ظلمني من أحببت بقلم سمر شكري

ظلمنى من أحببت

الفصل الحادى عشر

الهدوء القاتل يعم المكان، يقف ثلاثتهم بجوار السيارة، ينظر حسام بين الحين والآخر فى ساعة يده، بينما زين يراقب الطريق فى انتظار وصول الخاطفين، أما هشام فقد كان يعتنى بحقيبة الأموال
من ينظر إلى المشهد فى اللحظة الأولى قد يظن أنهم بمفردهم، ولكن هناك سيارات الشرطة التى تتوارى عن الأنظار داخل الصحراء متأهبة للهجوم فى اللحظة المناسبة
ما هي إلا لحظات حتى لمح زين ضوء سيارة تقترب منهم وتهدئ من سرعتها، نبه كلا من هشام وحسام إليها فاعتدلو فى وقفتهم بانتظارها
وقفت السيارة على مقربة منهم وترجل منها رجلان ملثمان و ملابسهما تتشح بالسواد، ليقول أحدهما :
جبتو الفلوس ؟
ليرد عليه زين بصوته الأجش الذى حرص على أن يحمل القوة فى طياته : يوسف فين ؟ مش هتاخدو قرش واحد غير لما استلمه منكم
أشار الرجل لزميله برأسه علامة إحضار الولد من السيارة، فذهب الآخر وأحضره نائما على ذراعيه ليحاول حسام الاقتراب منه بلهفة لأخذه فقاطعه أحد الرجلين قائلا :
استنى عندك، هات الفلوس الأول
حسام بلهفة : انتو عملتو فيه إيه
أحد الخاطفين : متخافش هو نايم بس
أشار زين لهشام لكى يناولهم الأموال ، بينما تناول زين منهم يوسف وعند هذه اللحظة تعالت ابواق سيارات الشرطة معلنة عن بدء المعركة حيث حدث تبادل لإطلاق النار، أسرع كل من حسام وهشام إلى السيارة ، وزين الذى كان يحمل يوسف بين ذراعيه شعر بشئ ما يحرق ذراعه ولكنه لم يمهل نفسه الفرصة ليتوقف ويرى ما به، أسرع خطاه وأمر هشام الذى كان يحتل مقعد السائق بالرحيل فورا

بعد ابتعادهم بمسافة كافية توقف هشام بالسيارة واستدار هو وحسام ليطمئنوا على يوسف ولكنهم تفاجئو بمنظر زين الممسك بذراعه الأيسر متأوها فى صمت، ليشهق هشام قائلا :
زين، إنت اتصابت، مقولتش ليه؟ إحنا لازم نطلع عالمستشفى
زين بألم حاول اخفاءه : نروح يوسف البيت الأول، أكيد علياء هتموت من القلق عليه
حسام : لا إطلع عالمستشفى يا هشام حتى نطمن على يوسف ونكلم علياء نطمنها
توجه هشام إلى المشفى، وبمجرد وصولهم أمر طبيب الطوارئ بتوجه زين إلى غرفة العمليات لاخراج الرصاصة وإجراء اللازم ، كما أخذ يوسف إلى غرفة الفحص للاطمئنان عليه، وهناك طمأنهم الطبيب أنه بخير ولكنه نائم أثر جرعة طفيفة من المخدر لن تؤثر عليه أو تلحق به اى ضرر
وبعد مرور نصف ساعة، كان زين يتسطح أحد الأسرة وبجواره صديقه هشام، وحسام الجالس بجوار يوسف على السرير الاخر بالغرفة
فتح الباب فجأة واندفعت منه علياء مهرولة ، فهى قد أتت مع ايمان وهند ورانيا بعد أن اتصل بهم هشام واخبرهم ماحدث. توجهت علياء إلى طفلها محتضنة إياه، مقبلة وجنته ورأسه، ثم توجهت بنظرها إلى زين الذى بدأ يفيق من أثر البنج وكأنه استنشق عبيرها فى الغرفة فأرسل رسالة إلى عقله آمرا إياه بالاستيقاظ
خاطبته علياء قائلة : حمدلله ع السلامة. متشكرة جدا عاللى عملته
زين بوهن : أنا معملتش حاجة، انا وعدتك انى ارجعهولك سليم ونفذت وعدى مش اكتر
ايمان مخاطبة زين مربتة بكفها على كتفه : حمدلله ع السلامة يا حبيبى
زين بابتسامة : الله يسلمك يا أمى

كان مروان فى شقته يحدث المحامى على الهاتف قائلا :
يعنى إنت خلاص مشيت فى الإجراءات ؟
المحامى : آيوه، إعلان القضية هيوصلها بكره أو بعده بالكتير
مروان : تمام اوى كده
أغلق الهاتف وأكمل مخاطبا نفسه : ماشى يا علياء ، إما خليتك تيجى مذلولة وتركعى تحت رجلى تترجينى نرجع لبعض مبقاش أنا مروان العشرى

وفى مكان آخر، يجلس الشاب مع والده
شادى : أنا مش مطمن له، حاسس إنه بيلعب من ورانا، قال منتصلش ولا نظهر فى الصورة، بس هما ليه مااتصلوش وعملو اللى كنا بنخطط له
عبدالسلام الوالد : والله ما عارف ، أنا فعلا ابتديت اقلق، وهو كمان مبيردش على تليفونه
شادى : أنا هسافر له بكره القاهرة واشوف إيه اللى بيحصل
عبدالسلام : وأنا هاجى معاك أروح لهم كأنى بطمن عليهم ونشوف إيه الاخبار

أما فى المشفى، فقد أتى هشام اتصال من الظابط يخبره بأن الخاطفين قد لقو حتفهم بعد إصرارهم على الهروب وعدم الاستسلام كما أخبره بأن حقيبة المال بحوزته لكى يمر عليه ويأخذها منه

كانت علياء جالسة محتضنة يوسف الذى أفاق لفترة وعندما اطمئن أنه بحضن والدته عاد لغفوته مرة أخرى وفى مقابلتها يتسطح زين الذى يبدو عليه الشرود

أما ايمان فقد رحلت مع هشام ورانيا متوجهة إلى المنزل لإحضار ملابس نظيفة لزين بعد أن أخبرتها علياء أنها ستظل بجواره لحين عودتها، أما هند فتحججت برغبتها فى الرحيل للاطمئنان على طفلتها التى تركتها بمنزل والديها فاضطر حسام إلى إيصالها ولكنها فى الحقيقة كانت تريد اتاحة المجال لزين وعلياء للحديث معا

كان الصمت بينهم هو سيد الموقف بعد رحيل الجميع ، كسر زين هذا الصمت مخاطبا إياها بمزاح :
هو انتى ليه دايما سبب فى دخولى المستشفى ؟
نظرت إليه ويعلو طرف شفتيها ابتسامة قائلة : يمكن انت اللى بتظهر فى توقيت بحتاجك فيه
شعرت برغبة عارمة فى استجوابه ومعرفة ما يدور فى ذهنه تجاهها، ظلت تفرك يديها بعصبية ممزوجة بالتوتر، ثم باغتته بسؤالها : إنت عملت كده ليه ؟
نظر اليها متعجبا سؤالها، ثم أجابها قائلا : يوسف إبن أخويا يعنى لحمى ودمى يعنى اعمل المستحيل عشان انقذه
رفعت رأسها ونظرت فى عينيه متوسلة إياه إن يفهم مقصدها وأخبرته : أنا مقصدش دا، أنا قصدى اللى عملته فيا زمان، ليه تلعب بمشاعرى وتتخلى عنى
غضب زين من اتهامها له فتحرك حركة سريعة أدت إلى تألمه، فتأوه نتيجة ذلك ثم نظر إليها والشرر يتطاير من عينيه قائلا: انتى بتتهمينى كده ازاى، انتى المفروض متتكلميش معايا بعد اللى عملتيه زمان، انتي لعبتى بيا أنا واخويا زمان وكنتى سبب فى زيادة المشاكل بينا، انتى لعبتى بمشاعرنا واتسليتى بينا ووقت الاختيار كفة مروان هى اللى كسبت
نظرت إليه بصدمة وذهول، فهى لا تدرى عم يتحدث ولا تفهم شئ مم يقول، نظرت إليه قائلة : إنت بتقول إيه، أنا مش فاهمة اى حاجة من اللى انت بتقوله ، أنا عمرى ما قابلت اخوك ولا شفته من بعد أول لقاء بينا غير يوم كتب الكتاب
شعر بأن هناك حلقة مفقودة وخاصة أنه لمس الصدق فى كلامها، وهى أيضا رأت بعينيه نظرات الحب تجاهها فكيف له أن يتخلى عنها، هم زين بسؤالها عن شئ ما ولكن قطع حديثهم صوت طرقات باب الغرفة وقد كان الطبيب أتيا للاطمئنان على جرحه، فاستأذنت علياء فى الانصراف حتى ينهى الطبيب عمله، وقفت بخارج الغرفة تفكر فى كلامه وتبادر إلى ذهنها احتمالية تلاعب مروان بهم ولكنها تذكرت التسجيل الصوتى لزين فطردت الفكرة من رأسها وقررت مواجهته بالحقيقة وكان هذا هو نفس تفكير زين

أتى كل من هشام وايمان أثناء انتظارها بالخارج ، وبعد انتهاء الطبيب من فحصه دلفو ثلاثتهم سويا إلى داخل الغرفة، شعر هشام بتوتر النظرات بينهم وكأنهم تحدثو سويا فى شئ ما قبل مجيئهم، تردد فى فتح الموضوع امام ايمان، فربما يضايقها ماسيقوله عن مروان، وشعرت ايمان أيضا بتبادل نظراتهم فقررت هى البدء بالحديث قائلة : اتخليت عن حبك ليها ليه زمان طالما بتحبها كده ومش قادر تشيل عينك من عليها ؟
توتر كلا من زين وعلياء ولم ينطق أحدهم بشئ، كانت علياء تنظر ارضا بخجل يشوبه بعض الغضب من زين، أما زين فتنهد تنهيدة عميقة ولم يقو على الرد، فأخذ هشام مبادرة الحديث قائلا :
تسمحيلى يا طنط أتكلم أنا، وأنا أسف مقدما عاللى هقوله بس هى دى الحقيقة اللى لازم تظهر، علياء وزين سابو بعض بسبب خطة دنيئة من مروان
قص عليهم هشام ما أخبرته به هند وأخبرهم استنتاجه من حديثهم معا من خسة ودناءة مروان، و استغلال تفكيره الشيطانى فى التفريق بين أخيه ومن يحب
بكت ايمان ولم تستطع الحديث، فكيف تتحدث وولدها هو من سبب لهم العذاب، كرهه لاخيه جعله يبعده عن حبيبته، كما أنه لم يحبها ويحافظ عليها بل عذبها واهانها وكانت تصل به إلى حد الخيانة
نظرت علياء إلى زين نظرات لوم وعتاب، فكيف يظن بها الخيانة، كيف يفكر أنها يمكنها التلاعب بمشاعره، شعرت برغبة فى البكاء فاستأذنت بالرحيل حيث أنه لاضرورة من وجودها الان، وتعللت برغبتها فى الراحة بجوار طفلها بعد ما عانته الايام الماضية، وعرض عليها هشام إيصالها فوافقت حرصا على حياة طفلها وخوفا من أن يكرر مروان فعلته

بعد رحيلها وبخت ايمان زين على تصديقه مروان، وأخبرته بخطأه فى اختيار طريق الهروب وعدم المواجهة فشعر بالندم وانه كان له يد فى حرمانه من علياء كل تلك السنوات، فهو بغباءه لم يتبين حقيقة ما أخبره به أخاه

أما عند علياء، فبعد أن وصلت منزلها، وضعت يوسف فى فراشه وتمددت بجانبه آخذه إياه فى أحضانها، فهى تعذبت فى بعده عنها، حاولت أن تخمن ماينويه مروان تجاهها ولكنها لم تقدر يوما على توقع ما يمكن أن يهديه تفكيره إليه، غفت بعد أن توعدته بالانتقام نظير ما جعلها تعانيه خلال سبع سنوات
استيقظت فى صباح اليوم التالى على صوت دقات الباب، توجهت لترى من الطارق الذى كان شخصا قد أتى من المحكمة مسلما إياها إخطار برفع دعوى ضدها ، فضت المظروف وقرأت ما به ليظهر الغضب جليا على محاياها ويتطاير الشرر من عينيها وتصرخ قائلة : هقتلك يا مرواااان ، هقتلك لأنك كده زودتها وجبت أخرى

نهاية الفصل

error: