رواية الجرم الأكبر

الفصل الثالث عشر!
—————مأزق لم يلوح بخاطر مروان قبل تلك اللحظة!
حين أتى بحسناء إلى بيته.. متناسيًا وجود ” ليلى” باليوم التالي، كيف إذا يتواجدان في نفس المكان.. والأمر سيكون اقسى حين تشاهد ليلى ” كريم” أبن زوجها الراحل، وأيضًا حسناء التي كانت بوقت من الأوقات ضُرة لها..كيف يتفادى هذا الموقف بينهما..!ملك: على فكرة مش لازم يعرفوا بعض اصلا
مروان: ازاي يعني؟
ملك: دي فرصة يتعرفوا وتنشأ بينهم علاقة صداقة وود.. قبل ما تنكشف شخصيتهم لبعص ويكون وقتها في حساسية بينهم ونفور.. ع الأقل اما يجي وقت تعارفهم الحقيقي، يكون علاقتهم المسبقة دعم من كل واحده للتانية، لأن اصلا الأتنين ظلمهم شاهين مافيش واحدة فيهم ظلمت التانية!وجد حديثها منطقي فهتف:

كلامك مقنع فعلا يا ملك اننا نخليهم يتصاحبوا من قبل ما يعرفوا بعض، وتكون مشكلة حسناء اتحلت اصلا وترجع بيتها، لأن لو عرفت ليلي في الوقت الحالي أكيد مش هتفضل موجودة معانا..!

_ بالظبط كده. فأنت سافر لغسان وسيب الموضوع كله عليا، أنا هخليهم يقربوا من بعص بطريقتي!
وواصلت: بس هو لازم تسافر بالليل كده، ماتخليها للصبح!

_ لأ ياملك مش هقدر استنى، لازم اشوف غسان واعرف الحكاية أيه! انتي حضريلي بس شنطة فيها لوازم شخصية بسيطة تكفي يومين!
_________________________

ثمة شعور داخله يرفض تصديق ما فعلت حسناء!
هي لم تخدعه.. لم تكذب.. وبالطبع ليست انانية.. هي تحبه.. هي؟!

بل كاذبة.. مخادعة حسناء.. لن يجمل قبح ما فعلت!
ولن يغفر لها ما يجتاح روحه الآن من عذاب.. من احبها لفظت من عقلها فكرة أن تحمل أحشائها روحه التي انتظر أن تمنحه إياها.. حاربت وجود نُطفته وقتلتها بحبوب صغيرة.. فارتكبت “جرمها الأكبر” بحقه.. ولن يغفر!
…………………………
قبل بزوغ الشمس بإحدى شواطيء الأسكندرية!

ذراعه القوية تشق صفحة وجه الماء البارد وجسده يسبح متوغلًا بعمق البحر.. والشمس تبدأ بأول خيوط شروقها البرتقالي.. محاولًا غسان تفريغ طاقته الغاضبة بقوة عله يُهديء صخب عقله ويوقف في قلبه ذاك الحنين الخائن إليها.. إلي صوتها ..وجهها الصبوح.. ولمستها الرقيقة على خصلات شعره وهو غافي بين ذراعيها.. كل شيء به يخونه ويشتاقها رغم ما فعلت!
……… ..
عبر غسان ذلك الشاليه الخاص به بإحدى الأماكن الهادئة، وكاد يتمدد بجسده على فراشه ليُشفى من إرهاقه لنيل قسط من النوم، حتى اخترق صمت محيطه الساكن رنين الباب، فنهض بكسل يتفقد الطارق!

_ مروان؟

_ ومين غيره اللي مبهدله وراك من القاهرة لاسكندرية! وسع اما ارتاح من السواقة.. وحضرلي فطار على ما اخد حمام سريع!

غسان بذهول: هو أيه اللي احضرلك فطار؟؟ وواصل برود: أنا عومت ساعتين متواصلين وجسمي مكسر، هنام واما اصحى نبقي نشوف حكاية الفطار دي! ثم أشار له محذرًا: (مش عايز إزعاج! )

غادر تاركًا مروان خلفه محبطًا:
ونعم استقبال الضيف يا ابن عم حسن!
واكمل بعين غائمة توحي لاتخاذ قرار شديد الجدية:

أنا كده مافيش قدامي غير حل واحد.. اخد حمام وانام جمبه!
…………………………… ..
بعد بضع ساعات!

صاح مروان بصوت مزعج: غسان! غساااااان ..قوم يابني صوتي اتنبح وانا بنادي عليك، حضرت فطار عشان نفطر سوا ونتكلم!

فُزع من نومته وهتف بجزع: في أيه.. حصل أيه؟
مروان بهدوء يخالف صوته المزعج بالثواني السابقة: ماحصلش حاجة، بصحيك عشان الضهر خلاص قرب، يلا فوق واتشطف وصلي وحصلني على بره!

رمقه غسان بغيظ وهو ينصرف من أمامه وهو يسبه بضميره: أبو غبائك ياشيخ..! قطعت خلفي!

مروان قبل أن يختفي ظهره وهو يغادر الغرفة : سمعتك يا غيسو!
……………… ..

بعد تناولهم الإفطار سويًا بالشُرفة..!

ارتشف مروان قليلًا من قدح الشاي الساخن، وتمتم:
أحكيلي بقى أيه اللي خلاك تطلق مراتك بالسهولة دي.. أكيد كان في حل غير الطلاق!

_معتقدش يامروان كان في حل تاني بعد اللي حصل!

_ اللي هو أيه بقى!؟

صمت غسان برهه يشاهد تتابع الأمواج في الشاطىء البعيد الذي يلوح من شرفته، ثم استرسل يقص له ما حدث بإيجاز وما أوصله لما فعل!

وما أن انتهى سرده حتى هتف مروان بدهشة:
معقول حسناء عملت كده؟!!! طب ليه؟

_ لأنها أنانية يامروان، بتحب نفسها وابنها وبس.. محبتنيش زي ما قالت.. خدعتني سنة كاملة بتاخد حبوب منع حمل من ورايا، ولولا أكتشفتها صدفة، كانت فضلت مغفلاني على أمل نجيب ولاد!
مع إن ربنا عالم ازاي حبيت كريم، وعمري ماكنت هفرق بينه وبين ابني لو ربنا رزقني.. كنت عارف إن عندها عقدة وهاجس مخوفها، بس قلت مع الوقت هتطمن من ناحيتي وهثبتلها اكتر لما يكون في طفل تاني، وإني ماكنتش هتغير مع كريم أو اقلل حبي ورعايتي له ..بس هي خاينة.. خانت ثقتي فيها وضحكت عليا.. ونفذت قرار أناني وقاسي لأن مايهمهاش إلا سعادتها هي وابنها وبس، أنا كنت خارج حسابتها يامروان، كنت اخر همها.. عشان كده لو كنت جاي تصلح بينا.. أنسى، حسناء انتهت عندي، حتى لو لسه بحبها.. بس أكيد في يوم هنساها..!

لسانه معقود مما علمه.. جُرم حسناء كبير ويلتمس كل العذر لغضب غسان عليها.. ولكن أيضًا كيف تنتهي علاقتهم عند هذا الحد.. لن يسمح بحدوث تلك الفُرقة

دارت الافكار داخله باحثًا عن كلمات مناسبة، ينفذ بها لعقل غسان ويهديء من غضبه ويجعله يلتمس عذرا لزوجته.فلن تفعل ما فعلت إلا نتاج عقدة قديمة لديها.. هناك وسببًا مجهولًا لديه.. وهنا التفت له وكأنه وجد اخيرًا بداية حواره المقنع:

_ حسناء غلطت جدا.. أنا معاك في ده.. بس أكيد في سبب اتحكم فيها وخلاها تتصرف كده، ياترى عندك علم بالسبب ده؟؟؟

غسان: لأ معرفش السبب!
_ يبقي لازم تعرف.. وبعدها تبني قرارك! مش يمكن تلاقي مبرر يقنعك وتغفرلها غلطها..!

_ مافيش مبرر هيخليني اغير صورتها من كذابة ومخادعة وانانية.. لحاجة تانية..!

( لأ في ياغسان..! )

التفت مروان وغسان للخلف بعد أن بوغتا بصوت العم حسن يصدح خلفهم دون إدراكهما قدومه! فهتف غسان بذهول: بابا؟! أنت جيت امتى؟

اجابه ببساطة: لسه واصل، دخلت اوضتك غيرت هدومي وبعدين دخلت المطبخ أكلت لقمة عشان السكر كان مهبطني واتجولت في الشاليه وانتو مش حاسيين..!

مال مروان على اذن غسان: أبوك حركته خفيفة اوي، ده لو حرامي كان زمانه سرقنا ودخل خد حمام بعد عناء السرقة وخرج وانا وانت قاعدين نشرب شاي في البلكونة!

قال العم حسن بهدوا بعد أن سمع وشوشة مروان:
ما انا عشان كده مبهور بيكم بصراحة!

تبادل غسان ومروان النظرات بصمت وهتف الأول لأبيه: تشب شاي؟؟؟؟؟
_______________

ليلى : هو في ضيوف عندك يا ملك؟
أجابت: أيوة دي زوجة غسان صاحب مروان، عندها مشكلة مع زوجها وجبناها هنا عشان ناخد بالنا منها على ما زوجي يحاول يشوف حل ويرجعهم لبعض!

وأكملت:اصل الحقيقة هي مش عندها قرايب تروح عندهم، وانا بعتبرها أخت ليا.. ”

ليلى بتعاطف: ربنا يصلح الأمور بينها هي وزوجها قريبًا.. طيب انا شايفة إني ارجع بيتي عشان………

قاطعتها: لأ طبعا مش هيحصل.. أولا البيت واسع، وثانيا أنا محتاجاكي معايا.. وحسناء كمان محتاجة اللي يخرجها من ازمتها.. فياريت تساعديني نقرب منها ونهون عليها!
أومأت بتأكيد: انا مستعدة جدا.. ماتقلقيش عرفيني بس عليها وسيبيني وربنا يقدرني اخفف عنها..!

ابتسمت ملك وداخلها يدعوا بالوفاق بينهما.. حتي إذا حانت لحظة التعارف الحقيقية.. تصبح لدى كلًا من الأخرى رصيد من المودة والعلاقة الطيبة والمعرفة الحسنة!
__________________

العم حسن: كل حاجة غلط بتصدر مننا ليها مبرر نفسي، ومخزون في اللاوعي جوانا بتغذيها ذكريات ماضينا، و بنغلط في حق ناس بنحبهم من غير ما نحس وكأننا مغيبين.. واما بنفوق بنتصدم بأفعالنا زي اللي أذيناهم بالظبط! وده اللي حصل مع حسناء.. هي عارفة إنها غلطت في حقك، وعارفة انك اتظلمت.. بس زي ماقلتلك خوفهاا هو اللي قادها..أنت لو شوفت حسناء دلوقت هتصعب عليك ياغسان.. هي حتى مش عارفة تدافع عن نفسها وندمانة وبتتعدب”

حسناء يا بني عاشت اغلب طفولتها بدون أب. أو أخ.. ولما اتجوزت، كان نصيبها مع واحد محسيهاش بالأمان، بالعكس كان هو مصدر خوفها وتعاستها.. والشخص الوحيد اللي حسناء بتخاف عليه مش منه.. هو ابنها “كريم”..وناهيك عن أن دي فطرة أم.. بس كمان فعليا في سبب خلى خوفها بقي تقريبا مرضي..!

بدا على غسان الانصات باهتمام رغمًا عنه، وابيه يسترسل بهدوء مواصلا: لما تبقي طفلة 7 سنين ليها ابن جيران في نفس عمرها.. كل يوم تشوف فيه جرح جديد مرة أيده المحروقة، ومرة عين وارمة ودموع ضعف وحرمان من حنان الأب، واللي حل محله زوح أم قاسي.. لازم وقتها يعشش جواها عفريت أسمه ” زوج الأم” عفريت كبر جواها وفضل يكبر اكتر مع العمر ويتغذى على ذكرياتها السيئة مع رامي جارها القديم.. هنا لازم نعذرها.. لازم تحاول نفهم ونحلل ونغفر

غسان: بس انا معملتش حاجة تخليها تخاف.. انا حبيت كريم يا بابا ومقصرتش معاه من أول لحظة!

العم حسن: أنت معملتش.. بس عقلها الباطن هو اللي عمل.. هو اللي حاربك وفسر ليها تصرفاتك على انها مؤقتة وهتتغير بوجود طفل تاني.. وهتتحول معاملتك للقسوة ويتوجه حبك لطفلك وبس.. عشان كده حسناء من غير ماتحسن كانت بتاخد علاج يحبط حلمك.. عشان يعيش كريم في أمان..!

غسان: انانية!

مروان متدخلًا: أنواع كتير من الحب بيقترن معاها شعور الأنانية بشكل لا أرادي.. وحب الولد الوحيد مش غريب معاه تكون حسناء أنانية..!

فواصل العم حسن:
وبعدين انت ماسمعتش دفاعها لحد دلوقت عن. نفسها..!

قال على الفور: ومش عايز اسمع.. لأني مش هصدقها تاني ابدا..!

_ كده تبقى ظالم يابني.. اقل حقوقها تسمع منها دفاعها.. لأن أكيد عندها كتير تقوله!

_ ارجوك يا بابا انا فعلا مش هقدر اشوفها او اسمعها دلوقت..!

تبادل العم حسن النظرات بينه وبين مروان، وهتف الأول: خلاص ياغسان خد وقتك لحد ماتهدى.. بس معلومة اخيرة عايزك تعرفها.. حسناء قبل ما تعرف انت موضوع العلاج بيوم واحد.. كانت وقفته فعلا وقررت تمنحك حلمك وهي راضية وحاسة بالأمان.. وبينها وبين نفسها ندمت فعلا ..بس النصيب خلاك تكتشفها قبل ماتاخد هي حذرها وتخبي كل أثر وراها

تهكم غسان: والمفروض اصدق الكدب بتاعها ده!

صمت العم حسن وحدقتاه تعكس غموض،
فدليل قوله لا يقبل التكذيب.. ولكن لا مجال لكشفه الآن.. فيجب أن تهدأ عاصفة الغضب أولا حتى يتحرر العقل من تأثيرها ..وتتضح الرؤية بصفاء دون غيامة الصدمة التي مازال يحيا توابعها غسان.. فصبرًا جميلًا..!

واعتقد قرائي الأعزاء ادركت عقولكم ما أشار به العم وعلمتم ما يقصد بالدليل..! ولكن تحلوا بالكتمان حتى تحين اللحظة المناسبة! ولا تخبروا أحدًا..!
__________________

يقلب الهاتف بين يديه وتجتاحه رغبة ملحة بمهاتفتها والاطمئنان عليها هي وحاتم! لكن يخاف ردة فعلها.. فليس هناك رابط حقيقي حتى الآن بينهما.. سمر مازالت تفكر بعرض زواجه ولم تقرر بعد..وعندما ذهب لها امس بمكان عملها بحجة قربه من موقع وجودها وعرض عليها إيصالها لجلب حاتم من مدرسته ومن ثمة إلى البيت.. فرفضت بحزم وتركته وأوقفت “تاكسي” ومضت سريعًا..!

يضحك بخفوت متعحبًا من حالته! هو فارس حلم فتيات كثيرات دون مبالغة، شيماء، وسارة.. وجيداء وهند ويارا واخرهم ميار..! جميعهن يتمنون منه نظرة.. أما تلك القاسية جعلته بموقف المنتظر لجودها
عليه بالموافقة! صدق ” يوسف وهبي” يالا سخرية القدر! حسنًا يا لوحتي الحزينة، أنا لكٍ..ولن تكوني أنتِ إلا لي بأخر الأمر..!
……………………… ..
وبينما هو يتقلب بين رغبته بالمحادثة أو إلغاء الفكرة! تسجد هي برأسها في خنوع وخشوع لله الواحد الأحد.. تستخيره وتسأله في أمر فارس! ومن غيره تلجأ إليه بأمرها هو ولَيِها وسندها الأوحد..!

انتهت سمر من صلاة الاستخارة وتمتمت ببعض الأذكار، ثم نهضت تستعد للنوم، بعد أن اطمأنت على حاتم بغرفته..! ربما فتاة أخرى بظروفها لم تكن لتفكر أو تتروى باتخاذ قرار حتمًا في صالح فارس گ زوج لا مجال لرفضه.. ولكنها تخاف من فرق الحياة بينهما هل ستندمج في عالمه وتليق به؟ هل هو فعلا يُكن لها عشقًا حقيقيًا يدوم اعوام وأعوام گ الذي تسمع عنه؟ أم هي محطة عابرة وفقط فتاة لفتت نظره لاختلافها عن اقرانها في محيطه؟ كيف تحدد لا تدري.. الجميع يرجح كفة فارس.. ملك ..مروان.. حتى شقيقها حاتم! اطلقت من صدرها تنهيدة تنم عن حيرتها واغمضت عيناها لتستجلب النوم وداخلها يردد الدعوات ( يارب انا معرفش فين الشر وفين الخير.. مرتاحة لفارس بس خايفة في يوم اتعاير بفقري أو احس بالغربة في العالم بتاعه.. دلني على الصح.. أمري كله في ايدك يارب.. مستحيل تضلني او تظلمني.. منتظرة أشارتك اللي تعرفني بوصلة خطوتي قراري) وختمت حديث ضميرها بذاك الدعاء:

(اللهم اصرف عني السوء بما شئت وكيف شئت!
وقدر لي الخير الذي تعلمه يا علام الغيوب.. واجهله أنا) ..! وغاصت بعد دقائق قليلة بغفوتها الهادئة وصدرها منشرح ولسانها يتمتم الأذكار حتى غاب وعيها وسقطت أسيرة لسلطان النوم!
………………………… ..

مكان عجيب .. وكأني بصحراء معتمة في شتاء قارص..! صوت الرياح يكاد يؤذي أذني وتصفع وجهي هبات الهواء الباردة القوية.. جسدي يرتجف بردًا..أسناني تصطك ببعضها.. كما تأن بطني جوعًا غريب على معدتي..حالتي يُرثى لها.. و محيطي خالي من أشخاص تساعدني.. هل من مجير؟ لم يجيبني سوى صدى صوتي.. والخوف يتملك فرائصي! أغمضت عيني بقوة وذراعي تحتضن جسدي علني ابث فيه بعض الدفء الوهمي.. ولكن لحظة! ”

وكأني بت أشعر بالدفء يسري بعروقي؟!!!
وظلٍ ما اشرف على جسدي الضئيل استشعر حرارته! ورائحة اعرفها تقترب من أنفي.. وشيئًا ما بدا يلمس شفتاي المطبقة! فتحت عيني عنوة لأتبين حقيقة ما أشعر.. فوجدت صحن فخاري صغير يحوي بعص اللبن.. وكفان كبيرتان قويتان تحوط الصحن وتقربه لشفتاي.. كما ادركت على كتفي ذاك المعطف الثقيل الطويل الذي احاط جسدي وبثه الدفء!
فرفعت عيناي ببطء.. أتبين من أمامي! فوجدته!

هو نفسه ..فارس!

الذي ما أن أبصرته.. حتى تبدلت الصحراء من حولي لخضار مزدهر غطى جميع الأرض تحت اقدامي.. وكأني صرت بجنة تخصُني وحدي معه!
فارسي الذي حول بحضوره الصحراء لحديقة خصراء.. وبدل رجفة الخوف.. للذة أمان سرت بعروقي.. والظلام الذي اندثر وحل مكانه الضياء..!

_ فارس!

قامت بغتة من نومتها تنادي عليه دون أدراك أنها كانت تحيا حلمًا..أو ربما هي رؤيا من خالقها.. لتساعدها على اتخاذ قرار.. قرار يبدو أنها صارت تدركه أخيرًا ..وشعور بالراحة والسعادة لم تختبره يومًا كما اليوم..!
__________________
بعد عودة مروان من الإسكندرية!

يتمطع بنعاس هاتفًا: ملك قومي يلا حبيبتي فوقي، يامن بيعيط شكله عايز يرضع! كرر ندائه فلم تستجيب، نكز وجنتها بأصابعه، فبوغت بحرارتها العالية بمجرد لمسها، فهتف بجزع: ملك.. ملك حبيبتي فوقي أنتي حرارتك مرتفعة جدًا!

غمغمت ببعض الكلمات الغير مفهومة، وكأنها تهذي وتعاني حمى! فهاتف الطبيب على الفور، ثم احضر ماء مثلج وقطعة قطنية وظل يضعها بالتوالي حتى تهدأ حرارة جسدها.. ولام نفسه لعدم اكتراثه لشحوبها أمس عندما عاد من سفره الذي امتد يوما.. ولم يسألها عن صحتها، ظنًا انه أرهاق طبيعي لسهرها جوار يامن الذي لا يسكن بكاءه إلا معها..!.. وبعد وقت قصير أتى الطبيب واخبره بأن لديها حمى وضعف في الغذاء وتحتاج فقط بعض الأهتمام والراحة مع جرعات ثابتة من الفيتامينات!
…………… ..

مروان: يلا ياروحي عملتلك اكل بنفسي وهتاكلي من ايدي انهاردة.. وساعدها حتى جلست وأسندت ظهرها على وسادة قطنية، متمتمة: تسلم ايدك يا حبيبي!

وراح يطعمها ويدللها، وداخله يحزن لإهماله لها، هو لم يعد يجلس معها او حتى يراعي الصغير، يمتليء يومه بكل شيء عداهم، ولم تشتكي او تعاتبه!
اثناء حديثه الداخلي كان يتأملها دون وعي، فهتفت:
ميرو مالك سرحان في ايه ياحبيبي؟
_ سرحان فيكي انتي، انا قصرت معاكي يا ملك وانشغلت عنك انتي ويامن، ولا مرة ساعدتك في رعايته واكتفيت اني قولتلك اجيبلك مربية وانتي رفضتي واعتبرت اني كده عملت اللي عليا ناحيتك!
صحيح انا مشغول في شغلي، بس رغم كده كنت بلاقي وقت لناس تانية ومشاكلهم على حسابكم!

كانت بالفعل غاضبة من إهماله لهما، وحاولت ان تعاتبه في اوقات كثيرة وتراجعت، املا أن ينتبه هو لتقصيره.. فأصبحت لا تذكر أخر نزهة لهما.. أو حتى مداعبته للصغير.. غرق بعمله ومشاكل الأخرين الذي اعترف انه كان يجد لهم وقت، ما عداها هي ويامن.. ولكن تشفق عليه الآن من تأنيب ضميره، فهتفت بمرح لتخفف الموقف: بلاش مبالغة يا ميرو، وبعدين هو ده الراجل المصري يابني.. عشان تعذرونا بس اما نحب الرجالة التركي??

هتف بغيرة وحنق: تركي في عينك، ده انا شكلي هطينها معاكي.. ومافيش مسلسلات تركي هتشتغل في البيت تاني.. وبالذات مسلسل الواد بتاع حب للإيجار ده.. هيخرب بيوتنا ولازم تتشكموا شوية?

اثارت غيطه أكتر: لا بقولك ايه هو انا كان مهون عليا الملل غير ” عمر ابلكجي”

مروان: عمر ابلك أيه يا ختي؟؟؟؟
ملك ببراءة: ” لكجي” ..ولسه مسلسه الجديد يا ميرو! بس للأسف مش معاه ” ألشين سانجو” ?

_ ياشيخة؟! وانا اللي عمال اعاتب نفسي واقول زعلتك، اتاريكي مقضياها مع التركي..!
طب بصي عشان اليوم ده يعدي، وهقولهالك وبطريقتهم كمان: تركي ..يوك! باريش يوك…ألشين سامبو يوك وكوزجون الجديد كمان يوك! واما اشوف كلمتي هتتسمع في البيت ده ولا لأ?

ملك: ??? حاضر!
_______________________

error: