رواية الجرم الأكبر

الفصل السابع عشر!
———————–مُنهكة روحي گ نفس حالتك.. أصبر ولكن أشتهي وصالك كي أرتوي، وكلما انتظرتك.. كلما ابتعدت وطال طريق فراقنا.. عاصي أنتَ على رغباتِ شوقك.. تُخرس دقاتِ قلبك بعناد.. وماعُدت على تمردك بصابرة.. آتية إليك، فافتح بيبان صفحِك واغفر.. فأنا بجفاك مُتعبة حد الوجع!
……………… .
_ بجد يا ماما هنسافر عند عمو غسان؟
اجابته وهي تساعده بارتداء كنزته: أيوة ياحبيبي، هو مش فاضي يجي عندنا، فأحنا هنروحله ونعمله مفاجئة.. يلا ألبس انت بقى الشوذا بتاعتك على ما اكلم جدو حسن!
………….……_ صباح الخير يابابا.. انا خلاص جاهزة انا وكريم!
_ تمام.. انا دقايق هكون عندكم!
_ ماكانش لازم تصمم تيجي يا بابا انا كنت هتصرف واروح عادي انا وابني! وبعدين انت لسه تعبان!

_ ماتقلقيش انا مش تعبان وبقيت كويس جدا.. و بس هوصلك للعربية اللي هتوديكي..! وبعدها هرجع ومش هوصيكي ماتنسيش حاجة من اللي قلتهالك وبأذن الله ترجعوا كلكم والدنيا تمام واحسن من الأول!
…………………
بعد وقت التقت حسناء بالعم حسن، اللذي أعاد عليها نصائحه ثم ودعها هي وكريم، داعيًا لهما بالوصول سالمين حيث غسان،وأكد عليها مهاتفته كي يطمئن!
___________________

أخيرًا وصلت للشاليه الذي يقيم به زوجها، وضعت حقائبها بالجوار واخرجت المفتاح الذي اخذت نسخته من العم حسن، وبعد ثواني عبرت للداخل هي وكريم، مطمئنة انه ربما غافي او بالخارج! فالوقت متأخر بعض الشيء! تجولت بحرص داخل الشاليه ولم تجده، فراحت تستعد سريعًا لقدومه، حتى يأتي ويراها بأبهى صورة!..بينما كريم ينتظره بشوق كي يفاجئه كما اخبرته والدته..!
……………………
بعد قليل أتي غسان وعبر داخل غرفته دون أن يلاحظ وجودهما وهم بنزع ملابسه، ففوجيء بأحدهم يعانقه من الخلف هاتفا بمرح: عمو حبيبي انا جيت وحشتني اوي ياعمو..!

استدار له وبادله العناق والدهشه مازالت تتملكه وهو يتمتم: كريم؟!
_ أيوة ياعمو، أيه رأيك في المفاجأة دي؟ جيتلك عشان وحشتني خالص!

أجابه ومازال لا يستوعب وجوده: مفاجأة جميلة يا كيمو.. وأنت كمان وحشتني جدا.. بس انت جيت إز…………

بتر جملته عندما لاحت حسناء أمامه بهيئة مهلكة لرجولته المشتاقة إليها حد الجنون وهي تهتف بصوتها المحبب وهي تقترب منه وتعانقه: جيت انا وهو من ساعة ياحبيبي.. وحشتنا ومقدرناش نبعد عنك أكتر من كده ياغيسو!

لا يدري ماذا يحدث وكيف يتصرف؟.. لما أتت؟ لما تعانقه وتضعه بهذا الموقف امام الصغير.. هل نست طلاقهما الذي مضى عليه أكثر من ثلاثة أشهر؟؟!!

أفقدت عقلها تلك المرآه؟ أم هو من سيفقد البقية الباقية منه ومن ثباته وصموده وهو يراها بتلك الهيئة وهذا القرب وعبقها يغزو أنفاسه ويشعل رغباته وأحاسيسه تجاهها؟ صوت ضميره يستغيث ملتاعًا منها..
_يا الله منكِ يا حسناء..! أنا بالكاد أتحمل وأحاول الصمود..!

بينما هو على حالته الذاهلة، علمت هي أنها أثمرت هدفًا بتأثير طلتها عليه وأنه يقاوم ويغرق بالحيرة ولا يفهم شيء، فابتعدت لترحمه من فتنتها: يلا ياغيسو خد حمامك بسرعة على ما احضر لقمة ناكلها كلنا.. أحنا كنا مستنين ناكل معاك ياحبيبي!

.كريم: أيوة انا جعان اوي.. ثم هتف بحماس: أنا هنام في حضنك الليله ياعمو.. وحشني حكاياتك!

حسناء: أيوة ياعم ماما راحت عليها خلاص دلوقت!
ثم نظرت لغسان بشوق لم تواريه: بس ليك حق تشتاقله.. أنا كمان هنام في حضنه! وهسمع حكاياته!

هل يقتلها؟! أم يقبلها ليروي شوقه؟! أم يترك البيت والمدينة بأكملها؟!!!
ستورثه حسناءه الجنون حتمًا بتهورها.. ومازال يتسائل داخله، هل يعقل أن تنسى أنهما الآن ..مطلقان؟!!!!!
_____________________

تعاظم غضبه اضعاف وهو يراها تتصرف أمامه كأن شيئًا لم يكن.. كأنها لم تخدع.. لم تكدب ..لم تجرح.. ويمين طلاقها اعتبرته دعابة ربما، وكأنه لم يقع..!
حقًا لا يدري كيف تفكر ولماذا أتت؟؟ فهل بقي بينهما جسورًا تصلح للعودة؟! أ

_ غيسو أنا نيمت كريم.. تحب اعملك شاي معايا..!

ذهب إليها گ الأعصار، وجذبها بقسوة إلى غرفته وأغلق الباب ودفعها إلى الحائط بقوة ألمتها، وهتف بصوت أرجف أوصالها :

انتي مابتحسيش؟.. مابتفهميش؟.. هو انا اما طلقتك كنت بهزر معاكي؟؟؟ انتي ماينفعش تظهري قدامي بقميص زي ده لأنك بقيتي محرمة عليا.. قوليلي لسه في جعبتك أيه عشان تصدميني بيه؟؟ حتى أخلاق طلع معندكيش منها ذرة.. بتستغلي كريم طول الوقت وبتمثلي اننا أسرة سعيدة جميلة..!

تجرعت ريقها بخوف وحدقتاها متسعة غائمة ودموعها تسيل ألمًا لقبح صورتها التي أصبحت عليها بنظره ..متسائلة! هل ستنجح حقًا بإعادته إليها كما كان مع كل هذا البغض المحفور داخله تجاهها؟!. بحثت بعيناه عن فيضان عشقه الذي كثيرا ما جاد به عليها ..فلم تجد سوى عواصف غضبه وقسوته”

بدأت تشعر بدوار يكتنف رأسها وأنفاسها تضيق من قرب جسده وحصاره، فحاولت الابتعاد عنه وخطت ببطء واهن واحضرت شيئًا ما من حقيبتها.. ثم مدت له يدها المرتعشة وهي تتمتم بخفوت باكي: شوف دي!

نظر لما تقصد وتسائل: وده إيه ده كمان؟
أجابت: ده اختبار حمل ياغسان.. وفي شرطتين لونهم أحمر.. نقل بصره بينها وبين ما تحمل، فهتفت:

_أنا حامل في 3 شهور ويومين بالظبط!

ظل على صمته وذهوله وصدمته، فاستطردت قائلة:

_ أنا امتنعت عن حبوب منع الحمل قبل طلاقنا بيوم، لأني حسيت بالندم وإني ظلمتك، وأني برتكب جرم كبير في حقك وانا بحرمك من الولاد.. أنا فعلا أنانية أوي لأني فضلت سعادة ابني وسعادتي عليك.. أخدت منك كل حاجة حلوة، واستخسرت فيك مجرد حق ليك..! أنا بعترف بجرمي قدامك ياغسان وبترجاك تسامحني وتديني فرصة تانية!

رمقها بنظرة جامدة:

_ مش كل حاجة بتداويها كلمة أسف.. ولا حملك اللي فاكراه طوق نجاتك هيشفعلك عندي ولا حتى ندمك.. رصيدك نفذ جوايا خلاص.. وابني اللي كنت بتمناه منك، دلوقت مش عايزه ولا عايزك..!

صدمها رفضه! رغم أنها توقعت ثورته وغضبه ولكن لم تتخيل أن يرفض حملها ويزهد برغبة كان يتمناها طوال الوقت.. هل حقًا صار يُبغضها كل هذا البغض؟؟؟ لكن لا.. هو كاذب.. مازال غسان يعشقها وهي لن تتركه وستتحمل كل عواصفه حتى تهدأ..!

دنت منه وقالت باستعطاف وترجي: ليك حق وعمري ما هلومك، أنا عارفة إنك مش سهل تسامحني ..بس انا هستناك لحد ما تصفح عني.. مش هيأس أبدا إنك ترجعلي تاني.. أنا بحبك ياغسان وعمري ما هستغني عنك.. وعارفة إن انت كمان لسه بتحبني بس بتكابر!

ظل يطالعها بنظرة خالية من أي مشاعر وتمتم ببرود: أنا حالا مسافر، وانتي خليكي هنا مع كريم براحتك..!
————————–———
عبر الهاتف!

العم حسن: تبقي غلطانة لو افتكرتي غسان كان هياخدك بالحضن ويقولك سامحتك ونسيت، طبيعي يتصرف كده معاكي يا حسناء..!

قالت باكية: يا بابا انا عارفة إنه مش هيسامح بسهولة، بس توقعت يفرح ويلين شوية اما يعرف إني حامل.. لكن ده ما اهتمش خالص ولا اتأثر! ومشي وسابني!

_ ومين قالك انه مافرحش واتأثر؟ بس هو مستحيل يظهرلك ده بسهولة وهو غصبان منك!

قالت بحزن: كان نفسي احس إن سفري لحد عنده فرق في حاجة.. اتعشمت حتى يفضل معانا وانا كنت هفضل احاول اراضيه!

_ بالعكس سفرك لعنده افادك جدا جدا، لأنك اخدتي فرصتك أنك تدافعي عن نفسك وتبرري غلطك، غسان المرة دي سمع منك وكل حرف هيتحفر في عقله غصب عنه، وهيسترجعه تاني وهو بيفكر لوحده!. لكن اخر مرة سابك انتي تقريبا مانطقتيش حرف تدافعي بيه عن نفسك! يعني الصورة تفاصيلها اتغيرت.. وصدقيني كل ده هيفرق معاه بس اما يهدى!
وواصل لطمأنتها:
غسان ابني انا عارف تفكيره يا حسناء.. مش هيغفل ابدا عن كل حرف قولتيه، وهيقدر إنك ندمتي قبل ما يكتشف هو تصرفك، وفرحته الداخلية والطبيعية بحملك هتضعف مقاومته ليكي وهتهزمه مع الوقت صدقيني، مجرد تخيله أنه هيبقى أب هيخلي غضبه يتلاشى، واما هيشيل ابنه بين ايديه هينسى كل حاجة.. غسان طيب بس عيبه زعله بيطول شوية.. انتي بقي أهدي وماتزعليش.. وخليكي عندك وانا هجيلكم يومين افسحك انتي وكيموا.. واهو بالمرة اشوفلي حتتين بسبوسة بالقشطة اجدد بيهم شبابي?

ضحكت رغما عنها وهتفت: والله يا بابا حسن أنت أحسن حاجة حصلتلي في حياتي!
__________________
بعد أشهر قليلة!

_ عروستنا الأمورة سمورة خلصت لوازمها ولا لسه؟
_ كله بقى تمام يا لوكا، فارس كل حاجة عملها معايا واخرهم فستان الفرح هيتطبط فيه شوية حاجات طلبتها عشان. يكون مناسب للمحجبات!
_ طب تمام أوي، امال ليه حاسة انك قلقانة ياسمر!

تنهدت: خايفة اوي يا ملك، حياة جديدة ومجتمع ووسط مختلف عن اللي اتربيت فيه. خايفة افشل في حياتي. خايفة ما اقدرش اسعد فارس زي ماهو عمل كل حاجة تسعدني!

ملك بنبرة مطمئنة: قلقك وخوفك ده طبيعي جدا حتى لو فارس من وسطك، دي حياة مختلفة فعلا بس مش عشان اللي في دماغك. لأ.. لكن لأنك هتكوني مسؤلة عن أنسان وكل شيء يخصه مهما كان بسيط، وعن أسرة هتكوني عمودها الاساسي.. وفرد جديد في أسرة زوجك اللي لازم تكسبيهم بكل ذكاء وساعتها هتكسبي راحة بالك ورضا زوجك اللي هو رقم واحد.. عرفتي بقى أيه سبب القلق؟!! بس كل اللي ذكرته ليكي ده هتنجحي فيه بحاجة واحدة.. أنك تعملي كل حاجة لوجه الله وبحب خالص..!
وانا احب اطمنك.. طول ما انتي ربنا كرمك براجل بجد زي فارس ماتقلقيش، انتي هتكسبي الكل بطيبتك واخلاقك ونيتك الصافية يا سمر!

_ كلامك ريحني أوي يا ملك وطمن قلبي.. أنا بجد لو ليا أخت ماكانتش هتقف معايا وقفتك دي!

ملك بعتاب: أخص عليكي وانا مش اختك؟
هتفت مبتسمة: واكتر يا لوكا..!
_ طب بلا بقي روحي اعملي ارتاحي، لازم تنامي كويس عشان وشك ينور يوم الفرح..!
_ ماشي ياحبيبتي، بوسيلي يامن روح قلبي!
_ من عنية ياقلبي، يلا تصبحي على خير
_ وانتي من اهل الخير حبيبتي!
__________________

مريم وهي تطالع شقيقها الذي يرتدي أمامها”بدلة” زفافه: ماشاء الله يافارس البدلة تهبل عليك، انا فرحانة اوي عشانك لأنك اخيرا هترتبط ببنت بتحبها وهي تستاهل والله ، مؤدبة ومحترمة وعاقلة، ثم غمزت له بعينيها: وجميلة جدا..!

ضحك، وقبل رأس مريم: حبيبتي ياروما، الحمد لله ، احسن حاجة إن ماما كمان بقيت راضية عنها بعد ما اتكلموا سوا.. بس في حاجة عايز اوصيكي بيها..!
هتفت: أيه هي؟
اجابها: حاتم.. انتي عارفة إن أنا وسمر بعد الفرح هنسافر شهر عسل وهنسيبه معاكي انتي وأياد.. عايزك تاخدي بالك منه كويس، الولد ده حساس ولسه مش مندمج معانا.. مش عايزه يحس بغربة يا مريم، اوعي حاجة تحصل تزعله، ده أمانة في رقبتك..!

ربتت على كفه: متخافش يافارس ده زي ابني، وانا أصلا حبيته أوي ومعحبة بتربيته جدا، وبإذن الله هحطه في عيني ماتقلقش يا عريس!
__________________

( يابني ساعدني ودخل أيدك اللي زي البرص دي في السالوبتة)

ضحكت ملك من خلفه وهي ترتدي القرط الذهبي وتنظر للمرآة متممة علي هيئتها، وهتفت: في أب يقول على أبنه برص بردة.. ثم اقتربت: وسعلي يا استاذ.. ومُشكرين على خدماتك!

اعاد كلمتها ساخرًا: مُشكرين؟
دي أخرتها معاكي انتي وابنك الشبر ونص ده..؟
أنا غلطان إني قلت أساعدك لحد ماتجهزي!

والتقط رابطة عنقه وهم بعقدها.. فاقتربت منه وبادرت بعقدها له مبتسمة له مرددة: خلاص ياميرو ماتزعلش، وخليني أنا أربطلك الجرافتة بتاعتك!

لف ذراعيه حول خصرها، وضمها أكثر متمتما بحب:
خدي وقتك ياحبي..!
وراح يلتهم وجهها بنظراته، ثم دنى ليقبلها فقالت محذرة: أعقل ياميرو.. هتبوظلي “وشي” و “الطرحة” اللي بقالي ساعة بلفها..!
هتف بمكر: ماتقلقيش على “الطرحة”.. أنا هخفف “الروج” ده بس، لأن لونه مش حلو!
ابتعدت برأسها : لأ حلو لأنه نفس لون فستاني!
وبلاش تهور بقى هنتأخر على سمر وفارس!

هتف باستسلام: ماشي براحتك، بس اما نرجع لينا حساب عسير مع بعض! وابقي وريني هتهربي ازاي!

تمتمت وهي تقترب اقتراب مهلك: ومين قالك إني عايزة اهرب ياميرو..!

حذرها: أنتي اللي بتحرضيني أهو..!
ضحكت: انت بتتلكك.. خلاص يلا نمشي، ماتنساش إننا هنستقبل المعازيم مع مامة فارس!

حمل أبنه ” يامن” وحدثه بمزاح: خليك شاهد على ماما.. وياريت تطلع جدع مع بابا الليلة وتنام بدري اما نرجع يابطل!
ضحك الصغير ظنًا منه أن أبيه يداعبه، فقبله مروان بحب وحنان: روح بابا أنت يا يامن!

ربتت ملك على كتفه متمتمة بحنان: ربنا مايحرمناش منك يامروان.. ويحفظك لينا ياحبيبي..!
______________________

على أنغام مبهجة وأنوار ساطعة بدأ زفاف سمر وفارس بطلتهم التي خطفت أنظار الجميع، خاصتًا العروس بطبيعة الحال، وفستانها الذي جعلها گ الأميرات وحجابها الذي زاد من طلتها هيبة وجمال! والجميع حولهم متأنق وسعيد ويتمنى لهما الخير والتوفيق..

افتربت السيدة صفاء من فارس الجالس گ الأمير بجوار عروسه سمر، ثم قبلت جبينه:
ألف مبروك ياحبيبي.. ربنا يسعدك وبهنيك بعروستك ويجعل كل أيامك راحة بال وفرح!
ثم توجهت حيث تجلس سمر متمتمة بود شديد:
ألف مبروك ياسمر ، ربنا يسعدكم يابنتي، ومش هوصيكي على فارس، أوعي في يوم تزعليه.. انتي واخدة حتة من قلبي وأول فرحتي في الدنيا..!

نهضت سمر وهي ترفع فستان زفافها الثقيل بأطراف أصابعها، واقتربت من السيدة صفاء، ثم انحنت تقبل كفها..! فارتبكت والدة فارس من فعلتها الغير متوقعة، وعلا تصفيق المدعوين من حولهم، والكاميرات تلتقط لحظة انحناء سمر وهي تقبل كف والدة زوجها الذي نهض هو الأخر مقبلا كف والدته، ثم استدار ليقبل جبين زوجته بحب وامتنان لفعلتها، ثم ضم حبيبتيه بين ذراعيه بحب.. فاشتعلت الكفوف تصفيقًا حارً لمرآى ذام المشهد الحميمي البار من العروسين للأم صفاء التي دفنت وجهها بصدر فارس تخبيء تأثرها وفرحتها..!

وبعد لحظات تممت السيدة صفاء إعجابا بسمر: ربنا يرضى عليكي ياسمر.. بس ماتعمليش كده تاني وتبوسي ايدي، رضايا كله هتاخديه لما تحافظي على ابني وتسعديه..! وقبلتهما معًا، تاركة لهما الساحة لأداء رقصتهما الأولى على أنغام حالمة تناسب عناق عروسين وزوجين بأول عهدهما..!

————————–——

أنعزل عن الجميع بركنٍ بعيد عن الأنظار المتشغلة بمتابعة العروسين، حاملا طبق الجاتوه الذي يعشقه ويضعف أمامه رغم تحذيرات طبيبه بعدم الأقتراب من تلك الحلوى الدسمة المؤذيه لمرض السكري لديه.. ”

ولم يرى تلك التي تسللت خلفه. وما أن هم بتناول قطعته الأولى، حتى نزعتها من يده بغتمة، كما أخدت طبق الحلوى بأكمله. مستغلة أثر مفاجأة وجودها عليه!

ليلى: تاني يا استاذ حسن، مش كفاية اللي حصل المرة اللي فاتت لما بردوا أكلت طبق حلويات زي ده، فاكر كانت النتيجة إيه؟ وحصلك إيه يومها؟

رمقها بتمعن متعجبًا من اهتمامها وملاحظتها لما يفعل، ودنى جوارها قليلا وهاتفًا بخبث: ودي حاجة تتنسي بردو! يومها وقعت احلى وقعة في حياتي!

عقدت جبينها واضيقت حدقتاها محاولة تفسير قوله، وما أن أدركت مقصده حتي هتفت بشراسة: أنت تقصد أيه؟؟؟ ثم أستطردت بهيئة غاضبة تثير ضحكه: ماشي ..أنا اللي غلطانة إني…………

تسائل سريعا: إنك أيه؟؟

طالعته بكبرياء وعناد ينضح من وجهها:

إني سبت الفرح وجيت انقذك من غيبوبة سكر تاني.. عن أذنك!

_ تتجوزيني يا ليلى؟

سؤال باغتها، وعرض زواج لم تتوقعه قط، فتسمرت قدميها وهي تواليه ظهرها.. وقد ألجمتها المفاجأة!
___________________________

بدت حسناء في غاية الأناقة والجمال رغم حزنها لغيابه القاتل عنها، ولكنها استغلت طلتها التي حتمًا ستزيده شوقا لها. وراحت تبعث له صورا عديدة لها عبر ” الواتس آب”..وما أن تحولت علامة ” √” للونها الأزرق وأدركت رؤيته لما أرسلته، حتى تبسمت وكتبت له كلمة واحدة ( وحشتني)..

تعلم أن غسان لن يبادلها كلمة أو يبدي أي اهتمام.. فكم ادركت عناده واختبرت مدى قسوته في الخصام حين يغضب.. ولكن مهما يكن هي أكيدة أن تلك الغمامة السوداء ستنقشع يومًا عن سماء حياتهما، وستعود علاقتهما گ السابق.. لن تستسلم مهما ابتعد ستظل منتظرة عفوه وصفحه!

بينما هو يتأمل وجهها بشوق ولوعة ونهم متشربًا تفاصيله، شاعرًا بشيئًا ما تغير بها، لا يدري تحديدًا ماهو.. ولن ينشغل به كثيرا.. حتى إن اشتاقها، الأمر لديه محسوم.. ترك هاتفه، ثم أضاء شاشة اللاب توب، وتواصل مع أحد موظفيه لمتابعة أعماله كما اعتاد منذ فترة!
___________________________
مابين رقصات وتصفيق وفقرات أثرت الأحتفال.. انتهى حفل الزفاف، وتوجه فارس بصحبة زوجته سمر إلي جناحهما الخاص بالفندق الملحق به القاعة.. لتكون ليلتهما الأولى

وأثناء وقوفها أمام المصعد قبل أن دلوفهما داخله، هرول إليهم حاتم مناديا:

_ عمو فارس.. ابلة سمر!

التفتا إليه، وهتف شقيقته بلهفة: مالك يا حاتم في حاجة ياحبيبي.. عايز تقولي حاجة؟

تأملها حاتم بنظرة حزينة لفراقها ولو مؤقتًا
فالأمر ليس بيسير عليه، لم يفارقها لحظة واحدة منذ ولادته، هي بالنسبة له شقيقة بنكهةِ أمٍ.. ورفيقته الوحيدة وكل أهله.. ولكنه قادرا على استيعاب أنها ستبدأ حياة جديدة ولم يعد هو محور حياتها الأوحد كما كان! هذا ما أدركه جيدًا رغم صغر سنه!

اقترب وعلى عكس توقعات سمر، لم يتوجه إليها، بينما اقترب الصغير حيث يقف فارس.. وأمسك بكفه متمتما:

_ عمو فارس.. انا بوصيك على اختي سمر.. أوعى تزعلها في يوم.. عاملها كويس.. اختي احسن بنت في الدنيا.. لو زعلتها مرة واحدة، اما اكبر هعرف اخد حقها منك.. انا مش هفضل صغير على طول! في يوم هكبر وهبقى قادر احميها من أي حد يأذيها..!

أنهارت بالبكاء لما تفوه صغيرها، غير عابئة بمظهرها ومساحيق وجهها التي تلطخت بدموعها.. وتقدمت لأخيها واحتضنته بشدة! تأثرًا برجولته المبكرة، حاتم رغم صغره وقامته القصيرة، لكنه بدا في عينيها تلك اللحظة ندا قويًا أمام فارس من قوة كلماته الغير متوقعة!

أما فارس فازداد اعجابا بذاك الغلام.. وتمنى داخله أن يحظى يومًا بأبن مثله، يمتلك عزته ورجولته ورقة مشاعره تجاه شقيقته!

انحنى فارس وجثى على ركبتيه، وجذب حاتم من احضان سمر، واحتضنه بقوة:

متخافش ياحاتم، عمري ما هأذي سمر ولا ازعلها.. ولو زعلتها ياسيدي، اديك هتكبر زي ما قولت.. ابقي خد حقها مني براحتك.. اتفقنا..!

سحب حاتم جسده بعيدا وطالع فارس هاتفا بابتسامة: بس انا متأكد ياعمو أنك بتحبها ومش هتزعلها..! لكن حبيت اقولك إني موجود! وماتزعلش مني وتقول عني ولد مش كويس.. أنا بحبك انت كمان.. بس بحب أختي أكتر!

ابتسمت سمر من بين بكائها، بينما ربت فارس على كتف الصغير: وأنا كمان بحبك ياتيمو وفاهمك ومش زعلان ابدا.. ولما نرجع من شهر العسل أنا وسمر.. ليك عندي انت وأياد خروجات جامدة!
ووقف ثانيا وضم إليه سمر: وأي وقت عايز تتصل بسمر اتصل ومايهمكش، كلمها كل اما توحشك!

ودعهم الصغير مبتسما، وأتت مريم التي تابعت الموقف بأكمله من بعيد وهي تبكي انبهارًا من كلمات الصغير، وكم اشفقت عليه واحترمته، واخذت على نفسها وعدا ألا يشعر بالغربة بينهما لحين عودة شقيقته!
_________________________

بعد صعودهما للجناح الخاص..
راح فارس يزيل عنها حجابها وأصابعه تداعبها، ولأن خجلها يكاد يقتلها، أستأذنت منه لتبدل فستانها وتستعد بالوضوء حتى يصلي بها فارس گ بداية لليلتهما الأولى.. فخرجت بعد برهة ليست بقصيرة، ومازالت بفستان زفافها.. فتمتم فارس الذي ابدل بدلته بثياب مناسبة: أنتي معرفتيش تغيري فستانك؟ ثم هتف بخبث: ماقلنا اساعدك مارتضتيش!

ظلت صامتة تنظر أرضًا كأنها مذنبة بشيء، فاقترب رافعا ذقنها فوجدها تبكي، فاحتضنها وهو يهدئها: ايه ياحبيبتي بتعيطي ليه بس؟

لم تجيبه فقال مصرا عليها: سمر فهميني حصل ايه.. في حاجة تعباكي، اطلب دكتور؟
هزت رأسها نفيًا ومازالت تبكي بصمت:
فعاد لضمها مربتا عليها: حبيبتي متخافيش مني ابدا. والله فاهمك ومش عايزك تعيطي وتشيلي هم.. اهم حاجة بقينا سوا..!

تمتمت بخفوت وهي تختبيء بصدره: أصل.. في حاجة خايفة اقول عليها..!
_ حاجة أيه قولي متخافيش!

فشبت قليلا على قدميها وقالت كلمات قليلة بجوار اذنه، ثم عادت تتوسد صدره وكأنها تحمتي به من ثورة وشيكة منه، فضحك بخفوت وضمها إليه أكثر:

_ هو ده اللي مخوفك كده؟! وفاكراني هضربك مثلا؟ ده نصيب والأيام جاية وكله هيتعوض.. بس عرفيني كده هستنى كام يوم؟؟؟

هتفت بخجل: 5 أيام تقريبا..!

قال بمكر: ماشي ياستي هستنى، وعموما في حاجات تانية هصبر نفسي بيها بس تعالي نصلي الأول و…… ..
ثم أدرك عدم إيجازة الصلاة لها بتلك الظروف. فتمتم: نسيت مش هينفع تصلي.. خلاص هصلي أنا، وبعدين نتعشى سوا ..وهم بتركها بعد أن عاد لتقاسيم وجهها الراحة من ذاك العبء، فتوجس منها فجأة!

واقترب موشوسًا بأذنيها: قلبي بيقولي إنك كنتي قاصدة كده اما طلبت منك تحددي معاد فرحنا وانه مش صدفة ياسمر صح؟

صمتت تحاول كتم ضحكتها، فعلم بمكيدتها المدبرة مسبقًا، فمال عليها ثانيًا بتهديد لذيذ محبب: وحياة أمي ماهعديهالك ياخبيثة!

اطلقت العنان لضحكتها تلك المرة، فأسكتها وثأر منها بطريقة جعلت من قبلتهما الأولى مذاق مختلف.. ولن ينمحي أثره من ذاكرة كليهما..!

error: