رواية ملاذي الاخير للكاتبة نورا عبد العزيز
••الفصــــل الســادس (6) بعنـــوان ” كفـــارة ذنـــب “••
“” لن تكون هناك لحظة أندم بها على حبك … لقد أحببتك منذ أول يوم ألتقينا به … لكن برغم كل الحب الذي منحتنى أياه … ورغم كل الحب لك الذي يسكن قلبي وبيننا … أعلم بأنى الآن أملك القوة حتى أقول لك أذهب … وداعاً “”
رأت ذلك الحادث في منامها فأستيقظت بهلع ثم جلست على سريرها وتضم قدميها لصدرها بخوف وجسدها يرتجف ، نظرت إلى ساعة الحائط ووجدتها السادسة صباحاً ، تركت سريرها وأخذت دوشها ثموغيرت ملابسها وأرتدت بنطلون جينز وتيشرت بناتى بنص كم وعليه جاكيت كروشية قط ورفعت شعرها على شكل ديل حصان … خرجت من شقتها وهى تتصل بالهاتف بأحد الممرضات فى المستشفي وطلبت منها أن تعرف عنوان “ملك” من سجل المرضي وأغلقت الخط …
خرجت من باب العمارة بأستعجال ثم وقفت أمام سيارتها وهى تنظر لها بخوف لمست مقبض الباب بيد مرتعشة .. وتنظر للسيارة بخوف أن تركبها وتقتل شخص أخر بدون ذنب شعرت بيد على كتفها ففزعت وتقدمت خطوة للأمام لتلتصق بالسيارة ،، نظرت خلفها فوجدته يقف ناظراً عليها
سألها “عمر” وهو ينظر مباشرة لعيناها قائلاً :-
– على فين بدري كدة
قالها وهو ينظر إلى ساعة يده ،، هزت كتفها بقوة وهى تبعد يده عنها بغضب وفتحت الباب ودلفت لسيارتها بغضب رغم خوفها من ركوبها لكن جرح قلبها منه قد تخطي كل الحدود ،، مسك الباب لها يمنعها من أغلقه حتى لا ترحل وقال :-
– راحة فين الساعة ٧ الصبح يانور ؟؟ .. راحة المستشفى؟؟
أجابته وهى تشغل محرك السيارة مُتحاشية النظر له وتعابير وجهها باردة :-
– لا ومالكش دعوة راحة فين .. أنت مش ولى أمري
وجذبت الباب بقوة من يده وأغلقته ثم أنطلقت للمستشفي وظلت تنتظر فى سيارتها حتى جاءت لها الممرضة ومعاها أستمارة الدخول الخاصة بـ “ملك” التي كتبها “عمر” حين جاء
قالت الممرضة وهى تعطيها الأستمارة من النافذة :-
– دى الأستمارة مفيش أى ورقة تانى ليها
أعطتها “نور” بعض الأموال ولم تنتبه أن هناك من رأها من بعد “حسن” ،، أنطلقت بسيارتها متوجهة إلى الأسكندرية وهى تبحث عن طريقة لكى تكفر بها عن ذنبها وخطأها قبل أن يتوقف قلبها المريض وتفارق الحياة
•••••••••••••••••••••••••••••••••••
صرخ “حسن ” فى الممرضة بغضب قائلاً :-
– أنتى أتجننتى أزاى تعملى حاجة زى دى من غير ما تقوليلى
أجابته وهى تنظر للأرض بأحراج :-
– حضرتك هى اللى طلبت منى كدة يادكتور
خرج من المكتب وهو يتصل بـ “عمر” وأخبره بما فعلت
رد “عمر” عليه بأستغراب ودون فهم قائلاً :-
– وهى عايزة عنوان ملك ليه
أجابه وهو يركب سيارته بسرعة :-
– أكيد عشان الحادثة
قال له “عمر” وهو يفكر بما تنوى عليه تلك الطفلة العنيدة :-
– بس ملك عنوانها مش هنا دى فى أسكندرية
سأله وهو يجلس في سيارته :-
– متأكد
أجابه وهو يركب سيارة التاكسي بخوف عليها :-
– أيوة أنا اللى كاتب العنوان فى الأستمارة وكتبت عنوان والد ملك عشان لسه مستلمتش عقد الشقة بتاعتى
أنهى حديثه معه بأغتياظ من أفعالها قائلاً :-
– ماشي أنا هكلمها أشوفها فين وأكلمك
أغلق معه الخط وأتصل بها ، سمع صوتها عبر الهاتف وهى تقول ببرود :-
– أيوة يا حسن
سألها وهو يقود سيارته متجه إلى منزل “عمر” :-
– أنتى فين يانور
ردت عليه وهى تقود سيارتها على الطريق السريع :-
– أنا راحة أسكندرية
سألها بهلع من مقابلتها لوالد “ملك” وكيف ستخبره بأنها قتلت أبنته ألوحيدة :-
– ليه يانور؟؟ .. رأحة أسكندرية ليه؟؟
صاحت به بانفعال شديد فهو لا يعلم ماذا يحدث بها :-
– راحة أصلح اللى عملته ، وأكفر عن ذنبي بأى طريقة وبأي ثمن
رد عليها وهو يضع يده على جبينته بغضب من تصرفات هذه الصديقة العنيدة :-
– طب أرجعى وهنفكر سوا فى الموضوع ده بلاش جنان يانور
صرخت به بقوة وهى تقول له :-
– جنان حسن أنا مبنامش من الكوابيس اللى بتجيلى ووجع الضمير ، أزاى أكون قتلت حد وعايزنى أعيش حياتى عادى جدآ ، أنت مش حاسس باللى أنا فيه ، حسن أنا راحة أسكندرية ومش هرجع فى كلامي غير لما أكفر عن اللى عملته بأى طريقة
أغلقت الخط دون أن تترك له مجال للجدال معاها ثم أغلقت للهاتف بأكمله حتى لا يتصل مرة أخرى ويجادلها
••••••••••••••••••••••••••••••••••••
ذهب “حسن” لــ “عمر” وأنطلقا معاً إلى الإسكندرية خلفها ..
أردف “عمر” بخوف عليها قائلاً:-
– والد ملك عصبي جدا هى مجنونة أزاى تجازف كدة وهى متعرفش هى راحة لمين ولا هيعاملها أزاى
أجابه “حسن” وهو يقود مُتمتماً :-
– ربنا يستر من جنانها ده
•••••••••••••••••••••••••••••••••••
وبعد ساعات وصلت نور إلى الأسكندرية وهى تبحث عن العنوان المحدد وعملت بأن والد “ملك” “منصور ” صياد سمك يعيش في منزل خشبي على البحر مباشرة ، ذهبت له مُتوترة وأخذت نفس عميق ثم دقت باب المنزل فتح لها رجل فى الستينيات من العمر
••••••••••••••••••••••••••••••
وصل حسن وعمر الأسكندرية ونزلوا من السيارة فسأله :-
– أنت متأكد أنها هنا
- ده العنوان اللى كتبته فى الأستمارة
قالها ثم أقتربا من منزل “منصور” وقبل أن يدق الباب ،، فتح الباب بقوة يدفعها للخارج وهو يقول بغضب :- - أنتى فاكرة أن فى حاجة فى الدنيا ممكن تعوضنى عن بنتى
مسكها “حسن” بهلع قبل أن تسقط من دفعته يناديها :-
– نور
نظرت له بتذمر وهى تبعد يديه عنها وتعود لـ “منصور” باكية وتقول :-
– أنا مستعدة أعمل أى حاجة والله بس تسامحنى، والله غصب عنى أنا مشوفتهاش
تركها واقفة مكانها ودخل ثم أغلق الباب ،، بدأت هى تجهش فى البكاء بخوف من ذنب “ملك” المعلق فى عنقها وعلى أكتافها بأفعال القدر فهى حقاً لم تراها وكانت تنقذ روحها من الموت ، دقت على الباب مرة أخرى وهى تبكي .. أقترب منها بحنان وهو ينظر على حالتها وقال:-
-خلاص يانور يلا نروح وهعملك كل اللى أنتى عايزاه
ظلت تدق الباب مرة وأخري وهى لا تعري أهتمام لـ “حسن” ولحديثه ، فتح “منصور” الباب مرة أخرى وهو يحمل دلو من مياة السمك وكاد أن يفرغه عليها فأغمضت عيونها بأستسلام لعقابه وأن كان هذا سيزيح القليل من ذنبها فهى ستتحمل ،، لحظات وشعرت ببعض المياة القليلة على وجهها وملابسها وبعض قطرات المياة تتساقط على جبينتها كالمطر ، فتحت عيناها بهدوء ودهشت حين وجد “عمر” أمامها وهو من أستقبل المياة بدل منها ، رفعت نظرها له بدهشة لكى تتقابل عيونهما فى نظرة طويلة صامتة وقطرات المياة تتساقط من خصلات شعره على جبينتهاوقلبها ينبض بجنون له ففعل كما أعتادت أن يفعل لها فى صغرهما يحميها بنفسه من أى أذي ،، كانت عيناه تخبرها بحبه لها وأشتياقه لها ،، كان يتأملها وهى أمامه ناظرة لعينيه وتخبره عيناها بأنها تريده بجوارها وكم هى خائفة من الغد ومن مرضها وذنب زوجته التى قتلتها هى وطفلها ،، قطع شرودهما ببعض حين سمعت صوت “منصور” وهو يقول بغضب :-
– أمشي من هنا مش عايز أشوف وشكم هنا تانى، حق بنتى عند ربنا حبسي الله ونعم الوكيل فيكي
ودخل لبيته مرة أخري وأغلق الباب
مسك “حسن” يدها بحنان ودفء وقال :-
– يلا يانور
ذهبت معه إلى فندق وأخذت حمام ، أشتري “حسن” لها ملابس جديدة عبارة عن فستان أبيض طويل بقط وعليه بعض الفراشات الملونة وأسدلت شعرها على ظهرها ونزلت للأسفل متجهة إلى “حسن” جلست بجانبه على البحر
ناظرة للبحر وأمواجه العالية وهى تضرب الصخور ،، كان يتأمل صمتها وهو يعلم بأن هناك سؤال تريد أن تسأله ، فهو أكثر من يعرفها ويعرف تعابير وجهها ،غضبها وهدوءها ، أبتسامتها وحزنها ، جنانها وصمتها ، قرب يده من يدها بهدوء ومسكها فتشبثت بيده بضعف وقال :-
– أنا جانبك يانور
حدث “حسن” نفسه قائلاً :-
– كنت عايز أطمن قلبها أنه مش لوحده وأنى جنبه مهما عملت و مهما كبرت هتفضل نور الصغيرة اللى بتخاف تعدي الطريق لوحدها ، كنت عايز أشيل الخوف ده من جواها وتسأل وتتكلم وتقول اللى بتفكر فيه .. لأن دموعها لما بتنزل بحس أنى مستحقش أكون صديق لها بعد الدموع دى
سألته وهى تنظر للإسفل على يديهما المتشبثة ببعضهما قائلة :-
– انت ممكن تسيبنى في يوم ياحسن…؟
أبتسم لها وهو ينظر لها ،، هتف مُردفاً :-
– أنا مستحيل أسيبك أنا متبت فيكى، ده أنتى الحاجه الوحيدة اللى بتفرحني ، وحياتي مش هتكمل غير بيكي ، هكون ليكى سند وضهر وعمري كله هعيشه ليكي ..
أبتسمت له بدلال رغم تعبها وألمها قائلة :-
– بكرة تيجي اللى تسرقك منى
رد عليها وهو يقرص وجنتها بدلال ورقة :-
– لو معجبتكش ورضيتى عنها مش هتجوزها
قهقهت من الضحك عليه وعلى مزاحه معها فقالت مُغمغمة :-
– أيوة لازم تفهمها أنى ليا حق فيك زيها بالظبط ويمكن أكثر كمان
أبتسم لها وقال مُتمتماً :-
-طبعاً ولو مش عاجبها أطلقها على طول
قهقهت بطفولية وبراءة وقالت :-
-أنت فايق و رايق والله
- ومفوقش ليه بقا ده كفاية أنى قاعد مع دكتورة نور بنفسها
قالها بعفوية وغمز لها بعينه اليسري فضحكت بخفة عليه ،، نظرت حولها ورأت رجل يبيع ترمس وذرة مشوي ،، غمزت لـ “حسن” وهى تقول :- - طب هاتلى ترمس بقي
أبتسم لها وهو يشير على عينه ويقول :-
– ااااه ده أنتى داخله على طمع ،، من عينى ياقلبي الصغير
نظرت له وهى تقوس شفتيها للأسفل مُصطنعة تكشيرة طفولية وتقول :-
– مستكتر عليا تجبلى ترمس
أجابها وهو يقف مُبتسمًا:-
– عينى ليكى ياسلااااام أنا أطول أجبلك ترمس بحاله
ذهب وهى تذهب معه بنظرها وتبتسم على نعمة وجوده فى حياتها ،، شعرت بأحد يجلس بجانبها نظرت ووجد حبيبها يجلس بجانبها بعد أن أخذ حمامه وغير ملابسه ، نظرت للجهة الأخرى بضيق ..
مسك يدها بحب فعادت بنظرها له بغضب وتراه يخرج شيكولاتة من جيب بنطلونه ويضعها فى قلب يدها كما أعتاد أن يفعل فى صغارهما ، شعرت بأن التاريخ يعيد نفسه والماضي يكرر نفسه فى حاضرها ، أمس كان بتلك الشيكولاتة يسعد قلبها واليوم تؤلمه .. فهو فى نظرها مجرد خائن ، خان قلبها وحبها له هى أوفت بوعدها له حين تركها أما هو فخان الوعد التى تشبثت به طول هذه السنوات الماضية ، كأن وعده هو الأمل الذي تعيش بيه وعليه والأن فقدت الأمل لذلك لم تستغرب مرض قلبها بالتأكيد شعر بخيانته قبل أن تعلم هى بها ، سحبت يدها منه بغضب وهى تترك الشيكولاتة فى يديه ووقفت لكى ترحل فوقف مُسرعاً وقال :-
– نور ممكن أتكلم معاكي شوية
- أحنا مفيش بينا كلام عن أذنك
قالتها بحدة وكادت أن تذهب ، مسك يدها قبل أن تهرب منه وهو يقول :- - نور أرجوكى أسمعنى
نظرت له نظرة ألم وعتاب تحمل له رسالة واضحة ” بأنك سبب ما يحدث بيننا .. انت هو الخائن ولست أنا “” .. قالت بنبرة عتاب :-
– زمان كنت بحب أسمعك ، لكن دلوقتى معنديش اللى يخلينى أسمعك
تركته وذهبت مرت من جانب “حسن” وهو يبتسم لها بعد أن أشتري لها الترمس وراها تذهبباكية بعد أن أضحكها منذ قليل فنظر لعمر بخيبة أمل …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
علمت نور من أحدي الصيادين بأن منصور مديون بالأموال لأحدهم
سألت وهى تجلس بجانب الصياد على المركب فقد يزيل هذا الدين جزء من ذنبها :-
– كام يعنى ؟؟
أجابها بأشمئزاز قائلاً :-
– معرفش بس حوالى ٢٠٠٠٠ جنيه ، أستلفهم من شيخ الصيادين عشان يجوز بنته بعد ماحصل اللى حصل ربنا يستر على ولاينا
نظرت له بصدمة بدون فهم جملته وهى تسأله :-
– هو ايه اللي حصل
أجابها وهو ينظر للسماء :-
– الله يرحمها يابنتى ، واحد أبن حرام فقدها شرفها يابنتى وبعدها أتجوزت أضطر أبوها يستلف ويجوزها عشان شرفها اللى ضاع
ألم مزقت قلبها أكثر وأكثر من تلك الصدمة ، صمتت لوهلة من الغضب والحزن وهى تفكر كيف فعل حبيبها ذلك بها ، صمتت بألم فهى لا تملك سوء الصمت ، الصمت مؤلم ولكننا نختاره عندما يكون الكلام أشد المآ ، الصمت هو السكوت والسكوت يعني أحتياج يعني ألم يعني وجع ، كاذب من قال السكوت علامة الرضا فليس هناك رضا عن الألم
وقفت وتركت ذلك الصياد.. تمشي ولا تشعر بما يدور حولها ، لا تشعر سوء بذلك الخنجر المغروس فى قلبها بعمق حتى لا تستطيع أخرجه منها ، كانت تسأل قلبها دائماً ؟؟ متى سيلتقي مجدداً بحبيبه ويعود لك نبضك من جديد ، متى سنعيش أحلامنا التى نريدها وطالما حلمنا بها ولكن الآن أصبحت تحدثه عن ذلك السم الذي أصاب قلبها منذ زمن بعيد والأن بدأ مفعوله على قلبها
فحدثت قلبها بضعف ** أنا لست سوى فوضى لأفكارك صنعتها أنت بقسوتك ، وأنت لست سوى سم لقلبي** .
عادت للفندق ورمت بجسدها على السرير بهدوء وأغمضت عيناها وهى تشعر بثقل في قلبها وألم تمزقه بقسوة دون رحمة ، لا تعلم هذه الألم بسبب مرضها أما بسبب سمه الذي يسير فى عروقها ، رفعت يديها بضعف ووضعتها فوق قلبها وهدأت تماماً وأصبحت لا تشعر بما حولها ، غرقت فى نومها هاربة من حاضرها المؤلم وقلبها المنهك ..
فتحت عيناها بتعب على صوت هاتفها ، نظرت ووجدت “حسن” يتصل بها ،، تركت الهاتف من يدها بضيق وعيون شبه مغلقة من النوم والتعب ثم وقفت وجهزت نفسها ونزلت ووجدته ينتظرها
قال لها مُبتسماً :-
– صحي النوم كل ده نوم ياسنفورة
أجابته بنرة جافة وهى تتحاشي النظر له قائلة :-
– معلش ياحسن كنت تعبانة شوية
نظر بأستغراب من طريقتها ولهجتها معه فقال وهو ينظر لها بدهشة قائلاً :-
– مالك يانور أنتى تعبانة بجد
كاد أن يضع يده فوق قلبها بخوف من أن يكون هو ما يؤلمها حقاً فعادت للخلف بتردد قبل أن يلمس قلبها ويعلم أنه يؤلمها وهى تهتف له بهدوء قائلة :-
-ممكن نمشي أنا عندى مشوار لازم أعمله
سألها بدهشة قائلاً :-
-مشوار أيه على الصبح كدة وفى أسكندرية
قالت له وهى تتجه إلى باب الفندق :-
– مشوار ياحسن ممكن يكفر عن غلطى لو بجزء بسيط
ذهب خلفها متجهين إلى البنك وسحبت من حسابها مبلغ وقدره ٢٠٠٠٠ ، دفعتهم دين “منصور” لشيخ الصيادين بدلاً منه
قال حسن لها وهو ينظر من نافذة السيارة يشير على أحد الكافيهات :-
-تحبي تشربي حاجة
ردت عليه ببرود تام وهى تنظر له بضعف قائلة :-
– ياريت
نزلا معاً ودخلا ، طلب “حسن” قهوته وطلبت هى هوت شوكليت ساخنة ، كان الصمت هو سيد المكان ، وهو يتأمل صمتها وهدوءها الغير عادي معاه حتى قطع هو الصمت وهو يسأل بفضول بينما يضع فنجان القهوه على الترابيزة قائلاً :-
– مالك يانور ومتقوليش مفيش لأن أنتى عارفة أنى أكتر حد فاهمك وعارفك من سكوتك قبل كلامك ، ها بقا فى أيه أحكيلى
جميل أن يكون لديك شخص يؤمن بك، شخصاً يفهمك دون ملل، شخصاً رأى كُل عيُوبك وأخطائك ولا يزال يثق بك، شخصاً يستودعك الله دائماً .!
تنفست الصعداء ونظرت له بعيون تجمعت بها الدموع الحارة وقالت :-
– قلبي بيوجعنى ياحسن
رد عليها بهدوء وهو يمسك يديها بين كفيه بحنان :-
– عشان مبتسمعيش الكلام ومصرة متعمليش العملية
أجابته بضعف وصوت مبحوح قائلة :-
– مش من ده
سألها وهو متأكد من الجواب :-
– من عمر ؟؟
ذرفت دموعها بينما تقول :-
– أول مرة أصدق الجملة اللى بتتقال فالكتب والروايات ” أوّل مَنْ يُعلمَك مَعنْى الحُب سَيكونْ هُو نَفسُه أول مَنْ تَتعَلم مِنْه مَعنَىّ الألمْ ”
- أحكيلى حصل ايه يانور ، عشان أتجوز
أربت على يدها بينما يقول ذلك فأجابته وهى تجهش فى البكاء :- - ياريت كان ده السبب ، منكرش أنى أتوجعت لما عرفت أنه أتجوز وأنا مستنياه ، بس أتوجعت أكتر لما عرفت سبب جوازه
سألها وهو ينظر لها بهلع ويترك يديها :-
– أنتى عرفتى ، قصدى يعنى هو قالك السبب ؟؟
نظرت له بشك من ذهوله ولوهلة من الصمت تأملت ملامحه وبدأت تقص عليه ما قاله ذلك الصياد ، وكيف طمع بجسد إمرأة وليس بروحها وكيف خضع لرغبته وشهوته الحيوانية بجسد إمرأة، نظر “حسن” لها بصدمة كبيرة وهو غير مصدق ما حدث وما تقوله
– أنتى متأكدة ؟؟
مسحت دموعها بأناملها وقالت :-
– عمه الصياد قالى كدة ، هو أكيد مش بيكدب ، هيكدب ليه وهو ميعرفنيش
صاح بها بأغتياظ وغضب :-
– لو ده اللى حصل أنا هقطع خبره لو قربلك تانى
هتفت بضعف وهى تضع يدها على قلبها المتألم :-
– أنا مش مستحملة وجع تانى ياحسن ، أنا قلبي فيه اللى مكفيه وزيادة ،، عارف اللى واجعنى أكتر أن بعد كل ده أنا لسه بحبه ومش عارفة أكرهه
همهم بحديثه مُشفق علي هذه الفتاة العاشقة :-
– طب ما ترجعيله يانور وتسامحيه
همهمت بحديثها بصوت مبحوح :-
– حتى دى كمان مقدرش عليها ، مقدرش أسامحه على اللى عمله فيا ، وخيانته للوعد اللى بيننا ، وكدبه عليا وأنه بيحبنى
رمقها بنظره وقال :-
– حيرتنى معاكي يانور
- أنا نفسي أحتارت .. بس لازم أدوقه من الكأس اللى دوقهولى .. لازم أكسره زى ما كسرنى
قالتها بانفعال فأبتسم لها بسعادة وهو يقول :- - عشان تكسره وتشوفيه وهو مكسور لازم تعيشي يانور ، وعشان تعيشي لازم تعملى العملية
وقفت بغضب وهى تصرخ به قائلة :-
– مش هعمل الزفتة ياحسن أرحمنى ، كل ما أكلمك فى حاجة تطلعلى بالعملية ، ياريتنى أموت وأرتاح ياخى
تركته ورحلت بعد أن تمنت الموت لنفسها وهى تعلم بأنه يكره تلك الكلمة وبالأخص عليها ، فكرة أنه سيفقدها تقتله وتؤلم قلبه ، أحبها كأخت له وصديقة عمره بأكمله فكيف يراها تقترب من الموت ويتركها هكذا ، أو يتركها تتمنى الموت لنفسها
زفر بضيق وهو يدفع الحساب ويخرج خلفها ، يراها وهى تذهب وحدها وتستقل سيارة تاكسي وحدها ، تفكر فيما جاءت من أجله وهى تحاول قدر الإمكان أن تبعد تفكيرها عنه وعن حبه المستحوذ على قلبها ، متشبث بعروقها كالدم الذي يسير بيهم رغم عن الجميع ورغم عن مقاومتها لهذا الحب ، تصارع وحدها جيوش أفكارها وعقلها بسلاح الحب الذي تملكه فى قلبها فقط بدون دراع حماية يحمي صدرها من تقبل رصاصات حبه برحب رغم عنها وعن أرادتها ، وصلت للشاطئ ونزلت من التاكسي ودفعت الأجرة وهى تنظر إلى مركب ذلك العجوز “منصور” وهو يستعد للذهاب فى رحلة صيد له ، ذهب نظرها للبحر وجاءتها فكرة قد تؤدى لموتها نوعاً ما لو لم تتقنها بدقة
حرك “منصور” محرك مركبه وأنطلق فى عالم البحر بأمواجه مع مساعده ، شعر بشئ فى كشك المركب يتحرك ، دخل ووجد “نور” تجلس بهدوء
صرخ بها وهو يسأل :-
– أنتى بتعملى ايه هنا ؟؟
ردت عليه وهى ترمقه بنظرة بريئة وبأسف واضح فى ملامحها :-
– أنا مش همشي غير لما تسامحنى ، حتى لو وصلت أنى أرمي نفسي فى البحر
غضب أكثر وبدأ يدير مركبه لكى يعود بها وهى لم تتوقف عن البكاء والحديث قائلة :-
– أنا مستعدة أعمل أى حاجة والله عشان أكفر عن ذنبي ، بس أرجوك سامحنى والله ربنا يعلم أنى مشوفتهاش ولا قصدت ده ، بس لو سمحت سامحنى ، مش عايزة أقابل ربنا وأنا فى رقبتى دم حد
رد عليها بصوت خشن يدل على حزنه من فقد أبنته الوحيدة رغم ما فعلته به فى حياتها وشرفها الذي هدرته قائلاً :-
– يارب تموتى وتريحنى زى ما موتيها
أجابت بحزن وهى تزيد فى البكاء وصوتها خائف قائلة :-
– أنا فعلاً هموت ، أنا عندى القلب ومش هعيش كتير ، عشان كدة عايزة حضرتك تسامحنى ، أنا مش خايفة من الموت وعارفة أنى هموت ، بس خايفة أقابل ربنا بذنبها
ترك مقودة المحرك وهو يرفع نظره لها بصدمة ودهشة ، وهو لا يصدق بأن هذه الفتاة فى بداية عمرها تصارع الموت وتعلم ذلك ورغم هذا تهدر وقتها معه شفق عليها وعلى حالها فإنتظار الموت أصعب من الموت نفسه …
ففي الإنتظار تعاني من الأمرين ألم الإنتظار وألم الموت وما سيأتي بعده …
أما عند الموت فإنك ستواجه بما فيه ومن غير إحتمالات الأحوال وما بعدها كنتائج …
،أستدار وهو ينظر لها بأتساع عيناه وهو يقول :-
– أنتى قولتى هتموتى؟؟
أجابته بهدوء وهى تنظر له قائلة :-
– اه ممكن تسامحنى ؟؟
صمت لوهلة فى صدمته وهو يفكر كيف يبعد هذا الجبل عن عتقها ، وبنفس الوقت يريح قلبه من فراق أبنته
ظلت تنظر له وهى تراه يقف صامتاً لا يتحدث ولا ينظر لها ، حتى أدهشتها جملته وهو يدير المركب لكى يذهب لرحلته كما جاء ويقول لها بحدة وجدية :-
– اللى عايز يكفر عن ذنبه مبيقفش كدة ، المفروض تساعدني عشان أسامحك وأنا مرتاح
تبسمت له بسعادة ، رسمت البسمة على شفتيها وسط دموعها وهى تمسح دموعها بأناملها الصغيرة وتقول :-
-حاضر حاضر أعمل أية ، قولى وأنا هعمله والله
بدأت تساعده هو ومساعده فى ترتيب المعدات والبسمة لم تفارق وجهها رغم معأناتها وهى لا تعلم كيف تساعده ولكنها تفعل وتجازف بأرهاق قلبها ، كلما تعبت وأرهقت جسدها وألمها قلبها وضعت يديها عليه بتعب ، تبعدها بسرعة حتى لا يراها أو يشعر بالذنب لجعلها تساعده من أجل أن يغفر لها ذنب لم تتعمده
جلس “منصور” يراقبها بصمت وهو يعقد الحبال ، مشاعر مختلطة تحتل قلبه ، مشاعر الألم وخيبة ألم على فراق أبنته ومشاعر شفقة وحزن على هذه الفتاة التي تصارع الموت
•••••••••••••••••••••••••••••••••••
وقف “عمر” مع “حسن” أمام باب الفندق ينتظرا أن تعود ، منذ الصباح وهى لم تعود وهاتفها مغلق ولم تخبر أحد أين ذهبت
هتف “عمر” بحدة وقلق على حبيبته خوفاً من أن يصيبها شئ قائلاً :-
– مكانش ينفع تسيبها تمشي لوحدها
رد عليه “حسن” وهو ينظر إلى ساعة يده قائلاً :-
– هى مستنتنيش ركبت التاكسي ومشيت
صرخ به بغضب وهو يقول :-
– أكيد زعلتها أو قولتلها حاجة زعلتها وضايقتها
رمقه “حسن” بنظره بحدة وقسوة ويقول له :-
– لو حد مضايقها ومزعلها يبقي أنت
قال جملته وتركه ورحل ، نظر “عمر” للأمام بضيق شديد وقلق عليها فى تلك المدينة التي لم تعرف بيها شئ ، تاركة سيارتها فى جراج الفندق للسيارات
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أنهت “نور” رحلتها مع “منصور” ومساعده وعادت للشاطئ ، نزلت من المركب وهى تحمل معاهم السمك وأغراضهم ، وقفت تنظر له بهدوء ويبدو عليها التعب والأرهاق ، أجهدت جسدها بشدة اليومين الماضيين معه
قالت بهدوء وهى تنظر لـ “منصور” باسمة بخفة :-
– حضرتك سامحتنى صح
رد عليها وهو يدخل منزله وهو يقول :-
– بسرعة كدة مش تكملى مساعدتك
دلفت خلفه للمنزل ورأته فوضوي ، منزل رجل عجوز يعيش وحده ، لا يقوي على ترتيب منزله البسيط ، أبتسمت بعفوية وبدأت ترتب المنزل وتنظفه من الغبار وتغسل الأطباق المتسخة وهى تمسح بمعصمها جبينتها بتعب
دخل “منصور” وهو يراها نظفت المنزل وجعلته جميل رغم بساطته ، أبتسم عليها وهو يقول :-
– كفاية كدة
أنهت ما تفعل وخرجت من المنزل وجدته يجلس مع مساعده على رمال الشاطئ ويشوي بعض السمك أعادت سؤالها بصوت دافئ وهي تقترب منه بأبتسامة :-
– حضرتك سامحتنى صح ؟؟
أجابها وهو يضع سمكتين مشويتين فى طبق وعليهم رغيفين من العيش قائلاً :-
– هسامحك وقلبي راضي ومرتاح لو كلتى معاياً يا دكتورة
أبتسمت وهى تكاد تجلس على الرمال وهى تقول :-
– بس كدة حاضر
قال بسرعة وهو يشير لمساعده :-
– أستنى متقعديش على الأرض كدة ، هتبهدلى نفسك أكتر
نظرت لنفسها فهى حقاً مُتسخة وفى حالة فوضى فأبتسمت وهى تجلس على الرمال بجانبه وتقول :-
-مفيش أحلى من رمل البحر
بدأت تأكل معه وهو يعطيها بعض السلطات والمقبلات ، كان يعيد ذكرياته مع أبنته معاها ، سقطت منه دمعة ليست على فراق أبنته أنما على حال هذه الفتاة ،، أنهت طعامها ونظرت له مُبتسمة
قال لها وهو ينظر لطبقها وما تبقي من طعامها :-
– كملى أكلك
ردت عليه وهى تضع يديها على بطنها بسعادة :-
– ده كدة كفاية أوووى
أبتسم لها بسعادة وهو يربت على كتفها ويقول :-
– خلاص روحى يابنتى عشان الوقت أتاخر
رمقته بنظرها وهى تكاد تسأله مرة أخرى ، يستوقفها عن الحديث وهو يقول :-
– خلاص سامحتك يابنتى ربنا يسعدك
أبتسمت بسعادة وعانقته بحنان ، أربت على ظهرها برحمة و شفقة بها ، عادت للفندق بتعب يظهر عليها وهى تمشي ببطئ شديد من ضعف جسدها وأرهاقه
رأها “عمر” وهى تقترب من الفندق بتعب ، أسرع لها وهو يسأل :-
– كنتى فين يانور ؟؟
نظرت له بحزن وقد عادت لها ألمها وتمزيق قلبها فقد تركوها يومين بأكملهمأ .. وكأنهما جزء منها لم يصح أن يتركوها ويرحلوا بعيداً عنها ..تركوها وهى تحقق هدف لديها وعادوا حين رأته ، ذهبت من أمامه بغضب مكتوم دون أن تتفوه بكلمة واحدة ، نظر عليها وهى ترحل بهدوء وتاركة له نظرة عتاب وكره
زادت ألم قلبها بقوة وهو ينبض بقوة وكأنه فى سباق مع قلب أخر على من يدق أكثر وأسرع ، رفعت يديها ببطئ ووضعتها فوق قلبها ثم شعرت بجسدها يسقط أرضاً فاقدة وعيها وأصبحت لا تشعر بما يدور حولها…….
يتــــــبع ……..