودلفت الى غرفتى .. كانت الغرفة لا تقل فى فخامتها ورونقها عن جناح ملكى بأحد فنادق السبع نجوم مع فتحات تهوية كبيرة بالسقف ولها شرفة شاسعة تطل على الحديقة الخلفية للمبنى ومتصل بها حمامها الخاص، ذات اثاث رائع وجهاز تلفاز حديث وبها مكتب خشبي صغير مرتب بعناية وموضوع عليه بعض الأقلام والأوراق البيضاء ومجلد أبحاث خاوى و حاسوب محمول من أحدث طراز وهاتف أرضي ليس به سوى ثلاثة ازرار فقط مما أثار تعجبى وفضولى فألتقطت سماعة الهاتف وضغطت الزر الاول بالهاتف أستمعت لرنين فقط ولكن دون رد فأغلقت وعدت لأضغط الزر الثانى ولكن أيضا دون رد .. أزداد فضولى كثيرا فجربت الزر الثالث وهو الوحيد المتبقى وبأقل من لحظات أتانى صوت سيلين من الجانب الأخر قائلة
- مكتب الأستقبال .. مساء الخير يا دكتور أدهم
… لم أحسب حساب أن ياتينى رد تلك المرة فأرتبكت وترددت قليلا عندما سمعت صوت سيلين على الجهة الأخرى من الهاتف وبالتأكيد أن زر الأتصال الداخلى الخاص بغرفتى هو ما أضاء بالهاتف لديها لذلك هى تعلم أننى أنا المتصل والأن لا أعلم ما الذى يتوجب على قوله حتى وقع نظرى على ذلك الحاسوب المحمول مرة أخرى فقلت
- مساء النور يا سيلين .. معلش بس أنا لقيت عندى فى الغرفة لاب توب ومعرفش ده بتاع مين فقلت أسأل ليكون حد نسيه هنا
= لا يا دكتور اللاب ده من أدارة المستشفى لحضرتك عشان حضرتك تبقى متصل بالشبكة الداخلية للمستشفى، وكمان حضرتك هتلاقى ساعة خاصة بدرج المكتب على اليمين ياريت حضرتك تلبسها لأنها مضبوطة على تنبيه حضرتك بمواعيد بداية العمل وانتهائه والوجبات كل يوم وبتتحدث يوميا تلقائى، أقدر أقدم لحضرتك اى خدمة تانية
- لا شكرا جدا بس كان عندى سؤال محيرنى معلش
= اتفضل يا دكتور انا تحت امرك
- انا دلوقتى لقيت تلت زراير اتصال داخلى بس عندى فى التليفون هنا اتنين مردوش والتالت بتاعك وبصراحة انا مش فاهم والموضوع محير بالنسبالى
= اه فهمتك يا دكتور معلش هو الموضوع محير انا عارفة بس انا هوضح لحضرتك
- ياريت
= الزرار الاول ده خاص بالدكتور عزت وهو بيبقى متاح من الساعة 9 مساء بس، والزرار التانى خاص بمكتب أستاذة هند وبرضوة بيكون متاح بعد الساعة 9 مساء بس، اما الزار الاخير فهو خاص بالاستقبال هنا حضرتك تقدر تطلبنى فى اى وقت لو احتاجت اى حاجة فى اى وقت
- طب لو حبيت اطلب الكافتيريا او المطبخ او الصيانة او الامن او حتى لو حبيت اعمل اتصال خارجى لأهلى مثلا لأن واضح ان مفيش شبكة هنا فى المكان نهائى اعمل ايه انا بقى
= كل ده بيتم من خلالى انا يا دكتور حضرتك تقدر تكلمنى فى اى وقت وانا هتواصل مع كل الاقسام ديه، اما الاتصال الخارجى حضرتك تقدر تعرفنى الرقم وانا هطلبه واحوله لحضرتك
- امممممم .. طيب ولو ان الموضوع مش عجبنى بس ماشى .. شكرا يا سيلين
= العفو يا دكتور .. فى اى استفسار تانى عند حضرتك؟
- لا تمام كدة ولو احترت فى حاجة هكلمك سلام
= اقامة سعيدة يا دكتور .. سلام
… اغلقت الهاتف وانا أسأل نفسي عن ما خطب تلك المشفى؟!! .. لما كل شئ يبدوا غامض ومريب؟!! .. لما يتملكنى شعور بعدم الأرتياح؟!! .. لا أعلم ما يحدث بتلك المشفى ولكن أعتقد أننى سوف أعتاد نظامها مع الوقت وبالتأكيد الوقت كافى ليظهر حقيقة كل شئ ؛ نهضت من خلف المكتب وبدأت بأخراج ملابسي من الحقيبة وترتيباها بالخزانة والتى كان معلق بها بعض أرواب الأطباء البيضاء والمناسبة لمقاسي بطريقة دقيقة، و رتبت الأوراق من حقيبة أوراقى على المكتب ثم دلفت الى الحمام لأجده شاسع المساحة وبه غرفة خاصة بالاستحمام وخزانة خاصة وضع بها عدد لا بئس به من المناشف وأرواب الأستحمام وبعض من العطور ولوازم الأستحمام باهظة الثمن ؛ وقفت مستندا الى حوض غسل الوجه أنظر الى نفسي فى تلك المرأة ذات الأطار المعدني التى تعلوه لبضع لحظات قبل أن أبتسم محدثا نفسي بصوت مسموع
- والله يا أدهم شكل دعاء أمك جاب نتيجة وحياتك هتتغير يابن المحظوظة
… أنتهيت من لحظة السعادة الشخصية وأحلام اليقظة تلك لأقوم بنزع ملابسي كاملة وأعلقها على حاملات الملابس بالحائط قبل أن أدلف الى غرفة الأستحمام لأقف هناك أسفل المياه الدافئة المتدفقة على جسدى من أعلى رأسي حتى أقدامى، أغمضت عينى لأترك نفسي للحظات لذلك الشعور المريح والمنعش الذى يغمرنى، ولكن ذلك الشعور تلاشي ليحل محله شعورا غريب بأن هناك أحد ما متواجد معى أو ينظر نحوى ويقترب ليلمسنى حتى كدت أقسم أننى شعرت بأنفاسه من حولى ففتحت عيناى سريعا أتلفت من حولى ولكن كل شئ هادئ وكما هو لا شئ غريب بالمكان ؛ أنهيت استحمامى وخرجت من الحمام الى الغرفة اخرج بعض الملابس من الخزانة وأرتديها ثم ألتقطت أحد الأرواب البيضاء أرتديها أعلى ملابسي وقررت النزول لأقابل الطبيبة سارة والتعرف على طبيعة العمل بالنهار والأقسام المختلفة منها ؛ بالفعل تناولت بطاقة الغرفة الأليكترونية وقلم ودفتر ملاحظات جيب من على المكتب وأرتديت تلك الساعة التى أخبرتنى عنها سيلين وخرجت من الغرفة نحو المصعد وهبط الى الطابق السفلى خرجت من المصعد أتوجه نحو سيلين بمكتب الأستقبال فنظرت نحوى مبتسمة وأن أقترب نحوها قائلا
- معلش بقى يا سيلين هصدعك النهاردة شوية لحد متعود على المكان
= لا أبدا العفو يا دكتور أنت بس تؤمر وانا هنفذ لحضرتك كل اللى انت محتاجه
- أنا بس كنت عايز أعرف أقدر ألاقي دكتورة سارة فين
= دكتورة سارة هتلاقيها دلوقتى فى غرفة الأطباء فى الدور التانى -
طيب تمام هروحلها .. بس قوليلى هو الواحد يعمل ايه هنا عشان يشرب فنجان قهوة مظبوط؟ .. بصراحة انا مش شايف اى أثر للكافتيريا
= حضرتك اول متوصل غرفة الأطباء هتلاقى فنجان القهوة مستنى حضرتك .. زى مقولت لحضرتك اى حاجة تحتاجها بلغنى بيها
… اعترانى حس فكاهى جعلنى اضحك قليلا قائلا
- زى الجنى بتاع مصباح علاء الدين يعنى
… لم تتبدل أبتسامة سيلين ولم تبدى اى ردة فعل ولكنها قالت بكل ثبات
- تقدر حضرتك تعتبرنى كدة !!
… كان ثبات قولها كافى لقطع ضحكاتى واخبارى ان على الانصراف الأن فابتسمت قائلا
- طيب تمام .. هروح انا اشوف دكتورة سارة
… قلت جملتى واستدرت مغادرا ولكنها استوقفتنى قائلة
- دكتور أدهم
= نعم؟ !!
… رفعت سيلين يدها نحوى تعطينى شارة بصورتى كشارة سارة قائلة
- ده الأي دي بتاع حضرتك أتمنى دايما حضرتك تعلقه فى الروب جوة المستشفى
… التقطت الشارة من يدها انظر اليها بتعجب قائلا
- ايه السرعة ديه .. ده انا افتكرت انى مش هستلمه قبل يومين ولا حاجة
= كل حاجة هنا فى المستشفى سريعة يا دكتور .. انا متأكدة ان حضرتك هتنبهر من كم الحاجات اللى نقدر نعملها فى وقت قليل جدا
- كويس ديه حاجة مشجعة جدا والله .. استاذنك
… غادرت الاستقبال لأستقل المصعد نحو الطابق الثانى وخرجت منه امام غرفة الأطباء ولكننى توقفت للحظات أنظر نحو باب مكتب هند وأتذكر ما حدث منها وانا اغادره وتلك الابتسامة المحيرة التى اعتلت وجهها نحوى ثم عدت للأستمرار بوجهتى ودلفت الى غرفة الأطباء فوجدتها غرفة شاسعة بها خزانة للأدوية وثلاجة متوسطة الحجم ومكتبين متجاورين وطاولة متوسطة الحجم ذات مقعدين تحتل سارة أحدهما وهى تجلس ترتشف بعض القهوة وتنظر من الشرفة التى أمامها المطلة على بوابة وواجهة المشفي دون ان تلتفت لى وكان أمام المقعد الأخر قدح قهوة أخر من الواضح أنه خاص بى !! .. لقد صدقت سيلين بالفعل فى قولها اننى سوف اجد قدح القهوة بأنتظارى عندما أصل .. أن كل دقيقة تمر على تواجدى بذلك المكان تزيد من حيراتى وتعجبي ولكننى أعتقد أن سارة قادرة على أن تشرح لى كل تلك الأمور فهى أقدم منى هنا وبالتأكيد تعلم تفسير كل تلك الأشياء الغريبة ؛ أقتربت نحوها وأن احاول السعال قليلا لعل سارة تنتبه لتواجدى بالغرفة فوجدتها تقول دون أن تنظر نحوى
- اتفضل يا دكتور أقعد
… توقفت أمد يدى لأصافحها قائلا
- مساء الخير يا دكتور .. أنا دكتور أدهم زميلك بشيفت النهار
… استدارت سارة لتنظر نحوى بنظرة جامدة ثم نظرت نحو يدى الممدودة كما لو كانت تتفكر للحظات ولا أعلم فى ماذا ولكنها وضعت قدح القهوة من يدها لتصافحنى قائلة
- أهلا بيك يا دكتور .. أتفضل أرتاح
= أهلا بيكى يا دكتورة
- عجبتك المستشفى؟
= والله يا دكتورة الأمتيازات هى اللى ممتازة وصعب ألاقيها فى أى مكان لكن المكان نفسه وتصميمه وسيستم الشغل اللى مختلف عن اى حاجة شوفتها قبل كدة و بينى وبينك مريب شوية بالنسبالى
… ضحكت سارة قليلا وهو الأمر الذى جعل نبضات قلبى تتسارع بشدة وحتى أن أنفاسي أحتبست أمام ضحكاتها الخلابة وتمنيت لو أنها تستمر بالضحك لأخر العمر قبل أن تقول
- معلش يا دكتور بكرة تتعود .. دكتور ادهم .. دكتور
… كنت مازلت شارد الذهن مشتت التفكير سارح ببعد أخر وأنا أنظر الى سارة فلم أنتبه على حديثها بالبداية ولكن سرعان ما سيطرت على شرودى وأجبتها قائلا
- معاكى يا دكتور معلش ماخدتش بالى كنتى بتقولى ايه؟
= لا ولا يهمك .. كنت بقولك مع الوقت هتتعود
- اتمنى .. واكيد وجودك هيسهل عليا أمور كتير فى البداية .. أقصد يعنى بحكم انك أقدم منى هنا وأكيد عارفة الأمور أحسن منى
= متقلقش لو أحتاجت أى مساعدة مش هبخل عليك بالمعلومة
- طيب تمام كدة
= قوم أعرفك على المكان والحالات اللى عندنا
… نهضت مع سارة لنخرج من الغرفة فتوجهت نحو الباب الحديدي الموصد بعرض الممر بجور المصعد فوضعت بطاقتها الأليكترونية بتجويف بجوار الباب ففتح الباب تلقائيا ودلفنا الى الداخل لأجد نفسي أمام ممرا طويل ممتلئ بأبواب الغرف على الجانبين باب المصعد الأخر ؛ سرت بجوار سارة عبر ذلك الممر وهى تقول
- على الجنب اليمين ده هتلاقى المعمل والصيدلية والمخازن وغرفة الأجتماعات وغرف الكشف والتمريض ودول ملناش علاقة بيهم تقريبا لأن كدة كدة مبيبقاش حد موجود فيهم غير بليل ولو احتاجت منهم اى حاجة بلغ سيلين وهى هتتصرف، أما على الجنب التانى ده هتلاقى عنابر المرضى وكل عنبر هتلاقى عليه تصنيف الحالات اللى فيها
= عنابر؟؟!
- ايوة يا دكتور متستغربش هنا مفيش غرفة منفصلة بكل مريض .. هنا بيعتمدوا على وضع الحالات المتشابهة كلها مع بعض عشان يساعدوا بعض .. أول تلت عنابر دول الخاصين بالسيدات وتصنيفاتهم ع1 لحالات الأكتئاب والأدمان ومشتقتهم البسيطة، و س1 وديه لحالات الزهايمر والشيزوفرنيا والخلل العقلى ومشتقتهم، و الاخير ده ع2 وده لحالات الاختلال النفسي والعقلى اللى بيأدى للجرائم العنيفة والنفسية، والتلت عنابر اللى فى الاخر دول هما نفس التصنيفات بس رجالى
= طب واحنا دورنا ايه بالنهار؟!!
- بص يا دكتور احنا كل اللى بنعمله بالنهار هى اننا نفطر ونتغدى ونتعشي وبس حتى العلاج الممرضات هما اللى بيدخلوه للمرضي فى مواعيده ولو حصل ده لو حصل يعنى اى انتكاسة او مضاعفات لاى حالة ساعتها احنا بنعزلها فى غرفة كشف لوحدها ونتعامل معها غير كدة مبنعملش
= اممممم .. يعنى وجودنا تقريبا زى عدمه
- بالظبط .. تقدر تقول كدة
… قالتها سارة بأبتسامة تحمل بعض الحنق والضيق قبل أن ترتبك قليلا قائلة
= معلش انا اسفة .. بس انا عموما بحب الهزار .. بص أفضل حاجة نعملها بالنهار هى اننا نشتغل على أبحاثنا الشخصية ونطورها وبكدة هنقدر نتغلب على ملل الوقت .. وبعدين احمد ربنا اننا هنبقي مع بعض وهتلاقى حد تتكلم معه ده انا كنت قربت اتجنن لوحدى
- والله وجودك ده لوحده هو افضل حاجة دلوقتى شوفتها فى المستشفى
… كانت الساعة تشير الى الثالثة مساء بالتحديد عندما أرتفع صوت تنبيه مميز من ساعتينا انا وسارة بنفس اللحظة فرفعت سارة يدها لتضغط زر ايقاف التنبيه عليها ففعلت مثلها وهى تقول
- ده يا دكتور تنبيه الغداء .. اتفضل نرجع غرفة الأطباء
… عدت بصحبة سارة الى غرفة الأطباء لنجد وجبتان غداء متكاملان موضوعان بطريقة منظمة على الطاولة بالغرفة .. جلسنا نتناول وجبتنا حتى اذا انتهينا تناولنا قدحين اخران من القهوة ثم نهضنا نتجول بالحديقة حول المشفى ونحن نتحدث عن طبيعة العمل والحالات التى صادفت سارة اثناء فترة عملها بالمشفى وعن كل تلك الأمور المربكة والمحيرة بالنسبة لى والتى بررتها سارة بأنها أمورا طبيعية سوف أعتادها مع الوقت كما حدث معها ببدايتها بالمكان، وسألتنى سارة عن حياتى الشخصية وأبحاثى العلمية ولا أعلم لما وجدت نفسي أخبرها كل ما يخص حياتى منذ نشأتى كطفل وحيد دون أخوة لعائلة بسيطة وفترة شبابى واجتهادى بالدراسة حتى تخرجت من كلية الطب وعملى بأحد المستشفيات الخاصة وكيف أنهم استغنوا عن خدماتى ثم تطرقت بحديثى عن أبحاثي حول تطوير أسلوب جديد بالعلاج يمنح الطبيب السيطرة الكاملة على عقل ووعى المريض لزراعة الأفكار العلاجية مباشرة بعقل المريض ليتقبلها سريعا وكيف تساعد تلك الطريقة على الأسراع فى عملية العلاج، ولكن قام الكثير من الأطباء ورجال الدين بمهاجمة أبحاثي معللين ذلك بأنه أنتهاك كامل وواضح لحقوق المرضى و إرادتهم الحرة ؛ انتهى الحديث بيننا عندما ارتفع صوت تنبيه الساعة عند تمام الثامنة مساء فنهضت سارة مسرعة تقول
- تمام الشغل خلص استاذنك ارجع لأوضتى وانت كمان ياريت ترجع اوضتك يا دكتور ونتقابل الصبح
= ارجع اوضتى من دلوقتي؟ !!
- ياريت يا دكتور .. ده هو النظام هنا وأتمنى أنك تلتزم بيه .. معلش مع الوقت هتتعود صدقنى
= ولو انى متعودتش على الحبسة ديه من بدرى بس ماشي
… نهضت بصحبة سارة والتى كانت تسير مسرعة بشكل غريب الى داخل مبنى المشفى حتى وصلنا الى المصعد ودلفنا اليه نصعد الى الطابق الثالث والاخير حيث غرفنا وما ان وصلنا حتى حياتنى ودلفت مسرعة الى غرفتها فوفقت متعجبا قليلا من تصرفها المتوتر قبل أن أدلف الى غرفتى ؛ قمت بخلع ملابسي وارتديت ملابس النوم المريحة ثم جلست أشاهد التلفاز، ولكنى بالحقيقة لم أكن أدرى ماذا أشاهد فقد كان عقلى مسلوبا تماما مع سارة وتعجبت من نفسي أننى لم أسائلها عن حياتها ؛ جائت الساعة التاسعة لأجد ساعتى تطلق تنبيه العشاء وبالتزامن معه سمعت بعض الطرقات الرتيبة على الباب فأتجهت أليه أفتحه لأجد حسن يقف به حاملا طاولة صغيرة بها أطباق العشاء وما أن فتحته أليه أعطها لى وأنصرف دون أن ينطق بحرف واحد .. جلست أتناول عشائى أمام التلفاز وما هو الى وقت قليل وقد بدأ النعاس يغلبنى حتى غفوت بمكانى على الأريكة أمام التلفاز ولكنى قرابة الساعة الثانية صباحا قلقت من نومى لأجد نفسي مازلت بمكانى على الأريكة والتلفاز يعمل فنهضت أغلق التلفاز ثم توجهت نحو الثلاجة لأتناول بعض الماء ولكننى تجمدت بمكانى عندما ترامت الى أذنى بعض الأصوات الأتية من فتحة تهوية المبرد المركزى بالسقف .. لم أعى ما أسمعه ولكننى أقتربت قليلا منها أحاول أستبيان الصوت ولكنى لم أستطع تحديده بعد فجذبت المقعد من خلف المكتب وصعدت أقف أعلاه مقتربا بأذنى من فتحة التهوية تلك .. لا أعلم أن كان قد أصابنى الجنون أم تلك القشعريرة التى أشعر بها هى نتيجة تهيؤات فلا يمكن أن ما أسمعه حقيقيا .. أن تلك الأصوات هى تأوهات تشبه الى حد بعيد التأوهات الجنسية مختلطة ببعض الصرخات الفزعة !!