البارون .. “عندما يصبح واقعك هو جحيمك”

الجزء الحادى عشر

… عندما تتسبب الرواسب فى أنسداد فوهة بركان نشط يتسبب أحتباس الحرارة فى أستعار قلب البركان حتى ينفجر بطريقة جنونية .. وأعتقد أن ذلك أقل بكثير مما شعرت به عندما رأيت تلك الفتاة الصهباء تسير كذوات الأربع مقيدة بذلك الطوق حول عنقها والذي يتصل بسلسلة حديدية بيد أحد الرجال وهو يسير بها عاريان بالممر نحو احد الغرف .. وبلحظة وجدت نفسي قد فقدت كل رابطة جأشي وثباتى الأنفعالى والسيطرة على غضبي .. فنطلقت كبركان ثائر لأمسك بذلك الرجل من عنقه أطبق عليه بكل ما أوتيت من قوة وقد تجسد الغضب بشخصه فى نظرتى نحوه .. حاول ذلك الرجل أن يمنعنى عن اعتصار عنقه بيدى وهو يقاومنى بشراسة مذهولا مما يحدث ولكننى وجدت نفسي أرفع يدي عن عنقه لأمسك برأسه أصدمها بالحائط .. وكانت قوة غضبي بتلك اللحظة كافية لتجعل يدي تهشم جزء من الحائط ومعها جزء من وجه ذلك الرجل الذي سقط جثة هامدة تنهمر الدماء بشكل كبير من رأسه ووجهه المحطم .. الغريب بالأمر أن لا أحد من الحراس المتواجدين قام بمنعى أو حتى تحرك لذلك .. الجميع بقى واقف بمكانه ساكن لا يتحرك ولا ينظر طرفة عين نحوى، حتى هند ظلت واقفة بمكانها تنظر نحوى بهدوء عجيب كأننى لم أفعل شئ نهائى .. لم يكن عقلي بتلك اللحظة يعمل بشكل طبيعي وهذا شئ مؤكد، فلم أستطع تفسير عدم رد فعلهم هذا ولم أشغل بالى كثيرا بالأمر بل جثيت بجوار تلك الفتاة الصهباء أحاول أن أجعلها تنهض واقفة .. كانت الفتاة ترتجف بشدة نظراتها شاردة تائهة خائفة فزعة كفزع المختل وسط صخب كبير تتمتم قائلة

  • انا عايزاك .. انا مبسوطة جدا باللى انت بتعمله .. انا عايزاك تتبسط معيا .. انا تحت امرك وعايزاك تعذبنى اكتر

… ظلت تلك الفتاة تردد تلك الكلامات مرارا وتكرارا دون توقف كالألة البلهاء .. لم يكن الأمر يصعب استنتاجه بالنسبة لى، فحالة تلك الفتاة تؤكد أنها قد تعاطت جرعات كبيرة من الليمنت 3 فى مراحله الأولى فالتركيبة النهائية لا يعلمها غيرى .. كما ان من اعطها تلك الجرعات لم يكن يمتلك مصل أبطال المفعول وذلك ترك عقلها عارى تماما لتصل الى تلك الحالة .. كالمشكاة أضائت الامور بعقلى وبدأت تضح شئ فشئ .. ان ابحاثي ركيزة اساسية لما يحدث هنا بالفعل مثلما ذكر عزت عندما قابلته اول مرة، فهم يستخدمونها للسيطرة بالكامل على عقول الضحايا ليقتلوا تماما لديهم حس المقاومة او رغبة الهروب مما هما فيه و حتى فكرة الرفض ذاتها اصبحت معدومة لديهم .. ياللهى اننى انا المذنب الحقيقي فيما يحدث .. انا من جعلت كل ذلك ممكن .. لا انا لم اكن اعمل على الليمنت3 من اجل ان يستخدم بتلك الطريقة، انهم هم من فعلوا ذلك واستغلوا ابحاثي فى اغراضهم الدنيئة .. لا تخدع نفسك يا أدهم، فأنت كنت تعلم أنه من الممكن حدوث ذلك، والجميع قاموا بتحذيرك مما تفعله بأبحاثك ولكن غرورك وعنادك رفضوا الأنصياع لكلام العقل، وها انت تقف وجه لوجه مع ما صنعته يداك، يداك الذى اصبحت ملطخة بدماء كل هؤلاء الضحايا، فأنت لا تختلف عن القائمين على ذلك المكان فى شئ، فهم وضعوا الفكرة وانت اعطيتهم الحل السحري لكيفية تنفيذها!! ..؛ وبينما أنا غارق فى صراعى الذاتى ذلك اقتربت هند نحوى تشير الى احد الحراس لكى يأخذ تلك الفتاة ليعيدها الى قسمها بالأسفل، وكأن ما فعلته بذلك الرجل لأخلص تلك الفتاة من يده لم يكن كافي لكى يتروكوها وشأنها .. اقترب ذلك الحارس يمسك بيد الفتاة يجذبها بعيدا، ولكن قبضتى كانت اسرع لتصل الى وجهه محطمة انفه لتجعله ينزف بشدة .. وقبل أن أنهال عليه بضربة أخرى وقفت هند بمواجهتى بينى وبينه قائلة

  • اللى انت بتعمله غلط يا دوك .. ممنوع نهائى تتعدى على حد من طاقم العمل .. لما قتلت واحد من اعضاء النادى احنا مدخلناش لأن ده طبيعى وعادى ممكن يحصل وكمان بيرفع نسب المشاهدة .. لكن انك تتعدى على حد من طاقم العمل ده مرفوض لانه بيضعف صورتنا امام الاعضاء اللى ممكن يحاولوا يفتكوا بينا وميلتزموش بقوانينا وهيتحول الموضوع لفوضى وديه حاجة مستحيل نسمح بيها لأى حد .. بعد أذنك سيبه يأخدها يرجعها للعنبر بتاعها دلوقتى وبعدين نتكلم فى انت عايز منها ايه.

… كان حديث هند ونبرتها الحازمة ونظراتها التى تؤكد عدم المزاح نهائي فيما تخبرنى به يكفون لأخبارى بأننى يجب أن أهدأ قليلا، فمهما بلغت درجة غضبي لن أستطيع الفوز بأى حال بتلك المعركة .. تركت يد الفتاة على مضض وحنق كبير .. تركتها وكل ذرة بدمائى تغلى وتصرخ لتخبرنى أن لا أتركها، ولكننى بالنهاية تركتها من يدى فلا حل أخر أمامى الأن .. أبتسمت هند أبتسامتها الباردة قائلة

  • شكرا يا دوك ..

… لم تكد هند تنهى جملتها حتى وجدت رصاصة من مسدس ذلك الحارس تخترق رأس تلك الفتاة لتسقطها جثة هامدة .. وبتلك اللحظة بالتحديد توقف الزمن وفقدت كل معنى للعقل لدى، فوجدت نفسي دون أدنى تفكير مني أدفع بهند ملقى بيها بعيدا وأنقض على ذلك الحارس من الخلف أوجه أليه سيل من قبضاتى حتى سنحت له فرصة رفع مسدسه نحوى .. بات الأمر محسوم أنها لحظة موتي بالتأكيد فلا شئ يستطيع منعه فى تلك اللحظة عن اعتصار الزناد سوى معجزة أللهية .. ودوت صوت الرصاصة .. ولكن لم تكن رصاصته هو التى دوت وانما كان ذلك الدوى كان للرصاصة التى استقرت برأسه أتية من خلفى .. استغرقت لحظات ألتقط بها أنفاسي قبل أن أستدير لأرى مطلق تلك الرصاصة التى حالت بينى وبين الموت .. عندما استدرت وجدت ذلك الباب الملكى الضخم بنهاية الطابق قد فتح ويقف به شخص ما يصفق بطريقة درامية وهو يمسك بمسدسه .. كان ذلك الشخص يرتدى الهيئة التنكرية المطابقة لما ارتديه انا نفس الرداء ونفس القناع وكأننى أقف أمام مرآه وقد اخبرتنى هند أن لا أحد من قبل سمح له الموقع بالتنكر الخاص بالبارون سوى انا .. اذا فهذا هو البارون الحقيقي اقف امامه الأن وجه لوجه .. نهضت هند تقف معتدلة شاهقة فى ذهول عندما رأته، واعتدل الحراس بوقفتهم بينما ظللت انا واقف بمكانى انظر إليه بأفكار مختلطة متضاربة يملؤها الغضب والحنق والكراهية وايضا الشكر لأنه أنقذ حياتى ولكن لماذا قد يفعل ذلك؟!! .. لما يبقي على حياتي للدرجة التى تجعله يظهر ليقتل احد حراسه بيده من أجلى .. وبينما انا سارح بتفكيرى ذلك أشار لنا انا وهند ذلك البارون كى ندلف الى غرفته الخاصة وقد سبقنا الى الداخل .. كانت خطوات هند مرتجفة ونحن نسير سويا نحو داخل غرفة البارون وما أن دلفنا الى الداخل حتى انغلق الباب من خلفنا .. كانت الغرفة شاسعة بعرض الطابق يمينا ويسارا، مظلمة الى حدا ما تمتلئ بالمرايا وشاشات عرض كبيرة تشبه الموجودة بغرفة البث .. كان الاثاث بالكامل بالطراز الملكى يتوسطها مقعد يشبه عرش الملوك القدماء .. بها ثرايا كريستالية ضخمة متدلية من السقف وبعض اللوحات الفنية المختلفة تملئ الجدران من حول لوحة كبيرة تتوسطهم ولكنها مغطاة مثل تلك اللوحة التى كانت بغرفة الطبيب عزت عندما دخلت إليها اول مرة .. الغريب بالأمر أن لم يكن هناك أثر للبارون بالغرفة كما لو كان اختفى .. حيرة تضرب عقلى .. اين ذهب؟!! .. من هو؟!! .. لما ظهر الأن وأتى بى انا وهند الى غرفته ثم اختفى؟!! .. ظلت هند تقف بمكانها لا تحرك ساكنا بينما توجهت انا نحو تلك اللوحة المغطاة ففضولى عما تحتويه يقتلنى .. اقتربت من اللوحة قليلا وكدت أن أنزع الغطاء عنها ولكننى وجدته يسقط وحده .. اصابتنى صدمة من غرابة ما رأيته بتلك اللوحة .. فهى تعرض صورة فوتوغرافية وليس لوحة فنية تضم اثنان يتصافحان مصافحة الصداقة وهم يرتديان تنكر البارون .. هذا يعنى ان البارون ليس شخص واحد بل هما اثنان .. وبينما اقف بمكانى مذهولا امام تلك اللوحة جائنى صوت ذكورى من خلفى قائلا

  • اللى على الشمال ده هو انا

… التفت نحو مصدر الصوت لأجد البارون يقف امام الشاشات وهو يحدثنى .. فنظرت أليه قائلا

  • وانت بقى تبقى مين؟

… اطلق البارون ضحكات مصطنعة ساخرة وتوجه للجلوس نحو ذلك المقعد الملكى امام الشاشات قائلا

  • انا الانسان الوحيد اللى المفروض متنسهوش يا أدهم

… قالها البارون بنبرة محيرة ومربكة لعقلى .. ثم قام برفع القناع عن وجهه لأجد نفسي أقف أمام أسواء مخاوفى..!!

error: