أحببت فريستي
_ 31 _
تنهد بيأس ليضمها بذراعٍ واحدة وكأنها بعالم أخر…ليستند برأسه علي الحائط خلفه بألم والدموع تسيل علي صفحة وجهه وصمت مخيف الا من صوت أنفاسه المتثاقلة والرؤية تتشوش من حوله وكأن ذلك الظلام يسحبه الي القاع…ليهمس بضعف وتقطع :
– غصـ..ب… غصب عني…انا مش عايز أسيبك لوحدك !
ليغلق جفونه ببطء مستسلماً لذلك الظلام الذي يسحبه لكن يده لم تفلتها بل ظلت متمسكة بها كقلبه الذي بدأت نبضاته بالتثاقل كأنفاسه الي تلفح وجهها المختبئ بكتفه…
*****
تركض بانطلاق وسط تلك الزهور الخلابة وابتسامة هادئة تزين ثغرها الوردي ، أمسكت بطرف فستانها الأزرق لتدور حول نفسها وشعور بالارتياح يغمرها ونسيم الهواء يداعب بشرتها وخصلاتها السوداء التي تتطاير بفعل الرياح لتسمع صوتاً عذباً يتسلل الي سمعها :
– مـيـرا !
فتحت عيناها لتصدم بذلك الظلام وتجد نفسها في نفق مظلم مخيف وهدوء مريب وكأن زهورها أضحت رماداً…لتتلفت حولها بخوف فتجد بصيص نور يظهر من نهاية النفق المظلم لتسير ببطء باتجاهه وكأنها مسحورة بذلك الضوء وسط الظلام ليدق قلبها بعنفوان حين استمعت لصوته يناديها لتنظر خلفها لتجده يقف في نهاية النفق من الجهة الأخرى ويضع كفه علي صدره الذي تقطر منه الدماء! وملامحه متعبة يكسوها الألم لا تدري كيف رأته وسط ذلك الظلام الذي يحيطه بعكس الجهة الأخرى للنفق لينادي بصوته الجريح :
– ارجعي ! متروحيش هناك !
طالعته بحيرة وهي تعاود النظر لذلك النور الذي يجذبها لتسيل دموعها كما سالت في الواقع لتنفي برأسها هامسه :
– أسفة !
لتستدير وتخطو ببطء تجاه ذلك الضوء فقد اكتفت من الظلام بحياتها نظرت أرضاً لتجد الدماء تقطر من قدميها رغم عدم شعورها بذلك فلم تهتم لتكمل طريقها حافية القدمين بروح خالية وعيناها الزرقاء تلتمع بوميض غريب لذلك الضوء الذي أنار ظلمة عينيها…وابتسامة شاحبه تلوح علي محياها فاستسلمت لذلك الشعور ومضت بطريقها وهي تصم أذنيها عن صوته الجريح وكأن جراح قلبها قد اكتفت لتحثها علي السير بذلك الطريق وحدها لعلها لن تتألم مرة أخرى…
*****
– ميرا علشان خاطري فوقي ! يوسف محتاجلك !
هتفت بها “ليلي” ببكاء من بين شهقاتها وهي تحاول افاقتها وقد أخبرها احد الحراس ان المسعفون اخبروهم انها في حالة صدمة وليس بها مشكلة عضوية ، تذكرت ما حدث قبل بضع ساعات…
Flash back.
صرخت برعب وقد ظنت ان الشاحنة ستصدمهم لكنه تدارك الأمر في اللحظات الأخيرة ليحيد بسيارته جانباً بسرعة وتوقف سريعاً قبل ان يصطدم باي شئ أخر ، تنفست الصعداء وهي تلتفت حوله بلهفه :
– داني…انت بخير ؟
تنفس بعمق لينظم أنفاسه ثم التفت له ورمقها بنظرة معاتبة وكأنه يقول ألم تطلبي الانفصال من دقائق فكيف تقلقين علي حالي ؟..
تلمست وجهه وذراعه بلهفه والدموع تتجمع بعينيها البندقية وتوقفت حين رأت نظراته المعاتبة كادت تعتذر ليشير لها بكفه بالصمت ثم اردف بهدوء :
– لم أكن يوماً متجبراً ولن أقيدك بي مرة أخرى…لقد اكتفيت من تهوركِ الذي كاد يقتلنا للتو واكتفيت من سعيي خلفك لأنال رضاكِ ! انا لن أتزوج بفتاة مندفعة لا تعي عواقب حديثها وكلامتها القاسية التي لا تنفكين رميي بها ! انا سأعود للندن وبرفقة أبي ولن اتخلي عن تلك الصغيرة وسأواصل اعتنائي بها حتي ولو اكن موجوداً !
اتسعت عيناها بخوف وهي تنفي برأسها هامسة :
– لا تقل انك تريد تركِ ! انا اعلم اني أخطأت و…بي عيوب كثيرة لكني أحبك !
مسح علي خصلاته بضيق بدلاً من ان يتهور ويمسح علي خصلاتها ويحتضنها بقوة ليردف :
– الحب ليس كل شئ ليلي ! انا لم أعد أحتمل كلماتك الجارحة وخيانتي التي تذكريني بها بكل مشكلة تقابلنا مهما كانت صغيرة! ستظل خيانتي السابقة عائق بعلاقتنا دوماً…انتِ لم تتخطي هذا اليوم بعد ولن تفعلي ! لذا من الأفضل ان ننفصل بهدوء…
ضاقت ذراعاً به لتصرخ بانفعال بلا تفكير :
– تتحدث وكأنك لم تخطأ من قبل ! انت الخائن لست أنا ! وانت أيضاً بك الكثير من العيوب فانت خائن ومغرور وسريع الانفعال…انت لا تبرع بشئ سوي التخلي عمن يحبك لقد تخليت عن ابيك فلما انتظر ان تتمس…
قاطع استرسالها في الحديث صفعته المدوية علي وجهها! اتسعت حدقتيها بعدم تصديق وذلك الألم الذي غزا وجهها كما قلبها الذي تسارعت دقاته لتطالعه بصدمة كما صدمته مما فعل فهي أول امرأة يرفع يده عليها ومن ؟ صغيرته…مدللته…عشقه ! لكن حقاً لم يتمالك نفسه فقد تخطت كل حدودها! لتمسح دموعها الهاربة بعنف وهي تطالعه بنظرات مشتعلة ليهتف بتردد :
– ليلي…انا…لم
قاطعته بحده وقد عادت لشراستها فمهما كان قريباً علي قلبها فلن تسمح له بإهانتها :
– أنت محق ! انت لن تستطيع البقاء مع فتاة مليئة بالعيوب مثلي وانا لن استطيع البقاء مع شخص همجي !
فتحت الباب وكادت تترجل ليمسك ذراعها قائلاً بأسف :
– انتظري…انا لم أقصد فعل ذلك انا فقط…
كادت تصرخ بوجهه ليقطع ذلك الشجار رنين هاتفها لتجيب وهي مسلطة نظراتها الحادة تجاهه لتختفي حدتها وتصيح بقلق :
– انت بتقول ايه ؟ أخويا ماله ؟
ليجيب الطرف الاخر بأسف :
– احنا لسه منعرفش ايه الي حصل كل الي وصلنا رسالة من يوسف باشا اننا نجيله ولما وصلنا لقينا صاحب يوسف باشا مقتول والباشا متصاب برصاصة والاسعاف لسه ماشية من دقايق وانا المفروض اروح وراهم بس مقدرش اسيب ميرا هانم لوحدها وسارة هانم تليفونها مقفول فلازم حضرتك تيجي !
ابتعلت غصة بحلقها لتقول بنبرة باكية :
– مش فاهمه وميرا مراحتش معاه ليه هي كمان حصلها حاجة ؟
اجابها بغموض :
– أفضل حضرتك تيجي بنفسك واول ما نطمن علي يوسف باشا هبلغك ! وهبعتلك العنوان في رسالة…
اغلقت الهاتف بصدمة ليقول بتساؤل :
– ما خطبكِ ؟ هل كل شئ علي ما يرام ؟
وكأنها نست صراخهم منذ قليل لتهتف ببكاء وهو يتجول بعينيه علي ملامحها المصدومة :
– يوسف في المشفى اصيب بطلق ناري وزوجته لا أعلم ما بها !
استرسلت في حديثها ببكاءٍ حتي ادار السيارة ليهتف مطمئناً :
– سيكون بخير لا تقلقي…
أمسكت كفه ببكاء وقد هالها ما سمعته حتي نست خلافهم وحتي انفصالهم! ليصل الي العنوان الذي ارسله الحارس ليترجل كلاهما ويسيرا نحو الداخل لتنصدم بزوجة أخيها تلك المرأة القوية التي لقبتها يوماً بالمرأة الحديدية التي أخافتها شراستها رغم اعجابها بها تستلقي أرضاً متكومة بوضع الجنين تضم جسدها المرتجف وعيناها شاردتان في الفراغ والمنزل وكأن اعصار ضربه فكل شئ محطم والدماء تلون الارضية! لتقترب ببطء وتهبط جوارها قائلة بصدمة :
– ميرا !
End flash back.
انتشلها من شرودها يده علي كتفها لتطالعه بحزن وتهتف بتساؤل قلق :
– كيف حال أخي ؟
طالعها بشفقة ثم جال ببصره علي تلك النائمة علي الفراش بلا حول ولا قوة وكأنها بعالم غير عالمهم ليجلس علي ذلك المقعد امامها قائلاً :
– لقد تخطي مرحلة الخطر…لقد اصابت الرصاصة جانب قلبه ببضع سنتيمترات لولا ذلك لكان الأن في عداد الموتى لكنه سيكون بخير…كيف حال تلك المسكينة ؟
اجابته بشرود وهي تلمس علي خصلاتها بحنان وأعين دامعة :
– لقد رحل الطبيب منذ قليل واخبرني انها بحالة صدمة و ليست بخير علي الاطلاق ويجب نقلها لمصحة نفسية !
أجابها بأسف :
– ذلك الأفضل لها فلا نريد لحالتها ان تزداد سوء…
لتهتف باستنكار وانفعال :
– ما اللعنة التي حدثت لهم ! من اطلق النيران علي اخي ومتي عادت اليه ؟ ومن ذلك الشخص الذي وجدوه مقتولاً ؟ انا سأجن ولا اصدق ان تلك التي أمامي هي ميرا التي كنت أخشاها يوماً بهذا الضعف وهذه الحالة !
اردف بنبرته الهادئة :
– سنعلم كل شئ حين يفيق شقيقك واتمني ان يفعل ذلك قريباً !
*****
زأر بشراسة ليندفع كالوحش الكاسر وهو يضربهم بعنف غير عابئاً كون ذلك جريمة يعاقب عليها فقط ما يهمه صغيرته حتي “سارة” انصدمت من تلك الشراسة التي لم تراها به يوماً!
ليتكالبوا عليه ويقيدوا حركته فيصرخ بعصبية :
– سيبوني ! وديني لأقتلكم ! بنتي محدش هيقرب منها !
هرع أحدهم للداخل رغم محاولات “سارة” لمنعه وخرج بعد قليل حاملاً الصغيرة الباكية التي تصرخ بخوف :
– باااااابي !
وتمسك الصغيران بساق والدتهم ببكاء خائف ، زاد هياجه حين وصل لمسامعه صراخ طفلته لتصيح “سارة” بعصبية :
– سيبوهم ! انتوا اتجننتوا !
ليصرخ بعصبية مفرطة حتي تثاقلت أنفاسه وشعور بالخدر يسري بجسده ليتركوه فيرتمي جسده أرضاً من فرط عصبيته وهو يلهث بعنف والاصوات تتداخل بعقله وتتشوش الرؤية لتنغلق جفونه علي مشهد أخير بركض “سارة” نحوه بهلع والضباط يرحلون وصغيرته تصرخ ببكاء وتمد يديها له حتي اختفي صوتها حين صعدوا لسيارتهم واختفت كما اختفي وعيه ليغمض عيناه هامساً بتقطع ثم استسلم لذلك الدوار الذي يفتك به :
– سـيبوهـا…بنـتـي !
******
ولج الي المنزل حاملاً الصغيرة التي نامت من كثرة بكاءها لينادي بصوته الخشن :
– سميرة ! انتي يا ولية !
هرعت اليه تلك المدعوة “سميرة” بتأفف :
– جاية يا اخويا فيه ايه الدنيا هتطير !
لطمت علي صدرها قائلة بصدمة :
– مش معقول ! دي البت مني بنت اختي ! لقيتها فين يا منيل ؟!
القي بالصغيرة علي الاريكة بفظاظة غير عابئاً بجسدها الصغير ليجلس قائلاً بصوته الغليظ :
– كنت رايح اقضي مصلحة في حته نضيفة لقيت المزغودة دي مع واحدة ست شكلها من الناس الأكابر وخارجين من مول واحنا الي بندور عليها بقالنا سنة طلعت عايشة عيشة فل واحنا الي طالع عنينا بسببها !
جلست بجواره ترمقه بغيظ قائلة :
– انت نسيت عملت ايه يا عبد الفتاح ؟ مش انت بردو الي رحت طلعتلها شهادة وفاة والبت تايهه ؟ وخليت الورث يروح علينا !
اجابها بغلظة :
– مكفياكي تقطيم بقي يا ولية ! مكنتش اعرف ان الورث هيروح لما البت تموت ! وبعدين مش هي الي هربت ؟! دانا طلع عيني علما جبتها ده طلع ظابط متبنيها وخدت علقة محترمة انا والظباط الي راحوا معايا علشان نعرف تاخدها !
شهقت باندهاش :
– بقي الي عمل فيك كده جدع بطوله ! دانا فكرت شوية بلطجية اتلموا عليك ورنوك العلقة دي !
استشاط غضباً من شماتتها الخفية ليدفعها بغلظة :
– طب اخفي من وشي يا سميرة لحسن ارنك نفس العلقة دي !
ابتعدت بامتعاض وهي تتمتم بتأفف :
– مش فالح غير يمد ايده عليا اما غيري يضربه ميقدرش يتكلم…رجالة أخر زمن !
رفع حاجبه صائحاً باستنكار :
– بتبرطمي بتقولي ايه يا بومة سمعيني ؟!
اجابته بامتعاض وسخرية متوارية :
– بقول هقوم احضرلك لقمة ترم عضمك بيها يا سبع الرجالة !
تغاضي عن سخريتها فليس به طاقة ليضربها ككل مرة يشعر برجولته تسقط! وكأن ضربها يعيد له القليل من ثقته بقدراته!
*****
فتحت جفونها بضعف لتفرك عينيها بعبوس من اثر بكاءها لتنظر حولها لتشهق ببكاء حين أدركت انها عادت لذلك المنزل ليدور عقلها بمشاهد من الماضي…
Flash back.
سارت في الطريق الي المنزل تدور حول نفسها وتبتسم بسعادة وبيدها حلواها المفضلة التي خرجت لتشتريها لتقف بصدمة وهي تجد منزلها تأكله النيران من كل جهة لتسقط حلواها أرضاً وتركض باتجاه منزلها لولا جارتها التي امسكت بها واخذتها بعيداً رغم صراخها ومحاولتها الافلات وهي تصيح بانهيار لا يناسب سنها الصغير :
– مااااامي !
احتضنتها بقوة وهي تبكي بكاءٍ عنيف! والأخيرة تربت عليها بشفقة وقد وصل رجال الاطفاء محاولين اخماد تلك النيران لتشعر بسكونها بين ذراعيه ابعدتها لتجدها فقدت وعيها لتهتف بشفقة :
– اغمي عليكي يا حبة عيني…غلبانة اتيتمتي بدري !
اخذتها لتتجه بها الي منزلها ، سلمتها بعد يومان الي خالتها وزوجها فهما أصبحا الوصيان عليها وعلي كل ما ورثته من أبيها الذي وصل الي المنزل قبلها بدقائق ومات محترقاً كزوجته بسبب تركها لغاز الموقد وقد نست اطفاءه ليشتعل المنزل بمجرد دخول زوجها واشعاله لسيجارته! أخذتها خالتها والتي ما ان عادت معها خرجت عن صمتها قائلة بنبرتها الطفولية الهادئة :
– هو انتي مين ؟
وقتها علمت خالتها وزوجها ان الصغيرة فقدت ذاكرتها من اثر الصدمة لتبدأ تعاستها مع زوج خالتها غليظ الطباع ودارت مشاهد أخرى حين طلبت منه باستحياء :
– عمو…انا عايزة حاجة حلوة !
رفع حاجبه هادراً باستنكار :
– عايزة ايه يا روح *** ؟ هو انا خلفتك ونسيتك يا بت ؟
ودفعها بخشونة لتسقط ارضاً وتطالعه بأعين دامعة وجسدها يرتجف بخوف لتنهض وتدلف الي غرفتها تختبأ بها من بطشه ومشاهد أخري كثيرة من قسوته وقسوة خالتها التي لا تستوعب حقدها ونظراتها الغاضبة دوماً رغم انها لم تخطئ! ليأتي يوماً وتشهد علي شجارهم بإحدى نوبات جنونه الذي انتهي بضرباته العنيفة لخالتها ثم خلع حزامه لينهال عليها بلا رحمة ظنت انه سيحين دورها ويقتلها كخالتها فقط ظنتها ماتت من ارتخاء جسدها الزاخر بالكدمات وتغطيه الدماء لتهرب من المنزل مستغلة التهائه بقتل خالتها كما تظن لتتجول بالشوارع بلا هدي وهي ترتجف بخوف ولا تتوقف عن البكاء حتي اقترب شاب ليجلس علي ركبتيه أمامها قائلاً بابتسامة خبيثة :
– ايه يا عسل انتي تايهه ؟
نظرت له بخوف ولم تجيبه ليكمل بلطف زائف :
– متخافيش…تعالي معايا اوديكي عند ماما !
عبست ملامحها لتجيبه بصوت خافت باستغراب :
– هو انا عندي ماما ؟
رغم استغرابه من سؤالها اردف مبتسماً وهو يحملها ويسير بها :
– اه طبعاً هو في حد معندوش ماما ؟
بعد ذلك انقذها أبيها الروحي “إلياس” لتعيش في كنفه مطمئنة البال ولم تخبره عن خالتها حتي لا يعيدها اليهم مرة اخرى الي ان رأت ذلك الرجل المخيف زوج خالتها اثناء تسوقها برفقة والدتها الروحية “سارة” لا تدري كيف تذكرت كل ما حدث لها لتنهار باكية بخوف بين يديها!
End flash back.
شهقت بخوف تزامناً مع تعالي دقات قلبها الصغير رهبه من دخوله مبتسماً بخبث وبيده عصا خشبية صغيرة ليهتف بصوته الغليظ :
– والله ليكي وحشة يا بت ! بقي كده حد يهرب من عمه ؟ بس بردو معاكي حق مانا كنت مدلعك ! والبنات مينفعش معاهم دلع يتعوجوا لو مخدوش علي دماغهم !
صرخت بهلع حين اقترب منها ملوحاً بتلك العصا الخشبية ليصيح :
– بت يا سميرة ! اقفلي الباب مش عايز صوتها يطلع بره !
ولجت الي الغرفة تطالع الصغيرة بشماته لتقول بطاعة :
– من عنيا بس خلي بالك متشدش عليها اوي ليحصلها حاجة وتجبلنا مصيبة !
لتخرج وتغلق خلفها الباب وهي تضع حجراً من قسوة علي قلبها وتستمتع بصرخات الصغيرة المتألمة وكأنها سنفونية عذبة علي مسامعها لتهتف في نفسها بشماته :
– زي ما خدتي مني الراجل الي حبيته وخليتني البس في الراجل ال*** ده لأدوق بنتك المر ومخليهاش تتهني يا بنت امي وابويا !
*****
بـعـد مـرور شـهـر… !
صوت همهمات ضعيفة يتسلل الي مسامعه ليفتح جفونه بضعف ليضرب ذلك الضوء الأبيض عيناه فيعيد فتحها ليجول ببصره بتلك الغرفة البيضاء لتهرع اليه “ليلي” قائلة بلهفة :
– يوسف…حمدلله علي سلامتك ! حاسس بايه ؟
حول بصره ناحيتها ليحاول النهوض والجلوس باعتدال بصعوبة من ذلك الألم بصدره ليسألها بنبرة جافة :
– هو ايه الي حصل ؟وانا بعمل ايه في المستشفى ؟
ابتلعت غصة بحلقها وهي تتهرب بعينيها ولا تدري ماذا تجيبه ليبدأ عقله بتذكيره بكل ما حدث حين اختطفها من ذلك الزفاف وانهيارها بين يديه تذكر تلك الليلة التي تمسكت به حين وضعها علي الفراش في دعوة صامته ورغم حالتها الغريبة لم يستطع الا ان يلبي نداءها فقد اشتاق لها كثيراً وحمد ربه كثيراً انها لم تتذكر ما حدث تلك الليلة فقد غير لها ثيابها حتي لا تزداد غضباً حين تعلم لينتهي اليوم بخلافهم وتركه للمنزل ثم اتسعت عيناه بادراك حين تذكر محاوله صديقه لاغتصاب جميلته وحضوره بالوقت المناسب وقتله لصديق عمره! وحالتها التي اصابها قبل ان يغيب عن الوعي ليهتف بانفعال متلهف :
– ميرا فين ؟ وانا هنا من امتي ؟
اجابته بقلق :
– يوسف…ارجوك اهدا العصبية غلط عليك !
ليهدر بعصبية غير مبررة وهو يحاول النهوض ونزع تلك الأسلاك المتصلة بجسده :
– ردي عليا ! ميرا فين ؟
اجابته مسرعة كي لا تسوء حالته :
– انت هنا من شهر علشان دخلت في غيبوبة وميرا…
بللت شفاهها لتقول بتردد :
– ميرا…جالها حالة صدمة ودخلت مصحة نفسية !
صعق من حديثها ليعود ليفيق ويصرخ بها بانفعال :
– انتوا اتجننتوا مين سمحلكم تعملوا كده ؟ ميرا مش مجنونة علشان تدخلوها مصحة ! وديني لأحاسبكم كلكم بس اشوفها الاول
نهض بترنح لتحاول منعه بتوتر قلق :
– يوسف…علشان خاطري اهدي والله ده لمصلحتها…طب هتروح فين بس ؟
دفعها بخشونة ليندفع ويفتح الباب فيجد حارسه الذي هرع اليه بلهفة :
– يوسف باشا…حمدلله علي سلامتك…حضرتك رايح فين بس ؟
ليمسكه من مقدمه بذلته ويجذبه نحوه ويهمس بتهديد رغم لهاثه :
– وديني عند مراتي…حالاً !
ازدرد ريقه ليقول بتردد :
– بس يا باشا كده خطر عليك…سيادتك لسه تعب…
قاطعه لكمته العنيفة رغم اجهاده الواضح ليعود ويجذبه قائلاً بلهاث :
– بقولك وديني عند مراتي لحسن ادفنك مطرحك !
اومأ له بقلق وهو يسنده حتي لا يسقط من شده الألم الذي ينحر صدره صعد الي السيارة ليستلقي بتعب حتي وصل به الي المشفى ليصعد بخطوات مترنحة من الألم ليرشده احد الممرضات علي غرفتها لم يستمع لتحذيرات الأمن ان الزيارة ممنوعة ولا صوت الطبيبة ليدفع باب غرفتها ليجدها جالسه علي فراشها تطالع الفراش بتلك الثياب البيضاء التي تخص المشفى وعيناها الجميلة فقدت بريقها اقترب ببطء ليجلس امامها ويحاوط وجهها بكفيه هامساً بلهاث وقد تحررت دموعه الحبيسة :
– انا جيت يا روحي…يوسف جه متخافيش…عملوا فيكي ايه يا حبيبيتي ؟
رفعت بصرها لتطالعه بأعين خاوية وكأنها تعرفت علي صوته ليستند برأسه علي جبهتها بضعف ولا يصدق وجودها بهذا المكان ليبتعد قاطباً جبينه وهو يتسأل بصدمة فبدا تائهاً كطفل فقد والدته :
– ميرا…انتي مش بتردي عليا ليه ؟
#يتبع…
#أحببتُ_فريستي
#بسمة_مجدي