رواية الجرم الأكبر

الفصل الثامن!


 

فارس:  حكاية أيه ياماما؟

والدته ” صفاء”: البنت بتاعة النادي، اللي اسمها سمر!

صمت برهة ينتقي الكلمات التي تعبر عما يريده:

بكل صراحة ووضوح ،البنت دي عجباني يا أمي وشاغلة تفكيري بشكل كبير، لدرجة إني سألت عنها عشان اعرفها أكتر!

_ وعرفت عنها أيه ومن عيلة مين؟

_ بنت بسيطة. جدا من وسط متواضع مالهاش غير اخوها حاتم الصغير..! والدها والدتها متوفين، ومافيش اهل تاني ليها..!

_ واضح من اللي حكيته يافارس إن مافيش أي تكافؤ اجتماعي بينكم، ولا عيلة معروفة ولا حالة مادية توازي حالتنا.. أيه اللي يلفت نظرك في بنت زي دي. وتسيب كل بنات طبقتنا اللي بتمنوا تشاور بس ليهم وخصوصا ميار اللي هتموت عليك، ومن مستوانا ونفس حالتنا الاجتماعية!

 

_ أهي ميار دي بالذات اكتر واحدة خلتني انجذب لسمر.. عكسها في كل حاجة، ميار بنت فاضية من جواها وتافهه ومتكبرة ومغرورة، إنما سمر مكافحة وعارفة قيمة الحياة وفاهمة الدنيا وشايلة. مسؤلية اخوها وعزيزة النفس وتقيلة ورزينة مش خفيفة زي غيرها.. وبعدين موضوع العيلة والكلام ده بقى قديم، أنا اللي هرفعها لمستوايا،ة يا ماما، ومش محتاج تكون غنية ، يكفيني انها مؤدبة وجميلة جمال هادي حبيته.. وهي بس اللي لفتت انتباهي، شوفتي بقى مميزاتها عن غيرها.. ؟!

 

بدا عليها عدم الاقتناع وبوادر الرفض تلوح بتعابير وجهها، وقبل أن تتفوه بكلمة، قاطعها فارس:

 

ماما لاحظي إن اللي المفروض يرتاح ويوافق ويقتنع بسمر، هو أنا مش حضرتك.. أنا اللي هتجوز وهعيش معاها، ولا عشان ارضيكي اتجوز واحدة مش عايزها ومش حاببها وتشيلي انتي ذنب تعاستي طول العمر؟

 

افزعها مجرد التصور أن تكون سببًا في تعاسة ولدها وقرة عينيها فارس، ربما حقًا تبالغ في أمر الفتاة، أن كانت على خلق فهذا يكفي، وستتغاضي عن أي شيء.. في سبيل إسعاد فارس!


هات التليفون من عندك يا حاتم عشان ايدي مش فاضية! أحضره الصغير وبدأ المكالمة وفَعلَ خاصية” الاسبيكر” لأنغماس كفيها بالطحين والماء، وهتفت:

السلام عليكم يامريم أخبارك أيه؟

_ الحمد لله حبيبتي كله تمام.. في صدى صوت ليه، أنتي فين؟

_ لا أنا في المطبخ وحاتم فتح “الاسبيكر” عشان ايدي مليانا عجين!

مريم بتلذذ:  واااااو أنتي بتعرفي تخبزي معجنات؟!!

سمر بفخر:  أنا أستاذة يابنتي وفكرت مرة اعمل مشروع معجنات ويبقي شغل ليا..!

_ لا ده أنا هستغلك بقى، وهطلب منك طلبين مش طلب!

_ انتي تؤمري يا روما..!

_ تسلمي حبيبتي.. اولا تعملي حسابي بكرة في اللي هتعمليه ده مهما كان نوعه لازم ادوقه..!

سمر بدهشة:  بس بكرة مش الجمعة هقابلك ازاي، أنا باجي النادي بس في أجازتي يامريم!

 

_ ماهو ده طلبي التاني.. عايزة اقابلك في النادي ضروري ياسمر في حاجة مهمة جدا ومش هينفع تتأجل للجمعة!

تمتمت بتردد: بس يامريم انا بكون في شغلي، وبعدها بعدي اجيب حاتم من مدرسته وبيبقي الليل دخل وانا بفضل اكون في البيت عشان مذاكرته و……… ..

مريم مقاطعة: حاولي تستأذني في نص النهار وترجعي تاني وأنا هوصلك بنفسي ماتقلقيش”

_ بس… ..

_ بقولك محتاجاكي ياسمر، هتكسفيني؟!

هزت رأسها بأستسلام:  لا يامريم مش هكسفك، خلاص ياقمر بكره هستأذن بعد الظهر كده في البريك، وهاجيلك اخطف ساعة معاكي وارجع تاني

وواصلت لتطمئن:  بس هو مش خير يعني؟

_ خير بأذن الله.. يلا هسيبك لمعجناتك واوعي تنسي نصيبي بكره.. بوسي حاتم.. يلا باي!

………………………

أستأذنت باليوم التالي من مروان، وذهبت للقاء مريم كما اتفقا، وجلست تنتظر قدومها.. وراحت تتصفح هاتفها وأثناء انشغالها، عبر صوت ” النادل” لأذنيها يقول:  تؤمري بحاجة يافندم؟

همت برفع عيناها عن الهاتف والرد عليه بالرفض لحين قدوم صديقتها، فقاطعها صوت أخر انبعث من خلفها:  اتنين ليمون بالنعناع لو سمحت!

 

نظرت لصاحب الصوت سريعا هاتفة بتعجب:

أستاذ فارس؟

جلس بمقعد أمامها مازحًا: هو بشحمه ولحمه!

وانعقد حاجباها ببوادر ضيق، فهتف سريعا:

قبل ما تقوم عواصف شايف بشايرها على وشك، أحب اقولك ماكانش في طريقة تخليني اقابلك عشان اكلمك غير دي، سامحيني، هي خدعة!  بس هدفها بريء والله!

 

نهضت والغضب تملكها بعد أن ادركت حيلته، وخطت خطوات نحو طريق المغادرة!  فهرول ليعوق تقدمها هاتفًا: أديني فرصة عشان خاطري!

 

ضيقت عيناها مذهولة:  خاطرك؟؟؟؟

 

فقال:  طب بلاش خاطري أنا وحش.. عشان خاطر مريم وحاتم وأياد وملك ويامن وكل الناس اللي بتحبيهم! ارجوكي أحنا في مكان عام وشكلنا مش لطيف، وانا مش بعاكس يعني أنا بس عايز اكلمك في موضوع مهم، وكنت متأكد إني لو طلبت منك مباشرًا نتقابل كنتي هترفضي صح؟

_ ده أكيد طبعًا..!

_ شوفتي! عشان كده لجأت لمريم تدبرلي حيلة.. ارجوكي ترجعي مكانك واوعدك مش هتطول، وهقول كلامي باختصار وامشي!

جزت على اسنانها بغيظ: ماشي يامريم أنا هوريكي اما اشوفك!

فارس بمرح ملطفًا الأجواء: أيوة كده ماتسيبيش حقك أنا عايز دم?

 

رمقته بتهكم، فتغاضى متلذذا بمظهرها الذي يثير ضحكه:  اتفضلي بقي مكانك الليمون جه..!

……………………………

جلست يعتريها التوتر والقلق، وراحت تنقر الأرض بقدمها أسفل الطاولة، فلاحظ توترها، فهتف:

مافيس داعي للقلق ده كله يا أنسة سمر..!

وواصل:  أنا بدون لف ودوران كده معجب بيكي جدا ومنجذب لشخصيتك لدرجة حاولت اعرف عنك كل حاجة، وفعلا عرفت كتير، وكل اللي عرفته كان في صفك..  بنت بطولها في الدنيا مالهاش غير اخ صغير بترعاه بكل حنان وكأنها أمه مش أخته، في حالك، وسيرتك طيبة جدا.. وبتكافحي لوحدك واهتمامك كله منصب على حاتم.. وحقيقي بحترم شخصيتك جدا..!

صمتت ولا يدور بخاطرها سوى سؤال وحيد!  هل إن علم بفعلتها بحق مروان سيظل يحترمها هكذا؟؟؟

لا تعتقد.. وأن عجز عن معرفة تلك المعلومة عنها.. فهي لن تخجل من ذكرها، ولترى إذا رد فعله!

 

هتفت بشجاعة تضوى بعيناها: واضح فعلا إن حضرتك جمعت عني معلومات كتير، بس ناقص معلومة معرفتهاش واعتقد إنها اهمهم ولازم تعرفها..!

_ قولي اللي انتي عايزاه وانا سامعك!

 

استجمعت كل شجاعتها، وقصت عليه ما فعلت وكيف نصبت على مروان، ثم اختطافها، ومسامحته وتكفله بعملية شقيقها، ثم إصراره على ان يتكفل مصاريف عضوية لها هي وحاتم لنفس نادي زوجته، صديقتها الوحيدة!

وختمت حديثها: واظن كده فكرتك عني اتغيرت تمامًا، أنا مش ملاك وغلطت غلطة كبيرة في حق إنسان استأمني على ماله، ده غير إن مافيش اي تكافؤ اجتماعي بنا.. أنا من عالم وانت من عالم تاني خالص يا استاذ فارس.. ثم نهضت مرددة: وبكده مقابلتنا انتهت والموضوع اللي اتكلمت فيه كمان انتهى.. عن أذنك!

 

هتف قبل أن تتحرك بحزم:  أظن المفروض زي ما سمعتك باحترام للأخر انتي كمان لازم تسمعي ردي على كلامك، وماتنهيش موضوع فيه طرفين!

اتفضلي لو سمحتي اقعدي واسمعيني!

 

رمقته بنظرة جامدة لا تعبر عن شيء، ولكن داخلها تتعجب، ماذا يريد بعد ما قصت عليه، هل مازال لديه رغبة للاقتران بها؟ جلست بأخر الأمر لتسمع ما لديه!

 

رمقها بنظرة مطولة شاردة، ولم ينتبه لطول صمته، أما هي فوزعت نظراتها حوله كي تتهرب من تفحصه الذي يخجلها ويوترها”

فقال بعد برهة أخرى: أنا عرفت عنك كل حاجة، حتى اللي انتي حكتيه دلوقت وفاكراني على جهل بيه!  واحترامي ليكي زاد اضعاف ياسمر، لأنك كنتي واضحة، ماحاولتيش تجملي نفسك وتكذبي، بالعكس قولتي اللي المفروض في اعتقادك يدينك في نظري ويقلل منك.. لكن بكرر تاني إن احترامي ليكي زاد، وتمسكي بقى اكتر، انا ماذكرتش المعلومات دي، لأن حبيت اعرف هتقوليها ولا هتخبي؟ وسبب اهم كمان! اللي عملتيه مع مروان صحيح كان غلط، بس هو مش نصب لمجرد السرقة أو طبع فيكي، لكن كان طوق نجاه اتشبثتي بيه عشان تساعدي اخوكي، لكن بعدها انتي ندمتي واعترفتك بغلطك، وده اللي حكهولي مروان بنفسه اما اتفاجيء إني عارف موضوع الخطف بتاعك! وشكر فيكي جدا وقال إنك بمثابة اخته اللي بيحترمها وفخور بيها.. ”

 

أطرقت رأسها خجلًا وبدا عليها الحزن، فتسائل فارس:  ممكن اعرف ايه سبب الزعل دلوقت في الي ذكرته”

 

_ كل اما استاذ مروان بيقدم ليا معروف أو كلمة طيبة في حقي، بصغر في عين نفسي إني في يوم اتسببت في أذيته..!

 

_ بس رُب ضُرةٍ نافعة!  هو قال لولا كده ماكانش اكتشف البلاوي المستخبية. يعني انتي في حقيقة الأمر ساعدتيه يكتشف الخبايا..!

 

_ طيب ده بالنسبة لغلطتي، لكن مستوايا الاجتماعي المختلف اظن ده مافيش فيه جدال يا استاذ فارس!

 

_ ده على أساس إني لو اتجوزتك هتصرفي عليه من فلوسك مثلا؟؟ أنتي سواء كنتي غنية او متواضعة الحال، انا اللي هتكفل بيكي، أنا اللي هرفعك لمستوايا اللي هيكون وقتها اقل حقوقك.. تفتكري المستوى المادي سبب جوهري في علاقة زواج؟؟ اكيد لأ.. أنتي بالنسبالي وفيتي كل الشروط والصفات اللي اتمناها في شريكة حياتي ياسمر.. واتمنى افوز بيكي واكون رفيق دربك واخ كبير لحاتم..!

وواصل حديثه:  وعلى كل حال انا عرفت مروان كل جاجة عن حياتي، وهو هيسأل عني ويتأكد، وياخد رأيك وانتي عليكي تقرري، واتمني قرارك يكون في صالحي يا سمر.. أنا مش هلاقي افضل منك تشيل أسمي!


 

في مكتب مروان!

 

_اتفضلي يا سمر!

وجدها تفرك أصابعها بتوتر فهتف بمشاكسة:

كل ده عشان روحتي قابلتي عريسك!

 

هتفت بذهول:  نعم؟ أنت كنت عارف إن هو اللي هيقابلني؟؟ ده انا نفسي معرفتش إلا اما روحت النادي ولقيته جه بدال مريم!

 

مروان وهو يتسلى بمظهرها المضحك:

اقفلي بقك يابنتي لا حاجة تسهينا وتدخل!

 

انتبهت لفمها المفتوح ببلاهة، وهتفت بحرج:

أسفة، أصل يعني أنا اتفاجأت بصراحة! إنك عارف كل حاجة!

_ أنا طبعا لولا هو جالي عشان ييتفسر عن حاجة تخصك، ماكنتش عرفت..

_ كان بيستفسر عن أيه؟

_ كان عايز يعرف ليه بتكفل بعضوية النادي ليكي انتي وحاتم وبأي صفة؟ طبعا ماجاوبتوش ببساطة وسألته هو اللي مين وبيسأل ليه عنك، فقالي بوضوح وصراحة احترمتها جدا فيه انه معجب بيكي وسأل عنك وعرف حاجات كتير، حتى موضوع الخطف وقضية شاهين عرفه معرفش ازاي ابن اللذينا..  واكمل بمزاح:  شكل عريس الغفلة مش سهل يا سمورة!..وغمز بخبث:  وشكله كمان واقع لشوشته!

 

تخضب وجهها بحمرة وهتفت:  وانا مالي بيه!

ضحك متمتما:  لا ده هيبقى مالك وحالك كله!

أنا بصراحة شايفه شخص مناسب ليكي ومقتنع بيه!

وواصل: انتي بعد ما قابلتيه، إيه انطباعك الأول عنه؟

 

صمتت برهة وتمتمت:  بصراحة شايفاه شخص كويس لدرجة اني مستغربة ليه اختارني.. أنا مختلفة خالص عن طبقته، ايه ميزتي اللي تخليه عايز يرتبط بيا.. حاسة إني مش متكافئة معاه..!

 

قال معترضًا: انتي ازاي بتبخسي حق نفسك وقيمتها كده يا سمر؟ هو لازم يبقي عندك ملايين ومن اشهر العائلات عشان تكونوا متكافئين؟؟؟ يكفي جدا انك بنت مؤدبة واهلك كانت سيرتهم طيبة ومتعلمة وليكي وضعك ومكانتك في شغل المحاسبة اللي بتصنعيه بأيدك..  ولا انتي تافهة ولا حياتك فارغة زي بنات كتير.. ده غير  رعايتك لأخوكي اللي تثبت قد ايه انتي مخلوقة حنونة وهتكوني افضل زوجة وام لولاده.. هو ده اللي فارس شافه فيكي.. يعني انتي مش قليلة في نظره.. ولازم تبقي واثقة في قيمتك اكتر من كده!

 

دمعت عيناها امتنانًا وعرفانا بجميله ودعمه النفسي لها، فهتفت:  شكرا لكل حاجة بتقدمهالي”

 

تمتم:  مافيش شكر بين الاخوات ة! سمر.. أنا قلتلك قبل كده، إني بعتبرك اختي اللي كان نفسي فيها، وعايزك تعرفي إن في اللحظة دي بالذات، هكون سند ليكي قصاد عريسك وزوجك إذا ربنا قدر!

 

هتفت بتأثر: طب قولي اعمل ايه مع شهامتك دي كلها وطيبتك اللي بتصغرني اكتر في عين نفسي كل افتكر اني…..

قاطعها:  يابنتي مش قصة ابو زيد هنفصل نعيد ونزيد فيها، أنسي دي كانت ظروف واجبرتك وانتي ندمتي واستغفرتي وطلبتي السماح ووافقت وخلاص! خليكي رحيمة بنفسك لأن مالوش لازمة قسوتك عليها..وواصل:  ودلوقت بقي هدي وقتك وصلي استخارة.. وانا كمان اكون جمعت معلومات اكتر عنه وبإذن الله لو خير، يكون ليكم نصيب سوا..!


 

( دي حبوب لمنع الحمل!)

 

خاب أمله حين صدق ظنه، حسناء كانت تتعمد عدم الإنجاب منه برغبتها.. الآن وجد لعقله تفسير لنظراتها وتوترها كلما تمنى أمامها أن تنجب له ولدًا، الآن فهم شرودها حين يكرر رغبته بأن تخاوي كريم.. الآن علم ممن تزوج؟!

………………………

استقبلته گ عادتها بمرحها الذي اكتسبته من والده حسن، هاتفة:  حمد لله على السلامة ياغيسو.. يلا غير هدومك بسرعة احسن عملتلك أكلة بتموت فيها.. لو اتأخرت مش مسؤلة، أنا وكريم هنخلصها..!

 

ظل يناظرها بوجهٍ جامد لا يعبر عن شيء، فلم تلحظ تعبيراته مرددة بثرثرة وهي تتبعه داخل غرفته الذي عبرها بنفس الصمت والجمود:  أنهاردة اتصلت بملك لقيتها محتاسة مع يامن الصغير، مسكينة لسه سنة أولى أم وبتتعلم، بس انا بقي قلتها نصايح كتير هتفيدها.. وواصلت الحديث: ياريت تفضى يوم كده نبقي نروح نزورهم يا غسان..عشان كريم كمان نفسه يلعب مع يامن!

 

التفت لها متمتما لأول مرة منذ قدومه بسؤال:

مش ناوية تجيبي أخ لكريم؟!!!

 

زاغت نظراتها قليلا، ثم هدأت حدقتيها سريعًا هاتفة:

بإذن الله ياحبيبي قريب جدا هيحصل، انا حتي بفكر اروح زيارة للدكتور يمكن……… .

قاطعها وهو بجلب من جيب بنطاله شيئًا: هتروحيله  عشان يغيرلك علاج منع الحمل مثلا بواحد اقوى من ده؟!!”””

 

وكأن صاعقة هبطت فوق جسدها، فارتخت ذراعيها وسقطت بجانبها، واتسعت حدقتاها بذهول من كشف أمرها أمامه بتلك السرعة، وجف حلقها بغتة محاولة التفوه بشيء كي تدافع عن نفسها، فلم تسعفها الكلمات.. صمتت تناظره وشلال دموع يتدفق من عيناها الغائمة!

 

اقترب منها وهو يلوح لها بشريط حبوب منع الحمل الذي كانت تتناوله:

 

من أمتى بتخدعيني؟! وليه؟! مش قولتي بتحبيني؟

ازاي بتحبيني وكارهة تخلفي مني؟! ازاي انتي أنانية كده وانا معرفش.. ازاي ضحكتي عليا؟! ضميرك كان مرتاح وانتي حارماني من حقي إني اكون أب؟؟؟؟

ليه يا حسناء؟ ليه ماصارحتنيش وعرفتيني وناقشتيني يمكن واحتمال كنت اتفهمتك ولقيتلك عذر.. يجوز كنت قدرت خوفك من اني افضل ابني الجاي على كريم وكنت بطريقتي بددت مخاوفك وطمنتك.. ليه اخدتي قرار قاسي واناني زي ده لوحدك.. منعتيني من حقي.. بتنامي جمبي وانتي بتخوني الأمانة والثقة والحب اللي منحتهم ليكي عن طيب خاطر.. أنا عملت أيه استاهل عشانه أني اعيش الإحساس ده؟؟؟ عملت أيه عشان تعيشيني إحساس الرفض القاسي ده.. أنا حبيتك.. بس انتي لأ.. انتي مابتحبيش غير نفسك وابنك وبسسس!

ياخسارة.. ياخسارة على كل لحظة حب عيشتها معاكي!!!

 

صمت وانفاسه اللاهثة تحرقها حرقًا..!

وهي تتسائل بذهول مصدومة! أين الكلمات؟ لما انمحى قاموس الحروف بعقلها وانعقد لسانها الملتصق بحلقها وكأنه يتخلى عنها بعصيانه..! . لما لا تتحدث.. وتتدافع.. تبرر.. تعتذر وتندم وتبكي وتطلب الصفح وتترجى العفو!

 

_ أنتِ طالق يا حسناء!


error: