عصفورة تحدت صقر /للكاتبه فاطمه رزق

الفصل السادس :

فى منزل عائلة عبد القدوس ،،،،،،

دلفت جويرية إلى المنزل ، بعد أن فتحت الباب بمفتاحها الخاص ، ثم أغلقته بهدوء ..

كان عبد القدوس آن ذاك ، منطوياً على سجادة الصلاة ، يصلى فرضه ..

دلفت جويرية إلى غرفته ، وجلست على حافة السرير تراقبه بأعين زائغة …

ظلت تراقبه قليلاً ، وهمت أن تنصرف بعدها ، إلا أنه كان قد أنهى صلاته و ..
عبد القدوس بنبرة دافئة :
-جويريــة ..!
إستدارت جويرية لوالدها حالما سمعته ، ثم توجهت نحوه بخطى بطيئة ثم ..
جويرية بنبرة هادئة ، تبعتها إبتسامة طفيفة ، وهى تقترب منه :
-نعم !
أمسك عبد القدوس يدها ، بعد أن أصبحت أمام ناظريه ، وحثها على الجلوس وهو يقربها منه ثم ..
-تعالى أقعدى جنبى ..
قالها هو بنبرة حانية وهو يدفعها للجلوس بجانبه
ظهرت شبه إبتسامة على محياها ، قبل أن تجلس بجانبه فى صمت …
إبتسم لها عبد القدوس مبادلاً ، قبل أن يردف بـ :
-مالك يا جوري ..!
عقد حاجبيها بطريقة طفولية ، وهزت كتفها ، تزامناً مع تحريكها لرأسها يميناً ويساراً ثم …
جويرية بنبرة شبه طبيعية :
-مالى ، ما أنا كويسـة أهو ..!!
ضيق عينيه قليلاً ، وبنبرة ثقة أردف بـ :
-عليا برضوه ، قولى يابت مالك …!!!
إستندت برأسها على كتفِه ، فقربها هو منه ليضمها ، قبل أن تزفر بضيق ، و ..
-إتفصلت من الشغل
عبد القدوس بنبرة مندهشة :
-ليـه !
غرزت أصابعها بين خُصيلات شعرها السوداء، بعد أن خلعت حجابها وألقته جانباً ..
ثم تشدقت بنبرة منزعجة قائلة :
-واحـد شايـف نفسـه جاي يتــكبر على خلـق الله ، مخلصنيش الموضوع ، فكلمته بالذوق ، بس الناس دى مينفعش معاها الذوق أبداً ، وبعدها خلى صاحب المطعم يطردني ….
ربت عبد القدوس على رأس إبنته بحنو ، ثم …
عبد القدوس بنبرة هادئة :
-معلش يا حبيبتى ، ياما الدنيا بتورينا أشكال وألوان ، المهم إنتى متزعليش نفسك ، وكويس إنك معدتيش هتشتغلى تانى ، عشان تشوفى مذاكرتك ومصلحتك بقى ..
إبتعدت هى عنه قليلاً ، وأردفت مسرعة بنبرة جادة بـ :
-لا مينفعش يا بابا أنا عاوزة أشتغل وأساعدك و ….
قاطعها هو بنبرة جادة قائلاً :
-لا طبعاً مستحيل ، خلاص بقى تقعدى فى البيت ، هو أنا مش راجل يعنى عشان أصرف عليكى !!
حاولت جويريـة أن تجادله ، فأردفت هى بنبرة محتجة :
-بس يا بابا أنا …
قاطعها عبد القدوس بنبرة صارمة ، قبل أن تصيبه نوبة سعال حـادة :
-لا يا جويرية ، ومتجادلنيش فى الموضوع لأنه منتهى خلاص …
ناولته جويرية كأس ماء ، بعد أن سكبته له ، و ..
جويرية بنبرة قلقة :
-مالك يا بابا ؟
سعل مرة أخرى ولكن أقل من سابقتها ، قبل أن يشرب المزيد من الماء ، و …
عبد القدوس بنبرة منهكة :
-مفيش أنا كويس .. و .. كلامى يتنفذ بالحرف ……

…………………….

فى الصباح ، وبعد أن فتح عينيه على إِثر صوت هاتفه النقال ..
أمسك صهيب الهاتف بيده مطالعاً إسم المتصل قبل أن يتفوه بسباب ما ، ثم …

صهيب بنزق ، بعد أن ضغط على زر الإيجاب :
-أيوة يا زفت … عاوز إيه !
أتاه الصوت هاتفياً بنبرة جادة :
-الـ meeting إلى إنت لغيته امبارح أجلناه للنهاردة بصعوبة ، وأنا فضلت أتصل بيك امبارح مردتش خالص
زفر صهيب بضجر ، وبنبرة هادئة أردف بـ :
-الـ meeting ده الساعة كام ؟
أتاه صوت بيجاد الحذر ، عبر الهاتف مردفاً بـ :
-بعد ساعتين من دلوقتى …
هتف بـه صهيب بنبرة غاضبة :
-وإنتم إزاى تقررواْ ده من غير ما ترجعولى !!!!
تحشرجت الكلمات بحلق الأخير ، ثم وبنبرة متعلثمة أردف هاتفياً بـ :
-والله يا صهيب فضلت أتصل بيك كتير وإنت آآآ …
قاطعه صهيب بنبرة صارمة :
-ولو مردّتش تختار إنت المعاد بنفسك !!
أجابه بيجاد بنبرة حذرة :
-يا صهيب كانواْ هيلغواْ العقد الى ما بينا ، وإنت مش بتحب حد يقول على شركتك إنها مش منظمة ، أو مش بتحترم مواعيدها ، أنا عملت كدة عشان إسم الشركة بس ..
أخذ صهيب نفساً مطولاً وزفره على عجالة ، وبنبرة أقل حدة أردف بـ :
-مصلحة شركتى !! ، وعليا أنا الكلام ده …!!!!!
حاول بيجاد أن يردف بنبرة مؤكِدة بـ :
-طبعاً يا آآ ….
صهيب مقاطعاً ، بنبرة لا تحتمل إضافة حرف آخر :
-خلاص إسكت، أنا جـــــاي ..

……………………....

إستيقظت جويرية على صوت سُعال أحدهم ، وحين فتحت عينيها ببطئ، أنصتت إلى الصوت جيداً، فتغيرت بسرعة تعابير وجهها إلى القلق الشديد …
أردفت قائلة حينها بنبرة خائفة :
-بابا ..

ثم أزاحت الغطاء عنها بسرعة، وخرجت من غرفتها، ثم أسرعت نحو غرفته ، فوجدته منكباً على الأرض، يسعل بطريقة هيستيرية ، فدنت منه وجلست أمامه ، ثم أمست كلتا ذراعيه و …
جويرية بنبرة قلقة :
-مـ مالك يا بابا ؟
نظر لها عبد القدوس ، وحاول أن يتكلم ، إلا أنه لم يستطع بسبب السعال ..
وقفت جويرية بسرعة ، وأسرعت راكضة صوب المطبخ ، ثم فتحت الصنبور لتملأ كأس الماء الذي أحضرته تواً، قبل أن تسرع عائدة إليه لتجعله يشربها …

إلا أنها حين عادت ، وجدته فاقداً للوعيّ …
جفت الدماء من وريدها، وشحب لون وجهها، بعد أن جحظت عيناها وهى تسرع إليه و …

جلست هي إلى جانبه، وبدأت تهزه بقوة، وهي تردغ قائلة بنبرة راجية :
-بابا إصحى ، يا بااباااا … قوم بقى يلا.. يـ…. يـا بـــــابـــــاااا ….

حين يأست أن يستفيق هو بتلك الطريقة ، تذكرت كأس الماء الذى بيدها ، فنثرت منه بعض قطرات الماء على وجهه ، ولكن بلا فائدة، فأعادة الكَرة، ونثرتهـا مجدداً ، فلم يتغير شئ ..

-بابا اوعى تسيبنى لوحدى ، والله ما أقدر على بعدك ، أنا ، .. أنا ..يلا يا بابا قوم بقى الله يخليك
بعد محاولات عديدة مخيبة للآمال ..
أسندت رأسه بحذر على مؤخرة السرير ، ثم ركضت خارح الغرفة على عجالة ، ودلفت إلى غرفتها ، ومن ثم ظلت تجوب الغرفة بناظريها باحثة عن شئٍ ما، وفجأة إقتربت بسرعة من فراشها ، وإلتقطت الهاتف الذى عليه، وبدأت تعبث بأزراره ، وهى متجهمة الوجه ..

إلى أن وضعته على أُذنها ، قبل أن تهتف بنبرة حادة بـ :
-يلا بقى خلصونى ..
هدأت قليلاً وهى تستمع إلى تلك الرسالة التى ما قبل الإغاثة ، التى تحتوى على أن المكالمة سوف تُسجل فى حال البلاغات الكاذبة ..
ركلت هى السرير أمامها بغضب ، وزفرت بضيق ثم ..
إنتظرت قليلاً إلى أن أتاها الرد ، فهتفت هى بنبرة إستجداء بـ :
-أيوة، أنا بابا تعبان جداً وأغمى عليه وأنا مش عارفة أتصرف، طيب تمام، تعالو بسرعة، العنوان إلى هديهولك ده …

صمتت قليلاً لتستمع إلى الرد ثم ..
جويرية بنبرة متصلبة :
-هو ده وقته تقولى إنتى عندك كام سنة ، بقولك حالة طارءة ، بابا أغمى عليه ومش عارفة أفوقواْ ..
أخذت هى نفساً مطولاً ، وزفرته على مهل ، لكي لا تفقد أعصابها، وتهدر فرصتها الوحيدك فى إحضار من ينجد والدها ..
هدأت جويرية قليلاً ، وبنبرة شبه حادة أردفت بـ :
-إستنى همليك العنـوان …

ظلت هى تومئ رأسها بإيماءاتٍ خفيفة وهى تعطيه العنوان ، إلى أن أنهت حديثها معه …
فأسرعت هى نحو إحدى إسدالات الصلاة الخاصة بوالدتها ، وإرتده على عجالة قبل أن ترجع إلى غرفة والدها …

وكالعادة تأخرت سيارة الإسعاف …
ولم يكن الأمر بالجديد ، فهي تعلم جيداً .. مدى أهمية البشر فى دولتلها …!!!

وكم لبلدها فضل عليها ..!!

تنفست مرة أخرى لتخرج نفساً ثقيلاً من صدرها، نظرت إلى والدها الممدد أرضاً، وأصابها الشعور باليأس ..

وحتى أنها الآن لا تستطيع ذرف دمعة واحدة .. فعلى ما يبدواْ، أنها فقدت تلك القدرة حتى ..
فقدت القدرة على البكاء ، وهذا يؤلمها كثيراً ..
فكيف لها أن لا تبكى على من إعتبرته الشمس بعد إختفاء الضوء من حياتها ..
تتسلل العبرات إلى مقلتيها ، لكنها تجف قبل إنحدارها من عُلوِ عينيها ..

نظرت إلى الساعة مرة أخرى ، مضت ساعة منذ أن طلبتهم ، ولكن لا أثر لهم .. تلاها نظرة إلى الباب لربما قد ..

لا فائدة ..
لم يأتو بعد ..

ولنفسها بنبرة تحمل الغضب ، والقلق ، بل و تحمل الكثير من المشاعر المضطربة ، أردفت بـ :
-هما ما إجوش ليه دول لحد الوقت …!! يا الله ..

وضعت هى يدها على مقدمة جبهتها ، لتمسح بعض حباتٍ من العرق الذى تصبب من حدة ما تشعر بـه الآن …
أحضرت هى كوب ماء مرة أخرى ، و سكبت البعض منه على يديها ثم نثرته على وجه والده علّه يفيق ..

ولكن لم يتغير شئ …

وبالرغم من كل ما تعانيه الآن … لم تنفك عينيها عن إيلامها بجمودها، وصلابتها، وأضافت إليها وجعاً آخر ..
ولكن من نوع خاص …

وقفت بعدها بسرعة ، وسارعت بوضع كوب الماء على الطاولة بجانبها ، قبل أن تعدِّل من وضعية حجابها ، لتحجب تلك الخُصيلات المتناثرة خارجه ..

ثم نظرت لوالدها مرة أخرى ، وهى تردف بنبرة قلقة بـ :
-أنا لازم أشوف حد يساعدنى ، مينفعش أسيبه أكتر من كدة …
كادت هى أن تخرج من الغرفة .. ولكن أوقفها صوت صافرة سيارة الإسعاف المجلجل ..

فتنهدت هى بالقليل من الأمل وهى تتجه نحو النافذة لترمق السيارة بعينها …

…………………….

فى مقر شركة صهيب للسيارات ،،،،،

بداخل غرفة الإجتماعات ،،،،،

كانت الغرفة مظلمة تماماً ما عدا تلك الشاشة الكبيرة ، المضيءة فى منتصف الغرفة …

ظل صهيب محدقاً برفيقه بيجاد، وهو يقف أمام شاشة العرض كبيرة، التى يوجد عليها بعض النمازج لهياكل السيارات ، وبعض أجزائها ..

تابع بيجاد بنبرة أكثر إتزاناً ، بعد أن رمقه صهيب بنظراته المتصلبة نحوه ، وهو يشير بإصبعه نحو إحدى صور الهياكل المجسمة أمامهم :
-وطبعاً إنتو عارفين إن الـ engine ( المحرك ) دة هيحرق بطاقة أقل ، و alacrity ( سرعة ) أكبر ، وبالتالى الـ petrol ( البنزين ) الى هتستخدخواْ هيكون أقل ، وكمان التقوس فى المنطقة إلى ما قبل الـ wheel ( الدولاب / العجلة ) دا بيساعد على تجنب معظم الحوادث ، وعبور المنعطفات بسهولة جداً ..

أخذ نفساً مطولاً قبل أن ينظر لأعين الحاضرين جميعاً ، ليتابعهم بصمت ، فوجد على وجههم علامات الرضى بما قاله ..
وحين نظر إلى صهيب، ندم على ما فعل، وعلى نظره إليه ، فقد كان متجهم الوجه، وكأنه فى عالمٍ آخر ..

لم يأبه هو بــه ، فهو على الأرجح لن ينفك يطالعه بتلك النظرات مهما فعل ..

أضاف بيجاد بنبرة أعلى قليلاً :
-دة exemplar ( نموذج ) مفصل عن الـ cars ( السيارات ) إلى إحنا بنصدرها ، وبنصنّعها حالياً ….

صمت قليلاً ليراقب الحاضرين بأعين ثاقبة ، ثم أردف بعدها بتساؤل بـ :
-حد عنده سؤال ؟

ظل الصمت سيد الموقف حينها ، بينما ظل بيجاد يتفرس وجوه الحاضرين ليرى هل يوجد بينهم من معترض ، أو من يريد أن يسأل ؟
وحين تأكد أنه لا يوجد من لديه سؤال ، مد يديه إلى المقبس القريب منه، وأشعل الأضواء لينير الضوء إلى جميع أركان تلك الغرفة الواسعة ..
وإقترب منهم بخطىً ثابتة قبل أن يسحب إحدى المقاعد الموجودة على منضدة الإجتماع ، ويجلس عليه ..

أردف أحد الحاضرين بنبرة هادئة :
-عجبنى النظام الى بتشتغلواْ بيه جداً ، وأنا يشرفنى نشتغل معاكم ..
إبتسم له بيجاد مجاملاً ، قبل أن يردف بنبرة طبيعية :
-وإحنا يشرفنا إن يكون فيه تعامل بينا ، وبتمنى التعامل بينا يتطور فى المستقبل ..
أومأ الرجل رأسه قبل أن ينظر للأوراق أمامـه ، متفحصاً إياها بدقة عالية ، ثم طالع صهيب ، وبيجاد بعدها بنظرات ثابتة وهو يوقع على العقد ، قبل أن يردف قائلاً بصوت هاديء :
-إتفقنا ..

………………….

أمام إحدى المشافي الحكومية …

ترجلت جويرية من سيارة الإسعاف ، وتبعها أربعة رجال يحملون والدها على سرير الإسعافات ..
ظلت جويرية تنظر إلى والدها المحمول أمامها بحزن شديد ، ما يؤسفها أكثر ..

أنــه فقط ولا سواه .. حياتهــا ..
ولا تستطيع حتى البكاء على من هو الحيــاة بالنسبة لها ..

ضمت ذراعيها إلى صدرها بقوة ، علها تستمد منهما الدفئ الذى لم تشعر به منذ الأزل ..

ظلت تسير خلفهم ، تارة تنظر لوالدها المسجي أمامها ، وتارة تغمض عينيها، لتغفل .. لتغفل ولو .. ولـو لثانية واحدة .. بعيداً عن دنيا أرهقتها ألماً وظلماً .. بعيداً

لا بل بعيداً جداً ..

ولكن منذ متى تصبح الآمال حقيقةً ..!!!!

حال دلوفهم إلى المشفى ..
نظر أحد الأطباء إلى جسد عبد القدوس الملقى على سرير الإسعافات، وتشنجت قسمات وجهه لتصبح أكثر ضيقاً من ذى قبل …

وحين أتو بـه إليه .. وأوقفو السرير صوب إحدى الغرف الواقف هو أمامها ..
إمتعض وجهه ونظر لعبد القدوس بنزق .. قبل أن يزفر بشدة مقطباً جبينه ، ومكتفاً يداه ..
ثم وبنبرة تخلـواْ من الحِسِ والتعاطف ، أردف بـ :
-يووووه بقى إحنا مش هنخلص من أم القرف دة بقى !!

نظرت جويرية له بشراسة ، وإتسعت عيناها غضباً لترمقه بنظراتها النارية ..
ثم تشدقت بصوتها المنفعل قائلة :
-على فكرة إنت هنا بتقوم بواجبك بس ، وبيدفعلك على إللى بتعملواْ دة مش صدقة جارية …!!!
نظر لها الطبيب وقد سيطر عليه الغضب، وإستمر فى قطب حاجبيه إلى أن إقتربا من التلاقي .. قبل أن يرفع إحدى أصابع يده اليمنى ويلوح به فى الهواء محذراً …
ليقول بعدها بنبرة تحمل التهديد :
-إنتى تحترمى نفسك وإنتى بتتكلمى معايا ، أنا مبشتغلش عند حد سمعاني ..!!

كادت أن ترد هى ، فلا يزال فى جُعبتها الكثير .. ولكن والدها ..!!
كل هذا التأخير ليس من مصلحته على الإطلاق ..

وقف بينهما رجلٌ مِن مَن يمسكون بالسرير .. ثم نظر إلى الطبيب يلومه على ما يفعل ..

وبنبرة هادئة أردف بـ :
-د. أيهم مينفعش كدة أبـداً ، حضرتك عمال تتشاكل وحالة الراجل خطيرة جداً ، وهى معذورة برضوه ، دة والدها وهى خايفة عليه …

زفر أيهم بضجرٍ ، ثم أعاد النظر إلى عبد القدوس مرة أخرى ، قبل أن يصيح فى الرجلين مردفاً على فوره :
-دخلــوووه …

نظرت له جويرية شزراً ، قبل أن يتبعهم هـو داخل الغرفة …

تنهدت جويرية بأسى ، وظلت تنظر إلى الغرفة ، بعد أن خرج منها الرجلان وتبعهم الثالث ، ثم أغلقواْ عليه الباب بحذر …

ظلت تسير يميناً ويساراً أمام الغرفة ، وإكتسى الحزن والألم تعابير وجهها …

وبعد ما يَقرب من الربع ساعة ، التى مضت عليها كدهر كامل .. خرج الطبيب من عنده، فأسرعت جويرية نحوه ..

نظر لها الطبيب ببرود شديد ، قبل أن يحول بنظره عنها إلى بعض الأوراق الممسك هو بها …
-بابا كويس ؟
بنبرة هادئة أردفت بها ، بعد أن يأست هى أن يخبرها شئ بدون أن تسأل هي ..
أطال الطبيب أيهم النظر إلى الورقة أمامه ، قبل أن يجيبها فى النهاية بنبرة جامدة :
-واحد فى غيبوبـــة عاوزاه يكون كويس إزاي !!
-غيبوبـــــة !!!
بصدمة أرفت بها ، بعد أن فغرت فاها إِثر تلك الكلمة القاسية ..
الطبيب بنبرة طبيعية :
-أيوة غيبوبة سكر .. بس حالته متأخرة جداً ، وأنا من رأيي الخاص تخديه على مستشفى خاص، لأنه طول ما هو هنا مش هيتعالج ..

ثم أضاف بنبرة ساخرة بعد صمته :
-دة حكومي ، يعنى خير بلدنا بقى !!!

وإكتفى هو بتلك الكلمات قبل أن يتركها ويرحل ..

إستجمعت نفساً عميقاً من بقايا الأكسوجين المتبقية حولها بعد أن شعرت بالإختناق فجأةً …
وهتفت لنفسها وهى تقبض على مقبض باب الغرفة ، بنبرة حاسمة :
-لازم ألاقى شغل بسرعة ، عشان أنقله من المستفى القذرة دى ….
ثم دلفت إلى الحجرة ، وأغلقت الباب عليها …..

……………………..

فى منزل رحيل قُصيّ بالقرب من النيل ،،،،،

نظر رحيل إلى الطعام أمامه بعدم إكتراث ، وتلاها نظرة فى أرجاء الغرفة ..
زفر بضيق شديد حين شعر بالوحدة مـرة أخرى ، فحتى وجود صهيب بالمنزل ، لا يشكل فارقاً عظيماً ، فنادراً ما يلتقون … حين قرب الملعقة من فمه وبدأ بتناول اللُقيمة الصغيرة التى وضعها فى فمه فوراً .. لوى فمه فى إستهجان بيّن قبل أن يترك الملعقة و …

ثم وبصوته الجهوري أردف :

-سنــــاء ..!!!

أجابته وهى تركض على عجالة للذهاب إليه :
-نعم يا بيه ..!!
وحين وقفت أمامه نظر لها بضيق قبل أن يردف بنبرة غاضبة :
-مين إلى طبـــخ !!!
إرتعدت أواصلها جراء صوته العالى، وبنبرة متحشرجة أجابته قائلة :
-دى .. دى ….
-دى إبتهاج مش صــح !!
أومأت سناء برأسها معلنة موافقتها على ما يقول، وإلتزمت الصمت ..
فنظر لها شزراً ، قبل أن يردف قائلاً بنبرة عالية :
-أنا كام مرة قولتلك مخليهاش تطبخ لـَو عاوزاها تفضل تشتغل هنـا ..!!!
لم ترفع رأسها ، بل ظلت مطأطأة إياه أمامه ، ثم رفعت يدها ، وأشارت للخلف بإصبعها ..
لتقول بعدها بنبرة تحمل التبرير :
-والله يا بيـه أنا مكنتش موجـودة ساعتها ، وقولت لحضرتك إنى خارجة عشان أجيب إبنى من المدرسة وأروحواْ البيت، وهى صعب عليها تفضل من غير أكل فعملته ..
زفر ببشمٍ معلناً عن حنقه ، ثم بنبرة محذرة أردف بـ :
-آخر مرة هقولك فيها ، متخليهاش تطبخ تانى ..
ظلت سناء تومئ عدة مرات برأسها، ثم ..

نظر رحيل إلى الطاولة بتقزز بيّن ، وأشار بيده نحو الطعام الموضوع عليها ، قبل أن يضيف بنبرة آمرة :
-شيلى القرف دة من هنا ….

……………………..……………………...!!!!!!!!

error: