جاري سداد الدين
__________أنتِ طالق!
يمين علق بأطراف لسانه، كاد ينطقه.. رغم توسلها له وهي تركع تحت قدميه تترجى عفوه وتطلب مغادرته ليهدأ مع وعد برحيلها قبل عودته.. ترجته بدموع غزيرة ألا يلفطها من حياته.. وألا يحررها من قيد عصمته إلى الأبد!
فلم يشفع لها عنده ما قالت، ولسانه يتحرك لإطلاق قراره الحاسم بطردها من عالمه وقذفها بيمين طلاقها..!لولا مداهمة الصغار أبنائه هو وخالد غرفتهما،، ووقوفهم بينهما گ إنذار لعقله ألا يعرض الصغار لمرآى وسماع ما أوشك على قوله!
متسائلا ببراءة طفله الأكبر كرم ذو الست سنوات:
_ مالك يا ماما أنتي وقعتي في الأرض؟!
ثم هرع إليها ظنًا أنها سقطت ارضًا.. وهي صدقًا سقطت! ولكن من عينه هو.. ومن حياته .. إن كان أضطر للمغادرة دون أن يضع النقاط على حروفها.. فالقرار لن يتغير بتأجيل تنفيذه بعض الوقت.. سيُقصيها من حياته..ولن يستأمن مثلها لتكون أمًا لأولاده بعد الآن!
__________________________
أجهد التفكير ذهنه بما آلت إليه حياته !
ومازال لا يصدق ما يحياه.. يتمنى ما حدث لا يكون إلا كابوس سينتهي بإفاقته!
أغمض عيناه ولمحات من ماضيه معها تتدفق لعقله بإلحاح كأنها تخدر ألم روحه.. متذكرًا تفاصيل أول لقاء بينهما وكيف غزت دمائها عروقه كما غزى حبها قلبه فيما بعد!!
……… ……..
عايدة: جرى إيه ياجدع أنت.. هتفضل ماشي ورايا كده، ماتشوف حالك يا أخينا..!
خالد: أنا ماشي في الشارع يعني براحتي.. أنما أنتي اللي المفروض ماترجعيش بيتك في وقت متأخر كده لوحدك والشوارع فاضية والدنيا ليل!
عايدة: أما عجايب والله! وانت مالك..كنت اخويا ولا ابويا
تلفت حوله، فوجد نفس الشابين يرصدانهما، متحينين الفرصة للإستفراد بتلك الغاضبة..فقد سمعهم قدرًا يتفقون على تتبعها وإذائها، والمغيبة تقف تجادله، وكل هدفه حمايتها من خطرهما..!
يبدو أن الشابين قررا المهاجمة.. وهما يقتربان، بعينان تنضح مكر وخبث، هاتفًا أحدهما:
أيه يا جدع أنت ..مضايق المزة ليه ماتسيبها في حالها.. ثم رمق عايدة بنظرات متفرسة ووقحة: ماتزعليش يا برنسيسة، هنحميكي منه، وهنوصلك أحنا..!
لكمة قوية سقطت على صدغ من تحدث، فوقع أرضًا
وهمَ رفيقه بالتدخل والزود عن المسجى تحت قدميه.. فأوقفه المضروب بإشارة من يده:
أستني يا رامي.. الأستاذ فاهم غلط!
ثم نهض وانتصب على ساقيه مرددا بابتسامة كريهة:
انت قفشت بسرعة ليه! اللقمة اللي تكفي أتنين تكفي تلاتة! وصاحب إيحاءاته القذرة تلك، نظرة نهمة لجسد عايدة.. التي ارتجفت، وبتلقائية، أحتجبت عن نظراته وراء ظهر خالد الذي غمغم لها بحنق:
كان زماني وصلتك وخلصنا.. بس انتي ماشية ولا دريانه بحاجة.. غبية!
صمتت بعد أن أدركت الصورة على حقيقتها..!
هذا الشخص الذي ظنته يتطفل ويراقبها.. أراد حمايتها من ذاك الشابين.. ارتعشت ودعت ربها أن تنجو من الجميع، الشارع فارغ من المارة، وبيت عمها مازال بعيدا…!
أبعدها خالد برفق.. وشمر عن ساعديه ورمقهم بحدة وتحذير وقد نفرت عروقه أستعدادا لقتالهما.. سيحمي الفتاة لو كلفه الأمر حياته..
تمتم لها: أمشي أنتي وأنا هتصرف معاهم!
أجابت بتلقائية: مش هسيبك. معاهم لوحدك!
هزته كلمتها البسيطة واربكته، فباغته أحدهما بضربة قوية على رأسه، فشعر بدوار شديد، والفتاة تصرخ مستغيثة.. تمالك نفسه سريعا وانتفضت شهامته وآبت رجولته أن يتركها لهما، سينقذها مهما تلقى من أذي!
وبعد مقاتلة عنيفة تغلب عليهما خالد.. وفي المقابل نفذت طاقته والجروح أضعفت جسده اللذي ينزف نتاج طعنة عشوائية من مِدية حادة كانت بحوزة أحد الشابين..فتمتم بضعف: أمشي بقولك، وانا هتصرف!
هزت رأسها برفض تام: مستحيل اسيبك كده، لازم اوصلك لأقرب مشفى، أنت بتنزف.. بطل أنت كلام وامشي معايا..!
الدوار يزداد وأصبح لا يقوى على جدالها أكثر مشي بخطى بطيئة متعثرة..و جسده المنهك يميل يمين ويسار بترنح! وكلما حاولت إسناده، آبى بأشارة من يده.. حتى ظهرت أخيرا سيارة أجرة اقلتهم لأقرب مشفى.. وهناك أحتاج لنقل دم.. فعرضت أن يفحصوها ويتبينوا فصيلتها.. التي تطابقت معه بصدفة عجيبة، فنقلت له دمائها وأنقدته!
بنفس اللحظة التي تتدفق الذكريات إلى عقل خالد
كانت تشاركه إستحضار نفس ذكرى تعارفها الأولى بصدفة إتصال ذهني عجيبة!
لحظة عودتها إلى منزل بعد أن اطمئنت على خالد
واستقبال زوجة العم بتصفيق ساخر:
_ ما لسه بدري ياغندورة.. ياترى جاية منين في انصاص الليالي.. عرفينا إحنا زي أهلك!
تلعثمت بخوف وهتفت بجمل غير مرتبة: كككنت في المستشفى.. بتتتبرع بالدم.. ناس عاكسوني ..وهو انقذني.. أنا…………
قاطعها تكذيب زوجة العم:
أكدبي وقرطسيني يا عين أمك.. على أساس هصدقك يا بت سهام!
ثم انقضت عليها تعاقبها دون رادع من العم أو أولاده اللذين وقفوا يراقبون ضربها المبرح دون رحمة
وعندما تدخل لينقذها ابن العم أيمن، نهرته أمه بقسوة ليبتعد..ونال وجهها وجسدها الكثير من الكدمات الزرقاء.. وتغيبت عن عملها يومان، وعندما عادت وأثناء مغادرتها.. وجدت خالد ينتظرها ليطمئن عليها.. والذي فزع لمرآى وجهها وأثار تعدى واضح تتجلى عليه.. يومها ترجاها أن تعطيه وقتا تقص له ما حدث ولما تتعرض لذاك الأذى.. ولأنها كانت تبادله نفس الرغبه للحديث وتشعر تجاهه بأمان لم تذوقه من قبل..وافقت على مرافقته بإحدى الأماكن العامة وقصت له الكثير، ولكن أحتفظت داخلها بتفاصيل أكثر.. أشفق عليها، ثم تحولت بالتدريج مشاعره لإهتمام وحب.. ترجمته لهفته ليراها كل يوم أثناء عودتها ليؤمن طريقها من أي عابث يحاول مضايقتها حتى اتفقا على الزواج فور تخرجه من عامه الأخيرة بالجامعة، ورغم أنها لم تكن بنفس مستواه التعليمي، لم يثنيه هذا وتعمق بحبها أكثر.. أما هي فأصبح خالد هو المعنى الوحيد للأمان بعالمها القاسي!
انتفضت من شرودها على صوت شاهندة:
أنا خارجة يا عايدة وهرجع بالليل.. عايزة حاجة؟
_ سلامتك.. بس إنتي مش قولتي هتجيببلي شغل من حد من معارفك.. أمتى هشتغل؟!
أجابت: أنا مش عارفة مستعجلة على أيه.. هو انتي عندك صحة تشتغلي..ولا بتنامي ولا بتاكلي زي الناس
تمتمت بحزن: انام إزاي وانا اتحرمت من جوزي وعيالي اللي معرفش امتى هشوفهم.. وخالد اللي أكيد هيطلقني! النوم للي بالهم رايق يا شاهندة!
صاحت بها: نصيبك وحصاد زرعتك يا بنت الناس..!
وواصلت: نهايته ربنا يصلح الحال.. هسيبك عشان ألحق شغلي! فوتك بعافية
غادرتها والأخيرة تعود لتنغمس بقلب عالمها وتستجلب ذكريات كثيرة هروبًا من قسوة الحاضر الذي تحياه.. ولا تعرف إلى أي مرسى سيؤل قاربها..!
__________________________
عبر الهاتف!
عبد الله: أزيك. يا خالد عامل أيه دلوقت؟!
أجاب: الحمد لله.. وانت عامل أيه؟
صمت على الطرف الأخر لا يعرف ماذا يقول!
هل يكذب ويخبره أنه بخير وهو ليس كذلك؟!
توجس خالد من صمته، فهتف:
أيه يا ابني مالك..وليه صوتك مايطمنش!
صاح بعد تنهيدة مسموعة: أنا هطلق رجاء ياخالد!
فوجيء شقيقه بقوله فهتف: أيه اللي بتقوله ده.. عايز تطلق مراتك ليه يا عبد الله!
صمت ثانيًا، ثم تحدث بصوت شديد الحزن:
أنا عرفت كل حاجة يا خالد.. عن مراتي ومراتك وازاي كانوا بيسرقوا جدتي ويعاملوها وحش
ويببعوا هدومها ويدخلوا بيوتنا حاجتها اللي خالي بيجيبها مخصوص ليها.. عرفت إن أنا وانت أختارنا أمهات لعيالنا غلط..!
خالد الذي كان يجهل أن زوجة أخيه فعلت نفس جرم زوجته: هي مراتك أنت كمان كانت………
عبد الله: أيوة مافرقتش كتير عن عايدة مراتك.. الأتنين نفس السوء والقباحة!
تنهد خالد ولم يجد يايقوله، وهو يشاركه نفس القرار!
ليتهما يقدرا على الغفران والمسامحة!
لكنهما بشر.. ولا يمتلكان رحمة الخالق بعباده!
______________________________
_ يابنتي كلي لقمة تسندك.. من امبارح وانتي على لحم بطنك.. ومش عايزة حتى تريحي قلبي وتقولي حصل أيه يخليكي تيجي بشنطة هدومك بانصاص الليالي..!
تستمع لوالدتها ومازالت على جمودها وهدوئها الظاهري منذ أن أتت ليلة أمس.. رافضة الحديث عن ما حدث بينها وبين زوجها عبد الله.. ماذا تقول؟! الصمت أكرم في حالتها!
تمتمت الأم: تكونش العقربة حماتك السبب؟! يمين بالله اروح افرج عليها الرايح والجاي، فريال بت فاطنة.. عارفاها أكيد هي اللي………… ..
قاطعتها رجاء صارخة: كفاية يامه حرام عليكي مش ناقصة.. محدش عملي حاجة ..محدش ظلمتي!
ورردت ويدها تطرق صدرها بعنف مطلقة العنان لثورتها:
أنا اللي ظلمت نفسي ..وفهمت الدنيا غلط، ومقدرتش النعمة.. ربنا اداني راجل اتقى الله فيا ومحرمنيش من حاجة على قد ظروفه.. اللي ربنا كان بيرزقه بيه كان بيحطه في حجري ويقولي اتصرفي! ..بس أنا اللي طماعة ومارضيتش ولا اكتفيت ومديت إيدي على اللي مش ليا واعتبرته حقي.. ومرحمتش الضعيف ولا صونت الأمانة!!
ثم أنهار باكية وجسدها ينتفض انفعالًا وراحت تهذي: ليه يامه معلمتنيش الرحمة.. ليه زرعتي فيا كره حماتي واهل جوزي من قبل حتى متجوز..صورتيهم على أنهم وحوش! ليه قلتيلي لو اتعاملت بطيبة. هياكلوني.. ليه خلتيني زيك قاسية ومعنديش رحمة
عملت نفس اللي عملتيه مع جدتي زمان!
واصلت هذيانها وسطور الماضي تضوي من صفحات طفولتها البعيدة.. عندما كانت وتشاهد معاملة والدتها لجدتها والدة ابيها.. كانت تهمل علاجها، وتطعمها فائض الطعام وأقله، ولا تجالسها وتثامرها وتتركها وحيدة ساعات طويلة..إلى أن يأتي ابيها ويجلس معها ويطعمها من طعامه دون أن يدري بإهمال زوجته بحق أمه التي فضلت السكوت عن جحود الزوجة، حتى لا تخرب بيته ..وظل الحال كما هو ، إلى أن صعدت روح الجدة إلى بارئها بعد أشهر قليلة.. ولم يمضي الشهرين إلا .لحق بها الأب حزنًا عليها..!
_ فاكرة يامه كنتي بتعملي أيه مع جدتي.. وفاكرة علمتيني أيه؟؟ أديني مشيت نفس طريقك.. وادي النتيجة.. خسرت بيتي وجوزي وعيالي.. مين هيرجعني تاتي لعبد الله ..مين يقدر يخليه يسامحني! مش هينسى ولا يسامح.. وهيسبني..!
عبد الله هيسبني.. متأكدة إن مبقاش ليا مكان عنده!
ظلت تهذي بكلماتها وروحها مستنزفة وجفونها تنسدل فوق عيناها ولم تعد قادرة على الصمود.. أستسلمت أخيرًا لغفوة ..بعد أن جافاها النوم يوم بليلة!
بينما الأم مصمصت شفتيها بإستهتار ..غير مبالية أو متأثرة بتلك الذكريات.. وهي من غرزت نفس سلوك القسوة على الغير في ابنتها رجاء..
فطبقت منهجها على جدة الزوج الضعيفة، دون رادع من ضمير.. لم تتعلم سماع صوته يومًا!
_____________________________
حدث ما توقعته.. وأنضم ولدها الأكبر عبد الله لقائمة من تسبب بإذائهما..! بعد أن علم ما فعلت زوجته وأخذ قرار طلاقها.. الأحوال تسوء أكثر وهي المذنبة الأولى.. ويجب أن تعالج ما افسدته بأي طريقة!
…………… ..
عبد الله: خير يا أمي! خالد بيقول إنك مستنياني من الصبح وعايزة تكلمينا في حاجة! أؤمرينا وأحنا ننفذ!
أيده خالد مرددا: أكيد قولي عايزة أيه يا ست الكل!
تنقل بصرها بينهما، وقد أضناها التفكير بقرار يجب تنفيذه.. فاستهلت حديثها بتساؤل لكليهما:
عايزة أعرف فكرتوا في مصير ولادكم بعد ما كل واحد يطلق مراته هيكون أيه؟؟؟
تبادل الأخوان نظرة حائرة.. حقًا لا يعلمون مصير أولادهم، فهتف عبد الله : أنا مش هحرمها منهم هخليها تشوفهم.. لكن أنا اللي هربيهم!
وتبعه خالد: وأنا كمان مش هقدر استأمن عايدة أنها تربي الولاد لأني مابقيتش ضامن هتغرس فيهم أيه!
ظلت تراقبهم بنظرة تقيمية، ثم تحدثت بصوت شديد الصرامة: محدش فيكم هيطلق مراته!
واللي هيعصاني.. أقسم بالله لأغضب عليكم لحد ما أموت، ولساني مش هيخاطب لسانكم بحرف.. وهمتنع عن الأكل والشرب والعلاج ويكون ذنبي في رقبتكم انتم الأتنين!
احتدت قسمات وجهيهما، وصاح خالد بغضب:
يعني أيه أمي الكلام ده.. عايزة تجبريني ابقى على واحدة. كانت هتقتلني أو تقتل خالي وسرقت ستي وياعالم عملت أيه كمان؟!
بينما تمتم عبد الله بثورة مماثلة: وبعدين إحنا كبار بما في الكفاية عشان نقرر أمور حياتنا.. ماينفعش تقرري عننا حاجة زي دي يا ماما.. لو سمحتي ماتستغليش حبنا ليكي وتلوي دراع كل واحد فينا وتخليه لعبة في ايدك!
ملأ الوجع وجهها مرددة بصوت مهزوز من إنفعالها:
أنا السبب في مشاكلكم وخراب بيوتكم.. أنا اللي اتخليت عن دوري في رعاية أمي وبعتهم بدالي وشيلتهم مسؤلية مش بتاعتهم.. أنا لوحدي الغلطانة
أشفقا عليها.. فاقترب خالد بحرص، فمازال جرحه لم يكتمل تعافيه: حتي لو أنتي غلطي يا أمي إنهم راحوا مكانك.. بس مش إنتي اللي قولتي مدوا ايدكم واسرقوا.. مش انتي اللي خليتيهم يعاملوها بمنتهى القسوة! فأكمل عبد الله:
محدش مسؤل عن ذنوب حد.. مهما قولتي مش هتبرري افعالهم.. ارجوكي يا أمي تسيبينا أحرار في قرارتنا بخصوصهم!
سكتت تطالعهم بيأس لعدم رضوخهما لقرارها. واغرورقت عيناها بحزن، وفجأة باغتتهما بإزاحة أدويتها المتراصة جانبها بعنف، والتقطت مقص صغير.. ووجهت نصله لباطن معصمها، وغرزت جزءً منه فتفجرت قطرات دماء قليلة تحت أنظارهما المذهولة لفعلها الغير متوقع..
وصاح خالد برعب: إيه اللي بتعمليه ده يا أمي ارجوكي أهدي وما تأذيش نفسك.. بينما حاول عبد الله بقوة فصل المقص عن يدها المرتجفة والضعيفة بين كفه القوية، ثم قذفه بعيدا بعنف ، هادرا بغضب شديد:
حرام عليكي يا أمي اللي بتعمليه فينا ده حرام.. ليه كده ليه.. عايزة توجعي قلوبنا عليكي مش كفاية اللي احنا عايشينه.. ليه عايزة تجبرينا على حاجة رافضينها.. ؟!
أجابت بصوت أقرب إلى القرار:
مش هتفضلوا حواليا طول الوقت.. ولا كل مرة هتقدروا تنقذوني.. أنا مش هرتاح إلا أما اصلح اللي افسدته.. وانتم لو ما ساعدتونيش.. يبقي خلاص انتظروا الأسوء، وساعتها هتندموا بعد فوات الآوان! لأن الخساير هتكون أكبر بكتير من دلوقت!
لم يجدا سبيل أخر سوى الرضوخ لرغبتها حتى ولو بشكل مؤقت..مع رفضهما التام للذهاب إليهما وإعادتهما.. فيكفي أن يظلا بعصمتهما..!
_______________________________
مضت الأيام والجميع ينتظر فرجًا يثلح الصدور!
فريال لا تكف عن حساب ذاتها وتدعو العافية سريعا حتي تنفذ ما قررته بشأن الجميع، وهند تتناوب على رعايتها مع عبد الله حتى يتثنى لها ايضًا رعاية الأم مع أحمد ويمنى.. وخالد وعبد الله مازالو لا يتقبلون عودة زوجاتهما او مسامحتهما .. وعايدة مستسلمة لمصيرها وحاولت أيجاد عملا قريب بإحدى المصانع حتى تتكفل بذاتها.. وتخفف حملها على شاهندة.. بينما تنتظر رجاء كل يوم ورقة طلاقها برعب عازفة عن الطعام ولا تأكل منه سوى القليل!
———————————————–
في منزل فريال!
_ هند ممكن اطلب منك طلب؟
_ اطلبي يافريال وانا تحت أمرك!
_ وديني عند ماما أنتي وعبد الله!
_ بس انتي لسه صحتك مش حمل حركة للشارع يافريال.. اصبري شوية!
فعاندت: لأ.. مش هصبر.. أنا اتحسنت شوية واقدر امشي وانتوا اسندوني.. ماما بيتها مش بعيد عني!
أرجوكي ياهند خليني اروح عندها..!
كانت تعلم ما تشعر به فريال من تأنيب ضمير.. ولن تهدأ إلا برؤية والدتها وطلب السماح.. لن تخذلها، ستأخذها إليها.. حتى تتصالح النفوس!
وبالفعل ذهب بها عبد الله وهند.. واستأذنت يمنى حتى تترك لهما الحرية.. وكذلك عبد الله الذي ذهب يتفقد أولاده هو وخالد!
………………… ..
جثت فريال أرضًا تحت قدمي والدتها..!
فهتف هند: كده هتتعبي يافريال من قعدة الأرض.. أنا جبتلك كرسي مريح اقعدي عليه!
هتفت فريال دون أن يحيد نظرها عن الأم فاطمة، والتي بدورها تطالعها بشوق، فمضى الكثير ولم تراها وتطمئن عليها.. كانت تعلم أن ابنتها تعاني شيء حتى إن لم يخبروها..قلبها يشعر بما يجري!
هتفت فريال بعين تقطر دمعا:
_ لا ياهند.. مكاني من الأول هنا.. تحت رجلين أمي..!
أمي اللي قصرت معاها واستخسرت فيها صحتي.. المجهود اللي كنت بعمله مع أحفادي وأنا بدعي المرض.. كنت هبذل اقل منه بكتير وانا براعي أمي
بس أنا………
غص حلقها من قسوة ما تقوله مواصلة:
أنا أستتقلت أشيل أمي في مرضها.. أنا بخلت عليها بصحتي وهي اللي ضيعت شبابها علينا.. أنا أهملتها وبعتلها ناس مش من دمها يراعوها.. من غير ما اسأل نفسي مرة واحدة.. هما بيعاملوها ازاي؟!””
يااااه على غبائي وجحودي.. كان لازم اعرف أنهم مش هيعطوها اللي أنا نفسي بخلت عليها بيه!
ولا هيراعوا ربنا فيها..!
واصلت وانهيارها يزداد، وهند لا تختلف عنها انهيارًا ، وفريال تواصل جلد ذاتها تحت قدمي والدتها الباكية من سماع ما تقوله فريال:
سامحيني يا أمي أنا غلطت في حقك.. وفي حق اخواتي وحق ولادي وحتى احفادي.. أنا أذيت الكل بأنانيتي والكل حياتهم اتقلب حالها.. كله بسببي.. سامحيني يا أمي وادعيلي اقدر اصلح اللي اتكسر.. ابوس رجلك سامحيني!
حنت رأسها وراحت تقبل قدمي الأم فاطمة وتعيد اعتذارها واحدا بعد الأخر.. وهند تبكي وهي تجثوا جوار شقيقتها تحضنها لتهدئها..!
بينما الأم تعافر وتجاهد وتستجلب كل قوتها ورغبتها لمنح ابنتها الأمان محاولة جر الحروف عنوة من حلقها بعزيمة لم تمتلكها يومًا گتلك اللحظة وقلبها منفطرًا لمرآى انهيار ابنتها بهذا الشكل!
وأخيرًا استجاب لها خالقها بمعجزة.. لن يعجز عنها العلي القدير.. وأطاعتها الحروف العصية منذ زمن وتناثرت تباعًا على أطراف لسانها وهي تغمغم بصوت متقطع:
س..سام.. محتك!
اوقفت فريال بكائها فجأة ورفعت وجهها لوالدتها.. بينما هند تطالع والدتها بشك متمتمة بذهول: فريال هي ماما نطقت كلمة ولا أنا بيتهيئلي!!
فريال التي لم تختلف دهشتها مغمغمة بخفوت: كأني سمعتها بتتكلم ياهند!
فأعادت الأم فاطمة نثر الحروف على شفتيها لتثبت لابنتيها ظنهما بقدرتها أخيرا على النطق:
_ ف..فر.. يال! هن ..هند!
صرخت هند وهي تنهض تعانقها بعنف لم تقصده،
وفريال تبكي فرحًا مهللة: ماما اتكلمت ياهند.. ماما رجعت تسمعنا صوتها تاني.. ماما سامحتني!
وظلت تتحدث والعبرات اغرقت وجهها وهي تقبل قدمي الأم فاطمة بفرحة طاغية كادت أن توقف قلبها العليل.. وهند تعيد صراخها بعد أن شعرت بأنامل مرتعشة تربت على رأسها الذي يتوسط صدر الأم فاطمة: ألحقي يافريال! ماما حركت ايديها الشمال!
فنهضت فريال بصعوبة وهي تقبل يد الأم التي تحركت ومازالت لا تصدق تلك المعجزات..
والدتها أخيرا تحدثت وحركت إحدى يديها..!
يالله أرفق بقلبي.. أخاف أن تقف نبضاته من شدة الفرح!
أستوعبت هند قليلا وعيها وادركت أن شقيقها أحمد لابد أن يشاركهما تلك اللحظة.. فهرعت لهاتفها وحدثته بانفعال شديد صارخة عليه كي يأتي ويشاهد ما حدث!
ولم يمضي القليل إلا وآتي يلهث وگأنه كان في سباق عدوٍ ..مرتميا على قدمي والدته هاتفا بصوت لاهث متقطع : أمي ..أنتي بجد اتكلمتي.. طب سمعيني صوتك ..انطقي أسمي اللي وحشني منك ..اتكلمي!
فجادت عليه الأم بالكثير وهي تنطق أسمه وترفقه بلقب حبيب قلبها.. ثم أشارت بيدها ليقترب وتملس على شعره بحنان كما كانت تفعل معه دومًا..!
أستكانوا ثلاثتهم بين ذرعيها.. وگأنهم عادو صغارًا بين أحضانها.. يبكون سيلًا من العبرات ويقبلونها بشوق ومازالوا لا يصدقون أستجابتها المذهلة طبيًا..!
…………… ..