جاري سداد الدين
الفصل4
لا يعرف أحمد لما لم تأتي هند! ولكن لن يلومها، هي بالنهاية زوجة وأمرها ليس بيدها.. ربما عليه أن يُعد نفسه ليكون المسؤل الوحيد عن والدته.. لن يتركها بعد الآن .. ولن يؤذيها احدا وهو حيُ يرزق!!
ذهب لبيته وراح يرتب غرفته الخاصة باهتمام شديد!
فوجئت زوجته يمنى بما يفعل فتساألت:
في أيه ياأحمد.. جيت بدري ليه وبتعمل أيه في الأوضة بتاعتنا مش فاهمة!
أجاب دون أن يتوقف عن ما يفعل: بجهزها لأمي.. لأنها هتعيش معايا هنا بعد كده!
هتفت مندهشة: تعيش معانا؟؟ مش فاهمة طب ليه ياأحمد وانا وانت هنام فين؟ مش شايف إنك لازم توضحلي الأمور شوية؟
ترك مايفعل وتوجه قُبالتها يطالعها بعزمٍ وقوة هاتفًا:
أسمعي مني الكلمتين دول يابنت الناس.. والقرار ليكي بعد كده.. أمي هتعيش معايا هنا لحد اخر يوم في عمري مش هفرط فيها.. وانتي هتنامي في أوضة الولاد، وانا هبقي هنا معاها.. ولو خايفة تاخد من أوتك أنتي وعيالك، متخافيش ربنا يقدرني ما اقصرش ناحيتكم.. وامي ليها معاش الحمد لله بيكفي علاجها ولوازمها.. يعني محدش بيمن عليها بحاجة وعايشة في خير ابويا الله يرحمه.. وانتي ياتتحملي الوضع ده معايا وترضي، يا أما شوفي راحتك فين.. لكن امي خط أحمر يا يمنى ومش هتخلى عنها..!
ألقى عليها ما لديه، ثم استأنف ترتيب الغرفة دون أن يتفوه بكلمة واحدة او يخبرها بشيء..!
أما هي فتفف حائرة! ماذا حدث كي يأخذ قرار گ هذا.. البيت الضيق يكاد يساعهما بأولادهما الثلاث!
كيف سيستقيم الحال! ولكن ماذا تفعل.. هل تلومه علي بره لأمه.. لا والله لن تحمل نفسها هذا الذنب العظيم.. حسنًا ستشاركه العبء! لن تتخلى عنه بظروفه الصعبة.. ولا تنكر أنه ازداد بنظرها قيمة وشأن.. الرجل الذي ينحني ظهره ليحمل أمه دون كلل.. هو خير سند لها ولأولادها بعد الله!!!
شرعت بمساعدته فأوقفها هاتفا بحدة:
من فضلك.. ماتعمليش حاجة، أنا اللي هعمل، وبعدين هروح اجيب أمي، مش عايز اي حد يكون له فضل عليها غير ولادها..!
أشارت لصدرها بذهول: حتى أنا يا أحمد؟!!!!
اجاب بحزم: أنتي أو غيرك! مافيش حد هيخدمها..!
وانتهي من تنظيم غرفته وذهب ليُحضر والدته!
تعج المقهى بضوضاء وثرثرة من حوله، وصوت الشاب الصغير يصدح ملبيًا طلبات زبائنه بصوت مرتفع يكاد يصيبه بالصمم!! بينما هو جالس على إحدى مقاعدها المتهالكة بركنِ ما..! لم يؤرقه صخبهم كما يدميه صخب روحه وعقله الناهر لحكمه القاسي على زوجته.. لم يكن عليه التفوه بكلمة الفراق التي تهز عرش الرحمن.. أين أولاده من حسبته الأنانية تلك!!!!
ولكن عاد صوت غضبه يسيطر على ضميره معللًا:
وأنا فين حقي اللي أهملته؟ اشتهيت ألاقيها مستنياني ومشتقالي، نسيتني وبقيت أخر اهتمامتها.!
_ مالك ياعصام؟
التفت لصديقه المقابل لمقعده وهو يرتشف من مشروبه بتروي!..ولأنه ليس من ذاك النوع الثرثار عن تفاصيل أموره الحياتية، أكتفى بتنهيدة عبرت عن ضيقه! وهتف: شوية مشاكل في البيت يا عادل!
صمت منتظرًا منه إجابة أوضح، فلم يزد عصام حرفًا فهتف الأخر: يعني مش عايز تحكيلي مشكلتك”
_ معلش ياعادل انت عارف مابحبش اتكلم في أموري الشخصية.. أهي مشاكل زي اي بيت!!!
لم يجد عادل ما يقول سوى بعض العبارات المواسية والنصائح العامة عن مشاكل الحياة التي لابد من وجودها.. أما عصام فضاق صدره أكثر واستأذن بالذهاب، وراح يتجول، ولا يعرف أين تأخذه قدماه، وعقله شارد بما حدث متسائلا داخله، هل ستفعلها هند وتعصاه ويقع يمينه ويفترقا بتلك السهولة.. هل ستضحي به وبأولادهما وبيتها واستقرارها معه!!
لا .. لن تفعلها .. لن تتركه!!!!
ندت عنه تنهيدة مشبعة بمشاعر كثيرة.. غضب وضيق وندم وحزن وشوق.. يعترف أنه يحب زوجته التي أرتبط بها عن حب حقيقي بفترة الجامعة ولم يتمني غيرها أما لأولاده.. ولكن هو رجل يصيبه إهمالها بالفطور والغضب، لا يريد أن ينجذب لأخرى، يريدها أن تغنيه عن كل نساء العالم حوله.. ولكن هند تزيد إهمال لنفسها وله، فبات لقائهما الحميمي شيئا روتيني دون مشاعر منها .. أين اللهفة والحب بينهما..!
نعم كان عنيف معها تلك المرة، ولم تكن رغبة فيها بقدر ما كان عقاب لها حتى تفيق.. ولكن خرج الأمر عن سيطرته وقذف يمين طلاقها وغادر..!
يترنح بين لوم نفسه وغضب قلبه ولا يعرف ما يفعل!
سيعود الآن! فإن وجدها لم تعصي كلمته وتغادر البيت سيعرف أنها مازالت باقية عليه وحكمت العقل بأمرهما.. أما إن غادرت، فلن يسامحها وستكون هي من خطت نهايتهما معًا ولن يلومه أحدًا بعد ذلك!!!
أمام بناية والدته!
_ استناني هنا يا اسطى دقايق وهنزلك!
سواق سيارة الأجرة:
علي راحتك يا باشا.. مستنيك، ولو أي مساعدة انا في الخدمة يا هندزة!
_ شكرا يا اسطى كتر خيرك!!!
حرك مقبض الباب ليعبر داخل منزل والدته حتى يذهب بها إلي بيته، وما أن دخل غرفتها حتي بوغت بما رآى ولم يتوقعه!
هند؟!!!
هتف بأسمها متعجبًا من وجودها بهذا التوقيت! فقد ظنها لن تأتي!
_أيه اللي جابك دلوقت؟ أنا قلت خلاص مش هتيجي وجوزك منعك!.. ثم حادت عيناه قليلا جوارها، فلمح حقيبة سفر صغيرة، فقطب جبينه هاتفا:
ممكن افهم حصل معاكي أيه ياهند وخلاكي تيجي بشنطة هدومك؟
أجابت بهدوء عجيب وهي تمشط شعر والدتها بعد أن حممتها وابدلت ملابسها بأخرى نظيفة:
أيه يا أحمد مش عايزني اجي لأمي ولا أيه؟
تحير من جمود وجهها ونظرتها الغريبة، ماذا حدث!
فترجم حيرته بسؤال: أنتي اتخانقتي مع جوزك ياهند؟ ماكانش عايزك تيجي صح؟ طب جيتي ليه يابنت الناس؟!!!!
جلست تحت قدمي والدتها ارضًا بعد أن صنعت لها ضفيرة جمعت بها خصلات شعرها الفضية القليلة، هاتفة بنظرة استجلبت بها ذكريات بعيدة:
_فاكر يا أحمد لما أعمامي عرضوا يساعدوا أمي ماديا وبتكفلوا بينا بعد موت بابا وهي رفضت تمد ايدها وقالت إن محدش هيكسر عين ولادها بقرش، وبقيت تشتغل على مكنة خياطة مع معاش بابا عشان تكفي لوازمنا،
وفاكر واحنا صغيرين لما بابا اتوفى وكانت بعز شبابها وفضل يجيلها عرسان أشكال والوان وهي رفضت علشاننا..! وفاكر لما رجلي اتكسرت وانا بلعب على سلم العمارة واتجبست واتمنعت من الحركة أسابيع! كانت ماما بتشيلني تدخلني الحمام وتحميني وتغيرلي وتسرحني، وبنفس الوقت بتعمل شغل البيت وبتراعي باقي اخواتي! وفاكر لما انت جالك حُمى شديدة جدا وفضلت ماما أيام وليالي تنام تخاطيف وهي بتعملك كمادات مع العلاج لحد ما خفيت.. حاجات كتير أوي ماما عملتها لينا بس مش هقدر افتكرها كلها، وكبرنا ومحدش في الدنيا له فضل علينا بحاجة والناس لدلوقتي بتحلف بصلابتها وعزة نفسها..!
نظرت لشقيقها فوجدت عيناه تنزف دموع بصمت وهو يتذكر معها ما قاسته امه العظيمة، كي تكفيهم شر الحاجة”
واصلت هند: تفتكر أمي ماتستاهلش مننا تضحية مهما كانت كبيرة؟
ثم نهضت وعانقت والدتها الباكية بصمت من حديثها ابنتها.. وقد بدأ صوت هند بالأنهيار: كله يهون فداكي يا أمي.. كله رخيص تحت رجليكي ..
وأخيرًا اطلقت العنان لكل مشاعرها المقهورة الحزينة التي تفجرت داخلها .. ولم تعد تقوى على الكتمان!
ضمها أحمد إليه لتفرع دموعها على صدره الصلب الذي سيظل حصنها الحامي حتى وإن تزوجت وأصبح لها رجلا يرعاها.. هي شقيقته القريبة لقلبه، ويتألم لحزنها الذي يتجلى بأقسى صوره عليها الآن .. يبدو أن الأمر أزداد سوء بينها وبين زوجها.. وهو لن يترك حياتها تفشل وتخسر بيتها واستقرارها..وهذا ما أشعل عزمه أكثر على التكفل وحده برعاية والدته!
قبل رأسها هاتفا: كفاية ياهند عشان خاطري.. حصل أيه بس لده كله، ياستي لو على ماما ورعايتها، خلاص اطمني أتحلت، ومش هتقلقي عليها بعد كده وتفوقي لجوزك وعيالك!
رمقته هند بحيرة مرددة: حل ايه يا أحمد؟!
أجاب بابتسامة حقيقية وهو يجفف بقايا دموعها:
أنا جاي اخد ماما لبيتي ياهند .. هتعيش معايا وأنا اللي هرعاها وانتي كل اما يكون عندك وقت استأذني جوزك وتعالي شوفيها براحتك.. يعني ياستي اترحمتي من المواصلات رايح جاي وانتي بتجري عشان. تلحقي دورك معاها..!
حاوطت والدتها بتملك هاتفة: مش هيحصل، مش هتاخد ماما عندك، أنا هقعد معاها مش همشي!
قال بدهشة، وهو الذي ظن أنه يقدم حلًا لمشاكلها هي وزوجها: يعني أيه مش هتمشي ياهند، هتسيبي بيت جوزك وولادك وتقعدي هنا ازاي!!
_ مبقاش جوزي خلاص!
انتفض داخله واضيقت حدقتاه معيدا جملتها مندهشا: مبقاش جوزك؟؟؟ هند حصل أيه فهميني وبطلي ألغاز في كلامك، لو كنتم اتخانقتوا ، بسيطة أنا هوديكي عنده وهو اما يعرف أن ماما هتعيش عندي خلاص هيهدى وهتتحل مشاكلكم!!!!
نظرت له والقت مالديها دون تباطؤ:
عصام طلقني يا أحمد!!!
واقفا أمام باب منزله مترددًا، وكفه قابضًا على مفتاحه.. خائفًا إن عبر ولم يجدها..! هل ستتركه، ألن تتحمل حماقاته كما تفعل دومًا..! هل ستقابل قرار لم يقصد إصداره بقبول حكم فراقهما دون جدال.. أو عتاب.. أو غضب .. أي شيء يوصل لهدنة تقيه شر بعدها وفراقها عنه..!
لا مفر ياعصام.. يجب أن تعبر لتتبين نتيجة تهورك!
ادار مفتاحه وعبر! هدوء شديد يصبغ أجواء مسكنه! أين صخب أولاده وهم يتنازعون على ألعابهما. أين صوت اصطكاك جلي صحونها وهي تحضر العشاء.. وصوتها الصادح وهي تقول من بعيد حين تشعر بقدومه:
“أنت جيت ياعصام! ”
_ ها أنا أتيت يا هند..أين أنتي إذًا..!
هكذا أجاب صوت عقله!
دارت عيناه بكل زوايا منزله الخالي..ذهب وتفقد أطفاله فوجدهما بغفوتهما غارقين.. أحكم عليهما الغطاء، وتوجه لغرفته فأدرك قرارها القاسي .. تركته هند!
أحرقه شعور الغضب والنقمة عليها .. لما ضحت به بسهولة، لما لم تنتظر وتخاصمه وتمتنع عن محاكاته كعادتها.. ولكن تظل حوله وكان حتما سيراضيها..!
أشتدت ضمة قبضته حتى كادت اصابعه تتآذى!! وهتف لنفسه متوعدًا :
حاضر ياهند.. أنا هعرف إزاي أعاقبك!
_ إزاي يعمل كده المجنون ده .. يطلقك عشان سبب زي ده .. واضح أنه اتمرع وفاكر إن محدش هيقدر عليه، وانشغالي مع أمي نساه إني موجود!!
بس أنا هعرف ازاي اربيه!! أنا هروح و…… .
قاطعته بتوسل: أبوس إيدك ماتروحش ولا تتدخل أرجوك.. أحنا هنحل أمورنا سوا، وأنا لو عصام جه دلوقتي يقولي ارجعي مش هرجع.. أنا تعبانة أوي يا احمد.. تعبانة ومضغوطة ونفسي ارتاح سبني شوية مع نفسي ، وماتحملش هم ماما، أنا خلاص معاها، روح لعيالك ومراتك وشغلك، وعدي في الوقت اللي يتيسر ليك!! وسيب كل حاجة للأيام.. يمكن اللي حصل بيني وبين عصام خير!
ثم رمقت والدتها بحنان هاتفة: مش دي كلمة ماما لينا دايما.. في كل حاجة تحصل كانت تبتسم وتقول لعله خير!
_ طيب والولاد يا هند! هتقدري تبعدي عن ولادك؟
إجابت بحزن: اطمن! عصام مايعرفش يشيل مسؤليتهم لوحده، وبعدين خليه يجرب يكون مكاني، يمكن وقتها يفهم ويقدر اللي كنت بعمله وهو بيستهين بيه!!
أدرك ما ترمي إليه، ربما لديها كل الحق، زوجها گ رجال كثيرين لا يدركون قيمة ما تصنعه زوجاتهم ويستهينوا بما يفعلون.. ويبخسوا أهمية وقيمة دورهم في كل شيء.. هو اختبار يستحق ذاك الأحمق أن يقوده بمفرده تلك المرة.. فليصمد إن استطاع!!
قاطعت شروده هند:
_ بس أيه سبب قرارك المفاجيء إنك تاخد ماما عندك يا احمد؟ كنت دايما تقولي بيتك ضيق وظروفك ماتسمحش تاخدها هناك!!
كيف يخبرها بسبب قراره.. هل يفضح عقوق شقيقتهما الكبرى؟! وكيف تبعث زوجات ابنائها لينوبوا عنها .. وأنه أكتشف سرقتهما لاغراض والدتهم!
لا .. لن يخبرها عن تقصير فريال أو يهتك سترها أمام شقيقتها هند! نفض عنه الشرود متمتما: راجعت نفسي وحسيت إن أمي المفروض تكون مسؤليتي لوحدي يا هند، انتي وعصام دايما في مشاكل، وادي النتيجة اللي خوفت منها..! وفريال وزنها تقيل وبردو مش صغيرة عشان تراعي والدتها، أنا اللي لازم أشيل أمي ومافرطش فيها.. وانا عند قراري، مجرد ما ينصلح حالك مع جوزك وترجعيله، هاخد أمي تعيش معايا..!
ربتت هند على كتفه هاتفة بحنان : طول عمرك جدع وحنين وراجل يا أحمد .. عموما سيب كل حاجة لوقتها، أنا معاك وأيدي بإيدك.. هنراعي ماما سوا قد مانقدر!
أحتواها بين ذراعيه، لتعلم أنه أيضًا معها ويدعمها فيما تفعل.. فمن يدري بما تحمله لنا المقادير.. ولعله خير!
تراقب والدة زوجها ” فريال ” وهي تحدث شقيقتها هاتفيًا باهتمام شديد.. وتتصنت بتركيز علها تلتقط أي كلمة توشي بأن يكون الخال أحمد كشف أمرها هي وعايدة أمام الجميع، وفضح سرقاتهما لأغراض الجدة فاطمة! ولكنها سمعتها تقول متعجبة:
_ أنتي بتقولي أيه ياهند! هتعتني بماما من هنا ورايح؟! غريبة! طب وبيتك وولادك هتعملي فيهم أيه؟!
هند بصوت حزين تسري ذبذبته عبر الهاتف:
قلتلك يافريال أنا قاعدة شوية مع ماما، يعني ماتحمليش هم مجيتك. وقت ماتخلصي اللي وراكي ابقي عدي عليا وشوفيها، حبيت بس اعرفك!
شعرت فريال أن شقيقتها ربما تعاني هم كبير ينضح من صوتها: مالك ياهند؟ حصل حاجة بينك أنتي وجوزك؟!!
لا تريد حديثًا أو شكوى لغير الله ، فأجابت باقتضاب:
مافيش .. أمور عادية ماتشغليش بالك.. يلا هسيبك. عشان جه وقت علاج ماما وفطارها..!
أغلقت الهاتف بشرود، فهتفت رجاء متسائلة بخبث:
مالك ياماما فريال، وشك مضايق من وقت ما اتكلمتي في التليفون، أنا سمعتك بتكلمي اختك، حصل حاجة؟
أجابت بعين غائمة بشرود: معرفش، بس هند هتقعد هي مع ماما وبتقول مافيش داعي إني أجي!
فرحة أصابت قلب رجاء ، ولكن تداركت أمرها متمتمة بضيق مصطنع: ليه كده بس! ده أنا قلت هحضر نفسي عشان اروح أخد مكانك واعتني بجدتي فاطمة!
فريال: خلاص مافيش داعي، هند هتقعد معاها..!
اعمليلي شاي يا رجاء حاسة دماغي مش مظبوطة!
بلهفة كاذبة: يالهوي سلامتك يا أمي.. من عيني هعملك أحلى كوباية شاي!!!
……………………………
عايدة: أنتي بتتكلمي جد يابت يارجاء؟! يعني خلاص اترحمنا من المركوبة أمهم وهناخد إفراج من تمريضها؟!
أجابت: بقولك سمعاها بودني بتقولها في التليفون كده، وسألتها واتأكدت! بس صعبان عليا الحاجات اللي كنا بناخدها ونستفيد منها.. ده انا وفرت قرشين حلوين ودخلت جمعية وقربت اقبضها..!
_ وأنا كمان دكنت مبلغ مش بطال من ورى جوزي، بس مش مهم كفاية هنفوق من خدمتها، هو أحنا كنا خدامين عندهم..كفاية بيوتنا وعيالنا علينا..!
_ على رأيك يا عايدة.. اخيرا هنلاقي وقت وانزاحت مسؤليتها عننا..!
_انت جننت .. طلقت مراتك ياعصام؟؟؟؟
_ هي السبب يا ماما، اهملتني واهملت البيت والولاد ومبقياش بلاقيها غير تعبانة ونايمة .. نسيت إن ليها راجل محتاج مراته تهتم بيه وبطلباته!
_ تقوم تطلقها ياعصام؟ ياخسارة تربيتي فيك! بتتخلى عنها في المحنة يا ابني! دي مسكينة، ملحقتش تفوق من حزنها على اختها اللي ماتت، وحصل اللي حصل لأمها ومابقيتش بتعرف حتى تقضي حاجتها زي البشر!! ليه كده ياعصام.. ليه تخرب بيتك بأيدك يابني ليه؟!!!
_ ليه بتدافعي عنها وانا ذنبي أيه في كل ده.. انا ماقولتش ماتروحش بس الضغط كله عليها، اختها فريال بتستعبط وتتمارض .. وكتير هي بتاخد يومها
وانا زهقت يا امي عايز ادخل الاقيها مستنياني زي زمان.. عايز احس انها موجودة مش الفراغ اللي انا حاسس بيه ده!!!
_ طب دلوقتي هتعمل أيه هتسيبها من غير ماتحاول تصلح اللي عملته؟
_ معرفش يا أمي، أنا مصدوم كان لازم ماتنزلش من البيت وتكسر كلامي، لكن دي كأنها ماصدقت انطقها واخدت بعضها ونزلت وباعتني!!!
نظرت له وهي تهز رأسها ضيقا، وهتفت:
طب هتعمل أيه مع ولادك محمد وحنان؟! دول لسه صغيرين ومحتاجين امهم تراعيهم، كان لازم تفكر فيهم قبل ما تتهور بالشكل ده!
تمتم بحنق: وهي ليه مافكرتش فيهم قبل ما تكسر كلامي وتسيب البيت؟!
_ أنت الراجل والقرار في ايدك، كان لازم تتحكم في لسانك وماتقولش كلمة تهدم بيها بيتك يا ابني!
نهايته اللي حصل حصل .. يمكن تكونوا محتاجين البعد شوية وكل واحد فيكم يعيد حساباته من تاني!!
_عملتلك عشا خفيف وكوباية لبن.. أنت ما أكلتش حاجة طول اليوم يا أحمد! ”
_ ماليش نفس يا يمنى!
أحتوت كفه بيديها هاتفة: فهمني بس حصل أيه معاك وليه ماجبتش والدتك زي ما قلت، فضفض وماتكتمش جواك يا أحمد أنا مراتك وأكتر واحدة هتخفف عنك بس أشركني في همك!
ثم اغرورقت عيناها: ما تبعدنيش كده كأني غريبة عنك أنا معملتش حاجة تزعلك ومش قادرة اشوفك مهموم وحتى مش عارفة السبب!!
لم يحتمل بكائها، فضمها إليه وأراح رأسه على كتفيها مربتًا على ظهرها دون حديث، فبادلته العناق بصمت لتعطيه هو مبادرة المصارحة بما يخفيه، فغمغم بصوت خفيض: سامحيني يا يمنى عشان اتعصبت عليكي قبل ما اخرج!
ابتسمت بحنان وهي تداعب خصلات شعره : ولا يهمك، لو أنا مش هتحملك وقت ضيقك مين يتحملك!
صمت مرة أخرى ثم تفوه قائلا: حاسس إني قصرت مع أمي يا يمنى.. كان لازم تفضل قصاد عيني و اراعيها أكتر من كده! وما اسمحش بحد يأذيها ابدًا
فتسائلت: ومين أذاها يا أحمد؟ وكلكم بتراعوها، أنت وهند وفريال..!
لم يتفوه بشيء، ولن يفعل! ماذا يقول وكيف؟!!
سيصبر حتى تعود هند لبيتها وينفذ قراره! والدته ستحيا في كنفه هو ولن يتركها لأحد.. ولولا رفض هند لمجيئها لبيته وإصرارها على المكوث معها ورعايتها هناك.. ما كان تركها.. ولكن ربما لم يحين الوقت بعد!!
************************