رواية يونس للكاتبة اسراء على

الفصل_التاسع
يونس

سألت عقلي فـ أصغى وقال لا لن تراها…

وقال قلبي أراها ولن أُحب سواها…

دلفت روضة مركز الشرطة..ثم نزعت عنها الوشاح ونظارتها الشمسية وتوجهت إلى مكتب الرائد عدي..وقفت أمام العسكري وسألته

-الرائد عدي جوه!
-أجابها العسكري بـ جفاف:أيوة..أقوله مين!!
-تنحنحت وقالت:روضة الشِهدي

تفحصها جيدٌا ثم توجه إلى الداخل..ثوان ثم عاد وقال لها

-إتفضلي..

أماءت بـ رأسها ثم دلفت وعلى وجهها إبتسامة..لينهض عدي ما أن أبصرها وقال بـ إبتسامة واسعة

-إتفضلي يا أنسة روضة
-مرسيه

ثم جلست وجلس هو..أمسك الهاتف وتشدق

-تحبي تشربي إيه؟
-أشارت بـ يدها نافية وهتفت:لأ مش هقدر يا سيادة الرائد..أنا مينفعش أتأخر
-وضع سماعة الهاتف وقال بـ جدية:إتفضلي سامعك

فتحت حقيبتها وأخرجت من بطاقة ذاكرة صغيرة وأعطته إياها..ثم تشدقت بـ هدوء

-كارت الميموري دا في كل حاجة قالها سيف إمبارح..ممكن تكون ملهاش لازمة بس قولت يمكن تنفعك
-أخذ منها بطاقة الذاكرة وتحدث:أي حاجة لو تافهه..بالنسبالي هتكون مهمة..

إبتسمت ونهضت من مكانها..وقالت

-أنا لازم أمشي دلوقتي..ولو فيه أي جديد أكيد هكلم حضرتك
-نهض وتشدق:ممكن أسألك سؤال؟
-إتفضل
-أخذ نفس عميق ثم سألها:ليه بتعملي كل دا!!..جيتي من فترة وعرضتي مساعدتك فـ ليه؟

نظرت له مُطولاً وقد مر بـ عقلها ذكرى جاهدت كثيرًا أن تدفنها..أخرجها صوت عدي المتساءل

-سؤالي ضايقك؟
-إبتسمت بـ بهوت وقالت:لأ أبدًا بس بحاول أصلح اللي أخويا بوظه
-اللي هو!!
-إبتلعت ريقها وقالت:صدقني مش عاوزة أحكي..بعد إذنك

ورحلت سريعًا من أمامه..أما هو فـ ضرب مكتبه بـ قبضته..ثم جلس على مكتبه بـ غضب وهو يقول

-أوووف..هقدر أقرب منك أمتى يا روضة!..يا ترى هقدر أعرف مالك وتحبيني زي ما بحبك؟..

وكان للعقل رأيًا أخر فـ كيف له أن يعشق فتاه تعشق أخر؟!..لا يعلم من ولكنه سعيد الحظ بها..وكيف له أن يتجاوز دقات فؤاده الصاخبة التي تُنادي بـ أسمها؟…

*************************************

فتحت هى باب المرحاض ودلفت خارجه لتجده يجلس مُنتظرًا إياها..فـ سألته وهى تعقد حاجبيها

-ليه منزلتش!
-نهض وهو يبتسم ثم قال بـ مرح:مستنيكي ترفعيلي الضغط

نظرت له بـ نصف عين ولم ترد عليه..ليقترب هو منها بـ هدوء وقال بـ إبتسامة عذبة

-يلا ننزل الناس مستنينا تحت
-ردت هى بـ فتور:بس أنا مش عاوزة أكل
-زفر بـ صوتٍ خفيض وقال بـ هدوء ليحتويها:وأنا مبقولكيش تعالي إفطري..تعالي إقعدي معانا بس..هما قلقانين من اللي حصل إمبارح لما تعبتي
-فـ قالت بـ تردد طفيف:بس آآآ..
-قاطعها هو بـ صرامة:مفيش بس..يلا

ثم مد كفه لها..وزعت نظراتها ما بين بنيته التي تحثانها على الموافقة و الوثوق به وبين يده التي لا تقل عن عيناه بل تكاد تتوسلها..مدت يدها بـ تردد لتضعه في كفه الكبير..ليبتسم هو بـ إرتياح قابضًا على كفها بـ رقة..ولكن أكثر ما أثار حفيظته هو أنها لاتزال تحتفظ بـ خاتم خطبتها منه..لا يزال يشوه بـ بنصر يُمناها..أغمض عيناه بـ غضب وأخذ يسب و يلعن ذلك القذر في سره…

شعرت هى بـ تصلب يده..لتنظر له بـ تساؤل..ثم تشدقت بـ رقة

-مالك يا يونس!!

مُنذ متى وهو يتذوق حلاوة اسمه!..الآن بات يعشق حروف اسمه المعزوفة من بين شفتيها..نظر لها في محاولة يائسة في إخفاء طوفان مشاعره..ثم هتف بـ هدوء لا يشعر منه مثقال ذرة

-مليش يا بتول..أنا كويس..بس يلا ننزل عشان إتأخرنا ع الناس..
-هزت كتفيها وقالت:طيب

وتحركا إلى الأسفل..كان يونس يتحرك بـ بطئ مُتعمد حتى يشعر بـ قربها منه..وكأن الثوان التي ينعم بها معها..تكفيه مدى الحياه…

**************************************

وفي الأسفل كان الجميع يجلس على طاولة الطعام على الطريقة البدوية..وأبو عواد يترأس هذا المجلس..نظر عواد له وتساءل

-بوي!!
-نظر له والده وقال:إيش بدك يا عواد؟
-عِرس الحاچ ناصر بو فراس..راح يتم هون!
-إيّ يا ولدي..

هز عواد رأسه بـ موافقة ولم يرد..وفي تلك الأثناء نزل يونس وهو يمسك يد بتول..ليبتسم عواد بـ خبث وكأنه قرأ ما يدور..تقدما الثنائي منهما لتسأل أم عواد بـ لهفة حقيقية

-كيفيك يا بنيّتي؟..إن شالله صريتي بخير!
-أماءت بتول بـ رأسها وقالت بـ إبتسامة صغيرة:الحمد لله
-ليقول أبو عواد بـ إبتسامة واسعة:الحمد لله..يلا إجعدو..خير الله كثير
-جلس يونس وقال بـ إمتنان:تسلم يا أبو عواد…

وجلست بتول أيضًا وشرعوا في تناول الطعام وسط أحاديث خفيفة..ولم تُشارك منها بتول إلا لمامًا..وكان يونس يختلس النظرات لها من وقت لأخر دون الحديث معها فـ هو يعلم ما يدور بـ خلدها..وجه عواد حديثه إلى يونس قائلاً

-إي صحيح..راح يكون اليوم عِرس حدا من معارفنا..وبدنا تشرفونا اليوم يا صجر..إيش تجول!

نظر يونس إلى بتول ثم عاد بـ نظره إلى عواد وهتف بـ هدوء

-والله لو بتول موافقة..أنا معنديش مشكلة
-نظرت له بتول بـ صدمة ثم مالت عليه وهمست:وأنت بتدخلني ليه!!..مش عاوزة أحضر حاجة

حدق بها يونس طويلاً دون نبث حرف جعلها تتوجس من سكونه..ليبتعد عنها ونظر في إتجاه عواد قائلاً بـ خبث

-خلاص مفيش مشاكل..بتول هتقدر تحضر

كتمت شهقتها حتى لا تقوم بـ إحراج الجميع وفضلت الصمت ولكنها رمقت يونس بـ غضب ليُقابلها بـ أخرى مُتسلية..لتهتف أم عواد بـ حبور وقد حصلت على إنتباه بتول

-وأنا راح أجول للبنيات إيساعدوكي تلبسي ملابسك..
-لتتساءل بتول بـ تعجب:طب ليه!..ما أنا لابسة أهو
-تولى يونس الحديث وأوضح لها:مينفعش تحضري الفرح كدا..هما عندهم مينفعش تطلعي أصلاً كدا قدام راجل..

تلوى شدقها بـ ضيق ولكنها لم تظهره..إلتفتت إلى السيده العجوز وقالت بـ إبتسامة باهتة

-طيب يا طنط..
-إبتسمت أم عواد وقالت بـ سعادة:ربنا يطيبلك خاطرك يا بنيتي
-يااارب

خرجت من يونس بـ رجاء حار..وتشدق بـ مرح

-إدعيلي يا أم عواد أنا كمان..أحسن أنا محتاج دعاكي جوي جوي

قال الأخيرة وهو يرمق بتول بـ نظرات لم تفهمها هى..لتضحك أم عواد وقد فهمت ما يرمي إليه لترفع كفيها إلى السماء وهتفت بـ تضرع

-ربنا يكتبلك ويجدملك (يقدملك) كل خير يا صجر يا ولدي
-يااارب…

وإكتمل الطعام في جو يسوده المرح والحب..ولكن بتول هى في عالم أخر…

**************************************

كان جالسًا على تلك الصخرة التي إعتاد القدوم إليها ليختلي بـ نفسه ويصفي ذهنه ولكن أتاه إتصال على هاتف مُأمن قد أعطاه له عدي في زيارته الأخيرة..ليُخرجه من جيب بنطاله..و وضع الهاتف على أُذنه ثم قال

-عدي باشا إزيك!
-أتاه صوت عدي:بخير يا حضرة المقدم..أنت إيه أخبارك!
-تنهد يونس وقال بـ فتور:كويس زي ما أنت شايف
-مالك يا يونس!!

تجاهل يونس سؤاله والذي لا يعي إجابته بالفعل..ثم سأله هو بـ إهتمام

-إيه أخبار أبوك وأمك!!
-تفهم عدي تغييره للحديث ليقول:كوييسين..أنا لسه مقولتش لأمك ولا عرفتها إني شوفتك
-رد عليه يونس بـ جدية:ودا أحسن ..ومتقولهاش إلا لما أسافر السويد
-ليقول عدي بـ تذكر:أه صحيح..جهز نفسك بكرة ع الساعة واحدة بالليل عشان تسافر..أنا كلمت واحد من طرف العقيد سعد وهو إتصرفلي فـ طيار والموضوع هيتم فـ الخباثة

إنقبض قلب يونس ليس خوفًا من السفر..بل لأنه سيتركها..هو تعلق بها بـ قوة..يشعر بـ سريانها في جسده وكأنها سُم يأبى الخروج من جسده..فاق من شروده على صوت أخيه وهو يهتف

-روحت فين يا يونس!
-مسح يونس على وجهه بـ حزن ثم قال:معاك..هـ..هكون مستعد بكرة فـ المعاد

أحس عدي بـ أن أخيه حزين..فـ سأله بـ توجس

-خير يا يونس!..حاسس إن فيه حاجة؟
-أخرج يونس زفيرًا حار من فمه ثم قال بـ يأس:مش عارف يا عدي..تعبان..تعبان وبس
-أنت بتحبها يا يونس!!

قالها عدي بـ جمود..ليتفاجئ يونس بـ إفتضاح مشاعره حتى دون مواجه شقيقه..وضع يده في خُصلاته القصيرة وتشدق بـ تقرير

-مش بس بحبها..أنا بعشقها
-هتف عدي بـ ذهول:أنت بتهزر صح!..قولي إنك بتهزر؟..أنت تعرفها من يومين بس..لحقت تحبها أمتى!
-نفى يونس بـ رأسه وقال:لأ مش من يومين..أنا أعرفها من سنتين
-إزاي يعني؟
-حك طرف أنفه وقال:لما كنت براقب عز الدين..شوفتها مرة واحدة بس..بنت بريئة ودمها خفيف..ضحكتها وعنيها..كل دول أول أما شوفتهم عشقت صاحبتهم..بس مكنتش عارف…

صمت قليلاً يأخذ أنفاسه ويُرتب حديثه المُبعثر ثم أكمل وهو يبتسم

-مكنتش محتاج غير إني اشوفها تاني عشان أثبت لنفسي إني بحبها من أول لحظة شوفتها..صحت الحب اللي كان نايم من سنتين وأنا مش عارف…
-أتاه رد عدي:بس هى بتحب واحد تاني

تقلصت عضلات وجهه إلى الغضب..وضغط على فكيه بـ قوة..ومن ثم هتف وهو يكز على أسنانه

-المشكلة إن قلبها مش ملكها ولا ملكي
-يبقى تبعد عنها يا يونس عشان متتوجعش..هى مصرة إن عز الدين راجل نزيه
-رد يونس بسرعة:هى عرفت كل حاجة
-ردد عدي خلفه بـ ذهول:عرفت!!..أنت قولتلها!
-لأ هى بس شافت..حاجة من ضمن الحاجات اللي عملها..الحمد لله إني لحقتها قبل أما تكمل
-عقد عدي ما بين حاجبيه وتساءل بـ عدم تصديق:وأنت مبسوط عشان معرفتش كل حاجة!..المفروض تسيبها تشوف كل وساخته وتعرف كل حاجة
-هز رأسه بـ نفي عدة مرات هاتفًا بـ قوة:مش بالطريقة دي يا عدي. إذا كان أنا ولسه بخاف من الليلة دي..هواجسها بتطاردني..بيجيلي كوابيس بسبب ليلة ملعونة زي دي..أجي أنا وأعيشهالها..لأ يا عدي

صمت عدي ولم يرد ليستمع إلى باقي حديث يونس والذي إلتمس بها الحزن

-حتى لو بحبها مينفعش أعيشها وجع..مينفعش تتألم لمجرد إني عاوزها تكره واحد..أنا قابل أكون ضل وبس..أكون جمبها..مش عاوز حبها..اللي بيحب حد ميطقش وجعه أبدًا
-إبتسم عدي وهتف:ما أنت هتكون جمبها تخفف وجعها
-وإبتسم يونس بـ سخرية مُتألمة ثم تشدق:مينفعش أوجعها وأفضل جمبها أواسيها..بتول بريئة ونقية جدًا وهشة جدًا جدًا..لمجرد إنها شافت جزء من اللي عمله كانت هتروح فيها ولو تشوفها دلوقتي يا عدي..اااااه

أخرجها بـ ألم حقيقي ومن ثم أكمل

-فقدت كل حاجة..روحها..لسانها السليط..تصرفاتها اللي تجيب جلطة..وللأسف إكتشفت إني مشتاق لكل دا…

لم يجد عدي ما يرد به فـ يبدو أن شقيقه يُعاني مما يُعانيه هو..كِلاهما يكتويان بـ نار العشق..كان يونس أول من شق هذا الصمت ليقول بـ هدوء

-أنا لازم أقفل دلوقتي عشان عندي حاجة مهمة..
-طيب..هكون موجود بكرة قبل ما تمشي
-أوكيه مفيش مشاكل..بس خد بالك من نفسك
-إبتسم عدي وقال:متقلقش يا عم يونس..أنا تلميذك..
-تمام يا تلميذ..يلا مع السلامة

وهمّ أن يغلق هاتفه إلا أن صوت عدي وهو يعتف اسمه على عجالة أوقفه فـ هتف بـ ضجر

-إيه يا عدي!
-هو أنت ليه صحيح قولتلها اسمك الحقيقي..ليه مقولتلهاش صقر أووأي اسم حركي ليك؟
-إبتسم يونس وقال بـ حيرة:مش عارف..بس مسير الأيام توضحلي..يلا بقى مع السلامة…

ثم أغلق هاتفه و صمت قليلاً يُفكر في إجابة لهذا السؤال..لما أخبرها بـ هويته الحقيقية؟!!…

***************************************

في المساء إنتهت الفتيات من وضع الزينة لبتول والتي إردت الزي التقليدي لهذه البلدة..نظرت إلى نفسها في المرآه..رغم بهوت ملامحها إلا أنها لا تزال تحتفظ بـ لمحة الجمال الإلهي..شكرتهم بـ إبتسامة لترحل الفتيات وهن يتحدثن عن جمالها الفتّان والذي أبرزه ذلك الزي…

قابل يونس الفتيات وسألهم

-خلصتوا!!
-إيّ..وراح يطير عجلك (عقلك) فيها يا رچال..

ثم ضحكت الفتيات وركضن من أمامه..نظر يونس في إثرهم بـ تعجب ودلف إلى الحجرة وهو يُعدل من زيه هو الأخر حيث إرتدى زي الرجال الخاص بهم ولكم أظهرت جاذيبة ذلك الشاب الثلاثيني..كاد أن يهتف بـ اسمها ولكن ظل فاه مُعلق عند أول حروف اسمها وهو يرى تلك الجنية في ثوب بدوي..تقدم منها مسحورًا بـ طلتها ولم ينبث بـ حرف واحد…

لم تنتبه على وجوده وأخذت تُعدل من هندامها..وما كادت أن تلتفت إلا وأطلقت شهقة مفزوعة..فقدْ كان يقف خلفها على بُعد خطوات..وقبل أن تتفوه بـ حروف مُعاتبة..كان هو يسبقها في الحديث قائلاً وعيناه تلتهم جمالها الأخاذ

-مفيش حرف واحد يوصف الجمال اللي قدامي دلوقتي
-أخفضت رأسها بـ خجل و ردت بـ تلعثم:شـ..شكرًا…

أغمض يونس عيناه عنها وقد لمح ذلك الخجل الذي سافر على وجنتيها..ليبتعد عنها خطوات كثيرة وقال بـ هدوء عكس البراكين الثائرة داخله

-طب مش يلا ننزل..الحفلة بدأت تحت وأنا كنت طالع أناديلك
-تفادت النظر إليه وقالت بـ خفوت:طيب..يلا

ولم يمد يده ليُمسك خاصتها حتى لا تخجل أكثر..سمع صوتها وهو يقول بـ صوتٍ خجِل خفيض

-وآآ..أنت طالع..حلو فـ..فـ هدومك دي
-ضحك يونس ملئ فِيه وقال بـ تسلية:حلو!!
-ردت بـ براءة:أه حلو
-نظر لها وهو يتراقص بـ حاجبيه:دا أنت اللي حلو يا حلو أنت

شهقت بـ خجل وتحركت من أمامه بـ خطى مُتعجلة وهو يضحك بـ إستمتاع خلفها…

***************************************

دلفت إلى مجلس النساء وهى توزع نظراتها عليهن جميعًا..جلست بجانب أم عواد والتي أخذت تمطرها بـ وابل من الكلمات التي تصف مدى جمالها..وهو تبتسم على إستحياء..ومر بعض الوقت فـ تساءلت بتول وهى تميل عليها

-أومال فين العروسة!
-نظرت لها أم عواد بـ دهشة وقالت وهى تُشير إلى العروس:هاذه يا بنيتي..

نظرت في إتجاه إشارتها..لتجحظ عيناها من أن ابصرتها..ونهضت كـ من لدغتها أفعى وبـ صوتٍ عال هتفت بـ إستنكار

-دي إزاي يعني!!..دي عروسة إزاي يعني؟

توقفت النسوة عن النساء على إثر صوت بتول الغاضب..لنتهض أم عواد وتسألها بـ توجس وهى عاقدة حاجبيها

-إيش فيه يا بتول!..
-نظرت لها بتول بـ تقطيبة عميقة وهى تقول:بتسأليني ليه ..بجد يعني

خطت نحو العروس وأمسكت يدها وقالت بـ هتاف أجفل الجميع

-طفلة!!..العروسة طفلة شكلها ميجبش تلاتشر سنة!!..أنتو واعيين لـ اللي بتعملوه..
-تقدمت منها إحدى السيدات وهتفت:هاذه عاداتنا وتجاليدنا (تقاليدنا)..
-أشاحت بتول بـ يدها في وجهها وصرخت:عادات إيه وزفت إيه!!..أنتو بترموا بنتاكوا فـ النار وتقولولي عادات وزفت

تقدمت منها أم عواد وهتفت بـ خجل مما يحدث

-عيب يا بنيتي..هيك يا ما يصير..هاذاه مثل ما جالت..عادات وتجاليد..إيش فيه!..ليش أنتي غضبانة هيك؟

لم تعي بتول ما تقول تلك السيدة ليزداد إهتياجها

-غضبانة ليه؟..دا حرام البنت بتقتلوا طفولتها..بتحرموها تعيش طفولتها وحياتها..أنتوا بتدفنوها بالحيا..الظلم دا ميتسكتش عليه…

وفي تلك الأثناء دلف عجوزًا ما ومعه أبو عواد ولده وكذلك يونس..ومن خلفهم شخصان أخران..ليتفاجئ الجميع من توتر الأجواء..ليهتف أبو عواد بتساؤل

-إيش عم يصير هون!
-تقدمت منه بتول وهى تقول بـ غضب:في إن بيحصل جريمة هنا ومينفعش يتسكت عليها

توجس يونس من غضبها وتساءل بـ قلق

-في إيه يا بتول!
-نظرت له بتول وهى لا تزال على غضبها وقالت:في إنهم بيقتلوا طفلة هنا..

زادت عقدة جبين يونس ولم يختلف عنه الرجال الأخرين..لتُكمل حديثها

-بيجوزا بنت لسه مبلغتش..تصور يا يونس!!..

وقبل أن يرد يونس والذي إستنكر ما يحدث هنا فـ قد ظن أنها فتاه في ريعان شبابها..ليرد عليها ناصر”العريس”

-وإيش فيكي بـ مرتي!!..تتجوز وهى طفلة ولا تتجوز..إيش غاضبك هيك!
-جحظت عينا بتول وهي تقول بـ صدمة:أنت عريس الغفلة!
-ليقول أبو عواد بّ تعجب:إيّ هو..إيش يا بنيتي !..إيش فيكي؟

ضربت بتول كفًا على أخر ونظرت إلى الجميع بـ غضب عاصف ومن ثم هدرت

-ولا أي حاجة..طفلة لسه مشافتش الحياه تتجوز واحد رجله والقبر..وتبقى ليلة دخلتها هى و خارجته هو بـ إذن الله
-هتف ناصر بـ غضب:لمي لسانك جوات خاشمك يا حرمة
-أشاحت بـ يدها في وجهه وهتفت:يا راجل إتلهي..مش مكسوف من نفسك وأنت ساحب عيالك وجاي تتجوز واحدة أد حفيدتك عشان ترضي رغباتك القذرة!..يا أخي حس ع دمك

كان يونس يُتابع ما يحدث في صمت ولكنه مُتأهب إذا حدث تطاول..ولكن يبدو أن الجميع يحترم وجود أبو عواد..تقدمت بتول منه وقالت بـ توسل

-يا عم أبو عواد..دي جريمة..دا زواج قاصرات..حرام تضيعوا مستقبل بنت عشان واحد يومين وهياخد أستمارة ستة
-هرولت سيدة وقالت بـ حدة:بجولك إيه..إحنا ناس على جد حالنا ولا تخربي دارنا عاد..الحاچ ناصر الله يبارك بـ عمره..جال يساعدنا وبيتجوز بنيتي..وهّلا روحي من هون..لا تخربي عرسنا
-إشمئزت منها بتول وهتفت وهى تنظر إلى الجميع:بنتك مش صفقة عشان تتباع مقابل حاجة..وبدل أما تقتليها كدا خليها تكمل تعليهما يمكن تطلع حاجة وتساعدك..محدش بيموت من الجوع..ليكي رب يدبرلك أمرك..مش هو اللي هيرحمك من الفقر..وهو لو حابب يساعد هيعمل كدا من غير مقابل..إعمل حاجة حلوة تقابل بيها ربك..

قالت جملتها الأخيرة وهى ترمقه شزرًا..تجاهلت بتول بعض الهممات والسباب الذي إنهال عليها..تجاهلت تشاجر ناصر و ولديه مع ابو عواد..ومن ثم هتفت بـ صوتٍ عال لتخرس الجميع

-بس بطّلوا كلكم..كلمة ربنا هيحاسبني عليها…

نظرت إلى ابو عواد وقالت

-معلش يا عم أبو عواد أنا لازم أرضي ضميري

أماء بـ رأسه بـ هدوء و ثغره يرتسم عليه إبتسامة راضية وكذلك يونس أخذ يُشجعها ويُرسل لها نظرات بثت الطمأنينة بـ نفسها..أخذت بتول نفس عميق ثم ذفرته وقالت

-الرسول عليه الصلاه والسلام قال”من رأى منكم منكرًا فليغيره”..وأنا مقدرش أشوف حاجة زي دي وأسكت عليها..أنتو هتتحاسبوا ع اللي بتعملوه فـ بنتاكوا دا..الضنا غالي وأنتوا بترموهم رمية الكلاب لواحد مريض زي الأخ..يرضي رغباته وحقارته بيها..وبعدين شهرين ترجعلكوا ما هو خلاص أخد اللي عاوزه..دا مش عدل دا زي قتلكم ليها حيه..مذنبهاش حاجة تخسر طفولتها عشان خاطر حاجات تافهه..فقر!!..يعني إيه فقر!..الفقر الحقيقي فـ عقولنا وتفكيرنا..الفقر فـ إننا يبقى عندنا القدرة نحارب ونختار الأسهل ونقعد نلطم بعدها..الفقر إن يبقى فـ إيدك تتغلب ع الفقر بس بتستسهل تمد إيدك للناس..

صمتت قليلاً تُتابع تعبيرات وجوه المُحيطين بها ما بين راضٍ وناقم..لتُكمل حديثها

-البنت دي جايز ربنا يكتبلها تكون حاجة فعلاً وتغير حياتكوا..بدل ما يجي اليوم اللي بنتكِ تبصلكِ فيه وتقولك مش مسمحاكي..لأ دا تيجي وتبوس إيدك عشان حاميتيها..بلاش ترموا الغلط ع العادات والتقاليد..وبلاش جهل..مش فـ التعليم لأ دا فـ الأخلاق والدين اللي بقى بيتفسر ع مزاجنا..خافوا من ربنا..خافوا ع ولادكم وراعو ربنا فيهم..لو مش خايفين من عقاب الدولة والقانون خافوا من عقاب ربنا…

أنهت حديثها ثم جست أمام الطفلة وإبتسمت بـ حنو وسألتها

-أنت عاوزة تتجوزي!!

نفت الطفلة بـ وجهها..لنتهض بتول وإتجهت إلى أبو عواد وقالت بـ توسل

-عم أبو عواد..الناس كلها بتحترمك وبتعتبرك كبيرهم..البنت رافضة المهزلة دي..فـ أرجوك قول كلمة الحق وأنا واثقة أنك مش هتظلم حد….

error: