انتحار تحت التهديد

الفصل الخامس

في صباح اليوم التالي ..

استيقظت ديما علي صوت الجرس الصادر من المنبه الموضوع علي
الكومود بجانب فراشها الذي سبق ووضعته قبل النوم .. اخذت حماما باردا وخرجت
واعدت كوبا من القهوة الساخنة وصففت شعرها واختارت بنطالا من اللون
“الزيتي” يعلوه قميصا قطنيا من اللون ” البيچ ” واطلقت سراح شعرها لينسدل
بنعومة علي ظهرها واكتفت بجمالها الطبيعي ولم تضع اي شئ من مساحيق التجميل …
!!!

خرجت من المنزل فوجدت العسكري المكفل بنقلها ينتظرها امام
المنزل بالسيارة .. فتوجهت معه فورا الي العمل .. !! دخلت المكتب فوجدت قصي
يشرب قهوته وهو يتفحص اوراق القضية كاملة فتعجبت من نشاطه .. لانها توقعت
انها ستصل ابكر منه وتفاجئه بوجودها .. !!

هتفت ديما بحماس : صباح الخير .. انت هنا من بدري ولا ايه ..!!

نظر اليها نظرة سريعة وقال بلا مبالاة : صباح النور .. ايوه انا من هنا من الفجر ..!!

جلست امامه علي احد المقعدين الموجودين امام مكتبه فداعبت  انفه
رائحة رقيقة اغمض عينيه واستنشقها باستمتاع وفتحها ونظر اليها باهتمام
فوجودها تمسك بالاوراق وشعرها البني منساب علي خدها بنعومة .. كأنها لوحة
رُسمت بدقة واتقان فأبدع من تفنن بها حدث نفسه قائلا : يا الهي سبحانك خلقت
فابدعت  ..!!

التفتت اليه فجأة لتسأله عن شئ فوجدته يهيم بها باعجاب بالتاكيد
لا تخطئ امرأة في فهمه .. ارتبك وشعر بالحرج الشديد عندما رأته فأخفض رأسه
بسرعة ونظر الي الاوراق فابتسمت هي بانتصار ولم تتحدث معه لت تجنب احراجه
مرة اخري ..!!

وصل احمد الي المكتب وهو يركض وفتح الباب بعد ان طرقه واعتذر
لقصي كثيرا بشكل مبالغا في عن تأخره نصف ساعة فأمره قصي الا يتأخر مرة اخري
ابدا مهما كانت الظروف ..!!

مر اليوم بين تحقيقات ومناقشات ومطالعات متكررة لاقوال الشهود
.. حتي حل عليهم الليل وكان عليهم الذهاب الي منازلهم لتبديل ملابسهم
والتوجه الي العرس المدعوين عليه ..!!

بعد ساعتين وصل العسكري لمنزل ديما لاصطحابها الي العرس .. كانت
ترتدي فستانا اسود لامع عاري الاكتاف تماما بالكاد  يصل الي ركبتيها ..
ولملمت خصلات شعرها فوق راسها بطريقة تسمي « كعكة » ولكنها منمقة مهندمة
وتركت العديد من الخصلات تهبط علي جبينها بانسيابية .. ووضعت مكياج اسود
حول عينيها ابرز جمالها وروعة لونها العسلي .. واحمر شفاه باللون الاحمر
الصارخ ..حقا بدت كحورية البحر الساحرة لو رآها اقوي واعتي الملوك لوقع
اسير لجمالها ..!!

وقف قصي واحمد امام منزل العريس في انتظارها للدخول سويا ..
عندما وصلت السياره تدلت منها ديما وتوجهت اليهم بخطوات رشيقة فنظرو اليها
بانبهار كبير حتي ان قصي ود لو خبأها بين جفونه حتي لا تنظر اليها اي عين
راغبة .. اراد امتلاكها وستر جسدها الفتان فشبت بقلبه نيران الغيرة
القاتلة..!!

اقتربت منهم والقت التحية عليهم ولكنها تفاجئت من ردة فعل قصي
عندما هتف بغضب : ايه القرف دا .. ايه اللي انتي عاملاه في نفسك دا انتي
مفكره نفسك فين ..مفيش حياء ولا كسوف انتي هنا في ارياف فاهمه يعني
اريااااف يا هانم يعني ممكن يفكروكي الرقاصه اللي جايه تحيي الفرح .. دا
حتي الرقاصه تتكسف تلبس القرف دا ياشيخه ..!!

خانتها قوتها وقدرتها علي الرد واخذ حقها من ذلك الوقح المتعجرف
فواصل هو حديثه وهو يخلع سترته ويضعها  علي كتفها : فورا ترجعي البيت
تغيري لبس الرقاصات دا .. يلاااااا واقفه ليه اتحركي ..!

فزعت من صوته ولكنها غضبت كثيرا منه فردت عليه بقوة وحزم : انت
مين انت اصلا عشان تتحكم في لبسي ولا شكلي ولا اي حاجه تخصني .. انت نسيت
نفسك ولا ايه .. لو ليك كلام يمشي ف دا هناك في المكتب لكن بره حدود المكتب
تخليك في نفسك عشان متسمعش كلام عمره ما هيعجبك ابدا ..!!

خلعت السترة الخاصة به بعنف والقتها في يده وقالت بثقة : انا
همشي .. بس مش عشان كلامك المستفز زيك دا لا همشي عشان مش عايزه يجمعني بيك
مكان اصلا ولا حابه اكون مع شخص لسانه عامل زي المبرد .. للاسف في الشغل
مجبره اني افضل معاك لكن هنا انا براحتي محدش هيجبرني ع حاجه ..!!

تركته واستقلت السيارة بعد ان طلبت من العسكري العودة بها الي
المنزل .. وقف هو مندهش مما سمعه منها .. لم يتحدث اليه اي شخص ابدا بتلك
الطريقة من قبل .. كم هو مؤذي فعليا شعور الاذي عن طريق اللسان والعبارات
القاسية فلتتذوق قليلا من سطوة لسانك الذي دمر نفسية الكثير من الناس من
حولك يا قصي .!

جلست في السيارة بعقل شارد . كيف له ان يتعامل معي هكذا كيف
تجرأ .. سألقنه درسا قاسيا… !! عادت الي المنزل وطلبت من السائق ان ينتظرها
قليلا بالخارج .. ذهبت الي غرفتها مسرعة واخرجت من خزانتها فستانا طويلا
اكمامه طويله ولكنه يلتصق بالجسد فيبرز رشاقتها وجاذبيتها لونه احمر وخففت
المساحيق من وجهها واسدلت شعرها علي ظهرها بعد ان اخذت خصلتين من كل جهة
وربطتهم بربطة شعر رقيقه بالكاد تُري من قريب ..!!

عادت الي العرس بصحبة العسكري .. كان العرس في الشارع كما هو
حال بعض القري يحبذون افراح الشارع عن القاعات .. رآها قصي من بعيد تمشي
بحذر فهي لا تعرف اي احد هنا .. اشتعل رأسه غضبا من تلك الفتاة العنيدة ..
لماذا عادت وما الذي ترتديه الان ايضا .. سيأكلها الرجال بأعينهم فهي تختلف
كثيرا عن نساء القرية لن يفهمو ذلك الاختلاف .. اطلق بعض الشباب صافرات
تنم عن اعجابهم الشديد بها ومنهم من تلفظ بالفاظ بذيئة .. حتي جاء ذلك
الشاب وتجرأ وكاد ان يمسك بها فوجد ضربة قوية تهشم أنفه فسقط ارضا عندما
شعر بأن الارض تدور به فحاول بعض اصدقائه التدخل ولكن احمد كان لهم
بالمرصاد فلم ولن يسمح لاحد بالبطش بقصي ابدا…  وقفت ديما بعيدا غير مصدقة
لما يحدث امامها الان .. فكيف الحال اذن لو كانت دخلت بذلك الفستان القصير
.. يبدو ان قصي كان محقا .. لم تفق من شرودها الا واذا بيد تجذبها من يدها
بعنف فشعرت بقوته ورجولته تكتسح وتحطم حصون قلبها ..!!

افلت يدها من قبضته بعنف وراح يوبخها ويسمعها من الكلمات اقساها
: انتي اييييه العند اللي مسيطر ع دماغك دا .. عاجبك اللي حصل دااا ردي
عليا ..!!

اجابته بتحدي : حبيت اثبتلك ان الفستان القصير مش هيفرق عن الفستان الطويل .. انا اهو كلي متغطيه تقدر تقولي ايه اللي باين مني ..؟!

نظر اليها بارتباك جسدها ممشوق وكأن الفستان صنع خصيصها لها
وحدها فقال بخجل : انت انتي مش حاسه ان الفستان ضيق اوي ..ولا خلاص مفيش
عقل تفكري بيه ..!؟

انفجرت بوجهه وقالت بعنف : انت مالك ..  انت ماااااالك حد قالك انك وصي عليا .. لتاني مره بقولك الزم حدودك والا ..

قطع حديثها ” احمد ” وهو يلتقط نفسه من اثر الركض اليهم وقال بجدية : قصي .. في حالة انتحار جديدة ..!!

حجظت عينيه ووضع يديه علي رأسه وعاد الي الخلف خطوتين قبل ان
يقول : وبعددددين هنسيب الناس تموت واحد ورا التاني كدا .. فين يا احمد
العنوان انطق بسرعه ..!!

اخبره احمد بالعنوان فتحرك ع الفور وتحركت معه ديما فتوقف وقال
بحزم وهو يشير الي الفستان : انتي رايحه فين .. غيري الزفت دا الاول وتعالي
ع هناك ..!!

اجابته بعصبية : بس ..

قاطعها بجمود : مفيش بس اللي قولته يتنفذ .. دا امر اتحركي يا حضرة الظابط ..!!

هتفت ديما بغيظ وهي تؤدي التحية العسكرية : اوامرك يا فندم ..!!

توجه قصي واحمد وبعض العناصر علي الفور الي العنوان المنشود ..
ما ان دخل قصي حتي وجد جثة هامدة لشاب لم يكمل العشرين بعد شرايين يديه
وقدميه مقطعة بقسوة وحوله بركة واسعة من الدماء الجافة يبدو انه مر علي
موته يوما كاملا .. !! عفوااا انتظرو لم ينتهي الامر هنا .. بل اكتشف
العناصر في الغرفة المقابلة للصالة .. جثة اخري ..!!

شفاه زرقاء جسد شاحب متجمد عينان مفتوحتان علي اخرهما ذراعين
ممدين باستسلام وفي احدي كفوفه ” موس حلاقة ” استنبط قصي عندما رآه انه كان
يعزم علي ل نفسه هو الاخر ولكنه مات قبل ذلك .. بجانب الجثتين اكياس تحتوي
علي مسحوق ابيض أكد الطبيب انها مواد مخدرة ” هيروين “باهظة الثمن.. !!

هتف قصي يسأل الطبيب : شباب زي دول لسه مخلصوش تعليم ايه يخليهم ينتحرو .. وجابو فلوس المخدرات منين ..!!

هنا تدخل احمد قائلا : انا سألت صاحبهم اللي بلغ عن الحادث ..
الشابين دول ابائهم واصلين اوي ونفوذ وبالتاكيد معاهم ماليه ضخمه ومش
هيغلبو يجيبو المخدرات دي او اي حاجه يحتاجوها ..!!

اجابه قصي بجدية : صاحبهم يبقي علي مكتبي خلال دقايق .. وجمع كل
اصحابهم اللي يعرفوهم وطبعا مش محتاج اقولك موبايلاتهم واجهزتهم .. !!

وجه قصي نظراته للطبيب وقال : مستني التقرير في اسرع وقت ممكن مفيش اي وقت ادامنا نضيعه اكتر من كدا الناس بتموت مننا ..!!

بعد قليل من الوقت حصل احمد علي كل المعلومات المطلوبه عن
الشابين وهاتف ديما لتذهب علي المكتب بدلا من اضاعة الوقت في مكان الجثث
..!!

توجهت ديما الي المكتب علي الفور بعد ان بدلت ملابسها وارتدت
ملابس رياضية بنطالا قطنيا قطنيا من اللون الرمادي بخط ابيض من الجانب
وقميصا يشبه البنطال ايضا وحذاء ابيض ” كوتشي ” ورفعت شعرها بشكل عشوائي
وكأنها قصدت بذلك اللباس ان تبدو طبيعية جدا وغير متكلفة ولكنها مهما ارتدت
فهي جميلة جدا ..!!

دخلت المكتب ولم تنظر لقصي قط بل تحدثت مع احمد وسألته عن المعلومات الخاصة بالقضية الجديدة ..!!

اجابها احمد بثقة : زياد الحسيني 19 سنه .. ابن منصور الحسيني
رجل الاعمال المشهور طبعا غني عن التعريف ..!! كلية هندسة خاصة .. شاب
تلفان مالوش في الدراسه ولا الشغل ولا اي حاجه فيها تعب ..!!

دا المنتحر اللي قطع شرايينه ..!!

اما اللي ملحقش  .. لؤي منتصر ابن عضو مجلس الشعب ممدوح منتصر
بردو 19 سنه دفعة زياد في نفس الكلية الخاصة ونفس الصفات واحده .. دا الشاب
اللي ملحقش ينتحر ..!!

هتفت دينا باستغراب : طب وايه اللي جايبهم في قرية زي دي ..!

اجابها قصي بثبات : دا اللي هنعرفه دلوقتي من صاحبه ..!!

لم تعره ديما اهتمام وانتظرت دخول صديق المنتحرين للتحقيق معه ..!!!

دخل وهو يحمل مئات الاحاسيس بداخله ” خوف .. حزن .. فزع .. قلق ”
والكثير من المشاعر المختلطة .. جلس امام قصي وديما بوجل فهتف قصي بسرعة  :
س .. الاسم والسن والعنوان ..!!

ج : نصر احمد محمود السباعي ..  19 سنه .. انا من القاهره مش هنا ..!!

س : البيت دا ملك لمين ؟؟ وانت كنت جاي تعمل ايه طالما مش من هنا ..!!

اجابه نصر بقلق : البيت دا بتاع زياد وكلنا بنتجمع فيه من فترة للتانيه ..!!

صاحت ديما بثقة : ليه بتتجمعو هنا بالذات مش ف القاهره بما انكو كلكو م القاهره ..!!

اجابها وهو منكمش حوله نفسه برعب : عشان .. عشان ..!

هتف قصي بنفاذ صبر : عشان ايه اتكلم ..!!

قالت ديما بهدوء : اتكلم يا نصر متخافش احنا هنا ميخصناش الا موتهم بس ..!!

زاغت نظراته وارتعشت يداه ولم يستطع الرد فاكملت حديثها : عشان
تعرفو تشربو وتسهرو براحتكو صح من غير ما حد من اهلكو يعرف بتعملو ايه ..!!

فرك كفيه بتوتر بالغ ولم يجبها ايضا .. طرق قصي علي مكتبه بقوة وقال بغضب : لو متكلمتش من نفسك انا هعرف ازاي اخليك تتكلم ..!

ارتعدت اوصاله وتمتم برعب : خلاص خلاص هقول ..!!

استرسل في حديثه وهو يبكي : البيت دا بتاع عمو منصور ابو زياد
.. كنا بنتجمع فيه كلنا شله مكونه من 10 شباب وبنات بنشرب وبنعمل كل حاجه
ممكن يتقال عليها عيب او حرام بدأنا نقل في العدد اللي سافرت واللي سقط
واللي باباه نقله في كليه عاديه عشان يتربي المهم في الاخر صفت علينا احنا
التلاته .. بقينا نتجمع كل فتره لوحدنا او معانا بنات .. لحد من فتره بسيطه
جالنا احنا التلاته تهديد علي الفيس بتاع زياد .. انه يعرف عننا كل حاجه
بنعملها ولازم ننتحر بابشع طريقه عقابا لينا .. وبعتله صور ومكالمات متسجله
تخصنا كلنا وكان بيهددنا كلنا ..!!

باغته قصي بسؤال افزعه : ايه اللي يعرفو عنكم غير اللي قولته دا ..!!!

error: