البارون .. “عندما يصبح واقعك هو جحيمك”

الجزء التاسع

… كانت الساعة قد شارفت على الحادية عشر عندما هبطت بصحبة هند الى مكتبها بالطابق الثانى، وبالمكتب قامت هند بتشغيل الحاسوب الخاص بها وقامت بفتح أحد البرامج الخاصة عليه .. فتعجبت قائلا

  • طب هو احنا هنا بنعمل أيه؟

… اجابتنى هند دون أن تشيح بنظرها عن شاشة الحاسوب قائلة

= احنا هنا يا دكتور لأن كل العاملين بالمكان لازم تبقي هوايتهم الحقيقية سرية خصوصا فى أثناء البث المباشر!!

  • بث مباشر؟!! .. هو فى هنا نت؟!!

… استعجبت هند من دهشتى قائلة

  • طبعا فى نت .. هو دكتور عزت معرفكش التفاصيل

… ارتبكت قليلا فأنا لا أريد أن أفعل شئ يكشف امرى او يشكك هند بأمرى فأستدركت حديثي قائلا

  • اه طبعا هو قالى بس انا مكنتش متخيل انه فى اى مكتب هنا فى المستشفي خصوصا عشان السرية اللى اتكلم عليها دكتور عزت

= لا متقلقش يادكتور اربع أماكن بس هما اللى فيهم نت هنا غير غرفة البث وكل الخطوط متأمنة كويس جدا

  • اربع أماكن؟!!

= أيوة

  • والاربع أماكن دول أكيد مكتبك ومكتب دكتور عزت وفين التالت والرابع

= الأستقبال وغرفة البارون

  • مين؟!!

= البارون يا دكتور .. أقولك خلينا نخلص اللى احنا جايين ليه هنا الاول وبعدين هخدك أوريك كل حاجة بنفسك.

  • طيب وايه اللى هيتم دلوقتى؟!

= دلوقتى أول حاجة لأنى مقدرش أخليك تدخل لنادى البارون بهويتك الحقيقية، فلازم أعملك هواية جديدة الاول من الهوايات المصرح بيها فى النادى، وطالما دكتور عزت طلب منى أنى أعرفك وأسهلك كل الأمور فده معناه أن بطاقة هويتك هتكون ماسية وهى بمثابة تصريح لكل حاجة ولأى نشاط فى المكان .. وانا دلوقتى هعرض عليك اكتر من استايل تختار منهم واحد عشان نبدل من هيئتك بحيث ان احنا نخفى شخصيتك الحقيقية تماما بالنسبة للموجودين واثناء البث

… قالت هند جملتها ثم ادارت هند شاشة الحاسوب نحوى ليقع نظرى على موقع غريب مهيب المظهر يبدوا كما لو كان موقع لهواة الرعب يعمل بنظام الدفع من اجل الاشتراك والمشاهدة ويظهر أسمه جاليا بطريقة دموية لعبة البارون (The Barons Game)، ولكن مهلا ان عنوان الموقع هو الاكثر دهشة وحيرة بالموضوع فهو عنوان مكون من تجمع غير مترابط من الأرقام و الحروف التي عند قرائتها لا تعطي معنى مفيد و تُعطى بروتوكول التوجيه البصلي (onion.) !! .. هذا يعنى أن ذلك الأمر يتعلق بالانترنت المظلم (Dark web)، والانترنت المظلم هو أشد مساحات شبكة الأنترنت خطورة حتى أكثر من الانترنت العميق (Deep web) .. لقد قرأت عن هذه الأمور سابقا مع بعض من أصدقائي بالكلية اللذين كانوا يهتمون بمثل تلك الأمور وبذلك الوقت علمت أن الانترنت المظلم يستخدم لكل الأعمال الغير مشروعة والجنونية مثل أختراقات الأنظمة والسادية والقتل والجنس بكل أنحرفاته وكل ما هو بشع وجنونى بنظام الدفع مقابل المشاهدة .. شعرت ببعض الأشمئزاز والقشعريرة تسري بجسدي، فعندما كنت أسمع بتلك الأمور كان ينتابنى شعور بعدم التصديق وكنت أعتقد أن الأمر به نوع من المبالغة، أو أن تلك الأمور مقتصرة على المجتمعات الغربية، ولكن الأن انا أرى الأمر على أرض الواقع وهنا بمصر، وانا على وشك أن أصبح جزء منه .. أنتشلتنى هند من فورة التفكير التى أنتابتنى قائلة

  • دلوقتى يا دكتور أدهم اتمنى حضرتك تختار المظهر التنكرى المناسب لحضرتك وأسم مستعار عشان أجهزلك كارت التعريف الخاص بيك.

… نظرت نحو هند محاولا بكل طاقتى ألا أظهر علامات الأرتباك والتوتر والتفكير بداخلى على وجهى وأنا أبتسم ببرود قائلا

  • تمام

… ظلت هند تستعرض لى بعض مظاهر التنكر المختلفة على الموقع، ومنها ما يعتمد على تبديل بعض الملامح الطبيعية كالشعر والذقن المستعار وعدسات الأعين وبعض التركيبات الجلدية للوجه، ومنها ما يعتمد على الأقنعة الكاملة للوجه والتى تشبه أقنعة أشرار الأفلام الأجنبية .. كان الأمر على الرغم من غرابته ألا أنه كان بمثابة حل ذهبي تقدمه لى هند بكل سذاجة لكثير من التوتر والقلق الذي ينتابنى بخصوص كيفية تنقلى بين مجموعة الليل دون أن يكتشف أحد أمرى .. فتنقلت قليلا بين الأختيارات المتعددة التى تظهر أمامى حتى وقع نظرى على هيئة تنكرية تناسبنى وتخفى هيئتى تماما خلف قناعها .. أخبرت هند أن تلك هى الهيئة التى تناسبنى، فقامت هند بأخراج جهاز صغير من المكتب أوصلته بالحاسوب ثم طلبت مني وضع يدي عليه بينما أنظر الى كاميرة الحاسوب، وعندما قمت بفعل ما طلبته هند للتأكيد على أختيارى قام الموقع بأمر غريب، حيث قام بتصفية جميع مظاهر التنكر ولم يبقي سوى مظهر واحد لقناع ذهبي ذو جوهرة ياقوتية بمنتصف الجبهة لا يظهر من الوجه سوى الأعين فقط ومن أسفله بذلة توكسيدو سوداء، ولكنه لم يكتفى بذلك وحسب ولكنه أيضا أخفى كل أقتراحات الاسماء المستعارة ولم يظهر سوى اسم البارون (The Baron) !! .. عندما قام الموقع بفعل ذلك أنتفضت هند مفزوعة تعتريها الدهشة مما يحدث قائلة

  • ازاى ده حصل؟!!

= فى أيه؟!!

… نظرت هند نحوى وكانت الدهشة جالية بنظراتها، وكادت أن تقول شئ لولا أن أرتفع رنين الهاتف الأرضي بمكتبها فأجابته مسرعة، وكان يبدو عليها أن تتلقى الحديث فقط ولا تجيب بحرف واحد حتى أنهت المكالمة، فسألتها بتعجب قائلا

  • فى حاجة يا أستاذة هند؟!

… لم تستطع أبتسامة هند أخفاء ارتباكها وتوترها وهى تجيبنى قائلة

  • أبدا يا دكتور مفيش حاجة .. ديه غرفة البث كانت بتعرفنى أن اللى حصل ده كان بسبب عطل عشوائي فى الموقع .. بس مفيش مشكلة أنا شايفة أن الأختيار مناسب

  • تمام .. طيب أيه اللى هيتم دلوقتي؟

… عدلت هند من وضعية شاشة الحاسوب وراحت تنهى بعض الأمور الأخيرة قبل أن تضغط زر الأدخال ثم نهضت قائلة

  • دلوقتي حضرتك هتتفضل معيا

… نهضت خلف هند التى توجهت نحو الحائط الأيمن من الغرفة ثم قامت بأدخال بطاقة اليكترونية خاصة بها بداخل مكان مخصص لها بالحائط لا يمكن أن تدركه الأعين المجردة فقام الحائط بفتح باب صغير به ليكشف عن غرفة أخرى كبيرة الحجم تحتوى على ألة طباعة من النوع الخاص موصولة بحاسوب أخر من النوع المحمول وبعض الخزائن التى تحتوى على كل ما يخص الهيئات التنكرية .. دلفت هند الى تلك الغرفة وتناولت من أحد الخزائن بذلة توكسيدو تطابق تلك البذلة التى عرضها الموقع مع الحذاء الخاص بها ثم توجهت نحو خزانة أخرى تلتقط منها القناع الذى عرضه الموقع وأعطت كل ذلك لى قبل أن تتوجه الى ذلك الحاسوب بالغرفة قائلة

  • على ما حضرتك تبدل ملابسك هكون طبعتلك بطاقة التعريف الخاصة بيك

= والمفروض أنى هغير هدومى فين؟

  • تقدر تغير هنا !!

… وقفت مترددا بضع ثوانى كانت كافية لتصدر تلك الطابعة الخاصة صافرة مميزة تنم عن أنتهائها من طباعة بطاقة التعريف الخاصة بى والتى أعطتنى أياها هند وغادرت الغرفة كى تسمح لى بتبديل ملابسي .. نظرت قليلا الى تلك البطاقة لاجدها ذات لون أسود مطبوع عليها صورتى التنكرية يظهر بها عيناي فقط من خلف القناع ومن أسفلها الاسم الذى حدده لى الموقع البارون مكتوب بطريقة دموية ، ومن أسفل الإسم حرف A ماسي، وبظهر البطاقة يوجد شعار على شكل بقعة دماء بداخلها زهرة توليب سوداء مائلة وجملة (The Barons Game) .. وضعت البطاقة جانبا ورحت أبدل ثيابى وأرتديت تلك البذلة السوداء وذلك القناع الذى أخفى كل وجهى تماما، وقمت بتثبيت تلك البطاقة الى الجانب الأيسر من سترة البذلة، لكننى شعرت بعدم الأرتياح فتوجهت الى خزانة تمتلئ بالشعر المستعار وأخترت منها شعر بنى اللون متوسط الطول وأرتديته، ثم خرجت الى هند التى وقفت هناك تتأملنى بنظرة تعجبية متحيرة قبل أن تقول

  • لو مش أنا اللى مدخلك بنفسي جوة كنت أفتكرتك حد تانى نهائى .. فعلا مستحيل حد يتعرف عليك كدة

… أبتسمت من شعورى بلذة الأمر قائلا

  • طيب تمام جدا كدة .. يللا بينا؟!!

= أكيد يا دكتور أتفضل.

… هبطنا انا وهند نحو البهو، ولأن تلك كانت المرة الأولى التى أهبط بها الى البهو فى ذلك الوقت المتأخر تعجبت من رؤيتى لكل حراس الأمن المنتشرين بكل مكان والذي يبدو عليهم أنهم مرتزقة حربيين وليسوا أشخاص عاديين، أما المصعد الأخر والذى لم أراه يعمل من قبل فقد كان يئن صعودا وهبوطا بطريقة غير طبيعية، عبرنا انا وهند من البهو الى الممر المقابل وسط جميع رجال الأمن هؤلاء دون أن يجرؤ أحدهم على النظر نحونا .. دلفنا أنا وهند الى مكتب الطبيب عزت فسألتها

  • احنا جايين نعمل أيه هنا؟!!

… توجهت هند نحو ذلك الباب الصغير بنهاية الجانب الأيسر من حائط المكتب الذى رايته فى المرة الوحيدة التى دلفت بها سابقا الى هذا المكتب ووقفت بجواره تنظر مبتسمة قائلة

  • أول حاجة حضرتك لازم تشوفها هى غرفة البث قبل متشوف الوضع على الطبيعة عشان يكون عندك خلفية مبدئية عن الوضع

= تمام

… مررت هند بطاقتها الألكترونية ولكن العجيب أن ذلك الباب الصغير لم يفتح كما توقعت، بل فتح تجويف صغير بالأرضية ليكشف عن ممر سري أسفل الغرفة فأعترتنى الدهشة متسألا

  • أمال الباب ده بتاع أيه؟!!

… سألتنى هند بأبتسامة ساخرة

  • باب أيه .. ااااه قصدك ده؟ .. لا ده مجرد ديكور زى خدعة بسيطة كدة لو حصلت اى مشاكل او حاجة

= امممم .. ماشي .. طيب الممر ده هيوصلنا لفين؟

  • ده يا سيادة البارون هو المدخل والمخرج الوحيد لغرفة البث

… هبطت بصحبة هند بضعت درجات داخل ذلك التجويف لنعبر ممرا صغيرا دلفنا منه الى داخل غرفة البث .. وهناك كان الوضع خيالي اجهزة حواسيب وبث وإرسال كثيرة بالأضافة الى أجهزة أخرى لم أتعرف على أنواعها، حائط كامل مغطى بشاشات حواسيب ضخمة، ويقبع بالغرفة ثلاثة شباب وفتاتان يعملون بإنضباط مطلق ولكن عند وصولى أنا وهند الى الغرفة هبوا واقفين بأحترام بالغ حتى أخبرتهم هند بمتابعة أعمالهم قبل أن تنظر لى بأبتسامة باردة قائلة

  • أهلا بيك فى لعبة البارون

… كنت أقف بمكانى مصعوقا ينتابنى الأشمئزاز والقشعريرة، أشعر بالغثيان شاردا بعالم أخر وأنا أنظر مذهولا ومصدوما لتلك الشاشات .. فبعضها كان يستعرض نسب المشاهدة والحركة ونسب الدفع على الموقع وقد كانت نسب مهولة حقا، والبعض الأخر كان يستعرض كاميرات المراقبة بكل أنش من المشفى ومنها بعض الاماكن التى لم أرها من قبل مثل ما خلف الحائط الذي يفصل بين غرفتى وباقي الطابق العلوى وقد كان ذلك المكان أشبه بأحد ممرات الفنادق الفاخرة يمر بين عدة غرف متقابلة ويصل بالنهاية الى باب بعرض الممر يشبه ابواب القصور الملكية .. وهناك ايضا الشاشات التى تستعرض ساحة أنتظار سيارات شاسعة أسفل المبنى ذات مدخل ومخرج سري، وأخرى تعرض بعض الزنزانات المخبئة تحت الأرض والتى تحتوى على الكثير من الشباب والفتيات والاطفال بطريقة مهينة، وهناك بعض الشاشات التى تعرض مشاهد مختلفة لمجموعة من الاشخاص رجال ونساء من فئات عمرية مختلفة ذوي ثياب باهظة يجلسون بغرفة ما يشاهدون ما تعرضه باقى الشاشات من بث رئيسي .. وكان ما تعرضه باقى الشاشات هو بمثابة الصدمة بالنسبة لى، فهى تعرض ممارسات بشعة لا يحتمل مشاهدتها انسان سوي .. فهناك فتاة معلقة بسلاسل لتدلى من احد الاسقف عارية تماما وبجوارها رجل يرتدى أحد الأقنعة يقوم بكي أجزائها الحساسة بأدأة لحام المعادن، وشاشة أخرى تستعرض سيدة تقوم بأقتطاع أصابع أحد الشباب بأدوات النحت، وأخرى تعرض عملية أغتصاب تتم من سيدتان لفتاة من المحال ان تكون قد تجاوزت الخامسة عشر من عمرها، وأخرى تستعرض أحد الرجال وهو يقوم بجلد فتاة بسوط تملؤه الشفرات لتطاير أجزاء من لحمها مع كل جلدة وسط الدماء، وأخرى تعرض رجل يغتصب طفل صغير بطريقة عنيفة، وأخرى تعرض فتاة تقسم رأس شاب الى نصفين بواسطة فأس، وأخرى تعرض من يشق بطن أحد الشباب وهو بكامل وعيه ليستخرج أمعائه بين يديه، وأخرى تعرض عمليات جنسية مباشرة بأختلاف الميول والطرق الشاذة والسادية .. وغيرها الكثير من الأمور البشعة والمقززة التى تثير الغثيان وتبعث الخوف بالنفوس وكأن الشيطان ذاته تجسد بذلك المكان .. كان الجميع بلا استثناء اللاعبون والضحايا حتى الحراس والعمال الجميع يرتدى الأقنعة التى تخفى شخصيتهم الحقيقية .. والعرض مباشر ومستمر فى بث حى على مدار اللحظة.

error: