((مُغرَم بك))ِ (صَغِیرة ولَکِن..القيادي)

الفصـل التـاسـع
مُغـرَم بـكِ
ــــــــــــــــــ

في القــاهرة…
فتحت عينيها بتباطؤ لتنتبه بعد لحظاتٍ من إفاقتها لوجود الصغيرة واقفة أمام رأسها وتحدق بها كأنها تترقب بين فينةٍ وأخرى أن تفيق، تنبهت رسيل لوجودها فاستعادت كامل انتباهها وهي تخاطبها باندهاش:
– رسيل حبيبتي واقفة كده ليه؟
لم تُجيب الصغيرة على سؤالها بل سألتها هي بنبرة جادة رغم طفوليتها:
– هو إنتي صالحتيه؟
ذلك السؤال جعل رسيل تبتسم بذهول وهي تحملق فيها بانبهار من سؤالها العاقل، ردت عليها بمعنى:
– أيوة صالحته!
-ليه؟
سألتها بتطفلٍ جعل رسيل تكتم ضحكتها وهي ترد بصعوبة:
– علشان بيحبني قوي
زمت الصغيرة فمها بطريقة جعلت رسيل تصل لقمة احتباسها إخراج ضحكاتها، قالت الطفلة بنبرة باتت متضايقة:
– بس هو مش بيحبني، سمعت مامي بتقول لبابي كده!
تبدلت تعابير رسيل لعدم الرضى من قول عمتها ذلك امام الصغيرة والتي تابعت بعبوسٍ طفولي:
– وخليه يشيل إيده من عليكي وتعالي معانا علشان ناكل
ثم أشارت بيدها الصغيرة على يد أيهم التي تحاوطها، هنا انتبهت رسيل بأنه نائمًا خلفها فاضطربت مرددة:
– طيب روحي إنتي وأنا جاية
اومأت الصغيرة رأسها بطاعة ثم تحركت نحو الخارج، جاءت رسيل لتلتفت ناحية أيهم فوجدته فائقًا وقد استمع على الصغيرة، نظرت له رسيل بارتباك فهتف هو بانزعاج:
– شايفة عمتك بتقول أيه، كنت حاسس إنها مش طيقاني
ردت رسيل بدفاعٍ محاولة تغيير فكره نحوها:
– عمتي متقصدش حاجة، هي تلاقيها مش ناسية إنك مكنتش موافق على جوازها من باباك، وتلاقي البنت سمعتها بتقول كده من غير ما تاخد بالها
ابتسم أيهم بتهكمٍ قائلاً:
– أنا أصلاً بافكر أسيب هنا ونروح في مكان تاني، علشان ترجع تقعد براحتها
هتفت رسيل باعتراض:
– المكان هنا كويس، وهنا اتجوزنا، أنا حبيته!
ثم بعفوية وضعت كفها على خده، ابتسم أيهم ليُقرّب هذا الكف من فمه وقبّله مما جعل رسيل تبتسم بخجلٍ مصطنع، قال بحب:
– لسه زعلانة مني؟
نفت ذلك بتحريك رأسها للجانبين وهي تجاوب باعطاءه قبّلة على خديه، تابع أيهم بمفهومٍ وهو يبتسم:
– عيد الأم بعد يومين، أنا عاملك حفلة مخصوص علشان أصالحك بيها، كل سنة وإنتي طيبة يا أجمل أم
ابتسمت رسيل بامتنان وقد لمعت عيناها بدموع فرحتها، سريعًا ضمها أيهم لأحضانه قائلاً:
– علشان تعرفي باحبك قد أيه، وهديتك هتعرفيها يومها!
هتفت رسيل بتتيمٍ وهي تحتضنه بقوة:
– ربنا ما يحرمني منك أبدًا ……..!!
_____________________________________

مر اليومان وقد إحتفل أيهم بمناسبة عيد الأم في فيلته حيث دعا الجميع لهذه المناسبة، أيضًا اضطرت ملك للعودة من القرية ومشاركتها هذه المناسبة، قرر أيهم الذهاب لأداء العمرة برفقة رسيل وهي هدیته لها ومعهم ابناءهم الخمسة في وقتٍ قريب، أصرّت رسيل على ذلك كونها أحبّت الذهاب قريبًا ليقضوا وقتًا أكثر في تلك البُقعة النقية قبل عودتها لجامعتها …..
صبـــاح أحد الأيام وضع الخدم الحقائب خاصتهم في السيارة من الخلف، ارتدت رسيل عباءة سوداء راقية وهي واقفة بالخارج ومن حولها ابناءها بكامل أناقتهم، كان أيهم واقفًا بجوارهم يُجري مكالمة هاتفية مع ماجد ويملي عليه بعض المهام، أخبره ماجد بذهابه للقرية قائلاً:
– أنا في الشركة دلوقتي باخلّص الشغل اللي متعطّل وهانزل البلد ضروري علشان ملك طلبتني، باباها تعبان قوي وباين كده في آخر أيامه
رد أيهم بتفهم:
– خلاص روح واقف معاها، ويا ريت تقول لعمرو هابقى أشوف موضوع نقل زينة لما ارجع، وإن شاء الله هتتنقل خليه يطمن
هتف ماجد بتوديع:
– تروحوا وتيجوا بالسلامة، كان نفسي آجي اسلم عليكم
رد أيهم بعدم مبالاة:
– مش مستاهلة، متنساش تسلم على بابا علشان ميعرفش إني هسافر النهاردة…
كانت رسيل تستمع له من الخلف وهي مبتسمة ونظراتها المعجبة تتأمله، أنهى أيهم حديثه ثم التفت لهم، انتبه لنظرات رسيل فدنا منها متسائلاً بقتامة:
– بتبُصيلي كده ليه؟
ردت رسيل بنظرات اعجاب:
– أول مرة أشوفك لابس كده، حلوة عليك قوي
أخفض أيهم نظراته على ما يرتديه فقد كان يرتدي جلبابًا من اللون الأبيض الناصع بدا عليه رائعًا ومتماشيًا مع طوله وجسده، عاود النظر إليها قائلاً بنبرة مضحكة:
– علشان تعرفي بس إني حلو في أي حاجة
ضحكت رسيل مرددة بعشقٍ وهي تتشبث بذراعه:
– وعلشان كده باحبك
ابتسم لها ثم قبّل رأسها بلطافة، انتبه للصغار فقال باهتمام:
– يلا بقى علشان منتأخرش على ميعاد الطيارة!
اتسعت بسمة رسيل الفرحة وبدأ قلبها ينبض بشدة، فهذه المرة الأولى لها، شرع أيهم في إدخال الأطفال للسيارة واحدًا تلو الآخر، ولجت رسيل لتجلس بالخلف حاملة لأصغر ابناءها، بينما جلس أيهم بجوار السائق مرتديًا نظارته الشمسية، أمره بنبرة هادئة:
– يلا سوق ……!!
____________________________________
في الأسكنـــدرية……
لم يرتضي الفتيات بقرار زينة في نقلها المفاجئ دون قولها لسببٍ مُقنع، حيث أعلنت عن ذلك في حضرة أخيها حين جاء لزيارتهم، حيث انصدمن من تلك الخطوة الغير مسبوقة بمبررات أو وجود ما ضايقها وذلك لرفضها الذهاب للجامعة، توجهن كل من “لما” ومايا لغرفتها لمناقشة تلك المسألة ثم جلسن ثلاثتهن على أريكة ما جانبية، هتفت “لما” بعدم قنوع:
– أيه بقى اللي غيّرك فجأة كده وعاوزة تسيبينا، وعلشان كده بقى بقالك كام يوم مش بتروحي الجامعة
زمت زينة شفتيها وجلست صامتة عابسة، تأملن الفتيات هيئتها بتعجب فتابعت “لما” بغرابة:
– ما تردي يا بنتي علينا، حد هنا ضايقك؟، قولي متخبيش!
ثم نظرن لها بترقب لينتظرن ردها، أخيرًا ردت زينة مفتعلة أحد الأكاذيب:
– أنا من زمان مش حابة الجو هنا، وكنت باقول علشان ابقى معاكوا، بس بصراحة حاسة إن الدراسة في القاهرة أفضل
هتفت مايا بعدم اقتناع:
– الدراسة واحدة في كل مكان، وميفرقش کانت فین
ارتبكت زينة وهي ترد بتبريرٍ مصطنع:
– مش عارفة بس حاسة بكده!
ردت “لما” بتصميم:
– على فكرة إنتي مش هتمشي وتسيبينا، ولو عملتيها يا زينة مش هنكلمك، يلا قومي كلمي أخوكي قوليله إنك صرفتي نظر
قالت جملتها الأخيرة وهي تنهض، نهضت زينة هي الأخرى معترضة:
– يعني أيه الكلام ده، إفرض مش مرتاحة هنا!
– وأيه بقى اللي مش مريحك؟
سألتها “لما” بانزعاج طاغي عليها، أيضًا سألتها مايا وهي تنهض:
– أيوة قولي أيه اللي مزعلك، إحنا هنا كلنا بنحبك
نظرت لهن زينة بتعثر في إيجاد الرد السليم فقد حاوطنها بأسئلتهن التي خفقت في الإجابة عليها، تنهدت بيأسٍ قائلة باستسلام:
– خلاص قاعدة معاكم، مش رايحة في مكان!
اعتلت الفرحة وجوههن ثم تحركن ليحتضنها بألفةٍ وتودد فزيّفت زينة ابتسامة بصعوبة، هتف “لما” بمحبة:
– حبيبتنا يا زينة، أيوة كده إرجعي لعقلك، دا حتى هنروح النادي النهاردة ونقضي أحلى وقت سوا
حدقت زينة أمامها بشرود فقد خشيت بالفعل أن يتطاول آيان عليها، رددت في نفسها بقوةٍ مصطنعة:
-أكيد مش هسيبه يعملي حاجة، فاكر نفسه أيه ده؟!!……
_______________________________________

– أيوة استناني في فندق المُنتجع!
قالها زين وهو يهبط الدرج متأهبًا للمغادرة لابن اخته مريم زين، أنهى معه حديثه ثم تحرك في ردهة الفيلا متجهًا لزوجته نور ليُودّعها حيث كانت جالسة برفقة ابناءهم عُمر و رحمة، قطب جبينه مستفهمًا:
– إنتوا خارجين ولا أيه؟
ابتسمت نور له مجيبة باطراقٍ:
– أيوة مستنين آيان هنروح النادي شوية، الولاد عاوزين يخرجوا ويلعبوا، وكمان بابا أخد منوم ونام، يعني مش هيصحى طول ما إحنا برة
نظر زين لابنائه مبتسمًا بحب، خاطب ابنته رحمة التي تدرس بالصف الثالث الإعدادي متسائلاً:
– عندي ليكي يا رحمة هدية كبيرة لو جبتي درجات عالية السنة دي
نهضت رحمة لتضمه من خصره قائلة:
– هجيب يا بابي واشرّفك، بس عاوزة أسافر ألمانيا، بيقوفوا تجنن قوي
مسح زين على رأسها قائلاً بوعد:
– خلاص أوعدك لو درجاتك عجبتني هتسافري فورًا
تهللت رحمة فنظرت لهما نور براحة فزوجها دائب الإهتمام بالابناء، نظر لها زين قائلاً:
– همشي أنا بقى علشان متأخرش
هزت نور رأسها بتفهم فتحرك زين مغادرًا الفيلا، في تلك الأثناء كان آيان يهبط الدرج متهيئًا للذهاب للنادي حيث أخبرته “لما” بذهابهن، اعتزم الذهاب من أجل رؤية زينة، تحرك بعدها ليدلف للخارج فلحقته نور منادية عليه وهي تهم بالنهوض سريعًا:
– آيان!
التفت لها آيان فوجدها تتقدم منه ومعها إخوته، عقد بين حاجبيه غير مدركٍ ما تريده منه، قالت نور بحماسٍ زائف وهي تقف أمامه:
– إحنا عاوزين نروح النادي، يلا علشان هتوصّلنا!
تلجلج آيان في الرد عليها قائلاً:
– بس حضرتك مقولتليش يعني
ردت بنظراتٍ مرتابة في أمره:
– وفيها أيه لما نروح معاك في أي وقت، أيه اللي يخليك تمانع
رد بارتباكٍ شعرت به:
– لا يا مامي عادي، أنا بس كنت هلعب رياضة يعني مش هابقى معاكوا
ردت بعزيمة حيث أرادت معرفة ما يفعله:
– إعمل اللي تحبه، يلا إحنا جايين معاك
ثم تحركت دون أن تعطيه الفرصة لقول شيءٍ آخر، تأفف آيان في نفسه فربما لن يستطع مقابلة الفتيات، تحرك على مضضٍ من خلفهم وهو يفكر في ذلك حتى بعدما انطلق بسيارته نحو النادي …….!!
_____________________________________
في القـــرية…..
تجهّز والده كليًا وبدا مستعدًا للرحيل، خلّفه مازن هو الآخر حيث سيسافر مع والده إلى الأسكندرية ثم وقف منتصفًا السراية، لم يُخبر خلود التي تفاجئت بذلك فعرضت عليه الذهاب معه قائلة:
– مازن خدني معاك، هموت وأخرج شوية
نظر لها شزرًا وبدت نظراته كلها نفور، رد برفضٍ:
– لأ، خليكي هنا واهتمي بالواد
لمعت العبرات في عينيها قائلة برجاء:
– علشان خاطري يا مازن خدني، أنا مش هعمل صوت خالص، أنا بجد مخنوقة
تأفف بقوةٍ هاتفًا بانفعال:
– ليكي وش تطلبي مني افسّحك وأخرجك، احمدي ربنا إنك لسه عايشة معايا
تساقطت دموعها رغمًا عنها وهي تنظر إليه، بينما تابع والداه الحديث الدارج بينهما في صمت لبعض الوقت، تدخلت رئيفة قائلة بتهكم:
– وأيه بقى اللي خانقك في وسطينا، دلوقتي مش حابة وجودنا، على العموم لو كارهانا إحنا فيها
نظرت لها خلود بحسرة ودموعها تتصبّب بغزارة على وجهها، باتت متفاجئة من تغيّر معاملتهم معها لتفطن مقصد حديثها، وكل ذلك بسبب وفاة ابنها الذي انفطر قلبها برحيله، القوا اللوم عليها حيث مرض وهي عند أخيها، ظنوها اهملته فباتت في نظرهم من قتلته، ردت بأسى:
– خلاص مش عاوزة أخرج
لم يُعيرها مازن اهتمام ثم تحرك مع والده نحو الخارج وهي تتعقبهم بنظرات مُخيّبة للآمال، وعيت لصوت والدة زوجها تقول باستهزاء:
– واقفة كده ليه، ما تروحي تشوفي الواد اللي سيباه لوحده، ولا عايزة تخلصي عليه هو كمان!
نظرت لها خلود بألمٍ امتزع قلبها، هزت رأسها بانصياع قائلة وهي تتحرك نحو الأعلى:
– حاضر…..!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
في الخارج ركب مازن ووالده سيارتهم الخاصة حيث تولى مازن القيادة وانطلق بها، قال عبد الحميد بمغزى:
– الراجل اللي إحنا رايحنله ده كبير قوي، يعني لو عملنا معاه الشغل اللي جاي ده هينفعنا قوي، ومش بعيد اترشح في مجلس الشعب
انبهر مازن من حديث والده قائلاً:
– دا لو حصل يا بابا نبقى خلاص، الكل هيبقى تحتنا
هتف عبد الحميد مؤكدًا:
– ووقتها محدش هيبقى أعلى مننا، حتى فريد الزيني
ابتسم مازن باعجاب، سأله بعدها بفضول:
– واسمه أيه الراجل ده يا بابا؟
رد عليه متذكرًا:
– اسمه الحاج عيسى…….!!
_____________________________________

في ساحة الفندق الخاصة بالمنتجع جلس زين وبجواره ابن أخته الذي أعجب بحديثه وذكاءه فيما جلبه من مُسبباتٍ تحيل دون مشاركته، بينما انزعج السيد عيسى من حديث هذا الشاب حول عدم السماح له بمشاركة السيد زين في منتجعه، هتف عيسى بتجهم:
– اسمه أيه الكلام ده، يعني حضرتك يا زين بيه بترفض تشاركني أنا
رد زين بتوتر داخلي:
– أنا مش بأرفض ولا حاجة، ما إنت شايف قدامك الورق، الضرايب كتير جدًا وبالملايين ولو تحب تسدد النص يبقى عادي ممكن تشارك
اكفهرت ملامح السيد عيسى بالكامل فهو فقط يريد المشاركة مستخدمًا مكانته، وهذا ما أدركه زين، هتف عيسى بغرورٍ مُستفز:
– أنا أي حد يتمنى يشاركني حتى لو مدفعتش حاجة
وجه زين بصره لخاله الذي ابتسم بسخرية قائلاً:
– بس أنا للأسف مش محتاج حد معايا، وأنا عرضت عليك الموضوع بكل ما فيه، حبيبت أهلاً وسهلاً، محبتش يبقى اتشرّفنا
نهض عيسى متضايقًا وهو يردد باستياء:
– يعني إنت بتطردني
نهض زين هو الآخر وجميع الجالسين، رد بتعليلٍ:
– أنا مبطردتش ضيوف عندي، وكمان أنا بكلمك بكل ذوق وبالحق
رد عيسى مختصرًا في الحديث:
– اتشرفت يا زين بيه
ثم وجه بصره لزين الصغير الذي ابتسم له بثقة، رمقه عيسى بتوعدٍ متابعًا بغموض وهو يعاود النظر لزين:
– قريب قوي هنتقابل يا زين بيه، بس مش هنسالك موقفك معايا، أنا راجل عندي علاقات كتير، اتشرفت بيك إنت وابن اختك
ثم هم مغادرًا المكان ومن خلفه خفره الخاص فتوجس زين من كلمات هذا الرجل، وجه بصره لابن أخته قائلاً بقلق:
– الراجل ده مش مستريحله، حاسس مش هيسكت
هتف زين بعدم إكتراث وثقة:
– حضرتك مش عارف مكانتك يا خالي، سيبك منه، هيعملك أيه يعني؟!
تنهد زين باكتراب، رد بحيرة:
– مش عارف هيعمل أيه، طول عُمري مش باحب المشاكل….!!
_____________________________________
عودة للقــرية…..
أمر الأطباء بعودته للمنزل فحالته متأخرة لا تستدعي مكوثه، أخذه إيهاب لمنزلهم القديم لتتوفاه المنية على فراشه، أخرجت فوزية صرخة حين غطى إيهاب وجهه، بكت ملك في صمتٍ فاحتضنها ماجد ليواسيها، عند مقدمة الباب كانت تقف سيرين تتابع كل ذلك ولم يصدر منها أي تعبير، باتت تعابيرها ساكنة..
ثم أقام إيهاب مأتمًا له فورًا ليقوموا بدفنه إكراما له، انتهى العزاء ولاحظ إيهاب عدم قدوم والد زوجته أو أخيها، فقط والدتها التي جلست لفترة وجيزة ثم رحلت، هذا ما ضايق فوزية، رحل الجميع من حوله ثم جلسوا على الأرائك في منزل والد ايهاب، نهضت سيرين قائلة بحُسن نية:
– تعالي يا ماما اقعدي معانا بلاش تقعدي لوحدك
نظرت لها فوزية قائلة بامتعاض:
– هو أنا مستنياكي تقوليلي تعالي، طبعًا دا بيت ابني وهاقعد فيه
اندهشت سيرين من ردها فتدخل إيهاب سريعًا قائلاً:
– طبعًا يا ماما بيتك ومطرحك وإحنا اللي ضيوف عندك
نظرت له سيرين كابحة غيظها، بينما نهض ماجد واعتزم في نفسه الرحيل من وسط هذا الجو العائلي قائلاً:
– طيب أنا هستأذكم أطمن على أختي خلود، ولو عوزتو أي حاجة بس كلموني
ثم نظر لملك متابعًا بنبرة حزم ادركتها هي فقط:
– قومي يا ملك نسلم عليها علشان نرجع الليلة القاهرة، عندي شُغل كتير
نهضت ملك ثم ودعت والدتها والجميع ثم غادروا، بينما وقفت سيرين موضعها وقد ثارت من الداخل، أحس إيهاب بها ولكن ماذا يفعل فهي والدته، نظر لوالدته قائلاً بتردد:
– يلا يا ماما قومي هاتي هدومك علشان تروّحي معانا……!!
______________________________________
في القـاهـــرة…..
دلف الطبيب من الغرفة بعدما أنهى فحص زوجها الذي لازمه المرض في الفترةِ الدابرة، والتي تبين من خلال الفحوصات السابقة إصابته بورمٍ سرطاني على كليته اليمنى، هرعت نحوه سالي وهي شاحبة الملامح، هتفت بتوجس:
– طمني يا دكتور!
رد الطبيب متنهدًا بهدوء مقلق:
– للأسف السرطان في مرحلته الأخيرة، لازم يتنقل المستشفى نجريله عمليه استئصال الكلية، وهو وحظه لأن العملية نسبة نجاحها صغيرة قوي
اخفضت سالي رأسها بحزن فتابع الطبيب وهو يهم بالمغادرة:
– عن إذنك، منتظر تكلميني بخصوص العملية
ثم رحل الطبيب وتركها بحالتها البائسة تلك، انفلتت بعض العبرات من عينيها رغمًا عنها، تحركت وهي تجُر قدميها لتلج عليه الغرفة وتطمئن على حالته، فور تقدُمها منه وجدته نائمًا على التخت وقسماته باهتة كالموتى، ارتعبت وارتجف جسدها وهي تتأمل هيئته، جلست على طرف الفراش بجانبه ثم خاطبته بلوم:
– ليه مقولتليش إنك تعبان، ليه تتجوزني وتخبي عليا مرضك، مش حرام عليك تعلقني بيك وتسيبني، مش حرام عليك تيتّم بنتنا وهي في السن ده!
ثم بكت بحرقة وألم، وجدت نفسها وحيدة فوالدها سافر للسعودية يقضي بقية حياته هناك تاركًا إياها أمانة معه، لكن هيهات من ذلك فسوف تُصبح وحيدة، نهضت سالي ثم تحركت كالتائهة في الغرفة متحيرة ماذا تفعل؟، جاء اسماعيل على ذهنها لتطلب معاونته لها، هو كان زوجها ولن يتقاعس في القدوم ومساندتها في أزمتها، دون ترددٍ تحرّكت لتجلب هاتفها وبأيدٍ مرتعشة ضغطت ارقام هاتفه بعجالة، وضعته على أذنها فآتاها الرد الفوري، هتفت باستنجاد:
– إسماعيل!، تعالى القاهرة محتاجاك…….!!
____________________________________
في الأسكنـــدرية……
لم تعطيه الفرصة ليتحرك خطوة واحدة دونها معتزمة مراقبته دون أن تُشعره بذلك ومدعية بأنها استوحشت الجلوس برفقته، تذمر آيان في نفسه ثم جلس على غير رغبة معهم على طاولة ما أمام حمام السباحة، اضطرب آيان حين رأى الثلاث فتيات وهن يتقدمن منه ثم توتر وهو ينظر لوالدته، وقفت زينة ولم تُكمل طريقها نحوهم مُختلقة عذرًا ما وهو مهاتفتها لأخيها لتخبره بمكوثها، بينما تقدمن “لما” ومايا من آيان وأسرته، نهض آيان مزيفًا ابتسامة ليستقبلهم، هتفت “لما” بفرحة:
– آيان!، مبسوطة قوي إني شوفتك
وجهت نور بصرها للفتيات بتفاجؤٍ وترقبٍ معًا، بينما رد آيان بتحفظٍ لوجود والدته:
– أهلاً وسهلاً يا بنات، إتفضلوا اقعدوا
ابتسمت له ثم شرعن في الجلوس برفقتهم بحرج، جلس آيان ثم أكمل حديثه ناظرًا لوالدته:
– مامي نور، وتبقى بنت عم بابي
ابتسمن لها الفتيات فبادلتهن الابتسامة وهي تستفهم:
– إنتوا مع آيان في الجامعة ولا أصدقاء إزاي؟
ردت مايا بخجل:
– أيوة مع بعض
رد آيان موضحًا وكانت نظراته على زينة:
– أيوة يا ماما التلاتة معايا في سنة واحدة!
اندهشت نور فاستفهمت:
– مين التالتة؟
ابتسم آيان بمكر فهو يريدها أن تنضم لهم، ردت “لما” بمفهوم:
– زينة شوية وجاية بس بتعمل تليفون صغير
ثم أشارت عليهم بنظراتها، التفتت نور لتجد فتاة محجبة ويبدو منها الإلتزام تتحدث عبر الهاتف، عاودت النظر للفتيات قائلة:
– طيب نادولها نتعرّف عليها
تبهج آيان من طلب والدته، بينما نادت مايا زينة قائلة:
– تعالي يا زينة!
وجهت زينة نظراتها نحوهم ثم تأففت في نفسها، اضطرت للذهاب إليهم وهي تبعد نظراتها عن آيان الذي لم يُشيح بصره عنها، وقفت أمامهم مخاطبة نور بحرج:
– مساء الخير يا طنط
ابتسمت نور لها مرددة:
– مساء النور يا حبيبتي، اتفضلي اقعدي معانا
نظرت زينة لها قائلة:
– أنا كنت جاية ألعب شوية في النشان أصلي باحبه قوي، مرة تانية
لم تُمانع نور لتتركها على راحتها، بينما رمقها آيان بغيظٍ داخلي، تابعت زينة حديثها للفتيات:
– أنا هروح أنا ولما تخلصوا كلموني
لم تنتظر ردهن عليها ثم تحركت لتتركهم، تعجبن الفتيات منها وهن يتبادلن النظرات، غادرت زينة تحت أنظار آيان الحانقة، تنبّه بعد ذلك لصوت “لما” تقول بحماس:
– يلا يا آيان قوم عاوزة أشوفك وإنت بتلعب باسكت!
نظر لها آيان لبعض الوقت وعند استعادته تركيزه قال بتردد وهو ينهض:
– طيب هاعمل مشوار صغير وهرجعلكم تاني، مش هتأخر……!!
_____________________________________

توجّهت الخادمة لتفتح لمن يُقرع جرس الشقة، فور فتحها للباب ظهرت هوية نور وهي تبتسم باتساع، مرقت للداخل مرددة بسعادةٍ سافرة:
– هاي، فين أهل البيت؟
اشارت الخادمة بيدها للداخل مجيبة:
– جوة يا ست هانم!
تحركت نور للداخل فوجدت لين جالسة أمام حاسبها وتأكل المكسرات المشكلة، لمحتها لين فتركت ما بيدها صارخة بفرحة:
– نـور!، مش معقولة إنتي عندنا
ثم ركضت ناحيتها فقابلتها نور حتى احتضن بعضهن بحرارة، حيث كانت نور صديقة لين المُقرّبة وليست ابنة خالتها فقط، قالت نور بمعنى:
– وحشتيني قوي، وعلشان كده جيت أقعد معاكوا كام يوم
شهقت لين بتهللٍ ثم هتفت وهي تبتعد عنها:
– أخيرًا هلاقي حد اتسلى معاه، متعرفيش سعيدة قد أيه
ضمتها نور مرة أخرى مرددة بمحبة:
– وعلشان كده جيت، وحشتوني، ووحشني زين قوي
قطع وصلة الترحيب تلك ولوج زين الشقة، انتبهن له ثم التفتت له نور لتحدق به باشتياق، سريعًا كانت متحركة نحوه هاتفة:
– زين، وحشتني
ثم ارتمت في أحضانه وذراعاها تطوق عنقه، تفاجأ زين بوجودها وهو يحدق أمامه فخالجه شعور ما، ردد بتعابيرٍ غير مفسرةٍ:
– نـــور!! ……………………..……………………..…..
________________________
_________________
___________

 

error: