((مُغرَم بك))ِ (صَغِیرة ولَکِن..القيادي)

الفصـل الخامس
مُغـرَم بـكِ
ــــــــــــــــــ

تأججت علاقة زين بتلك الفتاة المدعية زيزي في الفترةِ الماضية، وذلك لأنه يحتاج لمن يتحدث معه، أو بالأحرى يُفرغ معها ما يخبئه من مشاعر مسعّرة بداخله تجاه زوجته الصغيرة، حيث انتظرها زين حتى وصلت السنة الأولى من الثانوية العامة وقد اوشكت على النهاية وهو يتأمل أن تصير فعليًا زوجته، نضجت عن السابق أمامه لتزيده رغبة فيها، لكن تعسّف اختيه في عدم قبولهم الإقتراب بينهما جعله يقصي تلك الفكرة لإدعائهن عدم تأهيلها لتلك المرحلة، وذلك لجأ لتلك الفتاة التي وجدها تحتويه، لم يتقرب منها فعليًا لكن حديثه معها يُريحه، رغم عشقه للأخرى التي لم تدرك إلى الآن معنى الزواج وهذا ما جعله ينفر من تلك العيشة بينهما…
توعّد زين مقابلة زيزي اليوم ثم توجه للمرحاض ليغتسل ومن ثَم يرتدي ثيابه ويغادر، أثناء مكوثه بالداخل كان هاتفه يصدح على الكومود، في تلك اللحظة الفارقة ولجت نور لتنتبه للهاتف، من أصوات المياة فطنت أنه بالمرحاض لذا لم تقطع اغتساله، توجهت للهاتف ثم نظرت لشاشته لتنصدم من اسم فتاة تدعى زيزي، لم تفسّر تعابير نور وهي ترى وجود علاقة بينه وبين أخرى، شعرت بالغِيرة وهي تحدق في اسمها بنظراتٍ نارية، بعثت له الفتاة رسالة مقتضبة بأنها تنتظره بداخل عوامته، شهقت نور بصدمة لتظن بأنه تزوجها ثم حزنت في نفسها، تنبهت له يفتح الباب ففورًا وضعت الهاتف كأنها لم ترى شيئًا، دلف زين من المرحاض ليجدها واقفة تنظر له بنظرات خالية من التفسير، خاطبها وهو يتقدم منها مجففًا لشعره بالمنشفة:
– إنتي جيتي، أنا افتكرتك هتنامي عند سلمى!
قالها بسخرية لم تتفهمها، بينما ابتلعت هي ريقها لتجيب بهدوءٍ زائف:
– لأ، أنا هنام هنا، من إمتى وأنا بنام عندها، ولا إنت كنت عاوز كده؟!
سألته بنبرة متهكمة لم يكترث لها قائلاً:
– عادي براحتك خالص
ثم استدار متحركًا نحو غرفة تبديل الملابس وهي تتعقبه بنظراتها المتوهجة بغضبٍ ضاري، جلست نور على طرف الفراش تقطم أظافرها بتفكيرٍ حول ما عرفته، شعور الأنثى بداخلها اضطرم في تلك اللحظة لا تريده لغيرها، جاءها تفكير مجازف في مراقبته وكشفه فهي على علم بمكان عوامته، خاطبت نفسها متخذة قرارًا:
– خلاص هراقبه، وأشوف مين البنت دي وأحلى مني في أيه؟!
ثم لاحظت انتهاءه من ارتداء ملابسه، تحرك زين ليجلب اشياءه الخاصة متأهبًا للخروج وسط نظراتها التي تراقبه في صمت، نظر لها قائلاً باقتضاب وهو يخرج:
– تصبحي على خير
ثم دلف للخارج فنهضت هي مستعدة لتنفيذ ما انتوت إليه، انكتلت نحو الخارج بأنفاسٍ مضطربة، قابلتها سلمى أثناء هبوط الدرج فقالت بتعجب:
– رايحة فين مش قولتي هتنامي؟!
ردت بعجالة:
– زين رايح لواحدة بنت دلوقتي، ولازم ألحقه وأعرف هي مين!
هتفت سلمى باستنكار متجاهلة باقي حدیثها:
– اتجننتي، عارفة الساعة كام دلوقت؟!
لم تهتم نور فهتفت وهي تكمل طريقها:
– ميهمنيش، أنا هروح الحقه
ثم هبطت نور الدرج بخفة وسط نظرات سلمى المدهوشة والتي عارضت في نفسها خروجها في هذا الوقت، هتفت لتمنعها:
– نور استني أنا خايفة عليكي الوقت متأخر!
كانت قد خرجت فتحيّرت سلمى ماذا تفعل؟، قررت مهاتفة زين واخباره فهذا هو الحل ليعود، کما انتبهت لحدیثها بوجود فتاة فاعتزمت البحث عن ذلك، بخطوات سريعة تحركت سلمى لغرفتها لجلب هاتفها وإخباره….!!
في الخارج استقلت نور إحدى سيارات الأجرة بعدما أخبرت السائق عن وجهتها، ثم انكمشت في نفسها من جلوسها مع شخصٍ غريب لخوفها منه…!
______________________________

رغم أن نية زين لم تصل لتلك الدرجة من الخيانة وهو مجرد لقاء ودي إلا أنه بالفعل مل، بات مقيدًا بها وزوجته هي فقط، لم يشعر به أحد فلن يتحمل الرجل بأن تطول فترة زواجه بهذا الشكل ليجد الأنانية في قلوبهم، مسح زين على شعره وهو يقود سيارته مخففًا من همه، لحظات وانتبه لرنين هاتفه ثم مد يده في جيب سترته الأمامي ليجلبه، خطف نظرة على شاشته لمعرفة هوية المتصل فوجدها اخته، أجاب بهدوء:
– خير يا سلمى!
هتفت سلمى بتلهف:
– زين إرجع بسرعة، نور عرفت إنك رايح تقابل بنت وخرجت وراك
فجأة وجد زين نفسه يوقف سيارته لتحدث صفيرًا عاليًا، اضطرب من ذلك متسائلاً بغرابة:
– ورايا فين، إزاي تخرج في الوقت ده؟!
ردت سلمى بتوجس:
– إلحقها يا زين دي متعرفش حاجة وحتى خرجت من غير ما تسمعني
رد بتفهم:
– خلاص إقفلي يا سلمى وأنا هاشوفها
ثم أغلق الهاتف ليتصل بتلك الساذجة وهو ينفح بانفعال، لكن عقله توقف عند نقطة معينة لم ينتبه لها وهو يضغط أرقام هاتفها وهي علمها بأنه على معرفة بفتاةٍ أخرى، شبح ابتسامة فرحة ارتسم على ثغره وهو يرى غِيرتها وعدم قبولها ذلك، جاء صوتها المختلج بتوتر فانتبه مستفهمًا:
– إنتي فين بسرعة؟
ردت بارتباكٍ شديد:
– أنا نايمة
هدر باهتياج:
– كدابة، سلمى حكتلي على كل حاجة، قولي فين وراكبة مع مين؟
اعتصرها بأسئلته حتى لم تجد السبيل في الهرب، أملت نور عليها مكانها بعدما طلبت من السائق التوقف جانبًا، بعض وقت من إنتظارها الدؤوب وصل زين بسيارته، رأته نور فترجلت وهي ترجف من تعنيفه لها وباتت نظراتها مهزوزة، تحرك نحوها ثم سحبها من يدها بعدما ألقى بعض النقود على السائق بعدم إكتراث، تحرك بها ناحية سيارته ثم دفعها للداخل فانصاعت له نور خوفًا منه، لم يتحدث زين بل قاد سيارته في صمت متجهًا للفيلا وهي تستلب له النظرات المتوترة، كان قد أرسل لزيزي بأنه لن يأتي، فكره الآن مشغول بهذه الطائشة، لكن فرحة بداخله لم يعرف سببها جعلته سعيد بأنها أخيرًا تحركت بمعرفته بأخرى، نعم هذه طباع الأنثى!، بعد وقت من الوجوم الذي قتلها وصل الفيلا؛ صفها أمام الباب قائلاً بأمر:
– إنزلي
ترجلت نور وهي مذعورة ثم وجدت سلمى تنتظرهما، ابتسمت سلمى بانشراح حين وجدتها بخير ثم تقدمت منها، لم يمهلها زین الفرصة للتحدث معها قط بل سحب نور متابعًا الطريق للداخل، زاد خوف نور من هيئته الغاضبة وهو يجرها هكذا، دفعها لداخل الغرفة بعنف فجلست على طرف التخت مستندة عليه فهدر بتعنیفٍ:
– إزاي تخرجي في وقت زي ده؟!
انقبضت في نفسها قائلة بخوف:
– مين البنت اللي كنت هتروح عندها؟
ابتسم في نفسه من سؤالها، لكنه هتف بعصبية مفتعلة:
– ملكيش دعوة، ومن دلوقتي مش عاوز اسمعك بتسأليني عن حاجة، أنا حُر في تصرفاتي، وزي ما قولتلك قبل كده جوازي منك كلام وخلاص، يعني متعمليش فيها مراتي وتراقبيني
هتفت نور بحزن:
– بس إنت قولتلي إنك مش زعلان إنك اتجوزتني، وكنت كويس معايا، ليه اتغيرت
رد بجمود مصطنع حمل بداخله الضجر:
– زهقت بصراحة
شهقت مرددة باندهاش:
– زهقت مني، أنا على طول باكلمك كويس وباقول باحبك
رد بنفاذ صبر:
– خليكي ورا سلمى ومريم أحسن، بس إنتي في الآخر اللي هتخسري، والبنت اللي بتقولي عليها كويسة معايا وبتدور على الحاجة اللي تسعدني
لم تنتبه نور لمقصده بقدر اغتياظه من الحديث عنها، هتفت بشراسة:
– ملكش دعوة بيها، مش هخليك تشوفها
دنا منها بشدة قائلا باستهزاء:
– مين إنتي علشان تمنعيني؟
ردت عفويًا:
– أنا مراتك وباحبك
رد بتهكم وهو يقف أمامها:
– بأمارة أيه؟
رفعت أنظارها ناظرة إليه ولم تجد الرد على ذلك بل ردت بطريقة الهبت حواسه ناحيتها:
– زين حبني أنا
بغتةً كان مقتربًا منها فجعلها تتسطح على ظهرها وصدره عليها فتزعزعت أنفاسها وهي تنظر إليه، رد بمكر:
– وهيحصل أيه لما أحبك إنتي…….!!
==================================
– وبس يا ستي، كل مرة كان بيخرج فيها للبنت دي كنت بجري وراه علشان اقفشه معاها وأخليه يبعد عنها ويرجع معايا
فور نطق نور بذلك ضحكت ابنتها ماريان من قلبها حين سردت والدتها طبيعة العلاقة بوالدها وقت تزوجا، رددت ماريان بعدم تصديقٍ وسط ضحكاتها:
– بجد يا مامي كان بيحصل ده؟!
ضحكت نور هي الأخرى برُقي مؤكدة:
– وكان بيضطر يرجع معايا، ما أنا صغيرة بقى وهروح لوحدي إزاي
استمرت ضحكات مريان لتتابع نور بمعنى:
– علشان كده جوزتك صغيرة في ثانوي، ومش هخليكي زيي وحد يبعدك عن ريان
اقتربت ماريان من والدتها التي تجلس على تختها لتغوص في أحضانها قائلة بامتنان:
– حبيبتي يا مامي يا اللي حاسة بيا، أنا بحب ريان قوي وهو بيحبني، ومبسوطة إننا اتجوزنا
مسحت نور على ظهرها بحنان قائلة بجدية:
– طول ما أنا موجودة هخليكي تعيشي السعادة اللي في الدنيا كلها، وأي حاجة عاوزة تعرفيها وتفهميها تجيلي فورًا وهتلاقيني بأقولك عليها
سعدت ماريان بما تفعله معها والدتها ليشتد الحب ناحيتها أكثر وأكثر، هتفت بمحبةٍ طاغية:
– حبيبتي يا مامي ربنا ما يحرمني منك!
ابتسمت نور لها بودٍ وهي تضمها لأحضانها الحانية، لم ينتبهن لمن يقف عند باب الغرفة ويستمع لكل ذلك بابتسامة هادئة، قال زين بتوضيحٍ جعلهن ينتبهن له:
– بس مقولتلهاش إني كنت باعمل كده علشان تحسي بيا!
ابتسمت نور حين رأته وكذلك ماريان التي ابتعدت عن والدتها ناظرة إليه بفرحةٍ وتلهف، هتفت بتهلل وهي تنهض ذاهبة إليه:
– بابي حمد الله على السلامة، وحشتني قوي
ثم ارتمت في أحضانه ليأخذها زين بين ذراعية قائلاً بحنوٍ:
– عاملة أيه يا حبيبة بابا؟
ردت وهي منغمسة في حضنه الآمن:
– كويسة يا بابا الحمد لله
قال زين بعدم رضى وهو ينظر لنور:
– بتوحشيني قوي لما بتغيبي ومبشوفكيش، بس أعمل أيه مامتك هي اللي وافقت تتجوزي صغيرة
نهضت نور لترد بعدم ندم:
– اتنين بيحبوا بعض ليه تحرمهم يكونوا سوا
– صغيرين يا نور، واحدة في ثانوي والتاني لسه داخل الجامعة!
قال زين باستنكار، بینما ابتعدت ماريان لترد معارضة:
– بس أنا سعيدة يا بابي، وعمتو بتحبني وكلهم حلوين معايا
ربتت نور على ظهرها مبتسمة بلطف، قال زين باذعان:
– خلاص أطلع أنا منها طالما مبسوطة قوي كده
ثم نظر لنور التي اقتربت منه لتقول باصلاحٍ:
– لسه هنتكلم خلاص بقى، تعالى غيّر هدومك علشان نتغدى كلنا
هز زين رأسه ليوافقها الحديث، وجه بصره لابنته قائلاً:
– أشوفك على الغدا يا حبيبتي
ابتسمت له ماريان ثم أمسك زين يد نور ليتوجها لغرفتهما، تنهدت ماريان براحة كبيرة ثم توجهت ناحية هاتفها لتتحدث مع زوجها……!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ضحكت بصوتٍ منخفض وهو يحاوط خصرها من الخلف حين ولجوا الغرفة ليطبع عدة قبلاتٍ متشوقة على عنقها، استنكرت نور ما يفعله قائلة:
– زين إحنا بالنهار، وكمان الولد شوية وهيجي من المدرسة!
رد بلا مبالاة وهو مستمر فيما يفعله:
– وأيه يعني، الولاد خدوكي مني
ثم ادارها إليه طامعًا في المزيد، احنى رأسه ليقبلها لكنها منعته قائلة بتعقلٍ وهي ترجع رأسها للخلف:
– زين مينفعش، البنات هنا وزمان عُمر على وصول
ثم ابعدته فتأفف قائلاً بعدم رضى:
– وبليل لما يناموا يجي سي عُمر وتنيميه في وسطینا
ابتسمت نور برقة قائلة بنعومة وهي تعاونه في شلح حلته:
– بتغِير من ابنك ولا أيه؟
– بغِير من أي حد
قالها مبتسمًا بعشق وهو يطوق خصرها، ردت بوعد:
– خلاص أوعدك الليلة هنكون مع بعض
بحركةٍ مباغتة اختطف قبلة من على ثغرها ليبتعد مرددًا بمكر:
– تصبيرة لحد بليل!
ابتسمت نور ثم نزعت عنه سترته لتتوجه بها نحو خزانة الملابس، قال زين وهو يفك أزرار قميصه:
– هي ماريان هتقعد كام يوم؟
ردت وهي تنتقي له ثيابًا منزلية:
– يمكن يومين، بتقول علشان ريان قالها متتأخريش
قال زين بعدم إقتناع:
– مش عارف ليه جوزتيها صغيرة كده، كل دا علشان أيه مش عارف
ابتسمت نور بألفة لتُجيب بمعنى وهي تتقدم منه حاملة لثيابه المنزلية:
– بيحبوا بعض، هي قالتلي وأنا مكنتش عاوزاها تبقى زيي، كنت بافكر إنها تعيش حياتها مبسوطة مع اللي بتحبه
استمع لها زين وهو يبدل ثبابه، تابعت بمفهوم:
– وحتى لو صغيرة، أنا معاها وبافهمها كل حاجة، وهي سعيدة في حياتها وسلمى بتعاملها زي بنتها، وكمان مش هسيب حد يبوظ حياتها أبدًا
كانت تلمح لما حدث معها، تنهد زين قائلاً بقلقٍ مضحك:
– بس دي هتكبّرنا يا نور بجوازها ده، ويا سلام بقى لو جابتلها عيل، يبقى خلاص راحت علينا!
ضحكت نور بقوة وكذلك هو، قالت بمغزى:
– يكبروا زي ما هما عاوزين، المهم إحنا مع بعض على طول
مرر زين يده على شعرها قائلاً بحب وهو يقبل جبهتها:
– ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي، باحمد ربنا على الولاد اللي بينا، وختامها عُمر الصغير
ردت نور بانشراح جعله يبتسم بشدة:
– أهو عُمر ده اللي مخليني صغيرة قوي في نظر أي حد
ردد باطراقٍ وطلعة أظهرت حبه:
– أصلاً إنتي في نظري زي أول مرة اتجوزنا فيها، إنتي حبيبتي اللي عمري ما حبيت غيرها
تلقائيًا احتضنته نور مرددة:
– حُبك دا اللي عوّضني عن أي مشاكل كانت بينا
ثم بنظراتٍ محببة تطلعت عليه بعدما ابتعدت، ابتسم لها ثم سألها حين تذكر:
– هو أيان مجاش؟، كنت عاوزوه في موضوع مهم…..!!
_________________________________

في كلية التجارة بمدينة الأسكندرية جلسن الثلاث فتيات على احدى الارائك الخشبية بمطعم الجامعة المفتوح لأخذ استراحة بعد المحاضرة الأولى يتناولن خلالها العصائر الباردة وبعض المقبلات السريعة، من على بعدٍ لمحته “لما” قادمًا نحو المطعم فابتسمت بمغزى ثم أعدلت من ثيابها وخصلات شعرها المتدلية متأهبة للحديث معه، تقدم أيان من المطعم بهيئته الراقية وملامحها الوسيمة كوالده زين وعينيه الزيتية التي تشبه والدته بعض الشيء، رفع نظارة الشمسية أعلى رأسه حين خطا بقدمه مدخل المطعم، نهضت “لما” لتقابله فلاحظن الفتيات بأنها تميل له فابتسمن في صمت، وقفت “لما” أمامه مرحبة بنعومةٍ أجادتها:
– هاي أيان، عامل أيه؟
ابتسم لها بأناقةٍ، رد بحضور ذهنٍ:
– هاي “لما”، أنا الحمد لله تأمّلته “لما”
بشرودٍ هائم وهو يُجيب عليها لتتوه في وسامته انتبهت له انتهى من رده فتنحنحت قائلة بتلجلجٍ:
– فينك من يومين، دا أنا كنت بسأل عليك، يا رب تكون كويس؟
رد مخرجًا زفيرًا أظهر فتوره:
– قلت آخد يومين أجازة، روحت شرم شوية
مطت شفتيها باعجابٍ، قالت متنهدة ببعض البؤس:
– يا بختك، بتروح فأي مكان انت عاوزوه، إنما إحنا بقى مينفعش نسافر لأي مكان.
انتبه أيان لزينة ومايا وهن يتابعن ما يحدث باستلابهن النظرات، عاود النظر لـ”لما” قائلاً باقتراحٍ:
– طيب أيه رأيك تيجي إنتي وصحباتك تسهروا عندي بما إنكوا مابتخرجوش برة اسكندرية، أنا عامل بارتي في العوامة بتاعتي يوم الخميس، علشان بنسهر للصبح أنا وكتير أصحابي
نظرت “لما” للفتيات بشغفٍ فقد أعجبتها الفكرة، خاصةً بأنه ستكون برفقته، نظرن لها بحيرة فكيف ذلك، لم تكترث لهن لتنظر له مبدية موافقة تامة، هتفت بحماسٍ:
– موافقين طبعًا، هي دي عاوزة كلام، كفاية إننا هنكون معاك
قالتها بتلميحٍ لينتبه لها فابتسم متفهمًا عليها، رد بمغزى:
– اوكى، يبقى يوم الخميس اشوفكم

برفقة صديقتها المُقرّبة خرجت لين من محاضرتها تنفخ بضجرٍ، تحركن ليتناولن مشروب ما، أثناء سيرها نحو المطعم لمحت ابن خالها أيان يتحدث مع تلك الفتاة السمجة، صرت اسنانها بغضبٍ ثم تحركت منكتلة نحوهم ثم خلّفتها صديقتها متعجبة من أمرها، وصلت لين عندهما وتعابيرها متجهمة للغاية، حدثته كاتمة ضيقها وهي ترمي نظرات احتكارية على “لما”:
– أيان تعالى عاوزة اتكلم معاك
نظر لها أيان متأففًا بينما اغتاظت “لما” من وقاحتها وبداخلها انتوت لها، رد عليها بعدم اهتمامٍ:
– بعدين يا لين، لما نروّح قولي اللي انتي عاوزاه
هتفت باعتراضٍ ممتزج بالضيق:
– بقولك عاوزة اتكلم معاك في موضوع مهم!
زفر بقوةٍ مسلمًا أمره فهي عنيدة، نظر لـ”لما” ليستأذن بأدبٍ:
– طيب “لما” اشوفك يوم الخميس إنتي وأصحابك
امتعضت لين من حديثه معها وأيضًا وجود مقابلات بينهما، فهي ابنة عمته ولم تذهب معه لأي مكان، ابتسمت “لما” برقة ثم ردت بنعومة جعلت لين تستشاط غيظًا:
– أكيد طبعًا هنيجي، وهنكون أول مین هيحضر، وكمان العوامة أنا عارفة عنوانها كويس
حدجتها لين بنظرات مغتاظة، انتبهت بعدها لأيان يقول بأمرٍ:
– يلا تعالي
تحركت من خلفه بعدما رمقت “لما” بنظرة عدم اكتراث فبادلتها “لما” نظرة استهزاء، أشارت لين لصديقتها بالإنتظار فتفهمت الأخيرة، تتبعت “لما” رحيلهم وهي تكاد تبصق على تلك السخيفة، جلست بجوار الفتيات قائلة بغيظٍ:
– شايفين البنت الرخمة دي اللي على طول لصقاله زي اللبانة
ضحكن الفتيات بشدة فضحكت معهم رغم ضيقها منها، قالت زينة بعقلانية:
– على فكرة عيب نروح نسهر مع شباب وفي مكان منعرفوش
نظرت لها مايا و”لما” بنظراتٍ غير مفهومة، ردت مايا بتهكمٍ:
– خليكي في تحفّظك دا لو مش عاوزة تسهري، انما هنروح احنا نسهر، إنتي أصلاً من وقت ما لبستي البتاع اللي على شعرك ده وانتي اتغيّرتي خالص
أعدلت زينة من حجاب شعرها، قالت بعدم رضى:
– والله إنتوا حرين، بس متعملوش حسابي، أنا مش زيكوا، أهلكوا هنا إنما أنا لأ….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وقف بها عند سيارته المصفوفة متسائلاً بتضجّرٍ:
– قولي يلا عاوزة أيه علشان عندي مشوار هعمله وهرجع؟
ردت لين بحنقٍ وهي تقترب منه مبديه حزنها:
– ملكش دعوة بالبنت دي، أنا ملاحظة إنها طول السنة عاوزة تقرب منك
هتف بنفاذ صبرٍ:
– يا بنتي دي زميلتي من السنة اللي فاتت، هو علشان عرفتيها لما دخلتي السنة دي هتقولي كده، كان أيه أصلاً اللي دخلك معايا تجارة، لازم تعملي زي وعلى طول ماشية ورايا ودلوقتي مضطر اروّحك واجيبك معايا، وكل دا علشان خاطر عمتي وبس
تضايقت لين في نفسها من نفوره منها، ردت مدعية شروعها على البكاء:
– يعني إنت متضايق إنك بتوصّلني يا ايان؟، لو كان كده براحتك، بلاش توصّلني
لم ينخدع أيان بما تفعله، رد بغلاظةٍ:
– يا ريت تقولي الكلمتين دول لعمتو، وأنا هابقى مبسوط قوي
ثم فتح باب سيارته ليستقلها وسط نظراتها الحانقة، انطلق بالسيارة غير مهتمٍ بها، هتفت بتوعدٍ:
– طيب يا أيان، أنا هاحكي لمرات خالو نور على سهراتك في العوامة
جاءت صديقتها من الخلف مستفهمة بتطفلٍ:
– قالك أيه يا لين؟
انتبهت لها لين فردت بتعابيرٍ كالحة من بين اسنانها لتُكبح غيظها:
– مافيش، أنا هروح أنا علشان مش طايقة أقعد هنا……!!
__________________________________
في القـاهـــرة..
طرق الباب بهدوء ثم ولج للداخل وهو ينظر له بترقبٍ حين وجده منهمكًا في عمله عبر الحاسب، تقدم منه ماجد ثم وقف أمام المكتب مستفهمًا بحذر:
– أيهم الوقت اتأخر قوي، ليه بقيت بتتأخر في الشركة كده؟!
رغم علم ماجد بسبب مكوثه لوقت متأخر لكنه اراد أن يستمع للإجابة منه، بينما نفث أيهم دخان سيجارته ليُجيب وهو يتطلع على الحاسب متابعًا عمله:
– عاوز تروّح إتفضل، فيه شُغل عاوز أعمله بنفسي!
تأمّل ماجد طلعته الصلبة الخاوية من التفسير وهو يدخن سيجارته دون توقف، استنكر ماجد عودته للتدخين قائلاً:
– أيهم مش كنت بطلت تشرب سجاير!
توقف أيهم عن متابعة عمله ثم نظر إليه متسائلاً بسخط:
– حرام ولا أيه، أنا حابب أشرب سجاير، فيها مشكلة
رد ماجد بارتباكٍ ضعيف:
– لأ مش حرام، أنا بس مستغرب ترجعلها بعد ما بطلت
استمر أيهم في تدخين سيجارته غير عابئٍ بما يتفوه به ثم عاود التطلع على الحاسب، انحرج ماجد قليلاً فهو مدرك مدى ضيقه من ترك رسيل له وقد أخذت ابناءهم معها، انتبه أيهم بأنه ما زال موجودًا فنظر له مستفهمًا باقتطاب:
– واقف كده ليه، لو عاوز تروّح إتفضل!
توتر ماجد متسفهمًا:
– أنا بس كنت عاوز اسألك هتفضل كده لحد إمتى؟
– مش فاهم يعني أيه؟
استفهم أيهم بحدة اربكته، رد ماجد باضطرابٍ داخلي:
– يعني بقالك كتير مش بتسأل عن رسيل ولا الولاد من وقت ما راحوا البلد!
حدق به أيهم بهيئته الجامدة فتابع ماجد بنبرة مهزوزة:
– مريم كانت قالتلي إن رسيل تعبانة!
شعر أيهم برجفة في قلبه حين علم بذلك، لكنه ادعى القوة أمامه قائلاً ببرودٍ زائف:
– وأيه المطلوب؟
اندهش ماجد من عدم مبالاته قائلاً:
– أيهم ليه واخد الموضوع كإنه ولا حاجة، على فكرة ملك قالتلي إن رسيل زعلانة وعاوزة تطلق
ابتسم أيهم باستهزاءٍ زاد من تعجب ماجد، رد بثقة:
– خليها توريني هتعمل أيه؟! ……………………..……….
___________________________
___________________
___________

error: