رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد
الفصل الثامن :
” وعندمـا تضيـع أنت فراغ يقدم نفسه إليك بألغام العقـل الاضطرارية.. تعض على أصابعك ندمًا ولتقل يا ليتني لم افسد عيشتي ” !!!
إنهيـار ذاك او افظـع ما لفح به فجعله يتسابق مع الريح في السقوط…
منذ ان جلبها للمستشفى وذلك الطبيب لم يخرج حتى الان…
كان يسير ذهابًا وايابًا.. يأكل الطرقات غلًا ولومًا وألمًا…!!
واخيرًا خرج ذلك الطبيب بعد فترة طويلة، ليسارع صقر متساءلاً :
-طمني يا دكتور هي كويسة ؟!
سأله الطبيب بهدوء :
-أنت زوجها ؟
اومأ صقر مؤكدًا.. ليخبره بأسف :
-للاسف خسرنا الجنين.. ربنا يعوض عليكم، أحنا عملنالها تنضيف للرحم وبعد شوية هتفوق تقدروا تطمنوا عليها
ثم تركه ليرحـل..
بضعة حروف أحاطتـه كسلاسل من لهب تخنقه
.. تخنقه بشدة حتى بات يشعر أنه لا يستطيع الفرار !!
كيف سيرا وجهها ؟!!!
كيف سيخبرها… كيف سينظر في عيناها من الاساس !!!
والاهم كيف تسبب هو بتلك الخسارة الفادحة !!؟
لم يشعر بنفسه وهو يضرب الحائط بعنف بيده صارخًا :
-انا السبب.. انا السببببببببب !!!!
اقتربت منه والدته مسرعة تحاول تهدئته :
-اهدى يا حبيبي ده قدر ربنا.. ربنا هيعوضكوا غير ان شاء الله
ظل يهـز رأسه نافيًا بألم :
-لا.. مش هتسامحني.. عمرها ما هتغفر الغلطة الغير مقصودة دي
اقتربت منه نيرمين ببطئ.. لتهمس بفرح حاولت اخفاءه :
-اذا كان ربنا بيسامح هي مش هتسامح ؟!! وبعدين في الف واحدة يتمنوا تشاورلهم بس عشان تخلفلك العيل اللي نفسك فيه !
كان يجـز على أسنانه بغيظ حقيقي.. وكأن تلك البراكين ستنفجر داخله الان فتدمر اي شيئ… !!
نظر لها نظرة ذات مغزى وهو يهدر فيها بعنف :
-محدش هيجيب العيل ده غيرها هي، هي بس !!!!
ثم تركها ليدلف لغرفة تلك المعشوقة…
رآها تتسطح على الفراش.. وجهها شاحب يوازي شحوب الموتى.. !!!
جلس على طرف الفراش لجوارها.. ليجدها تبدأ باستعادة وعيهـا وهي تتأوه واضعة يدها على بطنها…
مد يده يضعها على يدها برفق هامسًا بصوت مبحوح :
-اسف.. اسف يا حبيبتي
بدأت هي تأن بصوت مكتوم وهي تضغط على بطنها :
-ا آآ ابني.. جسااااار… جسار !!
كور قبضته بعنف وهو يراها تستنجد بغيره حتى قبل أن تستعيد وعيها كاملًا..
ماذا إذا استعادت كامل قواها ؟؟!!!!
طرقـات قوية صدحت كالبوارق داخله وهو يراها تفتح عيناها البنية بضعف.. وبمجرد أن رأته انتشلت يدها من اسفل يده وهي تصرخ فيه مزمجرة :
-انت بتعمل اية هنا ابعد عني !!!
حاول الاقتراب منها يهدئها قليلا :
-حبيبتي اهدي.. أنا آآ
ولكن على العكس تماما ثارت اكثر وهي تحاول النهوض مزمجرة فيه بجنون هيستيري :
-ابعد عنييييييي انا مش حبيبتك انا بكرررهك اطلع برررره بررره مش عايزة اشوفك !
وعندما كاد يتحدث وجد الطبيب خلفه يستأذنه بجدية هادئة :
-لو سمحت يا صقر بيه.. أنت كدة بتتعب المدام اكتر.. سيبها براحتها عشان مايجيلهاش انهيار عصبي
شعـر بكل ما بُني بينهم هُدم بلحظة.. ومع كل حجر من بناء عشقهم المتيم يسقط.. يشعر بجبل من الالم داخله يزلزله.. !!!
اقترب منها مسرعا يمسك وجهها بين يداه هامسًا بلهفة :
-ترنيم أنتِ عارفة أني ماكنتش اجصد أموت ابننا.. صح ؟؟ أنتِ عارفة اني بحبك وماجدرش ابعد عنك !! اكيد ربنا هيعوضنا بغيره كتير
لمعت تلك الحمرة من البكاء بعينيها وهي تردد بشراسة نافية :
-على جثتي.. غلطة ومش هكررها تاني ابدا، انا بكرهك لا يمكن اعيش معاك او اخلف منك !!
يا الله من قساوة كلماتها التي ظلت تُذبح فيه ببطء ولكن دون ان تقتله !!!!!…
كان ينظر لها بتوهـان وكأن كلماتها خدرته.. إلى أن وجدها تنفض يده عنها بقوة مغمغمة للطبيب :
-لو سمحت طلعه بره مش عايزة اشوفه
نهض ببطئ وكأنه مشلول لا يقوي على الحركة.. حمرة البكاء بعينيها زادت الطين بلاً.. وخاصة وهي تكمل بأشمئزاز منه :
-اخلف منك تاني عشان اقول لعيالي ابوكم هو اللي قتل اول اخ ليكم ؟؟؟! لا.. يا صقر لا مستحيل.. مفيش حاجة هتجمعني بيك الا عزايا ليوم الدين !!
بلحظة كان امامها يحتضنها رغمًا عنها بانهيار اشعرها انه يمنع نفسه عن البكاء بصعوبة ؛
-لا يا ترنيم.. انا ماجتلتش ابني، اللي حصل ماكانش جصدي.. أنـ… سامحيني
ابتعدت عنه وهي تنظر له بازدراء :
-بره !!
سحبه الطبيب برفق وهو يهمس له :
-صقر بيه…
ولكنه نفض يده بعيدًا عنه لينهض راكضًا للخارج…
لا تطيق رؤيته.. اصبحت تمقته.. لا تريد أن تنجب منه تحت أي مسمى…
والادهى تريد الانفصال عنه ؟!!!!!
بعد تلك المعاناة ليجتمعوا تريد الانفصال عنه !!!
ركب سيارته ثم بدأ يدب على المقود بقوة صارخًا بصوت متألم مذبوح :
-لااااااااااااا …
……………………..
بينما في الداخل نظرت ترنيم للطبيب مرددة بصوت مبحوح :
-لو سمحت عاوزه موبايل هعمل مكالمة
اومأ الطبيب موافقًا بسرعة :
-طبعا طبعا.. اتفضلي
اعطاها الهاتف لتدون رقم جسار الذي اجابته بعد دقيقة بصوت مُرهق ضعيف :
-جسار
-ترنيم ؟؟ مالك يا حبيبتي مال صوتك !! وتليفون مين ده
-جسار انا في المستشفى.. أنت لازم تيجي تاخدني
-أية !! مستشفى ؟؟ مالك.. أنتِ كويسة والبيبي كويس ؟
عندهـا ظلت تشهق باكية بعنف وهي تخبره وقد تمزقت حروفها لاشلاء كما روحها الان :
-مات.. ابوه قتله من قبل ما يكمل شهر حتى !!!
-انا جايلك يا ترنيم اهدي.. كام ساعة وهتلاقيني ادامك ارجوكِ اهدي
صرخت فيه بانهيار :
-متتأخرش تعالى خدني انا مش طايقه اشوفه في مستشفى “…..” الخاصة
-حاضر حاضر اهدي أنتِ بس
-سلام
أغلقت الهاتف لتعطيه للطبيب الذي دلف ما إن سمعها أنهت المكالمة.. فشكرته بصوت يكاد يسمع :
-شكرا
همس لها بلطف :
-انا تحت امرك
استـدار ليغادر بهدوء.. لتنهار هي بحسرة واضعة يدها على بطنها…
وبالخارج اثنان من العيون يراقبانها بشماتة ……
عانى “ليث” حتى يضعها على الفراش بسـلام.. متجاهلًا كل آلامـه المتزايـدة.. فألمهـا النفسي يُهلك روحه المرتبطة بها اكثر… !!
حاول الإسراع قدر الامكان ليجلب زجاجة وعطر “برفـيوم” ثم بدأ يحاول إفاقتهـا..
دقيقة والثانية والشـك يتسـع بفجـع بين دوائر العقل داخله.. يملأهـا حتى كاد ينفجر بانهيار متساءلاً…
واخيرًا استعادت وعيها فظلت تهمس وهي تهز رأسها نافية :
-لأ.. سبني لاااا
امسك بوجههـا بين يداه.. ليردد بحشرجة حقنتها الغيرة العمياء :
-فجر.. فجر قومي فوقي مالك ؟؟
كان شبه متمدد لجوارها.. فاقتربت منه اكثر بتلقائيـة لتدفن نفسهـا بين ذراعيـه التي كانتا دائمًا مصـدر لامتصاص الهلاك منها…
ضمها له برقـة.. إلتصق بها كثيرًا وهي كقطة وديعـة أفزعتها زمجرة أسد شرس تهرب بين ثنايا صدره…
يداه احاطت خصرها ببطء ثم همس وشفتاه تلامس اذنها :
-مالك ؟؟
وصله صوتها المختنق :
-مش عايزة اتكلم، خدني في حضنك وبس.. ضمني جامد
تأوه بصوت خفيض.. ها هي تطلب الانتمـاء لجنة حُفرت بأسمها… !!
ظل يضغط على خصرها برفق وهو يجذبها له أكثر.. فارتفعت يداها بتلقائية تتشبث بلياقة قميصه…
وأنفاسها التي كانت كـ وقود لأشتعال روحه لفحته بقوة، فاقترب من وجههـا.. شفتاه تتلمس أذنيها بشغف وهو يهمس :
-ارحميني….
بينما داخله يكمل بجنون يعجز عن الأفصاح به
” ارحمي ضعفي.. ارحمي شوقي.. ارحمي عشقي الذي يطالب بكِ يا صغيرتي ” !!
رفعـت عيناها له.. بدت له ليست طبيعية بالمرة.. كانت في حالة غريبة تلاطمت بين التوهـان… والاحتياج !!؟
تلمست ذقنـه الناميـة بأصبعها.. ليمسك هو بأصبعها مرددًا بحزم :
-فجر… ارجوكِ انا مش عايزك تكرهيني اكتر !!!
عندهـا إنفجرت في نشيج حار مزق نياط قلبه رويدًا رويدًا…
فظل يمسح على رأسها عدة مرات وهو يردف بحرقة لها :
-قوليلي مين اللي عمل فيكِ كدة وأنا وديني همحيه من على وش الدنيا
لا يدري أن كلماته زادتها اصرار حتى لا تخبره…
لا تريده أن يتهور..
وجدها تدفن وجهها عند عنقه وهي تهمس :
-ارجوك سبني براحتي، خدني في حضنك من غير ما تتكلم
وبالفعل هذا ما فعله.. ضمها له بقوة يستنشق رائحتها التي يعشقها بجنون بعد معانـاة جاهد فيها نفسه ليضبط أنفاسه الثائرة….
روحه التي تتلوى من الاشتياق واللوع بها.. ولكنها لم تنتبه أن حركاتها العشوائية تثير به ما لم تثيره امرأة سواها !!!!!!
……………………..
خرج بعد فترة تاركًا إياها تنام بسلام…
ليجد والدته دلفت للتو لتهتف بفزع ما إن رأت الدماء التي تنزف من جراحه :
-يا خبر أبيض !! أية اللي حصل ؟؟ جرحك بينزف لية ؟
وضع يده موضع الالم ولم يجيبها بل توجه ناحية المرحاض.. ليجدها تأتي خلفه متساءلة بقلق :
-جارتنا قالتلي أنها شافت فجر طالعة بتجري وبتعيط شكلها مش طبيعي.. أية اللي حصل ؟؟
أجابها باقتضاب :
-مفيش
اقتربت منه تقف خلفه تمامًا، ثم وبصوت مبحوح راجي سألته :
-مش ناوي تسامحني يا ليث ؟؟ تجاهلك ليا اكبر عقاب يابني
ابتسامة قاسية ماتت ألف مرة داخله قبل أن تخرج ظهرت على ثغره الملتوي وهو يخبرها :
-ده العقاب لسة مابدأش يا …. مدام كوثر !!
اغمضت عيناها بألم حقيقي… لا تدري أهي نادمة ام لا… !!؟
ولكنها تتألم وبشدة من تجاهله القاسي لوجودها الاضطراري !!….
وصل ” جسار ” بعد فترة ليست بطويلة ولكنها ليست قصيرة….
كان يهرول راكضًا نحو المستشفى إلى أن وصل امام الاستقبال فسأل الجالسة :
-اوضة حرم صقر الحلاوي فين ؟؟
اشارت له مجيبة بجدية :
-تاني اوضة على اليمين
لم يسعفه لسانه لنطق كلمة شكر حتى فانطلق نحو الغرفـة…
وما إن دلف ورأته ترنيم حتى أجهشت ببكاء حار تتلوى منه احشاؤوها وهي تهتف بأسمه :
-جساااار
احتضنها بلهفة مرددًا بتوجس حزين :
-يا روح جسار.. مالك يا حبيبتي ؟ أية اللي حصل فهميني
بدأت تقص كل ما حدث على مسامعه.. وما إن أنتهت شعرت أنها كانت في معركة جاهدت فيها لتصنع جنودًا من حروفها الواهية فتستطع إيصال احتراقها له !!!!….
فقال جسار مذهولا :
-لا اكيد في حاجة مش غلط، صقر استحالة يعمل كدة بدون سبب
زمجرت فيه بعصبية :
-ماتجبش سيرته ادامي.. أنا مش عايزة اعرف هو عمل كدة لية اصلا، خدني عند ماما وبس لو سمحت
اماء موافقًا على مضض :
-حاضر يا ترنيم.. حاولي إنتِ بس تهدي نفسك لاني لسة مالحقتش أمهد لها وجودك زي ما اتفقنا
-حاضر
قالتها وقد اومأت موافقة دون كلمة اخرى… فنهض هو ينهي اجراءات خروجها من المستشفى……. !!
……………………..
وصل صقر بعد ساعات قليلة…
توجه نحو غرفتها مباشرة ولكن وجدها فارغة.. إنتفض قلبه الرابض هلعًا وهو يركض نحو موظفة الاستقبال يسألها :
-فين مدام ترنيم ؟؟ زوجتي كانت في الاوضة دي
اومأت وهي تنظر للحاسوب الذي يقطن امامها قائلة بهدوء :
-لحظة يا فندم
بعد دقيقة رفعت رأسها له لتجيب بجدية رسمية :
-لأ خرجت يا فندم
سألها بصوت على حافة الانهيار غير مصدقًا :
-خرجت!! خرجت ازااااي؟؟؟
اجابت بتوتر على الفور:
-خرجت مع اخوها.. جسار الحلاوي
ظل يضرب المكتب بقبضته عدة مرات بعنف وهو يصرخ مزمجرًا :
-يعني أيييييية خرجت مع اخوها ؟؟ هو مش أنا اللي جايبها هنا !!! ازاي تخرج من المخروبة دي بدون ماعرف ؟؟
رددت بلهجة جادة حاولت جعلها ثابتة :
-صقر بيه.. قوانين المخروبة اللي حضرتك بتتكلم عنها بتقول إننا بنسلم المريض لاي حد من اهله.. !!
تركها ليغادر يأكل الخطى بجنون…
رحلت ؟؟؟
تركته للابد دون عودة !!!
رفضت حتى رؤيته لاخر مرة كما تزعم… !؟
يا الهي.. يشعر انه حقًا بين احضان الجحيم…
أنه في مغارة سوداء سيموت من الاختناق إن لم يخرج منها الان !!!!!
اخرج هاتفه يتصل بجسار… مرة.. واثنان.. وثلاثة ايضًا
ولكن في كل مرة تخبره تلك اللعينة ببرود
” الهاتف الذي طلبته مغلق او غير متاح.. برجاء معاودة الاتصال في وقت لاحق ”
ألقى بهاتفه في السيارة بأهمـال… وسواد مُخيف اشتعل بحدقتيه وهو يردد بزئير أسد مُهدد بالافتراس :
-لاااااااا… لااا يا ترنيم أنتِ بتاعتي.. بتاعتي أنا ومش حتجدري تبعدي عني مهما حاولتي !!!!
بعد فترة###
أوصل “جسار” ترنيم منزلهم اخيرًا بسلام.. وبمجرد أن رأتها والدتها تجمدت مكانها من هول الصدمة…
متسعة الفاه والحدقتين تحاول التصديق أن ابنتها التي حُرمت منها تقف امامها الان !!!!!
بينما اقتربت ترنيم جدا منها حتى قالت بصوت مبحوح :
-ماما
سحقتها والدتها في عناق حار.. متلهف.. محترق بعذاب أم عانت من الفراق اللعين مرتان !!
فظلت تردد بلا توقف :
-ترنيم..بنتي.. أنتِ كويسة يا حبيبتي… ااه يا ضنايا وحشتيني اوي
سكنت ترنيم بين أحضانها تبكي بصمت.. كيف لم تدري أن تلك السيدة التي عاشت معها اثناء فقدانها الذاكرة لم تكن خالتها كما ادعت ؟؟!!!
تلك كانت احضانها جافة باردة كمعاملتها.. ولكن والدتها تحمل حنان واشتياق من نوع اخر…. !!
جلسا جميعهم بعدما سلمت على نور التي هللت بعودتها هي الاخرى…
وقصت عليهم بعض ماحدث معها وكان جسار معاون لها..
فبادرت نور بسؤالها الفضولي علها تخفف من توتر الموقف :
-الا قوليلي يا ترنيم ؟ ازاي معرفتيش ان الناس دول مش اهلك !
تنهدت ترنيم وهي تجيبها بخفوت :
-لما العربية اتحرقت وانتوا فكرتوني مُت جواها… هما كانوا لاقوني واخدوني على اقرب مستشفى ومن كتر الحروق اضطروا يعملولي عملية تجميل اللي معرفش جابوا فلوسها منين.. بس تقريبا استلفوا من طوب الارض علشان يستفادوا بيا بعدين خصوصا لما عرفوا اني فقدت الذاكرة.. اخدوني على الصعيد وانتم طبعا قالبين اسكندرية عليا وفكرتوا اني مُت في ساعتها في الحريق.. لما بدأت اسأل جابولي شهادة ميلاد عليها اسمي تقريبا عملوا كتيير عشان يعرفوا يطلعوها هي والبطاقة.. واقنعوني انهم اهلي وانهم ربوني بعد وفاة امي وابويا.. وعشت 8 شهور ملاقتش حد غيرهم فحياتي فاقتنعت انهم اهلي بس اللي محيرني اني بعد ما رجعتلي الذاكرة سألت عليهك لقيتهم اختفوا من الصعيد !!!!
ضمتها والدتها لها بحنان مرددة :
-الحمدلله.. الحمدلله يابنتي.. لكن فين جـ جوزك ؟ قصدي ابن عمك صقر
احتقن وجه ترنيم على الفور بحمرة مُشققة اخبرتهم انها على وشك البكاء.. فقال جسار مسرعا :
-بعدين يا امي بعدين.. خليها ترتاح دلوقتي !!
اومأت والدته موافقة على مضض بعدما شعرت أن هناك خطبًا ما بأبنتها…..
صباح اليوم التالي…..
كان “جسار” في غرفة الملاكمـة فنام هناك رغمًا عنه من الارهاق..
دلفت نور بخطى بطيئة لتجده ينام بهدوء تام.. ابتلعت ريقها بتوتر وهي تقترب منه بهدوء حتى اصبحت امامه…
وما إن كادت تمد يدها لتهزه حتى وجدته يفتح عيناه فجأة مرددًا بصوت أجش :
-خير ؟؟
حاولت سحب ذراعها الذي قبض عليه بعنف وهي تهمس بتوتر :
-مـ ماما بعتتني اقولك ان الفطار جاهز. فكرتك صاحي !!
نفض يدها بعيدًا عنه.. وبصوت ساخر جلدها بقسوة لم تعهدها منه قال :
-وهي ملاقتش غيرك يقولي على الفطار؟؟ ده أنتِ سديتي نفسي على الصبح !
ألم خلف ألم داخلها وصداه يتردد فيكسر قشرة التماسك الواهي….
أهذا هو العاشق الذي كان يتمنى أن تقترب منه لأي سبب ؟؟!!
ولكن مهلاً… عندما يختلط العشق بالسواد يصبح نكهة اخرى من العذاب…!!!
انتبهت لصوته يطردها بوقاحة :
-اطلعي بره.. أنا هاجي
اومأت بصمت فكادت تخرج ولكن اوقفها نداءه :
-نووور
إلتفتت له تسأله بهدوء :
-نعم ؟؟
رسم ابتسامة غامضة ملفوفة بالقسوة وهو يخبرها باختصار :
-استعدي عشان في مفاجأة مجهزهالك على وجه الخصوص هتعجبك اووي
اومأت موافقة ولا تدري لم شعرت بالقلق من مفاجأته تلك……..
خرج بعد فترة ليفطر معهم.. وما إن انتهوا سمعوا صوت الباب يقرع فنهض جسار قائلاً بجدية :
-الحمدلله.. واهي جت في ميعادها مظبوط
نظر الجميع له بعدم فهم.. ليغادر يفتح الباب لشاهينار التي دلفت معه بابتسامة واسعة….
وما إن رأتهم نور حتى ابتسمت بقهر وهي تدرك ما هي مفاجأته…
مفاجأته المؤلمة.. مؤلمة جدا في الحقيقة!!
نظر لوالدته وهو يمسك يد شاهيناز مرددًا بجدية :
-انا هخطب شاهيناز يا امي.. ده لو معندكيش اعتراض اكيد
ردت والدته بعد صمت دام لدقائق :
-لا معنديش يابني المهم راحتك.. بس هي الامور بتتاخد كـ….
ولكنه قاطعها وهو يكمل بحدة قاسية بعد أن إلتقت عيناه بعينا نور المصدومة من تكملة حديثه :
-وهي عارفه اني مضطر أتجوز نور عشان ابن اخويا مؤقتًا وراضية
ضغط على كلمة “مضطر” التي جعلت نور تهبط لسابـع ارض ساقطة بعنف…
وقد استنتجت أنه فاتح والدته بموضوع زواجهم ؟!!!!
بل والاهم انها ارتضت ذلك….!!!
سقط الطبق الذي كانت تحمله نور من يدها ارضًا.. فأسرعت تحاول لملمته بتوتر وهي تعتذر :
-اسفة وقع غصب عني
جرحت يدها دون قصد فتأوهت بألم.. لتجده يقترب ببطء حتى اصبح فوقها يقول بخشونة حادة اقرب للهمس سمعتها هي وشاهيناز فقط :
-تبقي خدي بالك.. اصل شاهي حامل واخاف تتعور بعيد الشر وتقع !
ثم احاط خصر شاهيناز بحركة مباغتة ليتجاوزها بعد أن دفعها بقدمه عن عمد فانغرزت يدها بالزجاج المتهشم اكثر…. لتهبط دموعها موازية دماءها التي سالت على الاطباق !!!!!!!………
وصل “صقر” منزله اخيرًا… ولكنه كان لثم “سكران” ولاول مرة بحياته !!!
لم يشعر بنفسه مذ أن غادر المستشفى فتوجه لملهى ليلي على الفور دون وجود للعقل معه…. !!
بمجرد أن دلف رأته نيرمين فأسرعت له متساءلة بقلق من هيئته :
-صقر ؟؟ مالك ؟! أنت سكران ولا إية ! ده انت عمرك ما عملتها
حاول ابعادها عنه وهو يترنج مزمجرًا بصراخ :
-ابعدي عني.. أنـ أنتِ السبب.. بعدت عني… سابتني… انـا…
ثم ظل يضحك بقوة مكملاً وهو لا يعي شيئ :
-انا جتلت ابني.. جتلت ابني من حبيبتي !!!
شعرت نيرمين بالشفقة لوهله على حالته، ولكنها فرصتها التي لن تعوض !!
وضعت ذراعاه عليها لتستنده وهي تهمس له :
-طب تعالى يا حبيبي أطلعك فوج
رغمًا عنه أنصاع لها.. اوصلته غرفتها.. اقتربت به نحو الفراش بسقط غير قادرا على الوقوف….
تمدد على الفراش فأتكأت هي فوقه لتقترب منه كثيرًا هامسة بصوت مدلل :
-وحشتني !
وتعمدت أن تنطقها بلهجة عادية كـ “ترنيم” ولكنه ظل يأن بهمهمة غير مفهومة…
لتقترب هي منه متلمسة ذقنه النامية بوجنتها وتردد له :
-اهدى.. ده انا حبيبتك برضه
ثم بدأت تفتح ازرار قميصه ببطء مثير وهو غير مدرك لأي شيىء….. !
بعد مرور أسبـوع ونصف تقريبًا…..
دلف جسار لغرفة ترنيم التي تمكث بها معظم الوقت.. ليقترب منها مقبلاً جبهتها بحب قائلاً :
-حبيب قلبي بتعمل اية ؟
هزت رأسها نافية بابتسامة واهنة :
-ولا حاجة
تنهد جسار بعمق قبل ان يخبرها :
-في حفلة للمجموعة اللي بشتغل فيها، وإنتِ هتيجي معايا
هزت رأسها نافية باستنكار :
-أنا ؟؟ لا طبعا خد نور معاك
هـز رأسه نافيًا.. وبلحظة تحول لون صوته للقتامة وهو يستطرد :
-لأ. شاهيناز جايه وأنتِ كمان لازم تيجي معايا.. هعدي عليكِ على الساعة 7 تكوني جهزتي
ثم نهض ولم يترك لها فرصة الرفض او النقاش.. لتزفر بضيق قبل ان تنهض لترى ماذا سترتدي…… !!
مساءا في الحفلة……
كان “ليث” يدلف مع فجـر كونه واحدًا من ضمن العاملين بالجموعة…
واخيرًا استطاع اقناع فجر بالمجيئ علها تخرج عن حالة الرهبنة التي تحبس نفسها بها قليلاً !!!
بدأت الحفلة وكان المدعوين كثيرًا.. فوجد جسار مقبل عليه بابتسامة هادئة :
-اهلا بالبيج بوص.. اية يابني محدش بيشوفك لية ؟؟
ابتسم ليث وهو يصافحه :
-مشاغل الدنيا بقا
اومأ جسار متفهمًا ولم يتخل عن ابتسامته. بينما اقتربت فجر من اذن ليث تهمس بتوتر :
-ليث انا هاروح الW.C وجاية على طول
اومأ ليث موافقًا على مضض.. ثم انشغل بحديثه مع جسار…
بينما ظلت فجر تتلفت حولها خوفا من كونه يلحق بها
……………………..
وبعد دقائق معدودة أنهى حديثه مع جسار ليتوجه نحو المرحاض ليرى فجر التي يقلق عليها من نسمات الهواء الطائرة…
ولكن في طريقه للمرحاض سمع صوت من جهة فارغة من الناس
فتوجه له على الفور….
وهاله ما رأى جعل عيناه تحمر بلهيب غامق مُخيف… قد رآها.. رأى زوجته في احضان ذلك اللعين “عمرو” !!!!!!!!!!
بينما على الجهة الاخرى….
كانت ” ترنيم ” جالسة بهدوء تراقب الجو بصمت.. لتجد صديق جسار يقترب منها هامسًا بلطف :
-ممكن ترقصي معايا لو معندكيش مانع ؟
رسمت ابتسامة صفراء على وجهها، ولم تجد مانـع فهو يعد زميل في العمل لا اكثر !!!….
نهضت وهي تومئ موافقة بابتسامة باهتة :
-اوكي
امسك يدها ببطئ ووقفا على حلبة الرقـص لتبدأ الاغنية -Slow- أحاط خصرها كالمعتاد وهو يردد لها بإعجاب واضح :
-تسمحيلي أبدي إعجابي الشديد بفستانك الاحمر ده
وبالفعل كان كلامه جزءًا من الحقيقة الواضحة.. كانت مُبهرة حقًا.. ترتدي فستان أحمر ذو اكمام وطويل حتى كعبيها ومُطرز برقة ولكنه ضيق نوعًا ما… بالاضافة لمساحيق التجميل الخفيفة التي وضعتها…
فبدت كـالبدر الذي أنار ليلة مظلمة !!
نظرت له مرة اخرى هامسة بأناقة :
-ميرسي.. ده من زوقك
وفجأة وجدته… وجدت صقر امامها يجذبها من بين أحضان ذلك الرجل ثم يلكمه بعنف بكل قوته…
شهقت مصدومة وقبل أن تستوعب ما فعله كان يسحبها من يدها بقوة خلفه متجهًا لاحد الاجزاء الخالية من المدوعين… !!
خفق قلبها بعنف بين ضلوعها وكأنه على وشك الخروج…
ومعركة من نوع اخر على وشك النشوب !!
ظلت تعود للخلف وهي تهمس بأسمه مصدومة :
-صقر…
اومأ مؤكدًا ونظراته تغيم بسحابات تعرفها جيدًا… ظل يقترب ويقترب كثيرًا حتى بات اقترابه خطيرًا وهي لا يقلقها سوى تهوره هنا فيزيد الطين بلاً !!!!!!….