رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد

الفصل الرابــع :

كانت ترتجف حرفيًا.. اختلطت مشاعره هو الاخر حتى بدت وكأنها “وعكة مشاعر” !! 
لا يدري اهو مصدوم من اعتقادها الخاطئ ام هو مشفق عليها ام حانق منها ؟!…
وعندمـا تتراكـم الاسئلة.. يختفي الجواب معلنًا انسحابه مفرغًا الساحة لها !!!
جذبها من يدها برفق هذه المرة ثم امرها بجدية :
-اهدي
وبالفعل انصاعت لاوامـره تدريجيًا… تتأهب الحياة بداخلها لاسد اوشك الدخول في عرينه !!
تنهد بعمق ثم بدأ يفسر لها على غير عادته :
-أنا بس جلعت عشان الجو حار.. لكن اللي فكرتي فيه ده عمره ما يحصل
رفع وجهها له ببطئ.. يتمعن النظر في عالم اخر عـرى شوقه المبطن الذي حاول تغطيته بأوراق الجفاء ولكن فشل…. !!
ثم اكمل هامسًا لها بصلابة :
-أنا مستحيل اجرب من واحدة غصب.. حتى لو ساعة غصب… خاصة أنتِ !
سألته ببلاهه :
-لية ؟!
دون تفكير.. دون تردد.. دون تلون لسواد الحروف او لازدهار خلفياتها قال :
-عشان أنتِ مميزة !
وتلك الكلمة كانت كافيـة… لا بل كافية جدا !!!
غطت جوانب النقصان داخلها.. قطعت تلائف الكآبة.. وبخترت رواسب الضياع… !!
وجدته يضع رأسه على قدماها ويتمدد على السرير هامسًا لها :
-أجريلي قرآن
تلعثمت في البداية.. من المفترض أنها فاقدة لتلك الذاكرة !!!!
ولكن الفطرة تغلبت على شظايا التوتر داخلها فمدت يدها بتلقائية تعبث بخصلات شعره الطويلة ثم بدأت ترتل بصوت عذب :
-بسم الله الرحمن الرحيم… الم

ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ

وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ

أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ

خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
…………..

رفـع عيناه لها مسرعًا يسألها بنبرة غريبة ؛
-أنتِ حافظه القرءان على كدة ؟!
ابتلعت ريقها.. وحاولت نفض شذوذ الفطرة عنها وهي تجيبه برقة :
-المفروض اني فاقدة الذاكرة ومش فاكرة حاجة، لكني حاسه اني اه حفظاه واني بحب سورة البقرة اوي.. بحسها بتمسني من جوه !!
وكلماتها مسته هو من داخله… لا يدري أي شعور ذلك…
ولكن شيئ كالشبح يتمحور داخله يتفنن في رسم الهراءات !!!
وهل هي هراءات فعليًا ؟!!
لا يدري… ولكن لم يتمنى يومًا كما تمنى الان ان تحلق تلك الهراءات وسط سماء واقـع مشعث بأشواك فتلطفه قليلا…!!
تنهد بعمق وهو ينهض ثم استطرد بهدوء :
-يلا عايز أنام
كادت تنهض بتلقائيـة.. ولكنه امسك بيدها برقـة وكأنه من حرير ليهمس بحزم :
-عايز انام يعني أنتِ كمان هتنامي معايا !
اومأت موافقة على مضض.. فتمدد هو على الفراش…. وفتح ذراعيه ليظهر صدره الصلب العاري وهو يقول :
-تعالي
عضت على شفتاها بخجـل.. لم تُوضع يوما تحت ضغط من جيوش الاحراج هكذا !!
ولكنها اقتربت ببطئ لتتمدد جواره وتضع رأسها على صدره العاري…
كانت منكمشة خجولة.. كطفلة تختطف الانظار.. وهو كان كأب محتوي يضم حُبيبات الانهيار داخلها !
ضمها بقوة محيطًا ظهرها بيداه.. فلفحت أنفاسها المضطربة صدره العاري…
انفاسها اللاهبة ألهبـت ما دفنه هو بصعوبة..!!!
كانت كنيـران أكـلت غطاءه الواهي فكشفت عن كم الجمر المبطن داخله الان.. !!!
لم يشعر كلا منهما بنفسه الا عندما شعرت بيداه تمس خصرها اسفل التيشرت الخفيف الذي ترتديه.. فشهقت محاولة الابتعاد :
-لأ… لـ لو سمحت !
كانت أصابعه تسير على ظهرها بحركة دائريـة.. فاغمضت عيناها تحاول كبت تلك الرعشة الواضحة…
دقيقة ولم ينتظر اكثر فرفع وجهها بأصبعه لها برفق… وبتمهل شديد التقط شفتاها في قبلة مُتيمة..
ظن أنه شعر باللهب داخله.. ولكنه لم يشعر به كما الان !!!
لم يشعر ان وحوش مستعرة داخله تطلبها وبشدة كما الان…
ظلت تهز رأسها نافية بصوت ملكوم مكتوم :
-صقـر… لا سبني
بينما هو لم يكن يستمع لها.. كان يشبعها تقبيلًا.. يلتهم شفتاها بنهم كما لم يفعل سوى مرة يتيمة مع تلك المعشوقة !!
يأكـل شفتاها وكأنها الشهد الذي يخشى اختفاءه… !!
اصبح هو فوقها يطل عليها بهيئته بينما لم يترك شفتاها… فوضعت هي يدها على صدره بقوة وقد نجحت في ابعاده قليلًا فقط.. فقالت بصوت مبحوح :
-لأ… مش دلوقتي
أمسك يداها برفق فاحتوى كفها وهو يهمس وشفتاه على عتبة رقبتها :
-لأ.. دلوقتي
ثم وضع كفها على قلبه مردفًا بحرارة :
-هنا في نار… نار محدش هيطفيها غيرك !!!!!
لم ينتظر لحظة اخرى فاكتسحها دون تردد.. نجح تلك المرة في اشعالها معه.. لا تعرف ما يدور بداخلها…
ولكن تلك المرة مختلفة عن المرة السابقة.. مختلفة تمامًا !!

……………………..……

بعد فترة طويلة نوعا ما…

كان متسطح على الفراش وهي تنام على صدره ببراءة.. عيناه لم تفارق وجهها لحظة… !!
يحاول حل تلك المتاهات داخله ولكن يفشل…
أبله هو إن اعتقد أنه سيكتفي منها.. لا ابدا بل شعر أن تلك النيران تتزايد مطالبة بالمزيد.. !!!
تمعن النظر لوجهها ثم قال :
-عندي شعور قوي أنك هي.. حاجات كتير اوي بتقولي كدة.. أنتِ اكيد هي.. أنتِ ترنيم حبيبتي ؟!! روحي اللي مستحيل اضيعها تاني…. !!


في وقت اخر في منزل ليث….

كان ليث يقف مع والدته التي أعلنت رفضها التام لم يقترحه.. وعناده هو الاخر الغريب.. كظاهرتان من اادهر تضاهيان بعضهما بقوة فتصبحا اشلاء…!!
تنهد بقوة وهو يسألها بضيق واضح :
-أنا مش فاهم أنتِ رافضة لية ؟!! هو أنتِ عمرك شوفتي حاجة وحشة منها !
هـزت رأسها نافية.. ثم راحت تخبره بجدية :
-لأ، بس فجر أختك.. اختك ومستحيل تبقى اكتر من كدة !
وعاكس كل التيارات التي هبت داخله.. ثم تابــع :
-ما هي هتفضل اختي بس.. انا مش هلمسها !! أنا هتجوزها مؤقتا وهسيبها بعد فترة تتجوز عمرو وساعتها ابوها هيفكرها خلاص مطلقة محدش هيرضى بيها الا عمرو ! فهيضطر يوافق
تعالت ضحكات والدته الساخرة… كانت كرنين يضغط على جراحه بقوة فسألها بعنف :
-بتضحكي على أية يا امي ؟!
وقفت امامه مباشرة تمسكه من ذراعاه قائلة بصلابة متساءلة :
-أنت مصدق نفسك يا ليث ؟!
تلعثم في البداية وهو يسألها عن مقصدها :
-قصدك أية ؟ مش فاهم
عندها زمجرت فيه بعنف :
-لأ فاهم.. وفاهم كويس اوي كمان، وعارف أنك لو اتجوزت فجر مش هتسبها.. أنا امك يا ليث.. يعني حاسه بيك وشايفه نظرات عيونك ليها وتصرفاتك معاها.. مش كل الناس فجر البريئة اللي معتقدة انك بتعمل كدة كأخ مش اكتر.. لكن سكت وكنت بقول مسيره هيفوق لنفسه
لم يشعر بنفسه سوى وهو يصرخ منفعلًا لكل ذرة داخله تأهبت للحرب :
-ولما أنتِ عارفة كل ده بتحاولي تمنعيني لية ؟!!! عارفة أني مش هقدر اسيبها لواحد غيري واني ما صدقت ربنا يديني فرصة تيجي أنتِ وعايزة تضيعيها مني!!
نظر لها مرة اخرى متابعًا بخشونة :
-لأ.. يبقى اسف.. انا ما صدقت وافقت على الاقتراح المجنون ده وبكره هروح اكلم ابوها
ثم تركها هكذا ليرحـل.. حمدالله أن فجر تنام في غرفة بعيدة عن مقرهم…
بينما والدته تشتعل.. تشتعل من الغضب الذي بدأ يقودها الان !!
خاصة وهي تهمس بأصرار جاد :
-مش هاسيبك تعمل اللي في دماغك يا ليث.. اتجوز اي بنت.. الا فجر !!

……………………..……

وبالفعل في اليوم الثاني كان في منزل والد فجـر…

وقف امامه بشموخ يهتف :
-أنا عارف انك مش موافق على عمرو، فقولت انا اولى من الغريب..
ابتسم والدها بخبث.. كان متيقن حد الثقة الجنونية أن فجر حتمًا ستخبره بما قاله لها !!!
وها هي خطته الان تسير على ما يرام.. ابدى الرفض المزيف وهو يجادله :
-بـس يعني يا ليث….
ولكن ليث قاطعه بحدة وهو يتشدق بــ :
-انا متكفل بكل حاجة تخص الجوازة دي.. شقتي موجودة ونص العفش تقريبا.. واعتقد انك عارف اني مقتدر ادفع اي مهر تطلبه.. يعني هاخدها بشنطة هدومها وجهازها اللي والدتها الله يرحمها جابتهولها !!
وهل ترك له ردًا سوى بصمة الموافقة المؤكدة ؟!!!
لمعت عيناه بفرح فقال موافقًا بجدية :
-يبقى خير البر عاجله.. على البركة !
قاطعه ليث بقوله الخشن :
-بعد يومين بالظبط هانكتب الكتاب بس فـ بيتي انا.. وبعد فترة حددها أنت هيبقى الفرح !
اومأ موافقًا بهدوء :
-تمام.. شهرين كويس طالما انتم الاتنين جاهزين
اومأ ليث موافقا دون رد.. وبعد دقيقة كان ينهض بخفة مغمغمًا :
-فجر هتفضل مع خالتها زي ما كانت.. وبعد اليومين هتبقى معايا انا
وبالطبع لم يُلاقي سوى الموافقة… غادر منزله بهدوء كما اتى…
ولكن شعوره تبدل مائة وثمانون درجة.. يشعر أن فراشات الحب المقتولة وعصافير الحنين الذابلة بدأت تغرد داخله مهللة !!
معلنة قرب أعلان ملكيته لتلك المعشوقة التي سرقت قلبه وعقله معًا…. !!


شعر “جسار” أن الدنيـا تدور من حوله.. حرف وحده لا يشكل فارقًا.. وحرفان متفرقان ايضا لا يشكلا… ولكن عندما يجتمعا الثلاثة يفجرا غبارًا ملكوم مفرقين ثنايـاه !!!!
كلماتها تتردد على اذنيه كصوت الرعد :
-ريح نفسك أنا مش حامل اصلا، مفيش داعي تتجوزني !
بعد دقائق حاول فيها استعادة نفسه سريعا هتف متساءلاً بذهول :
-ازاي يعني !! امال لية قولتوا انك حامل ؟!
ابتلعت ريقها بتوتر.. ثم بدت وكأنها تصارع الحروف لتخرج لترميها ضمن مجرى الواقـع، فقالت بصوت مبحوح :
-حسام كان عنده مشكلة فـ الخلفة فاقترح اننا نعمل كدة عشان محدش يضطره في مرة انه يكشف وساعتها كل حاجة هتتكشف ادام كل الناس !!
كان صوت تنفسه العالي دليل على محاولته في التحكم بنفسه…
فأكملت هي بأصرار قاسي على قلبه كسوط لاسع :
-مستحيل اتجوزك لو كنت اخر راجل في الدنيا يا جسار
رغم عمق الدماء التي شعر بها تنزف داخله من كلمتها الا انه هز رأسه نافيًا.. ومن ثم امسكها من ذراعها يهتف بصوت حازم :
-لأ ده بقى مش بمزاجك ولا بمزاجي، دي وصية حسام.. لو اخويا بنفسه طلب كدة يبقى اكيد حاجة ضرورية خلته يعمل كدة وانا مش هنزل كلمته الارض.. وماما مش هتعرف انك مش حامل لان الطفل ده كان اخر امل ليها لو ضاع ممكن نخسرها
تركها تحدق بالفراغ بصمت تام…
الى ان قال هو بجدية :
-اعملي حسابك هفاتح ماما بليل
ثم نظر لها.. يرسم ملامحها تلك داخله، احاط وجهها بيداه هامسًا :
-وصدقيني مش هلمسك الا برضاكِ
زمجرت فيه بشراسة :
-أنت مش هتقرب مني اصلًا.. انسى.. !!!
تنهد مبتسمًا بسخرية :
-وانا عمري ما هفرض نفسي على واحدة ست.. !
تركها بهدوء ليغادر دون كلمة اخرى…
يكفيه الجو المشحون الان !!!
بينما سقطت هي ارضًا تبكي ذاك الحظ اللعين الذي اسقطها بين تلك العائلة…. !


بعد يومــان…..

” وعندما تظـن أنك امتلكت زمام الامور بكل جوانبهـا.. تنفلت منك شعره واحدة فتهدم كل شيئ رأسًا على عقب… كل شيئ !! ”
كان الجميـع قد اجتمعوا في منزل “ليث” لعقد قرآنهمـا…
انتهى كل شيئ ورحل الجميـع وقد اصبحت ملكه.. ملكيته الخاصة التي لن يفرط بها ولو على موته… !!!
كان ينظر لها بعمق.. لم يراها أجمل من الان يوما !
كان يشعر انها ماسه اخيرًا فاز بامتلاكها… ! كان معها في غرفة الصالون من المفترض انهما يتحدثا قليلا وحدهما…
ولكن بمجرد ان اُغلق الباب عليهما سحبها ليث بقوة من ذراعها لتصطدم بصدره.. لم يعطيها الفرصة فابتلع شهقتها بين شفتاه….
يا الله وما اجمله شعور.. وكأنه ملك متوج بعد صراع استنفذ جهده !!
وضعت يدها على صدره تحاول ابعاد شفتاها عنه وهي تردد :
-ليث.. ليث ابعد عني انت اتجننت انت هتعمل اية
ولكنه دفعها بجسده ببطئ حتى إلتصقت بالحائط وهو يتمهل في تذوق شفتاها التي لطالما حلم بها… كان كالمهووس يقبلها دون توقف فبدأت دموعها تهطل ببطئ..
ابتعد بعد قليل يلهث وهو يحدق بها مذهولاً مما اوصلها له…
ومن ثم احاط خصرها بتملك هامسًا من وسط لهاثه :
-اسف بس خلاص مابقتش قادر اكتم جوايا اكتر !
تهيأ لها انه لثم.. او ربما لم يكن بوعيه فتخيلها فتاة اخرى..
بينما هو شعر في تلك اللحظات انه الان بين احضان جنة !!
ولكن مهلا… فـ جنة الدنيا لا تدوم !!!!
ودون اي مقدمات كان الباب يُطرق بقوة نوعا ما فانتفضا مبتعدان عن بعضها ليخرجا مسرعين نحو الخارج…
نهضت والدة ليث الصامتة تمامًا لتفتح.. فدلف فريق من “مستشفى الامراض العقلية ”
ليسألها قائدهم بجدية :
-فين المريض ؟!
رفعت إصبعها المرتعش نحو ليث لتشير لهم هامسة بصوت يكاد يسمع :
-اهو !
تعالت الشهقات من فجر ووالدها… وهو نفسه !!!
شعر أنها تسببت بثقب عميق داخله لن يُغلق مهما طال الزمان…!!
ابتسم بسخرية وهو يراهم مقبلون عليه.. وسؤال واحد يتردد داخله
” هل كل عاشق يصبح مريض ؟! ”
تقدم منه الطبيب قائلاً بجدية :
-استاذ ليث لو سمحت تعالى معانا من غير شوشرة
جز ليث على أسنانه بحدة ومن ثم زمجر فيه :
-وتاخدوني لية ان شاء الله ومين اداكم الاذن ؟!
اجابه بهدوء :
-والدة حضرتك قالت انك تعبان شوية، فـ أنت هتيجي معانا شوية لحد ما تبقى كويس وبعدها هترجع
صرخ فيه ليث بانفعال :
-منا كويس اهو ادامك أنت شايفني بشد فـ شعري !!؟
عندها صدح صوت والدته وهي تقول موجهة حديثها للطبيب دون ان تنظر لليث فتشعر بسهام نظراته نحوها :
-لأ.. هو بيقول كدة لكن هو تعبان، ده آآ… ده احيانا يتخيلني واحدة تانية وحـ… حـ حاول يقرب مني !!!!
الصدمة لجمت الجميـع… والد فجر الذي شعر انه يشاهد اسوء سيناريو بحياته… وفجر التي تهاوت على الأريكة تحاول استيعاب ما يحدث… ومن ثم هو…
هو الذي شعر أنه بحلم.. لا لا بل كابوس.. كابوس يخنق ثناياه فيشعره انه على حافة الموت…. !!!!
لم يشعر سوى بذلك الطبيب وممرضيه يحاولون تكبيله.. ووالدته تهتف بتوجس :
-من غير شوشرة يا دكتور مش عايزه حد من الجيران يعرف !
عندها صار ليث فعليًا كالمجنون.. ولكنها من وضعته على حافة الانهيار !!!!
صار يحاول ابعادهم عنه بكل الطرق.. يصيح ويضرب ويسبهم بأبشع الالفاظ ايضًا…
الى أن شعر فجأة بـ “حقنه” تخترق ذراعه ويتنشر مفعولها داخله فيهدأ تدريجيًا… !!!!!!
ليسقط ببطئ فيحملوه هم.. واخر ما سمعه كان شهقة فجر المصدومة وهي تصيح :
-لالالالا مستحيل هو مفيهوش حاجة كل ده كذب…. !!
ولكن لا حياة لمن تنادي.. حملوه معهم وغادروا كما اتـوا… ولكن بعدما بدلوا حيوات بأكملها !!!!
فهمست والدته بألم وهي تغمض عيناها :
-اسفة يا ليث ملاقتش طريقة غير دي امنعك بيها !


وعندما كانت “نور” تسير في حديقة المنزل بشرود سمعت صوت نقاش عالي يأتي من عند البوابة…
فسارت ببطئ متجهة لها لتجد الحارس يمنع فتاة ما من الدخول قائلاً :
-يا انسة افهميني قولتلك مش هينفع تخشي !!
نهرته بحدة مكملة :
-وأنا قولتلك لازم اقابل جسار
عندها وقفت نور تسأل الحارس مستفسرة بهدوء :
-في اية يا عم مصطفى ؟!
اشار لتلك الفتاة مجيبًا :
-يا نور هانم الانسة عايزة تخش ومش مصدقاني اما بقولها جسار بيه خرج
تعجبت من سؤال الفتاة الجاد :
-أنتِ نور ؟!
اومأت نور مؤكدة :
-ايوة أنا.. أنتِ تعرفيني ؟
اومأت الفتاة مؤكدة.. فأشارت لها نور ان تدلف…
ابتعدا قليلاً عن الحارس فسألتها نور بجدية مباشرة :
-أنتِ عايزة اية ؟!
تنهدت الفتاة بعمق.. تحاول تنظيم تلك الحروف التي ستخرج منها فتنظم اقدارًا بحالها !!!
ثم قالت بصلابة ؛
-انا شاهيناز.. صاحبة حسار
ثم وضعت يدها على بطنها مكملة بنفس النبرة التي جعلت نور تشهق مصدومة وهي تحدق بها :
-وحامل فــ ابنه…!!


وبعد مرور اسبوعـان…..

كان “صقر” في غرفته هو وزوجته يبدل ملابسه بهدوء عندما دلفت زوجته تهتف بغيظ حزين نوعا ما :
-أنت مش ملاحظ انك مابقتش تنام في اوضتي خالص ؟
زفر بضيق وهو يرد بلامبالاة :
-معلش بقا حال الدنيا
احتضنته من الخلف بقوة ثم ظلت تهمس بتوق مغلول :
-أنت وحشتني اوي، أنت حتى مابقتش تقرب مني خالص !! هو أنا عملت حاجة ضايقتك مني ؟!
التفت لها ليزمجر فيها بغضب :
-هو أنتِ مش ملاحظة ان امي مريضة والجو متوتر بسبب تعبها اللي الله اعلم هيستمر لحد امتى ؟!!
تراكم الغيظ اكثر… وكادت الشحنات الحانقة تنفجر بداخلها فلم تشعر بنفسها وهي تصرخ بانفعال :
-وهو أنت امك بتعرف انها تعبانة عندي انا بس ؟! ما أنت كل يوم في حضن الهانم مابتشبعش منها !!!؟
ضغط على يداه بعنف محاولًا التحكم في اعصابه.. ولكن قبل ان يبدي اي رد فعل كان صوت الممرضة التي جلبها لوالدته يصدح من خلف الباب :
-صقر بيه.. والدة حضرتك ابتدت تتكلم
لم ينتظر فركض مسرعا نحو غرفة والدته.. قابل ترنيم عند السلم ولكن لم يتوقف لها فأكمل نحو والدته…
اسرع نحوها يمسك يدها مقبلًا اياها في حنو :
-حمدلله على سلامتك يا ست الكل
حاولت الرد بصعوبة وهي تبتسم :
-الله… آآ الله يسـ يسلمك يا ولدي
صوت الترقب داخله عَلى.. عَلى بشدة مطالبًا الإنتقام لتلك النيران السوداء الهوجاء التي تود حرق صاحب الفعل الشنيع ذلك…
فسألها مباشرة :
-مين عمل فيكِ كدة يا امي.. أنا عارف ان ترنيم مش هي اللي…. آآ
قاطعته والدته وهي تشير بأصبعها المرتعش نحو ترنيم المتجمدة مكانها.. لتنطق بصوت مبحوح :
-هـ هي البت دي…. ز.. زجتـني مـن آآ السلم
خالفت توقعاته.. كسرت اعتقادته.. وأماتت خلجاته التي كانت تهفو بأسم تلك !!!!
تجمد مكانه للحظة…
ولم يشعر بنفسه سوى وهو ينهض وبخطى اشبه لخطى اسد على وشك التهام فريسته كان يسير نحو ترنيم التي كانت تهز رأسها نافية بخوف :
-لا.. لا…
ولكنه لم يستمع لها.. لم يستمع سوى لجملة والدته… جذبها من شعرها الاسود بعنف يقبض عليه بين اصابعه حتى صرخت هي من الالم…فسار يجذبها من خصلاتها متجهًا نحو غرفتها غير آبهًا بسقوطها خلفه ولا لصراخها الذي ملئ المكان و…………….


error: