لعنة العادات |للكاتبة بسمة مجدي

_ الفصل الثالث _
_ قرار _

صدم من حديث امه فلم يأتي ذلك الموضوع علي باله ليقول بتردد :

– لا أدري يا أمي لكني سمعت ان إجراء الختان خطر ويضر الفتاة !

احتدت ملامحها لتقول بحده :

– هذا كلام فارغ يا بني نحن نفعلها منذ زمن ولم يؤذي احد من قبل…

صمت لثواني فهو ليس عنده معلومات كافية عن هذا الموضوع لتسارع بإقناعه :

– ان ذلك يحفظ الفتاة ويحميها فلا تضمن حين تكبر ان يلتف حولها احد الشباب الفاسد ويجعلها تخطئ وتضع رأسنا في الوحل !

ليقول بحده :

– لا يا أمي ليست مريم من تضع رأسنا في الوحل انها ليست ذات تربية فاسدة

– انا لم أقل هذا يا عزيزي ولكن الشيطان حين يعبث بالعقول لا يتركها الا حين تخطئ !

رغماً عنه لعقليته وثقافته المحدودة أخذ يفكر في حديث والدته بجديه فهي محقة فحين تكبر ابنته ستكون فائقة الجمال وهو يدري رغم ان معالم الأنوثة لم تظهر عليها بعد ليقول بقلق :

– من سيجري لها تلك العملية إذن ؟!

لتجيبه بلؤم :

– لا تقلق انا اعددت كل شيء انا اعرف سيدة ضليعة بتلك الأمور وفعلتها كثيراً من قبل ولن تكلفنا الكثير !

صمت قليلاً ليقول بتوجس :

– لكني اظن انه من الأفضل ان يجريها لها طبيب !

رمقته بغيظ وهي تردف بامتعاض :

– ومن الطبيب الذي قد يفعلها ؟!انت تدري انهم الان يتقلدون بالغرب ويرفضون عاداتنا وتقاليدنا التي تربينا ونشبنا عليها

اجابها بتوتر :

– حسناً امي لكني سوف أستشير صديق لي يعمل كطبيب قبل أي شيء…

– كما ترغب يا عزيزي لكن اطلعني علي موافقتك مساءً حتي اخبر تلك السيدة

غادرت والدته واخذ يفكر جدياً في الامر علي الرغم من اقتناعه بالأمر فلا ضرر به لينوي الذهاب لصديقه الطبيب ليري ما رأيه ليصيح بصغيرته التي أتت ركضاً :
مريم..! سنذهب كلانا للتنزه قليلاً صغيرتي هيا لأبدل لكي ثيابك

أخذت تصفق بسعادة وركضت للداخل لتختار ثيابها ليطالعها بألم ولا يدري لما قلق عليها لكن اسكت صوت ضميره بأن ذلك لمصلحتها ، وصل الي منزل صديقه ليتركها تلعب في الحديقة مع اطفال صديقه ويجلس بجواره في مكتبه ليقول بعد صمت دام لعدة دقائق :

– حسن.! انا قررت ان أجري ختان لمريم

لينتفض “حسن” ويقول بحده :

– هل جننت يا خالد الا تدري ما خطورة الأمر لقد منعنا نحن كأطباء من فعلها

ليقول بدون تعقل كأنه كالمسحور :

– ولكن لما يا حسن انها تحفظ الفتاة وتعصمها من الوقوع بالخطأ !

ليجيبه بهدوء :

– لا أحد معصوم من الخطأ يا صديقي واذا ربيت ابنتك جيداً فلا تخش شيئاً !

تأفف بضيق :

– لا تحادثني بالمنطق يا حسن فقط أخبرني ان كان ذلك يضرها… ؟

تنهد ليجيبه بعملية من معرفته كطبيب :

– حسناً سأدع المنطق جانباً اتريد الحديث علمياً لك هذا ان الختان يا صديقي عادة إفريقية وتعد احد الوسائل لأهانه المرأة ولذلك مصر والسودان هما الدول العربية الوحيدة التي تقوم بهذه العملية وبنسب عالية أيضاً ذلك لا يمنع ان هناك بعض الدول العربية التي تقوم بها لكنها بنسب قليله او شبه منعدمة ننتقل للتأثير علي الفتاة انه يؤثر سلباً علي نفسيتها ويجعلها تهاب كل شيء وتفقد ثقتها بالجميع ولن تستطيع ممارسة حياتها الزوجية بصورة طبيعية هذا غير اضراره الجسدية فهذا نوع من انواع التشويه ! والألم الدائم

ليقطع حديثه باستخفاف :

– هذا كلام فارغ يا حسن كل النساء في بلادنا اجري لها تلك العملية وهن بألف خير وصحة !

ليقول “حسن” بسخرية :

– وما أدرك بأنهن بخير فمجتمعنا يضع لجام علي فم الأنثى بالا تنطق بشيء عن زواجها او عن حالتها او رغبتها وان فعلت اصبحت فاسقة وعديمة التربية !

ليهتف بتردد ليس فقط ليقنع صديقه بل يقنع نفسه بذلك أيضاً ..! :

– انا لا أصدق هذا فأمي وزوجتي كذلك وهم بخير ولم يشتكوا وبالنسبة للأثر النفسي انا سأعوض صغيرتي وسأتي لها بكل ما ترغب به من العاب وهدايا وحلوي وستنسي كل شيء …

ليضحك “حسن” بسخريه ، ليلتوي فمه بتهكم ويهتف :

– أتظن حقاً ان حادثة كتلك سيداويها بعض الالعاب والحلوى والله لو بمال الدنيا كله لن تقدر علي تعويضها
ليرد “خالد” بتردد :

– ولكن هذه العمليات من اوامر ديننا ولو كان خاطئاً لما شرعه الله !

تنهد بعمق ليردف بجدية :

– مشكلتك خالد انك لست فقط جاهل بأمور دنياك بل جاهل بدينك ايضاً !

قاطعه بحده :

– انتبه لحديثك يا رجل ! فانا لن اسمح بتقليل من شأني اذا كان لديك ما يفيد قل والا دعني اغادر!

كاد ان ينهض ليجلس مرة اخري وهو يهتف بمهادنة :

– حسناً حسناً لك ما تريد فقط أهدئ يا صديقي..فلنعد لحديثنا كما قلت الان ان ديننا يأمرنا بأجراء الختان أليس كذلك ؟!.

اومأ ليتابع بجدية :

– ديننا الاسلام يأمرنا بإجراء الختان للرجل وليس المرأة ولا يوجد اي نص في كتابنا القرآن يأمر بختان المرأة ولا يوجد حديث شريف ينص علي ذلك أيضاً وكما ان الرسول لم يختن بناته ولا تنسي قول رسولنا الكريم (رفقاً بالقوارير) اخبرني انت أين الرفق في ذبح طفلة.!

لم يقتنع بحديثه ليهتف :

– ولكني سمعت بعض الشيوخ يقولن انه يجوز اجراءه للأنثى وان في ذلك مكرمة لها !

– اعذرني يا صديقي لكني لا اؤمن سوي بربي وحديث رسوله والشيوخ بالآلاف وأراءهم عديدة والفيصل هو كلام الله ورسوله !

– الاسلام لم يشرع الختان ولكنه لم يحرمه ايضاً !

– ولم يشرع الرق (العبودية) ولم يحرمه ايضاً أتدرى لما ؟!.

– ديننا دين يسر وليس عسر ديننا دين الحكمة والرفق والسلام وحينما جاء الاسلام كانت العبودية جزء من عادات المجتمع الراسخة من آلاف السنين ومنع عادة من عادتك يعني جزء منك لذلك منع الله الرق تدريجاً فبدأ بتشجيع الصحابة علي تحرير العبيد وجعل عتق رقبة مغفرة للذنوب وجعل الأمة حرة اذا انجبت او توفي سيدها !
عليَ صوت قلبه يطالبه بالاستماع له ولا يؤذي صغيرته لكن عقله أستطاع إسكات قلبه ليتولى زمام الامور ليقول بجمود :

– صدقت أمي حين أخبرتني ان العلم يفسد العقول ويجعلنا نتقلد بالغرب المتحررين

ليجيبه “حسن” بابتسامة كانه يسخر من تلقيبه للعلم بفسادٍ للعقول :

– انا لن أفعلها بطفلتي يا خالد وان كنت تري ذلك فساد عقل فأهلاً بعقل فاسد لا يجعلني اؤذي صغيرتي !

ليتمتم غاضباً لا يدري من نفسه ام ان حديث صديقه قد ايقظ ضميره :

– انا راحل هنيئاً لك بأفكارك الغربية !

خرج من المنزل ليحمل صغيرته ، كاد يرحل لكن أوقفه صياح “حسن” المحذر الذي جعل قلبه ينتفض انتفاضاً :

– ستندم يا صديقي ستندم بجهلك ستقضي علي طفولة ابنتك وبراءتها واذا قلت عُد يا زمان لن يعود فقط تذكر انه لن يعود !

ليتجاهل حديث صديقه ويضع حجراً علي قلبه ليصل لمنزله ، قبل صغيرته بعد ان غفت من إرهاق اليوم ليدثرها جيداً في فراشها ، خرج من الغرفة ليرفع هاتفه ليقول بجمود حين أجاب الطرف الأخر :

– أخبري تلك المرأة ان تستعد يا أمي وتأتي غداً فانا قررت ان أجري ختاناً لمريم..!

#يتبع….
#لعنة_العادات
#بسمة_مجدي

error: