رواية يونس للكاتبة اسراء على
الفصل_العاشر
يونس
مشيت وياكي للآخر…وأتاري وأولك أخر…
عنيكي خدتني للحلم اللي مبيكملش كلام خلا أحلامي تشوفني و أشوفها قدامي…
إرتفعت الهمهمات من الجميع..وبتول توزع أنظارها على أبو عواد و ناصر..إحتضنت الفتاه بـ قوة خشية أن يأخذها أحد..ظل أبو عواد صامتًا يستشف ردود فعل الناس..وفجأة ضرب بـ عصاه الأرض ليسود الصمت..تشدق أبو عواد وهو يرمق بتول
-بتول يا بنيتي..أنا رچال علامي على جدي (قدي) لكن أعرف ربي كيف ما بعرف كفي..وأنا مرضاش الظلم لأي صبية فـ جبيلتي (قبيلتي)..
نظر إلى ناصر وهو يستند بـ عصاه وهتف بـ جدية
-ما في چواز..الله الغني يا أبو عبدالله..لا تزعل ولكن الصبية صغيرة وما بجدر أرد لبتول بنيتي كلمة..ما في
-زمجر ناصر بـ غضب وقال:هاذه الحُرمة حديثها بيصير سيف على رجابنا..لا يا بو عواد..لاه أنا راح إتجوز هاذه الصبية وما راح أفوتكم من دونها
-تقدم منه يونس و وضع يده على منكبيه ثم تشدق:يلا يا جدي من هنا..مفيش بنات عندنا للجواز..خلاص جبرنا
وأبتعد عنه ليقف بـ جانب بتول يُؤازرها..بينما نظر له ناصر بـ نارية ولكنه قابلها بـ تحدي صريح وكأنه يخبره إن تجرأت على الرفض سيكون قبرك أسفل قدماك..شق السكون صوت أبو عواد يقول بـ صرامة
-فوّت هاذه الدار يا بو عبدالله..ما في چواز الله يرضى عليك
أشار إلى ولديّ ناصر وهتف
-خذوا بوكم الدار..وعجلوه…
ثم إلتفت إلى السيدة والدة الطفلة ثم قال بـ صوتٍ آمر
-هاذه الصبية راح تكمل علامها إذا رادت (أرادت)..مصاريها عليّ..أنا بساعدها لله وما بقبل شئ مجابيله (مقابيله)..هذا شئ لله..ولا حدا من هذه الجبيلة يفكر في عِرس لصبية لساها قاصر..وهون وإنجفل الحديث ..ما راح نحكي عاد بهاذه الحكاية مرة تانية…يلا فوتوا ع داركم…
وإلتفت ليرحل ومعه الباقين..نظر لها ناصر بـ غضب قبل أن يرحل..لتقول في محاولة لـ إستفزازه
-يلا يا راجل من هنا دا لو عطست فـ وشك هتموتك…
ليبتسم يونس على لسانها السليط الذي لا يرحم عدوًا كان أو حبيب..وإنفض الزفاف وإنتهت ليلة قد حُكم بها على فتاه بالموت..إنحنت بتول قبل أن ترحل و تشدقت بـ حنو
-دلوقتي هتكملي تعليمك وعوزاكي تكوني دكتورة ترفعي راسك لفوق ديما..خليكي عارفة إن ربنا هيعوضك وهيقف جمبك…
أماءت الفتاه بـ رأسها بـ قوة وهى تبتسم بـ سعادة..لتُقبل جبينها بـ حب ثم نهضت لتجد يونس يحدق بها بـ نظرات أغرقتها في بحر الخجل..همست بـ صوتٍ خفيض وقالت
-أحم..مش..مش يلا إحنا كمان
-إبتسم وقال:يلا إحنا كمان…
أفسح لها المجال لكي تخطو إلى الخارج وهو يتبعها..ليُسرع في خطواته و وقف أمامها مما جعلها تتعجب من تصرفه..وسألته
-خير فيه حاجة!
-أماء بـ رأسه وقال بـ إبتسامة:ممكن تسمحيلي أخطفك لمكان ونتكلم لوحدنا شوية؟!!
-ضحكت وقالت:ع أساس أنك مش خاطفني مثلاً!.
-ضحك وقال بـ مزاح:ممكن أخطفك تاني!!
-أماءت بـ رأسها وهتفت بـ رقة:ممكن جدًا…
**************************************
وقف بـ سيارته أمام منزلها وأغلق محرك السيارة ولكنه لم يسمح لها بالنزول..تعجبت روضة منه ولكنه أمسك يدها ومن ثم تشدق بـ هدوء
-إتأخرتي النهاردة الصبح ليه؟..أنا معرفتش أسألك عشان الشغل والناس اللي كانوا موجودين
-رفت بـ عينيها عدة مرات وهتفت بـ ذهول:متأخرتش غير خمس دقايق بس
-فـ قال هو بـ بساطة:بس إتأخرتي
-إبتسمت وقالت:خلاص إتأخرت…
-أخر يُحرك يده على ظاهر كفها وتساءل بـ حنان:ها إتأخرتي ليه!!
كانت تعلم أنه سيسألها وأنه لن يرتاح إلا أن ينول إجابة يرضاها..أخذت نفس عميق ثم قالت بـ ثبات ظاهري
-كنت فـ القسم
-سألها بـ قلق:ليه في حاجة حصلت!..طب ليه مقولتليش!!!
-نفت بـ رأسها وقالت بـ هدوء:مفيش حاجة صدقني..الموضوع كله إن كان في واحدة خبط فـ عربيتها وحبت نعمل محضر وكنا بنخلصه
-وضع يده على وجنتها وسألها:طب ليه متصلتيش بيا عشان أجيلك!
-هزت كتفيها وقالت:مكنش له لزوم الموضوع خلص بسرعة..والست محترمة وحليناها ودي
-سألها مجددًا بتأكيد:يعني مفيش حاجة حصلت!!
-أمسكت يده التي على وجنتها وقالت:لأ..متقلقش
إبتسم لها سيف بـ دفئ ثم قال بـ تذكر
-بصي يا حبيبتي أنا هغيب كام يوم عشان أخلص موضوع عز
-شحب وجهها وتشدقت بـ تساؤل:يـ..يعني إيه؟
-طمأنها سريعًا:متخافيش الموضوع مش هياخد فـ إيدي يومين..بس عاوز أربي عز ع مزاجي
إبتلعت ريقها بـ صعوبة..ولم ترد عليه وقد ظنه إن صمتها خوفًا عليه أو ربما قلق..أمسك يدها مجددًا بـ قوة حانية
-متخافيش يا روضة..الموضوع سهل ومفهوش قلق
-هتفت بـ رجاء:من فضلك متأذيش البنت
-إبتسم وقال:عشان خاطرك
ثم ترك يدها وحدثها بـ جدية
-يلا إنزلي مينفعش تفضلي معايا فـ العربية كتير
-طيب
قالتها ثم حلت عنها حزام أمانها وقبل أن تترجل من السيارة هتف بـ حب
-هتوحشيني
نظرت له بـ إبتسامة وسرعان ما تلاشت عندما أدارت ظهرها له..دلفت إلى داخل البناية ثم إستدارت له ولوحت ليُبادلها وتحرك بـ سيارته..هتفت في نفسها وهى تصعد درجات السلم “يجب أن أكون أكثر حذرًا معه”..أخرجت مفاتيح منزلها وفتحت الباب ثم دلفت..أضاءت الأنوار ليأتيها صوتٍ خلفها
-نورتي بيتك…
**************************************
كانا جلسان على تلك الصخرة التي جلس عليها صباحًا وهى بجانبه..تنظر إلى القمر الذي أستحال بدرًا وهى صامتة..غير واعية إلى نظراته التي تلتهمها إلتهامًا..لكم العشق مؤلم!..هتف يونس بـ خفوت خروف اسمها
-بـ..تـ..و..ل
-نظرت له بتول بـ دهشة وقالت بـ عفوية
-هو أنت حاطط موس فـ بوقك!!..
-هز رأسه بـ يأس وقال:مفيش فايدة فـ لسانك اللي عاوز يتقص منه حتت مش حتة..
-رفعت حاجبيها بـ دهشة وقالت:الله!!..مش أنت اللي مش عارف تقول اسمي وعمال تستهجاه
أجبرته على اللطم على وجهه كـ النسوة..ماذا يقول لها!..أيقول أنه كان يتذوق اسمها في فمه!..أيقول أنه لأول مرة يستشعر لذة في نطق اسم فتاهً ما!..بل و الأنكى أنه يشعر بـ مذاقه بين شفتيه..تعجبت من صمته فـ تشدقت بـ حيرة
-مالك يا يونس؟..ساكت ليه!
-رد عليها ساخرًا:وبالنسبة لـ اللطمة اللي لطمتها من شوية دي إيه نظامها!. مش هتسأليني لطمت ليه؟
-رفعت منكبيها وأجابت:أنت حر تلطم ما تلطمش دي حاجة ترجعلك..
وما كان منه أن سبها في نفسه..يعلم أنها مصابه…رفع يداه وهتف بـ تضرع
-يارب إرفع مقتك وغضبك عنا يارب
-أمنت على دعاؤه دون أن تفهم:يارب
نظر لها بـ نصف عين..وصمت..ليعود ويهتف بـ جدية
-عارفة أنا مبسوط باللي عملتيه من شوية..فخور بيكي يا بتول..اي حد غيرك كان هيقول وأنا مالي..لكن أنتي مش أي حد
-إبتسمت بـ خجل ثم قالت:شكرًا..بس الموضوع أن بابا علمني إني مشوفش غلط وأسكت..حتى لو مش هغير حاجة بس مقدرش أشوف غلط وأغمي عيني..عارف نص مشاكلنا بسبب أننا شايفين الغلط وساكتين
صمتت قليلاً ثم أكملت بـ تنهيدة
-عارفين الغلط والحرام وبنروحلهم..ونروح نكتب ع السوشيال ميديا (مواقع التواصل الإجتماعي) الناس بقت وحشة وقمة النفاق يعني..اللي مخلينا فـ القاع إننا مبنحاولش نغير نفسنا ولا نصلح عيوبنا..لأ الأسهل إننا نرمي الغلط ع ناس تانية…
نظر لها يونس بـ عمق ونظرات طفرت بـ عشقه لها..ربما هى عفوية مرحة وذات لسان سليط لم يرى مثله..ولكنها ذو عقلية ناضجة و فكر واسع..تعي الخطأ والصواب وتسير في الطريق وهى تعلم عواقبه ولكنها تموت دفاعًا عما تؤمن به…
أخرجها من صمتها وتأملها القمر..نظراته التي تخترق روحها وتقتلعها من جذورها..إلتفتت له لتأسر بنيته غابات الزيتون خاصتها بها..يعلم انه يُسحب إلى تيار وأنه لن ينجو منه أبدًا..تسللت يداه تُمسك يدها وهتف بـ صوت أجش
-عنيكي لوحدها فتنة…
إزدردت ريقها بـ توتر وقد أخذ وجيب قلبها يعلو بـ صورة أصمتها..رفع كفها ولثمه بـ رقة كـ نسيم رقيق يُداعب أنوثتها وأكمل حديثه
-روحك أسرتني يا بنت السلطان…
-أغمضت عيناها وهتفت بـ تلعثم:يـ..يو..نس
إبتسم وهو يسمع لحن اسمه منها وكأنه معزوفة بيت هوفن..وقرر كسر تلك اللحظة حتى لا يُخيفها أكثر..نظر لها بـ عمق قبل أن يترك يدها وينظر أمامه..وهى سحبت يدها إلى صدرها الذي كاد أن يُحطم ضلوعها ..تشعر بـ سخونة ألهبت وجنتيها…
تمنى يونس في داخله أن تعي مقدار واحد بـ المائة مما يشعر به نحوها..عشقها إقتحمه كـ إعصار وضربه بـ قوة جعلته يخر صريعًا..وضع يده على وجهه وقرر مصارحتها بما جاء من أجله..إلتفت لها ثم قال بـ جمود مُصطنع
-أنا مسافر بكرة…
**************************************
كادت أن تصرخ من هول الفزع الذي إنتاب جميع خلايا جسدها..إلا أنه أسرع وكمم فاها وتشدق بـ هدوء
-إهدي يا أنسة روضة..أنا الرائد عدي
إزدردت ريقها بـ خوف وأماءت بـ رأسها عدة مرات ليقول وهو ينزع يده عن فاها
-أنا أسف إذا كنت خضيتك!
-رفعت حاجبيها وهتفت:إذا!!..حضرتك أنا قطعت الخلف
ضحك عدي ملئ فاه وهى أخذت تتأمل ملامحه الرجولية البحتة..سكنت ضحكات الأول ولاحظ تحديقها به..إبتسم عدي ولم يُعلق..لن يرد كسر تلك اللحظة..وساد الصمت حتى قطعته روضة بـ إستفاقتها من تلك الغفوة..وهتفت بـ حرج ما ان لاحظت نظراته العميقة لها
-أحم..أسفة..
-إتسعت إبتسامته وقال:لا أبدًا مفيش حاجة..
وضعت حقيبتها وتوجهت إليه..ثم قالت
-تحب تشرب إيه!
-ولا أي حاجة..أصلاً مش هطول عشان لازم أسافر الواحات كمان كام ساعة
هزت كتفيها ولم تصر كثيرًا فهى مُنهكة من كثرة العمل اليوم..جلست وأشارت له بـ الجلوس وتشدقت
-إتفضل يا سيادة الرائد..هو حضرتك دخلت شقتي إزاي؟
-جلس عدي وهو يبتسم ثم قال بـ مرح:مينفعش تسألي ظابط هو دخل بيت إزاي. عيبة فـ حقه
إبتسمت مجددًا ولم تُعلق..ليقول هو بـ هدوء
-أكيد بتسألي أنا جيت ليه!
-حركت رأسها إلى اليسار وقالت:يعني حاجة زي كدا
-حك جبهته وقال بـ حيرة:وأنا بدور فـ ملفات قديمة عن شركة الكردي اللي الورق إديتيه لمحمد..لاقيت أسم كريم الشِهدي..أعتقد إن دا اسم عيلتك
شحب وجهها بـ التدريج وأخذت تتنفس بـ سرعة..جعلته يتوجس مما يحدث..نهض من مقعده وإتجه لها ثم سألها بـ تقطيبة
-مالك في إيه!!..أنا قولت حاجة غلط..تخبي أجبلك ماية؟
هزت رأسها بـ نفي. ليسألها بـ إنفعال
-طيب ليه حالتك دي!!..
-هقولك…
ثم أخذت تتنفس بـ عمق..ليعود ويجلس..نظر لها وحواسه مُتأهبة لما ستقول..مالت بـ جذعها العلوي إلى الأمام وقالت بـ حزن
-كريم دا يبقى أخويا
-ردد خليها بـ ذهول:أخوكي!!
-أماءت بـ رأسها وقالت:أيوة..هو كان بيشتغل مع سيادة الوزير عز الدين..تهريب اسلحة وغيره..وفـ مرة حصل مشكلة وأخويا إتقبض عليه وعشان ميعترفش قتلوه…
تهدج صوتها وبدأت قطرات ملحية تُبلل ساقيها..أما عدي فـ كانت عضلات وجهه تقلصت إلى غضب..أكملت حديثها بـ صوتٍ مبحوح
-بعدها بابا مات من اللي حصل..وأمي مستحملتش وتعبت جامد..ولمل خفت طلبت مني إني أصلح اللي كريم بوظه لأنها مش مسمحاه..وكمان قالتلي أحطها فـ دار رعاية..هى مكانتش عاوزة تشوف حد يفكرها بـ بابا…
-أكمل هو حديثها:عشان كدا إشتغلتي معانا…
-أماءت بـ رأسها وتشدقت:مكنش قدامي غير إني أخاطر..الناس دي مش سهلة ولما دورت أكتر عرفت إني هكون فـ أمان لما أشتغل مع سيف…
أشعلت جمرات الغضب و الغيرة لدى عدي ليقبض على كفه بـ قوة كابحًا غضبًا أسود من الإنطلاق..سألها بـ صوت حاول إخفاء الحدة
-طب وعرفتي دا كله منين!!
-كريم حب يأمن نفسه لو غدروا بيه..وأي حاجة كانت بتحصل سجلها..وكله طبعًا كان بعيد عن عز الدين..هو أه عارف و كتب الكلام دا..بس بدون أي دليل..ومكنش حد هيصدقه ولا هيصدقني إن وديته لحد مش موثوق فيه…
-وجيتلي أنا بذات ليه!
-تشدقت بـ جدية:سيف لما قربت منه قالي شوية معلومات..وكنت أنت بداية شغلي مع البوليس..مقدرتش أثق غير فيك بعد اللي هو قاله…
هم عدي بالرد إلا أن صوت طرقات على باب منزلها جعلها تنتفض..أشار لها عدي أن تهدأ وترد..أماءت بـ رأسها ولكن رُغمًا عنها خرج صوتها مُرتعش
-مـ..مين!!
-أنا سيف
شقهة مُنعت بـ واسطة يد عدي وحذرها بـ عيناه..وهتف بـ همسٍ آمر
-ردي عليه وشوفيه عاوز إيه
أماءت بـ رأسها عدة مرات ثم توجهت إلى الباب وفتحته فتحة ضيقة..وقالت بـ حدة زائفة
-سيف مينفعش تجيلي هنا فـ وقت زي دا
-رد هو عليها بـ هدوء:عارف..بس أنتي نسيتي موبايلك وكان لازم أديهولك
-أخذته منه وإبتسمت بـ إصفرار:شكرًا..بس إعذرني مش هينفع أدخلك الوقت إتأخر
-إبتسم هو وقال بـ تفهم:أنا عارف..وكدا كدا مينفعش أدخل..يلا عشان وقفتي غلط..تصبحي ع خير يا قلبي…
ثم رحل..لتُغلق هى الباب..تنفست الصعداء وبحثت عن عدي لتجده إختفى..إنعقد ما بين حاجبيها ولكنها وجدت ورقة كُتب فيها “أنا لازم أمشي وهنكمل كلامنا لما أرجع..خدي بالك من نفسك”..إبتسمت بـ سعادة ثم طوت الورقة و وضعتها في جيب بنطالها ودلفت لكي تنعم بـ نوم هانئ…
*************************************
– يا بتول ردي عليا..من إمبارح وأنتي مبتكلمنيش
نظرت له بـ نارية ولم ترد عليه..زفر هو بـ إستياء..وكاد أن يخطو خطوة في إتجاهها إلا أنها باغتته بـ قذف الوسادة ليتفادها وهو يقول بـ إستنكار
-يا بنت المجنونة
-وقفت أعلى الفراش وصرخت بـ حدة:أنا فعلاً مجنونة إني صدقت واحد زيك..صدقت أنك مش زيه…
نطقت الأخيرة وقد تهدج صوتها وسقطت عبارتها..أشفق يونس على حالها ولما يُسببه من ألم لها..جلست هى وبدأت تنتحب وهى تقول بـ شهقات
-أنت وعدتني أنك هتفضل جمبي..ليه بقى متكونش أد وعدك!!
-جلس على الفراش ومسح على خُصلاتها بـ حنان بالغ وقال:وأنا وعدتك إنك هتفضلي معايا لغاية لما أقدر أطلع برة مصر..وخلاص جه الوقت وكان لازم أكون أد وعدي
وفي ثوان أزاحت يده عنها بـ قوة وأعطته ظهرها ثم قالت بـ جمود
-روح يا يونس..بس مش مسمحاك…
أغمض يونس عيناه بـ حزن..ألا تعتقد أنه يتألم لتركها!..إنها تُشبه مُفارقة الروح للجسد..لا يستطيع أخذها لما هو مُقبل عليه..إما أن يعود سالمًا أو لا يعود..وهو لا يقدر على المخاطرة بها..ولكنه أقسم أنها ستكون ملكه ما أن يعود…
وبعد فترة من تفكيره وجد إنتفاضة جسدها قد هدأت وأنفاسها مُنتظمة..ليُمسد على خُصلاتها وظل مُحدقًا بها لوقت طويل ولم يشعر بـ طول المدة..وأفاق على صوت الهاتف الذي أعلن عن ميعاد وصول طائرته..إنقبض فؤاده لفكرة فقدانها وقد بدأ يشعر بـ تعلقها به..أغمض عيناه ليقضي على تردده..ثم مال ليُلثم خُصلاتها…وهمس بـ حزن
-خليكي عارفة إن أنا مش هتحرر من أسرك إلا بيكي…
ونهض يُلملم حاجياته ودلف إلى الخارج بـ هدوء نظر لها نظرة أخيرة تشي بـ مشاعر جمة ومن ثم أغلق الباب..نزل إلى الأسفل و وقام بـ توديع الجميع وسط الدمعات والوعود بـ إرجاعها سالمة..إلتفت إلى عواد وتشدق بـ رجاء
-خد بالك منها ورجعها لأهلها ي عواد
-ربت على منكبه وقال:لا تجلج هى بعيني يا وِلد عمي…
إبتسم يونس ورحل وقلبه مُحمل بـ الهموم لتركها وحيدة…
وصل يونس إلى المكان المُتفق عليه وإنتظر الطائرة..رمى بـ نظره إلى مكان جلوسهم أمس لتشق وجهه إبتسامة عندما تذكر ما حدث أمس..ومر بعض الوقت وشعر بـ تلك الرياح التي هبت فجأة مُعلنة عن وصول الطائرة..تأهب يونس في وقفته..وما أن حطت الطائرة حتى نزل أخاه منها وبعد حديث تركه وما كاد أن يصعد حتى سمع صوتًا من خلفه يصرخ بـ جنون
-يوووووونس!!!!