رواية ملاذي الاخير للكاتبة نورا عبد العزيز
•• الفصـــــل التـــاســع ( 9 ) الجـــزء الأول ..
•• بعنــــوان “عـــــودة العشــــــاق ” ••
” وكأنهُم خُلقوا لهِذا الكون روحاً واحدة فقلب واحد ،
لِهُم بسمة تُشرق معهآ آلشمس حين تلمس يديه بأناملها الصغيرة ، لتذيب ألمه وغضبه برقتها ودلالتها وأمآ عِن قلوبهُم العاشقة فأنهآ تضُخ عطر عُشقهم ، ومع كل نبضة قلب يزيد ضخ قلوبهم الحب الساكن بداخلهم وليس دمآ .. فهو النبض وهى القلب .. ”
أستيقظت “نور” صباحاً وتجهزت للذهاب لكى تقابل “حسن” بعيداً عن “تالا” ، أرتدت جيبة سوداء وقميص أبيض بكم وأدخلته بها وأسدلت شعرها على كتفها الايسر وظهرها وحملت شنطتها السوداء ثم خرجت من الشقة متجهة إلى الكافي المعتاد لها هى و “حسن” ، وجدته في أنتظارها
قالت وهى تجلس على كرسيها بأبتسامة :-
– أتاخرت عليك
أشار لها بلا وهو يقول :-
– طلبت لك هوت شوكليت
أبتسمت له بعفوية وهى تضع شنطتها على الترابيزة قائلة :-
– ميرسي يابو على
سألها وهو يعود بظهره للخلف :-
– طلبتى تقابلنى ليه بقا وكمان قبل المستشفى أيه الأستعجال ده الموضوع مهم
قالت وهى تضحك له :-
– طبعاً هو فى أهم منك .. أيه بقا حكاية تالا دى والحب والغرام اللى بشوفه ده
أبتسم لها وخلف أبتسامته حزن كبير من أجل ما سمعه من “عمر” أمس ، كان يفكر يخبرها هو أما يترك الأمر لهم هم الأثنين معا ، وهل ستغفر بعد أن تعلم بما حدث
.........
منذ خمس سنوات بدأت الحكاية كانت “تالا” طالبة في أخر عام فى جامعتها فكان “حسن” يمر مع طبيب أخر أكبره سناً وخبرة على المرضي ، دلفوا معاً إلى غرفة كان بها ثلاث مرضي سيدات ، وقع نظره على “تالا” وهى تذكر بجوار والدتها بهدوء وتركيز شديد ، ذهب نحوها مع الطبيب
فقال الطبيب بأبتسامة :-
– لا ده إحنا بقينا عال خالص أهو
أغلقت “تالا” كتابها ووقفت بسرعة للتطمئن على والدتها منه
فسألته بعفويتها وصوتها العاذب :-
– طمنى يادكتور ماما عاملة ايه دلوقتى
أجابها وهو ينظر فى بعض أوراق الفحص :-
– ماما زى الفل كلها يومين ثلاثة وأكتب لها خروج
قال “حسن” وهو لا يبعد نظره عنها مسحورًا برقتها وليس جمالها :-
– أطمنى ماما كويسة
نظرت له بأبتسامة مشرقة ملوحة بخصال من السعادة وأكتفت بتلك الأبتسامة ، أبتسم لها هو الأخر فخجلت من أبتسمته ، خرج هو والطبيب وأكمل عمله وأبتسامتها أمام عيناه طوال اليوم
نزل إلى كافتيريا المستشفي هو و”نور” وطلب القهوة لهما لكى يستطيعا أن يسهرا الليل بأكمله فى عملهم ، أحضر القهوة وذهب نحو “نور” وجدها تقف مع فتاة تعطيه ظهرها ، أقترب وهو يقول :-
– يلا يانور
أستدارت “تالا” له ، رأها وأبتسم هو آخر فهى تشبثت بعقله منذ النظرة الأولى وهى أستحوذت على كيانه ولم تترك شيء ملكه أخذت كل ما به لها وملكها
قالت وهى تربت على ذراع “تالا” :-
– يلا ياحسن .. عن أذنك يا تالا
أخبرته بأسمها وأخبرتها بأسمه بدون قصد وهى لا تعلم بهذا الحب الذي بدأ ينمو منذ اللقاء الأول ، ذهبت معه وهى تأخذ منه القهوة
سألها وهو يحاول أن لا يفضح قلبه أمامها :-
– مين دى يانور ؟؟
إجابته وهى تلعب بهاتفها بيدها الأخرى بلا مبالاة ودون أهتمام :-
– بنت مريضة هنا بقالها ١٠ أيام فالمستشفى عملت عملية المرارة وحصل غلط فى الخياطة وأعادوا الخياطة ليها
قال وهو يرتشف قهوته بفضول أكبر عنها :-
– أنا فكرتها صاحبتك ، أصل كلامك معاها مش كلام دكتورة مع بنت مريضة
أخبرته وهى تتجول على الفيس بوك بملل :-
– عادي بخفف عنها عشان خايفة عندها أمتحان فى الكلية بكرة
أبتسم “حسن” بهيام وهو يقول :-
– كمان فى كلية مش باين عليها خالص أنا فكرتها فى ثانوي
أجابته وهى تغلق هاتفها وتضعه فى جيب البطلو الأبيض :-
– لا فى آخر سنة كلية أداب .. أتفضل مع السلامة بقا لأن ورايا شغل
أخذت قهوتها ورحلت بعد أن أعطته كل المعلومات عن هذه الفتاة التى تعلقت فى ذاكرته وقلبه بدون قصد
•••••••••••••••••••••••••••••••••
دخلت “تالا” غرفة أمها بعد أن عادت من جامعتها ووجدته ومعه ممرضة يفحصا الجرح لها ، أنهي “حسن” عمله وخرج دون أن ينتبه لوجودها ، ركضت خلفه وهى تناديه بنبرة صوت هادئة :-
– دكتور يادكتور
وقف بتعب فهو يعمل طوال الليل ويريد أن يلتقي بسريره الآن ، أستدار لها وذهب النوم حين رأها هى وقال بدهشة غير مُصدق بأنها تحدثه :-
– أنا
أشارت إليه بنعم وهى تقول :-
– اه .. ماما عاملة ايه دلوقتى ؟؟
قال وهو يضع يديه فى جيبه بتعب :-
– الحمد لله كويسة .. أنتى عملتى أيه ؟؟
نظرت له بأستغراب وقالت :-
– أنا
رد عليها بصوت مُتعب :-
– اه دكتورة نور قالتلى أنك خايفة من الأمتحان
أبتسمت بأشراق له وهى تقول :-
– لا تمام الأمتحان كان حلو
أجابها وهو يري “نور” قادمة من خلفها :-
– طب الحمد لله
أقتربت “نور” منه بتعب مثله وهى تتدرب طول الليل على الجراحة لديها هدف أن تتحول من جراح مساعد لجراح تجري هى الجراحة بنفسها ، قالت له وهى تقترب :-
– خلصت ياحسن ؟؟
أجابها وهو ينظر لها :-
– اه هروح أهو انام عشان أقدر أجي بليل
أبتسمت “تالا” وهى تنظر للأرض وكأنه يخبرها بأنه سيعود ليلاً وسيراها وذهبا الأثنين معاً .. جلست “تالا” بجوار والدتها بهدوء وبدأت تذاكر بأتقان وهى تفكر به وتريد أن تنهى مذاكرتها قبل أن يعود مرة أخري مرت عليها ساعات وهى تذاكر بتعب وأرهاق وتتثاءب بكثرة
••••••••••••••••••••••••••••••••
وقف “حسن” و “نور” فى الأستقبال وكلا منهما يفحص أوراق مرضاه
سأل الممرض ممرضة أخري وهو يأخذ العلاج :-
– حد قال لمدام عائشة أنها هتخرج بكرة
ردت الممرضة عليه وهى تحضر أوراق التحاليل لـ “نور” :-
– أنا قولت لمحمد يروح يقولها .. معرفش أختفي فين ..
أجابها الممرض بتذمر وغضب :-
– والله حرام كدة أنا كل شوية أعمل اللى جنابه معملهوش
مضي “حسن” الأوراق وترك القلم وهو يقول بحماس يخفيه :-
– خليك مرتاح ياسيدى هروح أنا
هلع الممرض بخوف من الجزاء وقال :-
– لالا يادكتور هروح أنا
تركه ورحل فدلف للغرفة ووجد الجميع نائم اتجاه نحو سرير “عائشة” والدة “تالا” ووجد الستارة مغلقة وقف خلفها وقال بهدوء مُتنحنح ينذرها بوصوله :-
– أحم احم مدام عائشة
ردت عليه وهى فى سريرها :-
– أيوة .. أتفضل
فتح الستارة ووجد “تالا” نائمة وهى تجلس على الكرسي بجوار والدتها ورأسها على حافة السرير وغارقة فى نومها ويبدو عليها التعب ، تبدو كطفلة صغيرة فى نومها وحجابها يخفي وجهها
أبتسم وهو يقول بهدوء تام حتى لا يزعجها من نومها :-
– حضرتك هتخرجي بكرة .. الدكتور كتبلك خروج
ردت عليه بلهجة واهنة :-
– شكراً يادكتور
قال وهو ينظر لها ويبعد نظره عن “تالا” حتى لا تلاحظ أمها شئ :-
– الدكتور كتبلك علاج فى الأستقبال هيصرفوا الصبح ويجبهولك
شعرت “تالا” بصوته فى أذنها .. فتحت عيناها بتعب وهى تعتدل فى جلستها وتمطي جسدها بتكاسله وفزعت حين رأته أمامها ، أبتسم عليها فوضعت يديها على رأسها بخجل وأرتباك ، أخرج من جيبه زجاجة عصير مانجو ومدها لها وهو يقول بمزح :-
– صحي النوم .. أنتى جايه تخلي بالك من ماما ولا هى اللى تخلي بالها منك
أخذت “تالا” العصير منه وخرج
•••••••••••••••••••••••••••••••••
تجلس “نور” صباحاً بتعب شديد من العمل وهى تتذمر على “حسن” وتقول :-
– ياحسن خلينا نمشي أنا هموت وأنام
قال “حسن” وهو يمثل أنه يكتب شيء فى الورق وعيناه على غرفة “عائشة” يريد أن يودعها وهى ترحل ولا يعلم متى سيلتقي بها :-
– ثوانى يانور هخلص اللى فى أيدى
قالت بتهكم وهى تسند رأسها على يديها بأرهاق :-
– أنا غلطانة أنى مسمعتش الكلام وأشتريت عربية ، علشان اتذل لسيادتك
خرجت “تالا” من غرفة أمها ومعاها والديها والممرضة ، كانت تحمل شنطة أمها وتمشي خلف والدها ، ترك “حسن” القلم وهو يقول :-
– يلا يانور
وقفت معه ورأت “تالا” وأسرتها ذاهبون قالت : حمدالله على السلامة
رفعت “تالا” نظرها ووجدته يقف بجوار “نور” ويبتسم بأشراق لها ويبدو عليه التعب ، بادلته الأبتسامة الحالمة وأحمرت وجنتها
رد والد “تالا” قائلاً :-
– الله يسلمك يادكتورة
قال وهو يختلس النظر لها ، يسرق ما ليس له :-
– متنسيش العلاج فى مواعيده
قالت عائشة وهى تمسك فى ذراع زوجها :-
– حاضر
ذهب هما اما هى خلفه مع والديها ، قالت “نور” بضجر وضيق منه :-
– ياحسن تعال من الباب ده
أجابها وهو ينظر لها ويمسك يديها بلطف ، وهو يشعر بأن جسدها قد يسقط منه من شدة أرهقه :-
– ياسفنورتى أنا راكن العربية عند الباب ده
أجابته بتذمر طفولى وبراءة تفيض من العينين ملوحة بخصال من الطفولة :-
– أنت النهاردة فيك حاجة غريبة ياحسن
رأته من الخلف وهو يمسك يد “نور” ويثنى ذراعه ويضع يدها فى ذراعه ، شعرت بحزن شديد أعتقدت بأن هناك علاقة وثيقة تربطه بـ “نور” وليس بصداقة فقط ..
فتح باب سيارته من أجل “نور” وركبت أغلقه وأتلف حول السيارة وركبت مكان السائق بجوارها وألقي نظرته الأخيرة على “تالا” وهى تركب التاكسي مع أسرتها وقاد بــ “نور”
........*
قال “حسن” وهو يضع الفنجان على الترابيزة مبتسماً لها :-
– ودى كانت أخر مرة أشوفها فيها
سألته وهى تترك مجها :-
– طب مكلمتش باباها ليه مادام معجب بها من أول لحظة .. وليه مقولتليش أصلاً على الأقل كنت قولتلك أنى أعرف مكانها وأنى بكلمها كل يوم
رد عليها وهو يخرج الأموال من جيبه لكى يدفع الحساب :-
– مكنتش متأكد أنى بحبها ، كنت فاكره مجرد أعجاب زى لما شوفتك وأعجبت بيكي ، مكتشفتش أنه فعلاً حب من النظرة الأولى غير لما غابت عنى يوم وأتنين .. قولت خلاص أنا غبي عشان ضيعتها من أيدي .. فضلت على أمل أن لو لينا نصيب فى بعض هنتقابل ، فى جملة بتقول
The people who are meant to be in your life will always gravitate back towords you .no matter how far they wander
سألته وهى تقف معه :-
– يعنى أنت شايف أن مقدر ليكم تكونوا مع بعض
أجابها وهو يفتح لها باب الكافي الزجاجى لتخرج :-
– وإلا مكناش أتقابلنا .. المهم قوليلى عمر عايز يتكلم معاكي
هتفت وهى تقف أمامه بصرامة قائلة :-
– وأنا مش عايزة أتكلم
قال بأصرار وهو ينظر لها :-
– لازم تسمعيه يانور
أبتسمت وهى تتجاهل سؤاله وهمهمت قائلة :-
– good bye ياحسن
وأستقلت سيارتها وذهبت وضع “حسن” يديه خلف رأسه وهو يفكر فى كيف يجعلها تسمع “عمر”
•••••••••••••••••••••••••••••••••
وصلت “نور” للمستشفي وغيرت ملابسها وأرتدت الزى الرسمي لها عبارة عن بنطلون أخضر فاتح وتيشرت بنص كم نفس اللون وعليه البلطو الأبيض، وأتجهت أولا إلى قسم القلب والصدر لكى تجري بعض الفحوصات الطبية لقلبها هى أولاً ، وأنتهت وذهبت إلى مكتبها ، دخلت ووجدته بالداخل
قالت وهى تجلس على كرسيها بضيق:-
– أنت
رفع “عمر” رأسه لها ، ودهشت حين رأيت وجهه شاحب اللون وعيناه حمراء من قلة النوم فقال وهو ينظر لها :-
– عايز أتكلم معاكي
ردت عليه وهى تفتح ملف أمامها :-
– أنا مش فاضية ومش عايزة أتكلم
ضرب المكتب بقبضته بقوة وهو يقف مُحدثها :-
– أنا عايز أتكلم وأنتى هتسمعنى
فزعت من غضبه عليها ووقفت بتحدي تصرخ بوجهه :-
– أطلع برا ياعمر … وياريت متجيش هنا تانى ويكون أفضل لو بعدت عن حياتى كلها زى ما أنت طول العمر بعيد
كاد أن يرد عليها ولكنه توقف عن الحديث حين دخلت الممرضة المكتب ، نظرت نور لها سألت بأستياء :-
– فى حاجة
قالت الممرضة وهى تمد يدها لـ “نور” بظرف :-
– قسم القلب بعت الملف ده لحضرتك
نظر “عمر” بهلع على الظرف ووجد أسم حبيبته عليه ، قالت وهى تأخذ الظرف منها :-
– شكراً .. روحي أنتى
خرجت الممرضة وجلست “نور ” على كرسيها مرة أخرى وهى تتجاهله وتفتح الملف ، قال “عمر” وهو يجلس على الكرسي المقابل لها :-
– هتعملى العملية أمتي ؟؟
ردت عليه وهى تقرأ الورق بحزن قائلة :-
– ومين قالك أنى هعملها مفيش حاجة تخلينى أعملها
رد عليها بهدوء تام قائلاً :-
– في يانور .. أنا .. أعمليها عشان تعيشي معايا … نحقق أحلامنا اللى حلمناها سوا .. أعمليها عشانى
أبعدت نظرها عن الورق ورفعته له بهدوء وسخرية تقتل قلبه وقالت بتهكم :-
– أنت .. أنت أخر حاجة ممكن أفكر أنى أعمل العملية عشانها .. الأحلام اللى بتتكلم عليها دى ماتت
رمقها بنظرة حزينة وقال بأمل :-
– لا ممتتش يانور
أغلقت الملف وقالت بلهجة واهنة :-
– يمكن بالنسبة لك لسه موجودة بس بالنسبة لي ماتت
( اختلفت بنا السبل، أما عن الأحلام.. فبعضنا ماتت أحلامه وأبقي هو جسد بدون روح ، وبعضنا ما زال متمسكاً بأحلامه ويعافر من أجلها .)
خرج عمر من مكتبها وأتجه إلى مكتب حسن ، دخل ووجده يقف يرتدي البلطو الأبيض
سأله بدهشة من وجوده :-
– عمر .. ايه اللى جابك هنا
جلس “عمر” على الكرسي بينما يقول :-
– نور تعبانة
سأله “حسن” بدهشة وخوف عليها :-
– هى اللى قالتلك
أجابه “عمر” وهو يلعب بالقلم بغضب مكتوم :-
– لا بس هى كشفت ده معناه أن قلبها بيوجعها
هتف بسخرية وهو يخرج من مكتبه :-
– بيوجعها بسببك
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أنهت “نور” يومها الروتيني فى المستشفي وعادت إلى بيتها .. دخلت وقبل أن تغلق الباب ، منعها “عمر” وهو يمسك الباب بيديه ويضع قدمه أمام الباب ، قالت بغضب وهى تنظر له :-
– أنت بتعمل ايه ياعمر
دخل بالقوة رغم عنها وهو يقول :-
– أنا مش همشي من هنا غير لما تسمعينى الأول
أجابته بتوتر وغضب وهى تفتح له الباب مرة أخري :-
– أمشي ياعمر تالا عند خالتها وأنا لوحدي
قال بأصرار وهو يتجه للصالون :-
– هتسمعنى الأول وبعدين همشي
زفرت بضيق .. وجلست على الكرسي المقابل له بضيق وهى تنظر له بحادة وتقول :-
– أتفضل قول خلينى أخلص
سألها وهو ينظر لعيناها :-
– أنتى شايفنى ازاى يانور
صرخت به وكأنه أعطاها التصريح لكى تخرج ما بداخلها وتحبسه داخل سجن ضلوعها قائلة :-
– أنت عامل كل ده عشان تقولى شايفك أزاى … شايفك حد زبالة أووى ياعمر .. هنت المرأة وكيانها شوفتها جسد مش روح .. واحد خاين للوعد .. مبيهمكش غير شهوتك الحيوانية وبس ومش مهم عندك الروح اللى بتكسرها
نظر لها بحزن وهو يسمع وصفها له وكانت كلماتها تقتل قلبه وتجرح كرامته ورجولته ولكنه تماسك من أجلها … من أجل أن يزيل هذا الحزن من على عاتقها ، ويمحو ذلك الغبار الذي أستحوذ على روحها البريئة وأذا أستمر يحاربها سيقتل براءتها ويحولها إلى حجر قاسي
أكملت حديثها وهى تصرخ به بغضب :-
– بقيت أنانى ياعمر مفكرتش في أى حاجة غير شهوتك الحيوانية وبس ، مفكرتش فى اى حد غير نفسك أنانى ياعمر ، مفتكرتش وعدك ليا وأنت بتعمل كدة ، دى خيانة ليا خنت وعودك ليا عشان رغبتك ، خليتى عايزه أكرهك وقرفانة أبصلك وبرضو قلبي لسه غبي وبيحبك وعايزك ، اللى عملته ده مش جرح كرامة ملك بس ده كسرنى أنا كمان كسرتنى بأيدك ياعمر
أجهشت فى البكاء بكثرة وهى تقف ، تركها تصرخ على أمل أن يرتاح قلبها بعد ما يخرج ذلك البركان الموجود به ، وقف بهدوء وأقترب منها وهو ينظر لعيناها الباكيتين ، مسك يديها بحنان وهو يردف بلهجة دافئة تلمس قلبها المجروح قائلاً :-
– ولو قولتلك يانور أنى معملتش كدة .. لو قولتلك أنى ملمتسش ملك خالص لا قبل الجواز ولا بعده … هتصدقنى
أخفضت رأسها للأسفل بعجز عن مجدالته . .. وهى أكثر من تدرى بأن قلبها لن يصدق سواه هو فقط وقد يكذب الجميع ويصدقه هو … وبدأ قلبها ينحنى له أمام حبه بضعف .. وضع سبابته أسفل ذقنها ويرفع رأسها له لتتقابل عيناهم معاً وهو يسألها مرة أخرى :-
– هتصدقينى يانور
ردت عليه بصوت مبحوح ملوحاً بخصال من الطفولة والعشق قائلة :-
– طول عمرى بكدب الناس كلها وبصدقك ياعمر
أبتسم لها بأرتياح وهو يأخذها من يديها كأنه والدها ويجلس على الأريكة وهى بجواره مُحدثها بترجي :-
– يبقي تقعدى وتسمعنى وتعرفي أنا مرت بأية من يوم ما سيبتك لحد ما أقابلتك بعد ١٢ سنة وأتجوزت ملك أزاى وليه
صمتت بهدوء وهي تجذب يديها من يديه بحزن عميق وتمنع عيناها من النظر له ، نظر ليديها وهى تجذبها من يديه فأبتسم بلطف قال :-
– بس توعدينى يانور لو سامحتينى تعملى العملية
رفعت حاجبها له بغرور مصطنع وهى تنظر له :-
– مش ده لو سامحتك
أبتسم بهدوء و قال :-
– لما سافرت وسيبتك هنا .. سبت روحى معاكي .. بقيت عايش جسد من غير روح زى الميت ، ميت بس محكوم عليه بالسجن فى الدنيا ، سنتين بحاول أعيش من غيرك مش قادر رأحت نور وراحت معاها الثانوية العامة وراحت كلية الأثار راحت الأحلام كلها ..
قطعت حديثه وهو تسأل بفضول :-
– مدخلتش كلية الأثار
ضحك ساخراً وقال :-
– لا دخلت كلية الحقوق .. من كلية أثار لكلية الحقوق
فسألته بفضول عن سبب تنازله عن حلمه :-
– ليه
- من غيرك مبقتش عارف أعمل حاجة .. مبقتش قادر أذكر دخلت أمتحانات من غير مذاكرة وجبت ٦٠٪ مبقاش ليا غير كلية حقوق
-
بسببى
-
عشان مكنتيش معايا .. المهم مكانش ليا غير البحر أقعد عليهأحكيله همومى وعن حبيبتى اللى مش عارف أرجعلها وملك كانت هناك زى ما شوفتى بيت عم منصور كدة وأتعرفت عليها وبقينا صحاب
قالت نور بهدوء والفضول يقتلها اكثر : أومال أتجوزتها ليه ..
أجابها بهدوء قائلاً :-
– ملك كانت أول حد يقف جنبي في أسكندرية .. بقينا صحاب ودخلنا جامعة الإسكندرية سوا أنا كلية حقوق وهى كلية أداب وأتخرجنا وأحنا صحاب وهى مُصرة تفضل جنبي لحد ما أرجعلك ونحقق أحلامنا .. لحد ما في يوم جتلى تعيط بطريقة هستيرية وفهمتنى أنهي كانت بتحب واحد معاها فى الكلية ووهمها بالجواز بعد الكلية وصدقته وغلطت معاه وبعد ما أخد اللى هو عايزه منها أختفي
قالت نور بزفر وضيق أكثر وهى ترمقه بنظرها بقسوة شديدة :-
– وطبعاً سيادتك أتجوزتها
أكمل حديثه بهدوء شديد مُتجاهل غيرتها :-
– طلبت منى أتجوزها حتى لو شهر واحد المهم متفضحش هى عشان والدتها مريضة وممكن تموت لو عرفت حاجة زى دى ، وافقت أتجوزها وأحنا على أتفق أن الطلاق بعد شهر ، وبعد يومين جواز عرفنا أنها حامل فى شهر ، وعاشت معايا زى الأخوات كل واحد فاوضته لا لمستها ولا حتى مسكت أيدها ، وفي يوم دخلت أوضتي وشافت صورك فكل مكان غارت منك لأول مرة بعد ١٢ سنة صداقة ، وبدأت تحبنى ويوم ما قالتلى أنها حبتنى من حبى ليكي… تانى يوم نزلت القاهرة أدور عليكى … اليوم اللى بعده على طول خبطيها .. دى كل حكايتى مع ملك
سألت بطفولية وهى تنظر له بعينين تفيض منهم البراءة وبدأت سعادتها ترسم على ملامحها وتعود روحها لها :-
– يعنى أنت معملتش حاجة كدة ولا كدة
أبتسم لها وهو يمسك يديها الدافئة بين كفيه وقال :-
– بكرة أخدك شقتى هوريكي حاجة مهمة وتجيبي معاكى حسن وتالا عشان منروحش لوحدنا
- ماشي
أجابته مُبتسمة نظر لأبتسامتها ودلالتها وبراءتها تفيض من عيناها ولامعتها ، وعادت لطفولتها وأمتلاك قلبها مرة أخري وأسقطها من جديد فى شباك حبه وغرامه ، وقف بهدوء وهو يقول :- أنا همشي .. تصبحي على خير ياقلبي
وقفت معه وهى تبتسم بسعادة وتسأل :-
– هتعدي عليا أمتى
- لما تخلصي شغلك سلام
-
ماشي خلى بالك من نفسك
قالتها وكادت أن تغلق الباب أستدار لها وهو يقف على باب الشقة ويقول :- - حاضر وآسف أنى دخلت ومحدش فى البيت بس أنتى أهم عندى من الكل
أبتسمت له وهى تمسك باب الشقة وأردفت قائلة :-
– حصل خير أنا واثقة فيك
ذهب كادت أن تغلق الباب منعها وهو يضع قدمه أمام الباب ،نظرت له بتساؤل ، أخرج من جيبه شيكولاتة وأعطاها لها كما أعتاد منذ أول لقاء لهم وهو يعطيها الشيكولاتة ، أبتسمت بسعادة طفولية بريئة وأخذتها منه وهى تقول :-
– شكراً
- تصبحي على كل الخير والسعادة يانور عيني
قالها فأبتسمت على لقبها منه وهى تقول :- - وأنت من أهله
ذهب وأغلقت الباب خلفه وبدأت تقفز فى كل أرجاء الشقة بسعادة وجنون ، عادت روحها بعد غياب طال لعمر بأكمله ، سنوات ضاعت منها وروحها مهاجرة جسدها والنبض تارك قلبها ، فهو النبض وهى القلب ، أخذت دوشها وأمسكت هاتفها وأشغلت أغنية ” أتحبني .. بعد الذى كان / للقيصر كاظم الساهر ) أعلت الصوت ودخلت المطبخ بسعادة لأول مرة
كانت تستمع إلى كلمات الأغنية بعناية وقلبها ينبض بجنون من أجله ، تشعر وكأنه أزل جبل من فوق قلبها وبه أختفي مرضها وعادت لنشاطها وحيويتها ، وقفت تحضر العشاء من أجلها ، عشاء بسيط جداً وقفت تطهى الأندومي أعتادت على أكله مادامت تعيش وحدها وتعود من عملها متأخرة ..
جلست تأكل على السفرة وحدها ورغم وحدتها إلا أنها كانت تشعر بعطره يملي المكان .. وروحه تعانقها بقوة وتتشبث بها .. وقلبه يحتضن قلبها بين ضلوعها
…
رن هاتفها معلن عن أستلام رسالة .. وجدتها منه وفتحتها وجدت ( رابط أغنية قلب واحد / مدحت صالح ) أبتسمت عليه فرغم كل تلك السنوات لم يتغير طبعه ..
يتـــــبـــع ………