انتحار تحت التهديد

الفصل السادس

تلعثم نصر وتصبب العرق من جبهته وكأنه يخوض حرب شديدة الخطورة وقال بارتباك : مفيش غير اللي قولته لحضرتك ..!!

صاحت ديما بلهفة وهي تنظر لقصي : بعد اذنك يافندم .. لحظه واحده
.. نصر انتو محاولتوش تعرفو مين بيهددكو .. جايز حد كنت تعرفوه من زمان
مثلا .. او اذيتوه وحب ينتقم ..!؟!

صعد صدره وهبط بسرعة وعلت دقات قلبه وقال بخفوت : لا .. محدش يعرف حاجه ولا حتي الشله بتاعت زمان .. لان ..!!!

جلست ديما امامه وقالت بصوت هامس : لان اييييه .. اتكلم يانصر قصي بيه زعله وحش اوي وانا بحاول اساعدك .. ثق فيا ومتقلقش اتكلم ..!!

اغمض عينيه بتوتر وقال : لان اللي يعرفه عننا دا ميعرفوش غيرنا
احنا التلاته بس .. ومحدش غيرنا يعرف سرنا ابدا .. احنا اتفاجئنا برسايله
وصوره وتسجيلاته كانه شيطان كان معانا وقت كل حاجه قذره كنا بنعملها …!

وضعت ديما ساق علي ساق واعتدلت في جلستها وقالت بثقة : ايوووووه ايه هي بقا الحاجات القذرة دي ؟؟!!

ابتلع ريقه باحراج وقال بصوت خفيض : مش هينفع اقول  ..!!

صاح قصي بتوعد : تماااام احنا هنخليه ينفع ..!!

صرخ نصر بترجي : خلاص خلاص هتكلم بس متعملش فيا حاجه ارجوك ..!

بدأ نصر في سرد الاحداث القذرة التي كانت تحدث بذلك المنزل ..
أشياء يشيب لهولها الولدان .. اغتصاب وخطف البنات والشذوذ بينهم ومواد
مخدرة مختلفة التأثير والمصدر .. التشهير ببنات بريئات لإخضاعهن علي الرضوخ
لكل مطالبهم ذلك المنزل كان حقا مكان الشيطان المفضل ..!!

شعرت ديما بالتقزز وانقلبت معدتها اثر سماع تلك الأشياء العفنة وغضب قصي منه كثيرا وكاد ان يضربه لولا ان هدئه احمد ..!!

هتف احمد بتساؤل : انا لفت نظري حاجه .. انت بتقول هددكو كلكو .. انت منتحرتش ليه زيهم ..؟!

اجابه نصر بخوف : احنا كلنا مكناش هننتحر ولا هنسمع كلامه احنا كنا بنرتب عشان نطلع بره مصر ونقعد فتره لحد ما الشئ دا ينسانا

كنا مقررين اننا هنلاعبه ونندمه علي اليوم اللي اتولد فيه .. كنا هنجيب خبير في الهكر ونعرف مكانه ونوصله ..!!

هتفت ديما بتعجب : الكلام مش منطقي ايه اللي يخليهم ينتحرو وانت لا .. في حاجه غامضه ومش واضحه .. اتكلم بوضوح اكتر من كدا ..!!

اجابها بغضب قليل : ارحموني بقا كفايه اللي انا فيه حرام عليكو ..!!

صاح قصي بغضب : عسكررري .. تعالي خد المتهم ارميه في الحجز .!

صرخ نصر بهستيريا : لا حجز لا انا مش متهم هقول هتكلم ..!!

اعتدل قصي في جلسته وقال بهدوء : ايوه كدا اتظبط وتعالي دوغري ..!

قال نصر وهو يبكي بصوت مرتفع : انا مكنتش اعرف اللي عملوه في
نفسهم دا .. في الليله اللي قبل اللي فاتت كلمني زياد وقالي انه رايح علي
بيت ابوه اللي هنا ف البلد دا وقالي ان لؤي هيحصله وانت حضر المصلحه
وتعالالنا .. انا قولتله اني مش هقدر اروحله بكره خليها بعد بكره .. وجيت
لقيتهم بالمنظر دا ..!

قال قصي بترقب : ايه هي المصلحه اللي كان يقصدها ..!!؟؟

قرض نصر اظافره باضطراب ولم تسعفه الكلمات فتلألأت بفمه لكن
عندما نظر قصي اليه بحدة ارتعب فنطق بسرعة كأنه يحفظ نصا ويلقيه بالترتيب :
هرويين و بيره وكمان …!!

ضيق قصي حدقتي عينه وقال بحزم : كمل كمان ايييييه ..!!؟؟

سعل بشدة فأعطاه قصي كوبا من الماء بعد ان شربه أجاب علي سؤاله :
كان في بنت في الجامعه الحكوميه شافها لؤي ودخلت دماغه لما كريم صاحبنا
اللي كان ف شلتنا قبل ما ابوه ينقله حكومي قاله عليها انها قطر بتدوس الكل
ميهماش غني ولا فقير ومفيش ولد عارف يوصلها ولا يكلمها كلمتين علي بعض ..
المهم من ساعتها ولؤي حاططها في دماغه وحاول معاها كتير بكل الطرق الممكنة
واللي مش ممكنه ومكانش في اي استجابة منها فعمل رهان بيني وبين زياد وكريم
اللي هيجيبهاله لحد عنده هياخد 100 الف جنيه طبعا المبلغ مش كبير بس احنا
التحدي خلانا بناكل في بعض لحد ما انا عرفت ازاي اوقعها صورتها كذا صوره
وهي مش واخده بالها وطبعتهم كروت طبعا عدلتهم فوتوشوب خليتهم اقل حاجه
تتقال عنهم انهم صور قذره وزباله وهددتها انها لو منفذتش طلبي وجت معايا
هوزع الصور دي في الجامعه كلها وقبل الجامعه كل عيلتها طبعا البنت خافت
وفضلت تترجي فيا كتير جدا وانا مكنتش شايف غير هدفي وانهم يقولو عليا بطل
الشله وبس لما لقيتها ضعيفه كدا هددتها اكتر وذليتها اكتر لحد ما خلاص يوم
ما جيت ولقيتهم كدا كانت هي معايا .. كنت طول الطريق بسمعها بتعيط وتقول
يارب ماليش غيرك نجيني منهم كنت بضحك عليها وبقولها كراماتك ياست الشيخه
اول ما وصلت نزلت من العربيه وقفلت عليها من بره ولحد دلوقتي هي قاعده لسه
في العربيه ..!!!

نظرت له ديما باشمئزاز وقالت : حقير ..!

امر قصي بعض العناصر بالذهاب الي الفتاة واطلاق سراحها وايصالها لباب منزلها بعد اخذ اقوالها..!!

بعد ان فرغ المكتب من الأشخاص الا من احمد وقصي وديما هتف احمد قائلا : انا هقوم اعمل شاي اعملكو معايا ..؟!

صاحت ديما بلهفة : اه ياريت بجد تعملي معاك كوبايه

..!

انتهز قصي الفرصة واقترب من ديما الجالسة تتصفح الاوراق بانهماك وقال بصوت هادئ وهو ينظر اليها بحب : انا اسف ..!!

جحظت عيناها ورفعت رأسها بسرعة ونظرت له بعدم تصديق وقالت : اييييه انت قولت ايه …!!

ابتسم بعذوبة وقال : متزعليش مني انا زودتها امبارح اوي .. خلي بالك عمري ما اعتذرت لحد قبل كدا !!

نهضت ووقفت قبالته وابتسمت برقة وقالت : ودا بقا معناه ايه ..
اني قدرت اخليك تكسر القاعده وتعتذر .. ولا انت حاسس بالذنب عشان زعلتني
جدا امبارح ..!!

اجابها بثقة وجاذبيه هزت كيانها وزلزلت مشاعرها : لا عشان انا عايز كدا وقررت كدا .. عندك اعتراض  ..!

لمعت عيناها وابتسمت واقتربت من اذنه وهمست برقة : طول ما انت
بترسم الرسمه الحلوه  وترجع تشخبط عليها بسرعه كدا هيفضل دايما عندي اعتراض
..!!

دخل احمد الي المكتب فشاهدها وهي تقترب منه هكذا فخجل كثيرا
واستدار ليخرج مرة ثانية فصاح قصي بصوت عالي ادخل يا احمد يلا بسرعه مفيش
ورانا وقت نضيعه لازم نشتغل ليا ونهار مش هنسمح للمجرم دا يهد ناس تانيين
ويموتهم ونقف نتفرج … كنت قولتلي انك عايز حاجه تخص حسان ..!!

اجابه احمد بجدية : ايوه يا فندم انا محتاج تليفون حسان ضروري
جدا عشان كدا عايز حد من ولاده يجيبه لان العساكر فتشو كتير ملقوش حاجه
..!!

تحرك قصي وضغط الجرس ليدخل العسكري ويطلب منه ان يرسل حالا في طلب ابن حسان الأكبر..!!

وصل نجل حسان الضحية الاولي في سلسلة المنتحرين وسأله احمد عن
الهاتف فأخبره نجل حسان انه قام ببيعه قريبا وقبض الثمن ليقوم المشتري
بتفكيكه وبيعه كقطع غيار … غضب احمد كثيرا من ذلك الغبي كيف يتخلص من
دليل مهم كهذا ..!!

ظل كل منهم يعمل علي قضية المنتحرين اختص احمد بـ مريم .. وقصي
بـ لؤي وزياد .. وديما بـ حسان لعل وعسي يعثر احد منهم علي رابط بينهم
جميعا.. شعر احمد بالتعب الشديد فغلبه النعاس ولحقته ديما بعد وقت قليل
فنهض قصي بهدوء وتحرك علي اطراف أصابعه واقترب منها وجلس علي ركبتيه وراح
يتأمل ملامحها الفاتنة وابتسم حين تذكرها وهي تقف امامه دائما بتحدي و
بمنتهي القوة .. ها هي الان تنام مثل الطفل الصغير غاية في الرقة والهدوء
.. !!

حدث نفسه قائلا : تمنيت دائما فتاة تشبهك واعترف بانني لم يصل
بي التمني لكل هذا الجمال الذي فاق كل التوقعات وكل الحدود.. لو تعلمين
ماذا فعلتي بقلبي المسكين لبقيتي طيلة حياتك تتمنين ان اسامحك علي العواصف
والاعاصير التي دمرت اسلحتي التي اقاتل وادافع بها عن قلبي كي لا يقع اسير
في حب يهلكه .. هل تعلمين انني ارتضي الهلاك من اجل عينيكي .. هل تعلمين
انني أوافق ان اغرق في حبك ولن اطلب ان ينقذني احد سأغرق بإرادتي وحبي
وعشقي وولهي .. هل تشعرين بمشاعري الفياضة تلك ام انك لا تطيقين النظر لي
…!!

حضر في ذهنه قصيدة لنزار قباني كان يحفظها عن ظهر قلب فهو رغم شدته بعمله ولكن قلبه ارق من قلوب العصافير :

سَأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”.. حينَ تنتهي كلُّ لُغَاتِ العشق
القديمَه فلا يبقى للعُشَّاقِ شيءٌ يقولونَهُ.. أو يفعلونَهْ.. عندئذ ستبدأ
مُهِمَّتي في تغيير حجارة هذا العالمْ وفي تغيير هَنْدَسَتِهْ شجرةً بعد
شَجَرَة وكوكباً بعد كوكبْ وقصيدةً بعد قصيدَة سأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”..
وتضيقُ المسافةُ بين عينيكِ وبين دفاتري ويصبحُ الهواءُ الذي تتنفَّسينه
يمرُّ برئتيَّ أنا وتصبحُ اليدُ التي تضعينَها على مقعد السيّارة هي يدي
أنا.. سأقولها، عندما أصبح قادراً، على استحضار طفولتي، وخُيُولي،
وعَسَاكري، ومراكبي الورقيَّهْ ..!!

لم يشعر بنفسه وهو يقول تلك القصيدة بصوت مسموع جعلها تفيق
ولكنها ودت ان تستمع الي ما يفيض بقلبه فلم تفتح عيونها الا عندما انتهي من
سردها .. نظرت اليه نظرة عاشقة فدق قلبه بعنف وارتبك وتوتر كثيرا ونهض
بسرعة وقال : أ .. أ .. أنا طالع شويه بره المكتب وراجع تاني ..!!

اعتدلت ديما في جلستها وشعرت بالفرحة تمرح بداخلها وقالت بصوت عال : انطق بقا يا طوووبه ..!!

لم يقدر قصي علي العودة ومواجهتها بعد ان سمعته وهو يقول بها
شعرا ويتغزل بها فانتظر حتي الصباح وعزم علي ان يتعامل معها بجدية اكثر من
ذلك فذهب الي منزله ليبيت به الليلة ..شئ ما بداخله يقول له : ولييييه
تعاملها كدا ما تقولها انك حبيتها من اول ثانيه شوفتها فيها عجبتك في قوتها
وعنادها وانها مبتستسلمش بسهوله وشغلها ممتازه فيه دا غير ان جمالها لوح
رقبتك اعترف بقا وبطل تعذب نفسك ..!!! نفض قصي رأسه وهتف بصوت مسموع : لا
الحب ضعف وانا عمري ما هكون ضعييييف لا ليها ولا لغيرها ..!

عاد اليه الصوت الذي يحدثه وقال : مين قالك انه ضعف جايز يبقي
قوه طلع الاوهام دي بقا من قلبك وسيبه يحب ومتعذبوش .. ديما لو راحت منك
هتندم طول عمرك ..!!

انزعج من ذلك الصوت فنهض ووضع رأسه تحت صنبور الماء البارد لعله يهدأ قليلا ..!!

انتظرته ديما كثيرا حتي ملت وترددت هي تهاتفه ام لا قررت ان
تذهب الي منزلها لتأخذ حماما دافئا وتبدل ملابسها وتعود وتجده وتتحدث معه
وتحاول ان تجعله هادئا لينا معها فهي تتمني ان يحادثها بما يحدث بقلبه
….!!!!

في الصباح بعد ان انتهت من ارتداء ملابسها والتي هي عبارة عن
بنطال اسود وسترة سوداء مفتوحة من الامام يظهر من اسفلها قميصا قطنيا حدوده
داخل البنطال وحذاء ذو كعب عال ورفعت شعرها ” ذيا الحصان ” .. فوجئت
بهاتفها يعلن عن اتصال من قصي فـردت بلهفة فوجدته يقول بجدية : صباح الخير
.. العسكري النهارده مش هيقدر يجي ياخدك ومش هقدر ابعت حد غيره في اللوقت
دا فهضطر ان انا اللي اجيلك اخدك في طريقي للقسم ..!!اغلق الخط دون ان
يستمع الي ردها حتي فشعرت بالغضب الشديد منه ها هو الان يعود لعجرفته من
جديد ..!!

فقالت بعصبية : والله انا متاكده انك برج الجوزاء هتجنني انا عمري ما شوفت حد كدا يارب صبرني ..!!

انتظرته 15 دقيقة تقريبا وهاتفها ان تهبط اليه الان واغلق ثانية
دون ان يستمع منها أي رد .. فهبطت الدرج وهي غاضبة فانزلقت قدمها اليمني
واخذت الدرج وهي تتدحرج لتسقط مغشيا عليها فطرقت رأسها بحجر ضخم كان اسفل
الدرج امام عينيه .. جف حلقه وقيدته الصدمة لثوان معدودات قبل ان يترجل من
السيارة ويصرخ باسمها كالمجنون : ديمااااااااااااااااا ..!!

error: