نوفيلا”هنا سعادتي”

نوفيلا”هنا سعادتي”
ح(٢)
بدأت امتحانات الثانويه العامه، ولصعوبة الظروف التي مر بها نبيل، وفاة والده الذي كان يتعلق به بشده، وأيضآ مرضه قبل الإمتحان بيومين فقط؛ كان أدائه متوسط وليس على مستوى تفوفه الذي عهده منه الجميع؛ بعد فتره من انتهاء الإختبارات ظهرت النتيجه التي كادت أن تحطم قلب نبيل.يابني كل واحد بياخد نصيبه.
كان هذا صوت والدة نبيل تحاول تهدئته من نوبة الحزن التي كست ملامحه.
نبيل بحزن: عارف ياأمي أنا بس حزين على حلمى اللي عشت أحلم بيه طول عمري من وانا صغير، كنت كل أما أشوف بابا بيتألم ومفيش دكتور عارف يعالجه،ومفيش معاه فلوس يقدر يسافر يعمل عمليه، كنت أذاكر أكتر، وأقول لنفسي لازم أكون أكبر دكتور قلب، بس أهو بابا سابني وحلمي كمان اتخلى عني خلاص.
في هذه اللحظه دخل علي عليهم وبصوت مرتفع قال: إيه ياعم النكدي إيه دور الكآبه اللي معيش نفسك وكل اللي حواليك فيه دا؛ اتعلم مني أنا جبت مجموع يادوب يدخلني تجاره بالعافيه، وعملت فرح عارف ليه؟! علشان هفضل على قلبك حتى في الجامعه،تقدر تقولي لو كنت سيادتك رحت طب كنت هغلس على مين مليش غيرك ياصاحبي.
فرغ فاه نبيل ونظر له باندهاش وقال له: ومين قرر إني أدخل تجاره؟!
علي ببراءه أنا طبعآ اللي قررت، تفتكر هسيبك تروح في مكان بعيد عني أبدآ دانا أموت في بعدك?
فضحك نبيل رغم عنه: ماشي ياعم الرومانسي. تدخلت منى في الحديث: وبعدين يانبيل حلمك لسه ممكن تحقق جزء كبير منه، ممكن تكون دكتور جامعي لو اهتميت بالمذاكره، وانا ياسيدي تحت أمركم طبعآ بما إني في أخر سنه تجاره، بس متتعودوش على الكرم ده بعد السنه دي هتجوز ومعرفكوش.?
ضحك الجميع على حديث منى.

وبالفعل مر العام الاول لنبيل في الجامعه وحصل على تقدير امتياز، وعلي أيضآ نجح لكن بتقدير مقبول كعادته.
اقترب عرس منى كانت تجلس والدة نبيل مع إحدى جاراتها تبكي بصوت منخفض تحاول تخفيف هموم قلبها فنطقت بصوت ضعيف:مش عارفه أعمل إيه ياأم هاني البت فرحها بعد خمس شهور ومش عارفه أكمل جهازها، القرشين اللي كان سايبهم عبد الرحمن الله يرحمه قربوا يخلصوا.
نظرت لها أم هاني بشفقه انتي مش كنتى قولتيلي إن معاك فلوس تانيه لتعليم نبيل.
ردت حنان بسرعه: لا دي مصاريف تعليم ابني مقدرش أجي جمبها، دي وصية أبوه الله يرحمه وحلمه إن نبيل يكمل تعليمه. قالت أم هاني باستغراب طب ما نبيل اسم الله عليه بقى راجل ممكن يشتغل ويعلم نفسه! على العموم ياحبيبتي والله ما معايا غير السلسله دي، خدي بيعيها اهي نوايه تسند الزير.
هزت حنان رأسها بالرفض قائله: لا ياحبيبتي والله أنا كنت بفضفض بس إن شاء الله ربنا هيدبرها.
ظهرت معالم الحزن على وجه أم هاني وقالت لها إنتي بتكسفيني ياحنان دا احنا اخوات والله ما ترجع.

في هذه اللحظه دخل نبيل باكيآ، لإستماعه الحديث كاملآ أثناء عودته من الخارج وجثى على ركبتيه أمام والدته، وقبل يدها، وانخفض يقبل قدمها فنهضت حنان مسرعه وهي تجذبه لأحضانها، وشعرت بالأسى لأن ولدها سمع حديثها.
نبيل بدموع: أنا آسف ياأمي إني محستش بيك آسف، من بكره هنزل أفتح ورشة بابا الله يرحمه واشتغل فيها وفلوس تعليمي كملي جهاز منى بيها، وانا إن شاء الله هجمع غيرها، وهكمل تعليمي زي ما بابا كان بيحلم، اتفضلي ياخالتي أم هاني سلسلة حضرتك وبجد متشكر جدآ لأنك دايمآ واقفه مع والدتي، وبتحاولي تخففي عنها.
ردت أم هاني بحب: احنا جيره وأهل يانبيل خليها لما الظروف تتحسن يابني،واوعى تكون زعلت لما قلت انك تشتغل.
نبيل مسرعآ: لا طبعآ هزعل ليه؟! بالعكس انتي فتحتي عنيا عن حاجه غفلت عنها كتير، ووالله لو احتجت حاجه هطلبها منك مش هتردد، بس دلوقتي اتفضليها.

بالفعل وسط اعتراض حنان على نزوله للعمل لكنه أصر على ذلك، وهنا جاء دور الصداقه، عندما ذهب نبيل عند الورشه وجد علي ينتظره وهو يرتدي ملابس خاصه بالعمل.

نبيل باندهاش: إنت بتعمل إيه هنا يابني انت وإيه اللي انت لابسه ده؟! انت فاهم غلط أنا قلتلك إني هشتغل في الورشه مش انزل اشتغل انت.
علي ضاحكآ: مش قولتلك أموت من غيرك ياصاحبي اعتبرني الواد بليه اللي هتعلمه.
نبيل ضاحكآ، وممتنآ لصديقه: ماشي على خيرة الله وقام بفتح الورشه، وتنظيمها، وتنظيف أدوات العمل من الأتربه العالقه بها، استنزف هذا وقت ليس بقليل،
جلسوا ليستريحوا قليلآ، وينتظروا أحد الزبائن.
فاستمعوا لصوت سيارات تقف أمام الورشه؛ فنظروا لبعضهم باندهاش وفرحة.

خرجوا معآ لاستقبالهم فوجدوا العم صالح.

صالح بابتسامة : السلام عليكم ياولاد أخباركم إيه؟
نبيل وعلي: الحمد لله ازيك ياعم صالح.
نبيل: حضرتك عرفت منين إني نزلت الورشه.
صالح: كنت بطمن عليكم بالتليفون زي كل يوم، ومنى قالتلي؛ فجيت أهني وأكون أول من ينفعك، ومعايا صديق كمان عايزك تشوف التاكس بتاعه.
هتبدأ الشغل وتورينا انك ابن الأسطى عبد الرحمن بحق وحقيقي؟!

ابتسم نبيل ونظر بامتنان، وشكر لصديق والده المخلص، واحتضنه، وذهب للسيارات ومعه ظله الذي لا يفارقه علي، قام بفحص السيارات.
نبيل: بسيطه ياعمي ان شاء الله التاكسي محتاج ظبط زوايا، وتاكسي عم عوض هنظبط الفرامل، وكله يبقى تمام.
صالح بنبره مشجعه: تمام يابشمهندس ابدأ على بركة الله تحب نرجع ناخدهم إمتى؟
نبيل: لا ترجعوا إيه استنوا معايا هنا أنا مش ورايا حاجه غيرهم.
أثناء عمل نبيل في السيارات بمساعده من علي الذي أقبل بلهفه للتعلم، صدح أذان الظهر بمسجد قريب من الورشه فنهض نبيل، وترك ما بيده واستأذن لأداء الفريضه أولآ.
فهو يعلم جيدآ أنه “ما بارك الله في عمل ينهي عن الصلاة” فوقف صالح، وعوض، وعلي وذهبوا جميعآ إلى المسجد.
ثم عادوا وأنهى نبيل عمله بعد فتره، ونظر لإنجازه بسعاده.
نبيل بفرحة: اتفضل ياعمي جرب العربيات.

أدار كلآ من صالح، وعوض السيارات وأثنوا على عمل نبيل كثيرآ، وقاموا بدفع مبلغ مقابل لهذا العمل رغم اعتراض نبيل قائلآ: أبدآ ياعمي أرجوك مش هينفع أنا مش ناسي وقفتك معايا، وانت معطل نفسك أيام امتحاناتي توديني، وتروحني بالتاكسي من غير أي مقابل.
صالح بحزن: كده يانبيل بتعتبر دي كانت جميله؛ دا انت عارف إن ربنا مارزقنيش بالأولاد، وبعتبرك انت وأختك ولادي، دا غير إن والدك الله يرحمه كان أخ ليا، وياما وقف جمبي.
رد نبيل سريعآ: لا والله ياعمي أنا أسف، مقصدش أزعلك صدقني معزتك عندي زي والدي ربنا يرحمه.
صالح: يبقى تاخد الفلوس دي واعتبرها ياسيدي تقدير، وتشجيع لتعبك.
نبيل بسعاده: ماشي ياعمي متشكر.
صالح وعوض : السلام عليكم ياولاد.
رد نبيل وعلي: وعليكم السلام في رعاية الله.
نظر نبيل لعلي وقال له: شوف ياصاحبي احنا هنبقى شركاء في الورشه هنا.
علي بتعجب: شركا إزاي يعني الورشه بتاعتك انت، أبقى شريك ازاي يعني؟!
نبيل: بالمجهود طبعآ.
علي: ياعم خليها على الله ولا شريك ولا حاجه، ممكن راتب عادي زي أي حد لو انت مصر على كده يعني.
نبيل: طيب احنا نمسك العصايا من النص انت هتتعب معايا في الورشه هنا لما ربنا يرزقنا، وانا حابب تحس انها ورشتك زي ماهى ورشتي؛ فالأرباح هتتقسم بينا انت الثلث وانا الثلثين تمام ياصاحبي؟
وقف علي ووضع كفه بجانب رأسه وقال ممازحآ: تماااام يافندم.
ومن هنا بدأت مرحله جديده في حياة نبيل وصديقه؛ فقد اشتهر نبيل بعمله الجيد، وتميز بيقظة ضميره، فهناك في هذه المهنه بعض معدومي الضمير الذين يتهاونون في عملهم، كي تتعطل السيارات سريعآ فيعاودون إصلاحها مرة أرى، وهناك من يستعمل قطع بديله عن الأصليه بأسعار مرتفعه. كل هذا يمكن أن يربح نقود أكثر لكن بالغش. وكان نبيل يعلم جيدآ قول رسول الله” صلى الله عليه وسلم”
(من غشنا فليس منا)
صدق رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه.

لذلك أقبل الكثير ممن يمتلكون السيارات على ورشة نبيل، وعلي لصيانة ، وإصلاح سياراتهم.
بعد مرور ثلاث شهور بدأت الدراسه الجامعيه واتفق نبيل، وصديقه على تقسيم أيام الدراسه بينهم.

علي: هنقسمها ازاي يابلبل.
نبيل: بص ياسيدي أنا هروح يوم وانت يوم وننقل من بعض المحاضرات، وانا قررت أستعين بواحد أو اتنين من الشباب الدايخين على شغل، يراعوا الورشه لو مضطرين نحضر محاضرة ضروريه مع بعض.
علي ممازحآ: والله تفكير سليم يابلبل، مش عارف انت مصاحبني على إيه.
نبيل ضاحكآ: علشان انت أجدع صاحب في الدنيا.

كان نبيل في الجامعه، وذهب إلى كافتيريا الكلية لينتظر موعد المحاضره التاليه، وكان يجلس بالمقربه من فتاتان يتحدثان بصوت مرتفع نسبيآ؛ فاستمع لحديثهما دون قصد منه.
فتاة تتحدث بانفعال: ياهند اللي بتعمليه دا غلط كبير، هتجرحي نفسك بإيدك.
هند ببرود: ليه يعني ياشاهي ياحبيبتي الدنيا اتغيرت، وأفكارك دي بقيت دقه قديمه.
شاهندا بغيظ: دقه قديمه! يعني تكلمي واحد على الفيس بوك، وتوريله صورك، ومصدقه انه بيحبك دا هو الطبيعي؟!
هند بنفس البرود: شور ياشاهي هو بيحبني وكمان بعتلي صورته، وقريب هنتخطب.
شاهندا بفقدان أمل: أنا تعبت من الكلام في الموضوع ده، بس لأنك صديقتي وتهمني مصلحتك هقولك لأخر مرة: مفيش حاجه اسمها أثق في واحد لا شوفته، ولا أعرف أخلاقه صادق، ولا كذاب، أرجوكي فوقي لنفسك قبل فوات الأوان.
هند لتغير مسار الحديث قالت بصوت منخفض: شوفي ياشاهي اللي قاعد قريب ده شاهي: أيوه ماله يعني.
هند: ده نبيل عبد الرحمن الأول على دفعة السنه اللي فاتت كنتي بتسألي عنه.
شاهي بلهفه: بجد طب عن إزنك ثواني وراجعه.

 

error: