((مُغرَم بك))ِ (صَغِیرة ولَکِن..القيادي)

الفصـل الثالث
مُغـرَم بـكِ
ـــــــــــــــ

انتهى هذا اليوم العصيب على الجميع وقد كسا الحزن قسماتهم وقلوبهم، كل ذلك بعكس ما تشعر به نور، كانت مُغيّبة عن الإحساس القاسي في تلك اللحظة ليربط الله على قلبها، هي صغيرة ولم تعي بأنها لن تره ثانيةً، محاوطة الجميع واكتنافهم لها جعلتها تشعر بجو الألفة والأمان وعدم الوحدة، رغم ذلك بكت على فراق والدها وقد تأثرت به، أخذنها بنات عمها وكل منهن تمسك بيدها ليصعدن الدرج، فهي من تلك اللحظة لن تفارقهم، بعكس هذا الحزن المخيم عليهم فرحن الفتيات بوجودها معهم، كذلك هي أيضًا كونها تريد من زمنٍ أن تعيش برفقتهم، توجهن لغرفة عمتهن ثريا ثم ولجن للداخل وهن يتطلعن علی نور بمحبةٍ جعلتها تتناسى حزنها وتبتسم بود، قالت مريم بمصاحبة:
– من دلوقتي خلاص هتقعدي معانا، وهتبقى دي أوضتك، الدادة جهزتها علشانك مخصوص، وكمان فيها مكتب، شوفي
أشارت على مكتب صغير بزاوية الغرفة فابتسمت لها نور بامتنان، تدخلت سلمى قائلة بأخوة:
– لسه جديد يا نور، مكنتش عاوزاه بس حظك حلو هتاخديه إنتي
قالت مريم بعدم فهم:
– بس طلبت من بابا أروح أجيبلك فرش جديد وقال لأ، مش فاهمة ليه رفض، المفروض يبقى عندك حاجات جديدة
ردت سلمى بتخمين:
– يمكن مش عاوز يزعل طنط ثريا، أو هيجهزاها أوضة تانية!!
مطت مريم شفتيها بحيرة، بينما لم تعترض نور على كل ذلك فيكفي أنها معهم، وزعت أنظارها عليهن قائلة بتودد:
– مش عارفة أقولكم أيه، بس لما بكون معاكم ببقى مبسوطة قوي، بتعملوا علشاني حاجات كتير، وأنا راضية ومش زعلانة
ضمتها مريم لصدرها قائلة بحنان:
– إحنا لسه معملناش حاجة يا حبيبتي، لسه مشوفتيش حاجة يا نور، إنتي غالية عندنا قوي…..!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
جلسوا بمفردهما في غرفة المكتب حالهم كحال ليلة أمس، هنا تيقن زين بأن والده سيعيد مفاتحته في أمر الزواج، بالفعل ذلك ما توغّن فاضل على تنفيذه، نظر له زين منتظرًا أن يدخل هو في الموضوع، قال فاضل بنبرة حاسمة:
– أيه رأيك في الإسبوع الجاي، بيتهيألي أفضل ومش هنعمل حفلة كبيرة ولا حاجة، علشان جواز عرفي
اندهش زين من قرار والده دون الرجوع إليه، حدق به هاتفًا بنبرةٍ مزعوجة:
– مش المفروض تاخد رأيي يا بابا!
رد فاضل بحزمٍ بعض الشيء:
– آخد رأيك فيه أيه، أنا قولت هتفضل هنا ومحدش هيتجوزها غيرك، دا بدل ما تقول بنت عمي وأنا أولى بيها
هتف زين بضيق:
– بس دي صغيره قوي يابابا!
رد فاضل باقتطاب:
– دي بنت عمك وهو موصيني عليها وعلی املاكها، مش معقول أسيبها كده وازعله مني وتلاقيه مش هيبقى مرتاح، دا مات وكان لآخر لحظة بيفكر فيها وخايف عليها
اكترب زين ثم تنهد بضيق، تابع فاضل معللاً:
– جواز على الورق يازين، إنت عايز حد غريب ياخد تعبي أنا واخويا، مش هيحصل أبدًا
تابع بتنهيدة موضحًا:
– هيا هتعيش معانا على أساس إنها مراتك، منها حماية ليها، ومنها محدش يقرب منها
فكر زين في حديث والده أو بالأحرى وجد السبيل كي لا يتقيد بهذه الزيجة، نظر له قائلاً بجدية:
– موافق بس بشرط!
انصت اليه فاضل باهتمام متسائلاً:
– أيه هو؟!
رد بنبرة لا تحمل النقاش:
– ما فيش حاجة هتتغير في حياتي كإني مش متجوز
اومأ فاضل برأسه قائلاً بتفهم فهذا ما يريده في الوقت الحالي:
– إنت حر في حياتك، اعمل اللي إنت عوزوه، مع إن اللي بتعمله ده بيضايقني، وسهرك وشُربك ده مش عاجبني
لم يكترث زين لتضايقه، ردد بارتياح:
– يبقى اتفقنا…..!!
________________________________

في الصبـــاحِ، هبطن الفتيات بثيابٍ منزلية بعيدة عن اللون الأسود كي لا تحزن نور وتفكر في رحيل والدها عنها، توجهن لطاولة الطعام ليجدن والدهن وأخيهن على الطاولة في انتظار الجميع، جلسن الفتيات وهن يرددن في ذات الوقت:
– صباح الخير
رد فاضل فقط بهدوءٍ مقلق:
– صباح الخير
نظرن الفتيات لـ زين بغرابة كونه لم يبادلهن التحية، بعد ذلك انتبه الجميع لانضمام نور لهم حين هبطت الدرج برشاقةٍ كبيرة ووجهها مشرق بطبيعته، هي صغيرة وجمالها بالطبيعي، ناهيك عن لمحة الطفولة فيها، تقدمت منهم وهي متوترة فلأول مرة ستكون برفقتهم ولن ترحل، جلست قائلة بحرجٍ طفيف وهي تجلس بجوار عمها:
– صباح الخير!
رد الجميع عليها ما عدى زين الذي نظر لها فقط بنظرات من منحنى آخر غير السابق، مرر أنظاره عليها بمعنى فهي ستصير زوجته، اختلطت مشاعره ما بين السابق والآن، تضاربت أفكاره وتأرجحت في كيفية موازنة تلك الأحاسيس التي سبحت بداخله، بعض وقت من تناولهم الفطور وقبل أن يهم أحد بمغادرة الطاولة قال فاضل دون سابق إنذارٍ:
– الإسبوع الجاي جواز زين من نور!
تجمدن الفتيات موضعهن مدهوشين مما تفوه به وهم يحدقن بوالدهن، بينما نظرت نور لـ زين أولاً بعدم تصديق وبداخلها كانت تبلج مشاعر تراقصت بداخلها، نظر لها زين بجمود لم تتفهمه ثم أخفض انظاره لتتضايق وتعبس، تأملته مستشفة ما يفكر به وفشلت لتحزن في نفسها، بينما لم يرتضي أي من اخوته على ذلك فهي صغيرة، قالت مريم باستنكارٍ وتعابيرٍ مقتطبة:
– إزاي يا بابا، نور عيّلة وصغيرة على إنها تتجوز!
هزت سلمى رأسها لتأخذ تفكير اختها بشأن ذلك وتوافقها الحديث، تابعت مريم ناظرة لاخيها:
– ولا إنت شايف أيه يا زين؟
فضّل زين الصمت ولم يتدخل تاركًا المجال لوالده ليرد ويجيب عليهن، نظر لهن فاضل موضحًا:
– ملكوش دعوة بزين، أنا اتكلمت معاه وخلاص، زين هيتجوزها الإسبوع الجاي، افتكر بعد كلامي ده محدش يعترض، ويلا كل واحدة تقوم تشوف هتعمل أيه
تذمرن الفتيات وبدا الرفض والضيق على هيئتهن، التزمت كل منهن الصمت الإجباري فماذا عساهن أن يفعلن، نهضن معًا ليغادرن الطاولة وهن يتهامسن بنبرةٍ غير راضية، لم يبالي بهن فاضل فذلك رد فعل كان متوقعه منهن ومن الجميع حين يعلموا، بينما نور فرحت من قرار عمها واتسعت بسمتها التي لم يلاحظها أحد سوى عمها الذي ابتسم بداخله لقبولها الزواج، نهض زين قائلاً بجفاء:
– أنا خارج عندي حاجة مهمة هاعملها!
هز فاضل رأسه بتفهم فتحرك زين مغادرًا وبداخله لم يقبل ذلك، تتبعته نظرات نور بشيءٍ من الألم لعدم قوله لشيء بخصوص ذلك، نظر لها فاضل قائلاً بلطف:
– أيه رأيك يا نور في اللي قولته؟
ابتسمت خافضة رأسها باستحياء، تابع فاضل بخبث:
– شكلك مش موافقة؟
نظرت له بغتة لتنفي بجراءة:
– لا جوزني زين، أنا باحبه
حملق فاضل فيها باندهاش فشعرت بالحرج وهي تعض على شفتيها، لم يربكها أكثر بل مسّد على رأسها بحنانه الغامر قائلاً بحصافةٍ جمة:
– طالما إنتي هتبقي معايا هنا ميهمنيش اعتراض حد، المهم عندي سعادتك ….!!
________________________________

وقف بسيارته بالقُرب من شاطئ البحر ثم نظر من النافذة للأمواج العالية وفكره مشغول بخطوة والده في الزواج منها، لم يجد ما يقوله فهو برفضه سيعلن تخليه عنها، تنهد زين بقوة ثم أخرج هاتفه ليُخبر صديقه حسام بذلك….

عند حسام كان جالس مع والدته التي تمدح دون توقف في ابنة أختها وهي تلمح له عنها، كل ذلك تفهمه حسام ليرد بامتعاض:
– يا ماما بتفكري في أيه بس، عارف إنك عاوزاني اتجوز، وكمان مش أي حد، دا الست لبنى، يعني هو أنا لسه شوفت مستقبلي علشان بس اتجوز يا ماما
ردت فاطمة بمفهومية:
– يا ابني ما هو مش دلوقتي، على ما البنت تكبر شوية كده وتخلص الجامعة بتاعتها، أصلاً خالتك لسه مجوزة اختها ومش هتلاحق على الاتنين
هتف حسام بتأففٍ وعدم رضى:
– كمان هتجوّز بمزاجهم، دا أيه الجبروت ده!
– يا ابني ….
قطع بقية جملتها رنين هاتفه، نظر له حسام فوجده زين ثم تنهد براحة كونه أنقذه من التكملة معها في حوار لا يفيده بشيء، نهض قائلاً باغتباطٍ داخلي:
– سلام يا ماما هرد على زين، تلاقيه هيكلمني في موضوع الشغل في الشركة عنده
هتفت فاطمة بتهلل:
– ربنا يريحك يا ابني
تحرك حسام لغرفته ليرد سريعًا:
– صباح الخير يا زينو، البقية في حياتك!
– حياتك الباقية
قالها زين بنبرة حزينة استنبطها حسام بذهنه، استفهم بقلق:
– إنت فيه حاجة مضيقاك، ولا زعلان علشان عمك؟
رد زين بقلة حيلة:
– تعرف إن بابا هيجوزني نور بنت عمي
هتف حسام بتذكر مقلصًا المسافة بين حاجبيه:
– مش البنت الحلوة دي اللي شعرها إسود اللي كانت قاعدة بتبصلك!
فطن زين بأنه يقصد ميرا، رد موضحًا وهو يضع يده على خده:
– لأ دي ميرا بنت عمتي، أنا أقصد نور بنت عمي، بنت عيلة باين في اعدادي
شهق حسام مرددًا بعدم تصديق وهو يجلس على طرف الفراش:
– دي صغيرة قوي، وأبوك إزاي يفكر في كده، دي تلاقيها من سن أختي!
زفر زين بضيق قائلاً:
– الإسبوع الجاي جوازي منها، وبابا مصمّم على كده، اتفقت معاه إنه يبقى جواز كده وخلاص، حاجة كده علشان أريحه
قال حسام بتفهم:
– تلاقيه عمل كده علشان خايف عليها لحد يطمع فيها، مش مشكلة يا زين اتجوزها، يمكن لما تكبر تحس إنها مناسبة ليك
شرد زين في حديثه وهو يحدق أمامه متخيل حياته معها كيف ستكون، أو رؤية الآخرين للموضوع من وجهة نظرهم، كونه ارتبط بطفلة يكبرها بأعوام ليست بقليلة، تنهد مرددًا:
– هاتجوزها، بس أما أشوف أخرة الجواز دا أيه ……!!
________________________________

وصل الخبر لـ ثريا وللجميع حين دعاهم فاضل بعقد قران زين على نور، في جو عائلي فقط كنوعٍ من الإشهار للزواج، لم يختلف الشرع ولم يحدد سن الإرتباط، لكنه في نظر القانون مرفوض لعدم تهيئة الفتاة عقليًا بالقدر الكافي لتتخذ قرارًا مصيريًا كهذا، ما زالت قاصرًا!…

حبست ميرا نفسها بداخل غرفتها تبكي بحرقة فور علمها بذلك ولم تريد الحديث مع أحد، فقد ظنته سيتزوج بها، حزنت ثريا على حال ابنتها ولكن ماذا ستفعل حيال ذلك، رغبة أخيها في الحفاظ على الميراث جعلتها تصمت، بينما انزعج مالك من ذلك وظل بغرفته يركل محتوياتها بقدميه، لقلة عقله الواعي ظنه مجرد ارتباطٍ عابر ولكن علاقته بها لن تتغير، جلس على مكتبه في غرفته قائلاً بمعنى لم يقتنع به:
– تلاقيه هيتجوزها علشان باباها مات، وبعد كده هيطلقها لما تكبر واتجوزها أنا، هو كبير عنها ومينفعش، إنما أنا قدها
بهذا الحديث حاول مالك أن يصبّر نفسه، تابع بعبوس:
– يا ترى یا نانو لما تكبري معايا هتتجوزيني أنا؟! …..
_______________________________

رغم عدم قبول الكثير لذلك وخاصةً سلمى ومريم الذي جعلته انتهاك لمشاعرها البريئة وسيطرة غير مقبولة لعقل طفلة في عُمرها، تم عقد القران العرفي في جو أسري وصدّق على العقد بعض الشهود ومنهم منصور زوج اخته، حضرت ثريا كي لا يتضايق أخيها فمجيئها ما هو إلا قضاء واجب رغم تركها لابنتها بالفيلا تعاني بمفردها، كذلك مالك الذي حضر وهو يحدق في زين بغيظ فهو أستلبها منه كما يعتقد، بحث بعينيه عن نور ليجدها تضحك بشدة فكشر بوجهه ثم تحرك نحوها…
كانت نور جالسة مع بنات عمها وقد تيقنّ بأنها مجرد فرحة كأي فتاةٍ صغيرة تُسعدها الحصول على هديةٍ ما، لكن بالواقع كان الأمر يحمل الكثير من الأمور، سألت سلمى اختها بحيرة وهي تنظر لنور التي تصفق بيديها بسعادة:
– هو زين ونور علاقتهم هتكون إزاي؟
نظرت لها مريم مجيبة بابتسامة متهكمة:
– دلوقتي عرفت ليه بابا مرضيش يغيّر فرش اوضة عمتي، كان مخطط للجواز من زمان، يعني نور وزين هيعيشوا مع بعض
هتفت سلمى بانكار:
– نور لسه مش واعية إنه يقرّب منها، نبقى ناس متخلفين لو عملنا كده، ما شوفتيش الأهالي اللي بيجوزوا بناتهم صغيرين والبنات بتتبهدل وفيه منهم …
لم تكمل سلمى كونها لا تريد السيئ لنور، بينما قالت مريم بتفهم:
– متخافيش ومتفكريش في الكلام ده، أنا كلمت بابا في الموضوع ده وقالي جواز على الورق، يعني مافيش حاجة هتحصل بينهم
زمت سلمى شفتيه ثم نظرت لنور مبتسمة لبراءتها ولفرحتها بشأن زواجها، جاء مالك منضمًا لهن وهو يقول بتجهم:
– نور تعالي عاوز اتكلم معاكي!
توقفت نور عن التصفيق لترد بعدم اكتراثٍ وهي تتأفف:
– بعدين مش فضيالك، أنا بتجوز
دنا منها ليجلس بجوارها، همس متسائلاً بضيق:
– هو إنتي مبسوطة إنك هتتجوزي زين؟
ردت بتأكيد:
– أيوة طبعًا مبسوطة قوي، ولا كنت عاوزوه يتجوز أختك
قالت ذلك بضيق فقال بتعليلٍ:
– لأ أنا كنت عاوز اتجوزك أنا
شهقت نور لتعيب عليه:
– قليل الأدب، أنا باحب زين واتجوزته خلاص، يعني مينفعش تقولي كده يا أهبل إنت
حزن مالك في نفسه كثيرًا، قال بتعابيرٍ شاجنة:
– يعني أيه يا نور؟
ردت بحدة رغم صغر عُمرها:
– يعني تخليك في حالك وملكش دعوة بيا…..!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وقف طوال الحفلة مع صديقه حسام في أحد الأركان حتى أوشكت الحفلة على الإنتهاء، شعر زين بلوم الجميع له حتى وإن لم يُعارض أحد تلك الزيجة، خاطبه حسام بعقلانية:
– خلاص يا زين مضايق نفسك ليه، مش اتفقتوا يبقى جواز أي كلام وإنت حُر في حياتك، يعني مجرد تنفيذ لقرار والدك
رد بتحير:
– مش عارف أعمل أيه، حاسس بحاجات غريبة لما أعلنوا إنها مراتي، حاسس بقت مسؤولة مني، حاجات كتير مش عارف أفسّرها
رد حسام بوعي:
– طبيعي يا زين، بُكرة تتعود وتلاقي الموضوع أي كلام، على ما تتعود في الأول على وجودها معاك
نفخ زين قائلاً بأحاسيس غير مفهومة:
– ربنا يستر من اللي جاي!
ابتسم له حسام بودٍ قائلاً:
– الحفلة قرّبت تخلص، لازم أمشي علشان مش متعود أسيب أمي وأختي لوقت متأخر كده
اومأ زين برأسه ليتفهم، قال حسام غامزًا بعینه بمكر:
– مبروك يا عريس، أوعى تتهور….!!
________________________________

بعد انتهاء الحفل ورحيل الجميع اوصلها عمها لنفسه لغرفته مطمئنًا إياها ببعض الكلمات ثم تركها، انتظرته نور بغرفته وكانت فرحتها اليوم عكسه تمامًا، فهي لم تستوعب حتى تلك اللحظة بأنها تزوجت به، مررت نور أنظارها بابتسامة حالمة على غرفته التي كانت تتسلل من وراء الجميع للدخول إليها والعبث في أشياءه الخاصة، أضحت اليوم غرفتها هي وهو وقد تجهّزت لهما، أكمدت قليلاً كونها لم ترتدي فستان زفاف بعرسها كأي فتاةٍ موضعها، تنهدت بضيق وانتهت من تبديل ملابسها إلى أخرى للنوم ثم تحركت لتجلس على حافة التخت خافضة رأسها بحزنٍ لعدم إعتراف من حولها بهذا الزواج وعدم إكتراثهم بها شخصيًا ومرور يوم زواجها هكذا كأنه يومًا عاديًا لتشعر بعدم رغبته في الزواج منها ومبادلته تلك المشاعر التي تكنّها له، شعرت بأن فارق العمر بينهما ربما هو السبب في ذلك، أقنعت نور نفسها بتلك الكلماتِ فهي ما زالت صغيرة لتتزوج، حدثت نفسها بتوتر:
– هو اتأخر كده ليه، أكيد مش عاوز يشوفني ومتضايق إنه اتجوزني!!
جذم حديثها الحزين وشرودها المتحيّر ولوجه الغرفة عليها، ارتبكت نور وحدقت به لتجد قلبها يدق بشدة، خطا زين بقدمه للداخل لتقع عيناه عليها، نظر لها بلا مبالاةٍ وتأفف ليتحرك بعدها لغرفة تبديل الملابس شاعرًا بالإختناق من زواجه بتلك الطريقة، شعرت نور بالقهر وانكمشت في نفسها حزينة لتنتظر كيف سيتعامل معها فقد تحدثت معها ابنة عمها الكبرى مريم بشأن ذلك بأن زواجها منه ليس إلا لمكوثها معهم والحفاظ عليها، زمت شفتيها منزعجة فهذا ما لا ترضاه، إنتبهت له يدلف من تلك الغرفة بعدما بدل ثيابه بأخرى منزلية، تقدم زين منها وهو يتأملها مطولاً فتلك الصغيرة زوجته، لم ينفر منها ولكن زواجه بفتاةٍ في عمرها جعله غير متقبلاً للفكرة، دنا منها فوقفت على الفور معبرة عن إحترامها له وأخفضت رأسها، تأمل زين وجهها الطفولي وملامحها الصغيرة الرقيقة باعجابٍ، وضع أطراف أصابعه أسفل ذقنها ليجعلها تنظر له، نظرت له نور باستحياءٍ ممتزج بالتوتر، قال زين بنبرة رجولية اربكتها وهو يمرر أنظاره على جسدها الصغير:
– إنتي في سنة كام؟
نظرت له نور وردت بصوتٍ مبحوح متوتر:
– في تالتة إعدادي!
ضم زين شفتيه بتفكيرٍ وعينيها تتجول عليها لتتوتر أكثر من نظراته، لم يجد زين مشكلة في ارتباطه بها فهي ابنة عمه وسيتعامل معها كابنته أو ما شابه، تحرك نحوها تلك الخطوة الفاصلة بينهم لتضطرب من قربه الشديد منها وهي تنظر له بارتباك، قال لها بنبرة صلبة ذات مفهوم:
– جوازنا ده مش عاوز حد يعرف بيه، يعني لا تروحي مدرستك تقولي إتجوزتي ولا الكلام ده، ومن هنا ورايح متعمليش حاجة من ورايا، وأي حاجة عوزاها تطلبيها مني، وعايزك تعتبري نفسك مش متجوزة وتعيشي معانا عادي عبست تعابيرها وقالت بنبرةٍ متضايقة:
– ليه دا أنا مبسوطة إني إتجوزتك
تأفف قائلاً بامتعاض:
– بس أنا بقى مش مبسوط، وعايزك تفهمي إني متجوزك علشان تبقي معانا هنا، غير كده مش عاوزك تفكري في حاجة نظرت له نور بحزنٍ فتجاهلها كليًا ثم تحرك ليصعد على التخت ليغفا عليه، بينما وقفت نور موضعها زائغة في حديثه حزينة، امتعض من وقوفها هکذا فأمرها بحدیة:
– واقفة كده ليه، يلا تعالي نامي
التفتت له سریعًا ونظرت له لتسأل بارتباك:
– هو أنا هنام فين؟
نظر لها بتأففٍ ورد بسخط:
– هيكون فين يعني، جمبي طبعًا!!
رغم فرحتها الداخلية بأنها ستكون معه في مكانٍ واحد إلا أنها توترت من الموضوع برمته، تسطح زين على ظهره ثم وضع رأسه على الوسادة وقد أغمض عينيه، بينما تحركت نور بخطواتٍ مترددة وهي تعض على شفتيها من فرط خجلها لتصعد على التخت بجواره، فور أن استلقت بجواره كان ملتفتًا إليها فارتبكت، تأملها عن قُربٍ بنظراتٍ غامضة فاشتد ارتباكها، قال بنبرةٍ لم تعي مقصدها:
– تعالي نامي في حضني!! ……………………..…………
_________________________
___________________
___________

error: