البارون .. “عندما يصبح واقعك هو جحيمك”
الجزء الخامس
… من المستحيل أن ما أسمعه صحيحا، كيف ذلك؟ ومن أين تأتى تلك الأصوات؟! .. لحظات وتحول كل شئ الى السكون .. لا صراخ .. لا تأوهات .. لا شئ على الأطلاق !! ؛ حاولت أن أقترب أكثر لعل التفكير هو ما منعنى من أسمع جيدا ولكن لا شئ .. لا يوجد أى صوت نهائى .. هل من الممكن أننى كنت أتخيل ذلك؟! .. هل كل ذلك كان محض تهيؤات؟! .. هبط عن المقعد الذى كنت أقف أعلاه وأعيده الى مكانه ثم وقفت بمكانى متنهدا ومتعجب مما حدث فلا أستطيع الجزم أنها كانت أصوات حقيقية ولا أستطيع تصنيفها تهيؤات !! .. امسكت بكوب الماء ارتشف البعض منه بينما التفكير يعصف بعقلى بقوة و استدرت نحو الفراش ولكنى تثبت بمكانى وسقط الكوب من يدى ليتحطم كمن صعقه البرق قبل أن أخطو خطوة واحدة نحو فراشي بسبب ما أرى .. لقد تحولت الهلاوس السمعية الى بصرية الأن !!، فهناك على فراشي وأمام نظرى ترقد هند عارية بالكامل فى وضعية أنثوية مثيرة تحرك اصابعها مرورا من عنقها نزولا على جسدها العارى فى عهر واضح وهى تنظر نحوى بنظرة اشتهاء وهى تلعق شفاها بلسانها قبل أن تقول
- انا عارفة انك عايزنى !!
… اختفت ملامح الغرفة فى بعدا اخر بينما انقضت هند نحوى وملامح وجهها قد تبدلت لتصبح مسخ دميم وهى تنقض نحوى وتحول كل شئ الى سواد قبل أن أنتفض مفزوعا مرعوبا لأجد نفسي مازلت نائم بمكانى على الأريكة أمام التلفاز الذى مازال يعمل منذ الأمس ؛ ظللت أتلفت من حولى فى فزع أنظر يمينا ويسارا ونحو الفراش لأجد كل شئ طبيعي كما هو والساعة تشير الى السابعة صباحا .. يا أللهى هل كان كل ذلك مجرد أضغاث أحلام، هل استطاعت هند أن تتسلل الى عقلى ورغباتى الى هذا الحد حقا؟!! .. ما الذى يحدث لك يا أدهم؟!! .. هل من الممكن أن تضعف الى ذلك الحد وأنت لم ترها سوى مرة واحدة؟!! .. لا يا أدهم يجب أن تسيطر على غرائزك أكثر من ذلك أن كل ذلك نتاج توترك الزائد بسبب عم أعتيادك على المكان بعد، وأيضا لا مزيد من النوم أمام التلفاز ؛ نهضت من مكانى متبأطى الخطوات منهك القوى أشعر بأرهاق شديد والصداع يفتك برأسي .. توجهت نحو سجائرى لأخرج منها أخر سيجارة بها وأشعلها ثم التقطت سماعة الهاتف وضغط زر الأستقبال ليأتينى صوت سيلين قائلة
- صباح الخير دكتور أدهم
= صباح النور يا سيلين .. معلش ياريت تبعتيلى فنجان قهوة
- تحت أمرك يا دكتور .. حالا هيكون عندك
= شكرا يا سيلين
… انهيت المكالمة وجلست أنفث دخان أخر سجائرى وبأقل من دقيقة سمعات بعض الطرقات على الباب فنهضت من فورى أتوجه أليه قائلا فى سخرية
- أيه السرعة فى الأداء ديه .. هى القهوة كانت جاهزة ولا أيه؟ !!
… فتحت الباب لأجد هند تقف أمامى مبتسمة مرتدية نفس ملابس الأمس صارخة العرى، وقفت مكانى أنظر لها بتعجب فلم اكن اتوقع نهائى ان تكون هى ظللت انظر لها للحظات بصمت قبل أن تقول
- مفيش اتفضلى؟!!
… كفيلم قصير يمر بعقلي مرت كل الأحداث القليلة بينى وبين هند سواء بالواقع او بالحلم البغيض بالأمس بداخل عقلى دون هدى وبأرتباك ابتعدت قليلا عن الباب قائلا بنبرة متوترة
- ازاى بقى اكيد اتفضلى بس انا يدوب لسه صاحى
… تقدمت هند دالفة الى الغرفة قبل أن تجلس على الاريكة لترفع ساق فوق الأخرى بأسلوبها الأنثوى قائلة
- كنت واقفة مع سيلين فى الرسيبشن لما انت اتصلت فقلت اجى اخد قهوتى معاك واشوفك يترى مبسوط معنا ولا فى حاجة نقصاك؟
… اقتربت بعض خطوات من هند دون أن أجلس وقد تركت باب الغرفة مفتوحا لا أعلم لماذا ولكننى أعتقدت أن ذلك هو الوضع الافضل لذلك الموقف ثم وقفت هناك على مقربة منها قائلا
- لا ازاى بقى .. هو فى كدة؟!
= طب متيجى تقعد .. ولا أنا مش زى سارة !!
- سارة؟!!
= ايوة سارة .. أنت مش برضوة قضيت اليوم كله معها امبارح؟!!
- ايه اللى انتى بتقوليه ده؟ !! .. تقصدى ايه؟ !!
= ولا حاجة .. انا مقصدش حاجة نهائي
- يا استاذة هند انا كنت مع دكتورة سارة امبارح طول اليوم عشان اعرف منها طبيعة العمل والحالات اللى عندنا ونظام المستشفى بشكل مهنى مش اكتر .. وبعد أذنك انا مبحبش التليمحات ديه
… نهضت هند تطلق بعض الضحكات الرعنة وهى تقترب نحوى لتستدير من خلفي وتقترب من أذني بشفاها هامسة
- بلاش تبقى سريع الانفعال يا دكتور .. انا جاية عشان اشرب قهوتى معاك مش اكتر مش عشان اعصبك
… طرقات بسيطة على الباب جعلت هند تعتدل بوقفتها وهى مازالت تنظر نحوى بينما استدرت انا لأتوجه نحو الباب حيث يقف حسن يحمل قدحين من القهوة ولكن ما اثار تعجبى هما علبتان السجائر تلك من نوعى المفضل الموجودان بجوار قدحى القهوة على الطاولة بيد حسن فوقفت أسأله
- عرفت منين ان سجايرى خلصت؟ !!
= استاذة هند امرتنى اجيب لحضرتك كل يوم الصبح علبتين من سجايرك
- استاذة هند؟ .. ماشى
… تناولت طاولة القهوة من حسن ودلفت لأضعها على المكتب والتقطت قدحي القهوة واقتربت من هند أعطيها أيهما قائلا
- انتى ايه حكايتك بالظبط؟ !! .. هو انتى بتراقبينى ولا حاجة؟
= جايز !!
- يعنى ايه جايز؟ !! .. انتى عايزة ايه بالظبط يا هند؟
= لحد دلوقتى ولا حاجة .. لكن صدقنى انا لما بعوز حاجة باخدها
… لم ترق لى لهجة هند بالحديث مثلما لا تروق لى تصرفاتها فنظرت نحوها ببعض الامتعاض قائلا
- ماشى يا هند .. استأذنك بقى عشان عايز اخد شور واغير هدومى
… أبتسمت هند فى تخابث قائلة
- طيب .. انا ماشية ولو احتاجت اى حاجة انا موجودة فى مكتبى .. هستناك !!
… انصرفت هند مغلقة باب الغرفة خلفها وهى تنظر لى بجانب عينها بتلك النظرة الاستفزازية لتتركنى بأمتعاضى وغضبي منها .. أنهيت قهوتى وقمت بالأستحمام وتبديل ملابسي سريعا ثم توجهت الى غرفة الأطباء حاملا معى احد الكتب العلمية بمجالى والذى قررت أن أقضي يومى بمطالعته عوضا عن مرافقة سارة طوال اليوم خاصة بعد تلميحات هند ؛ جلست بغرفة الأطباء اشعل أحد سجائرى وانا أطالع ذاك الكتاب .. مرت بعض الدقائق قبل ان يرتفع صوت تنبيه الساعة التاسعة صباحا وهو موعد الافطار ؛ كنت ان اتوقع ان تاتى سارة لتناول الافطار معى ولكنها لم تاتى .. فقط هذا الشخص المريب حسن هو من جاء بوجبة أفطارى فسالته
- هى دكتورة سارة لسه منزلتش؟
= دكتورة سارة مبتنزلش قبل الساعة عشرة فى ميعاد بداية الشغل
- اااااه .. يعنى انا اللى نازل بدرى .. ماشي مش مهم .. بس قولى يا حسن
= اؤمر يا دكتور
- هو انت مفيش غيرك فى المستشفى صبح وليل؟
= لا فى كتير يا دكتور بس انا اللى مسؤول بطلبات حضرتك
- اممممم .. ماشي .. حيث كدة بقى ياريت تفرد وشك شوية طالما هشوفك على طول
= امرك يا دكتور .. وياريت تسمحنى لو ضيقت حضرتك
– مش اوى كدة يا راجل .. بس افردها شوية
= امرك يا دكتور
… انصرف حسن بينما جلست انا اتناول فطورى وعندما انتهيت منه غضبت من نفسي عندما تذكرت اننى لم اهاتف أهلى منذ أمس كي أطمئنهم عن أحوالى فهاتفت سيلين من غرفة الاطباء واعطيتها رقم ابى كي تهاتفه من اجلى وتحول الي الاتصال، وبالفعل لم تمضي دقيقة حتى فعلت سيلين ما طلبت .. كانت المكالمة بينى وبين ابى رتيبة اعتيادية فقط بعض الاطمئنان عن الاحوال ولما هاتفى مغلق واحوال العمل وهكذا .. انتهت المكالمة بيننا باتفاق على تكرار الاتصال يوميا حتى يطمئنوا عن احوالى ؛ جائت الساعة العاشرة صباحا ووجدت سارة تدلف الى غرفة الأطباء بعد ثوانى من تنبيه الساعة فألقت تحية الصباح علي ورددتها لها ثم جلست صامتة تنظر عبر الشرفة فسألتها
- مالك يا سارة؟
= عادى احنا بس لسه فى اول النهار .. المهم قولى انت ليلتك كانت عاملة ايه؟
- تمام هو بس جالى كابوس غريب كدة امبارح .. بس عدت الحمدلله
= معلش ده بس عشان المكان جديد .. بكرة تتعود
- على الكوابيس !!
… ضحكت سارة على اسلوبى المرح وعاد قلبى ينبض بقوة عجيبة امام ضحاكتها، وعندما تلاقت عيوننا ببعضهما البعض وسط ضحكات سارة كانت بمثابة شرارة ذوبان الجليد بيننا وبداية تقربنا من بعضنا البعض .. مرت الايام بعد ذلك بطبيعية كبيرة لا شئ يذكر ولم يعد شئ يثير تعجبى او عدم ارتياحى كان بقاء سارة معى طول اليوم ينسينى الشعور بالملل وكل شئ أخر، تعاونا كثيرا بالعمل على أبحاثنا العلمية وتقربنا اكثر واكثر من بعضنا البعض وشعرت بحبها يتملك من قلبى، وشعرت انها تبادلنى نفس شعورى ؛ لم تعد تلك الكوابيس تروادنى من تلك الليلة حتى اننى لم اقابل هند منذ ذلك الوقت وبالرغم من ذلك كنت افكر بها من وقت لأخر .. كان كل شئ طبيعي حتى ذلك اليوم الذى هاتفت به أبى لأطمن عليه فوجدته يسألنى عن موعد أجازتى فقط مر شهرا كاملا منذ تعيينى بالعمل ولكنه تفاجأ بى أصيح به قائلا
- انت مالك انت انزل اجازة ولا لأ .. هو مش شيك المرتب وصلك .. ملكش دعوة بشغلى انا مش هنزل اجازة ويكون احسن لو معرفكوش تانى !!
… ثم أغلقت الهاتف بعنف بوجهه دون أنتظار ردا منه .. لا اعلم ماذا حدث ولا لما فعلت ذلك او كيف فعلت ذلك من الاساس وانا ذلك الابن البار الذى كان يتحدث الجميع بقريتى عنى برى بوالداى واخلاقى العالية .. ما الذى يحدث لى؟ !! .. لما تبدلت شخصيتى بتلك الطريقة الغريبة؟! .. تناولت زجاجة المياه التى لم تعد تفارق يدى تقريبا فقد أصبحت أشعر بالعطش كثيرا او طوال الوقت تقريبا فى تلك المدة .. جلست بغرفتى اتفكر قليلا بما فعلت مع ابى منذ قليلا وانا اشعر بمعركة داخلية بداخلى بين شخصين احدهما يخبرننى اننى كنت على صواب واخر يخبرنى ببشاعة ما فعلت ؛ انتشلتنى بعض الطرقات الخافتة على باب غرفتى من تلك المعركة بداخلى فتعجبت قليلا لاننى لم اعتد ان يطرق بابى احد بعد موعد العشاء الذى يحضره حسن فى التاسعة مساء .. توجهت لكى أفتح الباب لذلك الزائر الغامض فى ذلك الوقت المتأخر لأجد سارة تقف هناك تنظر لى قائلة
- أدهم ممكن أقضى الليلة معاك النهاردة ؟!!