((مُغرَم بك))ِ (صَغِیرة ولَکِن..القيادي)

الفصـل الثاني
مُغـرَم بـكِ
ـــــــــــــــ

انحنى عليه ليُقبّل كفه الصلت باحترامٍ، ليمسد الأخير على رأسه بلزقٍ ولطف، اعتدل زين ليجلس على مقعد ملازم للتخت، بنظراتٍ حانية ونبرة دمثة هادئة قال عادل:
– فينك يا زين، على طول كده مسافر ومش عاوزنا نشوفك؟
ابتسم زين مجيبًا بتردد:
– معلش يا عمي، أصلي باحب السفر قوي!
رد عادل بعقلانية:
– السفر هيضيّع عمرك، لازم تشوف هتعمل أيه في مستقبلك، هو دا اللي هينفعك
رد مقتنعًا وقد اعتزم البقاء:
– هو دا فعلاً القرار اللي أنا أخدته، هاشتغل في الشركة وأعمل المشاريع اللي عندي، حاسس إنها هتنفع الشركة قوي
استمع له عادل باهتمامٍ ليتهلل من بقاءه، رد بفرحةٍ داخلية:
– أفضل قرار أخدته، خلاص خليك هنا على طول، باباك مش حمل يشيل الشركة لوحده، لازم تقف جنبه يا زين
رد ناظرًا إلیه باستنكارٍ:
– وحضرتك روحت فين؟، ربنا يخليك لينا!
تنهد عادل باجهاد ليظهر تعبه، رد بقلة حيلة:
– خلاص مبقاش في العمر حاجة، حاسس إني….
قاطعة زين بعدم تحمل سماع الباقي قائلاً بعتاب:
– ليه يا عمي تقول كده، حضرتك لسه صغير، وفيه دكاترة كتير وممكن تسافر برة تتعالج أفضل
رد بعدم اكتراث:
– كل دا مش جايب همّه، أنا خلاص تعبت من العلاج ومافيش فايدة، كل اللي بافكر فيه حاليًا هو نور بنتي، خايف عليها قوي من بعدي تتبهدل وتبقى لوحدها
قال كلماته الأخيرة بقلقٍ لاح في صوته، حزن زين من حديث عمه الضال واليائس مرددًا بتمنٍ:
– إن شاء الله خير ومحدش هيربيها غيرك، قلبي حاسس إن حضرتك هتبقى كويس، ولو على نور إحنا روحنا فين، كلنا اخواتها وبابا زيك بالظبط .
لم يسعد عادل لوصفه لها بالأخت فزم شفتيه مكتفيًا ببسمة صغيرة ولم يعلق ذلك، دون استئذانٍ ولجت الغرفة عليهم وعينيها عرفت الطريق لتتسلط عليه، انتبه لها زين وهو جالس على المقعد أمام عمه الذي ابتسم حين رآها، نظر لها زين مبتسمًا بتوددٍ فتحركت نحوه وهي تشعر بنبضات قلبها ترجف، ضغطت على أناملها باستحياءٍ جديد حتى على والدها، أجل لم تشعر بذلك سوى وهي معه، خاطبها زين بلطافة:
– هاي يا نور، تعالي قربي
فورًا كانت متحركة نحوه فنهض ليقابلها، وقفت أمامه قائلة بصوتٍ ضعيف متوتر:
– حمد الله على السلامة!
ثم بنظراتها البريئة تطلعت عليه فابتسم بعذوبة ليأخذها في أحضانه عفويًا ضاممًا إياها بأخوةٍ، اختلج قلبها بنبضة متحيرة غافلة، أغمضت عينيها مستسلمة لتلك الحالة التي ملكتها وهي تُسند رأسها أعلى معدته لطوله عنها، تأملهم عادل بنظرات متمنية ثم تنهد ليدعو بأن تكون له، يعلم بأنها صغيرة ولكن كي يغتبط قلبه يريد تزويجها له، حاوطها زين بعد ذلك بذراعٍ واحد من كتفها، قال بنبرةٍ أخجلتها:
– كبرتي يا نور، آخر مرة شوفتك كنتي أصغر من كده!
ابتسمت باستحياء فرد عادل باطلاع:
– هي البنات بتكبر بسرعة کده
خاطبها زين ضاغطًا على ذقنها بمداعبة:
– أنا جبتلك حاجات كتير قوي، والحمد لله إني جبت مقاس أكبر
هتفت بفرحةٍ طفولية اضحكته:
– جبتلي فساتين حلوة، عاوزة احضر بيها الحفلة بدل ما أروح أشتري
رد بضحكة خفيفة مؤكدًا:
– جبتلك فساتين وكل حاجة عاوزاها، علشان تحضري الحفلة وكل حاجة، روحي اتفرجي جايبلك أيه!
فاجئته بردها غير المتوقع والذي خرج من قلبها بعفوية:
– لأ عاوزة أقعد معاك، إنت أهم عندي
أعجب زين بحديثها ففتاةٍ في عمرها ستركض لرؤية الهدايا، ولذلك ضمها لصدره أكثر، حاوطت خصره مبتهجة وهي كذلك ذائبة في تنشّق رائحة عطره، وزّع عادل أنظاره عليهما وقد ردد في نفسه باستجداءٍ:
– يا رب أشوفكم متجوزين قبل ما أموت، عاوز أطمن عليكي يا حبيبتي علشان أموت وأنا مرتاح …..!!
_________________________________

في يوم الحفلة ارتدى زين حلة من اللون الأسود الحالك، أسفلها قميصٍ من اللون الأبيض وربطة عنق على هيئة فيونكة، كان وسط الحضور الذين ما زالوا يتوافدون ممسكًا بكأسٍ صغير يرتشف منه، بجواره كان صديقه حسام واقفًا يتابع بنظراته الحفلة باعجاب لفخامتها، نظر له قائلاً باستياء:
– يا بختك، حفلة بالشيء الفولاني معمولة علشان سيادتك رجعت بس من السفر، أومال لما تتجوز أبوك هيعمل أيه؟
رمقه زين بنظراتٍ مُظلمة مدركًا بأنه يحسده كعادته، رد بخيلاء:
– يوم ما اتجوز العالم كله لازم يعرف، ومش أي بنت هتجوزها، لازم أختارها بنفسي وتكون أحلى واحدة
مط حسام شفتيه باعجابٍ مرددًا:
– هنياله يا عم، مين قدك، ابن أبوك الوحيد ومن حقلك تدلع، إنما إحنا لينا الله، مطحون في شغل المقاولات مش فاضي حتى آخد يوم أجازة
رد زين باقتراح:
– أيه رأيك تسيبك من الشغلانة المتعبة دي وتيجي تشتغل معايا، أنا خلاص هستقر هنا ومحتاج حد ثقة معايا في الشركة
هتفت حسام بأعين لامعة بفرحة:
– بتتكلم جد يا زين؟!
رد بثقة:
– وأنا من إمتى بقول حاجة وبارجع فيها!
غمز حسام له قائلاً بمدح:
– إنت زينو اللي مافيش زيك، خلاص من بكرة هقفل المكتب اللي تاعب قلبي ده
نظر زين من حوله بتفحص، ثم نظر إليه ليستفهم متذكرًا:
– صحيح هو إنت قولتلي معتز مجاش ليه؟!!…..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
في زاوية أخرى بعيدة نسبيًا عن زين جلست مع اختها تنناقش في مسألة ما دامغة ستتخذها، قالت سلمى بتعقل:
– خلاص لو إنتي بتفكري تاخدي الماجستیر خلاص ابدئي حضريله، دي خطوة كويسة، بس تكوني قدها
زمت مريم شفتيها متحيرة، قالت بمعنى:
– أصل بابا عرض عليا أروح اشتغل معاه في الشركة، بس قولتله هأجل الموضوع ده شوية على ما أشوف هحضّر ماجستیر ولا لأ
هتفت سلمي مُحمسة إياها:
– خطوة حلوة يا مريم، وحتى لو متقبلتش شركة بابا مفتوحالك في أي وقت
ردت مريم محدقة أمامها بعزيمة:
– خلاص أخدت قراري، هأجل شغلي في الشركة شوية وهحضّر الماجستیر…..!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بات جالسًا بجوار والديه على إحدى الطاولات العائلية بعدم راحة، عينيه تتلفت هنا وهناك كمن يبحث بشغفٍ عن شيءٍ ما، رأته والدته فهدرت بسخط:
– مالك مش على بعضك كده ليه يا زفت؟، ما تتنيل تقعد كويس
هتف متأففًا بملل:
– نور اتأخرت قوي يا مامي، اتفقنا تيجي بدري علشان نسهر مع بعض كتير
نظرت له ثريا شزرًا، قالت بحنق:
– أنا مش عارفة هتتجنن عليها كده ليه، وضعك مش مريحني
ابتسم قائلاً بمزاح وهو يومئ بحاجبيه:
– بحبها يا مامي، وإن شاء الله محدش هيتجوزها غيري
هتفت ثريا باندهاش:
– تتجوز أيه يا أهبل إنت، يلا قوم إمشي شوفلك حاجة إلعب بيها
امتعض مالك من حديث والدته المستهجن، نهض قائلاً بنفورٍ:
– أصلاً مش مرتاح في القعدة معاكوا، هروح استنى نانو عند بوابة الفيلا
ثم تحرك مغادرًا فرمقته والدته بنظرة متهكمة، تأففت لتُدير رأسها ناحية ابنتها التي تجلس بجانبها كالود لا تُجدي نفعًا، سألتها بانزعاج:
– هتفضلي قاعدة كده؟، ما تقومي تشوفي زين راح فين وتتكلمي معاه، هو دا اللي اتفقنا عليه!
هتفت ميرا بعبوس:
– هو أنا شوفته ومتكلمتش معاه، من وقت ما وصلنا وهو بيتكلم مع المعازيم ومشغول، وأنا قاعدة مستنية يفضى
تنهدت ثريا لتقول بدراية:
– عاوزاكي تقرّبي منه وتستغلي أي ظروف علشان تقربي منه، زين ابن أخويا ومش هلاقي أحسن منه يتجوزك وتكوني عايشة كويس ومبسوطة
بدأت ثريا أن تُملي على ابنتها بعض النصائح، ردت ميرا بانصياع:
– أنا عارفة كل حاجة يا مامي، مش هسيب واحدة تاخده مني..!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
دلف السائق الخاص بسيارة عمها الفيلا وهي تجلس بالخلف معه وبرفقتها الدادة عزيزة التي أرسلها فاضل لترافقها، صفّ السيارة في أحد الأركان لتترجل نور بفستانها القصير والطفولي إلى حدٍ ما، ناهيك عن بعض البوكلات التي زيّنت بها شعرها الذي يصل لمنتصف ظهرها، تحركت نور لداخل الحفل وهي تجوب بأنظارها المكان وتبتسم باتساع ومنبهرة مما تراه، صفقت بکفیها بخفوتٍ عفويًا فسوف تمرح اليوم، وذلك لقلة خروجها من المنزل، كان هناك من يتابع ولوجها بترقبٍ، ومن غيره مالك الذي صرخ من خلفها ليرعبها، بالفعل ارتعبت نور صارخة ثم التفتت لتعنف هذا السمج، هتفت بتوبيخٍ وهي تخبطه بقوة على كتفه:
– حيوان، إزاي تخوفني، إفرض حصلي حاجة
ضحك بمرحٍ متجاهلاً تذمرها قائلاً:
– بهزّر معاكي يا نانو، يعني بذمتك هيبقى فيه عفاريت في الجو الحلو ده!!
ثم اقترب منها ليمسك بيدها متابعًا بحماسٍ وهو يسحبها:
– تعالي دا فيه جاتوه وحلويات وحاجات حلوة قوي، سلام إنتي يا دادة
قالها للدادة عزيزة ثم تحرك بنور التي تذمرت رافضة:
– مش جعانة دلوقتي استنى شوية
وقف مالك ثم قال ناظرًا إليها بشغف:
– خلاص بلاش أكل، تعالي نرقص
سحبت يدها لترد بعدم رضى:
– يا ابني مش لازم أسلم على عمي الأول، وولاد عمي، وحشوني قوي
عبس مالك قائلاً:
– يا نور بعدين دي شكليات، ولازم نستغل كل لحظة في الليلة دي، هو إحنا بنسهر كل يوم!!
– برضوه مينفعش
ثم تحركت باحثة عن عمها أو بنات عمها، هذا الواضح للعيان ولكن بداخلها كانت تبحث عنه هو، لوت شفتيها بضيق وهي تتحرك بين المدعوين حين لم تجده، سار مالك من خلفها لا يمكنه تركها، وقعت عيناها على بنات عمها فتهللت لتركض ناحيتهن، وأيضًا مالك من خلفها!!، اقتربت نور منهن قائلة بسعادة:
– وحشتوني
فور رؤيتهن لها نهضن للترحيب بها، احتضنتها مريم بمحبةٍ قائلة:
– وحشتيني يا نانو، أيه القمر ده
ثم ابتعدت لتتطلع عليها باعجاب متابعة بمغزى:
– كبرتي وإحلويتي قوي
ضحكت نور بلمحة من الخجل، بينما تدخلت سلمي لتضمها إليها قائلة بحنوٍ:
– ياه يا نانو لما بتيجي هنا متعرفيش ببقى فرحانة قد أيه
ابعدتها سلمى لترد نور بحبٍ صادق:
– وأنا كمان بحبكوا قوي، وبستنى أي مناسبة علشان آجي
– مش سلمتي عليهم، يلا بقى يا نانو نسهر وننبسط قبل تروحي
قالها مالك بنفاذ صبرٍ وتحايل فنظرت له نور بتأفف، قالت مريم بلطف:
– روحي يا نانو انبسطي في الحفلة شوية وبعدين ابقى تعالي اقعدي معانا، ومتخافيش اسهري براحتك بكرة الجمعة
ابتسمت نور لتمتثل لكلامها فابتسمت مريم باعجاب وهي تُطيعها، تحركت نور ثم قالت لمالك بشيءٍ من عدم القبول:
– يلا تعالى نلعب سوا
– وناكل جاتوه ونرقص
قالها بحماسٍ ثم ركضت بمرح وهو من خلفها ليمرحا سويًا وسط الحضور…..!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
جلس على البار يرتشف المشروب بحذرٍ كي لا يثمل وهو جالس بمفرده، وذلك بعدما غادر حسام مضطرًا لمهاتفة اخته الصغيرة له وهي تخبره بتعب والدتهما المفاجئ، على حين النقاش مع زين فيما سيفعلانه لاحقًا، انتفض زين برجفة خفيفة اخرجته من تفكيره وذلك حين وجد من يضع يده على كتفه من الخلف، ابتسمت ميرا باشراقٍ وهي تقف بجانبه لتظهر هويتها له، قالت مدعية الحزن:
– كده من وقت جيت متسألش عني!!
شهق زين بتفاجؤ حين رآها، رددت بانبهارٍ:
– مش معقول يا ميرا، أيه الجمال ده
ثم نهض للترحيب بها، وذلك حين احتضنها بقوة فسعدت لاعجابه بها، ابتعد عنها قليلاً ليتابع بنظراتٍ حميمة:
– عاملة أيه؟
ردت مبتسمة بخجلٍ طفيف:
– كويسة، مصدقتش لما مامي قالت إنك رجعت وهتقعد معانا
رد بمفهومٍ وهو يجلس ثانيةً:
– لا صدقي، خلال مبقتش هسافر وهفضل هنا لحد ما تزهقوا مني
هتفت باحتجاج وهي تجلس على مقعد مجاور:
– نزهق أيه، شكلك مش عارف معزّتك عندنا
قالتها بمغزی له لكنه لم يتفهم، أثناء حديثهما الدارج لاحظتهم نور التي تلعب برفقة مالك، سريعًا تجهمت تعابيره واشتدت نظراتها ضراوة، انتبه مالك لهما هو الآخر وكذلك نظرات نور والتي لم يتفهمها، قال بمعنى:
– عاوزة منهم أيه تعالي نكمل لعب، دول كبار مع بعض ويمكن قريب هيتجوزوا
رمقته بنظرةٍ مشتعلة ليُكمل بتطفل:
– سمعتها هي وماما بيتكلموا في كده، إن زين هيتجوز ميرا
شعرت نور بالغِيرة ثم عاودت النظر إليهما، اغتاظت وهما يضحكان سويًا ويتبادلان الحديث دون قيود، كزت على اسنانها لتأتيها فكرة ما ستجعله يبتعد عنها، فجأةً مثلت التعب قائلة:
– أنا تعبانة قوي وعاوزة أروح
قالتها وهي تضع یدها علی مقدمة رأسها، بینما هتف مالك باعتراضٍ وعبوس:
– لسه بدري، إحنا لسه في أول الحفلة
– بقولك تعبانة عاوزة امشي
قالتها بنفورٍ لتتركه مدهوشًا، تحركت نحو عمها الجالس برفقة بعض رجال الاعمال، خاطبته باجهادٍ مصطنع:
– عمو انا تعبانة وعاوزة أروّح!!
ثم وضعت يدها على رأسها مرة أخری بتمثيلٍ بارع، نهض فاضل مرددًا بحنان:
– حبيبتي فيه حاجة بتوجعك؟
ردت بأعينٍ شبه متيقظةٍ متعمدة افتعال ذلك وهي تفركها:
– مش قادرة خلاص، عاوزة أنام وتعبت
رد برأفة وهي يضمها لصدره:
– خلاص تعالي أكلم السواق يروحك
انتفضت فجأة محتجة وقد ابان تمثيلها المزيف له:
– بلاش السواق، خلي زين هو اللي يوصّلني
تعجب فاضل من زوال تعبها ثم أظلم عينيه نحوها، توترت نور من نظراته وانحرجت، رد مرحبًا بذلك لتسعد:
– وفيها أيه لما زين يوصلك، تعالي أما أكلمه…!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تضايق مالك من تركها للحفلة دون أن يكملا مرحهما معًا، توجه لوالدته قائلاً بضجرٍ:
– يلا يا مامي نروّح أصلي زهقت
نظرت له ثريا باستهزاء، ردت لاوية ثغرها للجانب:
– ليه إن شاء الله، ما إنت كنت مش على بعضك من شوية ومبسوط، ولا خلاص علشان نور مشيت!
فتح شفتيه ليرد لكن قدوم ميرا وهي جالبة معها رياح ضيقها اسكتته، تعجبت ثريا من هيئتها فهتفت ميرا بغيظ:
– يلا يا مامي نمشي، أنا زهقت وعاوزة امشي من هنا
ردت ثريا باندهاش:
– ليه يا ميرا لسه بدري، ومش كنتي مع زين و…
قاطعتها بتأفف:
– يلا يا مامي بجد متضايقة، وكمان زين راح يوصل نور، يعني ملهاش لازمة قاعدتي دي
زمت ثريا شفتيها متنهدة بتهكم وهي تمرر انظارها على ابناءها وطلعتهم مزعوجة، ردت باستسلامٍ:
– حاضر، يلا نمشي، حتی باباکم باین مش جاي …..!!
________________________________

لم تفارق نظراتها استمرارها في التطلع عليه وهي جالسة بجواره بداخل سيارته، تتأمل بابتسامة مخفية لكن بداخلها الكثير هيئته الرائعة وحُسن طلعته، سعدت حين رحب كثيرًا بأن يقلها إلى منزلها ولم يحتج، عضت على شفتيها باستحياءٍ وهي معه طوال هذا الطريق بمفردهما، وعن زين لم تطارده أي من تلك الأحاسيس، هي في نظره مجرد ابنة عم ومن واجبه الإهتمام بها، وذلك لتأثير كلمات عمه عن وحدتها من بعده، كل ذلك جعله يتعامل معها بودٍ وألفة، عند قروب الوصول نظر لها قائلاً بابتسامة ساحرة:
– خلاص يا نور قرّبنا نوصل، زمانك تعبانة وعاوزة ترتاحي
بداخلها عارضت راحتها حين تبلغ مسكنها، وودت أن تطول المسافة، تنهدت قائلة لنفسها بصوت خفيض:
– للأسف!!
بلغ زين المبنى ثم صف سيارته، نظر لها قائلاً:
– يلا إنزلي علشان هوصّلك لحد فوق
تبهّجت نور كونه سيرافقها للأعلى، ترجلت من السيارة لتجده يمد يده لها ليُمسك بيدها فابتسمت بخجل، تحركا للداخل نحو المصعد، ضغط زين على زر الفتح ولكنه كان مبطلاً عن العمل، قال زين بعدم فهم:
– هو البتاع دا بايظ ولا أيه؟!
ردت بحيرة وبراءة:
– على فكرة بيبقى شغال وكويس، بس بحس حظي وحش لما بركبه، بيبقى مش شغال، يعني لما أوصل فوق هتلاقيه اشتغل
اندهش زين من ذلك ولم يقتنع بأنه القدر، رغم ذلك قال باذعانٍ:
– تعالي نطلع على السلم وخلاص
اومأت برأسها ثم تحركت معه ليصعد الدرج سويًا، بالأعلى كعادته كان ينتظرها مهيد بمكره حتى يؤكد مجيئها له في الغد كما وعدته، ظنها بمفردها ولكنه تفاجئ بوصولها لباب شقته برفقة أحدهم فارتبك بشدة ليتراجع خطوة، لمحته نور واقفًا كعادته ولم تتعجب منه فهو دائب الوقوف هكذا، التزم مهيد الوجوم ولم يتفوه بكلمة كي لا ينكشف امره، ورغم ذلك فضحت نور نواياه حين قالت بعفوية وهي تتوقف عن الصعود:
– مساء الخير يا مهيد، شكلك واقف علشان تفكري بميعادنا بكرة، متخافش هاجي ألعب معاك
لم يرتاح زين لحديثها معه ثم مرر أنظاره على الشاب، توتر مهيد وزيف ابتسامة مرتبكة، تعجب زين من اختلاطها بشاب في سِنه أو يُبادلها ما تفعله هي كفتاةٍ صغيرة، اكمل تحركهما نحو الأعلى وهو مشغول بأمر هذا الشاب، نظر لنور واستفهم:
– تعرفي الولد دا منين، وأيه بتروحيله دي؟!
ردت بتلقائية موضحة:
– لأ أنا لسه هروح ألعب معاه، أصله جديد في العمارة وامبارح عرض عليا اروح ألعب معاه
– وطبعًا هتروحي ووعدتيه؟
سألها بعدم رضى وهو يقف أمام باب شقتها فردت بتردد وقد لمحت تضايقه:
– ليه لأ دا …
قاطعها برفضٍ تام وهو يشدّد في تحذيرها:
– أوعي تعملي كده، دا ولد باين عليه مش كويس وممكن يعملك حاجة وحشة
سألت ببراءة وهي تنكمش في نفسها:
– هيعملي أيه يعني مش فاهمة؟
ادرك زين صغر عُمرها ومحدودية فهمها، رغم ذلك رد بتنبيهٍ:
– هو زي ما بقولك كده، من النهاردة الواد ده ملكيش علاقة بيه ولا تكلميه، سمعاني ولا لأ!
وجدت نفسها تهز رأسها بطاعة وهي تردد:
– مش هكلمه تاني بس متزعلش مني
ابتسم لها كي لا يُرعبها من شيء، قال بهدوءٍ ظاهري:
– خلاص يا نور إنتي بنت شاطرة وهتسمعي الكلام، يلا ادخلي وتصبحي على خير وخلي بالك من نفسك
ثم قبّل أعلى رأسها ولكنها لم تكتفي بذلك حيث فاجأته حين رفعت نفسها وقبلته من خده فاندهش، ردت مبتسمة برقة:
– وإنت من أهله
ثم ولجت للداخل مسرورة فتحرك هو ليهبط الدرج بعدما اطمأن على سلامة وصولها، وبالفعل كان قلبه خائفًا عليها حين علم باستغلال هذا الشاب لها، تنهد زين ليُغادر من المبنى وعقله منشغل بكل ذلك……!!
________________________________

انتهت الحفلة ولم يوجد سوى العمال وهو يجمعون المقاعد والزينة في اللحظة التي ولج فيها زين للفيلا، ثم تحرك للداخل ليصعد لغرفته لكنه توقف حين ناداه والده:
– تعالى يا زين عاوز اتكلم معاك
التفت زين لمكان الصوت فوجد باب غرفة مكتب والده مفتوحًا ورآه جالسًا على مقعده ينظر له، تحرك زين ناحية المكتب حتى ولج قائلاً ببشاشة:
– مساء الخير يا بابا، خير فيه حاجة؟
ثم جلس زين مُقابيله، رد فاضل بحذر:
– كنت عاوز أكلمك في موضوع كده
انصت زين له باهتمام، بينما كان يريد فاضل التحدث معه بشأن زواجه من نور، رد متنهدًا بقلة حيلة:
– عمك تعبان قوي، الدكاترة كلهم بيقولوا مرضه وحش وملوش علاج، بس هو مش همه كله ده قد خوفه على نور وإنه هيسبها لوحدها
اخفض زين نظراته حزينًا عليه، بينما تابع فاضل بتلميحٍ وهو ینظر إلیه بمغزی:
– طبعًا نور لو حصلّه حاجة هتقعد معانا هنا على طول، ومش هاسمح تسيب الفيلا، أو حتى تتجوز حد غريب
هنا نظر له زين بعدم استيعاب لبعض الوقت فحدق فاضل به بنظراتٍ قوية، بعدها تفهم زین مقصده لكنه اقنع نفسه بأنه يمزح، سأل باحتراس:
– تقصد أيه يا بابا بإنها مش هتتجوز حد غريب؟!
رد دون مقدماتٍ:
– يعني هتتجوزها إنت!!
اندهش زين وانصدم معًا، دخول مريم المفاجئ والمرتعد جعله لم يعلن رفضه أو موافقته حتى حيث لم تعطيه الفرصة، نظر الاثنان لها بدهشة فهتفت بحزنٍ شديد وهي تدخل في نوبة بكاء:
– إلحق يا بابا، نور كلمتني من شوية وبتعيط وبتقول عمي بتكلمه مش بيرد عليها!
نهض فاضل من مقعده مقشعرًا وأعصابه قد انسحبت منها الدماء، كذلك نهض زين الذي اضطرب، هتف فاضل بأسى:
– كان قلبي حاسس!! ……………….

error: