أحببت فريستي
_23_
حطت الطائرة علي الأراضي المصرية ليتنهد براحه غريبة ربما لأنه سيقابل والده ام تلك الارض التي عاش لعشرة سنوات من عمره عليها ارتدي نظاراته السواء التي تتماشي مع بذلته القاتمة ليخرج الي المطار بخطوات واثقة قوية وهيبته تفرض نفسها بقوة ليخرج ويبحث بعيناه عن السيارة التي من المفترض ان تقله الي وجهته ليأتيه صوتاً أجش قائلاً بترحاب مبالغ :
– welcome يا بيه
رمقه باستحقار ليتابع البحث بعينيه ليردف الرجل بسماجة وهو يحاول اخذ حقيبته :
– تاكسي يا بيه ؟ welcome والله
لم يفهم منه شيئاً سوي انه يرغب في توصيله ابتعد عنه قليلاً ليقول بضيق بلغته الإنجليزية :
– ابتعد…أنا لم أطلب منك شيئاً!
عبست ملامح الرجل من غروره رغم عدم فهمه لما قال فهو يحفظ بضع كلمات لتساعده علي التحدث مع الأجانب ليس الا ليبتعد قائلاً بامتعاض :
– يا عم في داهيه يعني كنت هوصل السفير!
لم يستمع جيداً لما قاله لكن يبدو من ملامحه انه يسبه اقترب في نيته التشاجر ليصل صوت السائق قائلاً بأسف :
– أعتذر عن التأخر سيد دانيال فالطريق كان مزدحم للغاية…
رمي بحقائبه ارضاً ليصعد الي السيارة ببرود ، حملها السائق ووضعها بسيارته وانطلق في طريقه…
امتعضت ملامحه وهو يتابع ذلك الطريق المزدحم حتي توقفت السيارة في إحدى الاشارات المرورية ليصدم بفتاة تكاد ان تدخل رأسها من زجاج سيارته قائلة بترجي مبالغ به :
– اللهي يسترك يا بيه حاجة لله…ربنا ما يوقعك في ضيقة…
هتف بالسائق بعدم فهم :
– ماذا تقول تلك الفتاة ؟ ولما تتصرف بهذا الشكل الغير مهذب ؟
صاح بها السائق لترحل لكنها أصرت ليقول باستسلام :
– سيدي…انها تطلب المال فهي من المتسولون…
رفع حاجبه بتعجب قائلاً :
– وهل يتسول شخص بهذه الطريقة ؟
ضحك السائق قائلاً :
– أجل تلك هي طرق التسول هنا…مرحباً بك في مصر سيدي!
فتحت الإشارة ليشير له بالتوقف جانباً لتهرع اليه الفتاة بلهفة ، أخرج حفنة من النقود ليعيطها للسائق قائلاً بهدوء :
– أعطيها هذه الأموال وأطلب منها الا تتسول بتلك الطريقة مرة أخرى فهي فتاة صغيرة وقد يؤذيها أحداً ما !
تفاجئ السائق حقاً فمن يعطي هذه المبالغ لفتاة تتسول! بل وينصحها أيضاً علي الرغم من عجرفته يبدو طيب القلب ليعطيها النقود ويقول لها ما أخبره به لتلتمع عيناها بفرح وتقول بقلة حيلة :
– ياريته كان بإيدي يا بيه احنا عالم غلابه ومجبورين نعمل كده علشان نعيش
رغم أنه لم يفهم حديثها لكنه لمح حزن عميق بعيناها ليترجم له السائق ما قالته ، فأخرج ورقة صغيرة ودون عليها بضعة ارقام ليعيطها للسائق قائلاً بنبرته الجادة :
– أعطيها هذه الورقة واخبرها انه رقم هاتفي وان تحادثني اذا احتاجت شيئاً او اصابها مكروه…
أخذتها الفتاة بسعادة وهي ترمقه بامتنان داعية له بالكثير رغم عدم فهمه لكنه ابتسم لها بحنو فهي صغيرة العمر تبدو أنها لم تصل الي الثانية عشر من عمرها ليأمر السائق بجمود بعد ان اعاد نظاراته :
– هيا فلتكمل طريقك…
*****
بعد ان رحل ذلك الرجل الكريم رغم كونه أجنبياً هرعت الي اقرب مطعم لتشتري لرفاقها الطعام وهي تبتسم بسعادة بالغة وصلت الي ذلك الحي الفقير ذو المباني المتهالكة واتجهت نحو أحد المخازن التي تأكلها الصدأ لتدلف قائلة بلهفة وصوت عالٍ :
– أنا جبت اكل تعالوا بسرعة يالا يا ياض انت وهي !
هرع جميع الأطفال اليها ليبدأ بتناول الطعام بشراهة كما لم يأكلوا منذ قرون! ليصلهم صوت زعيمهم الغاضب :
– ده ايه العز ده كله يا روح امك انت وهي ؟ مين جاب الأكل الأبهة ده ؟
نهضت الفتاة بارتجاف قائلة بتقطع :
– أنا…أنا الي جبته يا معلم!
جذب خصلاتها بعنف هادراً بقسوة :
– وجبتيه منين بقي يا روح امك ؟ ده كباب وكفته ومن الغالي كمان يا حيلتها!
بكت الفتاة بخوف ليفتشها بوقاحة حتي اخرج حفنة من النقود ليزمجر بصوته الخشن :
– ده ايه ده بقي ؟ انطقي يا بت هببتي ايه علشان تاخدي الفلوس دي كلها ؟
رددت بارتجاف :
– واحد بيه ربنا يكرمه ادهوملي…
مال ثغره بسخرية قائلاً :
– وهو في حد يدي شحات فلوس كتير كده ؟ انتي هتستعبطي يا بت ؟ يكونش قضي معاكي ليله ؟ قوليلي علشان اشغلك في السكة دي طالما بتجيبي منها فلوس عنب كده … !!! ما انتي معدتيش صغيرة!
بكت برعب فالتسول أفضل بكثير من بيع جسدها لتردف ببكاءٍ متوسل :
– أبوس أيدك يا معلم متعملش كده والله زي ما بقولك كده أصل البيه شكله اجنبي ومش بيتكلم عربي انا صعبت عليه فاداني الفلوس دي ورحمة اهلي ده الي حصل!
تفحص جسدها الذي بدأت تظهر عليه إمارات الانوثة بوقاحة قائلاً بخبث وهو يترك خصلاتها :
– والله كبرتي وادورتي يا بت يا زُهرة وانا مش واخد بالي!
هوي قلبها ارضاً من كلماته التي لا تعني سوي شئ واحد لترتعد اوصالها حين تسمع لأمره لأحد صبيانه :
– اسمع يالا من بكره تأخد البت دي لستك نعيمة تظبطها علشان عندها طلعة جديدة! وانتي غوري لمي هدومك ولا بلاش نعيمة هتجبلك لبس يليق بشغلانتك الجديدة بدل لبس الشحاتين ده!
*****
جلست واجمة امام النافذة وهي تستمع لصياح شقيقتها الباكية لتقلب عينيها بملل وهي ترفع هاتفها وتتطلع الي صورته باشتياق قاطعها تلك الصياحات بالخارج لتنهض بغضب وتفتح الباب ولم تكد تتحدث حتي اندفعت “سارة” تحتضنها ببكاء قائلة :
– وحشتيني يا ليلي…وحشتني اوي…هنت عليكي كل السنين دي متكلمنيش!
ابتعدت بصدمة حين استشعرت جمودها وانها لم تبادل ضمها لترفع رأسها قائلة ببرود :
– خلصتي الفيلم الهندي والتمثيل الرخيص بتاعك ده ؟… انا محتاجة شوية هدوء ممكن ؟!
وأغلقت الباب بوجهها بهذه البساطة لتشعر بذراعي “يوسف” يضمها من الخلف قائلاً بلطف :
– متزعليش يا سارة انا قولتلك من الأول انها مش قابلة تشوف حد…
دمعت عيناها لتهمس بقهر :
– دي كانت بتعتبرني أمها يا يوسف! أنا نسيت بنتي في وسط مشاكلي لحد ما كرهتني!
مط شفتيه بأسف ليديرها ويمسح دموعها التي انهمرت بغزارة قائلاً برفق :
– هي مكرهتكيش يا سارة…ليلي بتحبك بس محتاجة شوية وقت…خلينا نعتبر ان الي عملته ده طيش شباب لان كلنا غلطنا بس خلاص دلوقتي احنا سوا ومتجمعين تاني وكل حاجة هتبقي تمام!
شبح ابتسامة ارتسم علي وجهها لترد بتعب :
– طب يا يوسف أنا هروح علشان سايبة العيال لوحدها وهبقي أجي تاني انشاء الله…خلي بالك من ليلي ومتقساش عليها احنا لسه منعرفش ايه الي خلاها تعمل كده!
تنهد ليردف بهدوء نسبي :
– حاضر يا سارة متخافيش مش هأذيها هي في الأخر بردو هتفضل أختي الصغيرة مهما عملت !
وانصرفت مغادرة ليتنهد بتعب ويجلس علي الأريكة بجوار “ميرا” الشاردة ، قطب جبينه من صمتها وشرودها ليضربه الادراك انه أغلق باب غرفتهم ونام بمفرده وجعلها تنام بغرفة أخرى ولم ينتبه من شدة غضبه من وقاحة “ليلي” اقترب ليحاوط كتفيها بذراعيه هامساً بعبث متعب :
– الجميل سرحان في ايه ؟ لو فيا فانا جمبك أهو مش محتاجة تسرحي في وسامتي !
لم ترد فقط طالعته بعتاب ليميل ويقبل جبينها برقة كاعتذار عن غضبه عليها ويهبط بقبلاته الي وجنتيها هامساً :
– بحبكـ…ومش قصدي أزعلك…وقت غضبي مبشوفش حد وانتي عارفة…
لم تستطع منع ابتسامتها من الظهور لتبتعد برأسها قليلاً هامسه :
– حاسة بيك و مطلبتش تبرير لأفعالك بس غصب عني قلبي بيوجعني لما تقسي عليا او تبعد عني!
تأمل عيناها الزرقاء التي أسرته في عشقها منذ أول نظرة ليرفع كفها ويلثمه بحنان دون ان يبعد بصره عن عينيها قائلاً :
– بقي حد يزعل القمر ده ؟ دانا حيوان !
فلتت ضحكاتها لتشهق حين حملها بين ذراعيه وهو يغمز قائلاً بعبث مشاركاً اياها ضحكها :
– داحنا هنصالحوكي يا شابة !
*****
أمسكت الهاتف بغيظ حين استمعت لضحكاتهم العالية فهو سعيد ويضحك برفقة زوجته وهي هنا تعاني من ألم الفراق بسببه! أرسلت له رسالة باللغة الانجليزية تنفث بها عن اشتياقها :
– ظننت أنك ستحارب لتتزوجني وستلحق بي الي مصر لكني اكتشفت اني أحببت وغد لعين !!
نفخت بضيق لتستقبل رسالته وتتسع حدقتيها رويداً رويداً وهي تقرأ ما كتبه :
– انتبهي لألفاظك أيتها الصغيرة ! لا تظني ان وجودكَ في منزل أخيكِ يمنعني من القدوم وتهذيبك فتاتي الوقحة ! ويبدو اني سأعاقبكِ علي أخطاء كثيرة فكيف لم تخبريني ان بلادكم بهذا الزحام!
فلتت منها صرخة سعيدة لتتصل به فوراً وتصرخ بحماس شديد ما ان أجاب :
– داني ! قل انكَ تمزح! انت حقاً بمصر أيها البغيض لما لم تخبرني بوصولك ؟
أبعد الهاتف قليلاً من صراخها العال الذي كاد يثقب أذنه ليقول بضحك :
– اهدئي صغيرتي لقد وصلت الي الفندق للتو!
– متي ستأتي لتطلب يدي ؟ أنا لم أعد أحتمل الجلوس بهذا المكان!
ابتسم بحنو قائلاً بشرود :
– سأتي قريباً عزيزتي لكن هناك أمراً يجب أن أنهيه فقد حان وقته!
قطبت جبينها وما كادت تسأله حتي أدركت عما يتحدث لتهمس بحزن :
– ستقابل أباك اليس كذلك ؟
صمت متنهداً بحرارة فكم اشتاق له لتردف بابتسامة :
– أتعلم داني…نحن لدينا عادة إذا أراد الشاب أن يتقدم لفتاة للزواج منها أن يأتي برفقة أبيه او والدته لذلك سأنتظرك أن تأتي مع والدك وتطلب يدي للزواج !
أغمض عيناها يسيطر علي رغبته باختطافها تلك الصغيرة التي سرقت قلبه وتفهمه من دون كلام وتجيد مواساته والتخفيف عنه رغم المسافات بينهم ليقول بجدية :
– سأغلق الأن وسأحادثك لاحقاً …
تفهمت رغبته وأغلقت الهاتف لتشرع في تقبيله بعمق كالمراهقات وترتمي علي الفراش هامسه في نفسها :
– هحبك ايه اكتر من كده بس…
*****
وضع رأسه بين كفيه متنهداً بتعب وبالكاد يكبح دموعه بصعوبة ، هب واقفاً حين خرج الطبيب ليتسأل بلهفة :
– هي كويسة صح ؟
أجابه الطبيب بعملية :
– متقلقش يا سيادة المقدم بنت حضرتك بخير هي بس حطينها علي جهاز التنفس بس محتاجك معايا دقيقتين…
تنفس الصعداء ليومأ له وقد أستعاد قناعه الصلب ليتجه نحو مكتب الطبيب ويجلس ويبدأ بسرد ما حدث للطبيب الذي عقب بجدية :
– دي مش نوبة فزع عادية انت محتاج تشوف دكتور نفسي واضح انها عندها مشكلة نفسية واكيد شافت حاجة فكرتها بيها!
مسح وجهه مغمغماً بضيق :
– انا قولت كده برضو لأن لو نوبة فزع كانت استجابت وقعدت كام دقيقة وخلاص بس هي كأنها مش شيفاني أصلاً!
– أنا هكلم دكتور شاطر أعرفه استأذنك دقيقة وهبعتهولك…
غادر الطبيب ليتركه في حيرة من أمره أأ صغيرته تعاني بهذا الشكل تري ماذا حدث معها لتصل الي تلك الحالة قاطعه صوت الطبيب الشاب :
– أهلاً يا سيادة المقدم!
صافحه ليجلس أمامه بابتسامة بسيطة ويطلب منه سرد كل ما يعلمه عن الصغيرة فحكي له كل ما حدث منذ وجدها ليقاطعه بتساؤل :
– لحظة لحظة…انت قولت قالتك ايه لما سألتها هي بنت مين ولا تاهت ازاي ؟
– قالتي انها مش فاكرة حاجة غير انها من يوم وعيت علي الدنيا لاقت نفسها في الشارع وملهاش حد لحد ما العصابة خطفتها هي وكام عيل كمان…
غمغم بتفكير :
– اممم… فقدان ذاكرة! هي مش فاكرة أي حاجة عن حياتها قبل الخطف…كده أكيد في حادثة اثرت عليها لدرجة انها جالها فقدان ذاكرة بنعتبره هروب من الواقع عقلها وسنها الصغير مستحملش الحادثة أياً كانت فقام مسح كل ذكرياتها! طب ايه الي خلاك تفكر انها مش نوبة فزع عادية ؟
صدم مما قاله الطبيب فبالفعل صغيرته لا تذكر شيئاً عن حياتها الماضية لكنه برر ذلك لصغر سنها وأن الأطفال لا يتذكرون كل شئ ولكنه غفل أنهم لا ينسون كل شئ أيضاً! ليهتف :
– علشان نوبة الفزع بتستمر من 5 ثواني لكام دقيقة مش أكتر وغير انها ماكنتش واعية ومش شيفاني خالص لما حاولت أطمنها بصوت عال وأخدتها في حضني علشان تطمن ده الي اعرفه عن نوبة الفزع بس مع ذلك مستجابتش خالص بالعكس حالتها كانت بتسوء أكتر!
مط شفتيه بتفكير مردفاً :
– تمام…اسمحلي دلوقتي أتكلم معاها شوية وبعد كده تنتظم معايا علي جلسات وانشاء الله خير…
دلف الي غرفتها ليجدها تطالعه بأعين دامعه وتفتح ذراعيها في دعوة لاحتضانها ليقترب ويجلس جوارها ويضمها اليه بقلب مكلوم علي حالتها لتقول ببراءة وحزن طفولي :
– أحنا في المستشفى ليه بابي ؟
ربت علي خصلاتها قائلاً بحنان :
– مفيش يا روح بابي انتي بس تعبتي شوية وخلاص بقيتي كويسة وشوية وهنروح…
دلف الطبيب الشاب بابتسامة هادئة ليهتف بلطف :
– أزيك يا أنسة تقي عاملة ايه دلوقتي ؟ اعرفك بنفسي أنا دكتور عاصم وكنت عايز اطمن عليكي…
نظرت له بعبوس لتدفن وجهها في صدر “إلياس” وتزيد من ضمه ليدون علي ورق صغير بعض الملاحظات ويكمل بنفس نبرته المرحة :
– طب حتي بصيلي يرضيكي يعني واحد حلو زيي يكلمك ومتعبريهوش!
لم تجيب فقط تزيد من احتضان أبيها الروحي وكأنها إشارة بعدم رغبتها بالحديث معه ليتفهم تعلقها به ويقول بهدوء :
– تمام…هستناك الاسبوع الجاي زي ما اتفقنا يا سيادة المقدم فرصة سعيدة…
صافحه إلياس ليغادر ، ليصلها صوته الحنون :
– توتا مرضتش تكلم الدكتور ليه ؟ ده كان عايز يطمن عليكي مش أكتر ؟!
أجابته بعبوس :
– توتا مش تحب تكلم حد غير إلياس بابي وبس! علشان كل الناس وحشة معادا بابتي !
ابتسم بعاطفة صادقة ليحملها بين ذراعيه ويدلف بها للخارج متجهاً الي منزله ليطمئن والدته التي بتأكيد بتأكلها القلق…
*****
جلست بأحد المناطق الخاوية تضم ركبتيها الي صدرها وتبكي بكاءً مريراً والذكريات تضرب عقلها بلا رحمة!
Flash back
تركت لعبتها أرضاً في الحديقة حين سمعت صراخ والدتها بالأعلى لتهرع الي غرفتها بخوف وخصلاتها البنية تغطي ظهرها فتحت باب الغرفة لتتسع حدقتيها الصغيرة بصدمة ورعب حين رأت والدتها ممددة بلا حراك علي فراشها وتغمرها الدماء وسكين مغروز في منتصف معدتها ووالدها يقف ينظر لها بأعين حمراء قائلاً بخفوت :
– انت كان لازم تموتي يا خاينة ! الي زيك مينفعش يعيش !
التفت برأسه لصغيرته الدامعة بخوف ليقول بابتسامة جنون :
– تعالي يا زهرة ! متخافيش أنا بس قتلت مامي الخاينة مش أكتر ! تعالي بقولك!
صرخ بها بعصبية مفرطة جعلتها ترتعد وتشرع في بكاء عنيف وهي تقترب ببطء لينحني علي ركبتيه وعيناه تلمعان ببريق مخيف ويسمح علي وجنتيها بكفه الذي لطخ وجهها بالدماء! ليهمس بخفوت حزين :
– بابي بيحبك اوي يا زهرة بس غصب عنه بيحب مامي الخاينة بردو!
تعالي صوت بكاءها المرتعب ليبتسم ويميل مقبلاً وجنتيها بحنان ليحملها ويتجه نحو الفراش ويضعها بجوار والدتها ويجلس قائلاً بحنان :
– بصي يا روح بابي هنلعب لعبة كل واحد ياخد السكينة ويحطها هنا !
قالها مشيراً لقلبه وقلبها ثم انتزع السكين من جسد زوجته وقال بابتسامة وهو يعيد غرزه بجسده :
– بصي سهله أزاي ! اهو تحطيها كده !
صرخ بألم وارتمي بجوارها علي الفراش فصارت تتوسط كليهما ليخرج السكين من جسده بصعوبة ويضعه بكف صغيرته ويرتخي بجسده وهو يضمها ويضم جسد زوجته هامساً بتقطع :
– يلا…زهرة بابي حطيها في قلبك… عـ…علشان ننام كلنا سوا…أنا مش عايز اسيبك لوحدك !
واختفي صوته كما أختفي بريق عيناه لم يعد سوي صوت بكاءها العالٍ وهي تصيح ببكاء مستشعرة برودة غريبة بجسد والديها :
– مامي…بابي قوم انا مش عايزة ألعب…مامي أنا خايفة…بابي اصحي…زهرة خايفة…أ… أوي
وصمتت من كثرة البكاء وهي تندس بين ذراعي والدها بارتجاف وهي تبحث عن الدفيء الذي تهواه بين ذراعيه تهرب من تلك البرودة القاسية بين جسد والدها ولا تدري أن تلك البرودة نابعة من ذلك الجسد الذي كان يغمرها بدفئه وحنانه! لتهمس بارتجاف وهي تدفن رأسها بكتفه :
– بابي أنا…خايفة…وبردانة… !!!
لتذهب في سبات عميق رغم البرودة التي تستشعرها فجسده مازال يعطيها الأمان ولم تعي بعدها الا لأصوات مألوفة تصرخ بفزع وومضات خاطفة وهي تنتزع بعنف من بين أحضان والديها ومشاهد غير واضحة لعمها الذي يصرخ بها ان تفيق ويخلع ثيابها متفحصاً اي جروح بجسدها وعقلها يدور بها لمشاهد أخري وهي تحتضن لعبتها وتقف امام مبني ضخم وسيدة بشوشة تهتف بابتسامة :
– نورتي الدار يا زهرة من النهاردة ده هيكون بيتك !
ومشاهد اخري لوحدتها وخوفها من الجميع لا تتحدث سوي بضع كلمات تسأل بها عن والدها ووالدتها ألم تنتهي اللعبة بعد ؟! تمنت لو استمعت لوالدها ولعبت تلك اللعبة برفقتهم ووضعت تلك السكين بقلبها لربما كانت برفقتهم ، تذكرت حين حصلت علي سكين وما كادت تضعه حتي صرخت بها مديرة الدار :
– زهرة سيبي السكينة من ايدك !
لا تدري لما عوقبت بالبقاء بغرفة وحيدة مظلمة باردة وابتعد عنها الجميع ما الخطأ بتلك اللعبة ؟! وغامرت بها ذاكرتها الي ذلك اليوم الذي حفر ذكري بشعة أخري في عقلها…
بعمر الثانية عشر جمعت خصلاتها القصيرة التي قصتها بأحد نوبات جنونها المعتادة لترتخي بجسدها وتحاول النوم كعادتها محتضنة لعبتها المفضلة لتشعر بلمسات غريبة علي جسدها لتنتفض وتنهض لتجده المدير الجديد للدار لتقول بقلق :
– في حاجة يا أستاذ عزت ؟!
نفي بصمت وعيناه تتفحص جسدها بشهوة فهو يعشق جسد الأطفال البريء ليقول بتقطع شاعراً بجفاف حلقه :
– لا يا حبيبتي مفيش انا بس بساعدك تنامي علشان عارف انك مريضة وبتنامي بصعوبة !
انكمشت في نفسها بخوف من نظراتها لتشعر بيده تتجول علي جسدها بحرية كادت تصرخ لكنه كتم صوتها وهو يميل مقبلاً رقبتها بهمس متقطع :
– اهدي وخدي الموضوع ببساطة الي عاوزة هاخده برضاكي او غصب عنك انتي مش اول واحدة ومش هتكوني أخر واحدة !
رمشت برعب وارتجاف وجسدها ينتفض انتفاضاً وهو يواصل توزيع قبلاته القاسية المقززة علي بشرتها وكأن حركتها شلت وعجزت عن ردعه وهي تشعر بيده بدأت تتسلل الي ثيابها لتجد زجاجة من الخمر ملقاه أرضاً يبدو انها تخصه استجمعت قوتها لتمد يدها ببطء وتلتقط الزجاجة وتكسرها فوق رأسه بعنف ليرتمي عليها وقد فقد وعيه أزاحته بخوف لتنهض وتلتقط لعبتها وتهرب من الغرفة بل من الدار بأكمله! رغم الخوف الذي يعتريها من سيرها ليلاً بهذه المناطق الا انها أفضل من الموت حيه علي يد ذلك الحقير مدير الدار لتصرخ بفزع حين شعرت بكف يوضع علي كتفها لتجدها فتاة في مثل عمرها لتقول بتساؤل :
– انتي بتعملي ايه هنا لوحدك ؟ كده ممكن تتخطفي ده ولاد الحرام كتير!
نظرت لها بخوف لتكمل الفتاة بابتسامة :
– طب بس متخافيش كده … تعالي معايا انا عندي مكان تباتي فيه وكمان ممكن أشغلك معايا عند المعلم عطوة !
لم تجد سبيلاً سوي الموافقة قبل ان يصل اليها ما تحدثت عنه الفتاة “ولاد الحرام ” لتسير برفقتها في طريق جديد غريب مخيف ولكن لابد منه بعد ان رمت دميتها ارضاً وكأنها تودع نفسها القديمة البريئة … !
End flash back.
تنهدت ببكاء علي حياتها التعيسة فلتضف الي قائمة تعاستها العمل ببيت للدعارة وبيع جسدها ببضع ورقات ! ابتسمت ساخرة لتلمع بعقلها فكرة لتهب واقفة وتبحث بجيوبها عن تلك الورقة الصغيرة المدون بها رقم ذلك الغريب فمن غيره بقادر علي مساعدتها … !
*****
– انا لا اوظف سوي الحمقى ! كيف لم تجدوه للأن ؟!
صرخ بها “دانيال” بعصبية مفرطة بعد أن أخبره رجاله بعدم استطاعتهم لإيجاد والده فكل ما يملكه صورة قديمة واسمه الأول فقط! أغلق الهاتف ليجلس علي فراشه متنهداً بعصبية ليصدع رنين هاتفه أجاب ليصله صوت بكاء وشهقات وكلام باللهجة المصرية لم يفهمه :
– ألحقني يا بيه أبوس ايدك عايزين يشغلوني في بيت دعارة ! الحقني يا بيه لو هتشغلني خدامة عندك حتي بس متسبنيش ليهم !!!
قطب جبينه بضيق من بكاءها وعدم فهمه لها ليقول بضيق :
– اهدئي ! انا لا افهم شيئاً ؟ أنا لا أتحدث العربية يا فتاة اهدئي قليلاً!
لم تصمت وكأنها لم تستمع له وهي تسترسل في سرد ما حدث لها وكيف سيتم بيعها بصباح غد لتلمع بعقله فكرة فيضغط علي زر التسجيل ليسجل المكالمة حتي انتهت الفتاة وأغلقت الهاتف بعدما يئست من إجابته او تناست كونه أجنبياً ! طلب السائق العربي اليه والذي ما أن وصل أسمعه التسجيل وطلب منه ترجمة ما قالته وما أنتهي حتي صاح باستنكار :
– ماذا ! يريدون إجبار تلك الصغيرة علي العمل بتلك المناطق المشبوهة …!!!
تنفس بغضب ليجمع فريق حراسته الذين يتحدثون بالعربية والانجليزية قائلاً :
– تلك الفتاة لجئت لي وانا لا ارد من احتاج لمساعدتي أمامكم 24 ساعة لتجدوا تلك الفتاة وتحضروها الي هنا !
اومأ الجميع بطاعة لينطلقوا في تعقب لذلك الهاتف العمومي الذي تحدثت منه حتي يصلوا لها قبل حلول الصباح…
*****
استرخي مغمضاً عيناه بتعب من ذلك الصداع الذي يكاد يفتك برأسه ليستمع لخطوات أنثوية بصوت الكعب لم يتحرك ليشعر بذراعين علي كتفيه ، ابتسم ابتسامته الجذابة ليشعر بها تبدأ في تدليك كتفيه بنعومة فيهمس براحه :
– وحشتيني!
ابتسمت بخبث لتميل وتقبل وجنته بنعومة هامسه بدلال :
– وانت كمان وحشتني اوي يا چو…
همس ومازالت مغمض العينان :
– ايديكي فيها سحر مريح للأعصاب زي عوايدك يا…ساندي … !!!
#يتبع…
#أحببت_فريستي
#بسمة_مجدي
_____________
يا مساء النكد ?? أخباركم ايه بعد الفصل الطويل ده ؟ وايه أكتر مشهد عجبكم او اثر فيكم وايه أكتر مشهد حبيتوه ورأيكم في الشخصيات ؟ الفصل طويل جداا وفعلاً تعبت فيه وأتمني يعجبكم ❤