رواية الجرم الأكبر

الفصل التاسع عشر والأخير!
_______________إلى الآن لا تصدق أنه عاد إليها.. ويداعب صغيرهما وصوت ضحكته تُصب في أذنيها گ عزف شديد العزوبة لا يخص سواه.. كم اشتقتك ياغسان، ومازالت منك لم ارتوي!
لمحها واقفة تطلعه، وقرأ سطور العشق والشوق بعيناها.. فأوصى كريم بمراقبة الصغير لحين عودته، واتجه إليها ثم جذبها خلفه بصمت، وهي مُنساقة مستسلمة لقبضته، حتى أصبحا بغرفة أخرى، فأحكم غلق الباب واحتضنها بشدة، وكأنه يؤكد لها أنها لا تحيا حلمًا بوجوده! هو معها وسيظل كذلك.. فبكت متمتمة بخفوت: أوعي تسبني تاني مهما حصل! انا كنت بموت من غيرك..!فاشتدت ضمة ذراعه حولها وشفتيه تجول بكل تطاله مرددًا: أنسي كل اللي فات.. وسامحيني لو كنت قاسي زيادة عن اللزوم.. كان غصب عني مش قادر ارجع وانسى.. بس اوعدك مافيش حاجة هتحصل تاني تفرقنا.. ولو انتي كنتي بتموتي في غيابي. أنا كنت ميت أصلا ومش حاسس بالحياة! أنتي روحي يا حسناء!تدفقت لأوردتها سعادة طاغية لا تستطع حقًا وصفها.. واستكانت رأسها ثانيًا بجوار قلبه.. ولأن الكلمات أحيانًا لا تعبر عما نشعر.. فصمتت.. لتتحدث لغة أخرى! لغة تحمل من مفردات العشق ما يفوق الكلمات المنطوقة..وسكتت شهر زاد..مستسلمة لملكها.. وحبيبها الأوحد، والعائد بعد غياب!
___________________________

( بكيزة هانم رفضتني ?)

ضحك غسان ووالده يخبره برغبته بالزواج من ليلى، ورفض الأخيرة طلبه، وهتف بعد أن سعل قليلا:

والله وكبرت يا ابو علي وعايز تتجوز !

نهره بغضب: اتلم ياض انت واعرف تكلم ابوك ازاي.. وشوفلي حل في بكيزة وازاي توافق.. انا حطيتها في دماغي خلاص!

غسان غامزا له بمشاكسة: أنت وقعت ياعم حسن..!

_ أستغفر الله العظيم.. تصدق انا غلطان اني بعبرك واحكيلك.. انا هتصرف واشوف حد عاقل يساعدني!

قهقة مره اخرى: والله لو عرفت إنك مسميها بكيزة، هترفع عليه قضية سب وقذف!

_ ماهي ماتعرفش أني بقول كده! ?

( سيبولي انا الموضوع ده)

التفت العم حسن لزوجة ولده: بجد ياسونا? هتكلميها إمتى؟

اجابته وهي ترج بيدها ” بيبرونة الصغير “حسن” :

مش بس هكلمها يا بابا حسن.. انا هخليها توافق، وملك هتساعدني، لأنها اقترحت عليا قبل كده اني اقنع حضرتك بالجواز والفت نظرك لليلى!

غسان ساخرًا: أبو علي طلع خلبوص كبير وحاطط عينه على البنية من الأول!

تجاهل العم حسن سخرية غسان: خلاص وريني همتك بقى ياسونا.. عايز اتجوز بسرعة!

غسان: أيه ياحسن اهدي.. أنت هتنحرف ولا أيه!

تفادى غسان وسادة قُذفت عليه والده، الذي أشار له بأصبعه محذرا: لو مابطلتش استظراف هخطف ابنك!

ضحكت حسناء وراحت تطعم الصغير وهي تحدثه:
شوفت بابا وجدو بيتشاقوا ازاي ياسُنسُن.. قولهم ماينفعش كده أنا عايز أنام!
_______________________

ملك بحماس: شوفت ياميرو مش قولتلك قلبي حاسس إن عمو حسن بيحب ليلى؟ اهو طلع إحساسي صح?

أجابها: فعلا يالوكا، غسان بيقولي مش مستسلم إنها رفضت وعايز حد يقنعها

تمتمت بثقة: وانا مش هسيبها إلا وهي مرات عمو حسن! واستأنفت: ليلى لازم تعيش حياتها يامروان بعد تجربتها مع شاهين، ليه تفضل وحيدة، صحيح أحنا دايما حواليها، لكن في لحظات أكيد محدش فينا هيخففها عنها، وبعدين والد غسان أنسان فعلا مناسب ليها وبيحب الدنيا وبيعرف ازاي يستمتع بوقته، وهي محتاجة بالظبط زوج زيه، هيدوقها حلاوة الحياة من جديد، وهتكون هي محور كل أيامه وهو قمة سعادتها..!

_ والله انا مقتنع بكل كلامك يا ملك، ومقدر في نفس الوقت خوف ليلى إنها تخوض تجربة تانية وتفشل.. لكن طبعا أحنا شايفين اللي هي مش شايفاه.. وكلنا هنحاصرها ومش هنخلي أي فرصة للرفض!
____________________________
منزل حسناء

ملك: بقولك أيه يا حسناء.. أيه رأيك نعمل عقيقة حسن ابنك.. مع عيد ميلاد يامن، ويبقي احتفال ضخم وكبير يليق بالمناسبتين سوا..!

راقت لها الفكرة فهتفت: والله فكرة ممتازة.. ونعزم كل حبايبنا ومعارفنا مرة واحدة، وهيكون احتفال مش هيتنسي!
_ بس في مناسبة تالتة عايزين نحضر ليها انا وانتي وسمر!
تسائلت حسناء: مناسبة أيه؟

اقتربت ملك وتمتمت: شوفي ياستي المناسبة هي……

وراحت تقص مالديها، ووجه حسناء يتفاعل بحماس، وما أن انتهت ملك، حتى صفقت الأولى:
أيوة بقى يالوكا ? خطة هايلة.. خلاص أنا معاكي!
____________________________

في إحدى القاعات المرموقة.. أتى كل من دُعي لذلك الحفل الضخم..والأصوات تتداخل بصخب مع موسيقى القاعة الخافتة صوتًا نوعا ما.. منتظرين حضور أصحاب الحفل.. ثم صدحت فجأة نغمات لا تشبه أبدا استقبال مولود صغير أو عيد ميلاد لطفل أخر.. بل نغمات توحي بمناسبة مغايرة.. وكأنها عُرس لأحدهما..! وقبل أن تتسائل الأفواه، لاحظوا دائرة ضوء بمنتصف القاعة تحديدًا.. وسمر تجذب سيدة مغممة العينان خلفها..وطلة الأخيرة برداءها السيموني المطرز الأنيق المنساب بنعومة سكشديدة على قوامها المعتدل، جعل البعض يطالعها أعجابًا..وقبل أن تكتمل دهشتهم بما يحدث، ظهر أحدهم أماما السيدة المغممة، والتي بدأت تتوتر متمتمة:

_سمر.. في أيه انا مش فاهمة حاجة.. صممتي البس فستان غير اللي كنت ناوية عليه، وغميتي عيني قرب وصولنا للقاعة.. في إيه بيحصل فهموني!

ابتسمت سمر وهي تبتعد، غامزة لصديقتيها ملك وحسناء.. ثم اقترب العم حسن وفك رباط عيناها.. فرمشت ليلى بعيناها برهة تستقبل الضوء حولها، ثم نظرت لذاك الجمع الكبير الذي يطالعها بشكل جعلها تتوتر وتخجل، ثم حادت بنظرها، فوجدت أمامها والد غسان مرتديًا بدلة أنيقة ويبدو هو الأخر مختلف بطلته شديدة الوسامة رغم شيبة جانبي رأسه.. وابتسامته البشوشة تحوطها بشكل اشعل خجلها أكثر.. فتمتمت بخفوت: هو في أيه بالظبط يا أستاذ حسن، أنا مش فاهمة حاجة؟

ألتف حولهما كلًا من حسناء وغسان، ومروان وملك، وسمر وفارس! وتبادلو جميعًا الحديث تباعًا بجمل داعمة لعرض زواج العم حسن، فتمتم غسان وهو يقبض على المايك، حتى يتشارك المدعوين بسماع عرضه الذي أوكله إليه أبيه:

_ مدام ليلى.. بدون أي مقدمات، أنا يشرفني أطلب إيدك لوالدي.. وبتمنى توافقي وأوعدك مش هتندمي!

تعالت شهقات المدعوين بدهشة ممتزجة بإعجاب، وقد راقهم أن يشهدوا مثل هذا الحدث.. بينما هتفت حسناء بعد أن التقطت من زوجها ” المايك” : السعادة جاية لحد عندك أوعي ترفضيها يا ليلى.. لأن في فرص ما بتتكررش في العمر مرتين!

مروان بعد أن أخذ دوره بالحديث: حتى لو خوضنا تجارب سابقة بحياتنا خوفتنا في الماضي.. حرام نضيع مستقبل كله أمل، عشان ماضي خلاص أنتهى!

وتمتمت ملك بدورها: فعلا أنتهى بكل مافيه..وأيامك الحلوة مستنياكي.. بس إنتي قولي موافقة..!

سمر بابتسامة جذابة: رحبي بالسعادة اللي بتخبط على بابك! إنتي لسه زهرة جميلة.. ونظرات الكل حواليكي دلوقت تشهد!

بينما هتف فارس: أبسط أسباب السعادة، وجود شخص يسأل عنِك كل يوم.. ما بالِك لو الشخص ده عايز يقاسمك أيامك نفسها.. أتمني توافقي!

تدور عيناها بوحوه الجميع، وكلما تحدث أحدهم، كلما ذُرفت دموعها تأثرًا وسعادة وتوتر شديد لموقف لم تتوقع أن تعيشه.. واهتمام لم تتذوق مثله يوما.. كم شعرت أنها إمرآة محظوظة بمثل هؤلاء..! وبعد أن تحدثوا تباعًا..جاء دور كبيرهم عمرًا ومقام.. العم حسن، الذي تمتم بمنتهى الثقة التي راقتها:

بعد كل الكلام الحلو اللي سمعتيه من أكتر أشخاص بيحبونا.. أحب أعيد عرضي عليكي بشكل تاني وانتي اختاري يا ليلى!

ثم مد قبضتيه المغلقتين هاتفا:

_في كفي اليمين، حفنة من السعادة بوعدك بيها على قد ما ربنا هيقدر لينا نعيش أيام جاية!

وفي كفي الشمال، جبل من الوحده و الحزن على اللي فات، وخوف حابسك جوة دايرة كبيرة، وجودك فيها قرار.. وخروجك منها بردو قرار.. تختاري إيه يا ليلى؟؟؟

أحداق جميع المدعوين مترقبة ما يحدث بشغف وحماس، منتظرين ما ستجود به تلك السيدة المقصودة والمحظوظة بنظر البعض..! أما ليلى، فلم يعد الأمر بالنسبة لها أختيار.. بل قرار حُسم داخلها.. ويعجز لسانها عن قوله من شدة تأثرها.. تريد أن تتفوه بما يريده الجميع، وأصبحت تريده مثلهم!

موافقة.. هو جوابها وقرارها الأخير.. ستختار حفنة السعادة في قبضته اليمنى..! ستشاركه أيامه القادمة.. ستحرر من سلاسل ترددها وخوفها من التجربة!

وبتلك النتيحة الصامتة بضميرها.. هزت رأسها بالموافقة وهي تبكي.. فصدح تصفيق حار من الجميع، وصافرات حماسية من غسان ومروان وفارس.. بينما احتضنتها حسناء وملك وسمر مباركين قرارها.. معلنين بدء حفلهم المميز..!

فإن كان الحفل احتفالا بولادة صغير، وأخر أكمل عامه الأول! .. فهو أيضًا ولادة جديدة لقلبين تحررا أخيرًا من قيد الأنتظار، وسيبدأ الآن عهدهما بعقد قران!
____________________________
بعد شهر!

جلس لاهثًا بعد سباقه هو وحاتم في حديقة فيلا جدته صفاء، وتسائل بعد برهة: المرة دي فوزت عليا، بس انا اللي كسبتك المرة اللي فاتت!

تمتم حاتم وهو يجفف عرقه: يعني متعادلين!
إياد بعد أن التقط أنفاسه. قائلا بحماس طفولي: عرفت أن ماما هتجيب نونو؟.. هيبقى عندي اخت أحبها زي ما انت بتحب أختك!

حاتم بسعادة مماثلة: عرفت، وانا كمان فرحان.. أختي سمر كمان هتجيب نونو.. وهبقى خالو!

_ تعرف يا حاتم، أنا مبسوط أوي عشان بقى عندي صاحب زيك، وكمان هيبقى عندي أخت زي ما اتمنيت.. وعشان كده أيه رأيك أما تكبر تتجوز أختي الصغنونة؟

حاتم ببراءة: مش عارف يا أياد أما أكبر هيحصل أيه.. بس أنا كمان بحبك أوي زي أخويا.. وموافق! بس المهم اختك اما تكبر هي كمان توافق عليا..!

_ أكيد هتوافق لأني هقولها عنك كلام حلو..وانا بقى اما اكبر هتجوز ياسمينا، لأن إنت مش عندك اخت صغيرة!

حاتم بأسف: لأ معنديش.. خلاص اتفاقنا.. ومحدش هيعرف بكلامنا ده لحد ما نكبر!
إياد: موافق.. يلا بقى ناخد شاور بعد اللعب، ونروح لتيتة صفاء!
______________________

” أتشووووو..! ”

فارس: يرحمكم الله ياحبيبتي.. الحمل بتاعك جاي بالبرد ومخليكي خلصانة!

سمر وهي تحك أنفها الملتهب، وبدا صوتها بنبرة متعبة من تأثير أعراض البرد: يهديكم الله ويصلح بالكم.. أه والله مش قادرة اتنفس ولا انام كويس يافارس، يارب اخف بقى زهقت من الراحة في السرير

عبرت الأم صفاء غرفتهما للتو بعد استأذانهما، وهي تحمل بيدها صحن حساء دافيء، متمتمة: معلش ياحبيبتي، فترة وتعدي لحد مايثبت حملك على خير ونطمن عليكي!

سمر بتهذيب: معقولة حضرتك بنفسك جايبة الشوربة!
_ وفيها أيه يعني، هو انا مش زي مامتك ولا أيه؟
ابتسمت بود: ربنا عالم حضرتك معزتك أيه عندي، كفاية إنك ام أغلى إنسان عندي!

قبل فارس جبين زوجته: حبيبتي ياسمورة!
ثم اقترب من والدته وقبل كفها: ربنا مايحرمني منك يا أمي ودايما تراعينا احنا وولادنا..!

ملست على رأسه بحنان: ولا منك يا غالي، ربنا يفرحك ويباركلك في ذريتك يافارس!

_ مادام دعيتي يبقى خير وأكيد ربنا هيكرمني بذرية مباركة بدعواتك يا أمي! وواصل: طيب أنا هروح لشغلي دلوقت، محتاجين أي حاجة؟

السيدة صفاء: سلامتك ياحبيبي، بس ابقى عدي أسأل على مريم واطمن عليها هي كمان حملها في الأول، وعرضت تيجي هنا لحد ولادتها جوزها رفض. وقال مامته هتراعيها..!

فارس: ماتقلقيش عليها، حماتها كويسة وبتحبها وانا يوميا بكلمها.. ربنا يقومها بالسلامة هي كمان!

سمر ووالدته: اللهم امين!
____________________________

منكمشة على الأريكة بجوار زوجها حسن، تطالع شاشة التلفاز بخوف متمتمة: ماقلتلك ياحسن بلاش فيلم رعب، أنا بخاف?

العم حسن وهو يمضغ حبة فستق: يا لولا ده فيلم تحفة.. وبعدين جمدي قلبك كده وانشفي شوية، ده تمثيل يعني!

بعد برهة قصيرة، شعرت بشيء ما يلمس أكتافها من الخلف فصرخت وهي تتشبث بذراع زوجها: عااااااااااا.. الحقني ياحسن!

_ إيه حصل أيه يا ليلي.. دي تاني مرة تصرخي يابنتي قولنا ده تمثيييييل!

هتفت بحنق: والله حرام عليك.. طافي النور كله والشاشة كبيرة ومشاهد الرعب حاساها بتحصل قدامي في الأنتريه.. وكل شوية احس حاجة بتلمسني والله مش بتخيل! ?

أوئد ضحكته، فإن علمت أنه هو من يشاكسها ويلمسها بالخفاء حتى تخاف، لربما كسرت قنينة المياه على رأسه، فقد أختبر شراسة زوجته الرقيقة عدة. مرات،فقال بقلق زائف: ازاي الكلام ده؟ مين هيلمسك؟ دي تهيؤات ياعمري،تعالي يلا نكمل الفيلم!

فعادت تستكين مرة أخرى جواره بهدوء، متغاضية عن خوفها مردده داخلها: عيب عليكي يا ليلي تعملي زي العيال الصغيرة.. ده فيلم ياهبلة خايفة من………

عااااااااااااااااااااا

صرخت مرة أخرى عندما شعرت بلمسة ما بحانب عنقها.. فلم يتمالك حسن نفسه وقهقة بشدة، فطالعته بريبة، ثم أدركت أخيرًا أنه صاحب اللمسات الخفية! نعم هذا منطقي! ومن غيره معها؟ ومن بالأساس يفعل معها مثل تلك الأشياء الصبيانية.. فمنذ زواجهما وهو يشاكسها ويمزح معها طوال الوقت، وكأنه يحتفل بوجودها على طريقته.. ولاتنكر قط أنه أضاف لحياتها مذاق خاص ورائع.. وأصبحت الأبتسامة والضحكة العميقة. تصاحبها اغلب الوقت.. كم أحبته.. وكم هي سعيدة معه.. وتحمد الله انها لم تتمسك برفضها.. وأصبحت زوجة لهذا الرجل النادر وجوده.. بمزيجة المدهش.. ذكي عاقل وحكيم، وبنفس الوقت مرح وطيب وحنون.. لا يُمل من جلسته، حتى أنها تصاحبه بكل مكان.. ولم تعد تستطع فراقه.. تهتم لصحته بشكل مبالغ به، فمجرد تخيلها أن يمرض، يصيبها بالهلع.. تخاف عليه بصدق!

ولكن كل هذا لن يمنعها من عقابه الآن.. لقد اخافها حقًا ويجب عليها الثأر!

_ بقي انا عمالة اصرخ قدامك.. واتاريك أنت اللي بتخوفني يا حسن.. طب خد عندك بقى! ???

وظلت تكيله باللكمات، وهو يزيد ضحكًا، حتى قال: خلاص يا لوليتا بهزر معاكي.. انتي ماتعرفيش انا كنت بعمل ايه زمان ، ده أنا دلوقت مراعي سني بس?

انتهى عقابها المضحك، فضمها إليه هاتفا: والله انتي غضبك عسل.. وانا هتسلى عليكي طول الوقت?

فضحكت باستسلام: إنت مافيش فايدة فيك.. مش هتسكت إلا اما تجلطني في مرة من الخضة!

فسارع قائلا بصدق: بعد الشر عليكي يا حبيبتي اموت انا وانتي لأ..
فهتفت بصدق مماثل: بعد الشر عليك ياحسن.. أوعي تقول كده تاني.. لأن هزعل منك بجد ومش هتعرف تصالحني!
شعر بسعادة لتطور شعورها به، واكتسابه قلبها بوقت قصير:ك، فتمتم بمكر يعني بتحبيني يا لوليتا؟

غاصت أكثر على صدره هاتفة: طبعا بحبك يا سُنسُن!

قبل رأسها مرددا بمزاح: حبيبتي يا بكيزة هانم!

انتزعت نفسها بغتة، وهتفت ببوادر غضب:
أيه بكيزة هانم دي كمان.. أنت بتتريق عليا ياحسن؟

ضحك ثم هتف: ما انا لازم اعترفلك بسري.. بدال ما الواد الدونكي غسان ابني، كل شوية يهددني ويقولي هقول لمراتك إنك مسميها بكيزة هانم.. وانا محدش يلوي دراعي لا مؤاخذة! ?

رفعت حاحبيها بشر وهتفت بحده: ألحق نفسك بتفسير بسرعة ، بدال ما اقلب على الوش التاني يا حسن ?

هتف ساخرا: أهدي وحش الليل.. ده انا زي جوزك!
همت بالنهوض بغضب زائف، فأجلسها ليسترضيها قائلا: طبعا بكيزة هانم.. يعني الشياكة والأناقة واللباقة والرقي كله يا لولا??

_ إنت فاكر كده هتضحك عليا..!

_ والله ما بضحك عليكي، انتي كده في عيني.. واكتر كمان.. كل حاجة فيكي بحبها.. وقمة سعادتي أما بتحاوطيني بحنانك كأني ابنك.. ساعات بستفزك بس عشان احس قد ايه بتخافي عليا، أحساس افتقدته سنين، حبك وحنانك مختلف.. ثم داعب جانب عنقها فجأة بمشاكسة: بحب اناغشك يا لوليتا..!

ضحكت.. فكل الطرق معه لا تؤدي سوى لنتيجة واحدة.. ضحكة صافية من القلب!
_________________________

بعد بضعةأشهر..!
عبر الهاتف!

جواد: ألف مبروك يا فارس يتربى في عزك ويجعله ذرية صالحة ليكم!
فارس: الله يبارك فيك يا ابو الجود.. تسلم ياغالي، طبعا مش محتاج اقولك إنك تشرفنا في العقيقة بكرة أنت وكريم واسرتكم والحاج والحاجة!

_ أنا طبعا مش محتاج عزومة.. كفاية اعرف معادها عشان اجي.. بس للأسف يافارس حفل خطوبة خالد أخو لافندر مراتي بردو بكره.. وأنت عارف صعب مبقاش موجود في مناسبة زي دي مع زوحتي واخوها.. خصوصا أن خالد بعتبره اخويا أنا كمان!

تجلت السعادة بصوته وهو يهتف: أنت بتتكلم جد ياجواد؟ خلودة هيخطب بكرة؟ ماشاء الله.. ده الواد ابني وشه حلو عليه بقى.. مبروك ياجواد حقيقي خبر يفرح.. ربنا يزيد افراحنا يارب.. وولا يهمك أكيد صعب تيجي.. لكن مش هتنازل عن زيارة خاصة في بيتي إنت والجميع وأولهم العريس!

_ ده أكيد طبعا.. مش لازم أجي اشوف جوز بنتي المستقبلي!
ضحك فارس: إيه ده أنت كمان حجزته؟ والله الواد ده مُرزق.. تاني مرة يتخطب ?

بادله جواد الضحك وتمتم: ربنا يباركلك فيه يا ابو الفوارس.. وامانة تسلم على الجميع لحد ما نتقابل قريب!

أننتهت المحادثة، وتوجه فارس ليتابع تحضيرات العقيقة أحتفالا بطفله الأول.. حمزة!
___________________

وبتجمع مهيب شديد البهجة، احتفل الجميع بمولد حمزة ابن فارس وسمر.. ومسك أبنة مريم شقيقة فارس.. رغم أن ولادتها سبقت زوجته بشهرين.. ولكن اقترح فارس أن يتشارك هو وشقيقته نفس الأحتفال.. خاصتًا أن حالتها الصحية تطلبت وقتًا لتتعافى من ولادتها القيصرية، فدعم زوجها الفكرة لنفس السبب..!
………… .

حمل حاتم مسك بحرص شديد.. وهو يتأملها بإعجاب.. فالصغيرة ولدت شديدة الجمال، وجهها ابيض وخدودها حمراء شهية، وعيناها تشبه نفس عين والدها، رمادية گ لون الفضة الصافي.. تلمع بجاذبيه شديدة، أسرته منذ ولادتها يعشقها وكلما رآها يحملها إلى أن تبكي جوعًا فيعيدها لوالدتها لتأكل ثم يعود ويحملها ويدللها، وكأنه يمارس حقه بها.. أليست الصغيرة ستكون له يومًا ما؟!

هذا عهده الخفي هو ورفيقه إياد..!

تُرى! هل ستتعانق طرقهما يومًا حين تمضي الحياة.. ويُحقق وعدهما البريء، وتكون له؟! لا أحدًا يدري! حتى هو نفسه لا يعلم.. فقط يعشقها عشق طفولي بريء خالي من أي غرض.. أو رغبة!
_______________

الخاتمة!

بعد خمسة أعوام!

حاسبي يا مسك!

اندفع حاتم ليلحلق بطفلته المدللة، بعد أن وقعت واتسخ ردائها القصير، وخُدشت ركبتها، فتمتم بضيق:

مش قولتلك يامسك تاخدي بالك؟ دي تالت مرة تقعي! وبعدين أنا حذرتك تطلعي على السور وتنطي، اهي رجلك انجرحت!

قالت وهي على وشك البكاء:

كنت بقلد قطتي، أثمعنى هي مث وقعت؟

ضحك مقلدًا لدغتها المحببة : اثمعنى هي مث وقعت؟
القطة تقدر تعمل حاجات انتي ماينفعش تعمليها وإلا هتأذي نفسك زي دلوقت.. أنا كده زعلان منك وهخاصمك خلاص!

هتفت سريعا: خلاث ياتومي مث هعمل كده تاني!

أمسك محرمته، وراح يمسح عن وجهها أثار التراب وهو يمثل بوجهه العبوس، فهتف ثانيًا: خلاث ياتومي.. هثمع كلامك ومث هقلد القطة تاني??

لم يملك سوى الابتسامة وهو يمنحها نظرة حانية:
خلاص مش زعلان.. تعالي بقى روحي لمامتك تغيرلك فستانك اللي اتوسخ ده!

فقالت ببراءة: وهتلاعبني بالكورة زي حمزة؟
_ حاضر.. هشوف إياد اخوكي فين ونلاعبكم سوا..!
………………… .

مريم: حمزة وأحمد ولادك فين ياسمر مش شايفاهم؟

سمر: إياد خدهم معاه بيشتري أيس كريم للكل!
ومسك فين وحشتني الكلبوظة دي!

ضحكت مريم: ماتتريقيش على بنتي، أديكي هتجيبي بنت واما اشوف هتبقى ازاي!

نظرت لبطنها المنتفخة قليلا: أسكتي يا مريم دي مطلعة عيني من دلوقت.. مافيش حاجة بتفضل في بطني.. وبقرف من أي ريحة، بصراحة، أنا زهقت أخوكي مني.. ده له الجنة لو اتحملني لحد الولادة!

_ يابنتي عادي، كلها كام شهر وتخلصي، ربنا يقومك بالسلامة ياقلبي!
_ اللهم امين ياروما..!
__________________________

متسحبًا الصغير على قدميه بحرص حتى لا يراه أحدًا، وما أن أتم مهمته، حتى هرول للجد حسن هاتفًا: اتفضل ياجدو.. جبتلك طبق جاتوه كبير!

العم حسن محذرا: أوعى يكون حد شافك يا حبيب جدو، خصوصا طنت ليلى!

هز الصغير رأسه فتطاير شعره الغزير بنعومة: لأ مش شافتني خالث ( خالص)!

قبله، ثم بدأ في التهام حلواه، متأملا أن لا تراه ليلى.. ولكن لم تدوم سعادته، وزوجته تنتشل الطبق بغته من بين يديه، فتذمر: ليلى أنهاردة عيد ميلادي أنا.. ومن حقي أكل اللي يعجبني?
وحاول سحب الطبق ثانيًا، فابعدته ليلى معاتبة:

كده بردو ياحسن.. ده الوعد الي وعدتهولي.. إنك مش هتاكل حاجات تأذيك من ورايا؟ عايز يحصلك غيبوبة سكر تاني زي اللي حصلت من شهر بسبب اللي بتعمله ده.. طب المرة دي بقي مش هسامحك!
وغادرت غير عابئة بندائه.. فأيقن انها غاضبة بحق تلك المرة..

فذهب لغسان هاتفًا: واد ياغيسو.. لوليتا خاصمتني تاني ? تعالى صالحنا?

غسان مقهقها: أكيد عملت مصيبة يا ابو علي وزعلت مزتك! عملت أيه ياشقي!

هتف العم حسن بحنق: أنا غلطان إني عبرتك وجيت اشتكيلك، أنا هروح لمروان العاقل يساعدني!

فأوقفه غسان محاولا الحديث بجدية: طب خلاص ماتزعلش.. أنهاردة عيد ميلادك ياغالي ولوليتا مش هتقاوم كتير وهتلاقيها هي اللي بتكلمك.. ثم غمز بإحدي عيناه: اتقل يا ابو علي تاخد حاجة نضيفة!
…………………
ألتفوا جميعا حول طاولة يعلوها قالب تورتة كبير، وحوله أطباق أخرى بأصناف حلوى متعددة.. فنظر العم حسن حوله، فوجد أبنه غسان، وزوجته وأطفاله كريم وحسن ورفيف.. يجاوره مروان وملك وطفليه، يامن وتقى ابنة العامين! بينما على الجه الأخرى يقف فارس وزوجته سمر، وطفليه حمزة، وأحمد!

وبجانبهم تقف ليلى، متعمدة الوقوف بعيدا لتعاقبه.. فترك موقعه، وذهب إليها، وجذب يدها وعاد ليقف بمنتصف الطاولة هاتفا:
كده نبتدي عيد الميلاد.. أبتسمت ليلى برضا.. وصدح صوت غسان بمشاكسة: أيوة بقى يا كبير.. الحب الحب، الشوق الشوق??

هز العم حسن رأسه بيأس، موشوشا ليلى:
الواد ابني ده مش هيعقل ابدًا..وواصل بمزاح.: طالع لأبوه ?

لم تتمالك نفسها فضحكت لمزاحه وتخلت عن عقابه، كما يحدث دائما.. يذيب كل غضبها وضيقها بخفة ظله التي باتت تعشقها.. كما تعشقه!
……… .
( سنة حلوة ياجميل.. سنة حلوة ياحسن ..سنة حلوة ياسُنسُن..سنة حلوة ياجميل)

وبعد أدائهم الجماعي المنظم لتلك الأغنية الشهيرة ، أطفئوا معه الشمعة التي تحمل رقم عمره “الستون”..!

أقبلت حسناء عليهما هاتفة: خد ياجدو حسن روفا الجميلة وقفها جمبك هي وباقي الولاد.. عشان اصوركم كلكم صورة جماعية للذكرى!

وقف الجميع.. وتلاشت المسافات بينهم، ليشملهم إطار صورة دافئة، صافية..! گ صفاء قلوبهم تمامًا..!

تمت بحمد الله!

 

error: