((مُغرَم بك))ِ (صَغِیرة ولَکِن..القيادي)
مُغـرَم بـكِ
ــــــــــــــــــ
بدعةٍ جمة لف مقبض الباب ليولج غرفة أطفاله بعدما عاد من عمله ليقتله شوقه في إشباع روحه المتعطشة لرؤيتهم، خطا أيهم بقدمه للداخل ببطءٍ وعينيه تتجول على محتواياتها، ليست غرفة عادية فهي واسعة للغاية حيث فتح غرفة مجاورة عليها لتحوي جميع ألعابهم الخاصة، مرر أنظاره عليها ويعلو ثغره ابتسامة ضعيفة وبداخلها حملت معها بعض الألم، تنهد بأسى وهو يتعمق للداخل حتى انتصف الغرفة متأملاً ما حوله ورائحتهم عابرة في المكان من حوله، ردد باشتياق:
– وحشتوني قوي، معقول اسبوعين ماشفكوش!
ثم عاد بفكره للوراء حين تذكر تصميم رسيل على الإنجاب ثانيًا، لم يمانع ولكنه أجّل الفكرة لوقتٍ لاحق، لكن رغبتها في ذلك جعلتها تنفض حديثه وتتجاهله، أغمض عينيه متنهدًا بقوة فسبب هيمنته تلك هو حُبه الطاغي لها، لم تدرك الحمقاء بأن حملها يُبعدها عنه، توقه وهيامه بها جعله غير متمنيٍ بأن تعاود الإنجاب، ادرك مؤخرًا بأنه تسرع في اعلان ضيقه فلها ما تريد، فتح عينيه ليقول باصرارٍ:
– مش معقول يفضلوا بعيد عني أكتر من كده، لازم أرجعهم، دول ولادي ومش ممكن أخلي حد يهتم بيهم غيري
ثم حسم أمره بالسفر للقرية لإحضارهم، لن يعود بمفرده حتى يأتي بهم، يعلم بأنها سترفض لكنها لن تقبل ابتعادها عنهم، وبالتأكيد ستعود هي الأخرى، نظر أيهم أمامه بثقة فلن يقف أمامه أحد كعادته، قال مخاطبًا نفسه باستنكار:
– هترفض ترجع ليه، ما أنا هوافق تجيب اللي هي عاوزاه، بس يا رب يطلع ولد علشان تبطل خالص عنادها ده
ثم تحرك نحو الخارج متوجهًا لغرفته ومتهيئًا لتبديل ثيابه وتجهيز نفسه في السفر اليوم ……!!
__________________________
التفتت برأسها مصادفةً لتقع عيناه عليه وهو يدخل الشقة بعدما عاد من عمله عند خاله، نهضت مريم لتقابله بوجهها المُشرق وابتسامتها المحبوبة، تقدم زين منها مبتسمًا بإشراق لرؤيتها، احنى جزعه قليلاً ليمسك بيدها يُقبّلها قائلاً:
– مساء الخير يا ماما
مسحت مريم على رأسه بحنوٍ ليعتدل هو ناظرًا إليها، ردت بنبرة هادئة:
– مساء الخير يا قلب ماما
نظر زين من حوله متسائلاً:
– هو بابا رجع ولا لسه؟
فتحت شفتيها لترد لكن حسام بداخل الصالون سبقها بالرد مجيبًا:
– أيوة جيت تعالى عاوزك يا زين!
ابتسم زين حين استمع إليه ثم خاطب والدته بتكليفٍ ممتزج بأدبه:
– لو سمحتي يا ماما أنا جعان، حضّري الغدا علشان هنام شوية وبعدين خارج
هتفت مريم بتعطفٍ:
– حبيبي الغدا جاهز وعلى ما تغيّر يكون اتحط
ابتسم لها ثم تحرك لغرفة الصالون الجالس فيها والده أمام التلفاز يشاهد مباراة لفريقه الخاص، دنا زين منه ثم جلس بجواره قائلاً:
– مساء الخير يا بابا!
اهتم حسام بالحديث مع ابنه تاركًا المباراة جانبًا، رد بحضور ذهن:
– مساء الخير يا زين، مالك يا حبيبي حاسس إنك من وقت ما بدأت تشتغل عند خالك الحمل زاد عليك، خليها بعد ما تخلّص جامعتك وهي هانت خلاص دا إنت بقيلك سنة
رد زين برضى:
– لأ يا بابا بالعكس الشغل مع خالي كويس جدًا وفادني في حاجات كتير، وكمان تدريب ليا
رد حسام باستنكار:
– طيب ما إنت وآيان في نفس الجامعة، ليه بقى مش بيروح معاك الشركة وأهي بتاعتة أبوه
ابتسم زين بسخرية قائلاً بتنهيدة تحمل الكثير:
– آيان دا مدّلع خالص، وبيحب يسهر ويسافر، أنا مش زيه يا بابا
ابتسم حسام قائلاً بمدح:
– ابني العاقل، ربنا يحميك، أنا بس كنت حابب اطمن عليك!
رد زين بمعنى معربًا عن قناعته:
– الحمد لله، أنا هروح بقى أغيّر هدومي واتغدى وبعدين ارتاح شوية علشان لسه ورايا سهرة زين عاملها ومُصمم أروح
ربت حسام على كتفه وهو يردد متفهمًا:
– ربنا يعينك يا حبيبي، يلا روح مش عاوز أعطّلك……!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بنفس الشقة داخل غرفتها جلست تفكر على مكتبها وهي تخبط بقلمها على سطحه بحركةٍ متعصبة أبانت من هيئتها ضيقها، أخيرًا اعتزمت لين مهاتفة عمتها وإخبارها بما يفعله نجلها بداخل العوامة، رغم عدم تأكدها لكنها شكت في معرفة بفتيات، امسكت الهاتف الخاص بها ثم شرعت في ضغط ارقامها، انتظرت لين جوابها وهي تتوعد له ولتلك البلهاء “لما”، ردت زوجة خالها نور فهتفت لين فورًا بمحبةٍ واجبة:
– طنط نور مساء الخير عاملة أيه؟
ردت نور بهدوء وهي تراقب ابنها الذي يكتب واجبه المنزلي:
– بخير يا حبيبتي، إنتوا اللي عاملين أيه؟
ردت باقتضاب:
– الحمد لله
تابعت بتوتر وهي تتهيأ لتفجير ما بداخلها:
– كنت عاوزة أقولك على حاجة بخصوص زين!
ردت نور باهتمام:
– قولي يا حبيبتي
هتفت لين بحنقٍ مكبوت:
– طبعًا حضرتك عارفة إن زين بيسهر في العوامة وبيعمل حفلات، بس اللي متعرفيهوش إنه كمان بيقابل بنات
نزل على نور الخبر كالصاعقة، لا إراديًا مر امام عينيها شريط ما حدث معها وما كان يفعله زين هو الآخر لتنصدم من ذلك، عادت نور لوعيها لتسألها بجمود:
– يعني إزاي بيعرف بنات، صداقات يعني ولا حاجة تانية؟
كان سؤالها به تلميح ادركته لين التي ردت بجهل:
– أنا معرفش بيعمل أيه، بس اللي أعرفه إنه بيصاحب بنات وبيجبهم العوامة في سهراته
دق قلب نور بشدة وهي تُصغي لها، هي أجادت في تربيته ولكن كيف له أن يفعل ذلك؟، ربما دلاله الزائد هو السبب، ترقبت لين ردة فعل زوجة خالها، ردت نور لتنهي الحديث:
– طيب يا لين أنا هشوف الموضوع ده وهعرف بنفسي بيعمل أيه في العوامة؟
ردت لين باحترامٍ مصطنع:
– ميرسي يا طنط نور، يا ريت تخليه يبعد عن البنات دول
رد نور بإيجاز:
– إن شاء الله
ثم اغلقت نور الهاتف وهي تحدق في نقطة ما، قالت بصوتٍ خفيض:
– معقول آيان اللي أنا مربياه يعمل كده!
صمتت نور لترفض تصديق ذلك، بررت له متابعة:
– هي أكيد فاهمة غلط، أيوة آيان ابني متربي وميعملش كده!
أخرجها من حديثها مع نفسها ابنها عُمر ذي السبعة أعوام وهو يقول رافعًا كراسة واجبه المنزلي:
– شوفي يا مامي أنا حليت كويس؟
انتبهت له نور لتقصي تفكيرها جانبًا، زيفت ابتسامة له قائلة باهتمام لابد منه رغم إنشغال فكرها وهي تنظر لما أنجزه:
– شاطر يا عُمر، برافو عليك ……!!
__________________________
في قـرية رسيــل ……
مسحت على شعرها بهدوء وهي تتأمل بهتان تعابيرها بحسرة، هي تعرفها جيدًا وليست ممن يغضبون الله، لكن إلى الآن لم تجد تفسيرًا لما حدث معه، أو لما فعلت ذلك؟، زيفت سميرة ابتسامة بصعوبة لتهون علیها، سألتها بعدها بترددٍ جم:
– حصل إزاي ده يا رسيل، معقول تركبي الحصان وإنتي حامل؟
سؤالها الأخير لمحت رسيل في نبرته ارتياب عمتها بأنها افتعلت ذلك عمدًا لتتخلص من جنينها، هزت رسيل رأسها لتنفي تفكيرها في ذلك قائلة بدفاع عن نفسها:
– عمتي إنتي فاكرة قاصدة أركب الحصان علشان اجهض نفسي!
لم ترد سميرة فهذا ما يدور في رأسها بالأكيد ولن تستطع تغييره، لم تتحمل رسيل نظرات الشك في عينيها أو صموتها هذا لتهدر باستنكار:
– عمتي أنا مقصدتش أنزله، دا ابني وحرام أعمل كده
خرجت سميرة عن صمتها لترد بحيرة وقد انفعلت:
– طيب تسمي بأيه ركوبك الحصان وإنتي حامل، مش عارفة إن ده غلط!
نظرت لها رسيل بلسانٍ معقود لبُرهة من الزمن فهي مُحقة، ردت بتبرير بينت فيه عدم تعمدها ذلك:
– لا يا عمتي، كل الحكاية إني من زهقي وزعلي قولت أخرج شوية، صدقيني حتى مفكرتش في حملي، معرفش مخي كان فين وأنا بافكر آخد الحصان وأجري بيه
توقفت رسيل عن الحديث لتدخل في بكاء صامت وهي تدفن وجهها بين راحتيها مما جعل قلب سميرة يحن عليها، ربتت على ظهرها قائلة بمواساة وهي تضمها إليها:
– خلاص يا رسيل، قدر الله وما شاء فعل وقولي الحمد لله، المهم متكونيش إنتي قاصدة تعملي كده علشان حرام!
بأناملها ازاحت رسيل دموعها، ردت بألمٍ:
– لأ مش قاصدي، كنت زعلانة من أيهم قوي ومكنتش بافكر في حاجة، أنا مش عارفة زعلانة إن ابني راح مني أو لأ، هو مش عاوزوه وحتى مسألش، ضيع كل حاجة بينا لما عرف إني عملت كده من وراه
حزنت سميرة لحزنها وهي تبكي هكذا مرددة بتعقل:
– قولتلك يا رسيل بلاش أولاد وكفاية كده، الراجل بيكون عاوز مراته جمبه وفاضية ليه، بس إنتي اللي مصممة تجيبي تاني، حتى مش تستني شوية على ما تخلصي جامعتك وتروقي كده
ردت رسيل محاولة الكف عن البكاء:
– مش عارفة بس حسيت إن رفضه ضايقني، كان قالي موافق بس مش دلوقت وبعدين غيّر رأيه وقال بلاش
تنهدت سميرة لتقول بعدم رضى:
– خلاص إنسي يا رسيل ومتزعليش، وكمان أيهم غلط إنه سابك كده كل ده من غير ما يسأل، مفكر بإنه يصرف على ولاده وكل شوية يبعتلهم حاجات إنه كده بيسأل!
ابتسمت رسيل بتهكم ووجع، تابعت سميرة بوعي:
– شدي حيلك ولادك عاوزين مامتهم، غيرك بيتمنى ولادك دول
ابتعدت رسيل عنها لتتذكر أمر ابناءها، هزت رأسها بتفهم قائلة محاولة رسم القوة:
– أيوة ولادي أنا نسيتهم خالص، لازم أهتم بيهم
ابتسمت سميرة لها كنوعٍ من الإعجاب وهي تمسح على ظهرها، سألت بعدها بتلجلجٍ:
– طيب هترجعي لأيهم ولا هتعملي أيه؟!…….
__________________________
في الاسكنــدرية ….
دلف من مكتبه ليجد ابنه يهبط الدرج مرتديًا لثياب خروج أنيقة عبارة عن حلة سوداء اسفلها قميص أبيض دون ربطة عنق، تأمله زين باعجاب من رأسه لأخمص قدميه قائلاً:
– أيه الجمال دا كله، دا إنت غلبتني!
ضحك آيان بخوف وهو يقف أمامه بطوله الذي تخطى والده قائلاً:
– إنت الخير والبركة يا بابا، هاطلع حلو لمين ما هو ليك
ابتسم زين ليساله بمعنى:
– رايح العوامة؟
رد بتأكيد:
– عامل حفلة مع أصحابي وكمان زين هيبقى موجود، وقولت نسهر فيها براحتنا بدل الأماكن التانية ودوشتها
اغتبط زين من ذلك قائلاً:
– طيب خلي بالك من نفسك، وزي ما قولتلك تسهر براحتك بس في حدود، اوعى يا آيان أشوفك بتشرب في يوم ولا تعمل حاجة وحشة، أنا سايبك براحتك ومش باجبرك حتى تشتغل معايا
نفى آيان بجدية ونظرات واثقة:
– عيب يا بابا أنا مش كده خالص، وكمان الشُغل بعد الدراسة، هو يعني هيروح فين؟!
ابتسم له زين مدركًا ذلك فتابع آيان وهو ينظر لساعة يده:
– طيب يا بابا همشي أنا علشان متأخرش، لازم أكون موجود قبلهم
هتف زين بتفهم:
– روح يا حبيبي
ابتسم له آيان ثم تحرك نحو الخارج ونظرات والده معه تتأمله بمحبة، استدار زين ليُكمل طريقه نحو الأعلى نحو غرفته ليرى زوجته ……!!
__________________________
لم تتردد “لما” في الذهاب بل أخبرت والدتها لتوافق على تلك السهرة، كما توسلت لزوجها السید کارم هي ومايا ليرضى وبالأخير رحّب بذلك فور علمه بصاحبها، ابتاعت ثيابًا أنيقة هي ومايا وزينة التي عارضت الحضور ولكن ألحّت عليها الفتيات فوافقت، لم تتكلف زينة في ارتداء كل ما هو ملفت وباهظ فهي عادات تربت عليها، تدرك بأنها سهرة لابن اغنياء الأسكندرية وبالطبع مُتكلفة الكثير من الأموال، لكن لم تهتم!..
في غرفة “لما” جلسن الفتيات ينتظرن انتهاءها الذي طال، وضعت بعض المساحيق التي جعلت الفتيات يحدقن بها بانبهار، زاد جمالها كثيرًا فهي ليست بصغيرة كالسابق، التفتت لهن بعدما انتهت ورضت عن حالها قائلة بثقة:
– حلوة مش كده؟!
لم تعلق مايا عليها بل نظرت لها بأنها لا تهتم فهي تفعل ذلك من أجل آيان، فهل تغار منها؟، بعكس زينة مدحتها قائلة بعدم راحة بعدها:
– حلوة قوي بس يلا ننجز علشان نيجي بدري، أنا مقولتش لحد من أهلي علشان عارفة إنهم هيرفضوا خروجي وسهري ده
تأففت مايا قائلة بتهكم:
– أيه يا بنتي ما بابا وافق وطنط إيمان، وبعدين بابا عارف آيان ابن مين، يعني فكيها كده وإنتي معقدة
لم تبالي زينة بحديثها لتظل محتفظة بمبدأها، اقتربت “لما” منهن قائلة لتفُض هذا الحديث الغير مُجدي:
– لسه هنقعد نتكلم، يلا بقى علشان هنتأخر، عاوزين نسهر كتير هناك
نهضن الفتيات ثم تحركن ثلاثتهن نحو الخارج وهن يتهامسن ببعض الاحاديث، هبطن الدرج ومن بعد ذلك دلفن من الفيلا للحديقة، وجدن السيد كارم والسيدة إيمان يتسامران وهما يرتشفان القهوة، هتفت “لما” من بعيدٍ:
– هنمشي إحنا بقى!
انتبها لها فهز كارم رأسه ليوافق قائلاً:
– السواق مستنيكوا، بس متتأخروش!
امتثلن لطلبه ثم تحركن للمغادرة وايمان تتابعهن بنظرات مترقبة، عاودت النظر لكارم قائلة بعدم رضى:
– مكنش ليه لزوم السهر ده، دول بنات وعيب يخرجوا كده
تفهم عليها كارم فرد معللاً:
– على فكرة انا موصي السواق عينه تبقى عليهم ولو فيه حاجة يكلمني، وكمان أنا عارف أبو الولد ده كويس، زين السمري معروف في اسكندرية
على مضصٍ قالت ايمان مُسلّمة أمرها:
– ربنا يحميهم، أنا أصلاً ضد الإختلاط بين الولاد والبنات، أخرته مش حلوة…….!!
__________________________
تقدم لداخل الغرفة ليجدها تدرس لابنهما الصغير فانتبهت له نور وسرعان ما زيّفت ابتسامة، دنا زين منهما مخاطبًا ابنه:
– حبيب بابا صاحي لدلوقتي ليه؟
نظر له عُمر مجيبًا بنبرته الطفولية الراقية:
– عندي واجب يا بابا ومامي بتساعدني
ابتسم له زين بحب ثم جلس على الفراش بجوارهما ناظرًا لنور، خاطبها بتلميحٍ ونظرات تحدثت عما بداخلها:
– مش يلا تخلصيله علشان ينام، الوقت اتأخر ورحمة نامت من زمان
ابتسمت نور متناسية ما كانت تفكر به، ردت متخذة في اعتبارها وجود الصبي:
– شوية كده هيخلّص وهينام، سيبه براحته علشان ميرخمش علينا
ضحك زين بخفوت مستفهمًا:
– ماريان وصلت، كلمتيها؟
ردت هازة رأسها بتأكيد:
– أيوة ريان كان كلمها ومرة واحدة حبت تروحله، مش عارفة فيه أيه، بس اللي فهمته إنها مبقتش تقدر على بُعده
قالتها بمغزى جعله يبتسم قائلاً:
– سيبيها يا نور براحتها، خليها على رأيك تعيش سِنها وتفرح
سألته بتردد:
– هو آيان خرج يسهر في العوامة؟
رد مؤكدًا:
– أيوة خرج، اللي مطمني وجود زين، عاقل وبيحب آيان قوي ودايمًا بينصحه لو عمل حاجة غلط
تنهدت نور براحة بعض الشيء قائلة:
– ربنا يهديه!
وجه زين بصره لابنه قائلاً وهو يتأمل ما يكتبه:
– برافو يا عُمر خطّك اتحسّن قوي عن الأول
رد الصبي ببراءةٍ وفطنة:
– أنا شاطر يا بابي وبذاكر مع مامي، نام إنت علشان هنتأخر
رمقه زين بنظرة مذهولة فضحكت نور بأعلى صوتها، وجه زين بصره لها قائلاً بضيقٍ مصطنع:
– عاجبك كلامه، الواد هيمشيني على مزاجه
ثم عاود النظر إليه آمرًا إياه:
– يلا خلّص علشان تنام اختك نامت من بدري، وعلشان عاوز أقول لماما كلمتين مهمين
تأفف الولد بطريقة ادهشتهم، تابع زين بتهكم:
– مش عاجبك كلامي ولا أيه؟
لم يرُد الطفل ليظل يكتب وهو عابس، قالت نور له بهوادة:
– زين سيبُه براحته، ومتخافش أنا سهرانة
ثم غمزت له فقال باستسلام وهو يحدق في ابنه بغيظ:
– أمري لله، مضطر استنى الباشا يخلص……!!
__________________________
وصل للقرية بعد وقتٍ ثم توجه ليرى ابناءه دون أن يرتاح من عناء السفر، ولج للفيلا بهيبته المعتادة غير مكترثٍ لأي شخص من أصحابها فقد اشتاق لرؤية صغاره، قُرابة الأسبوعين ولم يرى أيًا منهم وأيضًا لم يستمع لصوتهم، وكذلك هي التي تعمدت البُعد عنه بسبب رغبته التي لم تبالي بها، قابلته سميرة حين رأته من الأعلى لتمنعه من رؤيتها حتی لا یشتد مرضها وتأديبًا له لعدم سؤاله الفترة الماضية فقد أغاظها، فهو سبب وضعها الحزين هذا التي وصلت إليه، وقفت أمامه بشموخٍ مرددة بحنقٍ شعر به:
– جاي ليه؟
التوى ثغره بابتسامة ساخرة لما تفوهت به، فكل ما يخصه هنا، زوجته وابناءه الخمسة، رد أيهم بصلابة:
– جاي علشان ولادي!
ردت بنبرة متهكمة وهي تكتف ذراعيها مفطنة سبب مجيئه:
– الولاد مع خالهم عمرو، خادهم يفسحهم مع ولاده، إتفضل روح سرايتك ولما يرجعوا هبعتهملك تشوفهم، دا لو كنت جاي علشانهم زي ما بتقول
قالت جملتها الأخيرة بنظراتٍ قاتمة جعلته يرتبك داخليًا، نظر لها أيهم راسمًا نفس جموده، تسائل عنها طالما فضحته عيناه:
– رسيل فين؟
اتسعت ابتسامة سميرة المستهزئة وهي ترد بنبرة قوية:
– ملكش دعوة بيها، رسيل مش عاوزة تشوفك
اضطرم ضيقه ليهتف بتبرمٍ حانق:
– يعني أيه؟، كان حصل أيه لكل ده!
اكتسح الضيق طلعتها ككل، ردت بغضبٍ وقد إشتدت نظراتها الضروسة عليه:
– فيه إنك عاوز تحرمها تجيب ولاد تاني وهي في سنها الصغير ده، كسرت قلبها لما قالتلك إنها حامل، مفكرتش تسأل عنها لما سابتك ولا تتفاهم معاها، ودلوقتي خلاص بقى مبقاش فيه حاجة تضايقك، إفرح سیادتك!
لم يعي مقصدها من كلماتها الأخيرة تلك، بينما حاولت سميرة بقدر الإمكان عدم إلقاء اللوم على رسيل محفزة من موقفها وألا تعطيه الفرصة في تحميلها الذنب، استفهم أيهم محركًا رأسه بعدم فهمٍ:
– تقصدي أيه بكلامك ده؟!
ردت باحتدامٍ أبان ثورة هياجها الداخلي من اهماله لهم:
– يعني رسيل مش هتجيب حاجة، علشان نزل، وكمان خلاص مش إنت بتصرِف على ولادك وقادر على بُعدهم، يبقى خلاص بقى إتفضل من غير مطرود، وجودك ملوش لازمة معانا
هدرت بذلك وهي تشير ناحية باب الفيلا فقد فاض بها الکیل من عدم مبالاته أو ندمه، بينما أجفل أيهم في حديثها وهو يتطلع عليها بعدم تصديق، رغم أنها رغبته من البداية بعدم حملها ثانيةً لكنه شعر بغصة في حلقه ووخزة في قلبه، في حین نظرت له سميرة بشراسة رغم هدوءها وهي تراه صلبًا هكذا، لم يرتضي أيهم كل ذلك ليهتف بإصرار:
– بس أنا مش همشي من هنا غير وهي معايا
ردت بنفيٍ قطعي:
– وأنا بقى مش هخليك تشوفها
عنادته سميرة وهي تنظر إليه بتحدٍ، لم يُبالي أيهم كعادته بها وضرب بكلماتها عرض الحائط، وذلك حين تحرك ليمرق من جوارها متجاهلاً إياها ومتأهبًا للصعود للأعلى، انتبهت له سميرة سريعًا ثم تجرأت لتمسك بذراعه لتمنعه هادرة:
– استنى عندك
دفعها أيهم عنه لكن بحذر احترامًا لها ثم قال بتصميمٍ وهو يخطو بقدميه للصعود:
– هشوفها يعني هشوفها ……!!
__________________________
ترجلن الفتيات أمام العوامة وهن يحدقن بها بانبهار، مررن أنظارهن عليها ليمدحن رقيها في نفوسهن، لمحهن آيان فابتسم ثم تحرك ليقابلهن بترحيبٍ حار وهن يصعدن العوامة، هتف بتهللٍ وببسمةٍ جذابة:
– نورتوني في عوامتي المتواضعة!
اقتربت منه “لما” اولاً قائلة ببسمةٍ رقيقة:
– متواضعة أيه، مكنتش أعرف إنها بالجمال ده
سألها بمغزى:
– عجبتك؟
– تجنن
ردت بكلمة واحدة عبّرت عن روعتها، وجه آيان أنظاره للفتيات قائلاً:
– اتفضلوا جوه علشان تاخدوا راحتكم، كل أصحابنا وصلوا
ثم انتبه لزينة وبدت نظراته نحوها غير مفسّرة، لاح ما شعر به حين خاطبها بعدم قبولٍ وهو يمرر أنظاره عليها:
– أيه اللبس ده؟!
نظرت له زينة مستنكرة:
– لبسي مش عاجبك ولا أيه، وبعدين مالك وماله!
بدت زينة غاضبة فرد آيان بنظراتٍ ازعجتها:
– إنتي حُرة براحتك، بس اللبس ده مبيعجبنيش
يتابعن الفتيات الحوار المشحون بينهما بقلقٍ من ردة فعل زينة، بينما خاطبته زينة بانفعال:
– ما هو أنا اللي غلطانة إني جيت هنا اساسًا
ثم التفتت لترحل ولكن منعتها “لما” متوسلة وهي تمسك بها:
– زينة استني آيان مش يقصد يضايقك
ثم نظرت لآيان قائلة بعدم رضى:
– فيه أيه يا آيان، لو مضايقك وجود زينة نمشي
رد بنبرة غير ممانعة:
– لا مش مضايقني اومال عزمتكوا إزاي، كل الحكاية باقول رأيي
نظرت له زينة قائلة بتضايق:
– وأنا بقى عاجبني شكلي، مش مستنية رأيك
كبح آيان حنقه من طريقتها في التحدُث معه، بصعوبةٍ جمة مر الأمر قائلاً بابتسامة مزيفة:
– اتفضلوا جوه، وآسف مش هضايقك تاني يا آنسة
تأففت زينة فنظرت لها “لما” ومايا بمعنى أن تمرق ما حدث على خير، على مضصٍ تحركت معهن للداخل وسط نظرات آيان المزعوجة، بغتةً انتفض منتبهًا من وضع أحدهم يده على كتفه، التفت له فوجده زين ويبتسم، سأله باندهاش وهو يتأمل طلعته المکشرة:
– مالك واقف كده ليه، وشكلك زي ما يكون متضايق؟!
رد آيان ملتزمًا كتمان امتعاضه قائلاً:
– يلا تعالى ندخل أحسن، وربنا يعدي الليلة على خير علشان باين اتعصبت ……………………..
________________________
__________________
____________