الاعيب القدر للكاتبه ايمان عبد الحفيظ

نوفيلا : الاعيب القدر
الكاتبة : ايمان عبد الحفيظ
الفصل السابع عشر


ارتجف جسدها على أرض السلم .. تدحرجت الدموع من عيونها .. و هى ترى الدماء تدفق من أسفل جسدها .. نظرت للأرض بجانبها .. وجدها الدماء تملأ المكان .. لن يموت .. لن تفقده فى ثانية .. لاحظت صوت سيارة تتوقف امام باب العمارة .. قررت الصراخ بكل ما تبقى لديها من قوة
شغف بصراخ : يــــــــــــــــــــــــــــزن ..
ثم اعادت رأسها للخلف .. لتبكى بقهر .. لاحظت ان هناك صوت اقدام تقترب منها .. لتجد يزن ..
يزن بفزع : شغف …شغف .. شـــــــغف …
شغف بدموع : هيموت .. هيموت يا يزن .. ألحقة بسرعة ..
يزن بدموع : شغف خليكى معايا .. ايه الدم ده ..
شغف ببكاء . ابنى هيموت يا يزن .. ابننا هيموت ..
قالتها ثم فقدت وعيها .. ترفض و تحتج على هذا الواقع المرير الذى حدث لها .. بينما هو اثار هذا فزعة .. الدماء التى تتساقط من اسفل جسدها .. تحديدا رحمها .. كلماتة .. ابنة .. شغف تحمل داخل احشائها ابنهم .. حمل جسدها بين ذراعيه بأقصى سرعة .. فتح السيارة يضع جسدها داخل مقعد السيارة الامامى برفق .. و الدموع تتلألأ فى عيونة .. سيفقد ابنة او … لا لا ل.. لن يفقدها مطلقا .. هى حبيبة قلبة و عشقة .. هى ابنة قلبة ..
يزن بدموع : شغف .. اوعى تسبينى .. خليكى معايا .. مش انتى وعديتى تفضلى معايا .. اوعى تستسلمى يا شغف .. هيبقى كويس .. و انتى هتبقى كويسة .. هنعيش مع بعض لأخر العمر يا شغف .. ها .. شغف .. ردى عليا علشان خاطر يزن .. حبيبك .. جوزك و دنيتك زى ما بتقولى .. ردى عليا …
لا يجد رد .. هو بعرف انها تجيبة بقلبها .. لكن يريد لسانها ان ينطق .. لكن قلبة يرتجف من فكره ان يفقدها .. فكرة ان تختفى من حياتة ..
بعد معاناة تم الوصول الى أقرب مشفى .. حمل جسدها من السيارة مسرعا .. و هو يصرخ بهم لعمل الاسعافات الاولية .. او لفعل اى شيئ لأنقاذها ..
يزن بصراخ : انتـــــــــــــوا .. حد يساعدنى .. بتموت منى ؟….
تجمع حوله عدد كبير من الممرضين .. و الاطباء .. لكى يساعدوا تلك الحالة التى تتدفق منها الدماء بشدة .. ظل يرك خلفهم حتى ادخلوها غرفة الطوارئ .. سمع صوت الطبيب
الطبيب بحزم : لو سمحت .. لهنا و كفايه .. ممنوع الدخول ..
وقف يزن فى مكانة .. ينظر للباب الذى أغلق فى وجهه قبل ثوان قليلة .. بدأت عيونة تزداد احمرارا .. كانة مصاص دماء فى انتظار الانقضاض على فريستة .. من المحال ان تسقط شغف من على السلم بأرادتها .. هناك شخص ما دفعها لتسقط من عليه … سيعرفة قريبا .. رغم شكوكة بمعرفتة ..
لا يدرى كم من الوقت مضى .. و هو يسير فى قلق تام خارج غرفة العمليات .. كان قلبة يرتجف بين ضلوعه .. يشعر بأن قلبه على وشك التوقف .. اذا حدث لها مكروه .. سيموت وقتها لا محالة .. لم يدرى بنفسه سوى وقت خروج الطبيبه من غرفة العمليات ..
يزن بفزع : دكتورة .. حالتها عامله ايه ؟؟.. هى كويسة ..
الطبيبة بجديه : حضرتك جوزها ؟؟.
يزن بقلق : ايووه انا .. هى كويسة ..
الطبيبة بحزن : هى كويسة .. بس للأسف نزفت كتير .. و مقدرناش ننقذ الجنين .. ربنا يعوضكم ان شاء الله .. عن اذنك ..
كلمات بارده روتينيه .. تلقيها هى كثيرا .. لكنها ذبحت روحه ..قتلتها بدم بارد .. هو فقد ابنه .. حلمه معها قد انهار تماما .. ربما سيفقد جزء كبير من شغف بعد هذا الحادث .. شغف .. تلألات الدموع فى عيونه .. كم الالم الذى تحملته هى .. يجعل قلبى ينبض من الغيظ و الحنق و الالم .. لكنه سيأخذ حقها من الذى فعل بها ذلك .. ربا وجب الان الشجار .. يكفى صمت … ازداد غضبه اضعاف عند هذه النقطة .. و هو يزداد حنق من فقدان ابنه ..


كانت تجلس على الاريكه فى منزلها .. تقوم بعمل بعض الاعمال المنزليه .. تقطيع الخضروات للقيام بالغداء .. كانت الابتسامه الهادئه تحتل ملامحها .. لقد انتصرت و اخيرا على تلك الحرباء التى احتلت منزلها .. التى خطفت قلب ابنها البكرى .. أدعت انها ستنجب منه طفل .. هى تدرك جيدا انها هبطت لتتحدث معها .. و تحاول ان ترق قلبها حتى تعاملها جيدا .. لكن مطلقا لن تفعل .. هى حرباء تريد الجميع تحت جناحها .. حتى تستولى على اموالهم لكنها لن تتركها تفعل ذلك .. بمجرد ان تنجب ذلك التى اخبرتها انه حفيدها ستأخذه منها و تطردها فورا .. انتفضت على صوت اغلاق الباب بقوة .. حولت نظراتها الغاضبه للباب .. لتجد يزن و ملامحه لا تبشر بخير ..
ناديه بغيظ : داخل بزاعبيبك ليه ؟؟.. ايه اللى حصل ؟؟..
يزن بغيظ مكتوم : حضرتك عارفه ان شغف وقعت من على السلم ..
ناديه بتوتر : لا معنديش فكرة ..
يزن بعصبيه : مـــــــــــــــاما .. شغف وقعت من على السلم ازاى ؟؟..
ناديه بقلق : معرفش .. وقعت ازاى ؟؟.. يمكن داخت و وقعت .. الله اعلم ..
ضرب بقبضة يده بغضب شديد .. مما أدى الى تحطيم الطاولة .. و عيونه تزداد حرة بسبب الغضب .. كأنه فقد وعيه من الغضب و الحرقة على ما فقده .. هو للتو فقد ابنه .. حلمه هو و شغفه .. مات .. لن يأتى لهذه الدنيا .. بسبب كره والدته لها .. والدته دفعتها من على الدرج ليسقط جسدها .. و يسقط معه الصغير الذى يتكون بدخلها .. الذى لم يعرف بوجوده سوى منذ ساعتين فقط .. عرف بأنتهاءه من نصف ساعة فقط ..
يزن بغضب : مات يا ماما .. مات يا ناديه هانم .. حضرتك موتى ابنى يا ماما.. قتلتى حفيدك .. زقيتى شغف من على السلم علشان تموتى ابن ابنك .. على تدفنى حلمى انا و هى .. علشان تخلينى اسيبها .. استفدتى ايه يا ماما .. ها .. استفدتى ايه لما شايفانى بتعذب على ابنى اللى موتته امى .. ارتاحتى صح .. انا اسف .. اسف انى بلومك .. او بكلمك كده بس صدقنى .. مش هتشوفينى تانى .. يا .. يا ناديه هانم …
قالها ثم اسرع خارج المنزل .. لانه لن يستطيع الصمود اكثر من ذلك .. يحتاج لأحتضان شغف الان بكل قوته .. لكى يخفف جراحه .. هى تحتاج امانة و قوته الان .. لكنه فقط يحتاج دقيقه مع نفسه .. هو فقد ما حلم به معها من يوم تزوجها .. بل من يوم احبها .. لكنه ايضا اختبار على مقدره تحمله من الله عز وجل .. يجب ان يتحمل لأجل شغف .. فليذهب الان و يحتضنها بكل قوته .. هى تحتاجه اكثر من نفسه الان …


كانت مستلقية على الفراش في عالم اللاوعى .. تنظر للفراغ المحيط بها .. لا ترى اى شيء من حولها .. لا تشعر بوالدتها التى تنظر لها بحسرة و دموعها تتساقط .. لا ترى صديقتها الوحيدة التى تنظر له بقلب ملكوم .. هى تبحث عن شخص معين ؟؟ .. اين هو ؟؟.. الى اين ذهب و تركها وحيده هنا تعانى ألم الفقد .. ألم حرقه القلب على فقد قطعة اللحم التى تكونت بداخلها.. حقا قلبها تمزق لأشلاء .. ترغب بأن تلقى برأسها على صدره .. تستنشق رائحته العطره .. تشم رائحة الامان و الحنان ..تشتهى عناقه الان ..
شغف بارتجاف : يزن فين ؟؟..
انتفض كلا من أمنة و اروى على صوتها المنخفض للغاية ..
آمنة ببكاء: يا حبيبتي يا بنتى .. حمد الله على السلامه ..
اروى بدموع : حمد الله على السلامه يا شغف ..
شغف بثبات : يزن فين ؟؟ ..
أمنة بتوتر : يزن .. يزن بره .. مش قادر يدخل ..
شغف بثبات: نادى عليه يا ماما انتى و اروى .. و مش عاوزة حد معاه .. لوحدنا بس ..
كلماتها لم تكن رجاء او طلب .. بل كانت أمر .. هى ترغب بألقاء همومها على عاتقه .. تعرف جيدا انها يتعذب مثلها و ربما أضعاف ..
خرجت كلا من أمنة و اروى .. لينتفض يزن من جلسته الصامته التى يحارب بها نفسه كى لا ينفجر بكاءا على ابنة و على حبيبته و زوجته .. مسح يزن وجهه بقوه ليخفى أى آثار لدموع ضعفه و قلقه ..
يزن بقلق : طلعتوا ليه ؟؟.. هى كويسه ..
اروى بهدوء : عاوزك يا يزن .. و لوحدك ..
تجمد فى مكانه للحظات .. تريده هو وحيدا .. لن يقدر على مواجهتها الان .. هو يًحمل نفسه ذنب ما حدث … لو كان منعها من الهبوط الأسفل من غيره لما حدث ذلك .. هو وحده يحتمل مسئولية ما حدث لحبيبة القلب و الروح .. لا لا لا لن يدخل أليها الان .. لن يستطيع النظر لأعينها الرمادية الدافئة ليواجه نظرات العتاب و اللوم ..
خرج من دهليز أفكاره على يد تربت على كتفه .. ليجدها يد أمنة .. و نظرات الحنان تنبض من عيونها السوداء .. بها مزيج غريب من العتاب ..
أمنة بحنان : عيونى فيها عتاب صح .. بس ده ليك مش عليك .. اللى حصل ده قضاء و قدر .. و مش فى أيدك لا تمنعه و لا تصححه .. أرضى بنصيبك و ادخلها .. هى محتاجك دلوقتى اكتر من اى وقت ..
كلماتها العميقة أرسلت له قوه كبيرة .. قوة التحمل والصبر ليدخل الى زوجته ليساندها فى فاجعه قلبها الرقيق .. اومأ برأسه ليتقدم بهدوء و يدخل لغرفتها .. حتى فى أقصى حالات حزنها تثير رغبته بمعانقتها بقوة .. تثير رغبته بأن يحتجزها داخل ضلوع صدره .. يغلق عليها باب قلبه التى تربعت على عرشه منذ وقع بصره عليها …
كانت تنظر إلى النافذة الواسعه التى تشمل الغرفة بأشعتها الصفراء الذهبية .. لتداعب وجنتيها الورديتين التى خدشتهما قطرات الدموع من عيونها الرمادية ..
اقترب منها بخطوات تتألم مع كل خطوة يتقدمها كان قلبه يأن من ألمه عليها و على ما فُقْد .. و بعد عناء طويل .. وصل على فراشها .. ليجلس على حافته بجانبها تماما .. سمع صوت شهقه حزن أفلتت منها .. تبعها شهقات البكاء التى أنفجرت منها .. التفت له ببكاء .. رفعت ذراعيها اللذان لم يسلما من كدمات زرقاء اللون بسبب السقوط من الدرج .. لتحاوط بها عنقه بقوه .. لتدفع وجهها الباكى فى تجويف رقبته .. و دموعها تتدحرج على كتفه لتبلل قميصه .. بينما هو رفع ساعديه ليحاوط خصرها بحنان .. و هو يربت على ظهرها بحنان بالغ .. تساقطت دمعه من عيونه حزنآ و ألمآ على شغفه التى تعانى قدر كهذا من الالم .. طبع قبلة طويلة حنونه على كتفها الذى يرتجف بفعل البكاء الشديد .. كان يود لو يتفوه بحرف يخفف عنها قهرها و حزنها .. لكن و لا اى كلمات تفى بالغرض هنا .. و لا أى كلمه تستطيع محو حزنها .. اكتفى بأصابعه التى تربت برفق و حنو على كتفها و ظهرها .. بينما سقطت دمعه من عينه على عنقها الناعمة .. ابتعدت هى قليلا عنه لتحدق بعيونه التى تتألم لحزنها .. تحزن لفقدان ابنهما .. كم من مره جلست بحضنه بعد عودته من عمله لتقص عليه مغامرات تود فعله مع ولدها .. كم من مره تشاجر كلاهما على الاسم الذي يرغبا به للطفل .. كم ابتسامه ارتسمت على شفتيها الورديتين حين تتذكر أنها ستصبح ام .. لكن الآن لا شيء .. عادت لنقطة الصفر .. شغف ببكاء: ابننا مات يا يزن .. انا السبب .. مات بسببى ..
يزن بحزن : هشششش .. ده قضاء و قدر يا شغف .. ربنا كاتبلنا كده .. ربنا يرحمه .. و يرحمنا …
شغف بقهر: مش قادرة أصدق أن اللى كنت عاوزه اكتر من عمرى كله راح .. اللى كنت بكلمه طول اليوم و انت مش معايا .. كان هو أملى فى الدنيا بس رااااح .. راااااااااح يا يزن .. .
ثم أجهشت بالبكاء والصراخ على ما فقدته .. حرقه القلب على فقدان الضنى ..
أبعدها عنه قليلا ليطبع قبلة طويلة حنونه على وجنتها .. أسند جبهته على جبهتها .. و أنفاسه تلفح وجهها المتورد باحمرار بفعل البكاء ..
يزن بحزن : شغف .. هنجيب غيره بأذن الله .. ربنا سبحانه وتعالى حاليا بيختبر قدره تحملك .. قوتك فى تحمل الابتلاءات اللى بتحصلك .. ده اختبار من ربنا ..
شغف بحزن : لا أله الا الله ..
يزن بهدوء : محمد رسول الله ..
ساد الصمت مره اخرى في أرجاء الغرفه .. لا يقطعه سوى شهقاتها الباكيه .. و صوت تناهيده الحاره الممزوجه بأنفاسه الحارقه ..
يزن بحزم : وقعتى ازاى يا شغف ..
شغف ببكاء : كنت نازله على السلم و … دوخت و وقعت ..
يزن بحزم : شغف .. الكذب لا ..
ساد الصمت مره اخرى لكنه ممزوج ببكاء حارق القلب .. لن تستطيع اخباره بالحقيقة .. حقيقه ان والدته هى من تسببت في ذلك .. لن تستطيع أن تتحمل و لو احتمال بسيط أن يزن لن يصدقها .. لن تدمر بيتها بيدها .. ستصمت و لن تخبره الحقيقه المؤلمه ..
Flash back …
كانت تجوب الغرفة ذهابا و أيابا .. و القلق الممزوج بالتوتر يظهر باديا على ملامحها الجميلة .. عيونها الرمادية اللامعه تتحرك في كل الاتجاهات .. لا يصح أن يستمر هذا الوضع كثيرا .. ليس من الجيد أن ترى كره والده يزن لها و تصمت .. رغم محاولاتها المستميته لتزرع حبها في قلبها .. لكن كل هذا صفر في خانه اليسار .. هى الان تحمل فى احشائها طفل صغير بعمر ٣ شهور .. لم تخبر أحد .. حين تقرر أخبار يزن .. لا يعطيها الفرصه .. فقط يختطفها لعالمهم دون الاكتفاء منه .. لم تستطع اخباره حقيقه انها تحمل منه طفل فى رحمها .. بسبب نوبات عشقه التى يغرق بها كلاهما فور عودته من عمله منذ أكثر من شهرين … فى كل مره تقرر الهبوط لاسفل للجلوس مع السيدة نادية و اروى قليلا .. يمنعها يزن بالقوة .. كان دوما يتفوه ” لا يا شغف .. مش هتنزلى لوحدك .. ماما لسانها حاليا عامل زى المبرد .. و كلامها هيزعلك .. و نزولك لوحدك ده مبدأ مرفوض تماما .. ” ..
زفرت بضيق شديد .. لن يظل الوضع على ما هو عليه .. يجب تغيره بكل الطرق و الوسائل المتاحه .. ربما أن هبطت الان و تناقشت معها قليلا .. ربما ذلك يجلب الود بينهم و لو بنسبه ضئيلة جدا .. ستخاطر بكرامتها و تهبط للحديث مع نادية ..
و بعد عدة لحظات كانت تقف أمام باب الشقة و التوتر يحيط بملامحها .. هل تسرعت في النزول لهنا .. أو ربما هو الوقت المناسب .. يزن فى طريقه للعودة .. تتناقش معها الان و تنهى هذا الموضوع .. طرقت على الباب بأصابع مضطربه .. و بعد لحظات كانت تقف أمامها نادية و هى تنظر له بازدراء ..
نادية بغيظ : خير ؟.. ايه اللى جابك ؟؟..
شغف بابتسامة هادئة : خير أن شاء الله .. جايه أسأل على حضرتك..
نادية بسخرية : و الله .. كتر خيرك .. يلا اتفضلى على شقتك ..
شغف باندفاع: هو حضرتك بتكرهينى ليه ..
نادية بسخرية: على أساس مش عارفة ليه ؟؟.
شغف بثبات: انا مش شايفه سبب يخلى حضرتك تكرهينى .. انا عمرى لا اتجاوزت حدودى و لا قلت ادبى فى كلامى معاكى و لو لمره واحده …
نادية بسخرية: انتى فكرك دى بس اسباب الكره اللى فى الدنيا ..
نظرت لها شغف بترقب … تنتظر إجابة السؤال الذي حيرها ليال طويلة ..
نادية بحقد : انا بكرهك لانى خطفتى ابنى منى من حوالى 3 سنين .. اول مره شافك فيها و انتى شاغله دماغه بطريقه مش طبيعيه .. بكرهك علشان انتى مش من مستواه .. بكرهك علشان ابنى يستحق واحده افضل منك .. واحده يكون هو الاول فى حياتها .. مش واحده الله اعلم كان فى كام واحد فى حياتها قبله ..
اغمضت عيونها بقهر .. يزن كان محق حين كان يجبرها على عدم النزول للأسفل من غيره .. اهانه والدته كانت ساحقه كالسكين الذى سحق قلبها شطره لنصفين .. لكنها يجب ان تعلم الحقيقه كاملة .. حتى لو ذلك كان على حساب كرامة سيف رحمه الله .. لن تصمت على كرامتها التى جُرحت .. لذلك هتفت بهدوء بعكس العواصف التى تهاجمها بقوه فى تلك اللحظة ..
شغف بهدوء : اولا يا ريت حضرتك تتكلمى معايا بأسلوب احسن من كده .. ثانيا لو كان على فكره جوازى الاول .. فأحب اقول لحضرتك انه كان صورى .. يعنى الله يرحمه و لا لمسنى و لا شاف شعره منى .. يعنى ابنك كان الاول فى حياتى .. اما بالنسبه لانى اقل منه فى المستوى المادى .. ربنا عمره ما خلق الناس كلها فى مستوى واحد .. خلقنا طبقات علشان نكمل بعض ..
نادية بغيظ : تفتكرى انا كده هحبك برضوه ..
شغف بابتسامة : لا عمرك ما هتحبينى .. بس فى رأيى حاولى علشان خاطر ابنك على الاقل .. و بالمناسبه كلامك مش هيأثر على علاقتى ب يزن .. و لا حتى كلامك مش هيوصله ..
ثم استطردت قائله بحزن : بس يا ريت تحاولى تحبى حفيدك او حفيدتك اللى بدا ينمو فى الرحم بتاعى دلوقتى .. عن اذنك ..
جذبتها ناديه من ذراعها بقوه .. و عيونها لا تبشر بالخير مطلقا ..
نادية بصراخ : انتى بتقولى ايييه ؟.. انتى حامل ..
شغف بثبات : ايوووه .. حامل من ابنك يزن …
دفعتها ناديه بصراخ وهى ترفض تصديق الواقع .. هى واثقه انها لم تدفعها بقصد .. لانها رأت فى عيونها قله الوعى او ربما فقدانه .. لكن الذى قلقها فعلا .. شعورها بالسائل الاحمر الذى بدا يتدفق على قدمها .. و أغرق ملابسها ..
back …
اغمضت عيونها بقهر .. و تساقطت الدموع من عيونها بصمت .. شعور بدموعها كخناجر تطعن قلبه بقوه .. رفع وجهها بأصابعه لتنظر له ..
شغف ببكاء : ينفع تحضنى من غير اسئله …
يزن بحزن : تعالى ..
جذبها لاحضانه .. و استلقى كلاهما على الفراش .. و جذب الغطاء عليها لأعلى كتفها .. و عانقها بقوه و هو يقبل خصلات شعرها بحنان كل فترة .. و الحزن يكسو ملامحهم .. لكن الحب يظهر باديه فى عيونها التى تلمع بالحزن و الشقاء .. لكن سؤال واحد يدور بمخيلتهم .. هل العشق الذى دار بينهم كافى لاستمرار الحياة بعد هذه المأساة ؟؟..


وقفت ترتجف كعصفور صغير يتلقى أعاصير الشتاء … تواجه وحيده عاصفة الخريف و رياح الشديدة .. كم تحتاج الان الى عناق … عناق يحتوى حزنها الشديد و صدمتها فى أعز الناس على قلبها … والدتها نادية .. التى هزت صورتها فى نظرها بقوة .. لماذا تفعل شيء كهذا … وصلت بها حالة الكرة و الحقد الدفين على شغف لقتل روح صغيرة ما زالت تنمو فى أحشائها … الذى هو يعتبر حفيدها الاول … هى لا ترغب برؤيتها الان و الا لفعلت شيء تندم علية لاحقا … توجهت إلى مقهى المشفى … لتحضر لها كوبا من القهوة لتستطيع الصمود اكثر و البقاء مع صديقتها الوحيدة و أخيها … كانت تسير في الطرقة الفارغه نسبيا من البشر … الا انها سمعت صوته الحانى ينادى عليها … ليخدر حواسها و يسكرها … بل و يجعلها ترغب بضمة بصدره بقوة لتشاركه حزنها …
تيم بحنان : اروى …
التفت له بهدوء .. عكس العاصفة التى اشتعلت بجانب آخر من روحها … نظرت للأرض محاولة منها لأخفاء دموعها … التى تسقط بسبب الخزى من فعلة مشينة سقطت على رأسها بسبب والدتها … ما سيكون العمل إذا فكر تيم أنه من الممكن تكرر نفس مع مع شغف معها … بفعل من والدتها …. اذا تركها تيم وقتها ستكون نهايتها الموت لا محالة … لم تلاحظ انها بين ذراعيه القويتين تحاوطانها بقوة كبيرة … و تشهق بالبكاء على صدره … تغرس اظافرها فى قميصه .. تكاد تمزقه .. الخوف يملأ قلبها لمجرد احتمال ابتعاده .. بمجرد شعوره بألامها التى تعبر عنها شلالات دموعها التى أغرقت قميصه … أغمض عيونه بحسرة حزنا على زوجته الصغيرة التى ترقد بين ذراعيه القويتين تحاوطانها بقوة كبيرة محاولة لتخفيف حزنها الشديد نتيجة صدمتها فى والدتها … ما حدث لتلك المسكينة مأساه بمعنى الكلمه … و اروى تأثرت للغايه بما حدث … التفكك الاسري الذى يسقط على أسرة حبيبته يجب حله … يجب انهاءه بأسرع وقت ممكن …
تيم بحنان : عيطى يا حبيبتي… طلعى اللى جواكى… اتكلمى و اصرخى …
اروى ببكاء : عملت كده ليه يا تيم … كرهها لشغف وصلها لانها تزقها من على السلم … تقتل روح حفيدها الاول … لييييه ؟؟…
لا كلمات تفى بالغرض … يكفى تركها هى لتبكى و تخرج ما بداخلها لترتاح و تستطيع أن تمضى للأمام .. فما زال هناك اهم نقطة .. الا و هى اقناع شغف العوده الى منزلها …


خرج من الغرفة بعد أن تركها تغط فى نوم عميق … مسح يزن وجهه بقوه ليخفى أى آثار لدموع حزنا على زوجته شغف … وجد فى مقابلته والدة شغف …
ربتت على كتفه بحنان اموى … تحاول جاهدة التحكم في عصبيتها … تحاول كظم غيظها … حين يأتي في مخيلتها ما وقع بابنتها الوحيدة تزداد نظراتها شراسة … بل و ترغب بأن تمزق والدته الأشلاء … هكذا هى الام … من الممكن أن تقتل من يرغب بأن يؤذي اولادها بل هى وحيده …
أمنة بحنان : وحد الله يا ابنى …
يزن بشرود : غرقان … حاسس نفسى بغرق و مش عارف اطلع … عايز اخد حقها من امى … و مش قادر اعمل حاجه لانها أمى …
أمنة بهدوء : أمك ربنا يسامحها يا يزن … و بالنسبة لحق شغف الوقت كفيل بيه … و ربك مش بيسبب حق مظلوم …
يزن بهدوء : لا اله الا الله …
أمنة بحزم : على فكرة .. بنتى هتيجى تقعد معايا لما تطلع من هنا …
اومأ برأسه بهدوء … رغم الحنق الذى يحتله بسبب قرب بعدها عنه .. لكن الافضل الان في مصلحتها العوده الى منزل والدتها … رؤيتها للمنزل و الدرج بشكل خاص قد تؤدى إلى نتيجه سلبيه عليها … و هو لن يخاطر بأن يجعلها تحزن أو تبكى مره اخرى …
رفع بصره قليلا … ليجد تلك الطبيبة المشرفة على حالة شغف تأتى لعمل الكشف الدوري عليها …
يزن بلهفه : لو سمحتى يا دكتورة …
الطبيبة بهدوء : ايوووة …
يزن بخوف : حالتها ايه حاليا ؟؟..
الطبيبة بهدوء : حاليا حالتها الجسدية كويسة جدا … بس طبعا محتاجه راحه تامه … بس حالتها النفسية اعتقد هتحتاج مساعده من طبيب نفسي … الا لو السكوت ده طبيعتها …
يزن بهدوء : يعنى هى ممكن تخرج …
الطبيبة بابتسامة : أكييييد بس الافضل بكرة علشان نطمن اكتر على صحتها … و مش هوصى حضرتك الحركه الكتير لا … لازم راحه تامه …
اومأ برأسه بينما هى توجهت لغرفة شغف لتقوم بعملها المعتاد … فحص المرضى … بينما وقف هو شاردا … ما التصرف السليم في التعامل مع والدته التى حرمته من ابنها … ما التصرف الصحيح للتعامل مع الشق الذى صنعته نادية بيدها فى علاقتها مع ابنها البكر ….


طرق خفيف ثابت على باب الشقة … وضعت هى حجابها على شعرها … و هى تسرع لتفتح الباب … من الممكن أن يكون … حسام اقسم بألا يعود للمنزل قبل عودة أخيه الأكبر أما اروى فهى لم تراها منذ وقعت الحادثه … فتحت الباب لتتفاجأ … بزوج ابنتها الوحيدة … تيم ..
نادية بابتسامة ودودة : ازيك يا تيم يا ابنى …
تيم بهدوء : الحمد لله يا ماما … حضرتك ايه اخبارك ؟؟؟..
نادية بهدوء: الحمد لله … اتفضل …
تقدم تيم إلى داخل الشقة … يدقق النظر في تصرفات حماته التى يظهر باديا على ملامحها الحزن العميق لكنها ترفض الاعتراف به … هو يعرف جيداً إدراك الشعور الذى يحتل بالشخص الذي أمامه … رفع إصبعه ليعيد نظارته الطبيه لوضعها أمام عيونه البنيه اللامعة … و اخيرا جلس أمامه فى حجرة الجلوس …
نادية بارتجاف : اروى كويسة ؟؟..
تيم بهدوء : قلقانه عليها ؟؟..
نادية بغيظ: طبعا مش بنتى …
تيم بهدوء : و يزن مش ابنك برضوه يا امى …
ألجمتها الجملة … هو يرغب بتأنيبها على فعلتها المشينه مع شغف … هى كانت تبكى بشده بعد ما فعلته تلقائيا .. لم تقصد ما حدث … ما رأته فى عيون ابنها من قهر و حسرة جعلها تهتز بشده من داخل أعماقها … ما رأته فى عيون يزن من لوم و عتاب جعلها تدرك مدى فعلتها الغبية …
نادية بخفوت : ابنى …
تيم بهدوء : و شغف … مش مرات ابنك …
نادية بترقب : هى كويسه ؟؟..
تيم بهدوء: يهمك في حاجه !؟؟…
نادية بغيظ : انا مش باللامبالاة دى على فكرة …
تيم بغيظ : اومال حضرتك تسمى انك تموتى طفل لسه بينمو فى بطن أمه اللى هى مرات ابنك … ده يبقى ايه؟..
نادية بدموع : انا مكنش قصدى … انا زقيتها و انا مش فى وعيى …
تيم بغيظ : تفتكرى ده عذر مقبول… ده عذر اقبح من ذنب … يا ماما …
اجهشت نادية بالبكاء حزنا على ما فعلته فى فتاة … ما فعلته بابنها … لما دفعتها … ما الذى كان يدور بذهنها ذاك الوقت … لماذا فعلت هذا الهراء … لقد خربت علاقتها بكل ما تبقى لها فى هذا العالم …
تيم بشفقة : مفيش فايده من الدموع حاليا … نصيحة من واحد قد ابنك … حاولى تصلحى اللى وقع … رغم انى اشك ان فى حاجه تصلحه اصلا … لان فى اخطاء لا يمكن تتصلح … شغف ملهاش ذنب علشان تكرهيها … الفقر عمره ما كان سبب للكره … ربنا زرع الحب فى قلب ابنك ليها … يبقى ده ليه سبب … و السبب اللى شايقه انا بعيونى ان سعادتهم مع بعض … ده للاسف اللى حضرتك رافضه تشوفيه يا ماما ناديه …
ترك تجلس مكانها تبكى ندما و حزن على اقترفته يدها

error: