أحببت فريستي
_ جراح لم تلتئم بعد _
_ 1 _
هدوء.. صمت.. شرود.. لا يوجد سوي صوت أنفاسها..عيناها تروي قصصاً من ألم..، دلف الي الغرفة كعادته ليجلس بجوارها متطلعاً بحزن..تنهد ليقول بابتسامة هادئة :
– حبيبي عامل ايه النهاردة ؟!.
لم تجبه ولم تلتفت حتي وكأنه لم يأتي.! تأمل عيناها الزرقاء الذي اختفي بريقها او ربما لم يكن من الأساس تأمل بشرتها الشاحبة وشعرها الأسود الذي يصل الي خصرها كم يعشقه و كم حذرها من قصه ليكمل بحنان :
– طب مش عايزة تعرفي جبتلك ايه ؟!.
لا رد.. اغمض عينه بألم هو يدري انها لن تجيبه ولا تسمعه من الاساس..! فهي في عالم أخر هي فقط جسد بلا روح ليردف باشتياق وعيناه تلتمع بالدموع :
– وحشني صوتك اوي يا حبيبتي…وحشتني ضحكتك و وحشني غيرتك.
صمت ليكمل بضحكة مؤلمة :
– وحشتني عصبيتك وقوتك وحشتني ميرا القوية الي مبيهمهاش حد
اقترب ليلثم جبينها كعادته ويمسد بحنان علي خصلاتها ، نظر لها بحزن جم وخرج من الغرفة ليلج لمكتب الطبيبة المسئولة عن حالتها ليهتف بحزن :
– ها يا دكتور ؟! ميرا هتفضل كده ؟! دي بقالها 3 شهور علي الوضع ده…
عدلت الطبيبة نظاراتها الطبية لتجيبه بعمليه :
– انا قولت لحضرتك قبل كده يا أستاذ يوسف حالتها دي ناتجة عن تراكمات كتير وانا لازم اعرف ايه الي حصلها بالتفصيل عشان أقدر أساعدها !
تنهد بألم ليردف :
– طيب انا هحكيلك كل حاجة حصلت…انا وميرا اتقابلنا من سنتين و…
……قبل سنتان….
جلست تتململ بضيق في مقعدها وعيناها تتلفت يميناً ويساراً تعرق جبينها بحبات عرق رفعت شعرها الاشقر المصبوغ بضيق وهي تتوعده سراً ، أخرجت مرآتها لتتأكد من زينتها المبالغ فيها ، تطلعت لساعة يدها للمرة التي لا تذكر عددها..! ، لتسقط انظارها عليه وهو يدلف الي المقهى بطلته الجذابة وخصلاته البنيه وابتسامته الجانبية الساحرة لم تستطع الا تنظر لعضلاته البارزة وطوله الفاره الذي يليق بسنواته ال31 جلس أمامها ليقول ببرود :
– سوري يا بيبي كنت سهران امبارح لوقت متأخر فمعرفتش اجي في معادي
لتجيبه بامتعاض :
– مانت طول عمرك متأخر هي عادتك ولّا هتشتريها…
ليقهقه بخفه ويردف بتساؤل :
– ها ؟!. كنتي عايزاني في ايه بقي ؟!.
لتجيبه بجديه :
– انا عايزة أعرف أخرتها يا يوسف ؟!. هنفضل كده كتير ؟!.
قطب جبينه ليقول بحيرة :
– كده الي هو ازاي يعني ؟!
ضاقت ذراعاً من تهربه وبروده لتجيبه بحنق :
– قصدي علي علاقتنا يا يوسف…قولتلي لازم نتعرف الاول ونقرب من بعض وافقت وقلت ماشي بقالنا سنة كاملة مع بعض ولغاية دلوقتي مجتش تتقدم لي..!
ليقول بتأفف :
– هو انتي هتفضلي تزني كتير كده ؟!. كام مره طلبتي اجي اتقدمتلك وقولتلك لسه مش دلوقتي؟!.
– امال امتي يا يوسف امتي ؟!..
أجابها بضجر :
– بقولك ايه يا ساندي متوجعيش دماغي خلينا كويسين مع بعض انا مرتاح كده
– بس انا بقي مش مرتاحة كده..! انا مش هفضل ماشية معاك في الحرام كتير.! يا تيجي تتقدملي ياما نقطع علاقتنا احسن وكل واحد يروح لحاله…..!
– ساندي اناااا…….
لتقاطعه بصرامه :
– لا يوسف هي كلمة يا تتقدم يا بلاش خالص..!
– طب اسمعيني انا……
لتقاطعه مرة اخري برفض تام :
– انا قولت الي عندك ومش عايزة اسمع تبريرات فاضية من بتوعك
– بس انا مش هبرر
قاطعته بسخرية :
– ايه ؟!.اكيد مقررتش تيجي تتقدم صح ؟!
– يا بنتي اسمعي انا كنت هقولك انا موافق..!
– علي ايه ؟!
ليردف ببرود تام :
– علي الانفصال..! اصلي بصراحه مليت منك نكد طول الوقت وزن كتير فخلاص خلينا ننفصل أحسن…!
اتسعت حدقتيها في دهشة ابتلك السهولة يتخلى عنها؟!. ويتحدث عن الامر كانه احدي الصفقات التي فشلت..! لتترقرق الدموع بعينيها وتقول بنبره مهزوزة :
– يعني انت عايز هتسبني يا يوسف ؟!.
– ساندي انا مش عايز دراما انتي عارفه كويس اني مش بتاع جواز ولا بتاع حب… بس مصدقتي اني عبرتك وقولتي يمكن تخليني احبك واتجوزك….انا كنت بتسلي وانتي كمان كنتي بتتسلي بس الموضوع شكله قلب معاكي بجد لان انتوا كبنات عاطفيين شوية ومش بتعرفوا تحسبوها صح……وده مش ذنبي طبعاً..!
لتصيح بانفعال وهي تحاول صفعه :
– انت بني ادم حقير وو…
اسمك يديها بغضب قبل ان تصل لوجهه وهو يقول ببطء ونبره مخيفة :
– لمي الدور وخلينا ننفصل بهدوء وبلاش جنانك انتي عارفاني انا أجن منك..!
لتسحب كفها من قبضته بعنف وتصيح بغضب وهي تلتقط حقيبتها وتستعد للمغادرة :
– ماشي يا يوسف كنت بتتسلي بيا انا بقي هندمك علي اليوم الي فكرت فيه تجرحني والا مبقاش ساندي الرفاعي…!
وغادرت بخطوات سريعة غاضبة وهو تمسح دموعها بقوة ، نظر في اثرها ببرود ليشير الي النادل :
– عايز قهوة مظبوطة عشان مصدع وياريت لو فطار خفيف كدا
دون النادل طلبه في صدمه وقد متابع لما حدث ورأي ان الفتاة كانت علي وشك صفعه واصواتهم جابت المقهى بأكمله وهو يطلب ببرود يحسد عليه…!
******
القت هاتفها بضيق فهذه الشركة الثالثة التي ترفض توظيفها دلفت الي المرحاض لتخلع نظاراتها الطبية وتتأمل وجهها الأبيض وعيناها الزرقاء الحادة لملمت خصلاتها السوداء الناعمة التي تصل الي خصرها وجمعتها بواسطة أحد اقلامها ، سمعت رنين هاتفها لتخرج وما ان أجابت حتي صدع صوت الطرف الأخر ببكاء :
– ميرا افتحي انا قدام الباب !
نهضت “ميرا” قاطبة جبينها لتنظر الي الساعة لتجدها تشير الي السابعة صباحاً خرجت لتفتح الباب لتصدم بوجه ” ندي “ذات الأعين الخضراء والشعر الأسود القصير التي انقضت عليها تحتضنها ببكاء ، بعد مرور بضع دقائق جالسة منتظرة ان تتوقف عن البكاء حتي تحكي لها ما حدث لتهتف بضجر :
– ندي ممكن تبطلي عياط وتفهميني ايه الي حصل ؟!.
أجابتها “ندي” بتقطع من بين شهقاتها :
– حازم الحيوان خد موبايلي من غير ما اخد بالي ونقل كل صوري عنده وبيهددني بيها
صاحت بعنف :
– وانتي ايه الي خلاكي تقابليه ؟!
لترد “ندي” بحزن وهي تلعن نفسها علي غباءها :
– أصله كلمني وقعد يقنعني اقابله عشان موضوع ضروري وان هيديني اي حاجة ليا وان خلاص مش هنشوف بعض تاني
– طول عمري بقولك البني ادم مينفعكيش يا ندي وانتي مصممه انه كويس مصدقنا ان فركشتي خطوبتك وبردو تروحي تقابليه !
– طب اعمل ايه دلوقتي ؟!.
لتغمغم بغموض :
– مش هتعملي حاجة انا الي هعمل !
*******
وصلت الي مكتبه لتسير بخطواتها الناعمة لتقف امام مدير مكتبه وتهتف بنعومة :
– لو سمحت عايزة أقابل المتر حازم صلاح ؟!.
تنفس مدير مكتبه بصعوبة وهو يري كتلة الجمال التي امامه بملابسها الضيقة ومكياجها الصارخ خاصة أحمر شفاها وشعرها الأسود القصير الذي يصل الي منتصف رقبتها ليقول بتوتر :
– أأأ أقوله مين ؟!.
استندت بمرفقيها علي مكتبه وهي تقول بغنج وضحكه لعوب :
– قوله ريهام حداد !
ذهب بخطوات متوترة حتي اصطدم بالحائط لأكثر من مرة وهي تضحك بخفه حتي عاد اليها وهو يهتف بسرعه وتوتر :
– أأتفضلي حضرتك…
سارت بجواره بغنج لتدلف الي المكتب فينهض “حازم” بلهفة قائلاً :
– أهلاً اهلاً اتفضلي يا أنسة !
جلست امامه لتهتف بابتسامتها اللعوب :
– هو انت مش فاكرني يا حازم ؟!.
قطب جبينه يحاول تذكرها ولكن لا يذكر انه كان علي علاقة مع فتاة بمثل جمالها .! ليهتف بتوتر من جمالها المغري :
– لا الحقيقة مش واخد بالي مين حضرتك ؟!.
نهضت لتمشي امامه بخيلاء حتي وصلت امامه مباشره ، ازدرد ريقه بتوتر لتميل عليه وهي تهمس بنبرة مغرية في اذنه :
– انا قدرك الأسود !
لم يكد يصدم بكلماتها حتي أخرجت زجاجة صغيرة ورشت عليه ما فيها حتي فقد وعيه في أقل من ثواني ! تنهدت بضيق وهي تنظر له باشمئزاز لتفتشه حتي أخرجت هاتفه وحطمته بقوة وأخذت تفتش بمكتبه بأكمله وامسكت بحاسوبه وأسقطته أرضاً بقوة حتي تحطم أمسكت بعصا خشبية جاءت بها واخذت تضرب الحاسوب حتي أصبح حطام ! ومدير مكتبه يطرق الباب بخوف وهو يتساءل عن أصوات الحطام ! لم تعيره اهتمام حتي أنهت مهمتها لتعدل ثيابها وتلتقط حقيبتها وتفتح الباب ليطل السكرتير قائل بلهفة :
– هو فيه ايه حضرتك ؟! ايه صوت التكسير ده ؟!
اقتربت منه وهتفت بنبره لعوب :
– أصل مديرك شقي اوي
تبعت جملتها بضحكة خليعة وخرجت مسرعة صعدت الي سيارتها لتنطلق بأقصى سرعة خلعت شعرها المزيف “الباروكة” وأخرجت محرمه ومسحت زينتها الصارخة وارتدت نظاراتها الطبية ورفعت هاتفها لتقول بانتصار :
– خلاص يا ندي الموضوع خلص ولا هيعرف يبتزك بحاجة تاني بعد كده !
– بجد يا ميرا ؟! طب عملتي ايه ؟!
– مش مهم المهم ان الموضوع خلص
عادت لمنزلها بارهاق…غيرت ثيابها لتغلق باب غرفتها جيداً وتذهب في نوم عميق…
**********
ركضت بهلع بين الناس ولكن لم ينتبه لها احد فهي مجرد طفلة لم تتعدي العاشرة من عمرها وكادت تسقط لأكثر من مره لكنها لم تتوقف تنظر خلفها من حين لأخر بخوف حتي وصلت لأحد الأزقة الخالية من الناس لتتكوم ارضاً وتضم ركبتيها الي صدرها وهي تشهق ببكاء بعد عدة دقائق ترفع وجهها الأبيض الشاحب الذي به كدمه زرقاء واضحه بجانب ثغرها الذي يرتعش من البكاء لتمسح عبراتها التي تنهمر من عيونها الزرقاء بظهر كفها وتتذكر جملته بصوته الاجش الغليظ :
– مش لو كان جه واد كان احسن من البت الخايبة دي ربنا يأخدك ويريحني منك…!
دفنت وجهها بين ركبتيها لتبكي بمراره لا تليق بطفله بعمرها..! لتجد كف صغيرة تربت عليها بلطف لترفع وجهها سريعاً ، فتجدها صديقتها “مريم” التي قالت ببرأه وحزن :
– ميرا انتي لازم تروحي دلوقتي بسرعة بباكي بيدور عليكي ولو مروحتيش هيضربك جامد…!
ازاحت خصلاتها الطويلة السوداء الناعمة المبعثرة علي جبينها لتنهض وهي تهتف بتقطع من البكاء :
– خلاص انا هروح دلوقتي هو كده كده هيضربني..!
لتجيبها بحزن طفولي :
– متزعليش معلش يمكن بباكي بيضربك عشان بتعملي حاجة غلط.. متعمليش حاجة غلط وهو مش هيضربك
لتبتسم بسخريه تفوق عمرها :
– لا هو عالطول بيضربني من غير ما اعمل حاجة يلا مش مهم انا هروح
وصلت بعد قليل لتقرع الباب بخوف وقلبها يدق بعنف كالطبول من شدة الرعب..! وما أن فتح الباب حتي التقت بعيناه الحمراء كاللهب من الغضب ليجذبها ويهدر بصراخ :
– كنتي فين يا بت ؟!.هو انتي فاكره نفسك فين يا روح امك؟!. انا هوريكي ازاي تخرجي من غير اذني..!
لينزع حزامه الجلدي ، اتسعت زرقواتيها رهبه وهي تتراجع للخلف حتي تعثرت وسقطت ، وضعت يديها علي وجهها لتحميه من بطشه ، رفع حزامه عالياً ليهوي بأولي ضرباته علي جسدها الصغير لتنتفض فزعاً وهي تصرخ برعب :
– لاااااااااا كفاية
نظرت حولها لثواني لتجد نفسها بغرفتها وعلي فراشها تنفست بعمق بعد ما تأكدت انه كابوسها المعتاد لتنهض ببطء كادت ان تدلف الي المرحاض ليصدع رنين هاتفها ، اجابت بنبره جافه :
– ألو..! انا ميرا السويفي مين معايا ؟!
ليجيب الطرف الأخر برسمية :
– القرض بتاع حضرتك اتقبل يا فندم وتقدري تستلميه من النهاردة
تنهدت براحه لتقول بامتنان :
– انا مش عارفه أقول لحضرتك ايه متشكره جداا
اغلقت الهاتف لتتنهد براحه ، بعد دقائق ابدلت ثيابها لتصبح اكثر رسميه ببذلتها النسائية الأنيقة تطلعت لوجهها في المرآه كم هي جميله بشعرها الاسود الحريري وعيناها الزرقاء التي ورثتها عن والدتها الراحلة دمعت عيناها للحظات حين تذكرتها وسرعاً ما استعادت تماسكها الزائف وارتدت قناع البرود والقوة ، وصلت بعد دقائق البنك واخذت قرضها واستطاعت الحصول علي شقة منفصلة لتعيش بمفردها انهت تعاملاتها والان استعدت للذهاب الي مقابلتها بأحدي الشركات الضخمة ، ترجلت من سيارتها التي أهدتها اياها اختها الكبيرة عبرت الطريق بشرود ولم تنتبه لتلك السيارة القادمة مسرعة افزعها صراخ أحدهم قبل ان تتسع حدقتيها في رعب وقد شعرت بأوصالها تجمدت منتظرة صدامها الذي بالتأكيد سيؤدي بحياتها……
************
رفع صوت الموسيقي وهو يقود سيارته بسرعة عالية غير عابئاً بأحد وهو يدندن باستمتاع ، رن هاتفه ليجده صديقه المقرب “سامر” رفيقه منذ الجامعة ما ان اجاب حتي صدع صوت “سامر” بنبره مصدومة :
– ايه يا بني الي عملته ده بقي حد يسيب ساندي الي الشباب كلها بتتمني نظرة منها…!
– يا عم فكك بلا ساندي بلا بتاع دي بت دلوعه ومع كل واحد شوية جت عليا يعني دانت مشوفتش وشها لما قلتها اني عايز ننفصل ده وشها جاب ألوان اكتر من الي هي حطاها
قال كلمته الأخيرة لينفجر كلاهما في الضحك ليقول “سامر” من بين ضحكاته :
– الله عليك يا چو يا قاهر النساء……..
ليهتف “يوسف” بمرح :
– لا وكمان قول….
قاطع حديثه ظهور تلك الفتاة ذات الشعر الاسود امام سيارته والتي ما ان رأته حتي تجمدت بمكانها ليصرخ بصدمة :
ااااااااه حاسبي…..!
#يتبع…
#أحببتُ_فريستي
#بسمة_مجدي