البارون .. “عندما يصبح واقعك هو جحيمك”
الجزء التالت
… لا أعرف أن كان الخلل بعقلي أم بسمعي اليوم فكثرة الأشياء الغير منطقية تصيب العقل بالإنهاك والأرهاق، ولكن حديث عزت الأخير كان هو اللامنطق ذاته .. كيف أن تكون مناوبة الطبيب المقيم هى النهارية وجميع أقسام المشفى تعمل بالمساء فقط، لم يكن ذلك الحديث منطقى أبدا فتعجبت من حديثه متسائلا
- تقصد ايه بأنى هشتغل لوحدى بالنهار وباقى طاقم المستشفي هيشتغل بليل؟ .. معلش فهمنى عشان مش مستوعب !!
… نهض عزت من مجلسه وخرج من خلف مكتبه ليجلس بالمقعد المقابل لى ومازالت أبتسامته الهادئة لم تفارق ملامحه قائلا
- انا هفهمك يا دكتور ؛ احنا هنا لينا أسلوب وطريقة فى العلاج مختلفة عن أى مستشفى تانية وبالمناسبة جزء كبير منها معتمد على رسالتك وأبحاثك
= كل ده كويس بس برضوة مجوبتش على سؤالى
- مانا لسه مكملتش يا دكتور .. احنا بعد ابحاث طويلة وصلنا ان العقل البشرى بيبقي فى اصفى حالاته فى الليل وبيخلى استيعاب المريض للعلاج احسن وبيتجاوب اسرع مع العلاج وخصوصا مع اسلوب العلاج اللى اعتمادته انت فى ابحاثك ؛ عشان كدة احنا كلنا بنشتغل بليل، فحضرتك يا دكتور هيكون شغلك بالنهار مع دكتورة سارة واتنين من طقم التمريض هما يوسف و عبير و سيلين فى الاستقبال وموظف الامن وعمال النضافة وعامل الكافيتيريا ؛ حضرتك ودكتورة سارة هتكون مهمتكم بس متابعة اوقات علاج المرضي ومؤاشرتهم الحيوية بالنهار .. بيتهيئلى كل الامور كدة واضحة وبسيطة وخصوصا يا دكتور انى اتمنى تستغل كل وقتك فى متابعة ابحاثك.
= انا موضوع ابحاثى ابحاثى ابحاثى اللى عمال تكرره ده مش مريحنى
… اطلق عزت وهند بعض الضحكات وهم ينظرون الى بعضهم البعض ثم عادوا ينظرون لى قبل ان تقول هند وهى تقترب نحوى
- متقلقش يا دكتور اكيد يعنى مخترناش حضرتك عشان نسرق ابحاثك
… ثم استدارت لتقف خلفى وتنحنى بالقرب من أذنى هامسة
- ياريت تقبل يا دكتور .. انا شخصيا اتمنى تكون موجود معنا
… بضع طرقات رتيبة على الباب جعلت هند تعود لوقفتها المعتدلة وهى تأذن لمن بالخارج بالدخول، فدلف شاب أصلع قوى البنية مفتول العضلات ذو ملامح جامدة وبشرة سوداء يرتدى مثل زى حامد ولكن رقعة الأسم على ردائه كانت تحمل اسم حسن ؛ وما أن دلف الى الغرفة وقف بطريقة تشبه العسكرية ونظره مثبت على الارض مخاطب هند قائلا
- تحت أمرك
= خد شنطة دكتور أدهم يا حسن طلعها أوضته وأتاكد بنفسك من أن كل حاجة تمام .. احنا يهمنا راحته قبل اى حاجة
- أمرك
… لم يتفوه حسن بأكثر من تلك الكلمة ثم أقترب يحمل حقيبتى دون أن يلتفت نحوى بأى شكل ثم أنصرف قبل أن يضع عزت قدح القهوة من يده قائلا
- بيتهيئلى تتفضل حضرتك يا دكتور مع هند تسلمها الأوراق وتوقع على العقد فى مكتبها .. اعتقد الجو هناك هيكون أحسن
… أصابنى الصمت لبعض لحظات أتفكر بالأمر وأحاول أن اجد تفسير منطقى واحد لما يحدث ؛ لا شئ مما أراه أو أسمعه هنا منطقى أو عقلانى، ولكن !! أن رفضت ذلك العرض المبهم سوف أعود لنقطة البداية مرة أخرى سوف أعود سجن البطالة، الى غرفتى الكئيبة خالى الوفاض و الى الحسرة على مستقبلى واحلامى ؛ لا !! لا لن اعود مرة اخرى الى ذلك المرار، لن أقبل بذلك، فذلك العرض رغم غرابته يعد طوق النجاة لى وبداية تحقيق أحلامى ومهما كان ما سوف يحدث بالتأكيد لن يكون أسواء مما ممرت به .. حسمت قرارى وعزمت أمرى فنهضت اقف أمام عزت أمد له يدى للمصافحة قائلا
- ماشي يا دكتور .. على بركة الله .. انا هروح دلوقتى مع أستاذة هند وان شاء الله هكون عند حسن ظنك
… نهض عزت وهو يصافح يدى قائلا بأبتسامته
- تمام .. هو ده القرار الصح يا دكتور .. وصدقنى انا متأكد انك احسن حد فى المكان ده
= شكرا يا دكتور على ثقتك الغالية ديه
… نظر عزت نحو هند دون أن يتحدث فتوجهت من فورها نحو الباب تفتحه وهى تخاطبنى قائلة
- اتفضل يا دكتور معيا لو سمحت
… انصرفت مع هند نعبر الممر نحو البهو ومنه نحو الممر المقابل على الجهة الأخرى، ولكن الغريب بالامر أن الجميع كانوا لا يرفعون نظرهم نحو هند بأية طريقة، الجميع ينكس نظره نحو الأرض عند مرورها ؛ وصلنا الى الممر الاخر حيث كانت يتواجد مصعادين متقابلين ببداية الممر ويليهم أبواب الدرج وبنهاية الممر مرحاضين رجالى ونسائي .. توقفت بجوار هند أمام المصعد المتواجد عن يسارنا ببداية الممر فضغطت هند زر الاستدعاء قائلة
- ده يا دكتور الاسانسير اللى حضرتك هتستخدمه دايما بعد كدة
= طب والتانى
- تقدر تقول عطلان .. اهم حاجة هنا يا دكتور هى الالتزام بالتعليمات لمصلحة الكل
= تمام
… وصل المصعد وانفرجت أبوابه لتظهر بداخله فتاة ذات طلة ملائكية ببشرتها السمراء وعيناها البنيتان اللذان يظهران جاليا من خلف نظراتها الطبية وشعرها المنسدل كالحرير البنى على هيئة ذيل حصان مشدودا الى الخلف، تردى معطف الأطباء الأبيض معلق بجيبه الصدرى شارة هوايتها بصورتها واسمها سارة أعلى بذلتها الأنثوية ذات اللون الكحلى الفاتح ؛ لا أعلم لما سلبت سارة عقلى منذ الوهلة الأولى التى رأيتها بها رغم أنها تعد ذات جمال متوسط بجوار من قبلتهم هنا ولا تعمد الى وضع مساحيق التجميل بشكل صارخ مثل البقية، ولكنها تملك طلة خاصة بها سلبتنى عقلى وتفكيرى عندما وقع نظرى عليها فوفقت بمكانى أتأملها شاردا ولا أملك أى تفسير لذلك الشعور الذى اقتحم كيانى ؛ خرجت سارة من المصعد وهى تنظر الى هند دون حتى أن تنتبه لوجودى قائلة
- استاذة هند كويس انى لقيتك انا….
… لم تدعها هند تكمل حديثها ودلفت الى المصعد قائلة
- مش دلوقتى يا سارة لو سمحت عندى حاجة أهم !!
… على الرغم من أن سارة بنفسها أكملت طريقها مبتعدة دون أن تتفوه بحرف أخر ولكننى لم أستطع منع نفسي من الشعور بالضيق من أجلها بسبب ذلك الأسلوب السخيف الذى عمالتها به هند ؛ وقفت للحظات أتبعها بنظرى بينما هى ماضية بطريقها قبل أن أدلف الى المصعد وأصعد مع هند الى الطابق الثانى ثم خرجنا منه لأجد عن يمينى باب حديدى وعن يسارى ممر صغير يؤدى الى مكتبين متقابلين واحد ذو باب صغير دون لافتة وواحد معد كغرفة للأطباء وبنهاية الممر حائط سد لا شئ أخر غيره هناك ؛ دلفنا انا وهند الى داخل المكتب الذى لا يحمل لافتة، كانت الغرفة تتسم بالعصرية الى أبعد الحدود لا شئ يعبر عنها سوى أنها الغرفة البيضاء فكل شئ بها يتشح باللون الابيض، الحوائط، الأرضية، السقف والديكورات حتى الاثاث المكتبي والمقاعد والسجاد كله من اللون الابيض، وهو الامر الذى يجعلنى اشعر كما لو كنت ببعد أخر من الأرض ولا أشعر بالفارغ من حولى او حتى التحقق من أبعاد الغرفة حتى أننى لم أستطع التفرقة بين المقعد والمكتب والحائط وكدت أسقط عندما أصطدمت بالمقعد لولا أمساك هند بى ولكن الأمر الغير مريح حقا هو ألتصاقها بجسدى بصورة غير طبيعية بينما تمسك بى حتى أن شفاها كادت أن تقبلنى ونظرتها ثاقبة لعينى وهى تقول
- معلش يا دكتور هو المكتب فى البداية بيربك اللى بيدخله .. بس مع التركيز هتقدر تتعود عليه
… اصابنى تصرف هند بالارتباك والتوتر قليلا فتملصت منها لأجلس على المقعد قائلا
- هو فعلا الوضع مربك بس .. بس .. بس زى مقولتى مع الوقت هتعود
… أبتسمت هند أبتسامة لعوب وهى تقول
- أنا أتمنى !!
= ايه؟ !!
- أتمنى أنك تتعود يا دكتور .. أستاذنك الورق
= ورق أيه؟
- ورقك يادكتور
= اه .. اه اسف معلش مش مركز .. اتفضلى
… أخرجت ملف أوراقى من حقيبة الأوراق معى وأعطيته لها فتوجهت هند نحو مكتبها لتضع ملفى بأحد ادراجه وتخرج ملف من اخر ثم تعود لتجلس على المقعد المقابل لى وهى تعطيه لى ؛ تناولت الملف من يدها بأرتباك وأخذت أطالعه فوجدت به عقد تعيينى وقد ملئ ببياناتى كاملة ولم يتبقى سوى توقيعى عليه .. أخرجت قلم من جيب سترتى الداخلى لأوقع العقد و بينما أفعل ذلك رفعت هند ساق فوق الأخرى بحركة أنثوية ليظهر من أرجلها أكثر مما تخفى تنوراتها ولكي ألاحظ أيضا ذلك الوشم الذى على هيئة زهرة توليب سوداء على الجزء العلوى من فخذها الايسر وهى تنظر نحوى بنظرة رعونة صريحة ؛ حاولت أن أصرف نظرى عنها ولكن جمال هند الصارخ ونضوج جسدها الأنثوى وامتزاجهما مع رعونتها كانوا اكثر من كافيين ليذهبوا بتركيزى بمهب الريح ومع أن ذلك المكيف المركزى يعمل بأقصى قوته إلا أننى كدت أتصبب عرقا أمامها، ولكننى سرعان ما استجمعت شتات عقلى وقمت بتوقيع العقد ومررته أليها فتناولته لتضعه على المكتب قائلة
- مبروك علينا وجودك يا دكتور
… نهضت مسرعا من مجلسي قائلا
- الله يبارك فيكى .. استاذنك بس لو فى اى حد يعرفنى مكان اقامتى فين عشان ارتب امورى وارتاح من تعب الطريق قبل منزل اخد فكرة عن المستشفى وأقسامها
… أرتسمت أبتسامة ثقة بوجه هند قبل أن تنهض نحو مما جعلنى أتراجع بعض سنتيمترات الى الخلف وهى تقول
- أكيد يا دكتور من حقك ترتاح بعد المشوار الطويل ده
… قالتها ثم مالت نحو مكتبها وألتقطت سماعة هاتفها الأرضي لتطلب رقم داخلى وبعد لحظات قالت
- أيوة يا حسن كل حاجة تمام فى أوضة دكتور أدهم؟ .. طيب تمام تعالالى مكتبي عشان توصل دكتور أدهم لأوضته ومش عايزاه يشتكى من اى حاجة مفهوم.
… أغلقت هند الهاتف ثم عادت لتقف أمامى قائلة
- أتمنى تتبسط معنا يا دكتور .. ولو فى أى حاجة ضيقتك او تعبتك ولو صغيرة عرف سيلين فى الاستقبال بس وهتلاقينى قدامك بحللك أى حاجة وبريحك لأبعد من ما ممكن تتخيل
= ها؟!! .. اه أكيد .. أكيد أن شاء الله
… لحظات صمت مرت بين نظراتنا نحو أحدنا الأخر قبل أن ينتشلنا منها صوت طرقات حسن الرتيبة على الباب والذى دعانى للذهاب معه، ولكن عند خروجى من مكتب هند لا أعلم لما شعرت بقشعريرة تسرى بجسدى فسرقت نظرة خاطفة نحو هند قبل أن يغلق حسن الباب لتصيبنى صاعقت ما رأيت .. أن هند كانت تخلع قميصها العلوى لتصبح عارية تماما من الجزء العلوى وقد نظرت نحوى بأبتسامة صعب على تفسيرها وانا اراها عارية هكذا وهى تتجه نحو يسار الغرفة قبل أن ينغلق الباب تماما وأذهب مع حسن لنستقل المصعد ؛ كانت عاصفة من الاسئلة تفتك بعقلى بسبب ما حدث للتو ونحن نصعد نحو الطابق الثالث حيث تتواجد غرفة أقامتى، وعندما خرجنا من المصعد نظرت بالمكان أتفقده بنظرات سريعة، ولكن ما .. ما هذا؟ !!