رواية احتلال قلب للكاتبة رحمة سيد
الفصل السادس :
كان ذلك ما هو إلا خيـال نسجته خيوط عقلها الخبيث الذي يتهافى للصقها بالواقع عمدًا… ولكنها لا تستطـع !!
لا تستطع أن تفعلها بشكل مباشر وامام صقر..
حينها ستصبح كمن يصك خرائط موته !!
كـعروس تُزف للموت بكامل رغبتها….
نظرت لهم وعينـاه تدفن غيظًا عظيمًا جبارًا لو اختلط بالواقع لأصبح نارًا.. !!!!
رسمت ابتسامة سمجة وهي تقبض يدها بعنف متخفي ؛
-مبرووك يا صقر.. يتربى في عزك إن شاء الله
صقـر…..
صقر كان يسبـح في بحرًا من نوع اخر.. بحر لونـه زرقة هادئـة.. ولكن في باطنـه رواسب جبارة !!!
بينما أكملت نيرمين بنبرة ذات مغزى :
-كويس إن الحمل حصل عشان مانستناش أكتر
ثم نظرت لــ ترنيم الهادئة لتتشدق بــ :
-وهتفارجينا إجباري يا ترنيمة
ابتسمـت ترنيم بكل برود وعنجهية أنثى تليق بما أدارت لفائف اللعبة بعقلها ثم قالت بخبث :
-قولي يارب.. الواحد مايعرفش أية اللي هيحصل بكره !! … يا نيرمينة !
جزت نيرمين على أسنانها بغيظ ثم استدارت لتغادر بغضب جم….
بينما إلتفتت ترنيم لصقر الذي لم يتحرك من مكانه لتقترب منه ممسكة بكفه الذي تأثر نوعا ما.. وهتفت :
-صقر… مالك ؟؟!
أنتفض مبتعدًا عنهـا.. فضيقت هي ما بين عيناهـا مشدوهة، ليهمس هو بشرود :
-كويس.. كويس جدا
للحظة تجمدت مكانهـا… شعرت أن قيود الدنٌا من أسفلها تُكبل قدماها فتعجز عن الحركة تمامًا !!!
فسألته بصوت مبحوح :
-صقر أنت زعلان ؟؟ بجد زعلان عشان أنا حامل ؟؟ ولا زعلان عشان الطفل ده هيجي مني أنا !
وضع إصبعه على شفتاها مسرعًا.. ليتنهد متابعًا بصوت شابه اميـالًا من العواطف الغريبة :
-هشششش.. الحسنه الوحيدة اللي هتبقى للطفل ده.. أنه هيبقى منك !!
عضت على شفتاهـا بقوة… يغدقهـا بكلماته التلقائية فيُحيي شغب الماضي داخلها!!…
مد أصبعه لشفتاها التي تضغط عليها ليهمس بصوت خشن :
-بس.. ماتعضيش على شفايفك، مش من حقك !!
ابتلعت ريقها بتوتر.. وعندما أنحنى ينوي تقبيلها هزت رأسها نافية بسرعة :
-لأ.. مـ مش هينفع
عقـد ما بين حاجبيه بعدم فهم.. لتستدير مبتسمة وهي تستطرد بخبث :
-أنت اتجوزتني عشان الطفل ده، يبقى مفيش داعي تقرب لي تاني !!!!
شعرت بنظراته تحرقها من الخلف.. ابتلعت ريقها بتوجس ولكن فتات خبث الانثى داخلها هو من يُلملم المتبقي من كرامتها…..
سابقا كانت غريبة.. وحيدة.. شريدة وتائهة مُلقاه خارج اللعبة !!
ولكن الان هي ادركت من تكون.. وادركت كونها هي المتحكمة في تلك اللعبة الان…. !!!؟
فجأة وجدته يجذبها من ذراعها بعنف مزمجرًا :
-أنا مفيش واحدة تقولي لأ سامعه ؟
هـزت رأسها نافية ببراءة لا تليق بها وقالت :
-اسفة يا بيبي بس أنت اللي كنت بتفكرني كل شوية عشان منساش أني اداة للخلفة مش اكتر
فجأة وجـدته على بُعد خطوة منها.. وفي اللحظة التالية كان يُقبلها بشراسة.. وكأنه يزج بعقلها فكرة أنه ” مباح له كل شيئ ببساطة ” !!
بالرغم من قسوة شفتاه الا انهما كالعادة كادا يسلبانها سطوتها على رعشة جسدها تحت لمساته… أبعدته عنها بصعوبة
ليبتعد هو الاخر لاهثًا.. ولكن وصلها صوته الاجش القاسي وهو يخبرها :
-أنا هسيبك دلوقتي بمزاجي عشان مليش مزاج فيكِ اوي.. لكن في أي وقت أطلبك الاقيكِ في اوضتي !!!
استدار ليغادر وهو يتنفس بعنف.. يود لو يختلـع تلك المشاعر التي تهيج داخله الان….
بينما اتسعت ابتسامتها هي رغم قساوة كلماته التي لم تستطع ابتلاع ملوحتها.. فهمست بألم اختلط به الخبث :
-ولسة.. ده احنا هنلعب على وتر ‘ شوق ولا تدوق ‘ يا استاذ صقر !!
……………………..
بالأسفل كانت نيرمين تقف أمام خادمتها المقربـة “زوبيدة” تنظر هنا وهناك كل لحظة، ثم عاودت النظر لها وهي تسألها متوجسة :-
-أنتِ متأكدة أن محدش شافك وأنتِ بتشتري البتاع ده يا زوبيدة ؟!
اومأت مؤكـدة بثقة :-
-ايوة طبعًا يا ست هانم، ده حتى الدكتور اللي عطاهوني معرفشي أني شغاله عند صقر بيه
اومأت نيرمين بابتسامة خبيثة متحمسة لخط السواد الذي اوشكت على رسمه:
-تمام جدا.. اسمعيني بقا يا زوبيدة، أنتِ حتحطي منه نقطتين كل يوم في الشاي اللي بتقدميه للزفته دي
اومأت زوبيدة بطاعة :
-من عيني ياست هانم
حذرتها نيرمين بحدة :
-اياك حد يعرف، حيكون فيها موتك قبل طردي من هنا !!
اومأت زوبيدة مؤكدة بخوف ؛
-لا لا مستحيل حد يعرف.. اطمني يا نيرمين هانم
امأت نيرمين موافقة بغرور ؛
-كويس.. روحي أنتِ شوفي شغلك
وبالفعل غادرت زوبيـدة.. لتمسك نيرمين ذلك الدواء الذي سيُخلصها من الجنين الذي تكرهه حتى قبل تنشقه هواء الدنيا !!!؟
فهمست بخبث شيطاني وهي تحتضنه متنهدة :
-هييييح.. الله يرحمك يا نونو كان نفسهم فيك اوي !!!!
جلست ” فجر ” على الفراش متكورة تضم ركبتها لصدرها تكتم تلك الشهقـات التي تخرج من بين ثناياها مسحوبة بألم رهيب….
لم تشعر يومًا أنها تكره جسدها كما الان !!
لا تنكـر..
جنون ذلك ما عاشوه سويًا.. لهب أحمر من نوع خاص احاط بهم.. لم تكن مجرد رغبة عادية !!!!
ولكن ذلك الجنون جعلها تكره نفسها حد التفكير في الانتحار… !!
كيف ستواجه عمرو… ماذا ستخبره ؟!
كيف ستلقي ما حدث بوجه ابيها…
اسئلة كلها تشكلت في وضع النيران المُعذبة داخل روحهـا..
بعد قليل بدأ ليث يستيقظ.. لم ينم جيدًا منذ ان ادخلوه المصحة فلم يشعر بنفسه عندما انتهى من جنونه معها….
هب منتصبًا عندما وجد صدره عاري ليجدها تجلس على الارضية ووضعها مُخزي.. انتفض كالملسوع نحوها يحاول الاقتراب منها وهو يسألها :
-فجر ؟؟ فجر حبيبتي أنتِ كويسة !؟
ولكنها أصبحت كالأعصـار الذي انفجر بوجهه لتصرخ ؛
-ملكش دعوة بيا أبعد عني
حاول امساك يدها وهو يسألها متوجسًا :
-أنا اذيتك طيب ؟! صدقيني انا… آآ
ظلت تهز رأسها وهي تصرخ فيه بهيسترية :
-ابعد عنيييي.. رجعني البيت
ثم اصبحت تضربه على صدره متابعة زمجرتها بلا توقف :
-منك لله.. أنا بكرررررهك.. بكرهك يا ليث مكرهتش ولا هكره في حياتي قدك !!
كلماتها طعنته في الصميم…
أصابته بنزيف يصعب توقفه.. وكأن سيلاً من الجروح فٌتح ولن يتوقف !!
نهض بعد دقيقة ليهتف بصوت خرج بصعوبة ؛
-انا هروح اشوف تاكسي عقبال ما تجهزي نفسك
ثم استدار ليغادر مغلقًا الباب خلفه.. سمع نشيجها الحار وهي تصرخ بانهيـار فشعر بروابط القلب تنهار معها…
ولكن ما حدث لم يكن بيده.. لم يشعر بنفسه !!
كما لو ان كتمان تلك السنوات انفجر فجأةً ؟؟!!!
كم تمنى أن يستيقظ على بسمتها اللطيفة الخجولة.. وليس انهيارها المحتوم !
……………………..
على الطرف الاخر حدق والد فجر فيها مذهولاً يسألها :
-مين اللي قالك التخاريف دي ؟؟!
رمت بجسدها على الاريكـة وهي تخبره بصوت منتحب اختلط بالبكاء :
-ليث مش ابني.. ليث ابن سميرة مراتك
لم تتغير ملامحه، فهو كان يعلم أن سميرة كانت متزوجة قبلاً !!؟
تنهدت وهي تكمل بشرود في تلك السنوات :
-لما اتجوزت ابو ليث مكنتش بخلف.. فـهو عشان مايجرحش شعوري اتجوز سميرة عشان يقدر يخلف بس ماقاليش.. وانا كنت حاسه انه بيحبها.. بس عزيز كان انسان كويس اوي فمقدرتش اقوله أنت بتعمل اية واحرمه من حقه.. وكمان سميرة كانت صحبتي جدا.. اتأقلمت مع الوضع وجابوا ليث، ساعتها كنت عرفت فـ سميرة من احساسها بالذنب اصرت على الطلاق وفعلا اطلقوا واهلها اجبروها تتجوزك.. ساعتها هي وافقت ان ابنها يتكتب بأسمي اقل حاجة عشان توافق تتجوزك.. وفعلا اتكتب باسمي عشان لما يفهم مايحسش ان ابوه وامه بيكرهوا بعض او كدة. عشان تبعده عن كل المشاكل دي بمعنى اصح
تنهـد هو قبل ان يستطرد :
-وفجر مش بنت سميرة.. فجر بنت اتبنناها من ملجأ ايتام !!
عندها سمعوا طرقات على الباب فأسرعت هي تفتح لتدلف فجر باكية نحو غرفتها دون كلمة…
ركض والدها نحوها ليغلق باب الغرفة خلفهما وهو يسألها متوجسًا :
-في اية يابت حصل اية مالك ؟؟!!
لم تشعر بنفسها وهي تصرخ فيه بانهيار :
-حصل كل حاجة.. كل حاجة ممكن تتخيلها حصلت !!
اتسعت حدقتاه وهو يسألها بفزع :
-يعني اية !! سلمتيله نفسك ؟؟ ادتيه كل حاجة بكل بساطة قبل ما يحصل اشهار وتتجوزوا زي الناس !! طب افرضي سابك ؟؟
ضحكت فجر بسخرية فبدت وكأنها تحدث نفسها هامسة :
-هتفضح.. هيحصل اية يعني !!
لم يشعر بنفسه سوى وهو يركض نحو المطبخ ليجلب سكين ويعود بها لفجر التي ارتعدت من هيئته…
ليزمجر هو بجنون :
-مش هستناكِ اما تفضحيني انا هخلص منك ومن عارك
دفع بالسكين ينوي قتلها ولكن فجأة وجد ليث امامه فتلقى هو الطعنة بدلا عنها…
ليشهق ليث بعنف وهو ينظر للسكين التي انغرزت داخله….. !!،
توجهـت “نور” نحو الشركة التي يعمل بها “جسـار” …
كانت ترغب في الحديث معه بمفردهما بعيدا عن المنزل… وايضا تخرج عن اطار العزلة الذي اختنقت منه !
لم تجد السكرتارية عند المكتب فتنهدت وهي تتجه للمكتب..
طرقة بسيطة يليها فتحها للباب بهدوء تحاول اصطناع الابتسامة….
ولكن قُتلت تلك الابتسامة على شفتيها في التو واللحظة وهي ترى شاهيناز تجلس على المكتب امام جسار ومقتربة من وجهه كثيرا تكاد تكون…. تقبله !!!
عند تلك الجملة جزت على اسنانها بغيظ وهي تنظر لهم بازدراء
ثم اسرعت تغادر تلك الغرفة التي زادت من اختناقها وليس العكس…. !!
ولا تدري لمَ شعرت بتلك الصورة تكتم انفاسها حتى شعرت انها على حافة الانهيار !!!!!؟؟
بينما انصدم كلاهما وخاصةً جسار الذي تجمد مكانه مذهولاً من دخولها هكذا فجأةً و…. !!!!……
بعد مرور ثلاث ايـام……..
وصل “جسار” منزل صقر في الصعيد.. يود تهدئة الجو النفسي المشحون في حياته وخاصة بعد ما حدث بينه وبين نور…. !!
دلف الى صالة المنزل بعد ان رحبت به الخادمة.. ولكن قبل أن يجلس وجدها تظهر امامه من دون مقدمات..
ودون ان تنظر له كانت تسأل الخادمة :
-مين جه يا هبة انا سمعت صوت و…..
تجمدت باقي حروفها وهي تنظر لجسار الذي لم تقل صدمته عنها..
نهض امامها يحاول الاستيعاب وهو يهمس :
-تـ ترنيم !!!
نظرت في عينـاه مباشرةً… عالمها الذي اشتاقت له يكمن هناك.. بين زوابـع الاضطراب تلك !
وفجأة ركض كلاهما نحو الاخر لتتعلق بأحضانه وهي تهمس بأسمه بلوع….
غمس رأسها عند خصلات شعرها وهو مغمض عيناه يهمس بذهول ؛
-يااااه… وحشتيني اوي يا ترنيم.. حاسس كأن روحي رجعتلي من تاني !
لم تنطق هي بحرف وانما ظلت متعلقة بأحضانه بصمت.. حتى وجدت من ينتشلها بعنف من بين احضانه بقوة.. لتبتعد مُجبرة عنه…
نظر جسار لصقر وظل يهمس بلا توقف :
-ترنيم يا صقر ؟؟! ترنيم عايشة ما ماتتش !!؟
تجمد صقـر مكانـه.. كلمات جسار كانت كتعويذة مفعولها قوي لا يمكن انكاره فأماتت الشعور بالدنيا داخله….
ظل يحدق بهما بصمت وفجأة كان يسحب ترنيم من ذراعها بكل قوته حتى صرخت من الألم…
اسرع بها نحو غرفته هو هذه المرة رغم سقوطها اكثر من مرة خلفه….
وجسار يركض خلفهم صارخًا فيه ؛
-صقر أنت بتعمل اية سيبها
ولكنه لم يكن يستمع له.. اغلق الباب عليهما غير مباليًا بنداء جسار
لينظر لتلك التي ظلت تعود للخلف بقلق من عيناه التي كانت لا تنذر بالخير ابدا… فظل يقترب منها ببطئ اسد متربص لفريسته و……….. !