أحببت فريستي
_ 34 _
تنفست بعمق لتنظم ضربات قلبها المتسارعة وهي تتطلع علي فستانها الأبيض وزينتها بقلق ، فتح الباب ليدلف ويقف أمامها ببذلته السوداء وتلك الهالة الجذابة التي تحيطه وخاصاً ذقنه النامية التي أعطته وقاراً وزادته وسامة ، ابتسمت برقة قائلة :
– شكلي حلو ؟
لاح شبح ابتسامة شاحبه لا تظهر سوي نادراً ليقترب ويلثم جبينها بحنان قائلاً :
– زي القمر…ده كفاية لمعة عنيكي…ربنا يسعدك يا ليلي…
ابتسمت بخجل وهي تتأبط ذراعه في استعداد للخروج ليوقفها قائلاً بنبرة غريبة :
– سامحتيني يا ليلي ؟
ابتسمت قائلة ببساطة :
– انت أخويا يا يوسف وشخصيتك زمان مكانتش غلطك كلنا كنا ضحايا بيت متدمر !
باغتها بسؤاله :
– طب ليه لسه مسامحتيش ابوكي ؟ ومتقوليش لأ لان لو سامحتيه كنت وافقتي يسلمك لعريسك بدالي !
تهربت بعينيها قائلة بخفوت :
– هو كان الاساس يا يوسف حتي بيسموه رب الاسرة عامودها وهو الي فرقنا بانانيته وسلبيته ، انا سامحته فعلاً بس محتاج شوية وقت علشان اتعود علي وجوده في حياتي !
اومأ بتفهم لتغير الموضوع متسائلة بنبرة صادقة :
– طب ومامتك عاملة ايه ؟
اجابها ببساطة :
– انا بسأل عليها من وقت للتاني واتجوزت ! يلا ربنا يسعدها
أخفت دهشتها لتكمل طريقها برفقته الي الخارج ليعود قلبها وينبض بقلق لتصعد مع شقيقها السيارة وهي تتمالك نفسها الا تهاتفه وتخبره بخوفها ليطمئنها! فهي تحتاجه الأن كأب فيبدو ان مهما حدث سيظل يحتل كل الأدوار بحياتها!
*****
ومن الجهة الأخرى نتجه لسارق قلوبنا جميعاً “دانيال” ، نظر الي المرآه ليطالع مظهره الوسيم للغاية بعيناه الزرقاء التي تلمع بوميض السعادة فاليوم سيتوج صغيرته أميرة علي عرش قلبه ابتسم لتزداد وسامته المهلكة خاصة بتلك البذلة السوداء التي تكاد تتمزق من ضخامة عضلاته ذهب باتجاه والده الذي يحاول ارتداء حذائه ، انحني جاثياً علي ركبتيه ليلبس والده الحذاء فيربت الأخير علي رأسه قائلاً بابتسامة صادقة :
– ربنا يسعدك يا ابني…ليلي بنت كويسة…هي صحيح عندها كام سنة انا حاسس انها صغيرة اوي علي الجواز دلوقتي ؟
ابتسم مردفاً ببطء بعربيته الركيكة فقد بدأ تعلم اللغة العربية مؤخراً ليستطيع التواصل مع والده :
– أ..نـدها…22 سـ..نـة !
لم يستطع نطق حرف العين فيستبدله بـ “أ ” كمعظم الغربيون الذين يتعلمون اللغة العربية ، ابتسم والده قائلاً بضحك :
– انت العربي بتاعك مدمر يا ابني !
لم يستوعب كثيراً مما قال لينهض ويسحب كرسيه المتحرك ليخرج متجهاً الي زفافه وصغيرته التي قد يجن جنونها ان وصلت قبله!
*****
نظرت له بعبوس وهي تكتف ذراعيها بضيق ليقبل جبينها بحنان قائلاً باسترضاء :
– خلاص بقي يا روحي والله شكلك زي القمر !
اجابته بتذمر حانق :
– متجاملش يا الياس علشان شكلي وحش اوي…بص واسعة ازاي متلبسني خيمة أحسن !
كتم ابتسامته وهو يميل ويقبل وجنتها هامساً بدعابة :
– والله قمر…وبعدين ماسموش واسع اسمه محتشم…محترم حاجة في الرينج ده !
اخفت ابتسامتها من عبثه لتكمل :
– طب علفكرة الفستان البيبي بلو كان شكلوا حلو جداا بس انت الي رفضت وصممت تجيب علي ذوقك !
رفع حاجبه قائلاً باستنكار :
– بيبي ايه ؟! انتوا بتجيبوا الالوان دي منين انا مش فاهم ده هما 7 الوان ، الوان الطيف الي خدناهم في 6 ابتدائي ومعرفش غيرهم يا عالم يا قادرة !
ابتسمت رغماً عنها لتكتم ضحكتها قائلة بتذمر :
– توه يا الياس توه بردو مش هخرج بالفستان ده !
تنهد ليدفعها برفق علي المقعد ليغيب ويعود حاملاً حذائها الأبيض ويجلس علي ركبتيه امامها وهو يلبسها اياه في حركة اعتادتها منه ليقول بهدوء وهو يضع الحذاء بقدمها :
– لما تطلعي زي القمر ويبقي شكلك حلو مين اولي بحلاوتك دي ؟
اجابته بخجل من تدليله لها بتلك الطريقة :
– انت…
ابتسم مردفاً وهو ينزل قدميها ويمسك كفها :
– يبقي من حقي اغير علي مراتي ان محدش يشوفها غيري ولا لأ ؟
اجابته بخفوت :
– حقك…
ساعدها علي النهوض وهو يتجه بها نحو المرآه قائلاً بلطف :
– الفستان فعلاً واسع بس شكله حلو ورقيق زي صاحبته !
تكاد تصرخ بحبه من معاملته التي تعشقها فلأول مرة بحياتها منذ تزوجته علمت معني “المودة والرحمة” فهو حقاً خير زوج وأب…حمقاء زوجته الأولي التي فكرت بترك رجل مثله لا يعوض لكنها حقاً تشكرها فلولا تركها له ما كانت هي تزوجته فدوماً ما يجعلها تنصاع لرأيه برضاها التام! لتهمس بامتنان صادق :
– ربنا ميحرمني منك يا الياس
ابتسم ليقترب وعيناه تتركز علي شفتيها وهي أغمضت عيناها وقبل ان يلامس شفتيها فتحت عينيها علي وسعها صارخة :
– نهار اسود اتأخرنا ! وسع اما انزل اشوف العيال خلصوا ولا لسه…
مرت بجانبه وخرجت من الغرفة وهو مازال يقف ينظر بأثرها بصدمة لتنتشله من صدمته ندائها المتعجل :
– يلا يا الياس عايزين نمشي…اوعي تكون ناسي حاجة ؟
حك ذقنه بعصبية قائلاً :
– اه نسيت هدومك يا روحي مانا هرجعك لأخوكي…علشان البضاعة طلعت مضروبة !
*****
قرعت الطبول وارتفع صوت المزمار معلناً عن وصول عروس الحفل…ابتسمت بتوتر وهي تشدد علي كف أخيها بقلق ليطمئنها بابتسامته الحانية لتنفتح الأبواب ببطء وتلك الأضواء الرائعة تزين الحفل ليظهر لها متقدماً تلك الجموع بابتسامته الواثقة وهو يمد كفه لها سارت بخطوات متمهلة فذلك الفستان الطويل يعيق سيرها بعض الشئ حتي وقفت أمامه ليضع “يوسف” كفها بكف “دانيال” قائلاً بهدوء بنفس لغته :
– تذكر ان شقيقتي كنز ثمين ان فرطت فيه لن تجده مرة أخرى أيها الأجنبي !
ابتسم له بتفهم قائلاً :
– اعتنيت بشقيقتك لسنوات وفي اعتقادي ان ليس لها من يحميها واليوم تظن ان بإمكاني ايذائها وقد عادت لعائلتها !
التقط كفها ليأخذها وتسود موسيقي غربية هادئة ويبدأ كلاهما بالتمايل بخفه وهو يلف يديه حول خصرها او لنكن أدق “يضمها” ليهمس بأذنها بنبرة عاشقة :
– بـ.حـ.بك !
اتسعت عيناها لتردف بفرحة :
– انت اتعلمت عربي بجد ؟ قصدي…لتعود وتتحدث بالإنجليزية :
– أعني انت تعلمت التحدث بالعربية ؟ اوه داني هذا مدهش !
اجابها بابتسامة :
– لم أتعلمها فقط بضع كلمات لأستطيع التواصل مع والدي…انا اتحدث بخمس لغات مختلفة ولكن حقاً لغتكم صعبة للغاية ! أظنني سأحتاج لأعوام لأتعلمها !
ضحكت بخفوت مردفة :
– لا بأس عزيزي سأعلمك انا كيف تتحدث العربية دعني ارد لك قليلاً مما علمتني اياه !
ومن جهة أخري دلف “الياس” وبرفقته أميرتيه زوجته وطفلته ويرتديان نفس الفستان باللون الزهري وعلي يمينه صغاره “يزن” و “مازن” ببذلتهم التي تماثل بذلة والدهم بحجم اصغر بالطبع لتهتف بحماس :
– ايه ده السلو اشتغل ! انا عايزة ارقص سلو اوي…
ابتسم علي تلك الطفلة التي يسمونها “زوجته” ليحذر أطفاله بنبرة حادة الا يبتعدوا عن نطاق الحفل ويسحبها ليرقصوا مع الثنائيات علي أنغام تلك الموسيقي الهادئة…
وقف جانباً يطالع سعادة شقيقته برضا ويتمني لو تكتمل سعادته برفقة جميلته النائمة في سبات عميق بعالم أخر فقط تعود ويقسم الا يجعل الدموع تعرف الطريق الي عينيها الجميلة مرة أخرى انتشله من شروده رنين هاتفه وما ان اجاب حتي صدع صوت الطبيبة الصارخة :
– يوسف بيه…تعالى بسرعة مدام ميرا بتولد وحالتها صعبة اوي وجالها حالة هياج عصبي ومش قادرين نسيطر عليها…ارجوك تعالى بسرعة الحالة بتضيع مني …!
انتفض ليغلق الهاتف مسرعاً ليجد “سارة” تقف امامه تسأله بقلق فقد رأته وهو يتحدث بالهاتف وكيف تغيرت تعابير وجهه الراضية الي اخرى قلقة :
– في ايه يوسف ؟ ميرا كويسة ؟
اجابها مسرعاً وهو يبتعد بخطوات راكضة! :
– ميرا بتولد !
خرج مسرعاً لتهرع الي شقيقتها قائلة بلهفة :
– ليلي…ميرا بتولد انا لازم امشي !
والتفتت لزوجها قائلة وهي ترفع فستانها قليلاً لتستطيع السير او الركض! :
– الياس خد انت العيال روحهم وابقي حصلني علي هناك !
لم يكد يتحدث حتي تركته وهي تهرع خلف شقيقها اشبه بالركض! التفتت لتزيد دهشته حين وجد “ليلي” “العروس” ترفع فستانها هي الأخري وتجري خلفهم ويلحقهم زوجها علي عجل وجميع الموجودين يطالعوهم بدهشة فقد هربت العروس وخلفها عريسها من الزفاف ! ليهتف في نفسه ساخراً :
– انا قلت دي عيلة كلها مجانين محدش صدقني !
*****
وصل الجميع الي المشفى لتخرج الطبيبة قائلة بلهفة :
– يوسف بيه احنا محتاجينك…مش عارفين نسيطر عليها !
اومأ مسرعاً ليرتدي ثياب المشفى المعقمة ودقاته تقرع كالطبول! ، دلف الي الغرفة ليجدهم يقيدوها من الجانبين وهي تنتفض بصراخ عنيف! هاله مظهرها فقد شحب وجهها بشده والتصقت بعض خصلات شعرها بجبينها المبتل ، ابعدهم ليقترب ويمسك بها بقوة وقد عمد لاستخدام قوته البدنية ليهتف بقلق:
– اهدي…هتبقي كويسة والله…معلش استحملي شوية !
صرخت بشراسه من فرط ذلك الألم التي لا تدرك مصدره ليسند جبينه الي جبينها هامساً بتعب وهو يتألم لأجلها :
– عيالنا هيجوا…استحملي علشان خاطرهم…ساعديهم يجوا الدنيا !
ظلت تتلوي بعنف وعينيها فارغة كعادتها لتصيح الطبيب بلهفة :
– خليك ماسكها كويس راس البيبي ظهرت !
صرخت صرخة دوت بأرجاء المشفى ووصلت الي مسامع الجالسين بالخارج بقلق تضاعف من صراخها العنيف! ليسكن جسدها وتدوي صرخة أخري خافتة ضعيفة وما كان سوي الرضيع الأول الذي امسكته الطبيبة واعطته للمرضة لتكمل بلهفة قائلة :
– خلاص قربنا…
خدشت صدره بأظافرها الحادة لأكثر من مرة وهو لم يهتم فهو يعلم انها تتألم اضعاف اضعافه ليهمس بتعب :
– استحملي شوية كمان…انا عارف انك بتتألمي جامد…معلش يا روحي خلاص هانت…
نبحت أحبالها الصوتية من شدة صراخها لتعود وتنتفض بين يديه بصرخة قوية لتواجهه صرخة أخري صغيرة ضعيفة اشبه بمواء القطط ليسكن جسدها وتستلقي بإنهاك وهو مازال يضمها ويهمس بأذنها ليطمئنها :
– عيالنا وصلوا بالسلامة يا ميرا !
فتحت عيناها لتصدم بذلك الضوء الذي يضرب عينيها لتشعر بأن جسداً يضمها بقوة تعرفت عليه من رائحته ولما تشعر بكل ذلك الألم وماذا حدث ؟ لتهمس بضعف :
– يـو..يوسف !
تصلب جسده ليبتعد بصدمة فيجدها تنظر له باستغراب متعب ليهتف بعدم تصديق :
– ميرا…انتي رجعتي ؟ انتي اتكلمتي دلوقتي صح ؟
أحاطت جسدها لتأن بصوت خافت ابتعد ليركض منادياً الطبيبة التي اتت مسرعة ليجدوها تتلفح متذرعة بالغطاء حول جسدها المرتعش وهي تنكمش بوضع الجنين ليهتف بقلق :
– هي مالها ؟ مقامتش ليه ؟
اجابته بعملية :
– متقلقش يا يوسف بيه مراتك رجعتلك بفضل ربنا…ألم الولادة أجبر عقلها انها ترجع للواقع وأكيد كلامك معاها اثناء الولادة ساهم في كده بس هتاخد وقت علشان تقدر ترجع لطبيعتها ومينفعش نضغط عليها !
اومأ لها ليقترب ويستلقي بجورها يود ان يجعلها تنام بين ذراعيه كعادته ليجدها تضم جسدها بحماية وتزداد ارتجاف لمعت عيناه بدموع أبي ان تخرج ليهمس بنبرة متألمة :
– انا يوسف !
مال يقبل جبينها رغم ارتجافها ثم نهض ليترك لها وقتاً لتلملم شتات نفسها فيكفي انها عادت ليخرج وما ان فتح الباب ليجد “ليلي” تحمل أحد الصغيرين و”دانيال” يحمل الطفل الأخر لترفع ذراعيها له ليأخذه تردد قليلاً وابتلع ريقه ليحمله بتوتر بالغ ويد مرتعشة فهو صغير للغاية يكاد يشابه كفه حجماً لتهتف بابتسامة :
– الف مبروك يا يوسف يتربوا في عزك…معلش سارة شافتهم ومشيت عالطول علشان يزن سخن وتعبان…
اومأ لها رغم انه لم ينتبه لحرف مما قالته وهو يتطلع بذلك الجسد الصغير ليحمله بيد واحدة ويلتفت مشيراً لـ”دانيال” ان يعطيه الصغير الأخر قائلاً :
– هاتوا وخدي جوزك وامشي يا ليلي…النهاردة فرحك متقلقيش انا هعرف أخد بالي منهم…
اومأت له بتردد فلا يمكنها البقاء بملابس الزفاف التي أثارت دهشة كل من رأها لتمسك كف “دانيال” ويغادر كلاهما…
*****
جلس يحمل الصغيرين بتوتر واستغرب ان احدهم اصغر حجماً من الأخر رغم كونهما توأمان! دلفت الطبيبة وهي تتفحص الأطفال ثم هتفت بابتسامة وهي تداعبهم :
– الف مبروك…ما شاء الله ربنا يباركلك فيهم…بس خلي بالك هتطلع عصبية اوي عكس الهادي العسل ده…دي جننت الممرضات!
قطب جبينه قائلاً بدهشة :
– هما ولد وبنت ؟
اومأت بابتسامة هادئة لتغادر وهو طالعهم بسعادة بالغة فقد ظنهم صبيان الان فقط ادرك لما احدهم اصغر حجماً من الاخر اذن هي الفتاة حملها ليضمها برفق هامساً بحب صادق ودموعه لم تنتظر الاذن لتنهمر :
– اهلاً بأميرتي الصغيرة … تعرفي انا كان نفسي في بنت اوي !
ليكبر في أذنها بصوت مرتعش ثم وضعها وحمل الصغير هامساً له :
– اهلاً بالباشا الصغير…
ليعاود التكبير بأذنه ثم وضع كليهما بتلك الآسرة الصغيرة التي أحضرها مؤخراً لينحني ويقبل جبين كل منهم برقة حتي لا يوقظهم ثم نظر بحزن لجميلته النائمة ليستلقي علي الأريكة بتعب من هذا اليوم المرهق بحق…
*****
دلفت برفقته الي المنزل وما كادت تتحدث حتي اختطف قبلة من شفتيها ثم أسند جبينه اليها هامساً :
– لطالما تمنيت ان أفعل ذلك !
ابتسمت بخجل ليكمل بهمس :
– أتذكرين صغيرتي حين احضرتك للعيش برفقتي بلندن ؟
اومأت مغمضة الأعين ليكمل بابتسامة هادئة :
– أتذكرين كيف كنت أعاقبك حين تخطئين ؟
ضحكت بخفوت قائلة بعبوس بسيط :
– كنت قاسي القلب داني فقد كنت تجعلني أمارس تمرينات كالمصارعين بلا ذرة شفقة !
ابتسم بغموض متسائلاً :
– جيد…أتذكرين كم العدد الذي كنت تتمرنين عليه ؟
اجابته باستغراب :
– نعم…لقد كان ما يقرب الخمسون عدة !
ابتعد فجأة قائلاً بصرامة رغم ابتسامته :
– ستأخذ وقت طويل لذلك اقترح ان تبدئي العد من الأن !
اختفت ابتسامتها قائلة بحده :
– اتمزح معي داني ؟
اجابها بجدية :
– وهل ابدو لكِ انني امزح ؟ هيا تعلمين ما يجب عليكِ فعله قبل ان أزيد العدد !
تركها تحت صدمتها وجلس مسترخياً علي الأريكة ثم خلع سترته ووضع ساق فوق الأخرى ليراقبها ببرود قائلاً ببراءة :
– ماذا ؟ لقد أقسمت علي فعل ذلك ولن أخنث بقسمي ايتها الصغيرة سليطة اللسان !
استشاطت غضباً من بردو فهو جاد حقاً لتهتف بعبوس :
– داني ! الا تدرك ان الليلة ليلة زفافنا ؟ حقاً تريد مني ان امارس تلك التمارين ؟ والان ؟!
اجابها ببرود :
– حسناً لقد اصبحوا مائة عدة !
اتسعت عينيها لتردف مسرعة بنبرة لينة لعلها تثير يتراجع بقراره :
– لكن داني ماذا فعلت انا ؟ ارجوك فكر بالأمر…سأتعب كثيراً…
طالعها ببرود قائلاً :
– لا لن تفلح حيلك هذه المرة فقد اقسمت يا حلوتي…ثم انك اصبحتِ وقحة وسليطة اللسان للغاية منذ عدتي الي مصر لذا توقفي عن الكلامي وابدئي فوراً!
نظرت له بضيق وهي تزم شفتيها بحزن طفولي قائلة وهي تشير لنفسها :
– هذا الفستان ثقيل للغاية ! أيمكنني فعلها بعد ان أغيره ؟
تمتم ببرود :
– مائة وخمسون عدة اذن !
انتفضت ببكاء لتهبط ارضاً وتبدأ بالعد بينما تلامس الأرض وترتفع قليلاً وتعود لتلامس الأرض…
مر بضع دقائق ولم يستطيع تجاهل قلبه المشفق عليها فهي ستظل صغيرته العنيدة ليجدها وصلت للعدد الثلاثون بصعوبة بالغة لينهض ويقترب ويحملها ولم تستطع التعلق برقبته بذراعيها يؤلماها بحق! ليهمس بيأس :
– تباً لقلبي اللعين ! فقط اتمني ان أكمل عقاباً ولو لمرة واحدة دون ان اشفق عليكِ !
اخفت ابتسامتها وهي تمثل الانهاك والتعب فهي لم تكمل حتي عشرة عدة بل استغلت شروده في انهاء عقابه وافتعلت هذا العدد فهي تعلم انه يجعلها تصل لنصف عقابه حتي!
وضعها علي الفراش لتستلقي بضعف زائف ليهتف بأسف :
– هل تتألمين لهذا الحد صغيرتي ؟
واقترب وقبل جبينها باعتذار وفجأة ضيق عيناها بشك قائلاً :
– كيف أنهيتِ الثلاثون في دقائق ؟
ارتبكت لتهتف بتوتر :
– لقد اردت الانتهاء بسرعة…
جز علي أسنانه بغيظ قائلاً :
– أيتها المخادعة ! ماذا افعل بكي ؟
ابتسمت بخوف قائلة بخفوت وأعين بريئة كالقطط :
– أسفة…
ابتسم رغماً عنه ليقترب قائلاً بخفوت خطير :
– حسناً اذن سأوجل عقابي لاحقاً فلدينا الكثير لفعله !
أطفا الضوء ليبدا كلاهما حياتهم الجديدة معاً وقد قرر قلمي كتابة السعادة لهم بعد طول معاناة…
*****
…بعد مرور يومان…
تنفس بغضب وهو يحمل الصغير فلم يعد يحتمل ودلف الي غرفتها ليقبض علي ذراعها هادراً بعصبية :
– كفاية هروب بقي ! طول حياتك بتهربي بس دلوقتي معادش ينفع ابنك هيموت !
سحبت رسغها وهي تنكمش في نفسها قائلة بنفي ونبرة مرتجفة :
– مش ابني انا معنديش عيال !
صاح بها بعصبية :
– فوقي بقي كفاية ! بقولك ابنك بيموت ! لازم يرضع !
صاحت بشراسة لأول مرة منذ عادت من عالمها المظلم :
– مليش دعوة ! ابعد عني انا مش عايزة اشوف حد ولا اعرف حد وقولتلك مش ابني !
تنفس بعمق ليردف بهدوء نسبي ونبرة متألمة لأجل صغيره وقلبه ينتفض رعباً ليقربه لها :
– طب بصي ده عنده نفس لون عنيكي بصيله هتعرفي انه ابنك…هو محتاجلك…مرضيش يقبل اي لبن تاني غير لبن رضاعتك علشان انتي امه !
دق قلبها بعنف لرؤية عيناه وشحوب بشرته فالصغير يحتضر بالفعل! ازدردت ريقها لتنفي برأسها وتغطي وجهها بالغطاء هامسة بتقطع مرتجف :
– معرفش…امشي…خده وامشي…
ليهمس بتوسل حزين :
– ميرا…أرجوكي…ابننا بيروح مننا !
سالت دموعها لتحيط نفسها بحماية هامسه وجسدها يرتجف بصورة غير طبيعية :
– ده أحسنله…الموت راحة من كل تعب…لو عاش هيتعب زيي وهيتمني الموت في كل لحظة !
مسح وجهه بألم فقد ساءت حالتها منذ افاقت ورافضة ان تري أحداً حتي هو رفضت رؤيته ولا حتي رؤية الطفلين فقد دخلت في حالة اكتئاب شديدة…تنهد باستسلام ليضع الصغير بجوارها علي الفراش ويهتف بنبرة قاسية :
– اهو خليه جمبك واتفرجي عليه وهو بيموت واطمني مش هياخد كتير الدكتورة قالت كلها كام ساعة وخلاص !
ثم رحل بقلب متألم فكانت هذه محاولة أخيرة لإنقاذه فللأسف الصغير لم يقبل اي لبن خارجي علي عكس الصغيرة التي استطاعوا احضار مرضعة لها وتقبلتها ، جلس امام الغرفة بقلب ينحره الألم ليغمض عيناه بتعب ليجد الطبيبة تهتف بحزن :
– لسه برضو ؟
اومأ لها بضعف لتكمل بشفقة :
– للأسف مدام ميرا دخلت في حالة انها شايفة الموت بيحوم من كل حته وان اي شخص هيقرب منها هيموت فمش عايزة حد يقرب منها عايزة تقطع علاقتها بالكل وتعيش في عزله !
بعد نصف ساعة…
قبلت الصغير الساكن بلا صوت بلطف وأعين لامعة لتنهض وتخرج من الغرفة فلم تجد أحد لتسير ببطء وخطوات مترنحة فهي علي الأغلب لم تنهض منذ شهور لتصعد الي الدور العلوي حتي وصلت الي سطح المبني ، سارت بخطوات متمهلة…شاردة بذلك الرداء الأبيض الخاص بالمرضي وخصلاتها السوداء تغطي ظهرها وغروب الشمس ينعكس علي عينيها الزرقاء لتقترب من الحافة وترفع قدمها ببطء ليصلها صوته الساخر :
– لسه بردو بتحاولي تهربي مش بتزهقي ؟
التفتت له بحده قائلة وهي ترفع القدم الأخري :
– ملكش دعوة بيا !
اقترب بهدوء لتحذره بحده :
– اياك تقرب ! ومتحاولش تقنعني اني انزل…انا بقيت جثة من غير روح فوفر كلامك ملوش لازمة !
نفي برأسه لتصدم به يصعد ويقف بجوارها قائلاً ببرود :
– لا فاكس الجو القديم بتاع انزلي ولااا متسبنيش وبتاع…دلوقتي في حاجات اجدد واحسن زي…اننا هننتحر مع بعض دلوقتي … !!!
#يتبع…
#أحببت_فريستي
#بسمة_مجدي