نوفيلا ما الحل

******** الفصل الثاني ********

****************************
★ 3 ………. 2 …….. 1 …… على الهوا يا أستاذة
صمت رهيب ساد الأجواء من حولها بعد تلك الكلمات التى ألقاها مخرج البرنامج على مسامع الجميع وكأنه بتلك الكلمات قام بإغلاق أفواه الجميع ……
برودة خفيفة أصابت أطرافها وتعالى وجيب خافقها فلطالما كان البث المباشر يرهبها ويشعرها بالخوف وكأنها تتقلب على صفيح ساخن …
تنهدت بخفوت وأسبلت أهدابها للحظات محاولة أستجماع شتات أعصابها المنفلتة وسرعان ما فتحت عينيها وهدرت بكل ثقة وكأنها لم تكن تلك القطة الخائفة منذ لحظات … :
_( سيداتي وسادتي مساء الخير … أهلاً بيكم مع أول حلقات برنامجنا (ما الحل ) ….
سؤال بسيط محدش فينا مسألوش لنفسه في يوم …. ما الحل ؟؟
كلنا بنسأل ما الحل …. مع كل مشكلة بتواجهنا ما الحل ؟؟
أحياناً يكون الحل قدامنا ومش شايفين …. واحياناً بيكون واضح لكن صعب فنعمل اننا مش شايفين … بس يا ترى لو غاب عننا الحل هنعمل ايه ؟؟
دا الى هنحاول نعرفه مع برنامجنا ★ ما الحل ★
وزي ما أعلنا الأسبوع الى فات بإرسال مشاكلكم على صندوق البريد وانا بأكد صندوق البريد مش البريد الألكتروني وانا هطرحها وأناقشها معاكم ونشوف هل هنوصل فيها لحل ولا لا ….
ونبدأ مع أول شكوى بعد الفاصل … )
************
عاد الضجيج من حولها بعد تصريحها بالفاصل الإعلاني وأخيراً تستطيع ألتقاط بعضاً من أنفاسها المحتبسة بداخل صدرها طوال البث المباشر …
_( صندوق بريد إيه انتى رجعتي العصر الجاهلي ولا ايه !!! )
زفرت بضيق فيبدوا أن إلتقاط أنفاسها سيتأجل قليلاً …. إلتفتت الى محدثها الاستاذ توفيق والذي يبدو وانه قد تفرغ أخيراً لمتابعة برنامجها المتواضع …. رسمت إبتسامة صفراء على شفتيها وقالت بترحيب لا تقصده حقيقة :
_( مساء الخير يا أستاذ توفيق )
_( ردي على سؤالى يا أستاذة ….. ايه حكاية البريد ده هو انتى شغالة في بوسطة ولا حاجة !!)
جزت على أسنانها بغيظ من هذا السمج ذو النبرة المطبوع عليها الاستفزاز بختم ملكي لا ينفك عنه :
_( فكرة جديدة هتجذب المشاهدين يا أستاذ توفيق …… بدل البريد الألكتروني يبعتوها على البريد الورقي )
عقد حاجبيه بضيق وأضاف بذات النبرة المستفزة :
_( أيوة ليه يعني ؟؟ )
زفرت غيظ من هذا السمج وهادنته :
_( ما أنا قولت لحضرتك يا استاذ توفيق فكرة جديدة هتجذب المشاهدين عن إذنك الفاصل خلص )
عادت الى موضع جلوسها قبل عودة البث المباشر مرة أخرى وبداخلها حماس للقادم فلم تكن فكرتها لجذب الناس بل الوصول الى أولئك الذين لا يملكون قوت يومهم ولا يحتكمون على أموال للطعام فكيف ستعثر عليهم وتفهم دواخلهم وهم ليس لديهم بريد إلكتروني !!! وتسائلت بداخلها … ترى كيف هي مشاكلهم !!! أهي مثل ما نسمع عنهم إنقطاع الكهرباء و الصرف الصحي أم أن هناك مشاكل أخرى نفسية وأجتماعية مثلنا ؟؟؟
قطعت حديث نفسها وحركت رأسها لتنفض عنها هذه الأفكار فلم يعد يفصلها عن ذوي الطبقات الدنيا والوسطى سوى خطوة واحدة وها هي تخطوها …. تنبه ذهنها الى صوت مخرج البرنامج وهو يصرح بعودة البث …..
★ رسمت بسمة حقيقية متحمسة على وجهها وهدرت بنبرة واثقة :
_( أهلاً بكم سيداتي وسادتي وعدنا من جديد ومع أول مشكلة هنناقشها الليلة وأول بريد ورقي وصلنا و يا ترى فيه ايه ؟؟)
مدت كفيها وأخذت تقلب بين الأوراق التى أمامها على الطاولة المسطحة الطولية وتناولت تلك الرسالة البريدية التى خبئتها بحقيبتها سابقاً ….. مزقت طرف الظرف وأخرجت الرسالة المطوية التى بداخلها بحماس ثم أستأنفت حديثها قائلة :
_( ورسالة الليلة من السيد * ج * وبيقول فيها ……
أنا موظف بسيط …. بشتغل تبع الحكومة عسكري أفراد وأول ما أشتغلت كنت في مرور الوادي يا ست هانم ….. سبع سنين وانا هناك لا في زيادة في المرتب ولا اسمي جاه في كشف الترقيات الى يعلقوا شرايط ★ أومباشي ★ والوادي بعيد وساكن لوحدي بعيد عن مراتي وولادي …. سبع سنين يا ست هانم لحد ما زهقت وقدمت طلب نقل …. نقلوني في المترو بتاع مصر يا ست هانم وأتلطمت في الشوارع … الشغل بقى أبعد من الأول … ومفيش سكن أسكن فيه وقاعد في الشارع أروح الورديه بتاعتي وأرجع أنام في قهوة جنب المترو بشوية والفلوس الى معايا خلصت على أكل المطاعم الغالي والهدمتين الى انا لابسهم بقوا هباب مش لاقي حته أغسلهم فيها … وكل ما أقول وأشتكي يقولولى هات واسطة ننقلك بلدك طاب وانا أجيب واسطة منين يا ست هانم وكملت معايا أما المدير الى في الوادي مطلعليش ورق نقل عشان يصرفولى مرتبي من هنا والمرتب بتاع الشهر الى متمرمط ومتبهدل فيه ضاع عليا …. قولت زي بعضه يعني هي جات على دي … وفضلت شهر كمان في المرمطة دي يا ست هانم وجيت أقبض الشهر الى بعده قالولى أتبعت على اسم حد تانى بالغلط …. طاب مين الى بعتوله مرتبي عشان أروح أتفاهم معاه وأخده منه يقولولي دي بيانات سرية منقدرش نقولهالك … طاب أنا أروح فين يا ست هانم دلوقت … وعيالى … عيالى ياكلوا منين …. انا مرمي في الشارع زي الشحاتين قدام المترو بستنى معاد الوردية وأدخل وبعد ما أخلص أرجع اترمي تاني قدام المتروا في الشارع لحد ما شوفت الأعلان الى إنتي معلقاه على الحيطان جنب المترو الى بتقولي فيه أبعتولي الشكوى على البريد … خدت العنوان و روحت بعتلك شكوتي يا هانم شوفيلي حل الله يسترك ولادي هيموتوا من الجووووع )
تركت الرسالة على سطح المكتب وأدمعت عينيها على حال الرجل وقالت بنبرة ساخرة :
_(واسطة هه ….. الراجل متبهدل في الشوارع والحل واسطة ….. اتغرب عن عياله ومراته والحل واسطة ….. هو وعياله ماتوا من الجوع والحل واسطة … يعني لو جبتله واسطة المشكلة هتتحل !!!
لحد امته يا بلد هنعيش بالواسطة …
وناخد حق الفقير ونقوله هات واسطة
ماهو لو في حد بيخوفكم هتخافوا وتكشوا
ورب العباد فوقيكم مبتخافوش ليه ؟؟؟؟ اها معلش اصلكم مش بتيجوا غير بالكرباج و البلصه)
أنهت أولى حلقات برنامجها مع وعد ل *ج* بإرسال الواسطة اللازمة له ومساعدته في نقل عمله الى بلده
**************
★ خرجت من غرفة التصوير وسارت في الرواق الجانبي المؤدي الى الخروج ليوقفها صوت الساعي هاتفاً :
_( يا أستاذة ريهام توفيق بيه عايزك في المكتب بتاعه ونبه عليا أقولك تروحيله علطول )
أومأت برأسها متفهمة وتمتمت بضيق :
_( ماشي يا عم مسعود أنا رايحاله أهو )
أومأ الرجل برأسه وبقي وقفاً أمامها للحظات يفرك كفيه بتوتر …. عقدت حاجبيها بغرابة وتسائلت :
_( مالك يا عم مسعود في حاجة … عايز تقولى حاجة ؟؟؟ )
حرك رأسه بتردد وهمس بنبرة خافته :
_( هـ هـ هـو حضرتك يا استاذة ريهام هتذيعي مشاكل بجد ولا دا عشان أول يوم بس ؟ )
أبتسمت بهدوء وتمتمت :
_( لا علطول ان شاء الله يا عم مسعود ) صمتت لبرهة ثم تابعت :
_( أدعيلي بس أنفد من أيد الراجل التافه الى جوة ده … قال عايزني أذيع مشكلة واحدة بتحب واحد مش سائل فيها قال … حبه برص البعيد)
لم يتمالك ضحكته من كلماتها وقهقه بقوة …. تمالك نفسه بصعوبة وقال من بين ضحكاته :
_( ربنا يكرمك يا بنتى …. وانا هساعدك وأجيبلك البريد على مكتبك بدل ما تستغفليني زي الصبح )
أطرقت برأسها وحمحمت بإحراج متمتمه :
_( أنت عرفت أزاي !!! )
مد كفه ورفع وجهها قائلاً بنبرة متفهمة :
_( أرفعي راسك يا بنتي مفيش داعي للكسوف انا بس شوفتك اما كنت راجع جايبله قهوة ….) رفع احد حاجبيه بلوم وتابع :
_( بس أنا عاتب عليكي أنك أستغفلتيني يا بنتي ….. بس خلاص حصل خير هبقى أجيبلك البريد المرة الجاية على مكتبك )
أبتسمت بسعادة وهمت بقول شئ ما إلا أنه قاطعها مستعجلاً إياها :
_( كفاية كلام و روحي يا بنتى شوفي عايز منك ٱيه أحسن يتعصب عليكي وهو عصبي خلقة )
حركت رأسها بسخرية قائلة :
_( بس تيجي على الزعيق يا عم مسعود يلا هروح أسمع الكلمتين منه وأمري لله )
**********************

error: