نوفيلا ما الحل
********* الفصل الرابع *******
**************************
★ أنتبهت الى إشارة المخرج الذي ينبهها الى أقتراب عودة البث المباشر ….. أغمضت عينيها للحظات لتتمالك أعصابها التى ثارت عقب حديث ذاك السمج توفيق ثم أعادت فتحهم ونطقت بقوة وصلابة :
_( أهلا بيكم سيداتي وسادتي وعدنا مرة تانية ولسه مستمرين مع رسالة السيد *م* احنا وصلنا لحد فين ؟! .. اها وصلنا لحد ما كان بيقول : انا تعبت يا ناس وخلاص مش قادر ارحموني واسمعوني …. يا اما تموتوني وتريحوني ….. انا يا استاذة ريهام زي مانتوا عارفين بشتغل فرد امن في السكة الحديد …. وحسب ورديتي في اليوم الاسود ده كانت الوردية اني اخد قطر ركاب من **** الى **** كـ فرد أمن جواه يعني تفتيش وكدا ….
ولما ركبت القطر سمعت صوت اااا ……
#فلاش…..
جلس على أحد المقاعد وأسند رأسه على ظهر المقعد وهمس بخفوت :
_( أخيراً شوية راحة … اما الحق أغفل عيني شوية قبل ما نوصل المحطة الجاية )
أغمض عينيه للحظات محاولاً النوم وسرعان ما أعاد فتحهما حينما تناهى إلى أسماعه صوت مشاجرة خافته قادمه من العربة الأخرى ….
أمال رأسه ناحية زميله القابع على المقعد المجاور له يغط في نوم عميق وأقترب من أذنه هامساً :
_( قوم يا *أ* في صوت حد بيتخانق )
همهم الآخر بضيق متمتماً :
_( خناق ايه بس يا جدع سيبني الحق اريح ساعة قبل ما نوصل المحطة الجاية )
لكزه في كتفه وهدر بحنق :
_( تريح ايه بقولك خناقة قوم فز )
أنتفض *أ* من نومه اثر لكزة *م* الموجعه وهدر بصوت لازال يتخلله النعاس :
_( ما بالراحة يا عم خلاص قومت اهو تعالى اما نشوف اخرتها … شكلى هحدف الى بيتخانقوا دول من القطر وأرتاح … )
تقدم الأثنان بخطوات سريعة الى العربة التى يتصاعد منها صوت الشجار …
_( في ايه ؟؟ ايه الى بيحصل هنا ؟؟؟ ) هدر *أ* بنبرة جافة ليلتفت لهم ★الكمسري* صائحاً :
_( تعالى يا باشا شوف الواد ده )
هدر الشاب صائحاً :
_( بس متقولش واد بدل ما أحبسك )
شدد الكمسري على كفيه وهدر بغضب :
_( الله الله عيشنا وشوفنا حتت عيل ما طلعش من البيضة هيحبسني )
فصل بينهما *م* صائحاً :
_( أنا الى هحبسكم انتوا الاتنين لو مقولتوش فيه ايه )
زفر الكمسري بضيق وهتف قائلاً :
_( يا باشا الواد ده مجند في الجيش وانت عارف ان المجندين بيدفعوا نص تذكرة … الواد ده بقوله هات تمن النص تذكرة قعد يهلفط في الكلام ويقولي انا مجند في الجيش مش هدفع تذاكر )
جز *أ* على أسنانه بغضب وقال :
_( يعني صحيتوني من النوم علشان الهيافة بتاعتكم دي ؟!!!
ما تدفع يا بني نص التذكرة وتخلصنا جاتكوا القرف على الصبح )
لوح الشاب بكفه بلا مبالاة صائحاً :
_( مش هدفع حاجة وروني هتعملوا ايه … انا مجند جيش وانتوا أصلاً يادوب عساكر نفر ملكوش كلام عليا )
اندفع *م* تجاه الشاب وأمسكه من ياقة بذلته التى يتفاخر بها صائحاً بغضب :
_( لا دا انت قليل أدب بقى وعايز تتربى )
اندفع إليه كلاً من *أ* و الكمسري للحول بينهما ومحاولين التهدئة وأثناء ذلك جذب الشاب نفسه من بين يدي *م* ودفع بجسده للخلف محاولاً التخلص من قبضتي *م* الفولاذيتين ولم ينتبه لباب العربة المفتوح خلفه مما جعله يسقط من القطار ليلقى حتفه في الحال ….
#بااااك……
بس يا استاذة دا كل الى حصل … أقسملك بالله انا ما رميت حد .. وانا هرميه ليه يعني هو انا أعرفه اصلاً ؟!!!! …. ويادوب كان بينا وبين المحطة الجاية الى هيقف فيها القطر مايجيش عشر دقايق ولقينا كل المحطة متلغمة ظباط …. قبضوا عليا بتهمة اني رميته وحبسوني …. وزمايلي الله يكرمهم قومولي محامي والمحامي جاب شهود اني مرميتهوش بس كمان في ناس ربنا يسامحهم شهدوا اني رميته علشان ينتقموا من الشرطة قال ايه علشان يبينوا للناس ان الشرطة بتقتل في الناس … طاب انا ذنبي ايه يا ست هانم دا انا عسكري غلبان ماشي في حالى ومليش دعوة بحد … رفدوني من وظيفتي الى مليش شغلانه غيرها … وحكموا عليا كمان بتعويض عشرة الاف جنية يا استاذة ريهام … رهنت الارض الى حيلتي عشان ادفع التعويض ومعادش عندي شغلانة اكل منها عيش وكل ما احاول الاقي شغلانة يشاوروا عليا ويقولوا قتال القتلة اهو وميرضوش يشغلوني …. ولادي مش لاقي أاكلهم يا أستاذة ريهام … حرام عليكم تعبت … كل ما امشي في الشارع الاقي الناس تبصلي ويوشوشوا في ودان بعض …. مرة يقولوا دا قتله ورماه بعدها من القطر … ومرة يقولوا لا دا رماه حي …. ومرة يقولوا دا الشاب انتحر لوحده …… محدش بقى يكلمني ولا يكلم عيلتي …. تعبت خلااااص يا تلاقولي شغلانة أاكل منها ولادي … يا تقتلوني وترحموني حرام عليكم تعبت وولادي ملهمش ذنب حراااام عليكم حرااااام )
وضعت الرسالة بصمت بطئ على الطاولة و أطرقت برأسها قليلاً مغمضة عينيها … لحظات … فقط لحظات مرت امام عينيها ماحدث فيهم طوال الشهرين الماضيين … كل كلمة قالتها عن هذا الرجل القاتل الذي بلا ضمير … كل سبة من السباب اللازع التي أطلقتها على ذاك العسكري حامل دم الشاب على كفيه … الآن فقط وضحت الرؤيا أمام عينيها … الآن فقط علمت كم ظلمته هي وأقرانها ممن يأخذون بظاهر الأمور … الآن فقط أدركت كم ساهمت هي وباقي الناس في تحطيم حياة هذا الرجل ….. هو ليس بقاتل … بل هم … .. وعند هذا الخاطر فتحت عينيها بقوة ليندفع الدمع منها ندماً على ما فعلوه بالرجل ..، هدرت بصوت صادح تردد صداه بكامل الأستوديو الذي يسكنه الصمت من حولها :
_( انت مش قاتل يا *م* احنا الى قتله … احنا الى قتلنا الغلابة وأفتخرنا بدمهم على كفوفنا … احنا الى قتلنا حلم الغلبان في اننا نديله رزق حلال … احنا الى بنمنع عنه الحياة الكريمة ونهدر روحه قبل دمه …، احنا الى بناخد ظاهر الامور ونفسر على مزاجنا ومش مشكلة مين يروح فيها ….. المهم ان تحليلنا احنا يكون هو الصح … حتى لو كانت الحقيقة بتقول انه غلط وايه يعني ماهو غلبان ملهوش دية ….. يبقى عادي نخليه يكون رمية … نرميله للكلاب يدهسوه ولو مرة انضم للحرامية … براااافو انت كدا صح ….. انت كدا هتعيش عيشة هنية ……)
أنهت حلقة اليوم من برنامجها « ما الحل » مع وعد لـ *م* بتوفير وظيفة جيدة ومناسبة له ودعمه بمبلغ مادي تكفيراً عن ما لاقاه من معاناة وعقاب على تهمة هو منها برئ ….
**************
خرجت من الأستوديو متوجهة الى المكتب لتلتقط أغراضها وترحل من هذا المبنى فبعد قراءة بعضاً من شكاوى الناس علمت بل أصبحت موقنة بأن حياتها نعمة تستحق الشكر عليها ليل نهار فما تسميه هي مشاكل صعبة ليس لها حل بالنسبة لغيرها من البشر هي رفاهية يتمنونها ….
مدت كفها وأدارت مقبض الباب ودلفت للداخل …. وجدت الساعي ينتظرها هناك ويفرك كفيه ببعضهم البعض بتوتر … عقدت حاجبيها بتعجب للحظات وأنفرجت شفتيها موشكة على سؤاله عما يريد الا ان السؤال لم يتجاوز شفتيها اذ أن الأدراك سرعان ما ضرب عقلها لتهتف بعدم تصديق …
_( أنت ابوه ؟؟!!!! )
أزداد ارتباك الرجل ولكنها لم تنتبه لهذا فقد كانت تحرك رأسها لأعلى وأسفل وتتمتم بتقريراً :
_( ايوة صح انت اسمك مسعود **** وهو أسمه *م* مسعود **** )
أبتلع الساعي ريقه وبصعوبة شديدة أخرج الحروف المتلعثمة من فمه محاولاً ترتيب جمل مفيدة :
_( اااا انـ انا بس كـ كـ كـنت عـعايز ااا ا اا اشكرك يا بنتي )
طالعته بنظرات لازال الدمع يلتمع بها وتمتمت بنبرة خافته :
_( ليه يا عم مسعود مقولتليش من الأول ؟؟ دا انا كنت بشتمه قدامك …، دا .. دا انا كنت بقول كلام وحش قوي عنه قدامك … ليه مقولتش انك أبوه ؟؟!!! )
تنهد الرجل بحزن على حال ابنه الوحيد ونطق بنبرة يخنقها البكاء :
_( هو انتي بس يا بنتي …. دا كل الناس كده … كلهم كانوا بيشتموه قصادي وانا مش قادر انطق ولا اتكلم … كنت بتقطع من جوايا من كلامهم …. كان نفسي اصرخ قدام الكل واقولهم ان ابني برئ ابني مقتلش حد … )
عقدت حاجبيها بتعجب هامسة :
_( امال مقولتش ليه ؟؟!!!!)
شخر بسخرية من سذاجتها قائلاً :
_( أقولهم !!! ضحكتيني يا بنتي … دول لو عرفوا بس انه ابني كانوا رفدوني انا كمان ومكنتش هلاقي اكل انا وهو … على الاقل كان الكام مليم الى بقبضهم بيأكلوني انا ومراتي وابني وعياله ومراته بدل ما نمد ايدينا لخلق الله … الحوجة وحشة يا بنتي …)
طفقت عيناها أسى على حالهم … الهذه الدرجة كانت معمية عن من حولها !!! الهذه الدرجة لا تهتم سوى بنفسها ؟!!!!! كيف لم ترى حزن الرجل الذي يُحكى في ألف كتاب وكتاب وهي تسب ابنه أمامه ؟؟!!!!
جذبت حقيبتها والتفتت خارجة من المكتب بل المبنى ككل وكلمات الرجل تتردد بداخل قلبها قبل رأسها ….« الحوجة وحشة يا بنتي »