رواية يونس للكاتبة اسراء على

الفصل_الثالث_عشر
يونس

هو الحب ذا يستهزئ بي…ها قد جعلني سخرية…

وقادني حيث الآمال تُعد عيوبًا…والأماني مذلة…

جففت وجهها بـ منشفة صغيرة من قطرات الماء ولم يُمحى عن وجهها ملامح الإشمئزاز..ما حدث كان بـ مثابة صدمة قوية أن هؤلاء البشر..عفوًا ليسوا بشر..أن يفعلوا شيئًا كهذا..تسابقت عبراتها بـ الهطول تزامنت مع إرتجافة جسدها كُلما تذكرت تلك المشاهد البشعة في حق آدميتهم…

طرق سيف الباب بـ قلق وبـ نبرة لا تقل قلقًا عليها

-روضة حبيبتي..أنتي كويسة!!

وإندفعت كـ الصاروخ وفتحت الباب بـ طريقة أفزعت سيف وجعلته ينظر لها بـ إضطراب..نظرت هى له بـ شرر ثم قالت بـ إهتياج

-متقولش حبيبتك يا شوية قتّالين..أنا مش حبيبتك..أنا مش حبيبتك
-تقدم منها سيف في مُحاولة يائسة لتهدئتها:طب إهدي بس يا حبيبتي
-أشارت بـ سبابتها وهتفت بـ غضب:قولتلك متقوليش يا زفت..فاهم

ثم إندفعت تأخذ حقيبتها وتبعها سيف وهو يقول بـ هدوء ليمتص موجة غضبها

-طب تعالي أوصلك!
-دفعته من منكبه وصرخت:لأ..أنا هروح لوحدي
-ليقول سيف بـ حدة طفيفة وقشرة بروده بدأت تتصدع:تروحي لوحدك إزاي وأنتي فـ الحالة دي!..يلا يا بتول هوصلك وأعملي بعدها اللي أنتي عاوزاه

لكزته في صدره بـ قوة وكادت أن تُعيدها ولكنه أمسك يدها وقربها منه ثم همس من بين أسنانه

-لحد دلوقتي أنا متفهم لحالتك دي يا روضة..لكن أقسم بالله لو زودتي فيها لكون موريكي وش مش هيعجبك
-حدقت به بـ صدمة ومن ثم قالت بـ حدة:يا برودك يا أخي..وليكو عين بعد كل دا عاوزين تقتلوه..أنا كنت عارفة أنك *** بس مش بالطريقة دي
-رووووضة؟!!

صرخها سيف بـ صوتٍ هادر أرعبها وجعل قلبها ينتفض من بين ضلوعها..أبعدها هو بـ حدة عنه ثم أمسك يدها جاذبًا إياها خلفه وهدر بـ قوة غاضبة

-كلمة كمان وهنسى أني بحبك..ويلا عشان أوديكي فـ داهية…

وتحرك بها في إتجاه الخارج..وهى تسير خلفه كاتمة شهقات كادت أن تنلفت وتجعله يثور أكثر مما هو ثائر…

***************************************

رفت بـ عينيها عدة مرات علها تستوعب ما قيل مُنذ ثوان..لتبتعد عنه على حين غُرة وتساءلت بـ تعجب مُتجاهلة إنقباضة قلبها

-بتحبني إزاي..إزي يعني!
-قطب ما بين حاجبيه وشعر بـ غصة تضربه في مُنتصف فؤاده:زي..زي الناس يا بتول..بحبك من أول أما شوفتك..بحبك وقلبي دقلك من غير أما أحس..بحبك وملهاش غير المعنى اللي وصلك…

إبتعلت ريقها بـ صعوبة وقد بدأ وجيب قلبها يعلو من فرط الخوف وهول الصدمة..تقدمت منه خطوة وحاولت التحدث بـ هدوء

-ودا معناه إيه!..لحقت تحبني أمتى!..أنت لسه عارفني من كام يوم
-أمسك ذراعيها وقال بـ حدة:ودا اللي هيجنيني..مش عارف إزاي وقعت فيكي..مش فاهم يا بتول..أنتي زي شهاب عدى قدامي فـ لمح البصر وأنا زي الطفل إتعلقت بيه وبتمناه كل يوم

أغمضت عيناها بـ قوة تتحاشى نظراته التي تخترقها كـ السهام القاتلة..ثم أبعدت يده عنها وقالت دون النظر له

-يونس صدقني مينفعش..أنا قلبي مش ملكي..مقدرش أقولك بحبك وأنا بضحك عليك
-أمسك معصمها بـ قوة كادت أن تُهشم عظامها وهدر بـ غضب:إنما ملك واحد مُغتصب وفاسد..مِلك واحد قتل قرية كلها..أطفال وشباب وستات..شيوخ كانوا بيصلوا فـ الجامع..كانوا بيصلو لربنا وإتقتلو غدر..مِلك واحد خاين لبلده وأهله وآآآ

تراجعت إلى الخلف بما يُسمح لها..قاطعته بـ صراخ وهى تضع يدها على أُذنيها

-بس كفاية..فكرك مش عارفة كل دا..عارفاه ومش فاهمة إزاي قلبي بيدق لواحد زي دا

أمسك يدها اليُمنى ورفعها أمام عيناها وصرخ بـ حدة

-وهتنسيه إزاي وأنتي لسه لابسه خاتمه!
-سحبت يدها منه وقالت بـ غضب:وهو دا اللي مضايقك!!

نزعت الخاتم من يدها ثم قذفته في أحد أركان الغُرفة..فتحت ذراعيها وقالت بـ نبرة إمتزج بها الضحك والبُكاء

-أديني قلعته..شوفت قلبي بطّل يدقله!..شوفتني نسيت حبه!

تقدمت منه خطوات وهتفت ساخطة

-أنا قلبي مش آلة عشان أدوس ع الزرار وأقوله بطّل تحبه فـ يبطّل..عمرنا ما قدرنا نتحكم فـ قلبنا ولا مشاعرنا..بالدليل أهو

أشارت بـ يدها إليه من رأسه إلى قدميه..وهو يقف أمامها يشعر بـ الخذلان والألم..الكثير من الألم..ماذا كنت تتوقع!..أن ترتمي بـ أحضانك وتُخبرك أنها تُبادلك الحب؟!..أغمض يونس عيناه يمتص غضبه وحزنه ومن ثم هتف بـ جمود

-لتاني مرة بقولك أنتي صح..أنا فعلاً مش لاقي الزرار اللي أوقف مشاعري ليكي..مش هقدر أقول لقلبي يبطّل يحبك..أسف إني قولتلك ع اللي جوايا..وأسف أني هنت نفسي بالطريقة دي..وأسف أني إتعشمت فيكي بـ زيادة..وأسف ع حاجات كتير..بعد إذنك…

ودلف إلى الخارج دون الإهتمام أن يرتدي ما يخفي جذعه العلوي العار..وتحرك بـ خطوات أشبه إلى الركض عله يستطيع التنفس بـ حرية وعله يستطيع لملمة شتات نفسه…

**************************************

-في ناس يا باشا عاوزين يقابلوا حضرتك
-إعتدل عدي في جلسته وتساءل:مين!
-أهل خطيبة سيادة الوزير
-تأفف عدي بـ نفاذ صبر ثم قال بـ فتور:دخلهم خليني أشوف أخرتها

أدى له العسكري التحية الرسمية ثم خرج وبعد ثوات عاد ومعه إسماعيل وإسلام..أمر عدي العسكري بـ عدم الإزعاج..فـ إمتثل الأخير إلى أوامره وأغلق الباب خلفه..أشار عدي للآخران وقال بـ صلابة

-إتفضلوا إقعدوا

جلسا بـ صمت الذي ساد دقائق..فـ قطعه إسماعيل بـ نبرة مُنهكة

-إيه الأخبار عن بنتي يا حضرة الظابط!
-رد عليه عدي بـ برود وهو يتلاعب بـ القلم بين يديه:والله أدينا بندور عليها ومستنين
-كور إسلام قبضة يده وهتف من بين أسنانه:مستنين إزاي يعني يا باشا!..مش المفروض دي خطيبة الوزير!!..يعني ع الأقل قوموا بـ شغلكم

توقف عدي عن التلاعب بـ القلم ورمقه بـ نظرة نارية جمدته..ومن ثم تشدق عدي بـ تحذير وهو يُشير إليه بـ سبابته

-مش أنت اللي هتعلمنا إزاي نقوم بـ شغلنا..وإذا كان ع سيادة الوزير فهو قايم بالواجب وزيادة..

مال عدي بـ جسده إلى الأمام وهمس بـ خبث

-هو أنتوا مش ناسيب برضو والمفروض يقوم بالواجب!..ولا شكله كدا موراكوش وشه من بعد اللي حصل!!

ثم تراجع إلى الخلف وعلى وجهه إبتسامة شامتة.. بينما إسماعيل كان على وشك البُكاء من أجل طفلته الضائعة..وإسلام ينظر إليه بـ غضب أسود..وقبل أن يتحدث سبقه والده بـ نبرة راجية

-يا بني كل اللي عاوزه بنتي وبس..دا رجاء أب مش أكتر..ربنا ما يكتب عليك يا بني تفقد أبنك

أغمض عدي عيناه..هو يعلم تمام العلم كيف تشعر عند فقدان أحدهم..إنتابه هذا الشعور لمدة ستنان أثناء غياب أخيه..إختبر أن تعلم أنه على قيد الحياه ولكن لا تستطيع الوصول إليه..مسح عدي على وجهه وقد لمس إسماعيل فيه وترًا حساسًا ثم قال بـ هدوء

-يا حاج إحنا بنعمل اللي علينا وإن شاء الله هترجع بخير
-رد عليه إسماعيل بـ تلهف وقال:وأنا مش عاوز غير إنها ترجع
-إبتسم عدي وقال:هترجع يا حاج..بس أنت قول يارب..
-رفع يده إلي أعلى وهتف بـ تضرع:يارب

ثم نهض وكذلك إسلام…فـ تشدق عدي بـ إطمئنان

-متقلقش هنكون ع تواصل وأي جديد هبلغك
-متشكر يا حضرة الظابط..نستأذن إحنا

تحركا إلى الخارج. ليضع عدي يداه في جيبي بنطاله وزفر بـ ضيب ثم تشدق بـ عبوس

-قولتلك يا يونس مينفعش تاخدها معاك…

**************************************

توجه إلى حديقة القصر دون أن يلتفت إلى النداءات خلفه..دفع الباب بـ كِلتا ذراعيه وركض إلى الخارج..إستند على رُكبتيه وأغمض عيناه بـ قوة مُعتصرًا لجفناه..دقائق وظل على وضعه ثم عاد ليتعدل..نظر إلى أعلى وقال بـ تضرع

-يااارب

ثم تمدد على الأرض العُشبية فاردًا لقدماه ويداه على حد سواء..ظل يُحدق في السماء الصافية وهو بـ عالم أخر..شرد في ذكرياتهما معًا..لسانها السليط الذي يُفقده عقله..تصرفاتها العفوية والمُحببة إلى قلبه..إبتسامتها الرائعة والتي تتغلغل إلى قلبه لتجعله يهيم بها أكثر..ركضها إلى أحضانه وعتابها له على تركها..كلمتها التي أخذت ترن في أُذناه

“أنا أخترت أثق فيك يا يونس”

لا يعلم تكرار هذه العبارة ألتؤلمه! أم لتجعله يتمسك بـ بذور الأمل التي تنبتُ في خبايا هذه العبارة!!..يكاد رأسه ينفجر من كثرة التفكير..حزن كثيرًا وتألم أكثر عندما باحت له أن قلبها لا يزال ينبض لذلك الخائن..يُريد أن يذهب وقتلع فؤاده من بين ضلوعه..يريد أن يُجبر قلبها على حبه..أن يضخ في عروقها نبضه هو..يُريد أن يتردد اسمه من بين شفتيها..اسمه وحده..ولكنها تظل أحلام..أو كابوس واقعه الأسود…

إستيقظ على شيئًا ما يُداعب أنفه بـ رقة..فتح جفنيه لتظهر بنيته الناعسة..لينتفض جالسًا وهو يراها تجلس أمامه وعلى وجهها أروع إبتسامة قد يراها يومًا..هتف بـ عدم تصديق

-أنتي..آآ
-وضعت إصبعها على فاها ثم قالت بـ صوتٍ ناعم:هششش..ممكن تسكت شوية وخليني أتكلم

إبتلع ريقع بـ صعوبة وهو يؤمئ بـ رأسه عدة مرات ولا تزال الصدمة تضرب مراكز عقله فـ تمنعه من الإستيعاب..إبتسمت وهى تهتف بـ نبرة حانية

-أنا عملت كدا عشان أشوف رد فعلك..قولت كدا عشان أتأكد من حبك ليا..
-حدق بـ زيتون عيناها وقال:مش فاهم..يعني أنتي عملتي كدا عشان خاطر تتأكدي من حبي ليكي!!

عضت على شفتيها وأماءت بـ رأسها ثم هتفت بـ حرج

-أسفة
-أسفة إيه بس!!

وقالها وهو يجذبها إلى أحضانه بـ صورة جعلت قلبه يرتج داخل قفصه الصدري..أحاطت خصره بـ دورها وهمست في أُذنها بـ عذوبة

-بحبك…

وإنتفض من نومته على صدى تلك الكلمة “بحبك”..دار بـ رأسه باحثًا عنها كـ المجنون ولكنه لم يجدها..تيقن أنه لم يكن سوى منام وردي يُريده عقله وقلبه..مسح على وجهه بـ عنف بالغ أدى إلى إحمرار وجهه ثم هتف بـ يأس

-الظاهر عدي كان عنده حق..محدش هيتوجع غيري…
-ما بك أيُها الوسيم!!

تشدقت بها أنچلي التي تتهادى في ثوبها الأسود والذي يصل إلى كاحلها..ذو فتحة ظهر واسعة أظهرت ظهرها كاملاً..و كذلك فتحة صدر أبرزت جمال نحرها البض وذراعيها المكشوفان بـ بذخ فـ ظهر وشمها الذي يُزين أعلى منكبها الأيسر..تركت خُصلاتها حُرة تُداعبه نسمات الهواء…

نهض يونس عن الأرض العُشبية ومن ثم رسم إبتسامة خالية من الروح وقال

-لا شئ..ديانا تستعد وأردت أن أترُكها تأخذ مساحتها..تعلمين النساء
-إقتربت منه وهى تضحك ثم قالت:أعلم جيدًا..لذلك أمل ألا تعتقد أنني كنت أتلصص عليكما ولكني سمعت صوت عراك ولم أفهم شئ..كُنتما تتحدثان العربية كما أعتقد
-رد عليها يونس بـ هدوء:نعم..ديانا تنحدر من أصل عربي..جدها الأكبر ذو أصل شامي..وهى تتحدث العريبة وقد تعلمتها من أجلها
-وضعت يدها على الفاها المُلطخ بـ لون بني وهتفت بـ إعجاب:أوووه حقًا..ياله من حب!!..تتعلم العربية من أجل خليلتك..إنه لشيئًا رائع

إبتسم بـ سخرية وهو يؤمئ بـ رأسه..تقدمت منه مرة أخرى وسارت بـ يدها على صدره بـ نعومة وهتفت

-هيا لتستعد..سيدي على وشك الحضور
-أمسك يونس يدها وقال:حسنًا سأذهب

تحرك خطوتان ليسمع صوت أنچلي يصدح بـ دلال

-إن أردت مواساتي فـ سأكون أكثر من سعيدة لذلك
-رد عليها دون أن يستدير:أشكرك عزيزتي..أعلم جيدًا..سأذهب كي لا أتأخر
-وضعت يدها في خصرها وقالت:ستجد من يدُلك على غُرفتك

أماء بـ رأسه ثم رحل..تنهدت أنچلي بـ حرارة..ثم عضت على شفتيها قائلة

-متى ستعلم أني أعشقك إلى النخاع..جون!!

**************************************

كانت جالسة على طرف الفراش تضع رأسها بين يديها..لا تدري لما تشعر بـ تلك الغصة التي تنهش في صدرها..تشعر بـ قلبها ينقبض بـ قوة آلمتها..حديثها تتيقن من صحته وأنه الأصح لهما..فـ بعدما ما علمته عن عز الدين وقلبها حُطام..لا تُريد التورط في الحب والشعور بـ الخذلان مرة أخرى..ولكنها من قررت الوثوق به..ولكنها أيضًا لم تعده بـ الحب…

زفرت بـ ضيق عدة مرات..ثم نهضت تبحث عن خاتم خطبتها..وجدته في أحد الأركان..توجهت إليه ثم إلتقطته وعادت ترتديه..حدقت به مليًا وتشدقت بـ شرود

-مش لابساك ذكرى أو عشان أحنلك..لأ دا عشان أفكر نفسي ديما بـ وساختك…

سمعت طرقات رتيبة على باب الغُرفة ثم دلفت بعدها أنچلي بـ خطواتها المتهادية..رمقتها بتول بـ غيظ ولم تتحدث…

تبع دخول أنچلي عدد من الفتيات وشاب..نظرت لهم بتول بـ تعجب وتشدقت

-لما هم هنا!
-أشارت أنچلي إليهم وقالت:من أجلك عزيزتي
-أشارت بتول إلى نفسها وهتفت:لي أنا!!
-أماءت بـ رأسها وقالت بـ لطافة:نعم عزيزتي..هيا لا وقت لدينا..الحفل على وشك البدء

ثم أشارت إلى الشاب أن يقوم بـ عمله..تحرك الشاب في إتجاه بتول وهى تتأهب لما سيفعله..لتجده تمتد يداه لينزع عنها قميص يونس..أبعدت يده عنها بـ حدة وقامت بـ صفعه شهق الجميع على إثرها..ثم تشدقت بـ غضب

-ماذا يفعل هذا الوغد؟
-تفاجئت أنچلي من رد فعلها وقالت:سيقوم بـ مساعدتك في إرتداء ثوبك
-رفعت أحد حاجبيها بـ إستنكار وقالت بـ لغتها الأم:الستات عندنا مبتكشوفش ع رجالة..ولو أني أشك أنه رجالة أصلاً

تعذر على أنچلي فهم ما تقول لتهتف بـ عدم فهم

-عذرًا ديانا..لم أفهم ما تقولين
-إبتسمت بتول بـ إصفرار وقالت:لا أحتاج إلى مساعدته..سأرتدي ثيابي بـ نفسي..أين هو!

تقدمت منها الفتاه ثم أعطتها ثوبها..أخذته بتول منها وقبل أن تدلف إلى المرحاض وقالت

-لا داعي لهم هنا..سأتدبر أمري جيدًا
-رفعت أنچلي منكبيها بـ خفة وقالت بـ إبتسامة:لكِ ما تُريدين..هيا بنا

قالتها وهى تُشير إلى الفتيات والشاب الذي رمق بتول بـ غضب وهو يتحسس وجنته إثر الصفعة..لتُخرج بتول لسانها له وهى تقول بـ تشفي

-أحسن..أحسن

دلفت إلى المرحاض وشرعت في إرتداء ثوبها الذي يصل إلى كاحلها من اللون الأزرق الداكن اللامع..ذو أكمام تصل إلى ما بعد مرفقيها بـ إنشات قليلة..وفتحة صدر مُثلثية صغيرة ولكنه فتحة الظهر على النقيض تمامًا حيث أظهرت نصف ظهرها ولكن يُغطيه بضع طبقات من الأقمشة الشفافة..يلتف على جسدها بـ نعومة مُظهرًا رشاقة قدها..

خرجت من المرحاض ووقفت أمام مرآة طويلة لتتأمل مظهرها..والذي حاز على إعجابها..أمسكت فرشاةً ما وصففت خُصلاها المُتداخلة ما بين الأسود والبني بـ طريقة كلاسيكية..وتركت بعض الخُصلات تُحيط بـ وجهها وكأنه لوحة فنية..أنهت تزينها بـ وضع لمسات خفيفة من مستحضرات التجميل..حيث وضعت أحمر شفاة بـ اللون الأحمر القاني ليتماشى مع ثوبها..وحددت عيناها بـ كحل أسود ليُبرز لونهما الزيتوني…

كانت بـ حق لوحة فنيةغاية في الفتنة والأنوثة..دلف يونس على حين غُرة..ليتسمر قليلاً أمام جمالها الإلهي الفتاك..إرتعفت ضربات قلبه تدريجيًا حتى ظن أنها وصلت مسامعها..هز رأسه لكي يفيق من تلك الخيالات وأبدع حقًا في رسم الجمود واللا مبالاه على وجهه..تقدم منها بـ خطى هادئة..إلتفتت هى على إثرها..فغرت فاها وهى تتأمل وسامته التي أظهرتها حلته الرمادية اللامعة والذي ترك أول أزراره مفتوحة لتُظهر صلابة عضلات صدره وذراعيه القويان اللذان يعقدهمت أمام صدره..وخصلاته القصيرة المُصففة بـ عناية وكذلك شُعيرات لحيته التي زادته جاذبية…

إبتعلت ريقها وهى تتقدم ناحيته في محاولة منها أن تتخطى ماحدث مُنذ قليل..ثم هتفت بـ إبتسامة بلهاء

-حلوة البدلة
-نظر لها من طرف عيناه وقال بـ جفاء:شكرًا

إبتعلت غصة جفاء صوته التي لم تعتاد عليه..لتقترب أكثر منه وأمسك يده بـ رقة جعلت جسده يقشعر بـ قوة وكأن كهرباء سرت فيه ولكنه أثر إخفاء تأثيرها عليه فـ يكفيه ما يشعر به من ألم وكرامته التي أُهدرت في إعترافه لها بما يكنه لها..تشدقت بـ نبرة حزينة

-أسفة يا يونس لو كنت جرحتك..مكنش قصدي

نظر لها بـ سخرية ولم يرد..لتُكمل حديثها وهى تُحاول الإبتسام

-أسفة بجد..أنا مش عاوزاك تحس إنك إتسرعت فـ اللي أنت قولته
-إنتشل يده من يدها بـ قسوة ورد عليها بـ جمود:وهو أنا قولت إيه!!..أنا نسيت أصلاً..وأنتي كمان أنسي ومتشغليش بالك بيه كتير..دا كان لعب عيال…

وتقدم خطوتين في إتجاه المرحاض وأغلق بابه بـ قوة جعلتها تنتفض..تعلم أنها جرحته في كرامته كـ رجل..وأكثر ما يكرهه يونس أن تُدعس كرامته..فـ هو عزيز النفس كثيرًا..وإن شعر أن كرامته ستُهدر..يُخرج قلبه من بين ضلوعه ويدهسه بـ قدميه ثم يرحل وكأن شيئًا لم يكن

وقفت بـ الخارج تُحارب دموعها من الهطول..فـ يونس لا تستطيع وصف ما تشعر به تجاهه..ولكن ما باتت تتيقنه أنها تتألم بـ قوة لألمه وكأنها هى من أُصيبت بـ تلك الوغزة في قلبها…

طرقات على الباب تبعها دلوف خادمة والتي تشدقت وتُخفض رأسها إلى أسفل

-بدأ الحفل والسيدة أنچلي تطلب وجودكما
-ردت عليها بتول بـ لامبالاه:حسنًا..خمس دقائق فقط

هزت الخادمة رأسها ثم رحلت وأغلقت الباب خلفها..أخذت بتول عدة أنفاس عميقة وتوجهت إلى المرحاض..كادت أن تطرق الباب ولكنها وجدته يفتح الباب بـ وجهه الجامد..عادت خطوتان إلى الخلف وهتفت بـ تلعثم

-آآ..أنچلي..آآ
-قاطعها بـ يده وقال بـ صلابة:سمعت..يلا..
-ردت عليه بـ خفوت:يلا..

تحركت عدة خطوات أمامه..ليجذبها بـ يده إليه..توترت بتول وقبل أن تتحدث تشدق هو

-مينفعش تسبقيني كدا..هنطلع زي ما دخلنا

ولم يتسنى لها الفهم..حيث قام بـ لف يده حول خصرها بـ نعومة تُخالف صلابته..تضرجت وجنتي بتول بـ خجل ولكنها لم تُبدي أي رد فعل..فـ هى باتت تعشق قربه لها تستمد منه الأمان والقوة..وأصبح يونس لغز جديد بات يُثير حيرتها….

error: