((مُغرَم بك))ِ (صَغِیرة ولَکِن..القيادي)

الفصـل الثـامـن
مُغـرَم بـكِ
ــــــــــــــــــ

في القاهــرة….
على طاولة طعام منخفضة نسبيًا جلست متوسطة الصغار تُطعمهم بمحبة، حملت رسيل ابنها الأصغر على فخذها تطعمه بيدها ومن حولها البقية يتناولون فطورهم بمعاونة الخدم، بيدها الأخرى تحمل هاتفها وتتحدث مع رفيقتها ملك، قالت لها رسيل بعتاب:
– ليه تقولي يا ملك إني عاوزة أطلّق، معقولة أفكر في كده أنا!
زكت ملك فعلتها بـ:
– أنا عملت كده علشان يحس على دمه ويروح يصالحك، مش كفاية زعلك وكان السبب في إنه ينزل، وتلاقيكي زعلانة
زفرت رسيل بخفوت قائلة برضى:
– الحمد لله على كل حاجة، أنا رجعت لجامعتي وولادي، وكمان من حقهم يعيشوا مع أبوهم وميتأثروش بأي حاجة، حسيتهم في الفترة اللي روحت فيها البلد مكنوش مبسوطين قد هنا
تدرك ملك حكمتها في موازنة الأمور أحيانًا، لكنها في أحيانٍ أخرى تجدها مندفعة متهورة، تنهدت ملك قائلة بحزنٍ مفاجئ:
– خلاص ماليش حظ أشوفك هناك، أصل ابويا تعبان وكنت هسافر البلد علشان أشوفه
استفهمت رسيل بقلق:
– هو تعبان قوي؟، أصل كنت سمعت حاجة زي كده لما كنت هناك
ردت ملك بشيءٍ من الأسى:
– أيوة تعبان قوي وأنا خايفة عليه!
ردت رسيل بتفاؤل:
– إن شاء الله هيبقى كويس!
– يا رب
قالتها ملك بعدم إقتناع، جذم حديثهن أيهم الذي انضم لجلستهم المألوفة قائلاً بكدرٍ:
– صباح الخير
انتبهت له رسيل ثم أنهت حديثها مع ملك بكلماتٍ مقتضبة، بينما جلس أيهم على أحد المقاعد المجاورة لها راسمًا العبوس ويبدو أنه تعرض للبرد، نظرت له رسيل بقتامة لبعض الوقت قبل أن تنطق مستفهمة:
– مالك؟
رد ناظرًا إليها باستياء حمل السخرية:
– يهمك؟!
توترت رسيل مجيبة بقلقٍ دفين:
– شكلك عندك برد، تلاقيك شغّلت المكيف ونسيت تستغطى، إشرب النسكافية ده سخن
ثم ناولته كوبها فتناوله منها، أظلم عينيه قائلاً بمكر:
– ما هو لو كنتي سيادتك جيتي امبارح تنامي في حضني مكنش حصلي كده، بس إنتي سيباني وميهمكيش
ابتلعت ريقها بتوتر وهي ترد بعدم اهتمامٍ زائف:
– صُغيّر إنت!، وكمان أنا مش ناسية كلامك لما عرفت إني حامل، وقتها مفكرتش في زعلي
نفخ أيهم قائلاً بنفاذ صبرٍ وهو يضع الكوب بتضايق:
– مزوداها يا رسيل معايا، بس كلها شوية وقت وهتلاقيكي جاية تصالحيني وعاوزاني أسامحك
نظرت له هادرة بسخط:
– نعــم!، مش هيحصل أبدًا، أنا جيت علشان ولادي وبس!
اغتاظ منها وبدت نظراته تتوعد لها، رد من بين أسنانه:
– براحتك يا رسيل، بس أوعدك إني مش هقرّبلك غير لما تجي تطلبي السماح مني، وبراحتك خلي الولاد ينفعوكي
التوى ثغرها بابتسامة مستهزئة أثارت حنقه وهي ترد:
– بس خليك فاكر إنك وعدت، أنا هنا علشان ولادي وبس……!!
__________________________________
في الأسكنــدرية ….
جلس أمامه بسموقٍ وزهو أعرب عن مدى ارتفاع مكانته وصيته العالي، أستند زين بساعديه على مقدمة مكتبه وهو ينظر له مبستمًا بتودد، خاطبه بتحفظ:
– نورتني يا حاج عيسى في مكتبي!
هتف الحاج عيسى بطلعة مهيبة:
– الله يزيدك نور يا زين بيه
ابتسم زين متذكرًا زوجته، سأله بحصافة:
– إن شاء الله تكون الإقامة في المنتجع عجبتك إنت والأسرة
رد عليه بامتنان وهو يخبط على صدره:
– مافيش أحلى من كده وشيلينا من على الأرض شيل
استفهم زين باهتمام:
– خير يا حاج، أحب اسمع منك طلباتك؟!
رد الحاج متنهدًا بتهيؤ للخوض في الحديث الجاد:
– الصراحة يا زين بيه أنا سمعت عنك كتير، عندي شغل هنا باعمله وعجبني قوي المنتجع بتاعك والشُغل فيه، فأنا جاي علشان أعرض عليك اشاركك بأي حاجة لو حتی الربع
استمع له زين للنهاية وهو زامم ثغره للجانب، غير معلنٍ ما يفكر فيه، نظر له عيسى بترقب فتنحنح زين قائلاً بحذر:
– والله يا حاج أنا مش بافكر أدخّل حد معايا شريك دلوقتي، أنا من كام سنة خلصت المنتجع لنفسي واشتريت أسهم المشاركين فيه، فمش عارف اقولك أيه
اكترب السيد عيسى ثم ضم شفتيه بعدم رضى، قال موضحًا:
– دا أنا أعرف ناس كبار قوي، وكمان أجانب ووجودهم لما يزوروا المنتجع هينفعوه قوي
لم يجد زين ما يرد به عليه متحيرًا في ذلك، هو يعرف مكانة هذا الرجل ولكن لا يريد خسارته
لحظات وولج زين ابن اخته مريم دون استئذان حاملاً ملفات ما، تقدم منهم قائلاً بأسفٍ مصطنع:
– آسف حضرتك، بس فيه ورق لازم تمضي عليه ضروري
ابتسم زين له فقد انقذه من التعجل في الرد الذي ربما سيضر به، نظر للسيد عيسى ثم رد بتعقل:
– طيب سيبني أفكر يا حاج هرد علیك!
تنهد عيسى بشيءٍ من الراحة مرددًا:
– طيب اللي تشوفه يا زين بيه
ثم نهض متابعًا وهو یهندم عباءته:
– هروح أعمل شوية شُغل وهاستنى ردك النهائي عليه، أصلاً أنا هنا کام یوم
نهض زين مودعًا إياها وهو يمد يده للمصافحة:
– إن شاء الله، نورتني يا حاج
ثم ودّعه زين حتى دلف للخارج، نظر زين لابن أخته قائلاً براحة جمة:
– والله يا زين دخولك ده جه في وقته
رد زين بخبث وهو يجلس أمامه:
– دخولي ده مقصود على فكرة
هتف متعجبًا:
– مقصود إزاي؟!
رد زين ناظرًا لخاله بظُلمة:
– أول ما حضرتك قولتلي على اسمه بحثت عنه على طول، هو معروف قوي في الصعيد وعنده علاقات كويسة وجامدة مع رجال أعمال في بلاد كتير، بس بيشتغل في تصدير السلاح وشغل کده ممنوع
اندهش زين ثم هتف لاعنًا الظروف:
– أنا مش عارف دا جالي من أنهي داهية، ارد عليه أقوله أيه، هو بالعافية يدخل يشاركني، دا أنا مصدقت بقا ليا لوحدي
رد عليه الأخير باطلاع:
– حضرتك سيبلي الموضوع ده وأنا هشوفله حل، وكله هيبقى بالورق علشان يقتنع
هتف زين بشغف:
– صحيح هتقدر تتصرف؟، أصلي مش عاوز مشاكل!
نظر له قائلاً بتفكير:
– بإذن الله هشوف سبب كويس
ثم نهض متابعًا بمعنى:
– هروح أنا بقى جامعتي علشان عندي محاضرة مهمة قوي
ابتسم له زين بود قائلاً:
– روح يا حبيبي شوف مصالحك، خلاص إنت أجازة النهاردة
ابتسم له ثم تحرك نحو الخارج، حدق زين أمامه مرددًا باغتمام:
– ناقص أنا الأشكال دي وسلاح وقرف، ربنا يعديها على خير…!!
_________________________________

توجهت لزيارة والدها مصطحبة معها ابنتها الصغيرة فاطمة والتي تدرس بالصف الأول الإعدادي، حيث اسماها حسام على اسم والدته بعد وفاتها، رغم أنها كانت تملك اسمًا آخر!!
أخذتها رحمة ابنة نور لغرفتها ليلعبن سويًا فهن في نفس السن تقريبًا، بينما اطمأنت مريم على والدها وجلست معه وقت لا بأس به، حين غفا فاضل توجهن هي ونور لأحد الصالونات بالفيلا في الطابق العلوي ليتحدثن معًا، قالت نور بسماحة وهي تناولها القهوة:
– اتفضلي يا مريم!
تناولتها مريم باطراقٍ قائلة بعدها بتردد:
– كنت عاوزة أكلمك في حاجة كده
بدا الاهتمام على نور وهي تستمع إليها، اكملت مريم بحرج:
– بصراحة كده لين دايمًا تكلمني على آيان، البنت متعلقة بيه قوي، لدرجة إنها في مرة قالت مش هتتجوز غيره
ثم ابتسمت ملك بتوتر، ضحكت نور بخفوت فنظرت لها مريم بقلق حيث ظنّت بأنها تمزح ولن تبالي بهذا الموضوع، لكن نور فاجأتها حين ردت بعدم مانع:
– وفيها أيه براحتها، أنا هلاقي أحسن منها لابني
هتفت مريم بوجهٍ مشرق:
– يعني خلاص آيان هيتجوز لين؟!
هنا نطقت نور بعقلانية:
– أنا لو بإيدي مش هتأخر، یهمني سعادة ولادي، ماريان لما حبت ريان جوزتهم فورًا، بس كان ريان بيحبها وعاوزها، إنما آيان أنا معرفش بيفكر في أيه!
بهتت تعابير مريم وهي ترد باستعطاف:
– هو يعني هيرفض يا نور يرتبط ببنتي، وكمان لين معاه على طول، هيلاقي أحسن منها فين، كلميه وشوفيه
ابتسمت نور وهي ترد بنبرة مريحة:
– أنا مش هلاقي أحسن من لين لابني، ومتخافيش، هكلمه وهاعرف بيفكر فيه………!!
_________________________________

تحاشت بقدر الإمكان النظر إليه أو حتى وجودها معه في مكانٍ واحد، جلست زينة في المدرجات الأولى بمفردها وهم في الخلف بعيدًا عنها مسافة كافية حتى انتهت المحاضرة، خالجها شعور بأن نظراته تخترقها من الخلف، لكنها نفضت التفكير به لتهتم بما هو أهم، تحركت نحو الخارج لتسبقهم فتتبعتها مايا بنظراتها المدهوشة قائلة:
– زينة خرجت قبلنا، هي مالها النهاردة؟، دي حتى مش عاوزة تقعد معانا!
ردت “لما” عاقدة حاجبيها بحيرة:
– زينة من إمبارح متغيّرة وفيها حاجة!
استمع آيان لحديثهن قائلاً بتوتر داخلي کأنه لا یهتم:
– يلا نمشي هنفضل قاعدين هنا
نهضن معه ليغادروا قاعة المحاضرات، دلفوا من الباب الداخلي للجامعة حتى وقفوا في الفناء، كانت نظرات آيان تبحث عنها لكن بحذر، أثناء ذلك وقعت عيناه على شيءٍ جعله يستغرب، وذلك حين وجد زين ابن عمته يتقدم نحوهم في بادرة لم تحدث من قبل، انتبهت “لما” لمجيئه فاندهشت هي الأخرى، انضم زين إليهم قائلاً ببسمةٍ مشرقة:
– مساء الخير عليكم
ثم خانته نظراته في النظر إلى “لما”، استفهم زين غير معقبٍ على ترحيبه:
– انا مش مصدق إنك قدامي، بقالي سنتين هنا وعُمرك ما جيت مرة عندي، كنت دايمًا أنا اللي بروحلك
ارتبك زين وبدت نظراته مهزوزة فقد خشي أن تظن “لما” مجيئه هنا لأجلها، رد مختلقًا سبب ما:
– جيت علشان أشوف لين وبالمرة اخدها معايا
هتف آيان براحة:
– يا ريت والله، دا أنا حتى أنا ماليش مزاج اوصلها كل مرة كده
جاءت فرصة زين دون عناءٍ ليعلن بترحاب:
– خلاص متوصلهاش من هنا ورايح، أنا هاجي هاخدها بنفسي
زفر آيان بقوةٍ مفرغًا ذاك الهم، نظر للفتيات قائلاً:
– على فكرة دا زين ابن عمتي، وأخو لين!
ابتسمن له برقة فقالت مايا بترحيب:
– تشرفنا
ابتسم لها زين بتصنع لينتظر بشغفٍ قاتل رد “لما” والتي قالت مزيفة ابتسامة:
– أهلاً، اتشرفنا
طريقتها لم تعجبه فانزعج في نفسه ثم سبح بداخله شعورًا غريبًا ونظراته تنجذب إليها، كانت “لما” عكسه فلم يُحركها شيء حياله، كل ما تهتم به هو آيان فقط وهذا ما قرأه زين في نظراتها نحوه، جاءت لين وهي منكتلة في مشيتها لتنضم إليهم وذلك حين رأت أخيها، هتفت بمرح:
– مش معقول يا زينو إنت هنا!
نظر لها زين مبتسمًا، سبقه آيان في الحديث قائلاً باستفزاز:
– جاي مخصوص علشان ياخدك!
شعرت لين بفرحته من ذلك فاغتاظت ولم تعلق، وجهت نظراتها نحو “لما” وملأ الحقد قلبها…
اضطرت زينة للإقتراب منهم فهي تريد المغادرة، وقفت من مقربةٍ منهم قائلة بتردد:
– مش يلا أنا عاوزة أمشي
صوتها اخترق اذنه مما جعله يلتفت لها فارتبكت فورًا رغم تحاشيها النظر له، قالت مايا بموافقة:
– أيوة هنمشي يلا
سألت “لما” آيان بحماسٍ واهتمام:
– مقولتليش يا آيان هتلعب باسكت إمتى علشان آجي اتفرج عليك!
تجهمت تعابير زين وهي تتحدث معه بأريحية وتعوّد، في حين حدجتها لين بنظراتٍ حاقدة مغتاظة رغم وقوفها الواجم، رد آيان بتلجلج:
– هابقى أكلمك واقولك
كانت الحمقاء لين تحملق في “لما” ظنًا منها بأنها من ستأخذه منها، لكنها لم تنتبه لنظرات آیان التي سلطت على زينة، والتي اخترقتها لتبدو غامضة بالنسبة لها ولم تُفسّر معناها، لكنها تيقّنت بأنه يتوعد لها، اقتربن منها الفتيات ليرحلن من الجامعة وسط نظرات مخيبة للآمال وأخرى مغتاظة وثالثة غامضة، كسرها آيان حين قال منتبهًا:
– أنا همشي بقى سلام ……..!!
_________________________________
في شــرم الشيــخ …..
ولجت ماريان الشقة بعدما عادت من مدرستها حاملة لحقيبتها، كانوا جميعًا في صالون جانبي في ردهة الشقة فتوجهت ناحيتهم، حيث أن الشقة واسعة للغاية فقد ابتاعها معتز في وقتٍ قريب ليعيش فيها الجميع، حتى تزوج ريان بها، انضمت لهم ماريان قائلة بنبرتها المحبوبة:
– مساء الخير
بنظرة حنون وبسمة ودودة ردت سلمى:
– مساء النور يا حبيبة ماما
كانت نور تتابع التلفاز بفتورٍ ولم تعلق، بينما نهض ريان قائلاً باشتياق وهو يقترب منها:
– مساء النور يا حبيبتي، حمد الله على السلامة
بطرف عينيها نظرت لهما نور بسخط، ثم تنهدت بتهکم لتعاود النظر للتلفاز، بينما تابع ريان حدیثه غامزًا لها بحذر من رؤية أحد له:
– تعالي جوه علشان ترتاحي وتغيّري هدومك
تفهمت ماريان عليه ثم ابتسمت باستحياء، نظرت لهن قائلة:
– طيب عن إذنكوا!
ابتسمت لها سلمى بودٍ ثم تحركا الاثنان ناحية غرفتهما وهما متشبثي الأذرع، فور تأكد سلمى من ولوجهما نظرت لابنتها عائبة عليها:
– أيه يا بنتي الوش الناشف ده اللي بتتعاملي بيه مع الناس، مالك كده ومرات أخوكي تفتكر إنك مش طيقاها
خرجت نور عن صمتها هاتفة بتبرم:
– والله اللي مش طيقاه هو إنكوا فكرتوا تجوزوا عيال لبعض، حتى مش عيب لما تسيبوني أنا، رغم إني لسه في الجامعة وصغيرة باحس إني عنّست في وسطهم، مفكرتوش في شكلي؟!
قطبت سلمى جبينها مبررة بحكمة:
– أيه الكلام اللي بتقوليه ده، الموضوع مالوش علاقة خالص بإن إحنا فكرنا في اخوكي وإنتي لأ، كل الحكاية إن مامتها وباباها مش معارضين جوازهم حتى لو صغيرين، طنطك نور صممت يتجوزوا لما مريان قالت بتحب اخوكي، ووافقت يتجوزوا في وسطينا، هنقول لأ ليه طالما بيحبوا بعض!
هتفت نور باستياء:
– يا مامي حسوا بيا، أنا أكبر منهم ولسه سينجل، إنما هما عيال ومتجوزين معايا وكده و….
لم تكمل لتتفهم عليها سلمى، جذبتها سلمى لتضمها لحضنها قائلة بحنان:
– هو إحنا يا حبيبتي لو حد اتقدملك كويس هنرفض، دا إنتي بنتي الكبيرة يا نور، يعني غالية عندي، بدعيلك تلاقي اللي يحبك زي أخوكي
تنهدت نور بضيق قائلة:
– وكمان يا مامي أنا متضايقة من سفرنا لشرم الشيخ، أنا كنت مبسوطة في اسكندرية وكنت في وسط ولاد خالي لين وزين وآيان، كلهم وحشوني
ابتعدت لتُكمل بتوسل:
– ما تخلينا نرجع يا مامي نقعد هناك!
تحيّرت سلمى في ذلك قائلة بمعنى:
-بس إحنا هنا علشان جامعة أخوكي، وكمان ماريان نقلت هنا، يعني نسيبهم لوحدهم
تأففت نور هادرة بعدم رضى:
– وفيها أيه، ما بابا شغله في القاهرة، يعني مش صعبان عليكي، ولا خلاص سي آيان أكل الجو وخلاكي تنسي بابا
اعترضت سلمى قائلة:
– باباكي بيخلّص ورقه علشان ينقل هنا، كلها كام يوم بس
تذمرت نور وبدا التكشير على قسماتها، ابتسمت لها سلمى قائلة لتريحها:
– خلاص لو تحبي تنزلي اسكندرية زيارة معنديش مانع، أيه رأيك؟
تهللت نور فوافقت سريعًا:
– فكرة كويسة يا ماما، وهروح أقعد عند طنط مريم……..!!
_______________________________
في قــرية رسيــل….
اضحت رفيقتها المُقرّبة منذ تعرّفت عليها عن قرب، توجهت خلود لفيلا السيد فريد لملاقاة جيسي والتحدث معها قليلاً لتُفرغ من خلال تلك المقابلة حالتها الميؤوس منها، لم تتوانى جيسي في الإنصات لما تخفيه بداخلها، قالت جيسي بحكمة:
– إنتي مكبّرة الموضوع قوي يا خلود، عادي لما يحب ابنه ويقضي معاه وقت طويل!
نظرت لها خلود بعينين تمتلئ بالدموع التي تهدد بالنزول حين تعلقت بأهدابها، ردت بسخط:
– مازن مكنش كده، من وقت ما مات ابننا وهو نساني خالص، طول الوقت مع ابننا الكبير وبيهتم بيه، لدرجة إنه بيأكله وبيلبسه بنفسه، محسسني إني أهملت ابني وإني السبب في موته
هتفت جيسي باحتجاج:
– دا بتاع ربنا ودا قدره، قولي الحمد لله، ولو كان بيفكر في كده وبيلومك يبقى غلطان قوي، دا إنتي على طول بتهتمي بيهم
باصبعها ازاحت خلود دمعة شاردة، ردت بشجن:
– أنا محدش حاسس بيا من وقت ما مات، عيونهم بتتهمني بإني مهملة، بافكر انتحر أحسن من العيشة دي، ومنها اروح لابني
شهقت جيسي بخوف لتضمها إليها مشفقة بحالتها حين شرعت خلود في بكاءٍ حارق، رددت بلومٍ وهي تمسد على ظهرها:
– متقوليش كده يا خلود، ادعي وربنا هيقف معاكي
تنهدت خلود بيأس وحسرة، جاء عمرو من الخارج حاملاً ابنته الكبرى “حبيبة” فتنبّهت جيسي وخلود لحضوره، نهضت خلود قائلة باستئذان وهي تحمل طفلها الذي غفا على كتفها:
– همشي أنا بقى
نهضت جيسي وهي ترد بتودد:
– طيب ماشي، لو فيه حاجة ابقى كلميني، هتلاقيني واقفة معاكي
ابتسمت لها خلود بود ثم تحركت من جانب عمرو الذي وقف أمامهن، فور خروجها قال عمرو بجفاء:
– الأكل جاهز؟
رمقته جيسي بتجهمٍ مرددة:
– الواحد يجي من برة بعد غيبة يقول لمراته وحشتيني، أي كلمة حلوة، بس هنقول أيه، هتفضل كده ومش هتتغيّر
لم يعيرها اهتمام بل قبّل وجنة ابنته قائلاً بنفس بروده:
– حبيبة بس اللي بتوحشني
ثم تحرك وسط نظراتها المستشاطة مردفًا باستفزاز:
– هاقعد معاها شوية على ما الأكل يجهز!
تناست جيسي ضيقها من طريقته لتقول له باستجداءٍ طفيف وهي تتحرك من خلفه أينما يذهب:
– عمرو بابا وحشني وكنت عاوزة أروح أشوفه
توقف عمرو عن صعوده الدرج قائلاً باستنكار:
– لحق يوحشك، مش كان هنا من عشر أيام!
ردت بتردد:
– أصلي كنت عاوزة أشوف اسكندرية والبحر، من زمان مخرجتش لأي مكان، حاسة مخنوقة هنا
نظر لها عمرو وقد أخذه فكره لبعيد وهو يُقلّب الموضوع في رأسه، ابتسمت له جيسي بحب كي يوافق، عاودت الحديث لتدفعه للموافقة:
– وبالمرة الولاد يخرجوا يشموا هوا جميل وينبسطوا شوية
كانت كلماتها كفيلة باعطاءها الموافقة، رد باستسلامٍ:
– طيب خلاص، جهزي نفسك کمان کام یوم نکون هناك نكون هناك
هتفت جيسي بسرور وهي تحتضنه من كتفه:
– ربنا ما يحرمني منك يا رب
ابعدها عمرو قائلاً بتأفف:
– روحي شوفيهم جهزوا الغدا ولا أیه
رغم غلاظته معه قالت بطاعة اعجبته فابتسم:
– حاضر يا حبيبي، المهم تكون راضي عني……!!
_________________________________
في القاهـــرة…..
بعد مرور اليوم وهو بالخارج منهمكًا في قضاء بعض أعماله عاد إلى الفيلا، ولج أيهم ليجد الأطفال في الردهة يلعبون بألعابهم المختلفة فابتسم، اقترب منهم ونظراته تتجول بحنية على كل منهم، جثا على ركبتيه ليصل لمستواهم ثم انتصفهم، سألهم بلطف:
– بتعملوا أيه؟
تهللوا بمجيئه لكن ردت رسيل الصغيرة بدراية:
– إحنا بنلعب سوا!
ابتسم لها أيهم فهتف مروان بحماس:
– مامي قالت حبوا بعض والعبوا سوا، إحنا إخوات
أحبّ أيهم حديثهم فاتسعت بسمته لرؤيتهم من حوله، هتف مستفهمًا:
– طيب ماما رسيل فين بقى؟
رد مروان بانتباه:
– مامي رسيل راحت تاخد شاور وقالت نلعب هنا ومش نتخانق
بلّم أيهم للحظات وهو زائغ فيما تفوه به، سأله بعدها بشغفٍ داخلي لكن لاح مكره على هيئته:
– بتاخد شاور فين؟، عندكوا يعني؟
رد ببراءة:
– لأ في أوضتها بتاعتها
نهض أيهم دون مقدماتٍ قائلاً بايجاز:
– طيب العبوا هنا ومش عاوز حد فيكوا يعمل صوت!
هز بعضهم رؤوسهم ثم تحرك هو بخطواتٍ رشيقة نحو الأعلى، وصل أيهم لغرفتهما ثم فتحها بغتةً ليتفاجئ بها أمامه شبه عارية وما زالت ترتدي ملابسها، اضطربت رسيل ثم وضعت ذراعيها على جسدها لتستره وهي تحدق به بذهول، اعتلى ثغر أيهم ابتسامة عابثة ونظراته تتمرر عليها ككل، ازدردت رسيل ريقها بتوتر فرغم أنه زوجها لكنها ما زالت متضايقه منه، قالت بتلعثم:
– داخل اوضتي تعمل أيه؟، مش إتفقنا نقعد مع بعض علشان خاطر الولاد!!
رد بنظراتٍ مُظلمة ماكرة وهو يتقدم نحوها:
– وهي كانت أوضتك لوحدك!
تراجعت رسيل للخلف لتهرب من نظراته التي تربكها أكثر، وعن أيهم استمر في التقدم منها متجاهلاً هراءها وهيئته ابانت ما يريده، جف حلقها وهي تعاود النطق من جديد قائلة بنبرةٍ رافضة:
– اللي بتفكر فيه مش هيحصل!
جملتها جعلته يبتسم بخبث فسوف يحدث ما جاء من أجله، كذلك نطقت رسيل بذلك مدركة بأنه لن يتزحزح عن ما انتوى إليه، استمرت رسيل بالتراجع للخلف وهي ما زالت تحتضن نفسها، لم يعجبه أيهم ردة فعلها فتابع بوقاحة:
– بتعملي أيه، هي أول مرة أشوفك
ارتبكت رسيل فهو مُحق، ردت بتعثرٍ:
– بس إحنا متراهنين إن اللي يروح عند التاني الأول يبقى خسر
رد عدم إكتراثٍ وخطواته تعرف طريقها إليها:
– عاوز أخسر!
اصطكت عظامها وهي تعض على شفتيها، تراجعت أكثر حتى خبطت في التخت فجلست على حافته، نظرت له بتذبذب حين وقف أمامها، تأملها بشوقٍ قائلاً:
– إنتي حلوة قوي!
ابتسمت رغمًا عنها فانحنى بجذعه عليها، شهقت قائلة بمعنى:
– بس إنت وعدتني!
رد بنظرات تمنٍ وهو يشلح قميصه:
– وعدتك بأيه؟، أنا مش فاكر حاجة!! ……………………..
__________________________
__________________
___________

 

error: