لعنة العادات |للكاتبة بسمة مجدي
_ الفصل السابع (الأخير) _
_ حرية زائفة _
تجاهل صراخ طبيبه وهي يستعد للحاق بصغيرته ، اغمض عينيه بقوة وابتسامته لم تفارق وجهه ليدفع جسده خارج النافذة ويبدأ بالسقوط….! فتعود الاصوات للتداخل في عقله :
-زوجتك انجبت طفلة آية في الجمال
-أعدك يا صغيرتي ان أدللكِ ولا اجعل دموعك تسقط من عينيكِ الساحرتين ما بقي لي من العمر..!
-ابي ستكون معي أليس كذلك ؟!
لتتوقف الأصوات ليصدر صوت خشن :
-افق ! هل أنت بخير يا رجل ؟!.
فتح جفونه ليجد تجمهر الكثير من الناس حوله وهو جالس أرضاً..! قطب جبينه وهو يجول ببصره محاولاً تذكر من هم ولما هو يجلس أرضاً ليهتف أحد الرجال بابتسامة :
-ما بالك يا رجل ؟!. لقد كنت أمرؤ من هنا فوجدتك تستند علي الجدار حتي سقطت فاقداً للوعي !
اتسعت حدقتيه في دهشه ليردف رجل مسن بشوش الوجه :
-لا تقنط من رحمة ربك يا بني وتحسبونه شراً وهو خير لكم
انتفض جسده لينهض ويدفع الرجال من امامه ويندفع لمنزله ركضاً..! فقد كان حلماً ولكنه بالفعل ترك ابنته فهل يمكن ان يتحقق حلمه ! هرع بكل ما يمتلك من قوة وهو يشعر بصرخاتها تخترقه دلف الي المنزل مسرعاً ليكسر باب غرفته فيقتحم الغرفة ليجد امه تمسك ابنته العارية..! بعنف والأخرى تمسكها من الجهة الأخرى والثالثة تقوم بتسخين أداتها الحادة..! نعم يدري بما يحدث بهذه الانواع من العمليات ولكن لأول مره يراه وبأبشع صورة ليصرخ بصوت جهوري افزعهم :
-ابتعدوا عن ابنتي !
نهضت امه مسرعة لتقول بتوتر :
-ماذا بك يا بني اننا لم ننتهي بعد !
طالعهم بنظرات محترقة مرعبة..! ليسحب غطاء ويتجه نحو صغيرته المتكومة علي نفسها خوفاً وخجلاً ورعباً فقد جردوها من كامل ثيابها.! دثرها جيداً ليلتفت لهم ويهتف بتهديد مخيف :
-أقسم بخالق الخلق اذا لم تخرجوا من منزلي فوراً لأشق رؤوسكم واقطعها ارباً والقيها لكلاب الطرق !
انتفض كلا المرأتين فزعاً ليهرعا الي الخارج بدون اضافة حرف..!
اشتعلت والدته غضباً لتصيح :
-أجننت يا خالد ! منذ قليل كنت موافق ومنتظراً ان ننتهي بفارغ الصبر ماذا حدث لك ؟!.
نظر الي طفلته التي توقف صراخها وتمسك بالغطاء بقوة وترتجف بشدة…! طالعها بألم ليخرج من الغرفة ساحباً والدته خلفه ومان خرج حتي صاح بغضب :
-انا لم أجن انا فقط افقت يا أمي ! افقت من جنوني…فأي عاقل يذبح ابنته بيديه ؟!. أي عاقل يصم أذانه عن صرخاته طفلته ؟!.
صمت ليلتقط انفاسه الغاضبة ليردف بألم :
-أي رجل قد يسمح بتقييد ابنته عارية ؟!.انا لن أذبح طفلتي ابداً..!
لترد بحده :
-كما تشاء يا بني ولكن لا تندم حين تجلب لك ابنتك العار وتجعل رأسك في الوحل !
سيطر علي اعصابه بصعوبة بالغة ليردف بقوة :
-طالما ابنتي بين احضاني فلن اخش شيئاً طفلتي ليست عاراً ولم تكن ولن تكون !
رمقته بغضب لتنصرف حانقة وهي تتمتم بغضب ، التفت ليدلف الي الداخل ويتجه لخزانه ثياب صغيرته ويحضر لها ثياب بدلاً من التي مزقتها امه بلا رحمه.! ، غير لها ثيابها بصعوبة وارتجافها يصيبه في مقتل.! حتي انتهي ليضمها لأحضانه ويدثرها جيداً ويهمس بحنو بالغ :
-اهدئى صغيرتي…اباك هنا.. ولن يسمح لأحد بالاقتراب من جوهرته مرة اخري أعدك !
تمتمت بخفوت وارتعاش مزق قلبه :
-لكنك وعدتني ألا تتركني وتركتني ابي !
انهت كلمتها تزامناً مع سقوط دموعه رغماً عنه.! ليجيبها بهمس متألم :
-أخطأت يا صغيرتي أخطأت بتركك معهم ولكني ادركت خطائي وأوقفتهم عن ايذائك…
اغمض عينيه بقوة وهو يلعن نفسه للمرة التي لا يذكر عددها وهو يتخيل ما كان سيحدث لو تأخر بضع ثواني..! افاق بملمس ناعم علي وجنتيه ليفتح عينيه فيجد كفها الصغير الرقيق يسمح دموعه برفق زاد الآمه أضعافاً…لتقول بهمس متقطع :
-حسناً ابي لقد سامحتك فقط لا تبكي !
وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قال (ان هن المؤنسات الغاليات) سالت دموعه اكثر وهو يضمها ويقبل كل انش في وجهها لعلها تغفر له ولعله يغفر لنفسه..! قضي ليلته بجانبها ساهراً وقد جافاه النوم من شدة الخوف ان يستيقظ فيجده حلم وان طفلته لم تعد موجودة بقي الليل بأكمله بتأمل مظهرها البريء الجميل وهي نائمة وكم تألم حين كانت تفيق بصراخ وتناديه..! فتجده بجانبها ليهدهدها حتي تهدأ وتنام……….
عادت حياته هادئة وعادت زوجته ولم يخبرها للان عن سبب الخلاف بينه وبين والدته ومرت الأيام وتعاقبت السنوات لتنضج صغيرته وتصبح شابة يافعة تذكر الصعوبات التي واجهها حين اصر علي دخولها الجامعة وتذكر يوم تقدم لها زميلها في
الجامعة “حسن” للزواج بها فرفضه ل4 مرات متتالية ووافق بعد عناء ابتسم بحزن حين تذكر يوم زفافها وكيف لم يتركها ولو للحظات وكم بكي وقتها وكم هدد زوجها بان يحاول المساس بها بسوء وسيريه الجحيم .! ابتسم مرة اخري حين وجد ضالته كتاب الصور الخاص بصغيرته جلس مرة اخري ليفتحه ويتأمله بحب كعادته توقف عند صورتها مع مولودها ليعود بذاكرته لما حدث يومها
Flash back.
أخذ يذرع المشفى ذهاباً واياباً ولم يستطع أحداً تهدئته فقد كان كالوحش الكاسر ليخرج الطبيب فيهرع اليه صائحاً بشراسة :
-أقسم ان حدث مكروه لابنتي لأحطم تلك المشفى علي رؤوسكم جميعاً……!
ليجيبه الطبيب بسرعه وخوف :
-سيدي ارجوك أهدئ فابنتك بخير وقد انجبت توأم صبي وفتاة
لتتعالي التهاني لزوجها “حسن” الذي كاد يموت قلقلاً ورعباً من والد زوجته الذي كان يفوقه خوفاً خشي الاقتراب منه فهو الي الان لم ينسي حين تشاجر مع ابنته وحين علم بذلك اوسعه ضرباً..! علي الرغم من كون ابنته المخطئة..! فاق من شروده علي صوت اغلاق الباب فبالتأكيد سبقة عمه للداخل ليري مدللته.! دلف ليجد جميع اسرته ووالدة زوجته يحملون الاطفال بسعادة في حين والد زوجته يجلس بجوارها يحتضنها مقبلاً جبينها بحنان من حين لأخر وهو يكاد يقسم انه لم يري أحفاده بعد..! تنهد بغضب وغيرة فحماه يشاركه زوجته بعد ذلك أصدر “خالد” قراراً نافذا ببقاء “مريم” بمنزل والدها لمدة شهر كامل حتي تشفي تماماً من اثر الولادة وتلقي الرعاية الازمة
*عودة للوقت الحالي *
ضحك بخفة حين تذكر وجهه زوج ابنته الغاضب حين اعلن بقاءها بمنزله مرر يده بخصلاته السوداء التي غزا الشيب بعضها فزادته جاذبية و وقاراً قطع خلوته ووقته المفضل أصوات راكضه يعلمها جيداً ليدخل “سارة” و ” أدم” أحفاده ليصيح بفرح وهو يضمهم اليه :
-مرحباً بصغاري الاشقياء اشتقت لكم يا أبناء الغالية…
لتدلف بابتسامتها المحببة التي تخصه بخصلاتها السوداء المتناثرة علي ظهرها واهدابها الطويلة التي تزين بشرتها البيضاء لتهتف باشتياق :
-اشتقت اليك أبي انت لا تدري كيف قضيت هذا الاسبوع بدون رؤيتك….
ليجيبها بضيق زائف :
-أليس زوجك اللعين من أصر علي السفر لأسبوع كامل..
لتبعد صغيريها بغيرة رغم تذمرهم ليهرعوا للخارج غاضبين لتقترب وتثني ركبتيها امامه وتضع رأسها علي ركبتيه وهي تهتف بابتسامة :
-أمازلت تغار عليّ من زوجي يا أبي ؟!.
ليضحك ملئ فمه ، وضع كفه علي خصلاتها وهو يربت عليها بحنو بالغ لم يفقده مع مرور الأيام بل زاد أضعافاً ليرد بحب :
-وسأظل أغار عليكي يا قلب أبيكي وروحه حتي تزهق أخر أنفاسي..!
لترفع رأسها تطالعه بغضب وبدأت الدموع تترقرق بأغصان الزيتون خاصتها لتهتف بسرعه وغضب :
-أخبرتك من قبل ابي ان تتوقف عن هذا انا لن استطيع العيش بدونك وادعو الله كل يوم ان يقبض روحي قبلك وقبل ان اري فيك مكروه….!
ليبتسم بحب وهو يضع رأسها علي ركبتيه مرة اخري قائلاً بهدوء :
-حسناً يا صغيرتي اعدك الا أتحدث بالأمر مجدداً…
ليختفي غضبها ورغماً عنها ظهرت ابتسامتها من جديد لتقول برقة :
-لقد أصبحت أماً لطفلين ومازالت تناديني صغيرتي..
ليهمس بحب :
-والله لو أصبح عمرك الخمسون عاماً لأظل أناديك بصغيرتي لأنك ستبقين كذلك الي الأبد يا طفلتي الجميلة…..
-يا إلهي ألن تتوقف عن التغزل بزوجتي يوماً..؟!
جاء صوت “حسن” هذا المرة حانقاً متذمراً فدائماً ما يغار من علاقة زوجته بأبيها علي الرغم من انه حين تقدم لخطبتها أخبرته بصراحة مطلقة انها تعشق أبيها ومتعلقة به وان حبها يوماً لن يصل لنصف حبها لأبيها فتقبل ذلك ظناً منه انه سيجعلها تحبها أكثر لكنه فشل ، ضحكت بقوة وكادت ان تتحدث ليقطعها صوت والدها الحانق :
-ماذا تريد الأن ؟! الا يكفيك ابتعادها عني لأسبوع كامل فقط لأجلك..!
ليقول بذهول :
-بربك .! عمي خالد انا لست صديق ابنتك انا زوجها..!
ليجيبه بعدم اهتمام وهو يشيح بوجهه :
-لا يهمني ما تقول الاهم ان صغيرتي لن تبتعد عني لأيام طويلة مرة أخري
ليجلي حنجرته قائلاً بهدوء مستعداً لثورة عمه :
-وهذا ما جئت لأخبرك اياه انا مضطر أسفاً ان اخبرك اننا سنسافر مرة اخري
ليصيح بتعجب واستفهام :
-ماذا ؟!. ولكن الي اين ؟!.لا تقل انكم سط تعودون للإمارات مرة أخري ؟!
ازدرد ريقه بصعوبة ليقول بهدوء نسبي :
-لا لن نسافر خارج مصر هذه المرة سنذهب لمسقط رأسي الصعيد
قطب جبينه قائلاً :
-ولكن لما ؟!
ليهتف “حسن” بنبرة عادية كالمغيب :
-انت تدري عمي ان سارة قاربت علي بلوغ التاسعة من عمرها لذلك قررنا انا ومريم اجراء الختان لها……!
العادات ليست مجرد فكرة بل اسس راسخة في عقولنا تربينا ونشأنا عليها تعلمنا ان عاداتنا جزء لا يتجزأ من هويتنا “مريم” ليست شخصية خيالية بل هي تجسيد لكل فتاة تعاني من جهل العادات وتذبح بدعوي الحماية تقيد كالذبيحة بدعوي مصلحتها انها قصة تتكرر كل يوم بكل مكان تتعالي صرخات الاناث فتندثر بين صيحات التهنئة والفرحة الزائفة ولا يحق لها الاعتراض فنحنا كالسبايا حررنا الله وقيدنا المجتمع ، تنهد بعمق قبل ان يخوض ذلك الحديث متألماً بداخله من ذكري عادت الي ذاكرته وقتها أدرك ان مهما بلغنا من تقدم ورقي فمازالت قيود الجهل معلقة برقابنا تحرر القليل وبقي العديد يجاهدون بضراوة للتحرر من لعنة العادات……..
* تمت بحمدالله *
بقلمي / بسمة مجدي