((مُغرَم بك))ِ (صَغِیرة ولَکِن..القيادي)
مُغـرَم بـكِ
ــــــــــــــــــ
فزعت حين وجدته يولج الغرفة بغتةً عليها وهي متسطحة على التخت فنظرت له بارتباكٍ وتوجس، اوصد أيهم الباب عليهم بالمفتاح وهو يحدق بها بنظراتٍ غير مفهومة، اعتدلت رسيل في نومتها وقد انجلى التوتر في نظراتها المهزوزة بلمعة ما حملت الكثير من الضيق والخوف معًا، تقدم أيهم منها والنظرات الواجمة متبادلة بينهما ثم وقف أمامها بطلعته المُهيبة، لم تُبين رسيل أنها تخشاه حين سألته بقوة مصطنعة:
– جاي عاوز أيه؟، خلاص اللي زعلت منه واللي خلتني اسيب الفيلا علشانه نزل!
سأل بهدوءٍ مقلق:
– إزاي؟
ارتبكت رسيل وهي تنظر إليه فهي السبب في نزوله، لكنها تذكرت عدم رغبته في مجيئة وهذا ما عاونها لتشدد من ثباتها، ردت بتهكمٍ متعمد:
– يهمك نزل إزاي، تلاقيك مبسوط!
لم يتحمل أيهم هراءها حتى هدر معيدًا سؤاله بانفعال:
– لما أسألك تردي عليا، نزل إزاي، إنتي اللي نزلتيه؟
ازدرت رسيل ريقها وارتعد بدنها وهي ترى نظراته الحادة نحوها، لم تأتيها الجُرأة لسرد ما حدث، ردت بتذبذبٍ:
– نزل لوحدُه، أنا زعلت قوي وضغطي كان عالي، ولقيته نزل!
بدا ردها مقنعًا له، هي كدارسة للطب لم تخفق في قول أحد تلك الأسباب المُسببة للإجهاض، زم أيهم شفتيه وتعابيره غامضة خفقت في استشفاف ما يفكر به، قطع وصله تخمينها عمتها من الخارج وهي تطرق الباب بقوة:
– افتح الباب اوعى تعملها حاجة هوديك في داهية
شهقت رسيل في نفسها من حديث عمتها له، نظر لها أیهم قائلاً بأسى وسخرية:
– عمتك عاوزة توديني في داهية، أنا جوزك وابن جوزها!
ردت رسيل بتبرير:
– هي خايفة تضربني أو …
بتر جملتها الهوجاء هادرًا باستنكار:
– اسكتي، هنرجع تاني للكلام ده، بعد كل اللي عملته علشانك، خلاص نسيتي كل حاجة وزعلتي مني
ارتبكت رسيل من نبرته، كذلك سميرة التي استمعت لحديثه، لم يهمها كل ذلك بقدر عدم تعنيفها بسبب نزول الجنين وإهمالها في ذلك، ثم انتبهت له يقول بصلابة:
– يلا علشان نمشي من هنا، أنا جاي علشان ترجعوا معايا!
هتفت رسيل باملاقٍ حانق:
– بسهولة كده عاوزني ارجع، اسبوعين مسألتش وجاي تؤمرني ارجع معاك، ولا حتى ندمان علشان كسرت قلبي
نفخ أيهم بقوة مفرغًا عدم التعصب عليها، رد بتصميمٍ وحزم:
– ولادي هيرجعوا معايا ودا أكيد، فأنا بقولك يلا إنتي كمان!
حملقت فيه رسيل مرددة باندهاش:
– إنت عاوز تحرمني من ولادي لما هتاخدهم، فاكر نفسك تقدر تحرمني من حد منهم
هتف بضيق:
– دا اللي فهمتيه، أنا باعرّفك إني مش راجع لواحدي ومش هسيب ولادي، يلا قومي علشان هنرجع دلوقتي، ولا تكوني عاوزة تطلقي زي ما وصلني
قالها بسخرية حملت غيظه، ردت بغرابة:
– أنا مقولتش إني عاوزة اطّلق، حتى لو زعلانة منك متوصلش لكده، أنا يهمني ولادي ميتأثروش بحاجة
هتف بسخط:
– فيكي الخير، خلاص مبقاش يهمك غير الولاد، وأنا لأ؟
ردت بنظرات متوترة:
– مش هسامحك على اللي عملته لما عرفت إني حامل
تنهد بهدوء ظاهري قائلاً:
– يلا قومي عندي بكرة شُغل ولازم نرجع دلوقتي……!!
__________________________
في الأســكندرية ….
استلبت النظرات الحانقة له بعدما تعمد السخرية من ثيابها، رغم اناقتها وهيئتها البسيطة لكنه سخط منها لا تعرف السبب، جلست زينة بعدم راحة وهي تراقبه وهو يرقص برفقة “لما” دون لفت انتباه تريد بداخلها الثأر لنفسها فقد استفزها، جلست بمفردها على اريكة جانبية ثم أخذت تتابع الحفل في صمت…
في إحدى الزوايا كان يرقص الشباب سويًا بمرح على النغمات الأجنبية، شعرت “لما” وهي ترقص مع آيان ببعض الإرهاق، توقفت لتقول بنهجٍ واجهاد:
– هروح التواليت أغسل وشي علشان افوق، حاسة إن دماغي بدور بيا
هز آیان رأسه متفهمًا وهو يتوقف عن الرقص، ردد باستفهام:
– تعبانة ولا حاجة؟
نفت مُحركة رأسها وهي تلتقط أنفاسها:
– لأ، تعبت بس من الرقص
نظر لها مبتسمًا بهدوء فتحركت هي ناحية المرحاض، نظر آيان من حوله يفكر عن ما يفعله، لا إراديًا وقعت عيناه عليها وهي جالسة بمفردها فابتسم بحنق، لمحته زينة فتأففت لاوية شفتيها، لتهرب من نظراته نحوها نهضت لتبتعد عنه فحتمًا سيُعاود سخريته منها، راقب آيان تحرّكها حيث توجهت زينة للعوامة من الخارج، لم يعرف لما دفعته رغبة ما في الذهاب إليها….!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
سارت “لما” ناحية المرحاض بتعابيرٍ مكشرة وهي تمسك ببطنها شاعرة بمغصٍ ما، عرجت ناحية المرحاض لتصطدم بشخصٍ ما يدلف من المرحاض فشهقت متفاجئة حين التصق وجهها بصدره فاضطرب الأخير، سريعًا ابتعدت عنه ثم قالت بتوتر وهي تنظر إليه:
– أ.أسفة
ثم شردت للحظات متأملة إياه عن كثب، لم يختلف عنها حتى بادلها النظرات وهو يمرر أنظاره على وجهها، انتبه زين لنفسه ثم تنحنح بخفوتٍ قائلاً بحرج:
– محصلش حاجة
اقصت “لما” نظراتها المحرجة عنه ثم تحركت قائلة:
– عن إذنك
ثم مرقت من جواره لتلج المرحاض وقلبها ينبض بقوة، بينما تسمّر زين لوهلة موضعه وقد شغله فكره فيها، تنفس بهدوء ليخفف من توتره ثم تحرك ليُغادر المكان…..!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
دلف آيان خارج العوامة فوجدها تستند على الدرابزين الحديدي وتتطلع على سكون الأمواج من أمامها وهي ممسكة بكأسٍ من العصير ترتشف منه ببطء، نظرت زينة أمامها للمياة التي خيّم الظلام عليها بجموح، شهقت بفرغ حين وجدته يقف بجوارها ليُجذم فكرها، نظرت له زينة بغيظٍ مكبوت لكنه استنبطه فابتسم بسخرية، عاود حديثه المُثير للحنق قائلاً:
– أيه يا بنتي اللي إنتي لبساه ده بجد، باين عليكي بنت ناس، ليه متلبسيش زي مايا و”لما”!
عقدت حاجبيها مستفهمة باستهزاء:
– وأيه بقى اللي مش عاجبك في لبسي؟
بحركةٍ أججت غضبها حين أشار باصبعه على حجابها قائلاً بتمردٍ:
– البتاع دا مبحبوش، بأحس البنت سوري يعني مش حلوة أو شعرها وحش، وبصراحة مش متعود على كده!
أحدت زينة إليه النظر بقسوة، هدرت بازدراء:
– والله أنا واحدة مسلمة، وعادي وواجب لما ألبسه، إنت بقى وأهلك مش لابسين دا موضوع تاني
هتف بنبرةٍ منفعلة ونظراتٍ حادة:
– ملكيش دعوة بأهلي
– وإنت ملكش دعوة بلبسي، أنا حرة فيه، دخلك أيه تقولي كده
ردت بغضب علیه، هتف هو بنبرة تلميح استفزتها:
– خلاص هاسكت، بلاش أحرجك أكتر من كده
بدأت أنفاس زينة تعلو بغضب، لم تدري بنفسها إلا وهي تسكب العصير على حلته مرددة بغيظ:
– كده لبسك ميعجبنيش أنا كمان
تفاجأ آيان بما فعلته وانصدم وهو يتأمل ملابسه التي اتسخت بالعصير، وجه بصره لها هاتفًا بتجهم رغم هدوءه:
– قد اللي عملتيه ده؟!
رمقته بنظرة ساخطة جعلته يمسك فكها بغتةً فأخرجت صرخة ضعيفة مصدومة من ردة فعله، هدر بتوعد:
– أنا مش هعديهالك، شكلك مش عارفة أنا مين!
حاولت إبعاد يده من على فكها فخفقت، قالت بتخوف:
– ابعد عني!
لم يبالي آيان بها بل شدّد من ضغطه على فكها فتألمت وهو يرمقها باغتياظ، في تلك اللحظة لمحهم زين حين دلف للخارج، انصدم مجحظًا عينيه ليتدخل على الفور، وذلك حين توجه ناحيتهم شبه راكضٍ، من الخلف أبعد آيان عنها وهو يمسك بذراعيه، ردد بتوبيخ:
– اتجننت يا آيان، أيه اللي بتعمله ده؟!
جاهد آيان على التملّص منه هادرًا بانفعال:
– سيبني يا زين!
كتفه زين من الخلف بكل قوته متجاهلاً إياه، وجه بصره لزينة التي تمسك بذقنها وبدت نظراتها خائفة، خاطبها برزانة:
– اتفضلي لو سمحتي، حقك عليا أنا
هزت زينة رأسها بامتثال وهي تلقي نظرة خوف لآيان الذي رمقها بضيق، تحركت تاركة المكان حين ولجت للداخل، هنا ترك زين ذراعيه فتشنج الأخير هاتفًا بتبرم:
– إزاي تمسكني كده يا زين قدامها، دي بنت قليلة الأدب، شايف عملت فيا أيه
ثم جعله ينظر لثيابه المبتلة بعصير الفراولة، قال زين بعقلانية:
– مهما عملت ميصحش تمد إيدك عليها، الله أعلم لو مكنتش جيت كنت عملت معاها أيه
تأفف آيان مرددًا بتضايق:
– تستاهل، هي لسه شافت مني حاجة!
سأل زين عاقدًا حاجبيه من لمحه لعدائيته لها:
– وأيه بقى اللي حصل علشان تعمل معاك کده؟!!…..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
هندمت زينة حجابها وملابسها كي لا تُثير ريبة من حولها في أمرها قبل أن تتعمق للداخل رغم ارتجافتها الداخلية مما حدث، بحثت بأنظارها هنا وهناك على “لما” ومايا، وجدت مايا ما زالت ترقص مع أحدهم ومندمجة مع النغمات، تحركت نحوها لتخبرها بأنها ستُغادر، لكن وجدت من يمسك ذراعها فشهقت باضطراب معتقدة بأنه آیان وهي تلتفت لمن يمسك بها، اندهشت “لما” من خوفها فسألتها بصوتٍ أبح:
– مالك خايفة كده ليه؟
رد رينة بارتباك في نبرتها:
– مافيش.أنا ..عاوزة امشي زهقت
هزت “لما” رأسها قائلة بعدم راحة وتعب بدا على وجهها:
– أيوة هنمشي للأسف، أنا كمان تعبانة
ثم امسكت ببطنها فادركت زينة بحِسها أن زائرتها الشهرية قد أتت، خاطبتها بلطف:
– شكلك تعبانة قوي، أنا هروح أكلم مايا علشان نمشي
اومأت لها “لما” بموافقة ثم وقفت تنتظر، تحركت زينة ناحية مايا ثم اخبرتها عن أمر “لما” فقط وأنها مريضة كي تأتي، بالفعل حضرت مايا معها حتى وصلن لـ “لما”، سألتها مايا بقلق:
– تعبانة قوي؟
رد “لما” بعبوس:
– قوي يلا نمشي
لم يمانع أي منهن في المغادرة، توجه ثلاثتهن ناحية الخارج لتجد زينة آيان وزين بينهما شد وجذب في الحديث، لمحت “لما” هذا الشاب الذي اصطدمت به مع آيان فتيقنت بأنهم أصحاب، توجهت “لما” لتعتذر من آيان مستأذنة بالرحيل، بينما قالت زينة لمايا:
– تعالي نستناها في العربية!
وافقت مايا ثم سارت معه لتهبط العوامة وسط نظرات آيان التي تتابعها بغيظ، انتبه حين تحدثت “لما” بنصب:
– إحنا هنمشي بقى، بصراحة تعبانة وعاوزة ارتاح
ثم خطفت نظرة لـ زين فوجدته ينظر لها، رد آيان مزيفًا ابتسامة:
– خلاص طالما تعبانة اتفضلي وسلامتك
ابتسمت له بوهن ثم تحركت لترحل متحاشية النظر لـ زين فنظراته وترتها، انطلقت السيارة بالثلاث فتيات تحت أنظار زين وآيان، سأل زين بحذر:
– هي مين دي يا آيان؟!…….
__________________________
صرخ الأبناء الخمسة بتهليلٍ حار حين رأوه أمامهم في حديقة الفيلا، بخطواتٍ راكضة توجهوا نحوه، اتسعت ابتسامة أيهم وهو يتطلع عليهم باشتياق، داروا من حوله فمنهم من تشبث بقدميه ومنهم من انحنى أيهم بجذعه وحمله، خاصةً الصغار من لهم النصيب الأكبر في أن يحظوا بحضنه الدافئ وهما “آدم” و”راسل”، ضمهم أيهم بشوقٍ جارف وهو یردد:
– وحشتوني قوي
دلفت رسيل خارج الفيلا ثم رأت هذا المشهد فابتسمت بضعف ثم أخذت تتحرك نحوهما، بينما أخفض أيهم نظراته ليتأمل بحب من يمسكون به ينتظروا دورهم في الحضن الأبوي، ابتسم لهم ثم بحركةٍ ودية قال عمرو مبتسمًا وهو يمد يديه له:
– هاتهم
اعطاه أيهم الصغيرين ثم بدأ في الترحيب بابناءه من الصغير للكبير موزعًا قبلاته المحببة على وجناتهم، وصلت رسيل منضمة لهم ومن خلفها عمتها ثم وقفت بجوارهم لتمسح على رأس أحد ابناءها بلطف، قال عمرو بانكار:
– طالما واحشينك كده مجتش تشوفهم ليه من اسبوعين
نظر له أيهم وهو يحمل طفله أدهم مجيبًا باحتراس:
– كان عندي شغلك وسافرت
ثم نظر لرسيل فهي قد أخبرته بأن الجميع هنا لم يعرف بأنهما تخاصما، قال عمرو محركًا رأسه بتفهم:
– اوعى تكون زعلت علشان البيبي نزل، رسيل مكنتش تقصد
ارتبكت رسيل وجف حلقها، بينما لم يعي أيهم مقصده لیقول:
– وهي هتقصد تنزله ليه!
نظرت رسيل لعمرو متمنية من الله عدم قوله لشيء، لكن الأخير رد باستياء ليكشف ما خبأته:
– هي لما ركبت الحصان نسيت إنها حامل وخرجت بيه
فورًا كان أيهم ملتفتًا لها ليجدها تنظر له بتعابيرٍ باهتة، هنا اتضحت الأمور بالنسبة له، هزت رأسها بأنها لم تتعمد ذلك، فتريث أيهم ولم يتعمق في الحديث ليؤجّله لوقت لاحق، نظر لعمرو قائلاً ببسمة مزيفة:
– طيب إحنا هنمشي بقى علشان منتأخرش لبليل
تدخلت سميرة مخاطبة رسيل:
– طيب ما تسيبي البنت يا رسيل، بتوحشني قوي وأنا اتعودت اقعد هنا مبحبش هناك
انتبه أيهم لحديثها فادرك بأن رسيل تريد أخذ الطفلة معها، لكنه لمح في حديث سميرة بأنها لا ترغب في المكوث معه، ابتسم بتهكمٍ قائلاً لها:
– لو بتضايقي من وجودي ممكن أمشي، فيني أنقل على فكرة في أحسن مكان
ارتبكت سميرة من حديثه بينما التزمت رسيل الصمت فعمتها تتحاشى البقاء معه في مكانٍ واحد، تدخل عمرو نافيًا:
– عمتي متقصدش يا أيهم!
تنهد ايهم بعدم إكتراث فلا يهم، اردف عمرو حديثه لرسيل قائلا بتكليفٍ:
– رسيل ممكن تبقي تتكلمي مع زينة، هي بطمني عليها بس يمكن عاوزة حد يتكلم معاها وتاخد راحتها، انتوا زي بعض وهتفهمي علیها
تفهمت رسيل مقصده فردت بطاعةٍ فورية:
– حاضر هاكلمها وأشوفها عاملة أيه وهاخليها تحكيلي كل حاجة
ابتسم عمرو لها بامتنان فتدخل أيهم أمرًا إیاها بجمود:
– مش يلا نمشي بقى…….!!
__________________________
عودة للأســـكندرية….
احتضنها من الخلف وهي راقدة بجانبه دافنًا وجهه في عنقها فابتسمت، طبع زين قبلة حارة علیه قبل أن يلفظ بـ:
– باحبك
اغمضت نور عينيها مستسلمة لكلمات الوالهة، ردت تلقائيًا:
– أنا أكتر
ادارها زين إليه ليشبع نظراته منها، تأمل وجهها الذي لم يختلف عن السابق كثيرًا بحب سافر قرأته في تلك النظرات، قال بعشق:
– أنا محظوظ، عشت الحُب اللي بيحكوا عنه، قلبي خلاص متعلّق بيكي، لأ حياتي كلها
وضعت نور كفها لتلامس خده مرددة بتودد:
– عيشتني معاك أحسن سنين عمري، ولسه عاوزة كتير من كلامك الحلو
ابتسم زين قائلاً:
– وعمري ما هابطل اقولك أحلى كلام
ثم دنا منها مُقبلاً إياها قبلة عميقة، ابتعد زين عنها حامدًا الله لوجودها معه، قالت نور بتردد:
– بس أنا خايفة على آيان، ممكن علشان سايبينه براحته يعمل حاجة مش كويسة أو ياخد طريق مش حلو!
رد زين باعتراض:
– آيان أنا واثق فيه، وكمان تربيتك يعني عُمره ما هيفكّر يستغل كل اللي بنعمله علشانه ويتصرف وحش
تنهدت نور بعدم راحة، شعر زين بها فأكمل مطمئنًا إياها:
– متخافيش يا حبيبتي، أنا هتابعه من بعيد لبعيد
ابتسمت نور بخفوت، هتفت قائلة بتذكر:
– على فكرة دا ميعاد الدوا بتاع عمي!
ثم اعتدلت لتسحب روب نومها من جوارها، قال زين وهو يتثائب:
– طيب هنام أنا على ما ترجعي، عندي اجتماع مع واحد من الصعيد بخصوص حاجة في المنتجع
هزت رأسها بتفهمٍ قائلة بلطافة:
– نام يا حبيبي إنت
ثم نهضت وهي تحكم غلق الروب عليها، تحركت نور نحو الخارج متجهة لغرفة عمها بالجوار، بينما غط زين في نوم عميق…..!!
__________________________
حين ولج شقتهم وجدها بانتظاره، من المفترض أن تكون والدته، لكنه تفاجأ بأخته الصغرى هي من تترقب حضوره بين فينةٍ وأخرى، اندهش زين من ذلك فسألها:
– معقول مستنياني؟!
تأكد من استنباطه حين وقفت أمامه قائلة بتطفلٍ:
– أيوة مستنياك، قولي بقى عملتوا أيه في الحفلة، وكمان آيان عامل أيه وكان بيكلم مين؟
تعجب من اسئلتها الكثيرة قائلاً:
– ليه كل ده، هي حفلة عادية ومافيهاش حاجة
– طيب احكيلي عملتوا أيه!
توسلت إليه فتأفف قائلاً بارهاق:
– بكرة هحكيلك، أنا جاي تعبان وعاوز أنام
ثم تحرك ناحيه غرفته فأوقفته مرددة باستجداء:
– طيب هاسيبك ترتاح، بس اوعدني بكرة تحكيلي
رد باقتضاب:
– إن شاء الله
لمحت لين قبل تحرّكه أحمر شفاة على قميصه الأبيض فهتفت بتعجب:
– مش دا روچ!، بيعمل أيه على قميصك؟
ثم نظرت له بشكٍ فجهل زين ما تعنيه، وجه بصره لهذا الأحمر الذي طبع شفاة إحداهن ثم ارتبك، عاود النظر لاخته مجيبًا بحيرة:
– أنا مش عارف دا جالي منين!
بدت نظراته توتره أكثر من شكها فيه، ابتلع زين ريقه مبررًا:
– بقولك معرفش دا جالي منين، اوعي مخك يوديكي لحاجة تانية
رد لين بتلميحٍ لم تعجبه:
– عادي يا زينو، إنت راجل وتعملي اللي إنت عاوزوه
لم يرتاح زين لكلامها فهو لم يفتعل شيئًا، اختصر الحديث معها قائلاً:
– تصبحي على خير
ثم توجه لغرفته وهي تتعقبه بقتامة، كزت على أسنانها قائلة بعدم ارتياح:
– لما زين العاقل على قميصه روچ، يبقى التاني بقى كان بيعمل أيه!
تأكدت لين من ارتيابها فيما يفعله آيان، عاودت النطق قائلة بوعيدٍ ضروس:
– كده بقى كل حاجة وضحت، حتى إنت كمان يا زين، وماشي يا سي آيان، بس أنا بقى مش هاسكت وهقول على اللي بتعمله إنت والبنت السمجة دي ……!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
اوصد زين غرفته عليه ثم تعمّق للداخل وهو يتأمل الأحمر محاولاً تذكّر كيف لطخ قميصه، توجه للمرآة ناظرًا لانعكاس صورته وهو يسأل نفسه:
– منين الروچ ده؟
ثم تعمّق بفكره أکثر للخلف وهو يتذكر ما مر عليه طوال السهرة، بغتةً جاءت على ذهنه وارتسمت صورتها في مُخيلته، تذكر وقت ارتطدمت به فعفويًا ابتسم وهو يحدق في صورته، عاود النظر لموضع الأحمر ثم بطرف اصبعه لامسه فشفاهها كانت مطبوعة عليه، تنهد بشموسٍ وهو يستدير متحركًا ناحية تخته ثم استلقى عليه ناظرًا للأعلى، لم يشلح ثيابه بل ظل بها وفكره مأنوس بحديث آيان عنها، أجل هي معه بالجامعة، هذا سيعني رؤيته لها، قال بحيرة:
– بقالها سنتين معايا في جامعة واحدة وعمري ما شوفتها
ثم تنهد ليعرف بأنها ليست معه بنفس الصف ليراها، ردد من بين شفتيه اسمها:
– “لمــا”……..!!
__________________________
ولجت نور غرفة عمها باحتراسٍ فوجدته متيقظًا فابتسمت بشدة له، نظر لها فاضل بمحبةٍ جمة وبسمته زيّنت ثغره وجعلت وجهه المجعّد يضحى أملسًا، تحركت نور ناحیته قائلة بتحننٍ:
– أكيد مش عارف تنام، الدوا هو اللي بينيمك!
رد بنبرة ضعيفة:
– أعمل أيه، مبقاش بيجيلي نوم
ابتسمت له بحب ثم وجهت انظارها لعلب الدواء الخاص به، باشرت نور في اعطاءه الدواء فقد اشتد عليه المرض في الفترة الدابرة ليصبح طريح الفراش، حيث ساءت حالته بالأكثر لوفاة زوجته السيدة فاطمة، تناول فاضل الدواء بتعثرٍ ثم عاونته ليبتلعه، كانت ملامحه ما زالت في شبابها لكنه بغض الحياة من وفاة أخواته وزوجته ليكتفي بهذا القدر من العيش في تلك الحياة التي استرقت منه أحبابه بغدرها؛ انتهت نور فنظر لها فاضل قائلاً بمعنی:
– باخد الدوا علشانك إنتي يا نور، عارف إنك بتحبيني ومش عاوزاني افارقكم
هتفت نور بتمنٍ:
– ربنا ما يحرمنا منك يا بابا وتفضل معانا، صدقني إنت اللي بتخلي أيام حلوة لما باقعد اتكلم معاك
ابتسم لها بوهنٍ مرددًا:
– حبيبتي ربنا يحميكي لولادك، أنا مبسوط بيهم قوي ومن تربيتك ليهم
ملّست على كفه قائلة بمعنى:
– متعلقين بيك يا بابا، وخصوصًا عُمر ورحمة
تذكر فاضل مشاكستهم له فضحك بضعف، سمعت نور سيارة ما تدلف الفيلا فعرفت أنه آيان قد وصل، نهضت قائلة بود:
– لازم تنام بعد الدوا
بالفعل بدا على فاضل النعاس، دثرته نور جيدًا ثم تحركت لتتركه يغفا على راحته بعدما اخفضت الأنوار ثم دلفت موصدة الباب خلفها….
تحركت في الرواق لتجد ابنها يصعد الدرج حاملاً سترته بيده ومزاجه ليس بجيد فقطبت جبينها مستغربة، عرج آيان ليسير بالرواق فوجدها فارتبك، لمحت نور اتساخ ملابسه فخاطبته بدهشة:
– أيه اللي وسخ هدومك كده؟!
رد مبتلعًا ريقه بتلعثم:
– مافيش دا عصير فراولة وقع عليا، وقفت الحفلة ورجعت!
زمت نور شفتيها ثم اقتربت منه قائلة بحرس:
– المهم تكون عاقل في تصرفاتك، وتعرف الصح من الغلط، والحرام من الحلال
مقارنتها الأخيرة قالتها بتلميحٍ جعله يعي مرادها منها، رد آيان بتأكيد:
– عارف كل ده يا ماما، وأنا مش باعمل حاجة غلط
فورًا زيّفت نور ابتسامة مرددة باعتراض:
– عارفة يا حبيبي، أنا مقصدش إنك بتعمل حاجة وحشة، إنت ابني وواثقة فيك
لم يرتاح آيان لحديثها معه وهو ينظر لها محاولاً سبر أغوار عقلها، كي لا يرتاب منها تابعت نور مختصرة الحديث معه:
– يلا يا حبيبي ادخل نام علشان عندك جامعتك …….!!
__________________________
قبّل جبهة صغيره بهدوء وهو راقد في تخته الخاص ثم اعتدل متوجهًا لسترته كي يرتديها، راقبت خلود ما يفعله بعدم رضى وأسى، تحركت نحوه متسائلة بحزن:
– رايح فين يا مازن وسايبني؟
رد وهو يوليها ظهره مكملاً ارتداء سترته:
– خارج، رايح أسهر مع جماعة أصحابي
هتفت باملاق:
– وأنا يا مازن، هتسيبني لوحدي علشان تروح تسهر
استدار ناحيتها ليرد باستهزاء:
– نامي كويس وخلي بالك من الواد أحسن
ادركت خلود بأنه يتعمد تذكيرها بوفاة ابنهما الثاني، هي لم تكن المخطئة ولكن ألقوا عليها التُهم بأنها أهملته، لم يرأف أحد بحزنها على قطعة منها لتتوالى عليها المآسي، ردت بلمعة حزنت في عينيها:
– طيب هتفضل مبتكلمنيش لحد امتى، إنت وحشتني يا مازن، بقالك كتير بعيد عني
ثم اقتربت منه لتلاطفه بحركاتها وقبلاتها على وجهه لكنه أبعدها عنه هادرًا بقسوة:
– ماليش مزاج، واعرفي إن وجودك هنا لحد دلوقتي علشان ده وبس
كان يشير لصغيره النائم في تخته، تحسّرت خلود على حالتها لتجد الضغينة تجاهها، بدت تقرأ الجهل في تصرفاتهم حيال ما حدث، فكل ذلك بمشيئة الله، حتى المرض أيضًا!، انتبهت خلود له يتحرك مغادرًا فتحركت خلفه لتلحق به قائلة بتوسل:
– مازن حرام عليك متبقاش إنت كمان عليا، اللي مات دا ابني وبموت من غيره، متسبنيش!،
ثم بكت بحرقة وهي تمسك بذراعه، بتحجرٍ نفض يدها ليغادر فتعالى بكاؤها أكثر مرددة بتحسة وهي تسند رأسها على الباب:
– حرام والله اللي بيحصلي ده، أموت علشان ترتاحوا……!!
__________________________
في القـــاهرة…..
كان الوقت بعد منتصف الليل حين وصلوا للفيلا، غفا الأطفال الستة على المقاعد الخلفية لكن حملت رسيل أصغرهم على قدمها، ترجل أيهم أولاً ثم نادى على الخادمات كي يعاونه في حمل الصغار، ركض بعضهن لتنفيذ أوامره بطاعة عمياء ثم حملن الصغار فرٶیتهم تشرح الصدر، حمل أيهم راسل الغافي على قدم رسيل ثم ترجلت هي، ولجوا للداخل ناحية غرفتهم ثم وضعوهم كل منهم في تخته المخصص له، كان هناك تختًا كبيرًا إضافيًا وضعوا عليه رسيل الصغيرة، انصرفن الخادمات فنظر لها أيهم قائلاً:
– هما ناموا، يلا علشان ترتاحي إنتي كمان
تفهمت رسيل عليه ثم اظلمت عينيها نحوه قائلة باستفزاز:
– عندك حق أنا فعلاً تعبانة وعاوزة ارتاح، يلا اتفضل
لم يعجبه أيهم ما تفوهت به حتى هتف بعدم رضى:
– يعني أيه اتفضل، هتنامي هنا ولا أيه؟!
ردت مكتفة ذراعيها بسخط:
– وإنت فاكر إني علشان رجعت معاك ابقى نسيت، لأ أنا مش مسمحاك يا أيهم
اقترب منها بشدة فارتجفت، قال بضيق:
– رسيل لو هتحاسبيني على كده ممكن أحاسبك على إنك تقصدي تنزليه
هتفت بمعارضة شديدة وتخاذُل:
– أولاً مقصدتش حاجة أنا عارفة ربنا، وثانيًا سيادتك لما زعلتني كان ليه، علشان مش عاوزوه، تحاسبني ليه بقى
رد مدافعًا عن نفسه:
– كنت متضايق علشان مسمعتيش كلامي وعاندتيني، بس رجعت هديت ومكنتش همانع يجي طالما خلاص
ردت نافخة بارهاق:
– أنا تعبانة وعاوزة ارتاح!
تبدلت نظراته نحوها للشوق فرد بحب وهدوء اربكها:
– تعالي علشان ترتاحي في حضني
تراجعت للخلف محتجة بتزعزع:
– لأ أنا لسه زعلانة، يلا امشي وتقرّب مني مش هيحصل!
هتف ناظرًا إليها باستنكار وتضايق:
– رسيل مش هينفع، إنتي وحشتيني
اختلج قلبها برجفةٍ عابرة إثر كلمته الأخيرة فهي تحبه، لكنها ردت رافضة بتوتر:
– برضو لأ، أنا زعلي وحش وعلشان تحرّم تزعلني تاني!
صر أيهم اسنانه بغيظ وهو ينظر إليها، رغم ارتباكها منه تقلدت بالقوة والثبات، رد بحنق:
– هتندمي يا رسيل، إنتي بتحبيني
ضحكت رسيل بخفوت مرددة بعدها بتحدٍ:
– وإنت هتموت عليا، خلينا نشوف!! ……………………..
_________________________
____________________
_______________